logo
زيارة ترمب بداية عهد جديد بين السعودية وأميركا

زيارة ترمب بداية عهد جديد بين السعودية وأميركا

الشرق الأوسطمنذ 4 ساعات

شكّلت زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للمملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي، تحولاً حاسماً واستراتيجياً للعلاقات السعودية - الأميركية، إذ أثمرت نتائج فاقت التوقعات.
فخلال الزيارة وُقّعت مجموعة من الاتفاقيات الكبرى عكست توافقاً استثنائياً لمصالح البلدين، وأكّدت مكانة المملكة الرفيعة في القيادة الإقليمية. وكانت لإشادة ترمب اللافتة بولي العهد محمد بن سلمان وثنائه على برنامج الإصلاحات في المملكة، وتأييده غير المشروط لسياسة المملكة تجاه القضايا الإقليمية مثل العراق وسوريا، وكذلك قضية التعاون الأمني دلالة على تحول واضح في الحسابات الاستراتيجية الأميركية.
وليست نتائج الزيارة في صالح أولويات المملكة فحسب، بل تجاوزتها، مما يمهد لعهد سعودي جديد من النفوذ والاستثمار والتواصل الدبلوماسي. كما أعرب ترمب عن دعمه المطلق لولي العهد، وأثنى على قيادة المملكة الإقليمية، وأكّد توافق المواقف الأميركية مع المملكة تجاه القضايا المتعلقة بالدفاع والاستثمار وقضية إيران وسوريا وأمن الخليج.
وأثمرت الزيارة توقيع استثمارات سعودية بقيمة 600 مليار دولار في مختلف القطاعات الأميركية، مثل الطاقة والمعادن الحيوية والبنية التحتية والتقنية المتقدمة. وأصبحت هذه الاستثمارات - التي سبق الاتفاق المبدئي عليها - قيد التنفيذ، مما يعزز الترابط الاقتصادي، وفي الوقت نفسه يخدم ذلك أهداف التنويع الاقتصادي في إطار «رؤية المملكة 2030». وستستفيد الشركات الأميركية من تدفق رأس المال، ومن الشراكات الصناعية ومشاريع الابتكار المشتركة.
كما أكّد حضور عدد من الرؤساء التنفيذيين الأميركيين، مثل إيلون ماسك وجين - سون هوانغ، ولاري فينك، في «المنتدى السعودي - الأميركي للاستثمار» الذي عُقد خلال زيارة ترمب، تنامي ثقة القطاع الخاص الأميركي في مسار المملكة الاقتصادي. ووُقّعت أيضاً اتفاقيات في قطاعات، مثل الطاقة النظيفة والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والخدمات اللوجيستية والتصنيع المستدام، مما يعزّز الدور القيادي الأميركي بمجال التقنية في خطط المملكة التنموية.
وفي مجال الدفاع، وُقّع اتفاق تسليح بقيمة 142 مليار دولار، وهو حجر أساس لأجندة استراتيجية جديدة، إذ يمنح المملكة قدرات متقدمة في الدفاع الجوي والصاروخي، ومنظومة المسيّرات والأمن السيبراني والتصنيع المحلي للأسلحة. وكل ذلك يصب في تعزيز قدرات الردع والجاهزية العملياتية للمملكة، وهي حاجة مُلحّة في ظل تصاعد التهديدات الإقليمية، واستمرار النزاعات في المنطقة.
ويُمثّل هذا الاتفاق من دون شك تجديداً للثقة الأميركية في مكانة المملكة بصفتها ركيزة لأمن الخليج، وبالمثل فإن تأكيدات ترمب حول التعاون العسكري الأميركي، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، واستعداد واشنطن لحماية حلفائها في الخليج، تعيد الثقة التي اهتزت خلال فترات الإدارات الأميركية السابقة. كما أكّدت الزيارة توافق وجهات النظر الأميركية - السعودية بشأن إيران، إذ تحدث ترمب عن المخاوف السعودية، وأوضح أن أمام طهران مسارين: إعادة الاندماج في المنطقة من خلال تغيير سلوكها، أو استمرار سياستها وعزلتها الدولية. وأكد ترمب في خطابه خلال القمة الخليجية - الأميركية على التباين بين سياسة الإصلاح التي تتبناها وتقودها المملكة وبين سياسات إيران في المنطقة، مما أعطى دلالة واضحة على التقارب الاستراتيجي.
وتواصل الولايات المتحدة فرض الضغوط على برنامجي إيران النووي والصاروخي، وعلى وكلائها الإقليميين، أما المملكة فقد تبنت سياسة متوازنة تجمع بين القنوات الدبلوماسية التي فتحها الاتفاق مع إيران بوساطة صينية، وبين خط ردع متين يستند إلى علاقاتها الدفاعية مع الولايات المتحدة. وترسل القمة الأخيرة رسالة مفادها أنّ إطاراً أمنياً خليجياً جديداً قيد التشكل، يقوم على عزم الإرادة السعودية، وتجدد الدعم الأميركي.
وكان أبرز ثمار الزيارة هو تحول الموقف الأميركي تجاه سوريا، إذ جمع ولي العهد ترمب بالرئيس السوري الجديد أحمد الشرع في جلسة غير رسمية، وشكّل ذلك تأييداً فعلياً لجهود التطبيع مع سوريا التي تقودها الدول العربية. وأسفر الاجتماع عن رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، وإفساح المجال للدول الإقليمية للمساعدة في مسألة الانتقال السياسي السوري، بما يعني إقراراً ضمنياً من واشنطن بدور الرياض المحوري في دبلوماسية الأزمات. ولهذا الدور القيادي ما يبرره، إذ شكّلت الرياض الإجماع على دعم سوريا في الجامعة العربية، وأعطت الأولوية لإعادة الإعمار، والاستقرار والاندماج التدريجي في المؤسسات الإقليمية. ويؤكد ذلك على الدور السعودي المتنامي في قضايا الوساطة الدبلوماسية، والقدرة على الموازنة بين التوافق العربي والتوجهات الدولية.
وفيما يخص القضية الفلسطينية، فقد أيّد ترمب جهود السلام، ولم يربط إقامة دولة فلسطينية أو العلاقات الاستراتيجية مع دول الخليج بالتطبيع مع إسرائيل، وقال إن التطبيع مسألة تقررها دول المنطقة بنفسها، سواء المملكة العربية السعودية أو سوريا، في التوقيت المناسب لها.
كما أكد قادة دول الخليج، خلال القمة الخليجية - الأميركية، وولي العهد على الخصوص، على مركزية حل الدولتين في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، على أساس حدود 1967، وهو ما تنص عليه مبادرة السلام العربية التي قدمتها المملكة عام 2002.
وأيضاً، فإن غموض سياسة ترمب تجاه تسوية السلام في الشرق الأوسط يمنح المملكة هامشاً استراتيجياً، ويتيح لها فرصة إعادة التأكيد على موقفها الثابت تجاه حقوق الفلسطينيين؛ وفقاً لمبادرة السلام العربية، وفرصة النظر في التطبيع وفق وتيرة تحددها هي، بعيداً عن أي تدخل خارجي، أو ربط ذلك بمفاوضات السلام النهائية. وهذا النهج يعزز المرونة الدبلوماسية السعودية، ويرسخ مكانة المملكة بصفتها قوة قيادية مستقلة وموثوقة في جهود السلام الإقليمية.
وإذا ما نظرنا إلى ثمار الزيارة بشمولية، فإنها تشير إلى توافق عام في السياسات الأميركية - السعودية، وابتعاد العلاقة بين البلدين من الارتكاز على روابط الطاقة والدفاع التقليدية إلى شراكة استراتيجية شاملة تشمل الاستثمار والدبلوماسية الإقليمية والتنسيق الأمني؛ إذ تتولى الرياض القيادة في كثير من المبادرات الإقليمية، فيما تُعيد الولايات المتحدة تشكيل صورتها ودورها بوصفها شريكاً داعماً وموثوقاً. ويتضح هذا التحول في التصريحات الثنائية، وكذلك في خطاب ترمب ورمزية زيارته، سواء في تصريحاته في «منتدى الاستثمار»، أو في التنسيق المدروس للقمة. وكذلك يتضح التحول في تأكيد ترمب تضامن الولايات المتحدة مع دول الخليج العربي خلال زيارته للدوحة وأبوظبي بعد الرياض، وفي الاتفاقيات التي وقّعها هناك. وعلى مر العقود صمدت الشراكة السعودية - الأميركية أمام تحديات كثيرة، بدءاً من الحرب الباردة، وأزمات النفط والإرهاب، وصولاً إلى التوترات الدبلوماسية. وفي مشهد يكرر ولايته الأولى، فإن زيارة ترمب الأخيرة للرياض تعكس متانة هذا التحالف، وتمثل تصحيحاً لسياسة الانسحاب الأميركية السابقة من الشرق الأوسط.
ولا يشير دعم ترمب الواضح لـ«رؤية المملكة 2030»، وسياساتها المتعلقة بالإصلاح الاجتماعي، وكذلك سياساتها الإقليمية، سوى إلى التحول الكبير في المملكة من السياسة المحافظة القائمة على النفط إلى كونها لاعباً ديناميكياً متعدد العلاقات الدولية. ويرسل تأكيد البيت الأبيض على الدور القيادي للمملكة رسالة عامة مفادها أنه لا غنى عن المملكة بسياستها الإصلاحية والموثوقة في تحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي.
فلطالما أكدت السياسة الخارجية السعودية على التوازن والتنويع، إذ عززت المملكة علاقاتها بالصين، وعمّقت علاقاتها النفطية والاستثمارية مع الهند، وعملت مع روسيا في مسألة تنسيق سياسات «أوبك بلس»، وكل ذلك مع محافظتها على شراكتها الأساسية مع واشنطن.
وليس هذا التعدد الاستراتيجي في العلاقات رفضاً سعودياً للقيادة الأميركية، بل هو انعكاس للاستقلالية المتنامية للمملكة. وتشجيع ترمب لهذا النهج المرن، بدلاً من النظر إليه كأنه تهديد، هو تأكيد براغماتي على ضرورة إدارة التحالفات في عالم متعدد الأقطاب.
ورغم استمرار بعض الخلافات، خصوصاً بشأن أسعار النفط وتدفق العملات والتوجهات الدولية، فإنها تظل قابلة للإدارة ضمن إطار التعاون الجديد، إذ تربط البلدين الآن مصالح جوهرية أكثر من أي وقت، تتمثل في قيادة مشتركة لضمان الاستقرار الإقليمي، ومكافحة الإرهاب، والتعاون السيبراني، والتوافق الاقتصادي بعيد الأمد.
كما أن الاستثمار السعودي في قطاعي البنية التحتية والتقنية الأميركيين يقدم عوائد ملموسة للعمال والشركات هناك، بينما تسهم الخبرات الأميركية في تسريع تجاوز المملكة للاقتصاد النفطي.
وفي الفترة المقبلة، تتطلع الرياض إلى اتساق استراتيجي واستمرارية مؤسسية من واشنطن، وفي المقابل فإنها تقدم رأس المال والقيادة الإقليمية، والتزاماً مشتركاً بالأمن والابتكار.
وفي حال استمرار الطرفين على هذا المسار، فإن زيارة ترمب ستُخلد ذكرى دخول العلاقات السعودية - الأميركية عهداً جديداً، بعيداً عن التبعية أو الاعتمادية، يقوم على الاحترام المتبادل، والرؤى المشتركة، والمسؤولية المشتركة حول مستقبل الشرق الأوسط وما بعده.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الكرملين: لا قرار بعد في شأن مقر المحادثات المباشرة المقبلة بين روسيا وأوكرانيا
الكرملين: لا قرار بعد في شأن مقر المحادثات المباشرة المقبلة بين روسيا وأوكرانيا

Independent عربية

timeمنذ 24 دقائق

  • Independent عربية

الكرملين: لا قرار بعد في شأن مقر المحادثات المباشرة المقبلة بين روسيا وأوكرانيا

نقلت وكالات أنباء روسية رسمية عن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قوله في تصريحات نشرت في وقت مبكر اليوم الثلاثاء إنه لا يمكن تحديد موعد نهائي لإعداد مذكرة بين روسيا وأوكرانيا. وأضاف أن وضع موسكو وكييف نصاً موحداً لمذكرة في شأن عملية سلام ووقف لإطلاق النار سيكون عملية معقدة، مشيراً إلى صعوبة تحديد موعد نهائي لهذه العملية. وقال المتحدث باسم الكرملين "ستتم صياغة المسودات من قبل الجانبين الروسي والأوكراني، وسيتم تبادل مسودات الوثائق هذه، وبعد ذلك ستجرى اتصالات معقدة لوضع نص واحد". وأشار إلى أنه "لا توجد مواعيد نهائية ولا يمكن أن تكون هناك أي مواعيد نهائية. من الواضح أن الجميع يريد القيام بذلك في أسرع وقت ممكن، ولكن بالطبع الشيطان يكمن في التفاصيل". وتابع المتحدث باسم الكرملين قائلاً "لم يتم اتخاذ قرارات محددة في شأن مكان استمرار الاتصالات بين روسيا وأوكرانيا حتى الآن". وأضاف أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي دونالد ترمب ناقشا خلال المكالمة الهاتفية بينهما موضوع استمرار الاتصالات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا، بما في ذلك على أعلى المستويات. "متى سننهي هذا الأمر يا فلاديمير؟" من جانبه قال الرئيس الأميركي أمس الإثنين إنه "سيكون من الرائع" أن تجري روسيا وأوكرانيا محادثات لوقف إطلاق النار في الفاتيكان، قائلاً إن ذلك سيضيف أهمية إضافية إلى الإجراءات. وأضاف ترمب أنه قال للرئيس الروسي خلال مكالمته معه "متى سننهي هذا الأمر يا فلاديمير؟". وفي وقت سابق الإثنين قال ترمب إنه أحرز تقدماً خلال مكالمته الهاتفية مع بوتين، وإنه تحدث أيضاً إلى رؤساء عدد من الدول الأوروبية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وأكد الرئيس الأميركي أن روسيا وأوكرانيا "ستباشران فوراً" محادثات في شأن وقف إطلاق النار بهدف إنهاء الحرب، مشيراً إلى أن موسكو تريد زيادة التجارة مع واشنطن بعد انتهاء الحرب. وكتب ترمب على شبكته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشيال"، "سيجري التفاوض على شروط وقف إطلاق النار بين الطرفين، وهو أمر لا مفر منه". وأضاف "لو لم تكن المكالمة ممتازة لكنت أعلنت ذلك الآن، وليس لاحقاً". ومضى في حديثه، "ما دام الفاتيكان ممثلاً في البابا أعلن أنه سيكون مهتماً للغاية باستضافة المفاوضات فلتنطلق إذاً". محادثة استمرت "أكثر من ساعتين" بدوره وصف الرئيس الروسي أمس الإثنين المحادثة الهاتفية التي استمرت "أكثر من ساعتين" مع نظيره الأميركي في شأن النزاع في أوكرانيا بأنها "مفيدة". ووصف بوتين المحادثة في تصريح مقتضب للصحافيين عقب الاتصال بأنها "بناءة وصريحة جداً"، وتابع "بصورة عامة أعتقد أنها كانت مفيدة"، ودعا كييف إلى إيجاد "تسويات ترضي كل الأطراف"، وتابع "المحادثات مع كييف تسير في الاتجاه الصحيح بعد محادثات إسطنبول، كذلك فإن ترمب أقر بأن روسيا تؤيد الحل السلمي للأزمة الأوكرانية، ووقف إطلاق النار مع كييف ممكن بمجرد التوصل إلى اتفاقات". وقال مساعد في الكرملين إن بوتين رحب بنتائج جولة ترمب في الشرق الأوسط، ورحب أيضاً بالتقدم المحرز في المحادثات الأميركية مع إيران في شأن البرنامج النووي، مؤكداً أن موسكو مستعدة للمساعدة. المكالمة الهاتفية بين الرئيسين الأميركي والروسي جاءت بعدما قالت واشنطن إن الطريق مسدود أمام إنهاء أكثر الصراعات دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وإن الولايات المتحدة قد تنسحب. وأرسل بوتين آلاف القوات إلى أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022 لتندلع أخطر مواجهة بين روسيا والغرب منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962. ودعا ترمب مراراً إلى إنهاء "حمام الدم" في أوكرانيا الذي تصوره إدارته على أنه حرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا.

كيف أضاع الأسد فرصة الحوار مع إدارتي ترمب وبايدن؟
كيف أضاع الأسد فرصة الحوار مع إدارتي ترمب وبايدن؟

Independent عربية

timeمنذ ساعة واحدة

  • Independent عربية

كيف أضاع الأسد فرصة الحوار مع إدارتي ترمب وبايدن؟

كان لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب برعاية وحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الرياض نقطة انعطاف في العلاقات بين واشنطن ودمشق، إذ حقق الشرع خلال ستة أشهر ما عجز رئيس النظام السابق بشار الأسد عن تحقيقه خلال ربع قرن. يكشف تحقيق لـ"المجلة" استناداً إلى وثائق ومحاضر اجتماعات ولقاءات مع مسؤولين غربيين وإقليميين، أن الفرصة أتيحت أكثر من مرة للأسد كي يرفع مستوى الحوار مع البيت الأبيض خلال الولاية الأولى لترمب بين 2017 و2021 وولاية الرئيس السابق جو بايدن بين 2021 و2025، لكنه فوّت فرصاً عديدة عليه إذ إنه خيب الوسطاء من قادة ومسؤولين عرب وإقليميين، حاولوا فتح نوافذ له قبل سقوطه نهاية العام الماضي. وجرت المحاولة الأخيرة للحوار بين البيت الأبيض ودمشق قبل أيام من هروب الأسد إلى موسكو في 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024، إضافة إلى الفشل الآخر في تجاهل وساطة الرئيس فلاديمير بوتين لجمع الأسد مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. مفاوضات زمن ترمب في عام 2017 بدأت إدارة ترمب بإنشاء قنوات تواصل مع النظام السوري لإطلاق سراح الصحافي الأميركي أوستن تايس الذي اختفى في 2012، مع أن ترمب فكر في ربيع 2017 باغتيال الأسد لاستخدامه الكيماوي في خان شيخون بإدلب إلا أن وزير الدفاع آنذااك جيمس ماتيس عارض اغتيال الأسد، فجرى توجيه ضربات أميركية–بريطانية–فرنسية لمواقع استعمال الكيماوي التابعة للنظام. بعد ذلك، وجه ترمب رسالة إلى وزير الخارجية مايك بومبيو لفتح حوار مباشر للإفراج عن الصحافي الأميركي. وكان مدير الأمن العام اللبناني السابق اللواء عباس إبراهيم قال لـ"المجلة" إن السفير روجر كارستنس، مبعوث الرئيس الأميركي لشؤون المختطفين زار بيروت في ربيع 2020 طالباً فتح قناة مع مدير الأمن الوطني علي مملوك لبحث مصير تايس. وذهب إبراهيم والتقى مملوك لإقناعه بالحوار باعتباره ممثلاً لترمب. في هذا اللقاء وضعت دمشق شروط انسحاب القوات الأميركية ورفع العقوبات واستتئناف العلاقات التي تجمدت بعد سحب السفير روبرت فورد في 2012. وفي شهر أغسطس (آب) عام 2020، تواصل مساعد المبعوث الرئاسي الخاص لشؤون الرهائن ستيفن غيلين مع السفير بسام صباغ مندوب سوريا الدائم في الأمم المتحدة وطلب منه ترتيب لقاء بينهما. رفع صباغ الأمر إلى دمشق، فجاءت توجيهات الأسد بأن يجتمع معه، ويستمع إليه "على أن لا يعطيه أي موقف إطلاقاً". في اللقاء، فاجأ غيلين صباغ بأن كارستنس يرغب بترتيب زيارة سرية إلى دمشق واللقاء مع علي مملوك. كان محور اللقاء هو طلب مساعدة الحكومة السورية في تحديد مصير تايس. وفي ضوء اتصالات إبراهيم واقتراح صباغ، زار كارستنس ومساعد الرئيس الأميركي ومدير مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض كاش باتل دمشق في أغسطس 2020 واجتمعا مع مملوك في مكتبه بدمشق. وهذه ليست الزيارة الأولى لمسؤولين أميركيين، فقد سبقتها ثلاث زيارات مشابهة إلى دمشق خلال الأشهر والسنوات الماضية. في هذه الزيارة السرية، شرح المسؤولان الأميركيان أهمية تعاون دمشق مع واشنطن في هذا الملف وكيف سينعكس إيجاباً على بقية الملفات. وقال مسؤول غربي إن المسؤولين الأميركيين قالوا إنه في حال تم الحصول على أي معلومات عن تايس، فإن بومبيو يمكن أن يأتي إلى دمشق، ويعلن مواقف سياسية مهمة منها. وأضاف: "لم تكن بيد مملوك أي حيلة، فالتعليمات التي جاءته من الأسد كانت صارمة: لا نعرف أي شيء عن أوستن تايس وهو ليس بقبضتنا". وأضاف مصدر آخر: "لم يكن مجيء كارستنس وكاش إلى دمشق في ذلك الوقت بالأمر الذي يمكن الاستخفاف به، ولو كان الأسد يمتلك مؤهلات وصفات مناسبة، لكان قد استغل هذه الزيارة لمد الجسور وفتح قنوات التواصل مع إدارة ترمب. ولكنه ضيع هذه الفرصة الاستثنائية وذهبت أدراج الرياح، كما ضيع عشرات الفرص الأخرى فيما بلاده تتردى في مهاوي الكارثة". زمن بايدن وفي 2021، تجددت وساطة إبراهيم بطلب أميركي لمعرفة مصير تايس. وقال إبراهيم: "كان هناك طلب أن يتم تشكيل وفد لزيارة سوريا، إذ كانت السيدة ديبرا تايس، والدة أوستن، تضغط على الإدارة الأميركية لتحريك هذا الملف، وعقدت جلسة مع الرئيس بايدن، وبعد هذه الجلسة وعدها الرئيس وأعطى أمراً أمامها لكل مستشاريه لكي يعملوا بأقصى ما يستطيعون لحل هذا الموضوع". الأمر الذي فاجأ إبراهيم أن "الأسد رفض استقبال الوفد الأميركي". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) في 2022 تسارع قطار التطبيع العربي مع دمشق وأعيدت إلى الجامعة العربية. ويقول مصدر قريب من دمشق، إن إدارة بايدن، كانت تريد "فتح نوع من التواصل مع النظام، فأولاً، كانت الولايات المتحدة تدرك أن وجود قواتها العسكرية حول حقول النفط والغاز في منطقة الشمال الشرقي لسوريا أمر لا يمكن استمراره من دون أفق مفتوح لإنهاء هذا الوجود، ولكنها ترغب في ضمانات من الطرف السوري بأن انسحاب قواتها من هناك لن يؤدي إلى دخول الحرس الثوري وميليشيات الحشد الشعبي الموالية لإيران إلى تلك المنطقة. وثانياً، كانت الإدارة الأميركية تتعرض لضغوط كبيرة من أسر المفقودين الأميركيين في سوريا للبحث عنهم، والتحقق من مصيرهم، وربما إطلاق سراحهم في صفقة تبادل ما مع النظام السوري، فهي مقتنعة أنهم في قبضته رغم إنكار النظام الدائم لذلك". مر وقت قبل أن تقرر إدارة بايدن أن تعاود التواصل مع دمشق. في عام 2022 أرسل كارستنس معاونه إلى نيويورك ليقابل السفير صباغ. حاول إقناعه بفائدة التعاون في عدة ملفات، رفع صباغ الأمر إلى دمشق، فجاءه التوجيه بـ"عدم التعاون". صباغ الذي كان يريد فتح الأقنية "وجد موقف الأسد غريباً وغير مفهوم" لكنه اكتفى بنقل الرسائل. أما وزير الخارجية فيصل مقداد، فكان "يريد استغلال هذه الفرصة لفتح الأقنية مع بلد في حجم وأهمية الولايات المتحدة. ولكن بشار الأسد ارتأى غير ذلك، وتم صرف النظر عن الموضوع"، حسب تقرير كتب عن التفاصيل. القناة العمانية في أواخر عام 2022 اتصل سلطان عمان هيثم بن طارق، بالأسد وتحدث معه حول رغبة الأميركيين في فتح قناة للحوار، وشرح أهمية "إبقاء باب الحوار مفتوحاً حتى بين الدول المتناحرة سياسياً، ورغم أن عقلية بشار الأسد التي كانت تتسم بالعناد الشديد وضيق الأفق (...) فقد كان من الصعب على الأسد أن يرفض طلباً لسلطان عمان، فوجد نفسه مضطراً للموافقة". أبلغ سلطان عمان الطرف الأميركي بموافقة السوريين على اللقاء معهم سراً في مسقط، واتفق الجانبان عبر الوساطة العمانية على أن يحدد كل جانب النقاط التي يرغب في مناقشتها في جدول الأعمال من دون أن يحق للطرف الآخر الاعتراض عليها. ولم يبق إلا الاتفاق على أعضاء الوفدين. أبلغ الجانب الأميركي العمانيين أن وفدهم سيكون رفيع المستوى، وسيرأسه بريت ماكغورك نائب مستشار الرئيس الأميركي السابق المكلف بشؤون الشرق الأوسط. كما سيضم جوشوا غيلتزر وهو أيضاً يشغل منصب نائب مساعد الرئيس الأميركي السابق لشؤون الأمن القومي، إضافة إلى خمسة أعضاء آخرين من جميع المؤسسات الأميركية، أي وزارة الخارجية، وزارة الدفاع، وزارة الأمن الوطني، وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه). كان من الطبيعي أن يتوقع الأميركيون أن يرسل السوريون وفداً رفيع المستوى، كأن يضم رئيس جهاز الاستخبارات السورية ونائب وزير الخارجية أو مستشار الرئيس أو أحد كبار قادة الجيش. وجاء قرار الأسد بأن يكون الوفد السوري برئاسة السفير عماد مصطفى (الذي عين مديراً للمعهد الدبلوماسي بعد عودته من منصبه كسفير في الصين بعد عمله سفيراً في واشنطن) وعضوية شخصين من الأجهزة الأمنية السورية، هما العميد سامر بريدي والعميد ماجد إبراهيم. يقول مسؤول غربي: "كان الاختيار مفاجئاً لمسقط وواشنطن بكل المقاييس. فلم يكن هناك تكافؤ أو تناسب بين مناصب أعضاء الوفد السوري ومناصب أعضاء الوفد الأميركي الدولة العظمى في العالم". استخفاف بالحوار بحسب وثيقة سورية، فإن المقداد "شعر بالحرج عندما أبلغه الأسد بقراره، فكيف سيشرح للأسد أن هناك عدم حكمة في تشكيلة الوفد السوري، وعندما أبلغ مصطفى بقرار تشكيل الوفد، جاءه رده سريعاً، أنه يفهم العقلية الأميركية جيداً، وبغض النظر عن خبرته وتاريخه الدبلوماسي، فهم سيعتبرون أن إرسال وفد برئاسة مدير المعهد الدبلوماسي، وعضوية عميدين غير معروفين في الأمن السوري، هو تعبير صريح عن الاستخفاف بهذا الحوار، وعدم التعامل معه بجدية". اقترح مصطفى أن يرأس هذا الوفد شخصية أعلى في الموقع الهرمي في القيادة السورية، وأن يدعم المفاوضات والدبلوماسية الدولية ليكون الشخص الثاني في هذا الوفد لتحقيق "الغرض المطلوب من المفاوضات، ويرسل رسالة صحيحة إلى الجانب الأميركي". عندما اقترح المقداد على الأسد ذلك رد الأخير: "الوفد سيكون كما قلت لا تغيير فيه"، حسب شخص معني. عندما أبلغ المقداد الجانب العماني بتشكيلة الوفد، أصيب العمانيون بالدهشة من هذه التشكيلة، ولكنهم اكتفوا بإبلاغ الجانب الأميركي بأسماء الوفد السوري. وقال مسؤول غربي: "لم يسر الجانب الأميركي بتركيبة الوفد السوري، اعتبروا مستوى التمثيل دليلاً على عدم الجدية. فمصطفى لم يكن في موقع عال في الهرم الرسمي للسلطة والمسؤولية، والضابطان الآخران غير معروفين، وربما كانت مهمتهما مراقبة مصطفى والعمل على ضبط إيقاعه، فهو معروف بعدم التزامه الدقيق بالخط الرسمي السوري". أرسل الأميركيون رسالة عبر الجانب العماني بهذا الشأن، هم يريدون أن يكون الوفد السوري برئاسة علي مملوك. وكما هو مألوف في مثل هذه الحالات، ازداد تشبث الأسد بقراره: "نحن لم نتدخل بتشكيلة الوفد الأميركي. لماذا يتدخلون بتشكيلة وفدنا؟". وقال مسؤول غربي: "يبدو أن الأسد كان يعتبر أن المفاوضات تجري بين خصمين متكافئين يتمتعان بالندية. كانت المشكلة دبلوماسية بامتياز: مستوى التمثيل في الوفد السوري لم يكن مكافئاً لمستوى التمثيل في الوفد الأميركي، وسوريا في ميزان القوى ليست نداً للولايات المتحدة". لكن الأميركيين وافقوا على المفاوضات. الموقف التفاوضي أكمل الوفد التفاوضي السوري تجهيز ملفهم التفاوضي، ثم انتظروا أن يستدعيهم الأسد فيعرضوا عليه ملفهم، ويأخذوا منه التعليمات النهائية قبل التوجه إلى مسقط: أين هي خطوط المرونة، وأن يمكن تقديم تنازلات تفاوضية، وما هي الخطوط الحمراء التي لا يجوز التنازل عنها. ولكن هذا الاستدعاء لم يأت. وحسب وثيقة فقبل يومين من موعد السفر، عبر مصطفى عن موقفه للمقداد، قائلاً: "نحن سنسافر بعد يومين ولا نعرف ما هي حدود ولايتنا في المفاوضات". لم يكن المقداد قادراً على تقديم الإجابات، فجميع قرارات السياسة الخارجية كانت محتكرة تماماً من قبل الأسد ولم يكن من النوع الذي يستمع للآراء والنصائح من قبل فريق السياسة الخارجية لديه، بل كان يكتفي عند اللقاء معهم بشرح الواقع الدولي لهم وتزويدهم بالتوجيهات. اكتفى المقداد بنقل طلب مصطفى إلى الأسد. اللقاء-الصدمة مع الأسد قبل يوم من موعد السفر، استدعى الأسد السفير مصطفى منفرداً إلى "قصر الشعب". فيما بعد أبلغ مصطفى زملاءه في الوزارة بأنه فوجئ عندما بدأ الأسد الحديث بقوله: "لا تتخيلوا أنكم ذاهبون للتفاوض مع الأميركيين. كل ما سيطلبونه منكم سترفضونه. نحن فقط وافقنا على المحادثات إرضاء لأخوتنا العمانيين"، حسب قول مصدر. وعندما أجابه مصطفى: "لكن المطلب الأساسي للأميركيين في هذه الجولة على الأقل هو أوستن تايس. لماذا لا يمكننا التعاون معهم في هذه النقطة على الأقل؟". قال الأسد: "أوستن تايس ليس عندنا". أجاب مصطفى: "هذا أفضل، بما أنه كذلك فيمكننا أن نعرض عليهم التعاون لكشف مصيره فنكسب بذلك بعض النقاط التفاوضية. أنا درست ملفه جيداً، وهم لديهم ما يعتقدون أنها أدلة على وجوده عندنا، فيمكننا التداول معهم حول هذه الأدلة لعلنا نصل إلى تعاون مشترك قد يتطور ويفضي إلى أمور أخرى". ختم الأسد حديثه بصورة حازمة: "أمنعكم تماماً من التفاوض مع الجانب الأميركي حول تايس". عاد مصطفى إلى الوزارة فأبلغ المقداد وسوسان بفحوى اللقاء-الصدمة مع الأسد. مفاجأة غير متوقعة استيقظ أعضاء الوفد السوري في وقت مبكر صباح الأربعاء 22 شباط (فبراير) 2023 واجتمعوا في فندقهم في مسقط لمراجعة أخيرة لملفاتهم قبل التوجه إلى مقر الاجتماع. لاحظ مصطفى أن العضوين الآخرين لم يكونا على علم بتوجيهات الأسد. اصطحبت المخابرات العمانية الوفد السوري إلى فيلا فاخرة منعزلة تطل على خليج في بحر عمان. ولدى وصولهم كان الوفد العماني في استقبالهم. جلسوا في غرفة استقبال كبيرة، وبعد تبادل قصير للمجاملات وصل أعضاء الوفد الأميركي. في غرفة الاجتماعات فجر الأميركيون مفاجأة غير متوقعة. قال بريت ماكغورك: "من معرفتنا بكم، نحن ندرك جيداً أنكم لا تقدمون شيئاً من دون مقابل، ولذلك سنتقدم لكم بالعرض التالي. قوات جيشكم النظامي تتمركز على بعد مئات قليلة من الأمتار عن قواتنا الموجودة اليوم في حقلي عمر وكونيكو. نحن مستعدون لسحب قواتنا من هذين الحقلين والسماح لكم باستعادة السيطرة عليهما مقابل أن تتعاونوا معنا في كشف مصير أوستن تايس. طبعاً لدينا شرطان لتحقيق هذا الانسحاب: أولهما أن لا تدخل إلى المنطقة التي ننسحب منها أي قوات غير نظامية، أي إن الحرس الثوري الإيراني وميليشيات الحشد الشعبي لا يمكنها دخول تلك المناطق، وثانيهما هو تحصيل حاصل: لا يجوز أن تستعمل الأراضي التي ننسحب منها منطلقاً لأي هجوم بقذائف الهاون أو الكاتيوشا على قواتنا، وإلا فإننا سنجد أنفسنا مضطرين لإعادة احتلالها مرة أخرى". وأخرج بريدي من حقيبته مجموعة خرائط تبين مواقع وجود القوات الأميركية في سوريا، وبدأ يرسم عليها بالقلم دوائر تبين الأماكن التي يجب عليهم الانسحاب منها. وقال المصدر: "عندما حاول الاقتراب من منطقة التنف أبلغوه بأن التنف خط أحمر، فهي موقع مهم لهم لحماية الدول المجاورة في إشارة إلى إسرائيل، من أي هجمات إرهابية". أخذ الجانب الأميركي تلك الخرائط، واتفق الجانبان على العودة إلى رؤسائهم في واشنطن ودمشق، على أن يعودوا فيلتقوا مرة ثانية بعد ثلاثة أسابيع في مسقط، أي في آذار (مارس) المقبل. خلوة ماكغورك-مصطفى بعد انتهاء الجلسة في الساعة 5:20 دقيقة من بعد ظهر اليوم نفسه، تقدم ماكغورك من مصطفى وطلب إليه أن يختلي معه ليتحدثا على انفراد. قال ماكغورك لمصطفى: "أنا سأغادر مسقط اليوم، وسأتوجه مباشرة إلى تل أبيب. لدي موعد غداً صباحاً مع نتنياهو، ما رأيك في أن أجس نبضه في مسألة عملية استئناف محادثات السلام الإسرائيلية-السورية؟ سيكون لاستئناف هذه المحادثات وقع إيجابي هائل لدى أعضاء الكونغرس والمعارضين داخل الإدارة الأميركية لأي انفتاح أو تقارب مع سوريا". أجاب مصطفى ماكغورك: "أقترح أن نحل مشاكلنا الثنائية أولا قبل البدء بالحديث عن مشاكلنا مع طرف ثالث". أجابه ماكغورك: "ربما كان الحق معك، فإذا تعاونتم معنا في حل قضية أوستن تايس سيؤدي هذا إلى خلق ديناميات جديدة تدفعنا للتفكير في إحياء محادثات السلام بينكم وبين إسرائيل". بعد ذلك طلب ماكغورك من مصطفى أن يتبادلا أرقام الاتصال المباشر باستخدام تطبيق "واتساب". أعطاه رقمه وسجل رقم مصطفى ثم تصافحا وغادر الجميع مكان الاجتماع. بعد عودة الوفد السوري إلى دمشق رفع مصطفى محضر الاجتماع إلى الأسد في عشرين صفحة. وقال مصدر: "غضب الأسد عندما قرأ أن العميد بريدي قد تفاوض مع الأميركيين حول تفاصيل الانسحاب من حقلي عمر وكونيكو، كما انزعج بشدة من عملية تبادل الأرقام بين ماكغورك ومصطفى". أبلغ المقداد مصطفى بأن "الأسد قد أمره بأن يقوم مصطفى بمسح رقم ماكغورك من هاتفه وحذره من أي اتصال مباشر مع ماكغورك". نفذ مصطفى الأمر الموجه إليه وقطع أي اتصال مباشر له مع ماكغورك. بعد ثلاثة أيام من ذلك الاجتماع، أرسل ستيفن غيلين رسالة إلى مندوب سوريا الدائم في نيويورك صباغ يعلمه فيها أن الجانب الأميركي يعتبر أن محادثات مسقط "كانت جيدة جداً ويريد مواصلتها". قام صباغ بإرسال محتوى هذه الرسالة إلى الوزير المقداد الذي رفعها إلى الأسد ما زاد من شكوكه بمصطفى. أبلغ الأسد الوزير المقداد أن المحادثات لم تؤد إلى أي نتيجة وأنه لا داعي لعقد جولة تالية. الاجتماع الثاني ومن جديد، تحدث سطان عمان إلى الأسد الذي وافق مرة ثانية على أن يذهب الوفد نفسه الذي ذهب في المرة الأولى. الأميركيون وافقوا على الاجتماع الثاني. توجه الوفد السوري مرة ثانية إلى مسقط للاجتماع مع الأميركيين يوم 23 مايو 2023. كانوا يدركون أن "رحلتهم لا طائل منها وأن الأسد متعنت بطريقة غير مفهومة، وأن المفاوضات ستكون شكلية وأنها مجرد بادرة لطف إرضاء للعمانيين"، حسب قول أحدهم. تأخر انعقاد الاجتماع الثاني في مسقط 10 ساعات عن موعده المحدد أصلاً. في السابعة مساء التقى الجانبان مرة ثانية. كان ماكغورك هذه المرة أقل كياسة وأكثر مجابهة. بدأ حديثه بأن قال لمصطفى: "لا داعي لأن نخوض في أي تفاصيل طالما أنتم غير موافقين على مناقشة مسألة أوستن تايس". ومرة أخرى تجنب مصطفى الخوض في أي حديث عن تايس. طبعاً كانت هناك عشرات من الأسئلة المحيرة التي تدور في ذهن مصطفى، فهو لم يكن قادراً على تلمس حقيقة اختفاء تايس، الحقيقة القاطعة الوحيدة لديهم كانت أن الأسد يرفض تماماً أي حوار حول مصير تايس. وقال أحد المشاركين: "هل يعقل أن تضيع سوريا فرصة استرداد حقلي العمر وكونيكو بسبب هذا الإصرار العنيد على عدم مناقشة موضوع تايس؟ ربما هناك أشياء أخرى مجهولة ، ولكن هذا ما كان عليه واقع الحال". دام الاجتماع ساعة وعشر دقائق وانتهى بسرعة من دون أي نقاش جدي حول أي موضوع ذي شأن. عزل مملوك انقطعت جميع قنوات الاتصال بين الولايات المتحدة وسوريا بعد فشل الاجتماع الثاني. وظلت سبل التواصل منقطعة حتى كانون الثاني) 2024. في ذلك الشهر أبلغ الأسد المقداد أن الإمارات طلبت توسطاً من الأميركيين، وأنها ألحت كثيراً في رفع مستوى الوفد التفاوضي السوري وإرسال اللواء علي مملوك مع السفير مصطفى وغيرهما من الضباط إلى أبوظبي حيث سيأتي جيك سوليفان مع بريت ماكغورك وجوشوا غيلتزر. أعلم الأسد المقداد أنه قد وافق على عقد اجتماع ثالث من حيث المبدأ، وأنه سيرفع مستوى تمثيل الوفد التفاوضي، ولكن لديه مشكلة واحدة، هي أنه لا يريد إرسال اللواء علي مملوك. لقد بدأ إلحاح الأميركيين في إرسال اللواء مملوك يثير حفيظته، بل وحتى ريبته. أعلم الأسد وزير خارجيته أنه سيرسل وفداً جديداً للتفاوض مع الأميركيين، غير أنه لا داعي لاستعجال الموضوع. ونقل عنه قوله: "المهم أن نبلغ أبوظبي بموافقتنا على الاقتراح، وسنتريث في تحديد الموعد الجديد". في بداية العام قرر الأسد فجأة عزل مملوك من منصبه رئيساً لمكتب الأمن الوطني وتعيينه مستشاراً أمنياً بالقصر. وكان أحد التفسيرات أن السبب هو إصرار الأميركيين على مشاركته في المفاوضات. استئناف الحوار في أيلول (سبتمبر) 2024، تدخلت عمان ثانية لاستئناف الحوار بين واشنطن ودمشق. اللافت، أن الأسد أعفى مملوك من منصبه بشكل مفاجئ وأعطاه أياماً لتسليم مكتبه وأرسله إلى منزله. وقال مصدر: "حتى اليوم لا يعرف مملوك سبب التغير المفاجئ من قبل الأسد تجاهه. هل لهذا علاقة بإلحاح الأميركيين على ترؤسه للوفد السوري؟ أم إن هناك أموراً أخرى لا يعرفها إلا الأسد نفسه؟ هل سبب إخراجه جواز سفر فلسطيني لعائلته من الرئيس محمود عباس علاقة بذلك؟". وتزامن هذا مع انطلاق عملية إسرائيل ضد "حزب الله" التي أسفرت عن اغتيال قادته بمن فيهم زعيم "الحزب" حسن نصرالله. طلب الأسد من المقداد أن يرفع إليه اقتراحاً بتشكيل وفد على مستوى أعلى. تشاور المقداد مع معاونيه ووجدوا أن الاقتراح الأنسب هو أن يتشكل الوفد من نائبه الجديد بسام صباغ وعضوية مصطفى، وأن يتم إبلاغ الجانب الأميركي بذلك. كان دور صباغ صاعداً في الخارجية وكانت هناك توقعات بأنه سيتبوأ قريباً منصب وزير الخارجية وهذا ما حصل بالفعل. رفع المقداد الاقتراح إلى الأسد فوافق عليه. ووجه وزارة الخارجية بأن تتواصل مع الأميركيين عبر الوسطاء طبعاً لتحديد مكان وزمان الاجتماع القادم. في 23 سبتمبر شكل الأسد وزارة جديدة عين فيها صباغ وزيراً للخارجية. وفي 26 نوفمبر (تشرين الثاني) وجه صباغ، وزير الخارجية الجديد، تعليماته إلى مندوب سوريا في الأمم المتحدة السفير قصي الضحاك ليلتقي مع ستيفن غيلين فيتفق معه على مكان وتاريخ الاجتماع المقبل. اتفق غيلين مع السفير الضحاك على اللقاء في مقر البعثة السورية في نيويورك في 2 ديسمبر. وفي 27 نوفمبر أطلقت "إدارة العمليات العسكرية" بقيادة "هيئة تحرير الشام" برئاسة الشرع عملية "ردع العدوان" ودخلت بعد يومين حلب، بالتزامن مع زيارة سرية كان يقوم بها الأسد إلى موسكو لحضور حفل تخرج ابنه حافظ في جامعة روسية. في 2 ديسمبر، لم يأت ستيفن غيلين للاجتماع مع السفير الضحاك، ولم يتصل به لتأجيل الموعد أو إلغائه. وبذلك انتهى الفصل الأخير من قصة الحوار الأميركي مع نظام الأسد. وفي 8 ديسمبر دخلت "إدارة العمليات العسكرية" دمشق العاصمة، وفي 14 أيار (مايو) الحالي التقى ترمب الرئيس السوري الشرع في الرياض، برعاية ووساطة سعودية، معلناً رفع العقوبات عن سوريا واستعادة العلاقات الثنائية.

ترمب: طلبت مقابلة بوتين... وزيلينسكي ليس شخصا سهلا
ترمب: طلبت مقابلة بوتين... وزيلينسكي ليس شخصا سهلا

الشرق الأوسط

timeمنذ 2 ساعات

  • الشرق الأوسط

ترمب: طلبت مقابلة بوتين... وزيلينسكي ليس شخصا سهلا

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب اليوم الاثنين إن روسيا وأوكرانيا ستبدآن «فورا» مفاوضات للوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، مشيرا إلى أن الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي يريدان وقف الحرب. وأكد ترمب، في تصريحات أدلى بها في البيت الأبيض، أن أميركا لن تتراجع عن المشاركة في محادثات روسيا وأوكرانيا، مشيرا إلى أن إجراء هذه المحادثات في الفاتيكان «سيكون أمرا رائعا». وأكد ترمب أنه طلب من نظيره الروسي بوتين مقابلته، وشدد على أنه سيتراجع إذا لم يحدث تقدم في المفاوضات، وقال إنه موجود «فقط لمحاولة تقديم المساعدة». وقال الرئيس الأميركي «أعتقد أن بوتين يريد وقف الحرب ولو اعتقدت أنه لا يريد السلام لانسحبت»، وحذر من فرض عقوبات على روسيا، لافتا إلى أن ذلك قد يزيد الوضع سوءا، لكنه أشار إلى أن ذلك قد يحدث في وقت ما. كما أكد ترمب أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي «ليس شخصا سهلا وأعتقد أنه يريد وقف الحرب». كان ترمب أكد على منصة «تروث سوشيال» بعد محادثة هاتفية مع بوتين استمرت أكثر من ساعتين، أن «روسيا وأوكرانيا ستبدآن فورًا مفاوضاتٍ نحو وقف إطلاق النار، والأهم من ذلك، إنهاء الحرب». وتابع ترمب «سيتم التفاوض على شروط ذلك بين الطرفين، وهو أمرٌ لا مفر منه، لأنهما يعرفان تفاصيل المفاوضات التي لا يعلمها أحدٌ سواهما». ومضى يقول إنه أبلغ الرئيس الأوكراني ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين وزعماء فرنسا وإيطاليا وألمانيا وفنلندا هاتفيا بأن روسيا وأوكرانيا ستبدآن المفاوضات فورا. ووصف ترمب محادثته مع بوتين بأنها «سارت على ما يرام وكانت نبرة وروح المحادثة ممتازتين». وقال إن روسيا ترغب في إقامة تجارة واسعة النطاق مع الولايات المتحدة بعد انتهاء هذه «المذبحة الكارثية»، في إشارة إلى الحرب الأوكرانية. وأضاف «هناك فرصةٌ كبيرة لروسيا لخلق فرص عملٍ وثرواتٍ هائلة. إمكاناتها لا حدود لها. وبالمثل، يمكن لأوكرانيا أن تكون مستفيدةً كبيرةً من التجارة، في عملية إعادة بناء البلد».

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store