
إعادة تدوير الحنين.. كيف تحول نجوم الفيديو كليب بمصر إلى "ميمز"؟
وبحسب هذه المعطيات، فإن ما يقرب من 80% من الإعلانات التي تظهر عبر مختلف الوسائط موجهة إليك تحديدا، بهدف جذب انتباهك أو كسب رضاك كمستهلك أساسي ومؤثر في السوق.
الحنين إلى مطلع الألفية
من أسهل الحيل التسويقية، التي يلجأ إليها صناع الحملات هو اللعب على وتر الذكريات والحنين إليها، لذلك بالتأكيد شاهدت إعلانات رمضانية يظهر فيها الراحل فؤاد المهندس (عمو فؤاد) بعد وفاته، إلى جانب شخصيات رمضانية اعتدنا مشاهدتها في طفولتنا.
تلك الإعلانات التي عُرضت منذ أكثر من 10 سنوات، كانت تداعب مشاعر الحنين لدى مراهقي التسعينيات ونهاية الثمانينيات، ومع التقدم في الزمن والعمر، تطور الحنين إلى بداية الألفية، زمن الفيديو كليب وبدايات الإنترنت، التي بطبيعة الحال صارت بئرًا لا تنضب من المشاهد الكوميدية، والصور الفكاهية و"الميمز" (Memes).
إعلانات بطعم "الميمز"
أطلق أحد المصارف المصرية في يوليو/تموز الماضي، حملة إعلانية بدت ظريفة في بدايتها، اعتمد صانعها على مخزون من الذكريات الآتية من حقبة مطلع الألفية، والتي تحولت مع مرور الوقت إلى "ميمز" واسعة الانتشار بين الجمهور المصري المستهدف.
ومن أبرزها الصورة الشهيرة لمطرب التسعينيات وأحد نجوم زمن الفيديو كليب إيهاب توفيق من فيديو كليبه " أكتر من كده إيه" والتي أصبحت تعبيرا عن الأهمية بشكل عام والأهمية المصطنعة بشكل خاص، وانتشرت لفترة طويلة بين مستخدمي الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي.
أعاد صانع الإعلان تجسيد المشهد الأصلي بكامل تفاصيله: إيهاب توفيق بطلا، مرتديا نظاراته الشمسية، منهمكا في العمل على حاسوبه المحمول الكبير بينما يجلس في المقعد الخلفي لسيارة خاصة.
هذا المشهد، الذي تحوّل إلى "ميم"، شكّل مدخلًا ساخرًا لإعلان كوميدي، اعتمد في حواره على عبارات شهيرة من أغنيات إيهاب توفيق.
في نهاية الإعلان، يظهر المنتج المستهدف بشكل ذكي، بعد أن تم التمهيد له بطريقة مرحة ومبتكرة. وقد لاقى الإعلان رواجًا واسعًا، إذ حصد عددا كبيرا من المشاهدات والتفاعلات الطريفة، إلى جانب الإشادة بالفكرة والتنفيذ، وبحُسن استثمار رصيد إيهاب توفيق الفني في جذب الانتباه وتسليط الضوء على المنتج.
كان هذا الإعلان واحدا من 3 إعلانات ضمن حملة إعلانية كبرى، تتبع نفس الوصفة، البطلان الآخران من مغني التسعينيات ونجوم فيديو كليب مطلع الألفية أيضًا، هما هشام عباس ومحمد محيي، لكن الإعلانين الآخرين تخليا عن العنصر البصري اعتمادًا على كلمات الأغنيات الشهيرة فقط؛ (قول عليا مجنون، شوفي، بالحب هتاخدي عيني في إعلان هشام عباس، و(اتخنقت، يا ويلي ويلي ويلي يابا) في حالة محمد محيي.
وربما لافتقاد العنصر البصري اللافت لم يحقق إعلانا هشام عباس ومحيي نفس الأثر المرجو، فرغم اعتمادها على كلمات شكلت جزءًا من ذكريات جيل اعتاد الجلوس أمام شاشات الفيديو كليب أو سماع أشرطة الكاسيت حين إصدارها، لكنها فقدت العنصر البصري المرتبط بثقافة "الميمز" الحالية.
استعارة الحالة واستعادة الذكرى
منذ أكثر من عامين وتحديدًا في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2022، استعان الكاتب والممثل بالأب الروحي لموسيقى التسعينيات، حميد الشاعري، والنجم هشام عباس لإطلاق أغنية من إنتاجه، تناسب احتفالات رأس السنة الجديدة حينها بعنوان "السهر والانبساط" واستعار فيها عناصر كثيرة من ملامح تلك الفترة "التسعينياتية"، بصريا وسمعيا.
في الأغنية المصورة ظهرت الفتيات العارضات بملابس يعود طرازها للنصف الثاني من التسعينيات، مع سيارة ضخمة عُلقت عليها إضاءات لتشبه سيارات الآيس كريم في شوارع قاهرة التسعينيات، وسمعيا جاء التوزيع الموسيقى مقاربا بشكل ما إلى موسيقى الفترة وآلاتها، وبالطبع صوت حميد الشاعري الهادئ، وحققت الأغنية رواجا في حينها وخلال عامين حققت أكثر من 15 مليون مشاهدة.
ورغم محدودية نجاح الأغنية وارتباطها بالجمهور المصري أكثر من الجمهور العربي، فقد كانت دافعا لإعادة التجربة عبر أغنية أخرى من تلك المرحلة؛ إذ أعاد مسلسل "عمر أفندي" بطولة أحمد حاتم إحياء أغنية "لولاش" الشهيرة، بالتعاون مع مطربها وموزعها حسام حسني.
لم تكن الحملة الإعلانية سالفة الذكر، والاستعارات الأخرى هي أولى محاولات الاستعانة بنجوم التسعينيات أو علاماته الرائجة، فالحنين إلى هذه المرحلة صار تيمة تجارية وفنية منذ أعوام قليلة، فعلها منذ حوالي 7 سنوات صناع مسلسل "الوصية" عام 2018، بالاستعانة بهشام عباس أيضًا، في إحدى حلقات المسلسل.
وفي مشهد مدته دقائق تعرّض صناع "الوصية" بالنقد الساخر لموجة من هذه الأغنيات التي أنتجتها حقبة نهاية التسعينيات ومطلع الألفية، بكلمات تتسم بالحزن على إيقاعات راقصة، وبمشاركة أحد نجوم هذه الموجة ومن هذا المشهد ولدت كوميديا واضحة تنتقد وتسخر وتسترجع الذكريات.
"عدى زماننا وسبق"
تجلّت مشاعر النوستالجيا والحنين إلى الماضي بوضوح في فيديو كليب "في زحمة الأيام"، الأغنية الرباعية التي جمعت حميد الشاعري، وإيهاب توفيق، وهشام عباس، ومصطفى قمر. جاءت الأغنية بلحن كلاسيكي يستحضر روح التسعينيات، مصحوبًا بآلات وترية تضيف عمقا شعوريا حزينا، وكلمات تعبّر عن مرور الزمن، والفقد، وعبثية محاولات اللحاق بالحلم.
تقول كلمات الأغنية: "وأما السنين بتفوت والغنوة تبقى سكوت، وكل شيء محسوب، وأما السنين بتفوت إحساسنا ليه بيموت؟ بإيدين قدر مكتوب.. عدى زماننا وسبق، طلع البطل من ورق، والحلم بات مهزوم…".
بمشاهد رمزية وكلمات شاعرية، يُذكرنا العمل بأن الزمن لا يعود، وأننا مهما تقدمنا في العمر، سنبقى نعود داخليا إلى مراحل سبقت، نعيشها مجددًا ولو في الخيال.
فكل جيل يحمل معه ذاكرته، ويمر بلحظة يكتشف فيها أن "العمر عدى من غير ما يحس"، وأن ما كان يبدو عاديا في الماضي أصبح الآن سببًا فيض مشاعر.
ومع تسارع الزمن، لا بد أن الأجيال الحالية -صناع القرار الاستهلاكي في المستقبل- سيحملون حنينهم الخاص. تُرى، ما اللحظات أو الأغاني أو الصور التي ستحرّك مشاعرهم بعد عقد من الآن؟ هل سيكون لهم أيضًا زمن يتمنون عودته، ويشعرون أن ملامحه انزلقت من بين أيديهم دون أن يشعروا.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
"مكان وسط الزحام": سيرة ذاتية لعمار علي حسن تكشف قصة صعود طفل فقير نحو الإبداع الأدبي
من صعيد مصر جاء إلى القاهرة العامرة، في صدره من الآمال والأحلام ما يضيق عنه الحصر، وسعى إلى أن يكون له "مكان وسط الزحام"، حسب عنوان سيرته الذاتية التي صدرت طبعتها الأولى عام 2018. في جعبة عمار علي حسن -الذي تخرج في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة ويحمل الدكتوراه في العلوم السياسية- مجموعة متنوعة من الكتابات بين الروايات والمجموعات القصصية والشعر والمسرح والكتابة للأطفال، إلى جانب كتب في النقد الثقافي والاجتماع السياسي والتصوف، تربو الآن على 60 كتابًا، وفي درج مكتبه 10 كتب أخرى جاهزة للنشر. مع نشاطه في التحليل السياسي والاجتماعي، واشتباكه اليومي مع الأحداث والوقائع، يحبذ الأدب على ما عداه، إذ يجده أشمل صورة يمكن أن تعبر بشكل أعمق عما يدور حولنا، كما أن عباءة الأدب تحوي السياسة والاجتماع وغيرهما، ومن ثم فالأديب عنده مقدّم على صفة الباحث في العلوم السياسية، وهو أديب لا يكتب في صومعة أو برج عاجي، إنما يلتحم بهموم المواطن واهتماماته، وهو باحث لا يحصر كتاباته في نطاق النقل من بطون المصادر والمراجع، إنما يُخضع هذا لمقولته الدائمة "نصف العلم يؤخذ من ألسنة الناس". حصل عمار على عدة جوائز أهمها جائزة الدولة للتفوق في مصر، وجائزة الشيخ زايد للكتاب، وجائزة اتحاد كتاب مصر في الرواية، وجائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي (مرتين) في القصة والرواية، وجائزة جامعة القاهرة في القصة القصيرة، وجائزة أخبار الأدب في القصة القصيرة، وجائزة الدعوة والفقه الإسلامي، وجائزة ابن بطوطة في أدب الرحلات، وجائزة ساويرس الثقافية في النقد والسرديات الأدبية. وكان للجزيرة نت معه هذا الحوار. كيف تقرأ ثنائية مصر وإيجيبت على منصات التواصل الاجتماعي؟ وما دلائل ذلك؟ إعلان هذه الثنائية منبتة الصلة عن تاريخ مصر الاجتماعي عبر التاريخ، إذ إن المصريين لم يشهدوا تقسيمًا طبقيًا يجعلهم يعيشون حياتين متناقضتين ومنفصلتين في المكان أو الحيز الجغرافي، وفي الثقافة من زاوية اللغة المتداولة والطقوس والتعبير عن الهُوية والارتباط العقلي والوجداني بالخارج، والاستلاب حياله، أو التماهي فيه. فبعد سنوات من ظهور المدن والأحياء المنعزلة خلف الأسوار أيام حكم بيبي الثاني، أدت إلى قيام أول ثورة شعبية في مصر وربما في تاريخ البشرية؛ عرفت مصر اختلاط طبقاتها الاجتماعية في المكان، وفي كثير من العادات والتقاليد، فالفقراء وأبناء الطبقة الوسطى -التي وصفت في الحوليات التاريخية بـ"مساتير الناس" أو "ميسوري الحال"- وكذلك المنتمون إلى الطبقة العليا ماديًا كانوا يتجاورون في السكن، فنجد الأثرياء أو الممكّنين ماديًا يعيشون في بيوت على رؤوس الحارات التي تعج بالمعوزين الذين أطلقت عليهم أسماء عبر تاريخ مصر منها "الجعيدية" و"الحرافيش" و"الغلابة" و"المهمشين". وقام بين هذه الطبقات شكل من الاعتماد المتبادل، أو التخصص وتقسيم العمل، وذلك من خلال احتياج الأثرياء إلى جهد الفقراء ومعارفهم، أو الاستجابة لطلب الدين في التصدق عليهم سواء بشكل فردي، أو عبر المؤسسات الخيرية مثل الأوقاف التي كان تحبس لها أرض وعقارات، وبيوت زكاة، وصناديق نذور وتكايا وأسبلة. اليوم لم تعد الحال على هذا النحو، إذ ظهرت الأحياء المعزولة المرفّهة خلف أسوار، سواء في القاهرة أو غيرها من المدن، وفي الساحل الشمالي الذي يطلق المصريون على شواطئ الأثرياء فيه اسم "الساحل الشرير". ورغم هذا، ظلت السلطة السياسية في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك مدركة لتاريخية معادلة "الاعتماد المتبادل بين الطبقات"، فكانت تبني أحياء للفقراء ملتصقة بالأحياء المسورة المرفهة، لكن هذه المسألة تتراجع في العقد الأخير، بعد أن استعاض المرفهون عن الطبقة العاملة التي كانت تسكن قريبًا منهم بشركات متخصصة تقضي لهم كل ما يحتاجونه من أعمال صيانة أو خدمات منزلية. في ظل هذا السياق، ومع الإصرار على تكريس مصطلح "الجمهورية الجديدة" ظهر هذا التقسيم بين "مصر" و"إيجبت"، ليضاف إلى تقسيمات أخرى موجودة منها: "صعايدة" و"فلاحون"، و"فلاحون" و"بدو"، و"ريفيون" و"حضريون"، علاوة على التقسيمات الدينية والمذهبية، والتوزع على بعض اللهجات وبعض الصفات التي تلتصق بشخصية اجتماعية محلية حتى لو كانت محض صور ذهنية نمطية مغلوطة. لكن هذه التقسيمات لم تعدُ أن تكون ثقافات فرعية تصب في الثقافة المصرية الأصلية الجامعة، لا تحدث أي شرخ في الجسد الاجتماعي، أو أي شرود خارج التصور العام من القيم والأفكار والأحلام المشتركة للمصريين، كما كان عبر تاريخ مصر المديد، إنما أخذت طريقًا آخر مخيفا. فالتقسيم المستحدث لا يحرص أتباعه على شيء سوى التميز المادي لفئة أو شريحة اجتماعية قليلة أو ضيقة، لكنها تحوز جزءًا كبيرًا من الثروة والسلطة السياسية، وتحاول أن تنفصل ثقافيًا عن بقية المصريين، وتتماهى مع ثقافات وافدة أو واردة، لتصبح عبارة عن "محيط" ثقافي واقتصادي مصري لـ"مركز" موجود في الغرب غالبا، حسبما تنبئنا "نظرية التبعية"، وهذا يجعلها مغتربة عن واقعنا، ويجعل الأغلبية الكاسحة من الشعب تنظر إليها بعين الريبة دوما، والحقد أحيانًا. من واقع السياق الاجتماعي لروايتك "ملحمة المطاريد" التي صدرت مؤخرًا، ويمتد زمنه إلى 5 قرون، هل تعتقد أن تاريخ المجتمع المصري لم يشهد حالة مماثلة في أي حقبة منذ الزمن الوسيط وإلى الآن؟ إعلان طوال تاريخ مصر هناك تقسيمات طبقية بالطبع، مثل أي مجتمع، ويوجد تقسيم في زمن الاحتلال بين "ابن البلد" و"الغريب"، وإن كان بعض الغرباء قد تماهوا مع الحياة الاجتماعية المحلية، أي تم "تمصيرهم". خلافًا لهذا تنوعت شخصيات الرواية لتعكس الواقع التاريخي، فهناك العمد والمشايخ والخفر والمزارعون والصيادون والمراكبية والنجارون والحدادون والعبيد والخدم والخادمات والتجار والباعة الجائلون والبائعات، ومعهم الأسواق والوكالات التجارية والقيساريات، ويوجد اللصوص والنصابون والغواني والسكاري والمساطيل والعسس والشعراء الشعبيون من رواة السير، وعمال المناجم، والجند. منهم أهل الوادي من سكان الريف والحضر وبدو الصحاري، وهناك أهل البلد والأجانب من العثمانيين أو الحبش أو الشركس والروس وغيرهم، وتنتمي الشخصيات بالتناسب إلى الأديان الثلاثة في مصر خلال زمن الملحمة وهي الإسلام والمسيحية واليهودية، ولذا طالما نجد الشيوخ والقساوسة والأحبار، ومعهم المساجد والكنائس والمعابد، إلى جانب الزاوية المنفتحة على الكل. هؤلاء البشر المتنوعون يعيشون في مكان واحد، ويتفاعلون مع بعضهم داخل إطار ثقافي متجانس، وبينهم أشكال من التعاون والتساند من ناحية، والصراع محدد القواعد من ناحية ثانية. لكن في الحالين توجد فرص للحراك الاجتماعي عبر مسارات متعددة، وليس هناك ما يمنع أي فرد أن ينتقل من مكان إلى مكان، ومن طبقة إلى غيرها، وللجد والاجتهاد في ذلك دور. قد يكون تقسيم "مصر" و"إيجيبت" مجرد صرعة فارغة، أو "موضة" وتنتهي سريعًا، وليس تعبيرًا عن تحول اجتماعي حقيقي، أليس كذلك؟ أتمنى هذا، لكن ما يخيف حقًا هو أن هذا التقسيم، وذلك التعبير، ظهر مواكبًا لانحياز السياسات والقرارات والإجراءات إلى القلة فاحشة الثراء، بينما هناك مشكلات تعترض طريق الحراك الاجتماعي عبر مسارات واضحة ومشروعة، وتوجد طبقة مستلبة حيال ثقافة الآخر، بعضها نتاج التعليم الأجنبي في مصر، دون أن يعني هذا بالضرورة أن كل خريجيه على هذا النحو من الثراء والاغتراب، وبعضها مرتبط بفئة تعمل في خدمة النزعة إلى الاستهلاك التي تتبناها شركات متعددة الجنسيات، ناهيك عن نتاج التجارة غير المشروعة بمختلف أنواعها، وهو نوع من الثراء لا يؤدي إلى بناء أو تنمية، إنما ينزع إلى الاستهلاك والاستعلاء. إنتاجك الغزير مرتبط بمشروع أدبي وفكري.. ما أهم ملامح المشروع الأدبي لعمار علي حسن؟ ينطلق مشروعي الفكري والنقدي من منظومة قيم تمثل مركزًا أصليًا لما أكتبه، أو إطارًا أحيل إليه، سواء بشكل ظاهر في الكتابات السياسية أو مبطن في الكتابات الأدبية، بل تشكل منظومة القيم هذه غاية أصبو إليها، ألا وهي "الحرية" في وجه الإكراه والقهر، و"العدل الاجتماعي" في وجه الظلم والاستغلال، و"المساواة" في وجه التفاوت، و"التسامح" في وجه التعصب و"الاعتدال" أو "التوسط" في وجه الغلو والتشدد، و"المقاومة" في وجه التخاذل واللامبالاة، و"الألفة" في وجه الاغتراب، و"المثابرة" في وجه التخاذل، و"الجمال" في وجه القبح، وقد اجتهدت في جمع هذه القيم في ضفيرة واحدة ضمنتها كتابًا لي، أردت من خلاله أن أنجو من بؤس الأيديولوجيا وجمودها، وأن أجعل أفكاري في خدمة الناس، ولدفعهم إلى الأمام على درب الحياة الشاق. في رواياتي حرصت على تنوع عوالمها؛ فكتبت الرواية الصوفية، والواقعية السحرية، والواقعية الاجتماعية، والتاريخية، والنفسية، ورواية الحرب، وأدب الرحلات، وتوزعت أماكنها على الريف والمدينة وحياة الصحراء، وتنوعت أزمنتها بين مختلف الحقب الزمنية لمصر، والعهد الحديث. أما شخصياتها فتكاد تمثل المجتمع المصري بكل فئاته وطبقاته وشرائحه وانشغالات أفراده، وأردت من كل هذا أن أفتح شرايين الكتابة على تجدد وتجويد وجدية لا تنقطع، حتى لا أكرر نفسي. ولم أقتصر في الكتابة الأدبية على نوع واحد، فقد كتبت الرواية، والقصة القصيرة، والقصة القصيرة جدًا، والمسرحية، والشعر، وأدب الرحلات، والنصوص عابرة الأنواع، والمقال السردي، والحكايات الاجتماعية غير الخيالية، ولي كتب في النقد الثقافي والأدبي كذلك. تفرغت للكتابة ورفضت مناصب منها الوزارة التي عرضت عليك مرتين؛ فلماذا الرفض؟ وهل كتبك تكفي لإقامة عيش كريم لك وأسرتك؟ أحلت نفسي إلى التقاعد وقت أن كنت مديرًا لمركز دراسات أسسته بمؤسسة صحفية مصرية، حتى لا يعطلني شيء عن كتابة ما في رأسي ووجداني، ورفضت أي عمل إداري يعرقلني عن هذا المسار، وأرى دومًا أن الكتابة هي المنصب الذي لا يستطيع أحد أن يقيلني منه إلا الله. ورغم أن الكاتب المستقل، الذي لا يسخر قلمه لسلطة أو شركة أو مشروع أجنبي، يجد صعوبة في التقاط رزقه، فإني رضيت بما تدره الكتابة عليَّ من دخل، لا سيما أن متطلباتي من الحياة المادية بسيطة. وأواجه هذا الظرف الذي أعيشه بالعمل ليل نهار، وتعوضني مكافآت المقالات، وبعض الجوائز التي حصلت عليها، عن الدخل البسيط الذي تدره الكتب، وهذا حالنا جميعًا أهل الكتابة الحرة في العالم العربي. ذكرت في إجابة سابقة أنك تحبّذ صفة الأديب على الباحث في العلوم السياسية.. والحال هذه كيف يتحايل الأديب على الأسلاك الشائكة التي تضعها السلطة في طريقه؟ أرى أن كلمة "الأديب" هي الأكثر دقة في وصف مشروعي، فحتى الكتابة في السياسة لدي لا تخلو من خيال علمي، وكثير منها يستفيد من طرائق الأدب في السرد والتعبير. ورغم انخراطي في المجال العام الذي يراه كثيرون ضمن حيز "المثقف العضوي" حسب تعبير المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي، فإنني أنظر إلى الأدب في حد ذاته بصفته نوعًا من المقاومة بالحيلة، أو المقاومة المواربة، وهو إن كان لا يقود إلى تغيير سريع للأوضاع، كما هي السياسة والاقتصاد والقانون، فإنه من خلال تعزيز وعي الفرد بالذات والمجتمع والعالم والكون، يسهم في تغيير أكثر رسوخًا، حتى لو كان بطيئًا. الخلاص في حبّة الغلة! كيف تقرأ هذه الظاهرة في مصر؟ وكيف تعالج تسرب حالة اليأس -وربما تفشيها- بين الشباب في أعمالك الأدبية؟ حين يقدم إنسان، لا يعاني من اكتئاب انتحاري وراثي، على التخلص من حياته، فهذا معناه أن يأسه قد بلغ حدا فادحًا وجارحًا، بعد أن انطفأ أمام عينيه أي بصيص من أمل، ولا يمكن لشخص أن يتردى حاله إلى هذا المستوى إلا إذا كان السياق الاجتماعي السياسي ضيقًا وخانقًا، وبلا أفق، أو ضوء في نهاية النفق، أو يدركه هو على هذا النحو. هذا الموقف أكبر من أي تصور أو فكر يُقدمه كاتب، لا يملك حياله إلا نقده، بل مهاجمته، ويمكنه أن يطرح البدائل، أو يساعد آخرين على أن يضعوا أقدامهم على أول طريق يراه ناجعًا نحو الحل، لكن التنفيذ ليس في يده بالطبع. أتذكر سؤالا وجهه لي أحد الصحفيين ذات يوم، قال: ملايين الشباب في الوطن العربي يضافون كل يوم إلى قوائم العاطلين، وتكون الهجرة أول الحلول المرشحة أمام هؤلاء اليائسين الباحثين عن حياة كريمة.. في تصورك هل من حلول قريبة؟ فكرت قليلًا ثم أجبته "ربما لدي حل عملي مضمون جربته بنفسي، وهو المثابرة والدأب وبذل جهد مضنٍ، دون كلل ولا ملل، والكفاح بقوة وشرف، والإيمان التام بأن الله لن يضيع أجر من أحسن عملًا، ولذا يجب العمل الدائب والدائم على صقل الموهبة، وتعزيز المهارات، وتحسين القدرات، ويا لحظ من لم يجد تنافرًا بين الهواية والمهمة، وتعاونت في هذا لديه الموهبة والمهارة، وقصد أن يضيف إلى الحياة لبنة جديدة، ولا يكون عالة عليها". ربما كان هذا أحد الأسباب التي دفعتني إلى كتابة سيرتي الذاتية التي ظهرت في كتاب "مكان وسط الزحام"، وجعلت له عنوانًا فرعيًا هو "تجربة ذاتية في عبور الصعاب"؛ فقد وجدت أبناء الجيل الحالي إما أنهم راغبون في تحقيق ثراء سريع بأي طريقة حتى لو كانت غير مشروعة، وإما قانطون يركنون إلى تغييب وعيهم عمدًا، أو يريدون الفرار من بلادنا في أسرع وقت ممكن حتى لو ماتوا في عرض البحار، وأكلت أجسادهم الأسماك، فأردت أن أقول لهؤلاء -من خلال تجربتي هذه- كيف يمكن لطفل فقير مولود في قرية عزلاء منسية أن يمضي في طريقه بما يرضيه، أو يشعر من حوله بأنه قد أنجز شيئًا، أو حاول أن يترك علامة على درب الحياة الطويل. بدأتَ حياتك عصاميا واليوم -كعادة الآباء- لا تريد لأبنائك أن يعيشوا تلك الأيام الصّعبة.. كيف انعكس ذلك على نظرتهم للحياة؟ وما الحوار الداخلي الذي تعيشه في ظل هذه الثنائية؟ إعلان أكافح دومًا لكي أقي أبنائي من فقر مادي لازمني في أول حياتي، وأدرك أنهم يقاربون الحياة بطريقة مختلفة عن جيلي، ولذا لا أفرض عليهم رؤية بعينها، إنما أناقشهم فيما يتصورنه، وأترك لهم حرية الاختيار، وكان أولها أن يدرس كل منهم ما يريد، لا ما أريد أنا، حتى يكون مسؤولًا أمام نفسه، متحملًا نتيجة اختياره، وإن كنت لا أكف عن الشفقة عليهم من تصاريف حياة تزداد صعوبة. نحن في عصر الصورة، ولغة التعبير المكثف، ودومًا أقف عند العبارة التي تقول إن الصورة تغني عن ألف كلمة، وأراها تغني عما هو أكثر، كما أقف عند قول النفري "إذا اتسعت الرؤية ضاقت العبارة"، وقد فرض علينا عصر الصورة وطرائق التعبير التي تعرف قدرًا كبيرًا من الاختزال والإزاحة في زمن وسائل التواصل الاجتماعي أن نضع الأفكار والرؤى للجيل الجديد في صيغ محددة ومكثفة، لكن هذا لا يعني إهمال القاعدة التي تقول إن الكتاب كان ولا يزال أبا المعرفة، ولذا لا أكف عن إصدار الكتب إلى جانب التعليق على الصور، أو إطلاق التغريدات والمكتوبات على منصات "إكس" و"فيسبوك" لمواكبة أحداث جارية، أعتقد أن من واجبي ككاتب أن أشتبك معها. هناك من يصفونك بأنك كاتب موسوعي اتكاءً على تعدد اهتماماتك ومجالات الكتابة عندك، فما سبيل العودة إلى التكوين الثقافي الموسوعي للشباب؟ الموسوعية هنا ليست استعراضًا لكنها حاجة، فالظواهر الإنسانية والاجتماعية لا يمكن تفسيرها وفق مقاربات أو معطيات أو قواعد ونظريات علم واحد، ولهذا ظهرت المناهج العابرة للأنواع، واشتد عود صيحة منهجية تسود الآن اسمها "الدراسات الثقافية" وهي حاصل ضرب أو جمع علوم عدة، تعين الباحث على فهم المشكلة أو المسألة أو الظاهرة، وتقليبها على مختلف وجوهها، من أجل التفسير والتنبؤ. وأدعو الشباب إلى الاهتمام بهذه المقاربة الجديدة، وعدم الاستسلام لعلم فرعي واحد، أو لما نسميها "الدراسات النووية" أي المحدودة والصغيرة، وحتى لو تخصص الباحث في علم معين وتعمق في دراسته، وهذا ضروري، فعليه أن يأخذ في الاعتبار ما تقترحه عليه الفروع الأخرى، وحتى يحوز قدرًا من الموسوعية، فعليه أن يقرأ بلا حدود، وفي كل اتجاه. ما الجديد في جعبة الدّكتور عمار علي حسن؟ انتهيت من جمع الحكايات الخرافية المصرية في كتاب سيصدر قريبًا، إن شاء الله، ولم أكتف بمروياتها الشفاهية المتداولة، إنما صغتها بأسلوبي، وتبلغ 70 حكاية، وهو كتاب غير مسبوق في الأدب المصري على هذا النحو. انتهيت كذلك من كتاب بعنوان "الفراغ السياسي" أكمل به الثلاثية التي أريد بها توسيع زوايا النظر في العلوم السياسية، وصدر منها كتابا "الخيال السياسي" و"المجاز السياسي". وهناك أيضًا 3 أعمال للأطفال دفعتها إلى النشر، وديوان شعر كذلك، وهناك كتابات أخرى تنتظر مراجعة أخيرة.


الجزيرة
منذ 17 ساعات
- الجزيرة
ما حقيقة ارتفاع معدلات الطلاق بالعالم العربي وما حلوله الفاعلة؟
موازين ناقشت حلقة برنامج 'موازين' بتاريخ السادس من أغسطس/آب 2025 ارتفاع معدلات الطلاق في العالم العربي، وسط جدل واسع بشأن ما إذا كانت هذه الظاهرة حقيقية أم هناك مبالَغة فيها بفعل قراءات خاطئة للأرقام. اقرأ المزيد


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
عشرات المشاهير في ألمانيا يدعون لحظر توريد أسلحة إلى إسرائيل
انضم 162 ممثلا وموسيقيا وإعلاميا ألمانيا إلى الدعوة لوقف توريد أسلحة ألمانية إلى إسرائيل. ووفقا لمنظمة "آفاز" فإن من بين الموقعين الجدد على الدعوة المغنيين نينا خوبا وكلويسو، والمخرج فاتح أكين، وآري فولمان الممثل الإسرائيلي الحائز على جائزة غولدن غلوب، والممثلة زاندرا هولر. وتقول "آفاز" العالمية إنها نظمت هذه الحملة، علما بأنها تعرّف نفسها بأنها شبكة حملات عالمية تهدف إلى التأثير على القرارات السياسية من خلال أصوات المواطنين. ويوم الخميس الماضي، حث أكثر من 200 شخصية بارزة بألمانيا المستشار فريدريش ميرتس على وقف توريد أسلحة لإسرائيل وفرض عقوبات عليها في رسالة مفتوحة. وحتى صباح اليوم الأربعاء، بلغ إجمالي المشاهير الموقعين على الرسالة 367 شخصا. ومن بين الموقعين الأوائل على الرسالة الإعلاميان يوكو فينترشايت وكلاس هويفر-أوملاوف، والموسيقيان شيرين دافيد وتسارتمان، والممثلات جيسيكا شفارتس وهايكه ماكاتش وليف ليزا فريز، والممثلون بينو فورمان ودانيال برول ويورغن فوغل، والكاتب مارك-أوفه كلينغ. وفيما يتعلق بالوضع الراهن في قطاع غزة، انتقد موقعو الرسالة أيضا إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نيته احتلال قطاع غزة بأكمله، بحسب تقارير إعلامية إسرائيلية. وجاء في الرسالة "سيد ميرتس، لقد حان وقت التصرف!".