أوجيرو وموظفوها على طريق التصفية
يخوض موظفو أوجيرو معركة شرسة مع وزارة الاتصالات للحفاظ على ديمومة عملهم وحفظ حقوق تعويضاتهم. وزير الاتصالات شارل الحاج، مثل كلّ أسلافه، يحاول تطبيق القانون 431، المعروف بقانون الاتصالات، والصادر منذ 23 سنة في عام 2002، والذي يضع قطاع الاتصالات برمته على طريق الخصخصة، ويحوّله من ملكيّة الدولة إلى القطاع الخاص.
وفي لبّ القانون 431، المادة 49 التي تتيح تصفية عقود وتسريح موظفي أوجيرو مقابل تعويضات تُراوح بين 30 مليون ليرة و200 مليون ليرة.
نعم هذه الأرقام ليست مزحة سمجة، بل حقيقة قانونية، فالقانون الذي ينشئ بموجبه الهيئة الناظمة للاتصالات، ينشئ أيضاً شركة «Liban Telecom»، والتي ستتولى مهمات هيئة أوجيرو وتكون في البداية بملكية الدولة قبل خصخصتها، وفقاً للمادة 44 منه. وخلال المدة الانتقالية الأولى بعد صدور المراسيم التنظيمية للقانون 431، ينقل من تتوافر فيه شروط معيّنة من موظفي أوجيرو ووزارة الاتصالات إلى الملاكات الوظيفية الجديدة. ولا يمكن أن تتم عملية النقل هذه إلا بموافقة الشركة الخاصة المديرة للقطاع.
أما من يريد إنهاء خدماته من الموظفين، أو لا تريده الشركة الجديدة، فيقدم استقالة التي لا يمكن العودة عنها، وفقاً للمادة 49، ويتقاضى تعويضاً إضافياً «يوازي مجموع رواتبه وتعويضاته عن 30 شهراً، على أن لا تقل قيمة التعويض عن 30 مليوناً إن مضى على خدمته أكثر من 5 سنوات. وفي حال لم تمضِ 5 سنوات، فيُعطى الموظف المصروف تعويضاً توازي قيمته راتب شهرين عن كلّ سنة خدمة على أن لا يقل أيضاً عن 30 مليون ليرة، ولا يزيد عن 50 مليون ليرة.
ورغم مرور 23 سنة على صدور القانون 431 لم تعدّل مواده. والآن «يريد وزير الاتصالات تنفيذه كما هو»، وفقاً لما ينقل عنه موظفو أوجيرو الذين اجتمعوا معه.
ومع تشكيل حكومة نواف سلام، بدأت قصة إعادة تفعيل قانون الاتصالات. فاستبق موظفو أوجيرو الأمر وطلبوا الاجتماع بالحاج. في البداية، رفض وزير الاتصالات الاجتماع بالموظفين، وطلب تأجيل كلّ الكلام إلى ما بعد نيل الحكومة الثقة. وبعد مرور شهر ونصف شهر تمكّن الموظفون من الاجتماع بالوزير، فقابل الحاج الموظفين بالسلبية وسألهم: «صدر القانون عام 2002، لماذا تذكرتم الآن المادة 49، وما الداعي لانتظاركم شهرين من عمر الحكومة قبل طرح المشكلة؟».
ذكّر الموظفون الحاج بتهرّبه من عقد الاجتماع معهم، وأصرّوا على حقهم بتعديل مادة في قانون مضى عقدين على صدوره، وفيه مبالغ مالية تضاءلت قيمتها إلى أن أصبحت تساوي قروشاً. وأكّدوا أنّ نقابة موظفي أوجيرو التقت مع وزراء الاتصالات في كلّ الحكومات المتعاقبة، منذ عام 2002، للوصول إلى تعديل للمادة 49، وفي كلّ مرّة كان يُقال لها إنّ «القانون متروك في الأدراج».
وفقاً لرؤية موظفي أوجيرو، المادة 49 كانت قابلة للتنفيذ عام 2002. حينها كان معدّل أعمار الموظفين صغيراً، وقيمة مبالغ التعويضات مجزية، فالثلاثون مليون ليرة كانت تساوي 20 ألف دولار. أما اليوم، فمعدّل أعمار الموظفين في أوجيرو بلغ 54 عاماً، وقضى هؤلاء 27 سنة عمل في أوجيرو، وتضاءلت قيمة مبالغ التعويضات، ووصلت إلى 223 دولاراً. لذا، من غير المقبول نهائياً السّير بالقانون بشكله الحالي.
وبعد سماع حجج الموظفين، حاول الحاج المناورة للتهرّب من الاعتراف بخطئه، فأكّد أنّه مصر على تطبيق القانون بشكله الحالي أولاً، ثمّ العمل على تعديله. رفض الموظفون، وبدأت مسيرة الأخذ والردّ في الطروحات. قدّم الموظفون مقترحهم الذي يُفضي بشكل أساسي إلى نقل كلّ موظفي أوجيرو إلى «Liban Telecom».
وفي حال أرادت الشركة الوليدة الاستغناء عن عدد من الموظفين، فعليها التعويض عليهم بدفع 10 أشهر عن كلّ سنة عمل متبقية للموظف قبل بلوغه سن التقاعد، أي 64 سنة.
بالنسبة إلى الموظفين، هذا المقترح موازٍ لما قُدّم لهم عام 2002. يومها حصلوا على عرض يقضي بدفع تعويض شهرين عن كلّ سنة عمل لمن لم يمضِ على عملهم 5 سنوات، واليوم بعد مرور 27 سنة عمل، «نستحق تعويضاً أفضل».
بعد مرور شهر و20 يوماً على تقديم المقترح، ردّ الحاج بمقترح آخر، ويقضي بمضاعفة مبالغ التعويضات 60 مرّة بحسب نسبة تدهور قيمة الليرة، وبمعنى آخر، سيحصل الموظف على 3 مليارات ليرة بدلاً من 50 مليون ليرة، أي 33 ألفاً و500 دولار. ولزيادة الضغط على الموظفين، طلب الحاج منهم الرّد خلال أسبوع واحد.
ردّ الموظفون قبل نهاية المهلة، وأصرّوا على تعديل المادة 49. وفي الاجتماع الأخير مع الفريق القانوني لوزارة الاتصالات اكتشفوا جهل الفريق المتابع في وزارة الاتصالات بالمقترحات المقدّمة أو تفاصيل عقود الموظفين، ما دفع الحاج إلى حضور الاجتماع مع فريقه. وخلاله، وعد بالعمل على تعديل المادة 49، وأخذ جميع الموظفين إلى «Liban Telecom»، وفي المقابل طلب عدم اعتراض الموظفين على أصل تطبيق قانون الاتصالات.
رفض الموظفون مجدداً، وطالبوا الحاج بكتابة مشروع قانون تعديل المادة 49، وإرسالها إلى مجلس الوزراء قبل الشروع في كتابة المراسيم التطبيقية للقانون. بالنسبة إليهم، «الوعود لا تُترجم قانونياً». وأكّدوا أنّهم يكتبون محاضر الاجتماعات مع الوزير وفريقه، إذ يعتبر الموظفون أنّ نوايا وزارة الاتصالات بالنسبة إليهم مجهولة، كما نوايا الوزير، وهدفهم النهائي هو الوصول إلى نقل جميع الموظفين في أوجيرو إلى «Liban Telecom»، أو الأخذ بمقترحهم للتعويض عليهم. «نحن نريد أن نعمل ونقبض»، يقول الموظفون.
القطاع العام على طريق التصفية
يؤكّد الموظفون سماعهم همساً في أروقة وزارة الاتصالات ومجلس الوزراء يفيد بأنّ «تصفية أوجيرو ستكون الخطوة الأولى، وستلحق بها مؤسسة كهرباء لبنان، ثمّ مؤسسات المياه». لذا يعتبرون أنّ قتالهم اليوم ليس دفاعاً عن مؤسسة ناجحة مثل أوجيرو، بل للدفاع عن القطاع العام بإداراته ومؤسساته كلّها. فالتجربة ستعمّم، يؤكّدون، ويعيدون التذكير بكلام وزير المالية السابق فؤاد السنيورة، والذي سمعوه في مفاوضات سابقة، حول إعادة تطبيق قوانين مشابهة للقانون 431 على بقية مؤسسات القطاع العام.
فؤاد بزي - الاخبار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


ليبانون ديبايت
منذ 12 دقائق
- ليبانون ديبايت
البتكوين تسجل مستوى قياسي جديد
ارتفع سعر عملة البيتكوين إلى أعلى مستوى له على الإطلاق متجاوزاً المستوى القياسي السابق الذي تم تسجيله في كانون الثاني، وذلك في ظل تحسن معنويات المخاطرة بعد موجة البيع التي شهدها السوق الشهر الماضي بسبب الرسوم الجمركية.وسجلت البيتكوين مستوى قياسيًا بلغ 109,760.08 دولاراً، وكان آخر تداول لها مرتفعًا بنسبة 1.1 في المئة عند 108,117 دولارًا. وجاء صعود البيتكوين مدفوعًا بمجموعة من العوامل، من بينها تراجع التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وتخفيض وكالة موديز لتصنيف الدين السيادي الأمريكي، ما دفع المستثمرين إلى البحث عن مصادر استثمار بديلة بعيدًا عن الدولار.

المدن
منذ 31 دقائق
- المدن
القطاع المالي السوري وفرص المصارف اللبنانيّة
كان البديهي أن تتجه الأنظار إلى القطاع المصرفي السوري، فور بدء الحديث عن الفرص التي سيفتحها مستقبلًا رفع العقوبات عن سوريا. فحجم القطاع ومستوى الشمول المالي، ظلّ طوال السنوات الماضية محصورًا إلى حدود ضيّقة جدًا مقارنة بنطاق الفرص الموجودة في السوق السوريّة، وذلك بفعل الواقع الأمني والسياسي الذي عانت منه البلاد، وكذلك بسبب العقوبات التي عزلت سوريا عن النظام المالي العالمي. وعند الحديث عن الفرص الموجودة في هذا القطاع، لا يمكن التغاضي عن الدور الذي يمكن أن يلعبه المصرفيون اللبنانيون، الذين راكموا في حقبات سابقة خبرة وعلاقات ومعرفة بأوضاع السوق السوري، كما احتفظوا بموطئ قدم هناك من خلال حصصهم بكيانات مصرفيّة ما زالت تعمل حتّى اللحظة. المصارف اللبنانيّة في سوريا قائمة المصارف اللبنانيّة الموجودة في سوريا تشمل أولًا فرنسبنك، الذي ما زال حتّى تاريخه يملك 48% من مصرف فرنسبنك سوريا. كما يحتفظ بنك لبنان والمهجر اللبناني بحصّة نسبتها 49%، من مصرف سوريا والمهجر، الكيان الشقيق التابع للمصرف اللبناني الأم. بيمو البنك اللبناني يملك بدوره حصّة شبيهة قوامها 49%، في مصرفه الشقيق بنك بيمو السعودي الفرنسي. وأخيرًا، يملك فرست ناشيونال بنك اللبناني حصّة أكثر ضآلة، لا تتجاوز الـ 7%، في مصرف سوريا والخليج. وجميع هذه الشركات والحصص، تعود لما قبل اندلاع الثورة السوريّة، أي إلى الفترة التي شهدت توسّع المصارف اللبنانيّة في سوريا، بالاستفادة من القرب الجغرافي والروابط التجاريّة والثقافيّة بين البلدين، ما سمح بنقل جزء من الرأسمال البشري اللبناني للعمل هناك. ومن المهم الإشارة هنا إلى أنّ مصرفي عودة وبيبلوس أعلنا خلال فترات سابقة عن انسحابهما من السوق السوريّة، وبيع حصصهما في الكيانات الشقيقة التابعة لهما هناك. غير أنّ الكثير من المصادر تؤكّد أنّ هذا الانسحاب ظلّ شكليًا، إذ ظلّ المساهمون في المصرفين يمتلكون –بالشراكة من جهات محليّة- حصصًا في القطاع المالي السوري، إنما بأشكال غير المباشرة. أمّا المصارف اللبنانيّة التي ظلّت تعمل في سوريا، كحال فرنسبنك ولبنان والمهجر وبيمو وفرست ناشيونال بنك، فقرّر فصل ميزانيّاتها عن ميزانيّات الكيانات السوريّة الشقيقة، كما فصلت أنظمتها الماليّة عنها، لتفادي المخاطر الناتجة عن العقوبات المفروضة على سوريا. ورغم هذا الفصل الشكل بين ميزانيّات المصارف اللبنانيّة وكياناتها الشقيقة في سوريا، من المهم التنويه أن الكيانات السوريّة الشقيقة ظلّت تحقق طوال السنوات الماضية أرباحًا لمصلحة المساهمين اللبنانيين. فالدراسة الأخيرة التي نسبة الملاءة المرتفعة هذه، فرضها خلال السنوات الماضية المخاطر المرتفعة، وضعف الفرص المتاحة في السوق. إذ تشير الأرقام نفسها إلى أنّ حجم القروض الممنوحة من جانب بنك سوريا والمهجر لا تتجاوز الـ 5.6 مليون دولار حاليًا، وهو ما يشكّل نسبة ضئيلة للغاية قياسًا بحجم الودائع التي يستوعبها المصرف. غير أنّ هذا الواقع يعني أنّ المصرف يمتلك فرصًا كبيرة للتوسّع، بالاستفادة من الرساميل والودائع الموجودة، بمجرّد توفّر الظروف السياسيّة والأمنيّة الملائمة لذلك، فما في ذلك رفع العقوبات وانتعاش الحركة الاقتصاديّة في سوريا. هذا بالتحديد ما يدفع كثيرين للتفاؤل بالمرحلة المقبلة، لجهة الدور الذي يمكن أن يلعبه القطاع المصرفي اللبناني في سوريا. إلا أنّ استعادة هذا الدور، سيبقى مشروطًا بعاملين: استكمال مسار التعافي المالي في لبنان لتستعيد المصارف اللبنانيّة الملاءة والثقة والسيولة التي تسمح لها بالتوسّع في سوريا، وهذا المسار مرتبط بالقوانين الإصلاحيّة التي يتم العمل عليها في الحكومة والمجلس النيابي. واستقرار الظروف الأمنيّة والاقتصاديّة في سوريا، بما يؤمّن البيئة الاستثماريّة الكفيلة برفع الطلب على الخدمات المصرفيّة في المستقبل. واقع القطاع المصرفي السوري ثمّة 15 مصرفًا سوريًا مدرجًا في البورصة، بأصول إجماليّة تقارب قيمتها الـ 3.9 مليار دولار، وودائع بقيمة 1.45 مليار دولار، في مقابل نحو 941 مليون دولار من حقوق المساهمين. ومجددًا، تّظهر هذه الأرقام حجم الرسملة الكبير في القطاع المصرفي السوري، إذ توازي قيمة الأموال الخاصّة وحقوق المساهمين نحو 65% من قيمة الودائع الموجودة، ما يدل على محدوديّة نشاط المصارف السوريّة قياسًا بحجم رساميلها. أمّا القروض، فلا يتخطّى حجمها الـ 426.6 مليون دولار أميركي، ما يمثّل –مجددًا- نسبة منخفضة قياسًا بقيمة الودائع الموجودة. ومن البديهي القول هنا أنّ محدوديّة نشاط القطاع المصرفي، قياسًا بالملاءة والرساميل المتوفّرة، يعود للظروف التي لم تكن مناسبة للقيام بأي توسّع في النشاط المصرفي. من الناحية العمليّة، ثمّة آفاق واعدة لهذا القطاع، في حال استعادة اتصاله بالنظام المالي العالمي، ومن ثم استعادة القدرة على اجتذاب تدفّقات العملة الصعبة من الخارج. فالرساميل الموفّرة كافية لتغطية التوسّع في اجتذاب الودائع، وحجم الودائع الموجود أساسًا يسمح بالمزيد من التوسّع في تمويل التجارة الدوليّة والقروض التجاريّة. أمّا القطاع المصرفي اللبناني، فموجود –بحصص وازنة- في أربع مصارف من أصل 15، في القطاع المصرفي السوري، وهو ما يشكّل نقطة انطلاق جيّدة للتوسّع في السوق السوري مستقبلًا. والرأسمال البشري اللبناني أثبت في حقبات سابقة قدرته على التكيّف سريعًا، لتوظيف خبرته المصرفيّة في السوق السوري.

المدن
منذ 35 دقائق
- المدن
مصرف لبنان: زيادة في الاحتياطات وخسائر في الذهب
نشر مصرف لبنان مؤخرًا ميزانيّته النصف الشهريّة، التي عكست وضعيّته الماليّة لغاية منتصف شهر أيار الحالي. وحتّى اللحظة، لا تزال مؤشّرات السيولة والملاءة العامّة تتأثّر بقيمة أهم عناصر موجودات المصرف المتبقية: بند الذهب واحتياطات العملات الأجنبيّة. إذ تشكّل هذه الموجودات بالتحديد آخر ما تبقّى من أصول سائلة أو قابلة للتسييل، كما تشكّل التغيّرات في مستوياتها أهم ما يمكن مراقبته في ميزانيّة مصرف لبنان. أمّا تغيّر قيمة المطلوبات، وخصوصًا حجم السيولة المتداولة بالليرة في السوق وودائع القطاع العام، فتستمرّ في تقديم إيضاحات بخصوص نوعيّة السياسة النقديّة المعتمدة، التي تسمح لمصرف لبنان بشراء الدولارات من السوق. الذهب والاحتياطي بمراجعة الميزانيّة، يتضّح أنّ قيمة مخزون الذهب في مصرف لبنان تراجعت خلال النصف الأوّل من الشهر الحالي، من نحو 30.39 مليار دولار أميركي في بداية الشهر، إلى 29.46 مليار دولار أميركي في نهايته، ما يعني أن قيمة هذا المخزون انخفضت بنحو 926.95 مليون دولار خلال فترة لا تتجاوز 15 يوماً. ومن المعلوم أنّ هذا التحوّل يرتبط أولًا بالسياسة المحاسبيّة المعتمدة، التي تقوم على إعادة تقييم مخزون الذهب في ضوء تغيّرات أسعار الذهب العالميّة. وخلال الفترة الماضية، تراجعت أسعار الذهب مع تسارع المؤشرات الإيجابيّة المتصلة بالمفاوضات بين الولايات المتحدة والصين، بشأن خلافهما التجاري، بالإضافة إلى ترقّب نتائج المفاوضات المتصلة ببرنامج إيران النووي. في جميع الحالات، ورغم هذا الانخفاض الوازن في قيمة الذهب، تبقى قيمته الحاليّة أعلى بنسبة 41.59%، مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي، وذلك بفعل الزيادات الكبيرة التي طرأت على أسعار الذهب منذ ذلك الوقت. وهذه الزيادة أشعلت مؤخرًا النقاش حول إمكانيّة استخدام مخزون الذهب، مع تسرّب أنباء عن اهتمام شركات أميركيّة بهذه المسألة. وحتّى اللحظة، يبدو أن قيادة مصرف لبنان تميل إلى طروحات تقوم على تأجير أو استثمار الذهب، من دون الوصول إلى بيع أجزاء من هذا المخزون. لكن بمعزل عن رأي قيادة المصرف، يبقى من المؤكّد أنّ أي مشاريع من هذا النوع ستحتاج إلى موافقة المجلس النيابي، بالنظر إلى وجود تشريع يمنع استخدام احتياطات الذهب من دون قانون. أما في ما يخص احتياطات العملة الأجنبيّة، فشهد هذا البند تحوّلاً معاكسًا، مع ارتفاعه من قرابة الـ 11.12 مليار دولار أميركي في بداية شهر أيّار، إلى أكثر من 11.23 مليار دولار أميركي في نهايته، ما عكس زيادة قدرها 114.67 مليون دولار أميركي خلال فترة 15 يومًا. ومجددًا، بيّن مصرف لبنان استمرار قدرته على امتصاص العملة الصعبة من السوق، بالرغم من بدء اعتماد موازنة العام الحالي، التي تضمّنت زيادات في إنفاق القطاع العام. وعلى أي حال، من المفيد العودة إلى أرقام الأشهر الماضية، التي تبيّن أنّ حجم هذه الاحتياطات لم يكن يتجاوز الـ 8.57 مليار دولار أميركي في أواخر شهر تمّوز 2023، أي مع مغادرة الحاكم السابق رياض سلامة لمنصبه. وبذلك يكون المصرف المركزي قد زاد احتياطاته بنحو 2.66 مليار دولار أميركي، منذ خروج سلامة من المصرف، وتمكّن المصرف من بعدها من دخول مرحلة مراكمة الاحتياطات بدل استنزافها. أمّا حجم هذه الزيادة، فيوازي وحده حاليًا نحو 11% من حجم الناتج المحلّي الإجمالي، ما يؤشّر إلى أثر هذه التحوّلات. المطلوبات والكتلة النقديّة في الجانب الآخر من الميزانيّة، يظهر أنّ حجم الكتلة النقديّة المتداولة خارج مصرف لبنان، أي حجم السيولة بالليرة الموجودة في السوق، تراجعت من 79.93 ترليون ليرة لبنانيّة إلى نحو 77.78 مليار ليرة لبنانيّة، بين بداية الشهر الحالي ومنتصفه. وهذا ما يعني أنّ شراء مصرف لبنان للدولارات من السوق لم يتسبّب بضخ المزيد من الليرات، بل حصل العكس تماماً. وتبلغ قيمة الانخفاض في حجم السيولة، وفق سعر الصرف الحالي، نحو 24 مليون دولار أميركي. ويمكن تفسير هذه النتيجة بالنظر إلى حجم ودائع القطاع العام لدى مصرف لبنان. إذ ارتفعت قيمة هذه الودائع من 6.88 مليار دولار أميركي في بداية شهر أيّار، إلى 7.07 مليار دولار أميركي في منتصف الشهر، ما يعني أن أموال الدولة لدى مصرف لبنان زادت بنحو 187 مليون دولار خلال 15 يومًا فقط. وعلى هذا النحو، يكون المصرف المركزي قد استعمل مجددًا زيادة ودائع القطاع العام لديه، لامتصاص الليرات التي يتم استعمالها لشراء الدولار من السوق، أو لامتصاص الرسوم التي يجري يجنيها بالعملة الصعبة. وفي الحالتين، تكون الاحتياطات بالعملة الصعبة قد ارتفعت، من دون التسبب بارتفاع موازٍ في حجم السيولة المتداولة بالليرة في السوق. المسألة الأكثر أهميّة، تبقى أن الميزانيّة بأسرها لا تزال غارقة بكتلة من الخسائر التي لم يتم العمل على معالجتها بعد، وهي تحديداً ما يمثّل مركز زلزال الأزمة التي ضربت القطاع المصرفي. ومعالجة هذه الفجوة، تنتظر حاليًا القانون الذي تعمل الحكومة على صياغته، بالاتفاق مع مصرف لبنان، لتوزيع هذه الخسائر والتعامل معها. وبانتظار إقرار القانون ودخوله حيّز التنفيذ، ستبقى الميزانيّة ومؤشّراتها محكومة بالتحولات التي تطرأ على قيمة الذهب واحتياطات العملة الصعبة، بغياب أي تطوّرات أخرى مؤثّرة.