
مطولات البودكاست: قالب حواري مبتكر أم فقاعة إعلامية آفلة؟
في عالمنا المعاصر اللاهث خلف عقارب الساعة، المفتون بالمحفزات البصرية، برزت منصات البث الصوتية "البودكاست" لتضرب مسلمات اتفق عليها منظرو الإعلام الجديد وخبراؤه، من أهمها أن عصر الإذاعة والمحتوى الصوتي يلفظ أنفاسه، ولم يعد لدى متلقي الرسالة الإعلامية من فضول الوقت ما يصرفه في الاستماع لمقابلة حوارية، يتحدث فيها ضيف واحد عن بطولاته الشخصية، وتمتد أحياناً لساعات بلا فواصل.
هذا الصعود يثير تساؤلات عن الأسباب الكامنة وراء هذا الإقبال؛ أهي البحث عن المعرفة، أم السعي إلى الاستماع لقصص الآخرين، أم شيء أعمق من هذا وذاك؟
يعكس صعود البودكاست المطول تحولًا في المشهد الإعلامي، وهناك شعور متزايد بأن وسائل الإعلام التقليدية تعيش فترة ركود. ومع ازدياد الاستقطاب السياسي تراجعت مصداقية بعض المحطات، وانتقلت شريحة من الجمهور من متابعة وسائل الإعلام الرئيسية إلى البودكاست.
لقد ارتفع عدد متابعي البودكاست في السنتين الماضيتين في الولايات المتحدة وحدها ارتفاعًا مهولاً، وجذبت قنوات مشاهير البودكاست هناك -مثل ليكس فريدمان وجو روغان وثيو فون- أرقامًا كبيرة من المتابعين المخلصين، الذين يصل عددهم أحيانًا إلى أكثر من 160 مليون مستمع شهريًّا. ويبدو أن هذه الأرقام، التي تعبر عن التأثير والحضور القوي لهذه المنصات، لفتت انتباه شخصيات وسياسيين بارزين، مثل دونالد ترامب وإيلون ماسك وناريندرا مودي، الذين حلوا ضيوفًا على هذه البرامج.
وأصبحت مقابلات البودكاست المطولة اليوم قالبًا من القوالب الإعلامية البارزة التي تستقطب جمهورًا واسعًا، لأنها تمنح المستمعين فرصة متابعة حوار إنساني طبيعي بين شخصين، وتوفر بيئة ودية مريحة للحوار، مقارنة بالمقابلات الإعلامية التقليدية، ما يدفع الشخصيات المشهورة -وفيهم السياسيون وصناع القرار- إلى قبول المشاركة فيها، لإدراكهم أن أغلب مقدمي هذه المنصات لن يوجهوا نفس الأسئلة الصعبة التي قد يطرحها عليهم مذيعو النشرات والبرامج الحوارية التلفزيونية الشهيرة؛ فرغم أن مقدمي البودكاست يطرحون أسئلة جيدة وذكية، فإن النمط العام لهذه المقابلات غالبًا ما يكون أقل حدة، ما يتيح للضيف المراوغ تجاوز بعض الأسئلة بسهولة.
استغل دونالد ترامب وفريقه هذه المساحة إستراتيجيًّا خلال حملته الرئاسية 2024، وأجرى مقابلات مع 14 مقدمًا للبودكاست في الولايات المتحدة، بينما أجرت منافسته كامالا هاريس ست مقابلات فقط. هذا التركيز على البودكاست سمح لترامب بالوصول إلى أكثر من 65 مليون مستمع، وكان له دور هائل في تعزيز قدرته على إقناع الجماهير التي كان يسعى إلى حشدها للتصويت. لقد كانت هذه المنصات بمثابة طريق مختصر لتجاوز وسائل الإعلام التقليدية وتجنب الأسئلة الصعبة، خاصة بعد أن اتخذت قنوات تلفزيونية أميركية عديدة قرارًا واعيًا بعدم بث خطابات ترامب مباشرة دون رقابة أو تدقيق.
يبرز غياب "ضوابط" العمل الصحفي المهني والتحقق من الخبر كأحد الجوانب السلبية، التي قد تؤثر على استمرارية صعود منصات البودكاست؛ فبينما توفر مساحة أوسع للحوار، قد تفتقر لأدوات التحقق من المعلومات
ومن المثير للاهتمام أن العديد من مقدمي البودكاست السياسيين في أميركا، خاصة من اليمين، شخصيات إعلامية سابقة، وهؤلاء يعملون الآن بـ"تحرر" من القيود التي كانت مفروضة عليهم في غرف الأخبار، وباتوا اليوم قادرين على تقديم محتوى يجذب الجمهور بشكل مباشر، والتعبير عن آرائهم بحرية أكبر.
وفي منطقتنا العربية، يعكس التنافس المتزايد بين منصات البودكاست تغيراً في طريقة تلقي الأخبار والمعلومات، وصناعة التأثير الرقمي. وتكشف الإحصائيات أن السعودية أكثر الدول العربية استماعًا للبودكاست، وزادت نسبة متابعي هذه المنصات في منطقة الخليج في 2023 بأكثر من 25%، وأن أكثر مستمعي البودكاست عربيًّا ينتمون إلى فئتي الشباب والموظفين.
في المقابل، يبرز غياب "ضوابط" العمل الصحفي المهني والتحقق من الخبر كأحد الجوانب السلبية، التي قد تؤثر على استمرارية صعود منصات البودكاست؛ فبينما توفر مساحة أوسع للحوار، قد تفتقر لأدوات التحقق من المعلومات وصدقيتها.
لا شك أن مقابلات البودكاست المطولة قوة صاعدة في المشهد الإعلامي، وتوفر منصة فريدة للحوار المعمق وتجاوز القيود التقليدية لوسائل الإعلام. وبينما تتيح فرصة للتواصل المباشر مع الجمهور، وتقديم رؤى إنسانية لشخصيات غابت أو غيبت عن وسائل الإعلام التقليدية، فإنها تواجه تحديات من أبرزها إجادة مقدمي هذه المنصات لتقنيات الحوار، وإدراكهم لأهمية البحث والتحضير لضمان دقة المعلومات، والحفاظ على مستوى من التحدي النقدي البنّاء للضيوف.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العرب القطرية
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- العرب القطرية
مسؤولون : النسخة الـ34 من معرض الدوحة الدولي للكتاب هي الأكبر في تاريخه بمشاركة 522 دار نشر
قنا أكد مسؤولون أن النسخة الرابعة والثلاثين من معرض الدوحة الدولي للكتاب، التي انطلقت اليوم تحت شعار "من النقش إلى الكتابة"، تُعد الأكبر في تاريخ المعرض من حيث عدد المشاركين، والتي تصل إلى 522 دار نشر من 43 دولة، علاوة على الفعاليات المصاحبة الثقافية والفنية المتنوعة. ونوه المسؤولون، في تصريحات صحفية على هامش افتتاح المعرض الذي يستمر حتى 17 مايو الجاري، بمشاركة دولة فلسطين كضيف شرف لهذا العام، مؤكدين أن ذلك يعكس التزام قطر الثابت بدعم القضية الفلسطينية، خاصة في المجال الثقافي. من جانبه، وصف سعادة الدكتور حمد بن عبدالعزيز الكواري، وزير الدولة ورئيس مكتبة قطر الوطنية، معرض الدوحة الدولي للكتاب بأنه ملتقى للمؤلفين والناشرين ومحبي القراءة، مؤكدا أن الكتاب الورقي سيظل صامدا رغم التحديات الرقمية التي يفرضها التحول الرقمي. وقال سعادته: إن الناشرين والقراء ينتظرون موعد معرض الدوحة الدولي للكتاب كل عام، حيث يشهد مشاركة واسعة من دور النشر العربية والأجنبية، فيما يتميز برنامجه بعمق ثقافي، لما يطرحه من موضوعات جيدة تستحق النقاش، الأمر الذي يثري بدوره المعرض. وأشاد بفكرة اختيار دولة فلسطين ضيف شرف الدورة الحالية من معرض الدوحة الدولي للكتاب، وذلك اتساقا مع الدعم المستمر من دولة قطر للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني الشقيق. وقال سعادة وزير الدولة ورئيس مكتبة قطر الوطنية: إن هذا الاختيار له دلالة كبيرة، ونحن أحوج ما نكون إليه في ظل ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من تشويه لتراثه وثقافته. ومن جهته، أكد الدكتور غانم بن مبارك العلي المعاضيد، الوكيل المساعد للشؤون الثقافية بوزارة الثقافة، أن معرض الدوحة الدولي للكتاب يمثل محوراً رئيسياً في استراتيجية وزارة الثقافة الهادفة إلى ترسيخ مكانة دولة قطر الثقافية، وتعزيز ريادتها على الصعيدين الإقليمي والدولي، لافتا إلى أن كثافة المشاركات المحلية والعربية والدولية لدور النشر والمكتبات والمؤسسات والبعثات الدبلوماسية تنبئ بحراك ثقافي وفكري غير مسبوق. وأشار إلى المشاركات الدولية المميزة في المعرض من جامعات ومؤسسات ثقافية عريقة، ما يعكس المكانة المتنامية لمعرض الدوحة الدولي للكتاب، على خارطة الثقافة الدولية. وأوضح أن البرنامج الثقافي لهذا العام يتسم بتنوعه وثرائه، حيث يضم مؤلفين وكتبًا وندوات فكرية، إلى جانب فعاليات مميزة في المسرح الرئيسي والصالون الثقافي، وبرنامج خاص بالأطفال ودور نشر جديدة متخصصة في أدب الطفل. ونوه الوكيل المساعد للشؤون الثقافية بوزارة الثقافة إلى أن الذكاء الاصطناعي يضطلع بدور بارز في دورة هذا العام، بدءًا من تصميم شعار المعرض "من النقش إلى الكتابة"، وصولًا إلى مجموعة من الأنشطة والفعاليات التفاعلية، في خطوة تعكس حرص الوزارة على مواكبة التطورات التقنية وتوظيفها في خدمة الثقافة. وعبر عن اعتزازه بعودة مجلة "الدوحة" في حُلة جديدة بعد توقف دام ثلاث سنوات، مشيراً إلى أنها ستصدر بنسختيها المطبوعة والإلكترونية، وستتضمن برامج ثقافية متنوعة، من بينها البودكاست، بما يعكس الرؤية الثقافية الشاملة لوزارة الثقافة. وفيما يتعلق باختيار دولة فلسطين ضيف شرف الدورة الرابعة والثلاثين لمعرض الدوحة الدولي للكتاب، أشار الدكتور غانم بن مبارك العلي المعاضيد إلى أن هذه المشاركة تنسجم مع دعم قطر الدائم للثقافة والتراث الفلسطيني، كما أن مشاركة 11 ناشراً فلسطينياً يشكل فرصة لتعزيز التبادل الثقافي والمعرفي، كما يعكس وقوف دولة قطر إلى جانب الشعب الفلسطيني في مختلف المحافل. ومن جانبه، أكد السيد جاسم أحمد البوعينين، مدير معرض الدوحة الدولي للكتاب، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية "قنا" أن النسخة الرابعة والثلاثين من المعرض تُعد الأضخم في تاريخه، من حيث عدد المشاركات، والتي تصل إلى 522 دار نشر، من 43 دولة، علاوة على العدد الكبير من الفعاليات المصاحبة لها، وما تتسم به من ثراء نوعي ومحتوى ثقافي مميز، يلامس مختلف الفئات العمرية، ويواكب مستجدات حركة النشر والتأليف. وقال: إن البرنامج الثقافي لهذا العام يشمل إقامة أكثر من 15 فعالية يومية، تتوزع بين ورش تفاعلية في الكتابة والخط والتكنولوجيا، ومسرحيات وعروض مخصصة للأطفال داخل المسرح الرئيسي، مشيراً إلى أن هذه الفعاليات تم تصميمها لتنسجم مع شعار المعرض "من النقش إلى الكتابة"، الأمر الذي يرسخ بدوره مفهوم تطور المعرفة وأدوات التعبير. وتابع: إن المعرض يشهد هذا العام، مشاركة قرابة 15 مكتبة من مكتبات شارع الحلبوني في سوريا، لأول مرة، حيث تعد هذه المكتبات من أعرق المكتبات في العالم العربي، وذلك في تقليد سنوي يحرص عليه المعرض بتسليط الضوء على تجربة ثقافية مميزة من إحدى الدول العربية، حيث تم في النسختين الماضيتين، استضافة شارع المتنبي في العراق، وسور الأزبكية في مصر. وكشف مدير معرض الدوحة الدولي للكتاب عن إطلاق مبادرة جديدة تُعنى بالترجمة، ضمن الفعاليات المصاحبة للمعرض، بهدف تعزيز حضور الكتاب القطري في الأسواق العالمية، حيث تشارك عدة وكالات أجنبية متخصصة في الترجمة، للتعاقد مع دور نشر قطرية، فيما يتعلق بحقوق الترجمة والملكية الفكرية، وهو ما يوسع من دائرة انتشار الكتاب القطري. وفيما يتعلق بموعد الإعلان عن أسماء الفائزين بجائزة معرض الدوحة الدولي للكتاب في نسختها الأولى، قال البوعينين إنه سيتم الإعلان عنهم خلال أيام المعرض، لافتا إلى أن هذه الجائزة ستواصل استمرارها في نسخة ثانية العام القادم، في ظل ما تحققه من نجاح. وأشاد مدير معرض الدوحة الدولي للكتاب بالمشاركة الواسعة من دور النشر العربية والأجنبية في المعرض، فضلاً عن المشاركات المحلية، بجانب دور النشر الفلسطينية، على خلفية مشاركة دولة فلسطين كضيف شرف هذه النسخة، بما يتيح لزوار المعرض، فرصة التعرف على الثقافة الفلسطينية، بكل ما تتسم به من عراقة. بدوره، أكد السيد عبدالرحمن عبدالله الدليمي، مدير إدارة الثقافة والفنون بوزارة الثقافة، أن النسخة الحالية من معرض الدوحة الدولي للكتاب تشهد مشاركة نوعية وزيادة ملحوظة في أعداد دور النشر والدول المشاركة، مشيرًا إلى أن المعرض انطلق هذا العام في أجواء ثقافية متميزة. وأشار الدليمي، إلى أن برنامج المعرض يشتمل على العديد من الندوات الثقافية والمحاضرات والورش الفنية وتدشين الكتب الجديدة وجناح خاص ومتكامل للأطفال، إلى جانب الفعاليات الثقافية المتنوعة، ما يعكس ثراء المشهد الثقافي القطري. وشدد على حرص وزارة الثقافة على تقديم نسخة استثنائية من معرض الدوحة الدولي للكتاب هذا العام، تهدف إلى تلبية تطلعات الجمهور وتعزيز تجربتهم الثقافية بما يجسد التزامها المستمر بتعزيز الحراك الثقافي في دولة قطر. ولفت الدليمي إلى أن شعار المعرض هذا العام "من النقش إلى الكتابة"، يعكس حياة الإنسان، وتلخيص تجربته مع الكتابة والعلم عبر العصور، ويؤكد أن المعرفة ستبقى نقشًا راسخًا في العقول مهما تطورت الوسائل، إذ يبرز الشعار مسيرة تطور المعرفة البشرية، حيث يرمز إلى رحلة الإنسان الطويلة في البحث عن الوعي والمعرفة. وعن دلالة استضافة دولة فلسطين ضيف شرف هذه النسخة من المعرض، أكد السيد عبدالرحمن الدليمي، في تصريح مماثل لوكالة الأنباء القطرية "قنا" أن هذه المشاركة تجسد حرص دولة قطر الدائم على دعم القضية الفلسطينية في مختلف المحافل، خاصة الثقافية منها، لما لدولة فلسطين من رمزية وقيمة ثقافية وحضارية عميقة، مبرزا أن المشاركة الفلسطينية تشكل إضافة مهمة للمعرض من خلال ما تزخر به فلسطين من إنتاج ثقافي زاخر وتراثي. يشار إلى أن دليل النسخة الحالية للمعرض يضم 166 ألف عنوان، وتتضمن العديد من الفعاليات الثقافية والفنية الثرية، يقدمها أبرز المثقفين في الوطن العربي، وتتناول موضوعات متعددة تهم المجتمع والزوار، علاوة على مجموعة من ورش العمل في مجالات اجتماعية ومهنية. ويوفر المعرض لزائريه العديد من الخدمات العامة، فيما يفتح أبوابه للزوار من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الساعة العاشرة مساء، ويوم الجمعة من الساعة الثالثة عصراً إلى الساعة العاشرة مساءً. يُعد معرض الدوحة الدولي للكتاب من أقدم وأكبر معارض الكتب في المنطقة، ويشهد إقبالًا كبيرًا من الدول الخليجية والعربية، بالإضافة إلى دول أخرى من مختلف أنحاء العالم. وانطلقت أولى دورات المعرض في عام 1972 تحت إشراف دار الكتب القطرية، وظلت دوراته تقام كل عامين حتى العام 2002، ليتم بعد ذلك تنظيم المعرض كل عام. واكتسب المعرض الصبغة الدولية بعد نجاحه في استقطاب أكبر وأهم دور النشر العالمية، حيث بلغ عددها في أولى دوراته 20 دار نشر، فيما شهد خلال دورته الثالثة والثلاثين مشاركة دولية قياسية، حيث استقطبت أكثر من 515 دار نشر من 42 دولة، بالإضافة إلى مشاركة من سفارات الدول الشقيقة والصديقة، وأقيم على مساحة 29 ألف متر مربع. ومنذ العام 2010، يقوم معرض الدوحة الدولي للكتاب في كل دورة باختيار إحدى دول العالم لتكون ضيف شرف، حيث كانت البداية بالولايات المتحدة الأمريكية ثم تركيا، وإيران، واليابان، وبريطانيا، وألمانيا، وروسيا، وفرنسا، والسعودية، وسلطنة عمان.


الجزيرة
٠٤-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
مطولات البودكاست: قالب حواري مبتكر أم فقاعة إعلامية آفلة؟
في عالمنا المعاصر اللاهث خلف عقارب الساعة، المفتون بالمحفزات البصرية، برزت منصات البث الصوتية "البودكاست" لتضرب مسلمات اتفق عليها منظرو الإعلام الجديد وخبراؤه، من أهمها أن عصر الإذاعة والمحتوى الصوتي يلفظ أنفاسه، ولم يعد لدى متلقي الرسالة الإعلامية من فضول الوقت ما يصرفه في الاستماع لمقابلة حوارية، يتحدث فيها ضيف واحد عن بطولاته الشخصية، وتمتد أحياناً لساعات بلا فواصل. هذا الصعود يثير تساؤلات عن الأسباب الكامنة وراء هذا الإقبال؛ أهي البحث عن المعرفة، أم السعي إلى الاستماع لقصص الآخرين، أم شيء أعمق من هذا وذاك؟ يعكس صعود البودكاست المطول تحولًا في المشهد الإعلامي، وهناك شعور متزايد بأن وسائل الإعلام التقليدية تعيش فترة ركود. ومع ازدياد الاستقطاب السياسي تراجعت مصداقية بعض المحطات، وانتقلت شريحة من الجمهور من متابعة وسائل الإعلام الرئيسية إلى البودكاست. لقد ارتفع عدد متابعي البودكاست في السنتين الماضيتين في الولايات المتحدة وحدها ارتفاعًا مهولاً، وجذبت قنوات مشاهير البودكاست هناك -مثل ليكس فريدمان وجو روغان وثيو فون- أرقامًا كبيرة من المتابعين المخلصين، الذين يصل عددهم أحيانًا إلى أكثر من 160 مليون مستمع شهريًّا. ويبدو أن هذه الأرقام، التي تعبر عن التأثير والحضور القوي لهذه المنصات، لفتت انتباه شخصيات وسياسيين بارزين، مثل دونالد ترامب وإيلون ماسك وناريندرا مودي، الذين حلوا ضيوفًا على هذه البرامج. وأصبحت مقابلات البودكاست المطولة اليوم قالبًا من القوالب الإعلامية البارزة التي تستقطب جمهورًا واسعًا، لأنها تمنح المستمعين فرصة متابعة حوار إنساني طبيعي بين شخصين، وتوفر بيئة ودية مريحة للحوار، مقارنة بالمقابلات الإعلامية التقليدية، ما يدفع الشخصيات المشهورة -وفيهم السياسيون وصناع القرار- إلى قبول المشاركة فيها، لإدراكهم أن أغلب مقدمي هذه المنصات لن يوجهوا نفس الأسئلة الصعبة التي قد يطرحها عليهم مذيعو النشرات والبرامج الحوارية التلفزيونية الشهيرة؛ فرغم أن مقدمي البودكاست يطرحون أسئلة جيدة وذكية، فإن النمط العام لهذه المقابلات غالبًا ما يكون أقل حدة، ما يتيح للضيف المراوغ تجاوز بعض الأسئلة بسهولة. استغل دونالد ترامب وفريقه هذه المساحة إستراتيجيًّا خلال حملته الرئاسية 2024، وأجرى مقابلات مع 14 مقدمًا للبودكاست في الولايات المتحدة، بينما أجرت منافسته كامالا هاريس ست مقابلات فقط. هذا التركيز على البودكاست سمح لترامب بالوصول إلى أكثر من 65 مليون مستمع، وكان له دور هائل في تعزيز قدرته على إقناع الجماهير التي كان يسعى إلى حشدها للتصويت. لقد كانت هذه المنصات بمثابة طريق مختصر لتجاوز وسائل الإعلام التقليدية وتجنب الأسئلة الصعبة، خاصة بعد أن اتخذت قنوات تلفزيونية أميركية عديدة قرارًا واعيًا بعدم بث خطابات ترامب مباشرة دون رقابة أو تدقيق. يبرز غياب "ضوابط" العمل الصحفي المهني والتحقق من الخبر كأحد الجوانب السلبية، التي قد تؤثر على استمرارية صعود منصات البودكاست؛ فبينما توفر مساحة أوسع للحوار، قد تفتقر لأدوات التحقق من المعلومات ومن المثير للاهتمام أن العديد من مقدمي البودكاست السياسيين في أميركا، خاصة من اليمين، شخصيات إعلامية سابقة، وهؤلاء يعملون الآن بـ"تحرر" من القيود التي كانت مفروضة عليهم في غرف الأخبار، وباتوا اليوم قادرين على تقديم محتوى يجذب الجمهور بشكل مباشر، والتعبير عن آرائهم بحرية أكبر. وفي منطقتنا العربية، يعكس التنافس المتزايد بين منصات البودكاست تغيراً في طريقة تلقي الأخبار والمعلومات، وصناعة التأثير الرقمي. وتكشف الإحصائيات أن السعودية أكثر الدول العربية استماعًا للبودكاست، وزادت نسبة متابعي هذه المنصات في منطقة الخليج في 2023 بأكثر من 25%، وأن أكثر مستمعي البودكاست عربيًّا ينتمون إلى فئتي الشباب والموظفين. في المقابل، يبرز غياب "ضوابط" العمل الصحفي المهني والتحقق من الخبر كأحد الجوانب السلبية، التي قد تؤثر على استمرارية صعود منصات البودكاست؛ فبينما توفر مساحة أوسع للحوار، قد تفتقر لأدوات التحقق من المعلومات وصدقيتها. لا شك أن مقابلات البودكاست المطولة قوة صاعدة في المشهد الإعلامي، وتوفر منصة فريدة للحوار المعمق وتجاوز القيود التقليدية لوسائل الإعلام. وبينما تتيح فرصة للتواصل المباشر مع الجمهور، وتقديم رؤى إنسانية لشخصيات غابت أو غيبت عن وسائل الإعلام التقليدية، فإنها تواجه تحديات من أبرزها إجادة مقدمي هذه المنصات لتقنيات الحوار، وإدراكهم لأهمية البحث والتحضير لضمان دقة المعلومات، والحفاظ على مستوى من التحدي النقدي البنّاء للضيوف.


الجزيرة
٣٠-٠٤-٢٠٢٥
- الجزيرة
خوفا من الفضيحة.. نيمار يطالب بتعليق بث بودكاست عن حياته والقضاء يرفض
طالب النجم البرازيلي نيمار جونيور بوقف بث مدونة صوتية "بودكاست" تسلط الضوء على محطات مثيرة للجدل في مسيرته، لكن محكمة في ساوباولو رفضت طلبه، ووصفته بأنه "رقابة مسبقة". ورفض القاضي طلب تعليق عرض الحلقة الأولى، والإعلان عن محتوى الحلقات المقبلة قبل عرضها. ووصف الطلب بأنه "رقابة مسبقة بغيضة تتعارض مع نظامنا القانوني". وعرض موقع "يونيفيرس أونلاين" البرازيلي -الثلاثاء الماضي- على قناته في منصة يوتيوب الحلقة الأولى من المدونة ومدتها 44 دقيقة بعنوان "مشروع نيمار: نجاح أم فشل؟". ويتضمن الجزء الأول من التحقيق "مشروع نيمار التسويقي الطموح الذي وضعه نادي سانتوس لتحويل اللاعب الموهوب إلى أيقونة". ويتكون البودكاست من 6 حلقات سيتم نشرها كل ثلاثاء على اليوتيوب وباقي المنصات. إعلان الوالد الجشع وقام الموقع بنشر الحلقة الثانية -أمس الثلاثاء- بعنوان "والد نيمار يأخذ 40 مليون يورو ليذهب ابنه إلى برشلونة". وكشف الموقع عن عرض تقديمي أصلي وحصري، وبريد إلكتروني داخلي ومقابلات مع شخصيات رئيسية، تصوّر والد اللاعب ووكيله، نيمار دا سيلفا سانتوس، على أنه رجل أعمال جشع ومهاب في عالم كرة القدم، يسيطر بشكل كبير على قرارات نجله. وتتطرق الحلقة إلى الطريقة التي كان سانتوس يدير بها مفاوضاته مع ريال مدريد بشأن نيمار، والتي بدت واعدة، قبل أن يقرر نيمار الأب إجراء عملية أخرى لنقل ابنه إلى غريمه التقليدي برشلونة ، دون إشراك النادي. وأشار إلى أنه عام 2011 تنافست الفرق الإسبانية على النجم البرازيلي، وانتهت الخطة بحصول نيمار الأب على 40 مليون يورو مقابل الانتقال، في حين كان سعر البيع الرسمي 17.1 مليون يورو. وأصبحت خطوة الوالد واحدة من أكثر الصفقات المثيرة للجدل في تاريخ كرة القدم، وأدت إلى معارك قانونية طويلة في البرازيل وإسبانيا. ويتوقع أن تتضمن الحلقة المقبلة محتوى رسائل البريد الإلكتروني غير المنشورة سابقا، ومقابلات مع الأشخاص الذين شاركوا في المفاوضات والتصريحات التي أدلى بها المشاركون للمحاكم الإسبانية في عامي 2016 و2022. وبعد موسم مخيب للآمال في صفوف الهلال السعودي بسبب الإصابات، عاد لاعب برشلونة وباريس سان جيرمان السابق مطلع العام الحالي إلى سانتوس، على أمل استعادة توهجه لخوض غمار كأس العالم 2026.