
هل يختار لبنان السيادة...أم يترك مصيره للآخرين؟
هذا بحد ذاته تطور مشجع، وإن كان الحذر واجباً. فالوقت ضيّق، والتوصل إلى اتفاق دائم يتطلب خطوات جريئة وحاسمة، في مقدمتها نزع سلاح «حزب الله» وانسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان.
المقترح الأميركي الذي يُقال إن القيادة اللبنانية تقبله من حيث المبدأ، يمثل فرصة أولية. لكن في الشرق الأوسط، يكمن الشيطان دائماً في التفاصيل. ومن ثم، ينبغي أن تنتقل الولايات المتحدة ولبنان سريعاً إلى ترتيبات جوهرية، تُنسّق بعناية، وتُنفّذ ضمن ضمانات أمنية صارمة ومعايير إصلاح واضحة. والأهم أن السفير برّاك أوضح صراحة أن أي اتفاق لن يصمد ما لم يُوضع حد لسلاح «حزب الله».
يتضمن المقترح اللبناني خطوات أساسية؛ منها: وقف الأعمال العدائية من جميع الأطراف، ونزع سلاح كل الجهات المسلحة غير الشرعية (وبشكل خاص ترسانة «حزب الله»)، وترسيم الحدود مع كل من سوريا وإسرائيل، وانسحاب القوات الإسرائيلية، وبسط الجيش اللبناني سلطته الكاملة على جميع الأراضي اللبنانية.
ورغم أن هذه البنود تمثل أساساً صالحاً لأي اتفاق قابل للاستمرار، فإنها بحاجة إلى عناصر داعمة تضمن ديمومتها. في مقدمة هذه العناصر دور الجيش اللبناني الذي يُعدّ المؤسسة الوطنية الأكثر ثقة وكفاءة. ولا يمكن لأي تسوية أن تصمد من دون تمكين الجيش عملياً من ضبط الحدود ونزع سلاح الميليشيات. وقد أظهر الجيش إرادة للقيام بدور في الجنوب، لكنه بحاجة الآن إلى تفويض سياسي واضح من القيادة اللبنانية، وإلى دعم دولي يمكّنه من أداء هذا الدور في مختلف أنحاء البلاد.
وباعتبار أن الولايات المتحدة هي أكبر جهة مانحة للجيش اللبناني، فإن عليها أن تعيد تأكيد التزامها تجاه هذه المؤسسة. ومع اقتراب موعد مناقشة الكونغرس الأميركي لمخصصات تمويل الجيش في موازنة العام المالي 2026، على القادة اللبنانيين أن يتحركوا بسرعة. فأي تلكؤ في إظهار الإرادة السياسية سيؤدي إلى تقويض الدعم العسكري والدبلوماسي، ما سيترك لبنان مكشوفاً أمام المخاطر.
ولا يمكن تأجيل موضوع سلاح «حزب الله» إلى مرحلة لاحقة. فهذه القضية تمثل جوهر الموقف الأميركي، وأي عدم التزام بها سيهدد كامل الاتفاق. ويرى البعض أن على لبنان أن يحقق الأمن أولاً قبل الانتقال إلى الإصلاحات الاقتصادية والمؤسساتية. لكن الواقع أن الأمن والإصلاح مترابطان، ولا معنى لأي تسوية من دون جهد إصلاحي داخلي فعّال يُحدث فرقاً ملموساً في حياة اللبنانيين، بدءاً من استعادة القدرة على الوصول إلى حساباتهم المصرفية التي جُمّدت بفعل الأزمة، وصولاً إلى إصلاح النظام المصرفي والقضائي والرقابي.
أما جنوب لبنان الذي تكبّد الأثمان الأبهظ في النزاع الأخير، فلا يزال يرزح تحت وطأة التبعية القسرية لـ«حزب الله»، لا اختياراً، بل اضطراراً. وتجب طمأنة أبناء الجنوب بأن الدولة اللبنانية، وبدعم من الولايات المتحدة وشركائها، ستضع عملية التعافي وإعادة الإعمار على رأس أولوياتها بمجرد استعادة السيادة على المنطقة.
جاءت تصريحات الرئيس عون الأخيرة التي أكد فيها أن قرارات الحرب والسلم حصرية للدولة، وأن مسألة السلاح خارج الدولة قد «حُسمت ولا عودة عنها»، في توقيت مهم وتبعث على الأمل. لكن غياب التنفيذ العملي سيجعل واشنطن تحول أنظارها إلى ملفات أخرى، من سوريا إلى غزة وإيران، تاركة لبنان يغرق أكثر في العزلة.
في غضون ذلك، تتبدل ملامح المشهد الجيوسياسي بسرعة. فاحتمال التوصل إلى تفاهم بين سوريا وإسرائيل قد يعيد رسم خريطة الأولويات الإقليمية ويهمّش لبنان تماماً. ومن دون ترسيم واضح للحدود وموقف لبناني حاسم لإنجاز التسوية، قد يجد لبنان نفسه خارج اللعبة، ويُتخذ القرار بشأن سيادته في غيابه.
وقد تكون زيارة السفير توم برّاك الحالية مفصلية. فهذه هي المرة الأولى منذ سنوات التي تتلاقى فيها عوامل الاهتمام الدولي، واستعداد محلي، والتزام أميركي فعلي لدعم تعافي لبنان - شرط أن يثبت قادته أنهم أهل لهذا الالتزام. لكن الفرصة قد لا تدوم طويلاً، وصبر واشنطن ليس بلا حدود.
اجتماعات برّاك مع القادة اللبنانيين تمثل اختباراً. والسؤال المطروح على لبنان اليوم بسيط في مظهره، وعميق في مضمونه: هل سيتحدث لبنان بصوت واحد، قائلاً: «شعب واحد، بلد واحد، جيش واحد»؟ أم سيسمح مجدداً للآخرين بتقرير مستقبله عنه؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

صحيفة سبق
منذ 18 دقائق
- صحيفة سبق
"تعاني من فجوة دفاعية".. أميركا استهلكت ربع صواريخها الاعتراضية في حماية إسرائيل من الصواريخ الإيرانية
استهلكت الولايات المتحدة ربع مخزونها من صواريخ "ثاد" الاعتراضية خلال الحرب بين إسرائيل وإيران التي استمرت 12 يومًا في شهر يونيو الماضي، لصد هجمات باليستية إيرانية مكثفة ضد إسرائيل، وهذا الاستنزاف السريع في منطقة الشرق الأوسط أثار تساؤلات حول قدرة واشنطن على الحفاظ على جاهزيتها الدفاعية عالميًا، خاصة مع تباطؤ إنتاج هذه الصواريخ باهظة الثمن، فما الذي يكشفه هذا عن هشاشة الدفاع الصاروخي الأمريكي؟ فخلال الصراع، أطلقت القوات الأمريكية ما بين 100 إلى 150 صاروخًا من طراز "ثاد"، وهو نظام دفاع جوي متقدم يعترض الصواريخ الباليستية في مرحلتها النهائية، ويمتلك الجيش الأمريكي سبع بطاريات "ثاد"، استُخدم اثنتان منها في إسرائيل، مما أدى إلى استنفاد جزء كبير من المخزون، وهذا الاستخدام المكثف، الذي أوردته صحيفة "وول ستريت جورنال"، كشف عن فجوة في شبكة الدفاع الصاروخي الأمريكية، خاصة مع إنتاج سنوي محدود لا يتجاوز 11 صاروخًا في 2024، و12 متوقعة في 2025. وتكلفة صاروخ "ثاد" الواحد تصل إلى 12.7 مليون دولار، ويتم تصنيعه بواسطة شركة "لوكهيد مارتن"، وبطء الإنتاج يفاقم أزمة المخزون، حيث تخطط الولايات المتحدة لاقتناء 37 صاروخًا فقط في 2026، بدعم من ميزانية إضافية بقيمة 1.3 مليار دولار لتحسين سلسلة التوريد، و2.5 مليار دولار لتوسيع إنتاج الذخائر، لكن الخبراء يحذرون من أن هذه الجهود لا تكفي لسد النقص المتزايد، خاصة مع الالتزامات الدفاعية العالمية المتعددة. ءوعلى الرغم من نجاح الولايات المتحدة وإسرائيل في اعتراض 86% من أكثر من 500 صاروخ باليستي أطلقتها إيران، تسببت عشرات الصواريخ في أضرار كبيرة بمدن إسرائيلية مثل تل أبيب، مخلفة دمارًا في المباني والبنية التحتية، وخسائر بشرية بلغت 29 قتيلًا، وتقديرات معهد "جنسا" تشير إلى أن نظام "ثاد" ساهم بنحو نصف عمليات الاعتراض، مما يكشف عن نقص في مخزون إسرائيل من صواريخ "آرو" الاعتراضية، هذا الوضع يعزز الحاجة الملحة لتسريع الإنتاج. وأثارت الحرب مخاوف من تراجع الجاهزية الأمريكية، خاصة في منطقة المحيط الهادئ حيث تتصاعد التوترات مع الصين، وأشار مسؤولون دفاعيون سابقون إلى أن استنفاد المخزون بدأ قبل الصراع، نتيجة عمليات ضد الحوثيين في اليمن، وأحد المسؤولين السابقين في إدارة الرئيس جو بايدن أعرب عن صدمته من انخفاض مستويات الجاهزية، محذرًا من أن استمرار هذا الوضع قد يحد من قدرة الولايات المتحدة على مواجهة تهديدات في مسارح عسكرية أخرى. وإدارة دونالد ترامب تواجه تحديات متزايدة لتعزيز القدرات الدفاعية، خاصة مع تراجع الدعم الشعبي الأمريكي للدفاع عن إسرائيل، الخبراء يرون أن استمرار الاعتماد على "ثاد" دون زيادة كبيرة في الإنتاج قد يعرض الأمن القومي للخطر، فهل ستتمكن الولايات المتحدة من إعادة بناء مخزونها الدفاعي بسرعة كافية لمواجهة التحديات المستقبلية؟


سويفت نيوز
منذ 2 ساعات
- سويفت نيوز
أمير الجوف يستقبل مدير فرع 'البيئة' بالمنطقة ويطّلع على تقرير التشجير ضمن مبادرة 'السعودية الخضراء'
سكاكا – واس : استقبل صاحبُ السمو الملكي الأمير فيصل بن نواف بن عبدالعزيز أمير منطقة الجوف، في مكتبه بالإمارة اليوم، مدير عام فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بالمنطقة المهندس عبدالعزيز بن محمد الرجيعي، يرافقه ممثل المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر ناصر بن سعود المقبل.واطّلع سموه خلال اللقاء على تقريرٍ أعمال التشجير في المنطقة ضمن مبادرة 'السعودية الخضراء'، والذي تضمن زراعة (3,682,650) شجرة، بمشاركة عددٍ من الجهات الحكومية ذات العلاقة، وذلك في إطار جهود المملكة لزيادة الغطاء النباتي ومكافحة التصحر.ونوّه سمو أمير منطقة الجوف بالدعم الكبير الذي توليه القيادة الرشيدة -أيدها الله- لاستدامة البيئة، والحد من التأثيرات المناخية، مشيرًا إلى مبادرات المملكة النوعية في هذا المجال، وفي مقدمتها مبادرة 'السعودية الخضراء'، مؤكدًا أهمية مضاعفة الجهود من مختلف الجهات المعنية في المنطقة لتحقيق مستهدفات المبادرة، وصناعة مستقبل بيئي مستدام للأجيال القادمة. يُذكر أن مبادرة 'السعودية الخضراء'، التي أطلقتها المملكة في عام 2021م، تهدف إلى مكافحة تغيّر المناخ، ورفع مستوى جودة الحياة، وحماية كوكب الأرض، من خلال زراعة 10 مليارات شجرة في أنحاء المملكة، بما يعادل إعادة تأهيل 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة. مقالات ذات صلة


عكاظ
منذ 2 ساعات
- عكاظ
هل تخلت إسرائيل عن خطط ترحيل الفلسطينيين إلى رفح؟
كشفت «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية تجميد خطط إقامة «مدينة إنسانية» في رفح، والتي كانت معدة لمئات الآلاف من الفلسطينيين كخطوة أولى لدفعهم إلى مغادرة القطاع طوعا. ونقلت عن مصدر أمني رفيع المستوى قوله: لا يوجد قرار بالمُضي قُدماً في هذا الأمر، ولا توجد خطة بديلة أيضاً، كان المستوى السياسي على يقين من أنه يتجه نحو صفقة للإفراج عن الرهائن تتضمن انسحاباً من جنوب قطاع غزة، لذا يبدو أنهم تخلّوا عن هذه الخطوة، لقد تأجلت الآن. وأضاف المصدر أنه «في ظل الصور المروّعة القادمة من غزة»، اتُّخذ قرار بمضاعفة عدد شاحنات المساعدات الإنسانية الداخلة إلى القطاع، بحيث يدخل نحو 150 شاحنة يومياً. ولفت إلى أنه منذ مارس الماضي توقفت إسرائيل عن إدخال المساعدات لأسباب سياسية، خشية إسقاط الحكومة من قبل وزراء يهددون بتفكيك الائتلاف. ورأى أن إسرائيل كان بإمكانها إقناع المجتمع الدولي والأمم المتحدة بتوزيع المساعدات العالقة عند معبري زيكيم وكرم أبو سالم، مما كان سيجنبها الانتقادات الحادة. وكانت الصحيفة أفصحت في شهر أبريل الماضي عن مناشدات الجيش للمستوى السياسي بإعادة فتح الممرات الإنسانية لتفادي كارثة إنسانية، إلا أن وزراء الحكومة رفضوا، وتعهد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بعدم السماح بدخول «حبة قمح واحدة» إلى غزة، في تصريح شهير له قال فيه: «اقرأوا شفتي». إلا أنه تراجع بعد أسابيع وسمح بعودة الشاحنات، ودخلت عشرات منها عبر معبر زيكيم نحو شمال القطاع، وتعرضت للنهب في منطقة العطاطرة. وكشفت سلطة الاحتلال في أوائل يوليو خطة جديدة لنقل مئات الآلاف من الفلسطينيين في قطاع غزة إلى «منطقة إنسانية»، في خطوة وصفت بأنها غير مسبوقة وأثارت موجة انتقادات من قبل خبراء قانونيين داخل إسرائيل وخارجها. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، إنه كلف الجيش بإعداد خطة لإنشاء «مدينة إنسانية» في رفح لتكون مكاناً يتم فيه تجميع سكان قطاع غزة بالكامل في نهاية المطاف. وكان سيتم تشييد المدينة المزمعة على أنقاض مدينة رفح في جنوب القطاع. وتتضمن الخطة نقل نحو 600 ألف فلسطيني من منطقة المواصي إلى المنطقة الجديدة بعد فحص أمني، ولن يسمح لهم بالمغادرة بعد ذلك. وهاجم رئيس أركان جيش الاحتلال إيال زامير، الاقتراح خلال اجتماع للحكومة، مؤكداً أنه سيصرف التركيز عن الهدفين الأساسيين للجيش، وهما هزيمة حماس وتأمين عودة الرهائن، ما أدى إلى مشادة حادة بين زامير ونتنياهو خلال الاجتماع، وفق وسائل إعلام إسرائيلية. ووصف محامو وباحثو حقوق الإنسان الإسرائيليون الخطة بأنها نموذجٌ لجرائم ضد الإنسانية، وحذّر بعضهم من أنها في حال تنفيذها قد ترقى، في ظل ظروف معينة، إلى جريمة إبادة جماعية. ودخل قطاع غزة منذ أمس (الأحد) في هدنة إنسانية لـ 3 مناطق فقط مع السماح بدخول المساعدات لأهالي القطاع المجوعين، بحسب تقرير للأمم المتحدة. أخبار ذات صلة