logo
في سباق تغيّر مساره... هل تواصل الجري في الطريق الخطأ؟

في سباق تغيّر مساره... هل تواصل الجري في الطريق الخطأ؟

الوطنمنذ 3 ساعات
تخيّل أنك في سباق جري، وقد قطعت شوطًا جيدًا نحو خط النهاية، فجأة، تعلن اللجنة المنظمة عن تغيير مسار السباق لأسباب طارئة تتعلق بالظروف الميدانية. الآن، أمامك خياران: إما أن تُصر على مواصلة الجري في المسار القديم بحجّة أنك بذلت فيه جهدًا كبيرًا، أو أن تتكيّف وتنتقل فورًا إلى المسار الجديد الذي أصبح هو المسار الرسمي الوحيد المعترف به.
السؤال البديهي هنا: هل يُحسب لك إنجازك إن بقيت تجري في مسار لم يعد جزءًا من السباق؟ هل يبرر عنادك وتمسكك بالطريق القديم أنك قطعت فيه مسافة طويلة؟
هذا بالضبط ما يحدث اليوم مع الصناعة العسكرية لدينا.
نعم، لا يُنكر أحد أن هناك جهودًا كبيرة بُذلت في تطوير الصناعات الدفاعية خلال السنوات الماضية. فقد كنا لا ننتج سوى أقل من 3 % من احتياجاتنا العسكرية، وها نحن حوالي نسبة 20 %، مع هدف طموح للوصول إلى 50 %. ولكن الحقيقة الصادمة هي أن الطريق نفسه قد تغيّر، والحروب لم تعد كما كانت، وأدوات واستراتيجيات الصراع تغيرت بشكل دراماتيكي. إن الاستمرار على نفس المسار القديم، بنفس أدواته ونفس فلسفته، لن يوصلك إلى «خط النهاية» الجديد.
في عالم اليوم، لم تعد المدرعة والدبابة رمزًا للقوة، بل صارت هدفًا مكشوفًا، يمكن تدميره بدرون انتحاري لا تتجاوز تكلفته 300 دولار. في أوكرانيا، تحوّلت فرق صغيرة من مشغّلي الدرونات إلى سلاح استراتيجي قادر على تدمير قواعد عسكرية خلال 15 دقيقة، دون الاقتراب من مدى الدفاعات التقليدية وهذا ما حدث فعلاً!
لقد تغيرت معايير النصر، وتغيرت قواعد الحرب، تغيّر السباق، تغييرًا لم يشهد له مثيل من الحرب العالمية، برغم تسارع الابتكارات العسكرية في السنوات الأخيرة، لا تزال معظم الشركات الدفاعية وبعض القطاعات في منطقتنا عالقة في عقلية تعود إلى ما بعد الحرب الباردة. فما زال الإنفاق الدفاعي يُضَخُّ في أنظمة تسليح ثقيلة: دبابات، مدرعات، فرقاطات، في حين أن الحروب الحديثة أصبحت تُحسم بالدرونات، والذكاء الصناعي، والتشويش السيبراني، والاستخبارات والبرمجيات الذكية والصواريخ فرط الصوتية والراجمات، والدفاع الجوي والصاروخي متعدد الطبقات إلى آخره.
في الحرب الروسية الأوكرانية، دُمّرت دبابات متطورة مثل T-90 بقيمة تتجاوز 4 ملايين دولار باستخدام طائرات مسيّرة لا تتعدى تكلفتها 500 دولار. ما كان يُعتبر «عمود القوة العسكرية» أصبح عبئًا. ولقد أصبحت الدبابة التي كانت لا تقهر اليوم رمزًا للجمود في الفكر العسكري، أكثر من كونها رمزًا للتفوق.
ليس هذا مجرد فشل ميداني، بل هو فشل صناعي واستراتيجي. الصناعات العسكرية التقليدية لم تفشل فقط في إنتاج أدوات مناسبة للواقع الجديد، بل فشلت في فهم أن الواقع ذاته قد تغيّر بالكامل.
ولكن هل الخلل في الموارد أو الإمكانيات لدينا؟ أبدًا، بل المشكلة الحقيقية في العقول التي تُدير هذه الصناعات. من تأخر في تبنّي الدرونات سابقًا، لا يزال يتأخر اليوم في فهم أهمية إعادة هيكلة الصناعة. من رفض سابقًا الاستثمار في الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، لا يزال يماطل الآن في تمويل برامج الابتكار اللامركزي.
إننا بحاجة إلى الاعتراف، وبوضوح: بعض المسؤولين الحاليين عن ملف التصنيع العسكري أصبحوا جزءًا من المشكلة، لا من الحل.
لقد أداروا التغيير بعقلية جامدة، وتجاهلوا الإشارات التحذيرية من أوكرانيا، ومن الصراع الإيراني الإسرائيلي، ومن الحروب بالوكالة التي تغيّرت فيها طبيعة الردع والهجوم بالكامل.
اليوم، السكوت عن هذا الجمود ليس حيادًا، بل مخاطرة بالأمن القومي. إذا لم نملك الشجاعة لتغيير الأشخاص كما نغير الأدوات، فإننا نرتكب نفس الخطأ مرتين.
لقد كتبنا مرارًا في مقالاتنا أن أهم عناصر نجاح رؤية 2030 هو أنها رؤية ديناميكية قابلة للتعديل والتحديث. إنها ليست خطة مغلقة جامدة، بل إطار مفتوح ومرن للتفاعل مع المستجدات وللتكيف مع التطوير والتحديث، ولذلك نجحت مستهدفاتها وفي تجاوز أزمات عالمية كبرى.
ومن هنا، لا بد أن تكون الصناعة العسكرية جزءًا من هذه الديناميكية.
إذا كانت الرؤية تتغير حسب السياق، فلماذا لا يتغير مسار التصنيع العسكري؟
لماذا نواصل إنتاج منظومات تم تصميمها لعالم لم يعد موجودًا؟
لماذا نستثمر في أسلحة أثبت الميدان أنها مكشوفة وعتيقة؟
إن مرونة الرؤية يجب أن تنسحب على كل قطاع، خاصةً القطاع الدفاعي الذي يمثل ركيزة الأمن والسيادة. نحن بحاجة إلى ثورة في فلسفة الصناعة الدفاعية، لا مجرد تطوير تقني. نحتاج إلى تفكيك العقليات القديمة، وإعادة بناء النموذج الصناعي من الأساس، على ضوء الحقائق الجديدة.
لقد تحدّثنا على مدى سنوات في مقالاتنا وتحليلاتنا عن تحوّلات قادمة في أنماط التسلّح وطبيعة التصنيع العسكري، وواجهنا حينها موجة من الرفض أو التشكيك من بعض من يقدّمون أنفسهم كأصحاب «خبرة ميدانية». ولكن كما يحدث دائمًا، جاءت الوقائع لتُثبت صحة ما كنّا نحذر منه ومع ذلك، يأتون متأخرين. والمفارقة المُحزنة هنا: ما قيمة «الخبرة الميدانية» إذا كانت غير قادرة على توقّع مسارات التغيير والتكنولوجيا؟
خذ مثلًا مسألة الذكاء الاصطناعي، الذي أصبح الآن في قلب أنظمة التسلّح والتوجيه والمراقبة والحرب السيبرانية. ونسأل بصراحة:
كم عدد ونسبة موظفي الذكاء الاصطناعي اليوم داخل الشركات العسكرية السعودية؟
كم عدد ونسبة المختصين في هذا المجال داخل الهيئة العامة للصناعات العسكرية (غامي)؟
وكم عددهم ونسبتهم في الهيئة العامة للتطوير الدفاعي (غاد)، الهيئة التي باستثناء مشاركاتها المتكررة في المعارض، لم تُقدّم حتى الآن أي أثر ملموس أو منتج نوعي يُحدث فرقًا؟
إننا نعتقد أن الوقت قد حان لإجراء إعادة هيكلة شاملة في كل من الشركات وغامي وغاد، تبدأ بتغيير الوجوه وتطوير المنهجية. ولنتذكر أن ما حصل في شركة سامي كان نتيجة نفس النمط: بقيت لسنوات تفتقر إلى هوية واضحة، وكنا من أوائل من نبه إلى ذلك، حتى جاء التغيير لاحقًا بعد إدراك التأخر، وتم تصحيح المسار. السؤال: هل يجب علينا دائمًا الانتظار سنوات حتى نصل إلى نفس النتيجة؟
وفي ظل هذا التردد المحلي، ربما نحتاج إلى الاستعانة بجهة استشارية عالمية مستقلة – كما جرت العادة حين يُصبح أراء «مزمار الحي لا يطرب»، نعم شركة ذات خبرة عميقة في دراسة تحوّلات الحروب الحديثة، تراجع معنا دروس الحرب الروسية الأوكرانية، والصراع الإيراني الإسرائيلي، وتُحلّل تأثيرها على استراتيجيات الدفاع والتصنيع. وحينها، ستكون النتيجة حتمًا مطابقة لما نكرّره:، فهناك أشبه إجماع عالمي من المختصين في العالم، ان مسار استراتيجيات الحروب قد تغيّر على مستوى العالم، وأصبح من الضروري إعادة ترتيب أولويات الصناعة الدفاعية جذريًا.
لضمان المستقبل، لا بد من اتخاذ خطوات جريئة، وشاملة:
إعادة هيكلة الإنفاق العسكري: بدلًا من تركيز الموارد على منصات ضخمة باهظة الثمن، يجب توجيه التمويل نحو تقنيات حديثة خفيفة، ذكية، قوية التأثير ولكن رخيصة نسبيًا.
إنشاء وحدات تطوير سريع داخل الجيوش، مرتبطة بالميدان وليس بالمكاتب المركزية.
فتح المجال أمام الشركات الناشئة، ومراكز الأبحاث الجامعية، لتقديم حلول مرنة وميدانية.
إعادة تأهيل الكوادر المسؤولة عن ملف التصنيع، أو استبدالها، لضمان قيادة تواكب المرحلة.
توطين تقنيات الدرونز، الذكاء الاصطناعي، والحرب السيبرانية من الجيل القادم بأسرع وتيرة ممكنة.
إنشاء غرفة عمليات مخصصة لتقييم دروس الحروب الحديثة (أوكرانيا، غزة، الصراع الإيراني الإسرائيلي)، وترجمتها إلى سياسات صناعية فورية.
وقد قالها وذكرناها سابقا، وبإعادة التذكير بأن وزير الدفاع الأمريكي من يقود (أكبر وزارة دفاع في العالم) بيت هيغسيث قال:
«أدركنا من الصراع الأوكراني أن طبيعة الحروب تتغير بسرعة... ونتعلم دروسًا حقيقية من هذه التجربة».
حتى لو لم نصل إلى هدف توطين 50 % من الصناعات الدفاعية، فإن تحقيق نسبة أقل ولكن في الاتجاه الصحيح، وبما يتماشى مع واقع الحروب الحديثة، هو مكسب إستراتيجي أعظم من الوصول إلى نسبة 50 % في صناعات تقليدية فقدت فعاليتها وتأثيرها.
الصناعة التي لا تواكب زمنها... لا قيمة لنسبتها.
ومن لا يتغير... سيتحوّل إلى بقايا تاريخيّة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مصر تؤكد تكبدها خسائر مالية فادحة جراء الاستهدافات الحوثية في البحر الأحمر
مصر تؤكد تكبدها خسائر مالية فادحة جراء الاستهدافات الحوثية في البحر الأحمر

حضرموت نت

timeمنذ ساعة واحدة

  • حضرموت نت

مصر تؤكد تكبدها خسائر مالية فادحة جراء الاستهدافات الحوثية في البحر الأحمر

أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، أن بلاده تكبّدت خسائر فادحة تجاوزت 8.5 مليار دولار نتيجة التوترات الأمنية المتصاعدة في البحر الأحمر، وتراجع حركة الملاحة عبر قناة السويس، في ظل الهجمات التي تشنها مليشيا الحوثي الإرهابية على السفن التجارية. وجاءت تصريحات عبدالعاطي خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره اليوناني جورجيوس جيرابيتريتيس، عُقد اليوم الأربعاء في العاصمة اليونانية أثينا، حيث شدد على أن مصر تُعد من أكثر الدول تضررًا من الأزمة، وأن الوضع الحالي يهدد حرية الملاحة والأمن الإقليمي. وقال الوزير المصري؛ إن الحكومة تحملت تداعيات اقتصادية جسيمة بسبب انخفاض عائدات قناة السويس، مجددًا رفض القاهرة الكامل لأي محاولات لعسكرة البحر الأحمر، ومؤكدًا على ضرورة تحييده عن الصراعات والتوترات الجيوسياسية. وتأتي هذه التصريحات وسط تزايد التحذيرات الدولية من تفاقم التوترات في البحر الأحمر، نتيجة استمرار هجمات الحوثيين وتزايد التحركات العسكرية في المنطقة، ما يهدد الاستقرار الإقليمي وسلامة طرق التجارة العالمية.

في سباق تغيّر مساره... هل تواصل الجري في الطريق الخطأ؟
في سباق تغيّر مساره... هل تواصل الجري في الطريق الخطأ؟

الوطن

timeمنذ 3 ساعات

  • الوطن

في سباق تغيّر مساره... هل تواصل الجري في الطريق الخطأ؟

تخيّل أنك في سباق جري، وقد قطعت شوطًا جيدًا نحو خط النهاية، فجأة، تعلن اللجنة المنظمة عن تغيير مسار السباق لأسباب طارئة تتعلق بالظروف الميدانية. الآن، أمامك خياران: إما أن تُصر على مواصلة الجري في المسار القديم بحجّة أنك بذلت فيه جهدًا كبيرًا، أو أن تتكيّف وتنتقل فورًا إلى المسار الجديد الذي أصبح هو المسار الرسمي الوحيد المعترف به. السؤال البديهي هنا: هل يُحسب لك إنجازك إن بقيت تجري في مسار لم يعد جزءًا من السباق؟ هل يبرر عنادك وتمسكك بالطريق القديم أنك قطعت فيه مسافة طويلة؟ هذا بالضبط ما يحدث اليوم مع الصناعة العسكرية لدينا. نعم، لا يُنكر أحد أن هناك جهودًا كبيرة بُذلت في تطوير الصناعات الدفاعية خلال السنوات الماضية. فقد كنا لا ننتج سوى أقل من 3 % من احتياجاتنا العسكرية، وها نحن حوالي نسبة 20 %، مع هدف طموح للوصول إلى 50 %. ولكن الحقيقة الصادمة هي أن الطريق نفسه قد تغيّر، والحروب لم تعد كما كانت، وأدوات واستراتيجيات الصراع تغيرت بشكل دراماتيكي. إن الاستمرار على نفس المسار القديم، بنفس أدواته ونفس فلسفته، لن يوصلك إلى «خط النهاية» الجديد. في عالم اليوم، لم تعد المدرعة والدبابة رمزًا للقوة، بل صارت هدفًا مكشوفًا، يمكن تدميره بدرون انتحاري لا تتجاوز تكلفته 300 دولار. في أوكرانيا، تحوّلت فرق صغيرة من مشغّلي الدرونات إلى سلاح استراتيجي قادر على تدمير قواعد عسكرية خلال 15 دقيقة، دون الاقتراب من مدى الدفاعات التقليدية وهذا ما حدث فعلاً! لقد تغيرت معايير النصر، وتغيرت قواعد الحرب، تغيّر السباق، تغييرًا لم يشهد له مثيل من الحرب العالمية، برغم تسارع الابتكارات العسكرية في السنوات الأخيرة، لا تزال معظم الشركات الدفاعية وبعض القطاعات في منطقتنا عالقة في عقلية تعود إلى ما بعد الحرب الباردة. فما زال الإنفاق الدفاعي يُضَخُّ في أنظمة تسليح ثقيلة: دبابات، مدرعات، فرقاطات، في حين أن الحروب الحديثة أصبحت تُحسم بالدرونات، والذكاء الصناعي، والتشويش السيبراني، والاستخبارات والبرمجيات الذكية والصواريخ فرط الصوتية والراجمات، والدفاع الجوي والصاروخي متعدد الطبقات إلى آخره. في الحرب الروسية الأوكرانية، دُمّرت دبابات متطورة مثل T-90 بقيمة تتجاوز 4 ملايين دولار باستخدام طائرات مسيّرة لا تتعدى تكلفتها 500 دولار. ما كان يُعتبر «عمود القوة العسكرية» أصبح عبئًا. ولقد أصبحت الدبابة التي كانت لا تقهر اليوم رمزًا للجمود في الفكر العسكري، أكثر من كونها رمزًا للتفوق. ليس هذا مجرد فشل ميداني، بل هو فشل صناعي واستراتيجي. الصناعات العسكرية التقليدية لم تفشل فقط في إنتاج أدوات مناسبة للواقع الجديد، بل فشلت في فهم أن الواقع ذاته قد تغيّر بالكامل. ولكن هل الخلل في الموارد أو الإمكانيات لدينا؟ أبدًا، بل المشكلة الحقيقية في العقول التي تُدير هذه الصناعات. من تأخر في تبنّي الدرونات سابقًا، لا يزال يتأخر اليوم في فهم أهمية إعادة هيكلة الصناعة. من رفض سابقًا الاستثمار في الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، لا يزال يماطل الآن في تمويل برامج الابتكار اللامركزي. إننا بحاجة إلى الاعتراف، وبوضوح: بعض المسؤولين الحاليين عن ملف التصنيع العسكري أصبحوا جزءًا من المشكلة، لا من الحل. لقد أداروا التغيير بعقلية جامدة، وتجاهلوا الإشارات التحذيرية من أوكرانيا، ومن الصراع الإيراني الإسرائيلي، ومن الحروب بالوكالة التي تغيّرت فيها طبيعة الردع والهجوم بالكامل. اليوم، السكوت عن هذا الجمود ليس حيادًا، بل مخاطرة بالأمن القومي. إذا لم نملك الشجاعة لتغيير الأشخاص كما نغير الأدوات، فإننا نرتكب نفس الخطأ مرتين. لقد كتبنا مرارًا في مقالاتنا أن أهم عناصر نجاح رؤية 2030 هو أنها رؤية ديناميكية قابلة للتعديل والتحديث. إنها ليست خطة مغلقة جامدة، بل إطار مفتوح ومرن للتفاعل مع المستجدات وللتكيف مع التطوير والتحديث، ولذلك نجحت مستهدفاتها وفي تجاوز أزمات عالمية كبرى. ومن هنا، لا بد أن تكون الصناعة العسكرية جزءًا من هذه الديناميكية. إذا كانت الرؤية تتغير حسب السياق، فلماذا لا يتغير مسار التصنيع العسكري؟ لماذا نواصل إنتاج منظومات تم تصميمها لعالم لم يعد موجودًا؟ لماذا نستثمر في أسلحة أثبت الميدان أنها مكشوفة وعتيقة؟ إن مرونة الرؤية يجب أن تنسحب على كل قطاع، خاصةً القطاع الدفاعي الذي يمثل ركيزة الأمن والسيادة. نحن بحاجة إلى ثورة في فلسفة الصناعة الدفاعية، لا مجرد تطوير تقني. نحتاج إلى تفكيك العقليات القديمة، وإعادة بناء النموذج الصناعي من الأساس، على ضوء الحقائق الجديدة. لقد تحدّثنا على مدى سنوات في مقالاتنا وتحليلاتنا عن تحوّلات قادمة في أنماط التسلّح وطبيعة التصنيع العسكري، وواجهنا حينها موجة من الرفض أو التشكيك من بعض من يقدّمون أنفسهم كأصحاب «خبرة ميدانية». ولكن كما يحدث دائمًا، جاءت الوقائع لتُثبت صحة ما كنّا نحذر منه ومع ذلك، يأتون متأخرين. والمفارقة المُحزنة هنا: ما قيمة «الخبرة الميدانية» إذا كانت غير قادرة على توقّع مسارات التغيير والتكنولوجيا؟ خذ مثلًا مسألة الذكاء الاصطناعي، الذي أصبح الآن في قلب أنظمة التسلّح والتوجيه والمراقبة والحرب السيبرانية. ونسأل بصراحة: كم عدد ونسبة موظفي الذكاء الاصطناعي اليوم داخل الشركات العسكرية السعودية؟ كم عدد ونسبة المختصين في هذا المجال داخل الهيئة العامة للصناعات العسكرية (غامي)؟ وكم عددهم ونسبتهم في الهيئة العامة للتطوير الدفاعي (غاد)، الهيئة التي باستثناء مشاركاتها المتكررة في المعارض، لم تُقدّم حتى الآن أي أثر ملموس أو منتج نوعي يُحدث فرقًا؟ إننا نعتقد أن الوقت قد حان لإجراء إعادة هيكلة شاملة في كل من الشركات وغامي وغاد، تبدأ بتغيير الوجوه وتطوير المنهجية. ولنتذكر أن ما حصل في شركة سامي كان نتيجة نفس النمط: بقيت لسنوات تفتقر إلى هوية واضحة، وكنا من أوائل من نبه إلى ذلك، حتى جاء التغيير لاحقًا بعد إدراك التأخر، وتم تصحيح المسار. السؤال: هل يجب علينا دائمًا الانتظار سنوات حتى نصل إلى نفس النتيجة؟ وفي ظل هذا التردد المحلي، ربما نحتاج إلى الاستعانة بجهة استشارية عالمية مستقلة – كما جرت العادة حين يُصبح أراء «مزمار الحي لا يطرب»، نعم شركة ذات خبرة عميقة في دراسة تحوّلات الحروب الحديثة، تراجع معنا دروس الحرب الروسية الأوكرانية، والصراع الإيراني الإسرائيلي، وتُحلّل تأثيرها على استراتيجيات الدفاع والتصنيع. وحينها، ستكون النتيجة حتمًا مطابقة لما نكرّره:، فهناك أشبه إجماع عالمي من المختصين في العالم، ان مسار استراتيجيات الحروب قد تغيّر على مستوى العالم، وأصبح من الضروري إعادة ترتيب أولويات الصناعة الدفاعية جذريًا. لضمان المستقبل، لا بد من اتخاذ خطوات جريئة، وشاملة: إعادة هيكلة الإنفاق العسكري: بدلًا من تركيز الموارد على منصات ضخمة باهظة الثمن، يجب توجيه التمويل نحو تقنيات حديثة خفيفة، ذكية، قوية التأثير ولكن رخيصة نسبيًا. إنشاء وحدات تطوير سريع داخل الجيوش، مرتبطة بالميدان وليس بالمكاتب المركزية. فتح المجال أمام الشركات الناشئة، ومراكز الأبحاث الجامعية، لتقديم حلول مرنة وميدانية. إعادة تأهيل الكوادر المسؤولة عن ملف التصنيع، أو استبدالها، لضمان قيادة تواكب المرحلة. توطين تقنيات الدرونز، الذكاء الاصطناعي، والحرب السيبرانية من الجيل القادم بأسرع وتيرة ممكنة. إنشاء غرفة عمليات مخصصة لتقييم دروس الحروب الحديثة (أوكرانيا، غزة، الصراع الإيراني الإسرائيلي)، وترجمتها إلى سياسات صناعية فورية. وقد قالها وذكرناها سابقا، وبإعادة التذكير بأن وزير الدفاع الأمريكي من يقود (أكبر وزارة دفاع في العالم) بيت هيغسيث قال: «أدركنا من الصراع الأوكراني أن طبيعة الحروب تتغير بسرعة... ونتعلم دروسًا حقيقية من هذه التجربة». حتى لو لم نصل إلى هدف توطين 50 % من الصناعات الدفاعية، فإن تحقيق نسبة أقل ولكن في الاتجاه الصحيح، وبما يتماشى مع واقع الحروب الحديثة، هو مكسب إستراتيجي أعظم من الوصول إلى نسبة 50 % في صناعات تقليدية فقدت فعاليتها وتأثيرها. الصناعة التي لا تواكب زمنها... لا قيمة لنسبتها. ومن لا يتغير... سيتحوّل إلى بقايا تاريخيّة.

مصر: نرفض عسكرة البحر الأحمر وحوكمته تقتصر فقط على الدول المشاطئة
مصر: نرفض عسكرة البحر الأحمر وحوكمته تقتصر فقط على الدول المشاطئة

الموقع بوست

timeمنذ 4 ساعات

  • الموقع بوست

مصر: نرفض عسكرة البحر الأحمر وحوكمته تقتصر فقط على الدول المشاطئة

أكدت جمهورية مصر العربية، رفضها القاطع عسكرة البحر الأحمر، في ظل تعهد جماعة الحوثي بتوسيع نطاق عملياتها في البحر ليشمل جميع السفن المرتبطة بشركات تتعامل مع موانئ إسرائيلية. وقال وزير خارجية مصر، الدكتور بدر عبد العاطي، في مؤتمر صحفي مع نظيره اليوناني اليوم الاربعاء، إن بلاده ترفض عسكرة البحر الأحمر، وتولي ضرورة حرية الملاحة وتأمين حركة السفن. وأكد أن مصر المتضرر الأكبر من حوادث البحر الأحمر، مشددا على أن حوكمة البحر الأحمر تقتصر فقط على الدول المشاطئة. والسبت قال رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع، إن مصر خسرت 6 ملياراتِ دولار من إيرادات الهيئة جراءَ تداعيات حرب غزة. ومطلع يوليو الماضي قال ربيع، إن الممر الملاحي الاستراتيجي يواجه "أزمة كبرى" في ظل التراجع الحاد في حركة السفن، نتيجة تصاعد هجمات جماعة الحوثي على الملاحة التجارية في البحر الأحمر منذ أواخر عام 2023. وأكد ربيع أن مصر ترفض الانخراط في أي تحالف عسكري ضد الحوثيين، مشيرا إلى أن اليمن دولة عربية شقيقة، ومصر لا تنخرط في عمليات عسكرية ضد دول عربية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store