logo
هل التجارب الإيجابية للكورد الفيلية تستدعي التفكير بتغيير أساليب العمل الحالية؟

هل التجارب الإيجابية للكورد الفيلية تستدعي التفكير بتغيير أساليب العمل الحالية؟

شفق نيوز٢٥-٠٢-٢٠٢٥

كان للكورد الفيلية خلال أكثر من أربعة عقود من الزمن من أربعينيات حتى منتصف سبعينيات القرن الماضي, النفوذ والتأثير الملحوظ في الحياة العامة في العراق وفي بغداد بشكل خاص حيث كانت لهم أدوار ومواقع بارزة في صفوف الحركة التحررية الكوردستانية (أعضاء لجنة مركزية وسكرتير حزب ورئيسة اتحاد نساء ورئيس اتحاد طلبة ورئيس اتحاد شبيبة وفي مجالات الاعلام والعلاقات الخارجية وغيرها إضافة الى انهم كانوا من بين الممولين الرئيسيين للحركة).
وعمل الكورد الفيلية بنشاط في صفوف الحزب الشيوعي العراق من قيادات وكوادر متقدمة وقواعد إضافة الى نشاطهم في صفوف منظمات المجتمع المدني المتحالفة مع الحزب من اتحاد الطلبة العام واتحاد الشبيبة واتحاد النساء. كما كانت لهم علاقات جيدة مع المرجعية.
قدم المجتمع الكوردي الفيلي دعما وتضحيات مختلفة وكبيرة لكل هذه الجهات. وكانت علاقات الكورد الفيلية جيدة مع كل القوميات واتباع جميع الأديان والمذاهب الذين كانوا يشيدون بنزاهة وامانة وإخلاص الكورد الفيلية سواء كانوا تجارا او موظفين او مهنيين او حرفيين.
بالإضافة الى اخلاصهم للأحزاب التي انتموا اليها دون ان ينسوا اويتناسوا مجتمعهم الكوردي الفيلي.
نذكر هنا بايجاز ان "القوة" لها ثلاثة مصادر رئيسية هى أولا "القوة الاقتصادية" التي تأتي من مختلف النشاطات الاقتصادية: التجارة والصناعة والزراعة والطاقة والنقل والمواصلات وغيرها.
وثانيا "القوة الثقافية والفكرية" التي
تأتي من الايمان بقضية والاستعداد للعمل من اجلها والدفاع عنها وتقديم التضحيات من اجل تحقيق أهدافها وصيانة اللغة والثقافة والتراث المجتمعي.
وثالثا "القوة الضاربة" التي تأتي من مختلف صنوف القوات المسلحة.
حقق الكورد الفيلية ذلك النفوذ والتأثير خلال تلك الفترة لامتلاكهم مصدرين من مصادر "القوة" وهما "القوة الاقتصادية" (خاصة في المجالات التجارية) و"القوة الثقافية او الفكرية" إضافة الى أنهم لم يكونوا مشتتين ولا مستقطبين ولا متخاصمين وكانت قراراتهم بأيديهم وكان هدفهم خدمة المجتمع الكوردي الفيلي ككل وبشكل عام رغم اختلاف ايديولوجياتهم وميولهم السياسية وانتماءاتهم الحزبية» ولأنهم لم ينسوا او يتناسوا مجتمعهم الكوردي الفيلي ولم يضحوا بحقوقه ومصالحه حين وصلوا الى اول محطة من محطات طموحاتهم الشخصية.
نذكر على سبيل المثال تعاون عدد من التجار الكورد الفيلية في مشروع تأسيس المدرسة الفيلية في بغداد وتبرع احدهم باحدى دوره الكبيرة لتكون مكانا للمدرسة وكلفوا ذوي الاختصاص من الكورد الفيلية بتنفيذ المشروع والذين قاموا بصدق وأمانة وإخلاص وتضحية بادارة المدرسة لخدمة مجتمعهم الكوردي الفيلي ونجحوا في ذلك بشكل مشهود له واستمروا فى ذلك رغم الصعاب حتى قامت حكومة حزب البعث باغلاق المدارس الفيلية.
ونذكر أيضا على سبيل المثال احد الاخوة من الكورد الفيلية الذي عمل طيلة حياته في صفوف الحزب الشيوعي العراقي وصارا قياديا فيه ولكنه لم ينسَ او يتناسى مجتمعه الكوردي الفيلي ولم يستغل قضيتهم لخدمة طموحاته الشخصية واستطاع بعد التهجير القسري في ثمانينيات القرن الماضي من ارسال العشرات من الكورد الفيلية من شيوعيين وغير شيوعيين في زمالات دراسية حصل عليها حزبه الى مختلف جامعات ومعاهد الاتحاد السوفيتي للدراسة وحصلوا على شهادات جامعية في مختلف الإختصاصات. لقد بذلوا هذه الجهود بنكران ذات ونجحوا ليس طمعا في جاه او مال او منصب او مكسب شخصي بل لخدمة مجتمعهم الكوردي الفيلي بشكل عام. الرحمة
والذكر الطيب للاموات منهم والصحة والسلامة للاحياء منهم.
لم يكن تمتع الكورد الفيلية خلال تلك الفترة ب 'القوة الاقتصادية" و"القوة الثقافية والفكرية": خاصة في بغداد مركز دولة العراق» سببا لنفوذهم وتاثيرهم وسمعتهم الجيدة ولكنه أيضا آثار الخوف والقلق في حزب البعث الفاثئي والحسد لدى العديد من قادته وازلامه واعتبارهم تهديدا لنظامه ولذا عمل للتخلص منهم بمختلف أساليبه التعسفية وإجراءاته الاعتباطية ضدهم والتي كان من بينها مصادرة جميع ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة (مصادرة قوتهم الاقتصادية) وإسقاط جنسيتهم العراقية وتهجيرهم قسرا واقتلاعهم من جذورهم
وتشتيتهم بهدف تدمير ثقافتهم وتفكيك روابطهم وتمزيق نسيجهم الاجتماعي (تدمير قوتهم الثقافية والفكرية).
لم يكن للكورد الفيلية خلال تلك الفترة أية تنظيمات حزبية خاصة بهم بل كانوا يعملون في صفوف الأحزاب السياسية العراقية والكوردستانية القائمة بل كانت لهم عدد من منظمات المجتمع المدني من نوادي رياضية ومدارس فيلية إضافة إلى المواكب الحسينية.
في بداية الفترة التى تلت سقوط النظام البعني عام 2003 واصل الكورد الفيلية السير على نفس النهج فى عملهم السياسي ضمن الأحزاب الكوردستانية والاسلامية المؤثرة ووصل عدد أعضاء مجلس النواب من الكورد الفيلية الى حوالي الخمسة عشر عضوا في الدورتين الأولى والثانية لمجلس النواب ضمن هذه الأحزاب قبل ان يتجهوا نحو تأسيس أحزاب وتنظيمات سياسية خاصة بالكورد الفيلية ظننا من بعض "نخبهم السياسية الطموحة بأنهم يستطيعون تحقيق نتائج مشابهة او اكبر اذا ترشحوا للانتخاب ضمن أحزاب او تنظيمات او قوائم كوردية فيلية.
ولكننا نرى الان ان البرلمانيين الكورد الفيلية (الكاشفين عن هويتهم الحقيقية الكوردية الفيلية) وصلوا الى البرلمان العراقي ضمن الأحزاب الإسلامية الشيعية. وحتى عضو الكوتا المخصص للكورد الفيلية استولت علية تلك الأحزاب وليس التنظيمات الكوردية الفيلية نفسها!
وبينت نتائج الانتخابات منذ تأسيس هذه الأحزاب والتنظيمات والقوائم الكوردية الفيلية ان أي منها لم ينجح في جمع أصوات كافية للحصول حتى على مقعد واحد في مجلس النواب العراق. هناك أسباب موضوعية عديدة لذلك من بين أهمها تعصب الولاءات والانتماءات السياسية والحزبية والاستقطاب فى صفوف النخب الكوردية الفيلية والتي شجعتها وتشجعها الأحزاب السياسية القائمة وجهات أخرى وأسباب ذاتية تتمثل تشطيب الكورد الفيلية ووجود بعض النفعيين في صفوف النخب الكوردية الفيلية انفسها والذين يميلون حسب ميول الرياح
السياسية وينسون او يتناسيون قضيتهم عند وصولهم الى أول محطة من محطات طموحاتهم الشخصية.
ان تهافت بعض الأخوة للوصول لطموحات شخصية ضيقة جعلهم ينسون قضيتنا الكبرى» بل حتى وضع العراقيل او حتى التخريب لجهود قام بها اخوتهم في القضية. كما حصل على سبيل المثال وليس الحصر عند محاولاتهم تحجيم والتقليل من اهمية قضيتنا وقضية شهداءنا الذين فنوا على ايدي النظام البائد ومنها أيضا جهود اتحادنا الكوردي الفيلي بالتعاون مع جهات أخرى لعرض ومناقشة وتدويل قضيتنا في البرلمان الأوروبي والاتحاد الأوروبي عام 2016 ولاعوام عدة بعده. ومنها ايضا تخريب مشروع بناء مركز ثقافي كوردي فيلي في بغداد بعد تخصيص قطعة ارض له.
على ضوء تلك التجارب الناجحة وهذه التجارب غير الناجحة هل حان وقت التفكير بأسلوب عمل مختلف يساعد المجتمع الكوردي الفيلي بشكل أفضل على استعادة قوته الاقتصادية وقوته الثقافية والفكرية ودوره وتأثيره السياسي بهدف تثبيت وحماية حقوقه المشروعة وصيانة مصالحه الأساسية والوصول الى أهدافه البعيدة المدى المتمثلة في ضمان مستقبله في العيش في وطنه دون التعرض الى تمييز وتفرقة واضطهاد واسقاط جنسية ومصادرة ممتلكات وتطهير عرقي وابادة جماعية شبيه بما مارسته ضدهم دولة العراق ابان حكم حزب البعث الجائر؟
بخلافه ستبقى قضية الكورد الفيلية في العراق تراوح في مكانها او في مجال ضيق للغاية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

قراءة في كتاب ( الديمقراطية في العراق بين النظرية والتطبيق )
قراءة في كتاب ( الديمقراطية في العراق بين النظرية والتطبيق )

موقع كتابات

timeمنذ 4 أيام

  • موقع كتابات

قراءة في كتاب ( الديمقراطية في العراق بين النظرية والتطبيق )

كانت وما زالت الديمقراطية الهاجس والحلم لكل الشعوب .. واذا كانت بعض هذه الشعوب سواء في اميركا او اوربا قد نجحت في بناء تجارب ديمقراطية لن ندعي هنا انها مثالية وعليها الكثير من الملاحظات ، فاننا ما زلنا في دول ما يسمى العالم الثالث ومنه وطننا العربي نحاول الامساك ببعض خيوط حلم بديمقراطية تلبي جزء من تطلعاتنا المشروعة بحياة كريمة يحترم فيها الانسان .. السياسيون والزعماء حكام وملوك في اوطاننا العربية يتحدثون عن الديمقراطية واهميتها غير انها ما زالت بعيدة عن التطبيق .واذا كان العراق قد تعرض لاسوأ احتلال في 2003 بحجة الديمقراطية واحترام ارادة الانسان وخياراته ، فان واقع الحال الذي عشناه وما زلنا تشير الى ان كل الاجراءات والممارسات وهيكلية النظام السياسي على النقيض من التطبيق الديمقراطي حتى في ابسط صوره .. وفي هذا الكتاب يأخذنا المؤلف الاستاذ عبدالله سلمان الى جذور الديمقراطية منذ عصور ما قبل الميلاد الى اليوم ..وقد اخترنا ان نستعرض الكتاب من بابه الثالث والاخير الذي ركز فيه الاستاذ سلمان ومن خلال فصوله المختلفة على بدايات الديمقراطية في العراق تاريخيا ومنذ 1917 الى 1932 والانتداب البريطاني وتأثيره على المؤسسات الديمقراطية ابان العهد الملكي وملاحظاته عليها لينتقل بعد ذلك الى ثورة الرابع عشر من تموز 1958 والتحديات السياسية التي اعاقت المسار الديمقراطي والدستور العراقي المؤقت . كما تناول الكاتب الصراعات السياسية بين الاحزاب الوطنية التي وصلت حد القمع والتصفيات الدموية بين الشيوعيين من جانب والقوميين من جانب اخر ومن ضمنهم البعثيين التي اسهمت في تعميق ازمة الديمقراطية .. ويتوقف الكاتب كثيراً عند احداث تاريخية قوضت اي حلم بالديمقراطية منها تشكيل المقاومة الشعبية و احداث الموصل والخلاف بين الزعيم قاسم والشيوعيين وغيرها ما اضعف النظام الجمهوري في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم يرحمه الله ومجيء ما سماها بحركة شباط 1963 واستلام البعث للسلطة وما رافقها ايضاً من سلبيات وتنكيل ومطاردة للشيوعيين وعدم الاستقرار السياسي الذي ادى بعد تسعة اشهر الى القضاء على حكم البعث وتسلم عبد السلام عارف رحمه الله السلطة ليأتي بعده المرحوم شقيقه عبد الرحمن عارف بعد موت عبد السلام بحادث طائرة غامض .. ويستمر الكاتب في الاسترسال بالاحداث التي مرت بالعراق وصولا الى عودة البعث الى السلطة في السابع عشر من تموز 1968 مشيرأ الى الانجازات التي تحققت على مستوى الصناعة والزراعة والتعليم وتاميم النفط والعلاقات المتميزة للنظام مع الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي التي يرى انها اسهمت في تغيير قناعة قيادات الحزب الشيوعي بشقيه اللجنة المركزية والقيادة المركزية وادت الى انبثاق الجبهة الوطنية والقومية التقدمية ، لكنه أي الكاتب لايتجاهل ما سبق ذلك وما رافقه من ممارسات قمعية واضطهاد للمعارضين لسياسة ( الحزب القائد ) التي يعتقد انها تعني ضمناً تهميش دور القوى الوطنية الاخرى شيوعيين او قوميين .. وكان لابد للكاتب ان يمر على الحرب العراقية الايرانية ودخول الكويت وما تبعه من فرص حصار جائر على العراق .. ثم الطامة الكبرى باحتلال العراق بحجة وجود اسلحة دمار شامل اثبتت الايام زيفها .. واذا كانت الادارة الاميركية في 2003 قد ادعت ان احد اسباب غزوها للعراق كما قال جورج بوش اكثر من مرة نشر الديمقراطية فان سلسلة الاجراءات التي اتخذتها بعد الاحتلال اكدت كذب هذه الادارة لان جميعها كانت تجاوز على الديمقراطية ومنها نشر الطائفية وتشكيل مجلس حكم محاصصاتي وحالات افوضى وانتشار الفوضى والفساد وقتل العلماء وتهجير الكفاءات وغيرها ..ولم ينس الكاتب عبدالله سلمان ان يدعو الى الاستفادة من التجارب المرة التي مرت بالعراق والوقوف عندها لوضع لمسات حقيقية لتطبيق ديمقراطي ينقذ العراق مما هو فيه .. اخيراً لابد من الاشارة الى انني تعمدت ان اتناول في هذا الاستعراض او القراءة للكتاب الباب الثالث وهو الاخير كونه يتعلق بالعراق ، لذا فانه من المناسب هنا الاشارة الى جهود الكاتب في فصول البابيين الاول والثاني في تناول موطن الديمقراطية ' الدولة ' وبداية النشوء منذ العصور البدائية الى العصور الحديثة وتاريخ الديمقراطية والفلاسفة والكتاب الذين تناولوها على مر التاريخ من اجل اطلاع القاريء عليها وهو موضوع مهم يعزز الثقافة المجتمعية للديمقراطية التي نحن بامس الحاجة اليها في اوطاننا .. الكتاب برأي المتواضع يشكل اضافة مهمة ويستحق القراءة لما فيه من معلومات ووقائع تخص التطبيقات الديمقراطية التي قد نختلف او نتفق فيها مع الاستاذ عبدالله سلمان الذي اكبر فيه هذه الروحية والحرص على نشر المعرفة بالديقراطية بتاليفه هذا الكتاب وتوزيعه مجانا كما سبق له ان وزع كتابه عن العلمانية مجانا ايضا وهذا ما يستحق الثناء عليه ..

الأوليغارشية الترامبية
الأوليغارشية الترامبية

موقع كتابات

timeمنذ 5 أيام

  • موقع كتابات

الأوليغارشية الترامبية

لم يحدث أن جرت تطورات سريعة وعاصفة في العلاقات الدولية على نحو ما يجري اليوم وفي ظلّ عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لاسيّما بصعود الأوليغارشية الجديدة، فما أن وصل مجددًا إلى دست الحكم، باشر بطائفة من الإجراءات الداخلية والخارجية التي من شأنها إحداث تغيير جوهري في العلاقات الدولية وقواعد السلوك الدولي. والأوليغارشية تعود في أصلها إلى اللغة اليونانية (أوليغارخيا)، وتعني 'حكم الأقلية'، حيث تكون السلطة السياسية محصورة بيد فئة صغيرة نافذة تمتلك المال والقوة. وكان أفلاطون في كتابه 'الجمهورية' أول من سلّط الضوء على ثلاثة أنواع من الأنظمة وهي: المثالية، والديمقراطية، والأوليغارشية، وهذه الأخيرة لا تحترم القوانين، وحسب أرسطو فإن الأوليغارشية غالبًا ما تنتهي إلى حكم الطغيان، بتشبثها بالسلطة، والأوليغارشية بقدر ما هي حاكمة في بلد، فإن طموحها أحيانًا يتجاوز ذلك ليمتدّ إلى العلاقات الدولية، كما هي الأوليغارشية الأمريكية اليوم تُعتبر عابرة للأوطان، وتسعى للهيمنة على العالم. واتّخذت البنية الدولية منحىً جديدًا بعد الحرب العالمية الثانية، قائمة على القطبية الثنائية بين المعسكرين الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة والاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي، واستمرّ الوضع بتقاسم النفوذ ضمن حدود أقرب إلى الاتفاق بين العملاقين، مع بقاء الصراع الأيديولوجي على أشدّه وحروب بالوكالة خارج المناطق المتفق عليها، بحيث تكون هناك توافقات لرسم شكل الصراع وخريطته تقريبًا، ولا يمكن لأحد القطبين تجاوز حدوده ووضع اليد على ما يهدد مصالح الطرف الآخر. وساد منذ أواخر الثمانينيات، وبعد انهيار جدار برلين في 9 تشرين الثاني / نوفمبر 1989 وحتى العقد الأول من الألفية الثالثة نظام أحادي القطبية، بعد انهيار الكتلة الاشتراكية وانتهاء عهد الحرب الباردة وتحوّل الصراع الأيديولوجي من شكل إلى شكل آخر، خصوصًا في مواجهة ما أُطلق عليه الإسلام السياسي والقوى المتعصّبة والمتطرّفة التي اتّخذت منه عنوانًا في مواجهة الغرب والقوى الإمبريالية. لكن هذا النظام الجديد في العلاقات الدولية لم يعمّر طويلًا، وكان الإيذان الأول على تصدّعه وتخلخل أساساته بعد احتلال العراق في العام 2003 واضطرار الولايات المتحدة إلى الانسحاب منه في نهاية العام 2011. وإذا كان النظام الدولي الجديد قد أخذ يترنّح، وخصوصًا بصعود التنين الصيني والتقدّم الاقتصادي الكبير الذي أحرزته بكين، بحيث أصبحت الصين قوّة عالمية كبرى، ومن ثمّ معافاة الدب الروسي، إلّا أن ذلك لم يخلق نظامًا جديدًا، مع أن بعض ملامحه أخذت تظهر، لكن هيمنة الولايات المتحدة وتحكّمها بالقرار الدولي بقيت مسيطرة في ظلّ البيئة الدولية التي ما تزال لصالحها بالرغم من تراجع نفوذها. نظام يحتضر وآخر لم يولد النظام الذي تأسس في أعقاب انتهاء عهد الحرب الباردة لم ينتهي حتى الآن والجديد لم يولد بعد، مع أن بوادر قيام نظام متعدد الأقطاب هو قيد التشكّل، حتى وإن بقيت الولايات المتحدة تمثّل القوّة الاستراتيجية العالمية، اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا، إلّا أن واشنطن تضطر أن تعترف بوجود قوى دولية وإقليمية لا يمكن إغفال مواقعها، مع أنها تريد أن تبقى متفوقة عليها وهذه الأخيرة تعترف بذلك وتقرّ به، وهكذا يمكن اقتسام مناطق النفوذ للدول المؤثرة ووفقًا لتوازنات القوى لكل حالة ووضعيّة، لاسيّما على الصعيد الاقتصادي شريطة أن تبقى اليد الطولى لواشنطن بحيث تتمتّع بامتيازات لا بقوّة نموذجها السياسي ، بل بفضل قوتها العسكرية والاقتصادية والاستراتيجية كدولة عظمى لا تضاهيها أية دولة في العالم. أمريكا أولًا لقد رفع ترامب شعار 'أمريكا أولًا'، و'لنعيد عظمة أمريكا'، وهو الذي جسّد طموح الأوليغارشية الجديدة بالنظر إلى المصالح الأنانية الضيقة، وعمل على تفكيك الدولة العميقة، وإقامة نظام أمني شديد الصرامة، وعدم وضع ضوابط على شركات التكنولوجيا الكبرى، ولاسيّما القائمة على منظومات الذكاء الاصطناعي. وذلك تجاوزًا على النظام الليبرالي الذي كان قائمًا، والذي حقق في السابق منجزات ترتبت عليه في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وهكذا اتّحدت مصالح الأوليغارشية مع مصالح كبريات الشركات، بعد ان أدركت الأخيرة أن الليبرالية لم تعد تلبّي طموحاتها، الأمر الذي أصبحت أكثر تماهيًا مع التوجّه الشعبوي اليميني، وهكذا أقيم تحالف جديد أساسه أصحاب الذكاء الاصطناعي ورأس المال العقاري، لدرجة باتت الشعبوية المنفلتة من عقالها تمثّل تجاوزًا على ما تحقق من منجزات في السابق. وإذا كانت مصالح الأوليغارشة بشقيها العقاري وأصحاب الذكاء الاصطناعي متوافقة داخليًا، فإنها اتّجهت إلى الخارج ولم يعد يهمّها سوى تحقيق الأرباح، ابتداءً من الضغط على الحلفاء، وذلك بوضع ضرائب على التعامل التجاري واستيراد البضائع منه ورفع درجة التعرفة الجمركية على الأصدقاء والخصوم على حدّ سواء، الأمر الذي قد يخلق أزمة اقتصادية عالمية غير معروفة النتائج حتى الآن لا في أوروبا والبلدان النامية فحسب، بل على الصعيد الأمريكي أيضًا، خصوصًا فيما إذا نشأ تحالف دولي معلن أو غير معلن يقف بوجه الأوليغارشية الترامبية. لم يكتف ترامب بذلك، بل أعلن عن رغبته في وضع اليد على قناة بنما، وأن تتاح له السيطرة على جزيرة غرينلاند، وانتزاعها من يد الدانمارك، علمًا بأنها غنية بالموارد الطبيعية، وضم كندا لتصبح ولاية أمريكية، ومطالبة أوكرانيا الممتحنة بالحرب منذ شباط / فبراير 2022 بتعويض ما قدمته لها من مساعدات، وارتهان مواردها الطبيعية ومقاسمتها مع الولايات المتحدة لتسديد ما في ذمتها. لعلّ كل تلك التدابير والإجراءات التي اتخذتها إدارة ترامب، إضافة إلى الدعوة لإجلاء سكان غزّة المنكوبة والمدمّرة في حرب إبادة مستمرة منذ نحو عام ونصف العام بعيدًا عن أي اعتبار إنساني أو حقوقي، أقول أن كلّ تلك الخطوات التي أعلنت عنها تؤدي إلى تقويض أساس العلاقات الدولية القائمة، بما فيها نظام التجارة الحرّة. وتعتقد الأوليغارشية الترامبية أن من شأن هذه التوجهات التهيئة لعقد صفقات دولية تضمن للولايات المتحدة إستمرار تفوقها، وهو ما حصل مع روسيا، حيث تخلّت واشنطن عن كييف، وسمحت حتى الآن بإمكانية تمدد الحلم الروسي بتحجيم أوكرانيا وضم بعض المناطق التي احتلّتها إليها، مقابل التخلي عن دمشق، الأمر الذي أدّى إلى انهيار السلطة وفرار الرئيس بشار الأسد. ومثل هذا الأمر قد يترشّح في العلاقة مع الصين بالاعتراف بمطالبها بخصوص تايوان، وربما نشهد ضمها إلى البر الصيني، حيث تسعى بكين باستعادتها كجزء لا يتجزأ منها، وهكذا يمكن أن يتخلى ترامب بموجب المعلن من سياسته عن حلف شمالي الأطلسي وحماية دول أوروبا الغربية، وعن المسؤولية في حماية كوريا الجنوبية واليابان، والابتعاد عن قيم ما سمي بالعالم الحر والتبشير بحقوق الإنسان والديمقراطية والحريّات. وهكذا ينشأ التعارض بين مصالح القوى الشعبوية الأوروبية بين مصالح الأوليغارشية الأمريكية، التي تريد إخضاع الأولى إليها. أمّا انعكاسات سياسات ترامب الأوليغارشة على منطقتنا فهي تتوافق مع الفاشية الإسرائيلية التي تريد فرض الهيمنة على دول المنطقة، ابتداءً من نزع سلاح سوريا بالقصف غير المعهود عليها لفرض منطقة نفوذ في الجنوب السوري، وذلك لمواجهة النفوذ التركي في الشمال السوري، إضافة إلى العدوان المستمر على جنوب لبنان وعدم الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار بحجة نزع سلاح حزب الله، وتريد من الدول العربية مساعدتها في ذلك تمهيدًا للتطبيع الذي بدأ قبل عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023. وتطالب الأوليغارشية الترامبية دول الخليج العربي بدفع الأموال بطرق مختلفة، سواء عبر صفقات السلاح أو الاستثمارات أو غيرها، تعويضًا لحمايتها وثمنًا للتحالف معها. وإذا اكتمل هذا السيناريو سيؤدي إلى هيمنة إسرائيلية على المشرق العربي، وقد يعود إلى توريط بعض الدول العربية للمساعدة في شن الحرب على إيران، حيث يضغط الرئيس ترامب على طهران، أما بالتفاوض المباشر أو تلقيها ضربات غير مسبوقة من القصف الأمريكي، الذي لو حدث لحوّل المنطقة إلى برميل بارود لا يعرف إلّا الله مدى اشتعاله واستمراره. الولايات المتحدة بقيادة الطغمة الأوليغارشية ومعها حليفتها إسرائيل تريد التحكّم بمن يدير غزّة ومن يقود السلطة الفلسطينية ومن يحكم العراق وسوريا ولبنان واليمن ومن يبقى في السلطة ومن يخرج منها، كما تريد ضمانات لحماية ما يسمّى 'أمن إسرائيل' التي سيكون لها اليد العليا، المتفوقة اقتصاديًا وعلميًا وتكنولوجيًا وعسكريًا في المنطقة، التي ينبغي تحويلها إلى 'أقليات' عرقية وإثنية ودينية وطائفية، أقرب إلى كانتونات وليست دولًا قوية وراسخة، بل كيانات متقاتلة ومحتربة بين بعضها البعض، وتكون 'إسرائيل' الأقلية الأكثر نفوذًا بينها حسب خطة برنارد لويس منذ العام 1979، والتي صادق عليها الكونغرس في جلسة سريّة العام 1983، والتي تعتبر اليوم برسم التنفيذ. وإذا كانت ثمة عناصر قوّة تمتلكها البلاد العربية ولكنها لم تستغلها، فذلك يحتاج إلى بيئة عربية ودولية لكي تستطيع أن تقوم بتفعيلها داخل كل بلد عربي وعلى النطاق القومي، سواء عبر تحالفات داخلية أو تعاون عربي أو عبر توافقات دولية جديدة بالانفتاح على الصين وروسيا، ولست من باب التمني أقول ذلك، لكن إذا أدركت القوى الحاكمة أن طريق ترامب يمر عبر بلدانها، فحينئذٍ يمكن أن تفكّر بمصلحتها باتباع سياسة أكثر انسجامًا مع مصالح شعوبها خارج دوائر الصراعات الضيقة والاصطفافات الموهومة، بل عبر تصوّر عربي وربما إقليمي فيما إذا شعرت دول الإقليم أن مصلحتها هي الأخرى تقتضي الوقوف عند ذات المواقع بعيدًا عن التدخّل بالشؤون الداخلية ومحاولات فرض التسيّد والهيمنة على الآخر، وأن ذلك يستجيب لمصالح شعوبها أيضًا، عند ذلك سيكون بداية جديدة، في محاولة وقف التمدد الأوليغارشي على المنطقة، وهو الذي سيقابله محاولات أخرى على صعيد العالم.

الذكرى الثمانين للانتصار على النازية – حاكم محسن محمد الربيعي
الذكرى الثمانين للانتصار على النازية – حاكم محسن محمد الربيعي

الزمان

time١١-٠٥-٢٠٢٥

  • الزمان

الذكرى الثمانين للانتصار على النازية – حاكم محسن محمد الربيعي

التاسع من ما يس هو يوم النصر وهو عطلة تُخلّد ذكرى انتصار الاتحاد السوفيتي على ألمانيا النازية عام1945, حيث أُعلن عنه لأول مرة في جمهوريات الاتحاد السوفيتي الخمس عشرة عقب توقيع وثيقة الاستسلام الألمانية في وقت متأخر من مساء يوم 8 مايو 1945, ولذلك اعتبر يوم التاسع من مايو هو يوم الحدث التاريخي لهزيمة المانيا النازية على يد الجيش الاحمر السوفيتي , وهو اليوم الذي قبلت فيه قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية الاستسلام غير المشروط لقوات الجيش النازي ونهاية الرايخ الثالث لأدولف هتلر, وفي هذا التاريخ يحتفل العالم اليوم الجمعة التاسع من ايار حيث الذكرى الثمانين لاكبر نصر في العالم, هو انتصار الجيش الاحمر السوفيتي حيث أقيم احتفال كبير يوم الجمعة التاسع من مايو 2025 بحضور اكثر من ثلاثين رئيس دولة ورؤساء حكومات عديدة, وجرى عرض عسكري للجيش الروسي عبر عن كفاءة وقدرة عسكرية ونظامية في العرض الذي ادهش المشاهدين ممن حضروا او شاهدوا العرض عبر القنوات الفضائية , وقد قدم الاتحاد السوفيتي تضحيات ربما جاوزت العشرين مليون انسان , ومن المؤسف ان الأوروبيين ومنهم دول ساهم الجيش الاحمر بتحريرها من هذا الغزو الهمجي , الا انهم يحاولون تغيير الحقائق والتجاوز على تاريخ قائم لا يمكن نسيانه او تجاوزه أو نكرانه , وهناك حقائق تاريخية ان اوروبا خلال عدة ايام استسلمت للجيش النازي في حين لقن الجيش الاحمر النازيين درسا قائما لن ينسى ,الا ان الحكومات الاوروبية تحاول ان لا تعترف بهذا النصر ,كما تحاول ان تجير هذا النصر لدول اخرى لم تكن معروفة في حينه بذلك المستوى كالولايات المتحدة الامريكية . محارب روسي ولكنهم كانوا ايضا يكيلون الاتهامات للحكومة السوفيتية وللشعب السوفيتي , كيف لهذا الشعب الذي يعاني من الحكم الاستبدادي الاستاليني ,يتوحد ويهزم الجيش الالماني , ويقول محارب روسي قديم انه مندهش من الدولة النمساوية بانضمامها الى مجموعة الدول الاوربية التي تفرض عقوبات على روسيا اليوم وريثة الاتحاد السوفيتي. هذا الجيش الذي ساهم بتحريرها من الغزو الهمجي النازي حيث تم خلال شهري يوليو وأغسطس، جلب السوفييت أربعة أفواج من قوات المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية ل«تطهير» فيينا وإغلاق الحدود التشيكوسلوفاكية, وقد خسر الجيش الأحمر 17 ألف جنديًا في معركة فيينا.,ليس ذلك فحسب بل هناك دعم ورعاية لورثة النازية الجدد , ودعم اوروبي بلا حدود لاوكرانيا بدلا من المساهمة في التهدئة ومحاولة الحل الدبلوماسي , هكذا هي الدول الغربية , لاتحسن الوفاء ولا العلاقات الا بمحاولة استغلال الاخر وامتصاص ثرواته ولا يهمها الا مصالحها مهما بلغت الخسائر البشرية ومما فعلته وتفعله الدول الاوروبية مجتمعة بالشعوب الافريقية . حيث النهب المبرمج لثروات هذه الشعوب والعمل على افقارها والضغط على تهجيرها لتعمل في مصانعها ومناجمها حتى باجر القوت اليومي , وكانت فرنسا وبلجيكا وبريطانيا من الدول الاكثر يشاعة مع الدول الافريقية , واخيرا هنيئا لروسيا شعبا وحكومة بالذكرى الثمانين بانتصارها على النازية ,ونحو السلام والامن العالميين للبشرية جميعا .

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store