
غسان تويني... الوصيّة اللبنانيّة والنّبوءة اليمنيّة
"هل كنت لتتذكرني لو لم أكن هنري كيسنجر المشهور؟!" ذاك تعليق كيسنجر على تذكر غسان تويني لزمالتهما معاً في دراسة القانون الدولي والعلوم السياسية بجامعة هارفارد. على غراره، من دون شهرة تويني، هل كنا لنعرف أنه فيلسوفٌ ضل طريقه إلى الصحافة ويصبح صاحب الوصية القدرية الشهيرة: "لندفن الحقد والثأر".
إيمانه وتقواه قوّياه على "حقدٍ" كان من الطبيعي أن يؤثر فيه، و"ثأرٍ" من طبيعته وطبيعة المستسلم له أن يمضي فيه. لكنه رفض التسليم بهذين المنطقين، وأوصى بدفنهما "متفاجئاً بما صدر عنه" يوم "تكلمت دموعه" حد تعبيره الساحر عما فعله عند تشييع جبران.
كم وقفَ غسان تويني هذا الموقف وكم جبران شيع؟ وقف الموقف ذاته مرتين، يشيع وينعى جبرانَيْن؛ والده (1947م) ثم ولده (2005م). وبقي حتى توفي 2012 شاهداً على كيف هو لبنان وكم يخسر أبناءه.
منذ الأربعينيات، رأى الموتَ والشهادة فاعتادهما، واعتاد الناس مشهده الواقف بمشروعٍ إنساني في كل تجربة يخوضها، مثل تجربتي الحرية والحكم. تجربة الحرية كل يوم، أما الحكم فلم يتعدّ كَمْ يوم من حياته الفادية للحرية والصحافة والدستور والديموقراطية ومواكبة المستجدات، بل وصنعها، مثبتاً قوة ما تصنعه الصحافة الحرة بالرئاسة، حسب كتابه الأخير "فلندفن الحقد والثأر.. قدرٌ لبناني (دار النهار 2010م)".
منذ عمل ملحقاً ثقافياً بالأمم المتحدة، آخر الأربعينيات، عرف من فارس الخوري مندوب سوريا في الأمم المتحدة حقيقة "تسيير حسابات الربح والخسارة الواقعية لشؤون العالم، بحيث تبقى "المساواة" بين الدول مسألة نظرية بحتة" (سر المهنة وأسرار أخرى، دار النهار 2002م). وبعد ثلاثين سنة من حديث الخوري، أراد من التوهم "بأن خطاباً في الأمم المتحدة سيؤثر ويعدل ويقرر المصير"، أن يصبح حقيقة، فدعا العالم من مجلس الأمن إلى أن "دعوا شعبي يعيش". عاد سفيراً متميزاً عن نظرائه السفراء التقليديين بما له من رصيد سياسي وصحافي مترسخ.
من آخر السبعينيات إلى أول الثمانينيات أخذ يرسل نبوءاته وفق منهج يدين باتباعه إلى أستاذه الفيلسوف والسياسي شارل مالك هو "النظر عبر نوع من الشمولية الموسعة، إذ ليس من المفروض أن نعالج معلومة معينة من دون محاولة إدراجها في سياق معين أوسع من السياق الذي وردت فيه. وليس المقصود في هذه الحالة السياق الجغرافي والتاريخي وحسب، بل التسلسل التاريخي الاستدلالي الذي هو شرط كل تحليل صحيح".
آية ذلك، واحدة من "رسائل إلى الرئيس إلياس سركيس (دار النهار 1995)" يوم اندلعت نيران حرب الخليج الأولى سنة 1980، بث تويني نبوءةً تتأسس على تساؤلات بشأن دور أميركي داخل المنطقة وتوقعات تعزيز روابط بين إيران واليمن (موطن أجداد تويني): "التزام أميركي بالمحافظة على الأنظمة..."، و"... اتساع رقعة الحركات والتحول إلى حروب تشارك فيها اليمن والحبشة (مع التذكير بالجانب الشيعي في قضية اليمن وعلاقته الممكنة بإيران ووجود "حرب صغيرة" حالياً بين اليمنَين تتدخل فيها سوريا إلى جانب عدن وحلفائها في الشمال"..
ثم في كتابه الصادر بالفرنسية "حرب من أجل الآخرين – باريس 1985" تحدث عن "يمنَيْن اثنين: جنوباً وشمالاً" شارحاً كيف "أدت ثورة الجنوب على الفقر إلى مزيد من الإفقار، فيما نجا الشمال من ذلك بعدما تخطت بعض الدول تحفظاتها، وتعزز نمو هذه الحضارة العريقة وإثراء الشعب اليمني المجتهد".
لأن مرجعه الأصلي فلسفي، عاش باحثاً في كل مكان عن عقل اكتشف أنه في "نزهة" مثلما "الجمهورية في إجازةٍ" ستنقضي حين تتكرر "لحظة نادرة يَقبل الناسُ فيها بإطفاء نزاعاتهم السرمدية" حسب تعبيره، فتتحقق وصيته.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار
منذ 5 ساعات
- النهار
غسان تويني... الوصيّة اللبنانيّة والنّبوءة اليمنيّة
"هل كنت لتتذكرني لو لم أكن هنري كيسنجر المشهور؟!" ذاك تعليق كيسنجر على تذكر غسان تويني لزمالتهما معاً في دراسة القانون الدولي والعلوم السياسية بجامعة هارفارد. على غراره، من دون شهرة تويني، هل كنا لنعرف أنه فيلسوفٌ ضل طريقه إلى الصحافة ويصبح صاحب الوصية القدرية الشهيرة: "لندفن الحقد والثأر". إيمانه وتقواه قوّياه على "حقدٍ" كان من الطبيعي أن يؤثر فيه، و"ثأرٍ" من طبيعته وطبيعة المستسلم له أن يمضي فيه. لكنه رفض التسليم بهذين المنطقين، وأوصى بدفنهما "متفاجئاً بما صدر عنه" يوم "تكلمت دموعه" حد تعبيره الساحر عما فعله عند تشييع جبران. كم وقفَ غسان تويني هذا الموقف وكم جبران شيع؟ وقف الموقف ذاته مرتين، يشيع وينعى جبرانَيْن؛ والده (1947م) ثم ولده (2005م). وبقي حتى توفي 2012 شاهداً على كيف هو لبنان وكم يخسر أبناءه. منذ الأربعينيات، رأى الموتَ والشهادة فاعتادهما، واعتاد الناس مشهده الواقف بمشروعٍ إنساني في كل تجربة يخوضها، مثل تجربتي الحرية والحكم. تجربة الحرية كل يوم، أما الحكم فلم يتعدّ كَمْ يوم من حياته الفادية للحرية والصحافة والدستور والديموقراطية ومواكبة المستجدات، بل وصنعها، مثبتاً قوة ما تصنعه الصحافة الحرة بالرئاسة، حسب كتابه الأخير "فلندفن الحقد والثأر.. قدرٌ لبناني (دار النهار 2010م)". منذ عمل ملحقاً ثقافياً بالأمم المتحدة، آخر الأربعينيات، عرف من فارس الخوري مندوب سوريا في الأمم المتحدة حقيقة "تسيير حسابات الربح والخسارة الواقعية لشؤون العالم، بحيث تبقى "المساواة" بين الدول مسألة نظرية بحتة" (سر المهنة وأسرار أخرى، دار النهار 2002م). وبعد ثلاثين سنة من حديث الخوري، أراد من التوهم "بأن خطاباً في الأمم المتحدة سيؤثر ويعدل ويقرر المصير"، أن يصبح حقيقة، فدعا العالم من مجلس الأمن إلى أن "دعوا شعبي يعيش". عاد سفيراً متميزاً عن نظرائه السفراء التقليديين بما له من رصيد سياسي وصحافي مترسخ. من آخر السبعينيات إلى أول الثمانينيات أخذ يرسل نبوءاته وفق منهج يدين باتباعه إلى أستاذه الفيلسوف والسياسي شارل مالك هو "النظر عبر نوع من الشمولية الموسعة، إذ ليس من المفروض أن نعالج معلومة معينة من دون محاولة إدراجها في سياق معين أوسع من السياق الذي وردت فيه. وليس المقصود في هذه الحالة السياق الجغرافي والتاريخي وحسب، بل التسلسل التاريخي الاستدلالي الذي هو شرط كل تحليل صحيح". آية ذلك، واحدة من "رسائل إلى الرئيس إلياس سركيس (دار النهار 1995)" يوم اندلعت نيران حرب الخليج الأولى سنة 1980، بث تويني نبوءةً تتأسس على تساؤلات بشأن دور أميركي داخل المنطقة وتوقعات تعزيز روابط بين إيران واليمن (موطن أجداد تويني): "التزام أميركي بالمحافظة على الأنظمة..."، و"... اتساع رقعة الحركات والتحول إلى حروب تشارك فيها اليمن والحبشة (مع التذكير بالجانب الشيعي في قضية اليمن وعلاقته الممكنة بإيران ووجود "حرب صغيرة" حالياً بين اليمنَين تتدخل فيها سوريا إلى جانب عدن وحلفائها في الشمال".. ثم في كتابه الصادر بالفرنسية "حرب من أجل الآخرين – باريس 1985" تحدث عن "يمنَيْن اثنين: جنوباً وشمالاً" شارحاً كيف "أدت ثورة الجنوب على الفقر إلى مزيد من الإفقار، فيما نجا الشمال من ذلك بعدما تخطت بعض الدول تحفظاتها، وتعزز نمو هذه الحضارة العريقة وإثراء الشعب اليمني المجتهد". لأن مرجعه الأصلي فلسفي، عاش باحثاً في كل مكان عن عقل اكتشف أنه في "نزهة" مثلما "الجمهورية في إجازةٍ" ستنقضي حين تتكرر "لحظة نادرة يَقبل الناسُ فيها بإطفاء نزاعاتهم السرمدية" حسب تعبيره، فتتحقق وصيته.


IM Lebanon
منذ 5 ساعات
- IM Lebanon
ما تشهده قوات اليونيفيل يفتح الطريق أمام رفع الفيتو
أفادت مصادر في الجمعية العمومية في الأمم المتحدة، لـ'الجديد'، بأن 'ما تشهده قوات اليونيفيل في الجنوب من اعتراضات سيفتح الطريق امام واشنطن لرفع الفيتو في وجه التجديد لها ما جعل التجديد لهذه القوات أمراً مستبعداً'.


ليبانون 24
منذ 6 ساعات
- ليبانون 24
تفاهم أميركي - إسرائيلي على سحب اليونيفيل من جنوب لبنان
أفادت وسائل إعلام إسرائيلية، الأحد، بتوافق الولايات المتحدة وإسرائيل على الدعوة لإنهاء مهمة قوة "يونيفيل" الأممية في جنوب لبنان ، واتخاذ قرار نهائي بذلك في مجلس الأمن الدولي خلال آب المقبل. وقالت صحيفة " يسرائيل هيوم" الخاصة إن إسرائيل والولايات المتحدة قررتا إنهاء مهمة قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، المتمركزة في الجنوب اللبناني منذ 1978. وأشارت الصحيفة إلى أن "إسرائيل قررت الانضمام إلى موقف الإدارة الأميركية الداعي إلى إنهاء مهمة قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، المتمركزة في الجنوب اللبناني منذ عام 1978 بعد عملية الليطاني". وذكرت " يسرائيل هيوم" أن يونيفيل "لم تنجح فعلياً في منع تسلّح الجماعات المسلحة في المنطقة طوال فترة عملها، وهو ما تعتبره كل من واشنطن وتل أبيب فشلاً في تحقيق الأهداف الأمنية". وقالت الصحيفة إن "الولايات المتحدة تسعى إلى خفض التكاليف المترتبة على تشغيل القوة". وأضافت أن "إسرائيل تعتبر أن التنسيق مع الجيش اللبناني كافٍ، وبالتالي لم يعد هناك حاجة حقيقية لوجود يونيفيل". (العربية)