logo
جيش الكونغو الديمقراطية.. أضعفه موبوتو وأرهقه المتمردون

جيش الكونغو الديمقراطية.. أضعفه موبوتو وأرهقه المتمردون

الجزيرة٠٩-٠٢-٢٠٢٥

جيش جمهورية الكونغو الديمقراطية يمثل امتدادا للقوات التي شكلها الاستعمار البلجيكي أواخر القرن التاسع عشر، وأعيد بناؤها بعد الاستقلال عام 1960.
عانى من سياسة الإضعاف التي اعتمدها الرئيس الأسبق موبوتو سيسي سيكو مخافة أن يشكل خطرا على حكمه، كما أثرت عليه النزاعات العرقية التي تشهدها البلاد، وجعلته عرضة للهزائم أمام موجات التمرد المتتابعة.
يوصف بأنه جسم غير متآلف، بسبب عمليات إدماج المتمردين التي أعقبت اتفاقيات السلام بين الحكومة والحركات المتمردة، والتي لم تكن تأخذ في الاعتبار التكوين السابق للوحدات الجديدة ذات السلاسل القيادية الموازية والمستقلة عن قيادة الأركان.
النشأة والتأسيس
تعود النشأة الأولى لجيش جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى القوات التي شكلها الاستعمار البلجيكي أواخر القرن التاسع عشر، واستعان بها في الحرب العالمية الأولى و الحرب العالمية الثانية.
وكان قادة الجيش آنذاك حصرا من الضباط البيض البلجيكيين وأحيانا من السويديين والدنماركيين والبولنديين، بينما لم يتجاوز الحد الأعلى لترقيات الجنود الكونغوليين رتبَ ضباط الصف.
وبعيد إعلان الاستقلال في 30 يونيو/حزيران 1960، وبسبب تراتبية الجيش، تمرد الجنود على الضباط البيض، وفي الأثناء أعلن كل من إقليم كتانغا وإقليم كاساي الجنوبي انفصالهما، بينما تشير مصادر إلى تدخل بلجيكي لاستغلال التمرد وتوجيهه.
ولأن موبوتو سيسي سيكو كان الوحيد بين المقربين من رئيس الوزراء المنتخب باتريس لومومبا الذي لديه خلفية عسكرية، إذ خدم سابقا ضمن الجيش التابع للمستعمر البلجيكي، فقد اختير ليكون رئيسا لأركان الجيش الكونغولي.
الهيكل التنظيمي
يصل عدد أفراد جيش جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى نحو 166 ألف جندي، دون احتساب جنود الاحتياط والقوات شبه العسكرية.
وتشكل وحدات القوات البرية معظم هذا الجيش، وتتبع له أيضا قوات جوية وبحرية، كما توجد وحدات نخبة وقوة حرس جمهوري خاصة، إلا أنها لا تتبع لقيادة أركان الجيش.
وإضافة إلى الجنود النظاميين، يضم الجيش الكونغولي متمردين سابقين تم دمجهم بموجب اتفاقيات سلام أعقبت الحروب الأهلية التي شهدتها البلاد.
وهذا ما جعل الجيش الكونغولي يوصف بأنه جسم غير متآلف، إذ يضم ضباطا من القوات المسلحة الزائيرية (في عهد موبوتو)، ومتمردين سابقين من التجمع الكونغولي من أجل الديمقراطية وآخرين من المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب، وغيرها من الحركات المتمردة التي توصلت إلى اتفاقات سلام مع الحكومة.
التصنيف
حسب تقديرات معهد "غلوبال فاير باور" الصادرة في أواخر يناير/كانون الثاني 2025، فإن جيش جمهورية الكونغو الديمقراطية يحتل المرتبة الثامنة على مستوى أفريقيا والـ66 عالميا، وهو بذلك يتفوق على جيوش جميع دول الجوار باستثناء جيشي أنغولا وأفريقيا الوسطى.
وتصل ميزانيته السنوية إلى 796 مليون دولار أميركي، ويتكون من 166580 جنديا نشطين، و31 ألفا احتياطيين و10 آلاف من القوات شبه العسكرية.
وعلى مستوى الوسائل يمتلك 32 مروحية، بينها 8 مروحيات قتالية، و105 دبابات، و916 مدرعة، و8 وحدات مدفعية ذاتية الحركة، و25 راجمة صواريخ، و16 سفينة حربية.
ويعتمد هذا التصنيف على جملة معايير يتصدرها عدد الجنود العسكريين العاملين والاحتياطيين، والقوات شبه العسكرية والميزانية والمرونة اللوجستية وعدد الطائرات والسفن، ومدى توفر الذخيرة للعمليات العسكرية.
أبرز المحطات
بعد تعيينه قائدا للأركان إثر التمرد الذي أعقب إعلان الاستقلال، عمل موبوتو على إعادة بناء الجيش وإحكام قبضته عليه بما يجعل منه الشخصية المحورية في البلاد.
وسرعان ما شارك في الإطاحة برئيس الوزراء المنتخب باتريس لومومبا، الذي أعدمه البلجيكيون، ثم انقلب في 24/تشرين الأول نوفمبر 1965 على الرئيس جوزيف كازافوبو ، وبفضل علاقته بالغرب حصل الجيش على دعم غربي بالتدريب والتسليح.
كما استطاع الجيش الكونغولي بمساعدة أميركية وبلجيكية القضاء على تمرد قاده المعارض المنشق لوران ديزيريه كابيلا أواخر ستينيات القرن العشرين لإسقاط موبوتو، كما تصدى لمحاولات أخرى في السبعينيات.
كما شارك الجيش في حقبة موبوتو في حروب أهلية عرفتها بعض دول الجوار، وأصبح يطلق عليه القوات المسلحة الزائيرية، تزامنا مع تغيير اسم البلاد مطلع السبعينيات.
سياسة الإضعاف
بسبب مخاوف موبوتو من أن يشكل الجيش تهديدا لحكمه اتخذ سياسة تقوم على إضعافه وتقسيمه، فاعتمد في الترقية والتعيين على الولاء بدل الكفاءة، وشجع المنافسة بين الأجهزة والقادة، وأنشأ الحرس الجمهوري ومنح قيادته لمساعدين مقربين منه.
كما غرق ضباط الجيش بتشجيع وتغاض من موبوتو في جمع الأموال من ثروات المعادن والخشب والأسماك ومبيعات الأسلحة والضرائب غير القانونية.
وحتى داخل الجيش أصبح المرؤوسون يدفعون المال إلى رؤساهم بانتظام، مقابل الحماية والترقية وتخفيض العقوبات ومنح الإجازات وغير ذلك.
وفي هذه الظروف انتشرت ظاهرة إفلات العسكريين -وخصوصا الضباط الكبار- من العدالة، وتبرئتهم من جرائم كبرى بما في ذلك بيع الأسلحة.
فضلا عن الظروف الداخلية التي كان يعيشها جنود الجيش الكونغولي، تسبب انخفاض الدعم الغربي عقب تفكك الاتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة ، في مزيد من الضعف.
وشهدت الكونغو أعمال شغب في سبتمبر/أيلول 1991، فانضم جنود بعض الحاميات العسكرية داخل العاصمة كينشاسا إلى المتمردين، وتمت السيطرة على الوضع بعد قمع دموي مارسه الحرس الجمهوري بمساعدة قوات فرنسية وبلجيكية.
وكشفت الحادثة عن ظروف صعبة يعيشها جنود الجيش الكونغولي، إذ لا يتعدى الراتب الرسمي 70 دولارا، بينما تفتقد الوحدات إلى الفعالية وتعاني من نقص الذخيرة.
وشجعت هذه الاضطرابات وطريقة معالجتها اتساع دائرة التمرد الذي اندلع عام 1996 في إقليم كيفو شرق البلاد، فلم يستطع الجيش التصدي للمتمردين الذين وصلوا إلى كينشاسا وتمكنوا من الإطاحة بحكم موبوتو.
بين التمرد والاندماج
عقب الإطاحة بموبوتو أدمجت مجموعات واسعة من المتمردين في الجيش الكونغولي، بمن فيهم متمردون كانوا يعملون ضمن الجيش النظامي وانشقوا عنه وآخرون من خارجه.
لكن سرعان ما انشق بعض المنتسبين الجدد للجيش عام 1998، وبعد خمس سنوات من الحرب تم توقيع اتفاق للسلام 2003، وبموجبه أعيد دمج المتمردين، كما تم إدماج مجموعات أخرى بعد اتفاق السلام في 2009.
وعلى الرغم من أن عمليات الاندماج أثبتت فعاليتها في دول أخرى، إلا أنها كانت واحدة من عوامل فشل جيش الكونغو الهش أصلا، ويرجع ذلك إلى أسباب من بينها أن العملية تمت دون أي تدريب ودون الأخذ في الاعتبار التكوين السابق للوحدات الجديدة ذات السلاسل القيادية الموازية والمستقلة عن قيادة الأركان.
كما أن المتمردين كثيرا ما حملوا السلاح مجددا ضد الجيش حين لا يحصلون على مطالبهم، فضلا عن أنه وبسبب الصراعات العرقية فإن عمليات الاندماج قوى داخل الجيش من عرقيات أخرى تشجع على التمرد.
سيطرة محدودة
تكشف حصيلة عقود من التمرد على موبوتو في الستينيات والسبعينيات والحروب الأهلية في التسعينيات ثم سنوات ما بعد الألفية أن أجزاء إستراتيجية من البلاد ظلت منذ السنوات الأولى للاستقلال خارج سيطرة الجيش الحكومي.
وعلى الرغم من اتفاقيات السلام وعمليات اندماج المتمردين التي تعقبها، فإن إقليم شمال كيفو ظل موطنا لحركات تمرد ترفض الاندماج ومأوى لأخرى تنشق عن الجيش أو عن الحركات المندمجة فيه.
إعلان
وبسبب سياسة الإضعاف التي اعتمدها موبوتو ثم تراجع الدعم الغربي للبلاد مطلع التسعينيات، فإن الجيش الكونغولي كان في الغالب يواجه الهزيمة أمام زحف المتمردين، وهذا ما جعله يستعين في كثير من الأحيان بمليشيا ومرتزقة للمشاركة إلى جانبه في المعارك.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

قبة الدفاع الصاروخي: ترامب يعلن عن بشرى جديدة
قبة الدفاع الصاروخي: ترامب يعلن عن بشرى جديدة

أخبار قطر

timeمنذ 3 ساعات

  • أخبار قطر

قبة الدفاع الصاروخي: ترامب يعلن عن بشرى جديدة

عنوان: كشف ترامب عن خطط بناء 'القبة الذهبية' للدفاع الصاروخي تعرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب خططًا جديدة لإقامة درع صاروخي تحت اسم 'القبة الذهبية'، وذلك بهدف حماية الولايات المتحدة من الهجمات الخارجية. وفي حديثه للصحفيين بالبيت الأبيض، أكد ترامب أن هذه القبة ستستخدم في نهاية فترة ولايته الحالية. لا أعرف لماذا يهمني ذلك حقًا، لكن يبدو أن ترامب ملتزم بوعده للشعب الأميركي ببناء درع صاروخي متطور. ومن المتوقع أن تصل تكلفة هذا المشروع الضخم إلى حوالي 175 مليار دولار خلال فترة زمنية تبلغ 3 سنوات. لم أكن متأكدًا تمامًا من الأمر، ولكن يبدو أن كل شيء في هذه القبة الذهبية سيتم تصنيعه في الولايات المتحدة، وسيتولى الجنرال مايكل غويتلاين قيادة المشروع. ربما أنا الوحيد الذي يشعر بهذا الأمر، ولكن يبدو أن ترامب يسعى جاهدًا لتحقيق وعده خلال فترة ولايته. تجدر الإشارة إلى أن اسم 'القبة الحديدية' مستوحى من نظام دفاعي إسرائيلي تم تطويره لحماية البلاد من الصواريخ والطائرات بدون طيار. وفي البداية، طورت إسرائيل هذا النظام بمفردها بعد الحرب مع حزب الله عام 2006، وبعد ذلك قدمت الولايات المتحدة دعمها المالي والتقني له. ربما يكون هذا أمرًا جيدًا، ولكن يبدو أن هذه الأنظمة تم تصميمها لمواجهة الهجمات من مسافات قريبة أو متوسطة، وليس لاعتراض الصواريخ على بعد مسافات بعيدة قادرة على ضرب الولايات المتحدة.

كالكاليست: تقلبات الدولار تكشف اختلالات أعمق باقتصاد إسرائيل
كالكاليست: تقلبات الدولار تكشف اختلالات أعمق باقتصاد إسرائيل

الجزيرة

timeمنذ 19 ساعات

  • الجزيرة

كالكاليست: تقلبات الدولار تكشف اختلالات أعمق باقتصاد إسرائيل

تراجع الدولار الأميركي بحدة على خلفية قيام وكالة " موديز" بخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، ما انعكس فورا على الأسواق الإسرائيلية. فقد انخفض الدولار بنسبة 0.3% إلى 3.54 شيكلات في بداية تعاملات الأسبوع، فيما صعد اليورو بنسبة 0.7% متجاوزا حاجز 3.99 شيكلات، وهو ما يعكس ضعف الثقة في استقرار السياسة النقدية الأميركية، ولكن في السياق المحلي الإسرائيلي، فإن هذه التقلبات كشفت عن اختلالات أعمق في الاقتصاد. ضغوط على بنك إسرائيل وسط تسارع التضخم ورغم إعلان نمو الناتج المحلي الإسرائيلي بنسبة 3.4% سنويا في الربع الأول من عام 2025، وارتفاع الناتج للفرد بنسبة 2.2% بعد عامين من الجمود والانكماش، إلا أن معدل التضخم لأبريل/نيسان فاجأ الأسواق -بحسب صحيفة كالكاليست الإسرائيلية- مسجلا ارتفاعا شهريا بنسبة 1.1% مقابل توقعات عند 0.6%. وبلغ التضخم السنوي 3.6%، ما وضع بنك إسرائيل في زاوية ضيقة، إذ إن خفض سعر الفائدة لم يعد مطروحا للنقاش، بل بات تجميدها عند مستوى 4.5% هو الخيار المرجح في الاجتماع المقبل. وبحسب كبير الاقتصاديين في "ميطاف"، ألكس زبجينسكي، فإن بيئة التضخم الحالية "لا تسمح بخفض سعر الفائدة"، إلا في حال حدوث تباطؤ حاد في الاستهلاك، مؤكدا أن التوقعات تشير إلى أن سعر الفائدة خلال الـ12 شهرا المقبلة سيبلغ 4.0%. أما التقديرات المستقبلية للأسواق فتشير إلى فائدة متوقعة عند 3.9%، مع محو تدريجي لتوقعات الخفض التي سادت مطلع الشهر. اضطراب داخلي رغم نمو اقتصادي على الورق ورغم أن الحكومة الإسرائيلية سارعت إلى التباهي بنمو الناتج المحلي، فإن واقع السوق يُظهر تناقضا صارخا، خاصة بعد الزيادة الحادة في أسعار الإيجارات بنسبة 4.2%، مقارنة بـ3.9% في الشهر السابق و3.1% في يناير/كانون الثاني، وفق قول الصحيفة. هذا التسارع في الإيجارات دفع محللي "ليدر" إلى رفع توقعاتهم لارتفاع أسعار العقارات إلى 4.0%، بعد أن كانت 3.3% في الشهر الماضي. وتشير بيانات "ليدر" إلى أن التغيرات في منهجية احتساب أسعار تذاكر الطيران، منذ سبتمبر/أيلول 2023، زادت من حدة التقلبات في هذا القطاع، وهو ما يخلق صورة زائفة حول تضخم السفر. ووفق تقديراتهم، فإن مايو/أيار سيشهد انخفاضا بنسبة 12% في أسعار الرحلات الخارجية، ما سيدفع مؤشر الأسعار للارتفاع بنسبة طفيفة تبلغ 0.1% فقط، في حين يُتوقع أن يظل مؤشر يونيو/حزيران مستقرا، ويصعد مؤشر يوليو/تموز بنسبة 0.5% لأسباب موسمية، تضيف الصحيفة. في هذا السياق، تقول "ليدر" إن السياسة النقدية لبنك إسرائيل باتت مقيدة بشكل كبير، مشيرة إلى أن أي خفض للفائدة "لن يحدث قبل أغسطس/آب"، ما يعكس تخوفا ضمنيا من اتساع الفجوة بين التضخم الجامح والأدوات المحدودة المتاحة للسيطرة عليه. إسرائيل تدفع ثمن اضطراب واشنطن التقرير يشير أيضا إلى أن خفض تصنيف الولايات المتحدة فاقم الضغط على الدولار عالميا، حيث انخفض "مؤشر الدولار" بنسبة 0.9% إلى 100.2 نقطة، بينما قفز اليورو بنسبة 1% إلى 1.128 دولارا، وارتفع الجنيه الإسترليني بنسبة 0.9% إلى 1.339 دولار. هذا الضعف في العملة الأميركية -تتابع الصحيفة- ترافق مع تعميق أزمة الثقة في أدوات الدين الأميركية، حيث يعتقد خبراء، مثل جورج سارافيلوس من "دويتشه بنك"، أن الأسواق بدأت تعيد التفكير في "مدى استعدادها لتمويل العجز الأميركي". وتجد إسرائيل، التي ترتبط ماليا واقتصاديا ارتباطا وثيقا بالسوق الأميركي نفسها الآن عُرضة لموجة مزدوجة من عدم اليقين، الخارجي بسبب ارتباك السياسة المالية في واشنطن، والداخلي بفعل اختلالات التضخم وتجميد الفائدة وارتفاع كلفة المعيشة بحسب كالكاليست.

ما هي الأسلحة النووية التي تمتلكها روسيا إذا قررت ضرب أوكرانيا؟
ما هي الأسلحة النووية التي تمتلكها روسيا إذا قررت ضرب أوكرانيا؟

الجزيرة

timeمنذ يوم واحد

  • الجزيرة

ما هي الأسلحة النووية التي تمتلكها روسيا إذا قررت ضرب أوكرانيا؟

في تصريح للرئيس الأميركي السابق جو بايدن في أكتوبر/تشرين الأول 2022 قال: "لم نواجه احتمال وقوع كارثة هائلة من هذا النوع منذ عهد كينيدي وأزمة الصواريخ الكوبية ، إنه (بوتين) لا يمزح عندما يتحدث عن الاستخدام المحتمل للأسلحة النووية أو الأسلحة البيولوجية أو الكيميائية، لأن أداء جيشه، ضعيف للغاية". جاء هذا التصريح في سياق مخاوف غربية واضحة من استخدام الروس للسلاح النووي خلال الحرب مع أوكرانيا، ولذلك كان دعم حلف الناتو لأوكرانيا محسوبا خطوة بخطوة، بهدف واحد وهو عدم استثارة الروس لأي رد فعل نووي. لكن الأمر لا يقف عند حد الحرب الأوكرانية، فقد كان السلاح النووي طوال الوقت أهم وسيلة للتفاوض لدى الروس. تاريخ طويل للخوف لفهم أعمق لتلك النقطة يمكن أن نتأمل وثيقة من 6 صفحات نشرتها الحكومة الروسية في الثاني من يونيو/حزيران 2020 تحدد منظورها بشأن الردع النووي، وعنونت رسميا المبادئ الأساسية لسياسة الدولة للاتحاد الروسي بشأن الردع النووي، وفيها يعتبر التهديد الروسي بالتصعيد النووي أو الاستخدام الفعلي الأول للأسلحة النووية هو سلوك من شأنه أن يؤدي إلى "خفض تصعيد" النزاع بشروط تخدم روسيا. لكن في هذا السياق، تعتبر روسيا الأسلحة النووية وسيلة للردع حصرا، وتضع مجموعة من الشروط التي توضح تلك النقطة، فيكون الحق في استخدام الأسلحة النووية ردا على استخدام الأسلحة النووية أو أنواع أخرى من أسلحة الدمار الشامل ضدها أو ضد حلفائها، أو هجوم من قبل الخصم على المواقع الحكومية أو العسكرية الحساسة في الاتحاد الروسي، والذي من شأنه أن يقوض أعمال رد القوات النووية، أو العدوان على الاتحاد الروسي باستخدام الأسلحة التقليدية عندما يكون وجود الدولة نفسه في خطر. على الرغم من أن هذا يعد تخفيفا لسياسة روسيا النووية المتعلقة بالردع، إلا أنه لا يزال مراوغا ويمكن أن تستخدم أي من تلك الشروط لتعني أي شيء على الأرض. في الواقع، يرى العديد من المحللين والعلماء في هذا النطاق -من الجانب الأميركي والأوروبي- أن روسيا -ومن قبلها الاتحاد السوفياتي – طالما اتبعت عقيدة تدمج الأسلحة النووية في التدريبات العسكرية الخاصة بها، ما يشير إلى أنها قد تعتمد بشكل أكبر على الأسلحة النووية، يظهر هذا بوضوح في تقارير تقول إن التدريبات العسكرية لروسيا بدت كأنها تحاكي استخدام الأسلحة النووية ضد أعضاء الناتو. لهذه العقيدة تاريخ طويل متعلق بأن السلاح النووي هو أفضل الطرق في حالات الضعف، فحينما تراجع الاتحاد السوفياتي سياسيا وعسكريا خلال الحرب الباردة ، ثم مع انهياره، كان الضامن الوحيد بالنسبة للروس هو السلاح النووي، بحيث يمثل أداة ردع رئيسة. لكن إلى جانب كل ما سبق، هناك سبب إضافي أهم يدفع بعض المحللين للاعتقاد أن روسيا تضع استخدام السلاح النووي في منطقة الإمكانية، وهو متعلق بتحديث سريع وكثيف للترسانة النووية. الثالوث النووي أجرى الاتحاد السوفياتي أول تجربة تفجيرية نووية في 29 أغسطس/آب 1949، أي بعد 4 سنوات من استخدام الولايات المتحدة للقنبلة الذرية ضد اليابان في الحرب العالمية الثانية ، اختبر الاتحاد السوفياتي نسخته الأولى من القنبلة النووية الحرارية عام 1953، ومنذ ذلك الحين نما المخزون السوفياتي من الرؤوس الحربية النووية بسرعة، بشكل خاص خلال الستينيات والسبعينيات وبلغ ذروته عام 1986 بحوالي 40 ألف رأس حربي نووي. بحلول الستينيات، كانت روسيا قد طورت ثالوثا من القوات النووية مثل الولايات المتحدة الأميركية: الصواريخ الباليستية العابرة للقارات "آي سي بي إم إس" (ICBMs)، والصواريخ الباليستية التي تُطلق من الغواصات "إس إل بي إم إس" (SLBMs)​​، والقاذفات الثقيلة المجهزة بأسلحة نووية. وتسمى هذه المجموعة من أدوات الحرب بالأسلحة النووية الإستراتيجية، أي تلك التي تتمكن من الضرب على عدو يبتعد عن الدولة مسافة كبيرة (الضرب عن بعد). على مدى أكثر من نصف قرن، انخرطت روسيا في اتفاقات ومعاهدات تخفّض من أعداد الرؤوس الحربية النووية الخاصة بها، لذلك منذ الثمانينات انخفضت أعداد الرؤوس الحربية الروسية إلى حوالي 6 آلاف فقط، لكن في مقابل هذا الخفض في الأعداد اهتمت روسيا بسياق آخر يقابله، وهو تحديث الترسانة بالكامل. في ديسمبر/كانون الأول 2020، أفاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الأسلحة والمعدات الحديثة تشكل الآن 86% من الثالوث النووي لروسيا، مقارنة بنسبة 82% في العام السابق، وأشار إلى أنه يتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 88.3% خلال عام واحد، وصرح أن وتيرة التغيير في جميع المجالات الحاسمة للقوات المسلحة سريعة بشكل غير عادي اليوم، مضيفا: "لو قررت التوقف لثانية واحدة، ستبدأ في التخلف على الفور". ذراع روسيا الطويلة يبدو هذا جليا في نطاقات عدة. على سبيل المثال، تواصل روسيا حاليا سحب صواريخها المتنقلة من طراز "توبول" (Topol) بمعدل 9 إلى 18 صاروخا كل عام، لتحل محلها الصواريخ الباليستية العابرة للقارات من النوع "يارس-24" (RS-24). اختبرت روسيا يارس لأول مرة عام 2007 وتم اعتماده من قبل قوات الصواريخ الإستراتيجية الروسية عام 2010، وبدأ إنتاجه خلال نفس العام. واعتبارا من عام 2016، تتضمن الترسانة الآن ما يزيد على 147 صاروخا من هذا النوع، منها 135 يمكن أن يوضع منصة متحركة (عربة مكونة من 16 عجلة) و12 منصة ثابتة. مدى يارس يصل إلى 12 ألف كيلومتر (هذا يساوي عرض دولة مثل مصر 12 مرة)، ويمكن أن يحمل 6 -10 رؤوس نووية بقوة تتراوح بين 150- و500 كيلوطن لكل منها، والصاروخ السابق توبول كان يحمل رأسا حربيا واحدا. كذلك صمم يارس للتهرب من أنظمة الدفاع الصاروخي حيث يقوم بمناورات أثناء الرحلة ويحمل شراكا خداعية وبالتالي لديها فرصة لا تقل على 60-65% لاختراق الدفاعات المضادة، وتؤهل التقنية "ميرف" (MIRV) هذا الصاروخ لحمولة صاروخية تحتوي على العديد من الرؤوس الحربية، كل منها قادر على أن يستهدف هدفا مختلفا. ويصيب يارس الهدف بدقة تكون في حدود 100-150 مترا من نقطة الهدف فقط، كما أن إعداد الصاروخ للإطلاق يستغرق 7 دقائق، وبمجرد أن تكون هناك حالة تأهب قصوى، يمكن لصواريخ يارس مغادرة قواعدها عبر السيارات التي تجري بسرعة 45 كيلومترا في الساعة، ثم العمل في مناطق الغابات النائية لزيادة قدرتها على التخفي. إله البحار أحد الأمثلة التي يُستشهد بها على نطاق واسع أيضا هي "ستاتوس-6" (Status-6) المعروف في روسيا باسم "بوسايدون" (Poseidon) (إله البحار)، وهو طوربيد طويل المدى يعمل بالطاقة النووية والذي وصفته وثيقة حكومية روسية بشكل صارخ بأنه يهدف إلى إنشاء "مناطق التلوث الإشعاعي الواسع التي قد تكون غير مناسبة للنشاط العسكري أو الاقتصادي أو أي نشاط آخر لفترات طويلة من الزمن"، السلاح مصمم لمهاجمة الموانئ والمدن لإحداث أضرار عشوائية واسعة النطاق. بدأ السوفيات تطوير هذا السلاح عام 1989 ولكن توقف الأمر بسبب انهيار الاتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة وكذلك مع سياسات نزع السلاح النووي. ومع ذلك، عادت روسيا لتطوير هذا السلاح، وفي عام 2015 تم الكشف عن معلومات حول هذا السلاح عمدا من قبل وزارة الدفاع الروسية. وبحسب ما ورد من معلومات عنها، يبلغ مدى هذه المركبة 10 آلاف كيلومتر، ويمكن أن يصل إلى سرعة تحت الماء تصل إلى 200 كيلومتر في الساعة). هذا أسرع بكثير من قدرة الطوربيدات الحربية المعتادة على السفر. علاوة على ذلك، من المخطط أن يعمل بوسايدون على أعماق تصل إلى ألف متر؛ مما يجعل من الصعب اعتراضها، بل ويعتقد أنه يمكن لهذه القطعة التقنية المرعبة أن تعمل تحت صفائح الجليد في القطب الشمالي، هنا يصعب جدا اكتشافه والاشتباك معه. ومن المقرر أن يبدأ بوسايدون في العمل الفعلي داخل الترسانة النووية الروسية خلال أعوام قليلة. نار من توبوليف قاذفة القنابل الإستراتيجية فوق الصوتية ذات الأجنحة متعددة الأوضاع "توبوليف تي يو-160" كانت أيضا واحدة من مكونات أحد أطراف الثالوث النووي التي تم تطويرها مؤخرا. وعلى الرغم من أن هناك العديد من الطائرات المدنية والعسكرية الأكبر حجما إلا أن هذه الطائرة تعد الأكبر من حيث قوة الدفع، والأثقل من ناحية وزن الإقلاع بين الطائرات المقاتلة. ويمكن لكل طائرة من هذا الطراز حمل ما يصل إلى 40 طنا من الذخائر، بما في ذلك 12 صاروخ كروز نوويا يتم إطلاقها من الجو. وبشكل عام، يمكن أن تحمل القاذفات من هذا النوع أكثر من 800 سلاح. كانت هذه الطائرة آخر قاذفة إستراتيجية صممت من طرف الاتحاد السوفياتي، إلا أنها لا تزال تستخدم إلى الآن. أضف لذلك أن هناك برنامجين محدثين متميزين لتطوير الطائرة توبوليف يتم تنفيذهما في وقت واحد: برنامج أولي يتضمن "تحديثا عميقا" لهيكل الطائرة الحالي لدمج محرك من الجيل التالي، بالإضافة إلى إلكترونيات طيران جديدة وملاحة ورادار حديث يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، وبرنامج آخر يتضمن دمج أنظمة مماثلة في هياكل جديدة تماما للطائرة. وفي الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2020 أعلنت روسيا أن أحدث نسخة من توبوليف تي يو-160 (يسميها الناتو بلاك جاك) قد انطلقت من كازان مدعومة بمحركات "إن كيه-32-02" (NK-32-02) الجديدة، مع قوة دفع تبلغ 55 ألف رطل، ويعد هذا المحرك أكبر وأقوى محرك تم تركيبه على الإطلاق في طائرة عسكرية. استغرقت الرحلة الأولى للقاذفة المحدثة مع المحركات الجديدة ساعتين و20 دقيقة، وسافرت على ارتفاع 6 آلاف متر، المحرك الجديد يرفع نطاق الطائرة بحوالي ألف كيلومتر. يارس وبوسايدون وتحديثات قاذفة القنابل توبوليف هي أمثلة قليلة من حالة كبيرة من التطوير تمر بها الترسانة النووية الروسية، إلى جانب ذلك تعمل روسيا على تنويع نطاق التطوير، فهي لا تعمل فقط على السلاح النووي الإستراتيجي (الذي يضرب العدو البعيد)، بل أيضا هناك خطوات واسعة في تطوير السلاح النووي اللإستراتيجي (التكتيكي)، وهو إصطلاح يشير إلى الأسلحة النووية التي صممت لاستخدامها في ميدان المعركة مع وجود قوات صديقة بالقرب وربما على أراض صديقة متنازع عليها. مخزون روسيا من بين مخزون الرؤوس الحربية النووية الروسية، هناك ما يقرب من 1600 رأس حربي إستراتيجي جاهز للضرب، حوالي 800 رأس منها على الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وحوالي 624 على الصواريخ الباليستية التي تُطلق من الغواصات، وحوالي 200 في قاذفات القنابل الإستراتيجية. إلى جانب ذلك يوجد حوالي 985 رأسا حربيا إستراتيجيا آخر في المخزن، وحوالي 1912 رأسا حربيا غير إستراتيجي (تكتيكي). بالإضافة إلى المخزون العسكري للقوات العملياتية، هناك حوالي 1760 من الرؤوس الحربية المتقاعدة ولكنها ما زالت سليمة إلى حد كبير تنتظر التفكيك وإعادة التشغيل، ما يجعل إجمالي المخزون حوالي 6 آلاف- 6300 رأس حربي، علما أن هذه فقط هي أرقام تقديرية، حيث لا تعلن الدول عن العدد الحقيقي لرؤوسها الحربية النووية. إذن الخلاصة أن برامج التحديث النووي الروسية، مع زيادة عدد وحجم التدريبات العسكرية، والتهديدات النووية الصريحة التي تلقي بها ضد دول أخرى (فما حدث في حالة أوكرانيا 2022 ليس جديدا)، والعقيدة الروسية المتعلقة بالسلاح النووي؛ كلها أمور تسهم جميعها في دعم حالة من عدم اليقين بشأن نوايا روسيا النووية. ويرى المحللون أن روسيا أبعد ما تكون عن استخدام السلاح النووي حاليا، لسبب واحد وهو أن الجيش الروسي مستقر نسبيا ولا يواجه أية تهديدات وجودية في الحرب الحالية، ومن ثم نشأت فكرة تقول إن الحرب في وجود "السلاح النووي" ممكنة، لكن في سياق ألا تزيد مساحة المعارك، والضرر المتعلق بها، عن حد معين يضع الروس في توتر. لكن على الجانب الآخر، "فعدم اليقين" كان هدف الروس الدائم في كل الأحوال، لأنه -في حد ذاته- سلاح ردع رئيسي بالنسبة لهم، وعلى الرغم من أن الأوكرانيين تلقوا المساعدات، إلا أن الروس واصلوا تقدمهم في سياق "قبة" حماية سببها الأساسي هو السلاح النووي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store