logo
حين يُهدد التخصيب العالم: ما هو تخصيب اليورانيوم.. وكيف يُستخدم في صنع القنابل النووية؟

حين يُهدد التخصيب العالم: ما هو تخصيب اليورانيوم.. وكيف يُستخدم في صنع القنابل النووية؟

ليبانون 24منذ 5 ساعات

في ذروة التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران، يعود مصطلح "تخصيب اليورانيوم" إلى الواجهة، ليس كمجرد مفهوم تقني، بل كعامل محوري يحدد مصير المنطقة وربما مصير العالم بأسره. فالسؤال الذي يتجاوز الصواريخ والطائرات المسيّرة بات أكثر إلحاحاً: هل نحن على أعتاب لحظة نووية؟
الذرّة والهاوية: ماذا يعني تخصيب اليورانيوم؟
تخصيب اليورانيوم هو العملية التي يتم فيها زيادة نسبة النظير النادر "اليورانيوم-235" داخل اليورانيوم الطبيعي. هذا النظير، الذي يشكل أقل من 1% من اليورانيوم الموجود في الطبيعة، هو القادر على الانشطار النووي ، أي إطلاق طاقة هائلة عبر سلسلة تفاعلات متسلسلة. وعندما تُرفع نسبة هذا النظير إلى مستويات عالية، يصبح بالإمكان استخدامه كسلاح لا كوقود.
لكن لماذا اليورانيوم-235 بالذات؟ وما الفارق بينه وبين شقيقه الأكثر وفرة، اليورانيوم-238؟
عند استخراج اليورانيوم من باطن الأرض، نجد أن 99.27% منه هو يورانيوم-238، الذي يحتوي على 92 بروتونًا و146 نيوترونًا. أما اليورانيوم-235، الذي يحتوي على 92 بروتونًا و143 نيوترونًا فقط، فلا يشكّل سوى 0.72% من إجمالي الخام. الفارق بين النظيرين لا يكمن فقط في البنية الذرية، بل في السلوك الفيزيائي داخل قلب المفاعل أو القنبلة.
اليورانيوم-235 هو الوحيد بين النظائر القادرة على دعم تفاعل انشطار متسلسل. في هذا التفاعل، يقوم نيوترون واحد بشطر نواة الذرة، ما يُنتج طاقة هائلة ويُطلق نيوترونات أخرى تستمر في شطر ذرات إضافية، محدثة سلسلة تفاعلات يمكن أن تنفجر في جزء من الثانية، كما في الأسلحة النووية، أو تُضبط وتُستخدم لإنتاج الكهرباء أو الأدوية، كما في المفاعلات المدنية.
أما اليورانيوم-238، فهو خامد نسبياً في هذا السياق. لا يشارك مباشرة في الانشطار، لكنه يُستخدم في صناعات أخرى مثل إنتاج البلوتونيوم-239، وهو عنصر آخر قابل للاستخدام في السلاح النووي.
بين السلم والحرب: مستويات التخصيب ومعادلة الردع
لكي نضع الأمور في منظورها الحقيقي، يجب أن ندرك الفوارق الكمية والنوعية بين الاستخدام المدني والعسكري لليورانيوم. المفاعلات النووية التي تُستخدم لإنتاج الطاقة أو تصنيع النظائر الطبية تعمل عادةً على يورانيوم مخصب بنسبة 3% إلى 5%، وهي نسبة لا تكفي لإحداث انفجار نووي.
لكن عند الوصول إلى نسبة تخصيب 20%، يصبح اليورانيوم "عالي التخصيب" بحسب تصنيف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وفي هذا المستوى، يصبح الانتقال إلى التخصيب العسكري - أي إلى 90% - أسرع بكثير من الانتقال الأولي من 5% إلى 20%. وهذا هو ما يُعرف بـ"العتبة النووية".
من هنا، فإن امتلاك إيران كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% — كما تؤكد الوكالة الدولية — لا يُعد تطوراً تقنياً فقط، بل نقطة انعطاف استراتيجية. فالمسافة الفاصلة بين 60% و90% تُقاس بأشهر أو حتى بأسابيع، في حال توفر الإرادة والقدرة التقنية.
الطرد المركزي: قلب السر النووي
تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم تعتمد على أجهزة الطرد المركزي، وهي آلات تدور بسرعات خارقة لعزل اليورانيوم-235 عن اليورانيوم-238. وهذه التكنولوجيا، رغم بساطتها الظاهرة، محاطة بسرية شديدة لأنها تمثل بوابة العبور إلى السلاح النووي.
الدول التي تملك هذه التقنية يمكنها أن تنتقل في أي لحظة — من الناحية النظرية — من تخصيب منخفض للاستخدام المدني، إلى تخصيب عسكري لصنع قنبلة نووية. هذا هو جوهر الخطر الذي تثيره الأنشطة النووية الإيرانية ، في ظل اشتداد المواجهة مع إسرائيل.
حين تتقاطع الفيزياء مع الجغرافيا السياسية
إذا كانت الفيزياء النووية علماً دقيقاً، فإن السياسة النووية هي علم إدارة الرعب. أي تحرك نحو تخصيب بنسبة 90% لن يُنظر إليه بوصفه خطوة علمية، بل كإعلان نوايا استراتيجي. وفي منطقة مشبعة بالحروب والانهيارات، يصبح اليورانيوم نفسه طرفاً في المعادلة.
إن التوتر الحالي بين إسرائيل وإيران لا يُقاس فقط بعدد الصواريخ أو ساعات الطيران في الأجواء. إنه صراع على مفترق نووي. وإذا كانت المفاوضات النووية قد وُضعت في ثلاجة دبلوماسية منذ سنوات، فإن أجهزة الطرد المركزي لم تتوقف عن الدوران.
في لعبة الردع المتبادلة، لا يكفي أن تمتلك السلاح — يكفي أن تكون قادراً على صنعه. وهذا بالضبط ما يجعل من تخصيب اليورانيوم بنسبة 60% حالة طوارئ استراتيجية. لأن من يمتلك القدرة على الوصول إلى 90%، يمتلك أيضاً القدرة على تغيير قواعد اللعبة.
وفي ظل غياب ثقة إقليمية أو ضمانات دولية حقيقية، يبقى تخصيب اليورانيوم أكثر من مسألة تقنية. إنه إنذار مبكر لحرب كبرى، أو لحظة عقل تعيد حسابات الصراع. وفي كلا الحالين، نحن في الشرق الأوسط لا نملك رفاهية تجاهل دوران أجهزة الطرد المركزي.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الشبح النووي يقترب: ماذا لو ضُرب ديمونة أو بوشهر؟
الشبح النووي يقترب: ماذا لو ضُرب ديمونة أو بوشهر؟

النهار

timeمنذ ساعة واحدة

  • النهار

الشبح النووي يقترب: ماذا لو ضُرب ديمونة أو بوشهر؟

مع تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل، عادت المخاوف من كارثة نووية محتملة لتخيم على المشهد الإقليمي. فبعد الضربات الجوية الإسرائيلية التي طالت منشآت تخصيب ومراكز أبحاث نووية في إيران، وردّ طهران بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة استهدفت مواقع حيوية داخل إسرائيل، برز سيناريو استهداف مفاعل ديمونة أو بوشهر بوصفه أحد أخطر التحولات التي قد تفتح الباب أمام تسرّب إشعاعيّ عابر للحدود، في منطقة تعاني أصلاً من هشاشة بيئية وكثافة سكانية عالية. في تقصٍّ خاصّ أجرته "النهار"، نرصد أبرز المخاطر التي قد تنجم عن هذا السيناريو الكارثي، مستندين إلى حوار موسّع مع الدكتور كريم الأدهم، الرئيس الأسبق لمركز الأمان النووي في مصر، وتحليل علميّ يستند إلى تقارير دولية ودراسات فنية تقيّم التأثيرات الصحية والبيئية لأيّ تسرّب إشعاعي محتمل، بالإضافة إلى استعراض الطبيعة الفيزيائية للمواد النووية، وأهمية موقع مفاعل ديمونة الغامض، ومدى قدرة الدول في الإقليم على الاستجابة للطوارئ. View this post on Instagram A post shared by Annahar Al Arabi (@annaharar) ليس كلّ تسرّب كارثة في مستهلّ حديثه، يُحذّر الدكتور كريم الأدهم من مغالطة شائعة يتداولها كثيرون في الإعلام والسياسة، مفادها أن كلّ ضربة لموقع نووي تعني كارثة إشعاعية. ويوضح أن منشآت تخصيب اليورانيوم، كمنشأتَي نطنز وفوردو، تحتوي عادةً على مواد كيميائية قابلة للتماسك في الهواء، مثل سادس فلوريد اليورانيوم (UF6)، وهي مواد لا تُسبّب عادةً تسرّباً إشعاعياً واسع النطاق، إذ تميل إلى التصلب في موقع الحادث. وهذا لا يعني انتفاء الخطر، لكنّ تأثيره في الغالب يبقى موضعياً، ومحدوداً ضمن نطاق المنشأة. وفي حال حدوث تسرّب في نطنز، يطال الضرر المباشر العاملين وسكّان المناطق القريبة، خاصةً في حال تفاعل فلوريد اليورانيوم (UF6) مع الرطوبة الجوية، وإنتاجه غاز فلوريد الهيدروجين السام. واستناداً إلى حادثة "توكاي-مورا" في اليابان عام 1999، التي وقعت في منشأة مشابهة لتخصيب اليورانيوم، اتّخذت السلطات اليابانية حينها إجراءات إخلاء فورية ضمن نطاق 350 متراً، مع توصية لأكثر من 300 ألف شخص في دائرةٍ قطرها 10 كيلومترات بالبقاء في منازلهم تحسّباً لانتشار التلوث. وتبرز أهمية هذا السيناريو في ضوء ما أكّده المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافايل ماريانو غروسي، خلال الجلسة الطارئة للوكالة في 16 حزيران/يونيو، من أن منشأة نطنز شهدت تلوثًا كيميائيًا وإشعاعياً داخلياً عقب الهجوم الإسرائيلي، رغم بقاء مستويات الإشعاع الخارجية طبيعية. وأضاف أن هذا النوع من المخاطر يمكن احتواؤه فقط عبر تدابير حماية صارمة، محذّرًا من أن التصعيد العسكري الحالي يزيد من احتمالات "تسرّب إشعاعي بعواقب خطيرة على السكان والبيئة"، ويعرقل أي تقدّم ديبلوماسي يهدف إلى منع حصول إيران على سلاح نووي. وبالمقارنة، يبقى نطاق التسرّب في نطنز موضعياً نسبياً ولا يُتوقّع أن يمتدّ لمسافات بعيدة. غير أن السيناريو الأكثر فتكاً يتجلّى في استهداف مفاعلات نووية نشطة، كمفاعل بوشهر الإيراني أو ديمونة الإسرائيلي، واللذين يحتويان على وقود نووي في حالة انشطار، ونواتج مشعّة ذات عمر إشعاعي طويل. فالمفاعل النووي النشط يحتوي على وقود في طور الانشطار، وأي استهداف قد يؤدي إلى انفلات حراري وانبعاث نظائر مشعة بعمر إشعاعي طويل، قادرة على الانتشار لمسافات إقليمية عبر الهواء والمياه، ما يجعله سيناريو أكثر خطورة وتعقيداً من حيث التداعيات الصحية والبيئية، كما حصل في كارثتَي تشيرنوبل وفوكوشيما. ويزداد القلق تحديداً من مفاعل ديمونة، بسبب ما كشفته وثائق استخباراتية أميركية من أن هذا المفاعل يضم منشآت لإعادة المعالجة لا تخضع لأيّ إشراف دولي، وتُستخدم على الأرجح لإنتاج البلوتونيوم العسكري. خرائط الإشعاع الخفي وراء كل كارثة نووية لا يختبئ انفجار فقط، بل سلسلة من النظائر المشعة ذات خصائص مختلفة في الفتك والانتشار، يبدأ أثرها في لحظة، لكنه قد يمتد لأجيال. ويُعدّ اليود-131 من أخطر النظائر المشعة التي تُطلق عقب حوادث المفاعلات، نظرًا إلى خصائصه البيولوجية وسرعة انتشاره. يصدر هذا النظير إشعاعًا من نوع بيتا وغاما، ويتمتع بعمر نصف قصير يقارب الثمانية أيام، لكنه ينتقل سريعاً في الهواء على شكل سحابة إشعاعية قد تمتدّ لمئات الكيلومترات، ويترسّب على التربة والنباتات قبل أن يدخل السلسلة الغذائية. يتراكم اليود-131 في الغدة الدرقية، خصوصاً لدى الأطفال، مما يرفع خطر الإصابة بسرطان الغدّة، كما أثبتت تقارير كارثة تشيرنوبل. وتوصي بروتوكولات الطوارئ باستخدام أقراص يوديد البوتاسيوم للحدّ من امتصاصه. أما السيزيوم-137، فيشكّل تهديداً طويل الأمد نتيجة نصف عمره الممتد لنحو 30 سنة. يصدر إشعاعات بيتا وغاما، وينتشر عبر الهواء والتربة والمياه، ليستقر في أنسجة الجسم الرخوة والعضلات عند ابتلاعه. كذلك يُصنّف ضمن الملوثات الرئيسية بعد تشيرنوبل، حيث يمكن أن يبقى نشطاً لقرون، مما يستدعي إخلاءً طويل الأمد للمناطق الملوّثة أو عزل التربة بالكامل. في المقابل، يُعتبر البلوتونيوم-239 الأخطر على المدى البعيد، إذ يصدر إشعاع ألفا شديد السمية إذا دخل الجسم. عمره النصفي يقارب 24 ألف سنة، ويستقرّ في الرئتين والكبد والعظام مسبباً سرطانات مميتة ولو بجرعات صغيرة. ورغم أن إشعاعه لا يخترق الجلد، فإن استنشاق جزيئاته الدقيقة يشكل خطراً جسيماً، مما يفرض عزل المناطق الملوثة بالكامل واستخدام معدات وقاية متخصصة. وفي تعقيبه على طبيعة الإشعاعات النووية، ميّز الرئيس الأسبق لمركز الأمان النووي في مصر بين الأنواع الثلاثة الأكثر شيوعاً: ألفا، بيتا، وجاما، مشيرًا إلى أن" الخطورة لا تكمن في نوع الإشعاع وحده، بل في طريقة التعرض له. تعدّ أشعة ألفا غير مؤذية خارجياً، إذ يمكن إيقافها بورقة عادية، لكنها تصبح الأكثر فتكاً عند دخولها الجسم عبر التنفس أو البلع، حيث تودع طاقتها في داخل الخلايا مسببةً تلفاً خطيراً". يواصل حديثه: "أما أشعة بيتا فقد تسبّب حروقاً سطحية عند ملامستها الجلد، في حين تمثل أشعة جاما الخطر الأكبر من حيث الاختراق الخارجي، لقدرتها على عبور الجدران والأنسجة والوصول إلى الأعضاء الداخلية. ومن هذا المنطلق"، يرى الأدهم أن "ترتيب الخطورة يختلف تبعاً لنوع التعرض: ألفا تعدّ الأخطر داخلياً، وجاما أخطر خارجياً، بينما بيتا تقع في موقع متوسط". هذا التمايز بين خصائص النظائر وأنواع الإشعاع يظهر مدى تعقيد المخاطر المرتبطة بأي حادث نووي، ويسلط الضوء على الحاجة الملحة إلى خطط استجابة دقيقة تراعي اختلاف السيناريوهات، سواء من حيث سرعة الانتقال أو من حيث مدى السميّة أو طول فترة التلوث. وتؤكد توصيات المنظمات الدولية على أن أيّ تسرّب إشعاعي من مفاعل نووي، حتى لو كان محدوداً، يشكل خطراً مباشراً ومستداماً على الصحة العامة والبيئة. ووفق المعايير الدولية، فإن الحدّ الآمن للتعرض السنوي لا يجب أن يتجاوز الـ 1 ملي سيفرت، وهي وحدة تقيس الأثر البيولوجي للإشعاع على جسم الإنسان. للمقارنة، يتعرض الفرد طبيعياً إلى نحو 2–3 ملي سيفرت سنوياً من الإشعاع البيئي. أما التعرض لجرعة قدرها 1 سيفرت (1000 ملي سيفرت) خلال وقت قصير، فيعدّ خطراً صحياً جسيماً قد يؤدي إلى أعراض حادة، وربما إلى الوفاة عند تجاوز الـ 4 أو الـ 5 سيفرت، حيث تظهر أعراض مرض الإشعاع. الجرعات العالية جداً (بين 1 سيفرت و 10 سيفرت) التي تُتلقى في فترة قصيرة تقتل أعداداً كبيرة من الخلايا، مما يضعف وظيفة الأعضاء والأنظمة الحيوية، ويؤدي إلى آثار صحية حادة مثل الغثيان، والقيء، وحروق الجلد والأنسجة العميقة، وضعف الجهاز المناعي. يعد الهواء هو الوسيط الأسرع والأكثر خطورة في نقل المواد المشعة، يليه الماء ثم التربة، على ما يقول الدكتور كريم الأدهم مضيفاً: "إذا فجر مفاعل نشط، فإن الرياح تحدد إلى أين تتجه السحابة المشعة، ودائرة الطوارئ تتجاوز عادة الـ 30 كيلومتراً، بينما تمتدّ مراقبة الأغذية والمياه حتى مسافة 300 كيلومتر". ويشير إلى أنه "عند حدوث إصابة مفاعل ديمونة، تعدّ الأردن الدولة الأكثر عرضة للتأثر، بحكم ملاصقتها للموقع وامتداد حدودها الشرقية والجنوبية الشرقية مع المفاعل، كما أن فلسطين (الضفة الغربية) أيضاً معرّضة بشدّة، خاصة مناطق الخليل والقدس القريبتين نسبياً من ديمونة". ويلفت إلى "مصر (شمالي سيناء) قد تتأثر إن اتجهت السحابة غرباً لمسافة تزيد عن 75 كيلومتراً، وهو احتمال قائم لكنه أقلّ ترجيحاً. سوريا ولبنان بدورهما قد يشهدان آثاراً إذا حملت الرياح الشمالية أو الجنوبية التلوث باتجاههما، مع ترجيح تأثر المناطق الحدودية أولاً". ووفق تصريح لرئيس الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية، الدكتور بلال نصولي، فإن الموادّ المشعة قد تمر عبر الأردن وسوريا قبل أن تصل إلى لبنان، مما يجعل التأثير الأشد احتمالاً في الأردن وأجزاء من سوريا. وفقاً لذلك، تستعد دول الجوار؛ فلبنان، على سبيل المثال، فعّل أنظمة إنذار مبكر، وأعدّ خططاً لإجلاء المناطق الحدودية الجنوبية، ووزّع الأدوية الوقائية على السكان في حال رصد أيّ نشاط إشعاعي غير طبيعي. في المقابل، يعد استهداف مفاعل بوشهر الإيراني تهديداً بالغ الخطورة، نظراً لطبيعته المدنية النشطة واحتوائه على وقود نووي في طور الانشطار، إلى جانب موقعه المكشوف والمطل مباشرة على الخليج العربي. ويوضح الأدهم بأن "المفاعلات النشطة تنتج نواتج انشطارية عالية الإشعاع، بعضها غازي، وبعضها الآخر قابل للتبخر، مما يشكل مصدر خطر كبير عند حدوث تسرب، خصوصاً إذا تضررت أنظمة التبريد أو أحواض تخزين الوقود المستنفد. ويحذر من أن تسرب مياه التبريد المشعة إلى مياه الخليج قد يسبب تلوثاً واسع النطاق". وتتفاقم خطورة هذا السيناريو بالنظر إلى الطبيعة المغلقة والضحلة للخليج العربي، قد يستمر التلوث البحري لسنوات، بينما تمتلك محطات التحلية مخزوناً مائياً محدوداً لا يكفي لأكثر من بضعة أيام. ورغم أن بعض المحطات قادرة على تصفية السيزيوم، فإن أي تسرب مباشر سيؤدي على الأرجح إلى وقف التشغيل. ويعد مفاعل بوشهر أكثر هشاشة مقارنةً بـ ديمونة المحصن، مما يجعله هدفاً أكثر حساسية وتأثيراً من حيث العواقب البيئية والإقليمية. إجراءات الوقاية حول مسؤولية الأفراد في مواجهة التلوث الإشعاعي، أشار الأدهم إلى أن "الخطر النووي يتميز بخفائه التام، إذ لا يرى ولا يشم ولا يشعر به، مما يجعل من المستحيل على المواطنين العاديين رصده من دون أجهزة متخصصة". وشدد على أن "التعامل مع هذا النوع من التهديدات يجب أن يكون مسؤولية الجهات الرسمية حصراً، من خلال توفير أجهزة مراقبة تعمل على مدار الساعة في محيط المنشآت النووية. وفي حال رصد تلوث فعلي، فإن هذه الجهات تتولى إصدار تعليمات دقيقة للسكان. فالأمان النووي، لا يمكن أن يترك لاجتهادات فردية، بل يتطلب نظام إنذار واستجابة مؤسسية متكاملة". وتتماهى هذه الرؤية مع ما تؤكد عليه المنظمات الدولية المتخصصة، مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة الصحة العالمية، التي تشدد على أن التعامل مع حوادث التسرب الإشعاعي لا بد أن يتم ضمن استجابة مؤسسية منسقة. وتنص توصياتها على اتخاذ تدابير فورية تشمل الاحتماء في داخل المباني، وإغلاق النوافذ وأنظمة التهوية لمنع استنشاق الجسيمات المشعة، أو تنفيذ إخلاء منظّم إلى مناطق آمنة، إذا تجاوزت مستويات الإشعاع الحدود المقبولة. كذلك تدعو المنظمات الدولية إلى الامتناع عن استهلاك الغذاء والماء من مصادر يشتبه في تلوّثها، إلى حين التأكّد من سلامتها عبر فحوص دقيقة. وتعدّ أنظمة الرصد المستمر للإشعاع، والتواصل الرسمي السريع مع الجمهور، من الركائز الأساسية لتقليل الأثر الصحي والبيئي لأيّ حادث نووي محتمل.

الشرق الأوسط على شفير كارثة عابرة للحدود تهدّد البشر والبيئة لعقود مقبلة التسرّب الإشعاعي: سرطان... تلف الخلايا العصبيّة... وتشوّهات خلقيّة للأجنة
الشرق الأوسط على شفير كارثة عابرة للحدود تهدّد البشر والبيئة لعقود مقبلة التسرّب الإشعاعي: سرطان... تلف الخلايا العصبيّة... وتشوّهات خلقيّة للأجنة

الديار

timeمنذ 4 ساعات

  • الديار

الشرق الأوسط على شفير كارثة عابرة للحدود تهدّد البشر والبيئة لعقود مقبلة التسرّب الإشعاعي: سرطان... تلف الخلايا العصبيّة... وتشوّهات خلقيّة للأجنة

اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب في ظل التصعيد العسكري المستمر بين إيران والاحتلال "الإسرائيلي"، تتصاعد المخاوف من انزلاق المنطقة نحو كارثة بيئية غير مسبوقة، عنوانها الأبرز: التسرب الإشعاعي النووي، كواحد من أكثر السيناريوهات رعبا. فالهجمات المتبادلة ، لا سيما تلك التي تستهدف منشآت نووية حساسة، والتصريحات المتوترة بين الطرفين، تضع الشرق الأوسط بأسره على شفير كارثة عابرة للحدود، تهدد البشر والبيئة لعقود قادمة. يذكر أن الإشعاع النووي هو ظاهرة فيزيائية ناتجة عن انبعاثات غير مستقرة، تصدر من نوى الذرات، وينتج عنها طاقة هائلة يمكن استغلالها بطرق سلمية أو عسكرية، وتنقسم هذه الإشعاعات إلى ثلاثة أنواع رئيسية: أشعة ألفا، وأشعة بيتا، وأشعة غاما. حوادث التسرب الإشعاعي لطالما كانت مصدر قلق عالمي، بسبب المخاطر التي يمكن أن تتسبب بها وتهدد الكائنات الحية على سطح الأرض. ونتيجة التوتر العسكري المتصاعد بين الاحتلال "الإسرائيلي" وإيران، تتزايد المخاوف من أن تتحول الحرب المستمرة بين الطرفين، من مواجهة سياسية وعسكرية إلى كارثة بيئية تهدد ليس فقط أطراف النزاع، بل دول الجوار والمنطقة بأكملها. رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل ماريانو غروسي أعرب عن مخاوف استهداف المنشآت النووية، وخطر تسرب الإشعاع النووي قائلاً: إن "التوتر العسكري الحالي بين "إسرائيل" وإيران، يزيد من خطر تسرب إشعاع نووي، ويؤخر جهود منع حيازة أسلحة نووية"، داعيا إلى "ممارسة أقصى درجات ضبط النفس لمنع المزيد من التصعيد"، وطالب "بعدم تحويل هذه المواقع إلى أهداف عسكرية تحت أي ذريعة، فاي تسرب إشعاعي لن يكون محصورا جغرافيا، بل سيمتد عبر الحدود، ويتطلب تعاونا إقليميا ودوليا واسعا لمواجهته". التسرّب الإشعاعي لا يعترف بالحدود وفي آخر التطورات، شن العدو هجوما جويا استهدف منشأة "نطنز" النووية الإيرانية، وهي إحدى أبرز مواقع تخصيب اليورانيوم في البلاد، وأعلنت هيئة الطاقة الذرية الإيرانية تسجيل "تلوث إشعاعي داخل الموقع، دون مؤشرات على تسرب خارجي"، مؤكدة أن "عمليات تقييم الأضرار وإزالة التلوث جارية، وأن الوضع لا يدعو للقلق". لكن رغم هذه التطمينات، أثار الهجوم قلقا دوليا من احتمال تسرب كارثي في المستقبل، قد يعجز أي نظام عن منعه أو احتوائه لاحقا. يشار إلى أن إيران تمتلك عددا من المنشآت النووية، أبرزها: - نطنز: منشأة تخصيب. - فوردو: منشأة تخصيب. - أصفهان: تصنيع وقود نووي. - تسا: إنتاج وتركيب أجهزة الطرد المركزي. - أراك: توليد الطاقة وإنتاج البلوتونيوم. - مفاعل طهران: يصنف ضمن المفاعلات الصغيرة، وينتج النظائر الطبية المشعة لمعالجة السرطان، ويعمل بوقود من اليورانيوم المخصب. - مفاعل بوشهر: مفاعل كهروذري قادر على إنتاج 1000ميغاوات من الكهرباء، وموصول عمليا بشبكة الكهرباء الوطنية. - أجهزة الطرد المركزي "آي آر 1" IR-1: أجهزة طرد من الجيل الأول، تمتلك إيران آلاف الأجهزة، وهي غير كافية سوى للتخصيب بنسب تتراوح بين 3.6 – 4%. - أجهزة الطرد المركزي "آي آر 6" IR-6:نسخة مطورة محليا، وتقول إيران إنها أكثر تقدما بنحو 6 أضعاف النموذج السابق. التسرب الإشعاعي لا يعترف بالحدود. فالتلوث الناتج عن حادث كبير، قد ينتقل عبر الرياح أو المياه ليطال العراق ودول الخليج ولبنان. وهذا ما دفع جهات سياسية وبيئية إلى التحرك. وفي هذا الإطار دعت النائبة نجاة صليبا عون الحكومة إلى "اتخاذ إجراءات سريعة وجدية لحماية المواطنين، سواء في حال وقوع تسرب عرضي أو في حال استخدام الإشعاع كسلاح"، وطالبت عبر منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، "بتفعيل خطة وطنية للطوارئ الإشعاعية، بالتعاون مع الهيئة العليا للإغاثة ومركز البحوث العلمية للطاقة الذرية، ومراقبة يومية للهواء والمياه، لرصد أي تغيرات إشعاعية، إضافة إلى إطلاق حملات توعية حول السلامة الإشعاعية، وكيفية التصرف الصحيح في حالات الطوارئ". سرطان... تلف الخلايا العصبية... وتشوّهات خلقيّة للأجنة من جهته، أكد الأمين العام للهيئة الوطنية للطاقة الذرية الدكتور بلال نصولي، أن الهيئة "تتابع المستجدات لحظة بلحظة بشفافية، وتنسق مع كل الجهات الرسمية"، ودعا المواطنين إلى "الاطمئنان، فكل كل الإجراءات جاهزة، وأي طارئ سيُواجه وفق خطط واضحة ومدروسة"، موضحا أنه "في حال رصد أي تغير، تحلل البيانات فورا، وتنفذ الإجراءات تدريجيا وفق مستوى التلوث، بدءا من التوصية بالبقاء في المنازل، وصولا إلى الإخلاء إذا لزم الأمر، مع تحديد مدة التعرض الآمن". مصدر طبي أكد لـ"الديار" أن "التسرب الإشعاعي يعد خطرا على الإنسان، فالتعرض للإشعاع لفترات طويلة يزيد من احتمالية الإصابة بسرطان الغدة الدرقية والدم والجلد والرئة، كما يؤدي الإشعاع إلى تلف الخلايا العصبية ويضعف المناعة، وقد يتسبب في تشوهات خلقية للأجنة عند تعرض الحوامل له. وفي حالات التعرض الشديد، قد تؤدي الجرعات العالية من الإشعاع إلى الوفاة خلال أيام أو أسابيع". تعد المواد المشعة مثل اليود 131، السيزيوم 137، والسترونتيوم 90، من أخطر المواد التي قد تتسرب إلى البيئة. فاليود 131 يهاجم الغدة الدرقية، والسيزيوم 137 قد يبقى في البيئة لعقود مسببا سرطانات وأمراض مزمنة، فيما يهاجم السترونتيوم 90 العظام والجهاز العصبي. ويرجع تاريخ التلوث النووي إلى أواخر الحرب العالمية الثانية، إذ أدت القنبلتان النوويتان الأميركيتان على مدينتي هيروشيما وناغازاكي عام 1945، إلى مصرع نحو 220 ألف مواطن ياباني على الفور، ولقي ما يزيد على 200 ألف شخص مصرعه لاحقاً من الجرعات الإشعاعية الفتاكة الزائدة، حسب الأمم المتحدة. وتمتلك "إسرائيل" 6 منشآت نووية، أبرزها: - يودفات: منشأة مشتبه بها لتجميع الأسلحة النووية. - إيلابان: ثاني منشأة لتخزين الأسلحة "الإسرائيلية"، وتحتوي على قذائف نووية تكتيكية. - كفار زخاريا: قاعدة صواريخ نووية مشتبه بها ، ومنشأة لتخزين القنابل. - تسوريك: يتعامل مع تصميم الأسلحة وبنائها إلى جانب الأبحاث النووية. - تيروش: يُرجح أنه مخصص للتخزين الإستراتيجي. - نيغيف/ ديمونا: مركز أبحاث قريب من ديمونا، يضم بنية تحتية مرتبطة بتطوير الأسلحة النووية. يشار إلى أن شركة "رافائيل" تعد المسؤولة عن التجميع الفعلي للأسلحة النووية "الإسرائيلية". التسرب الإشعاعي خطر لا يستهان به، وتجاهله قد يؤدي إلى كوارث يصعب احتواؤها، فالخطر لا يقتصر على الإنسان بل يمتد إلى البيئة أيضا، حيث أكدت الجمعيات والمؤسسات البيئية التي تعمل على حماية البيئة والتوعية بأهمية الحفاظ عليها، أن التسرب الإشعاعي يؤثر على الأنهار والبحار والمياه الجوفية، مما يؤدي إلى تلوث السلسلة الغذائية، ويؤدي إلى إتلاف المحاصيل وتقليل خصوبة الأرض لعشرات أو مئات السنين، حيث تصبخ بعض المناطق غير صالحة للسكن أو الزراعة لعقود طويلة، إضافة إلى موت بعض الكائنات فورا، وظهور تشوهات خلقية في الحيوانات، واضطرابات في السلاسل الغذائية. إرشادات اللجنة الدولية للحماية من الإشعاع (ICRP) تؤكد أن التصرف السريع والحكيم قد ينقذ الأرواح. ومن أبرز الإرشادات ضمن حملات التوعية للوقاية من مخاطر الإشعاع النووي: - الاحتماء داخل مبنى فورأ، ويفضل الطابق السفلي أو مركز المبنى. - تجنّب الأبواب والنوافذ، وضبط أجهزة الراديو لمتابعة التوجيهات الرسمية. - خلع الملابس الملوثة وغسل الجسم، إذا وُجدت مؤشرات تعرض. - إبقاء الحيوانات الأليفة بعيداً عن أماكن المأوى وتنظيفها. - عدم الإخلاء الذاتي إلا بتوجيه رسمي، لتفادي دخول مناطق ملوثة. - تجهيز حقيبة طوارئ تشمل أدوات إسعاف، مياه، طعام، وأدوية تكفي لأسبوعين. وتعد كارثة تشيرنوبيل عام 1986 أكبر كارثة نووية شهدها العالم، وقعت قرب مدينة بريبيات في شمال أوكرانيا، واعلنت السلطات في أوكرانيا أن منطقة تشرنوبل "منطقة منكوبة". كما خلف انفجار المفاعل النووي في منطقة فوكوشيما بسبب زلزال 2011 في اليابان قرابة 20 ألف قتيل ومفقود، وكارثة بيئية مدمرة، وكلف خسائر مادية قدرت بحوالى 170 مليار دولار، كما عانت الأسواق عالميا من حالة من الجمود نتيجة الترقب والحذر الذي ساد أجواء التعاملات الاقتصادية. التسرب الإشعاعي اليوم ليس نظرياً، إنه تهديد حقيقي يلوح في الأفق مع كل غارة تشن وكل منشأة تستهدف، هو خطر لا يعترف بالحدود ولا ينتظر أحد، ويعد كأحد السيناريوهات التي قد تغير شكل المنطقة لعقود، في عصر يتصاعد فيه التوتر من دون سقف، فتجنب الكارثة لا يعتمد على القوة بل على الوعي والوقاية والتعاون الدولي الحقيقي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store