logo
فقه التعايش بين الشعوب

فقه التعايش بين الشعوب

الاتحادمنذ 7 ساعات
فقه التعايش بين الشعوب
في عصر تتعدد فيه الأديان والمذاهب والتوجهات الفكرية، يحل فقه التعايش بين الشعوب أهمية قصوى لضمان الاستقرار والنمو الاجتماعي، ودوره يسهم بشكل كبير في ازدهار الحضارات. إنَّ التنوع والاختلاف بين الشعوب هو من سنن الله الجارية في خلقه وتبرز الحاجة الملحّة إلى فقهٍ يُعيد تنظيم العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان على أسس العدل والكرامة والاحترام المتبادل.
وهذا هو جوهر فقه التعايش والهدف الأصيل منه، والذي يُمثّل إحدى أرقى تجليات الشريعة الإسلامية في تعاملها مع واقع التنوع البشري.فقه التعايش لا يعني التنازل عن العقائد التي يعتقدها الفرد أو المجتمع، ولا الانسلاخ من الهوية، بل هو أسلوب تعامل يضبط العلاقة مع الآخر دينياً وثقافياً وحضارياً وفق مقاصد الشريعة وأحكامها بما يحقق السلام المجتمعي ويمنع الصدام، ويُسهم في بناء حضارةٍ إنسانية مشتركة.
فالله سبحانه خلق الناس مختلفين، ولم يجعلهم على ملّة واحدة، واختلافهم في الألسن والألوان والمعتقدات سنةٌ كونية لا تزول. قال تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. (سورة هود، الآية 118) التعايش هو الاستجابة الحضارية لهذا الاختلاف. وهو لا يقتصر على التعايش بين الأديان، بل يشمل الأعراق والثقافات والمذاهب والاتجاهات الفكرية.
وقد أسّس الإسلام لهذا الفهم منذ بواكيره، حين قرّر أن «لا إكراه في الدين»، وشرّع التعامل الإنساني مع غير المسلمين، وحثّ على البر والإحسان إليهم، ما داموا لا يعتدون. إن التعايش ليس مجرّد حالة سلبية من التحمّل والصبر، بل هو سلوكٌ فاعل يُنتج بيئةً من التعاون والتكافل والتشارك في الخير العام.
والإسلام حين دعا أتباعه إلى التعايش، لم يربط ذلك بضعف أو مصلحة وقتية، بل جعله من المبادئ الأصيلة التي تنبع من صميم مقاصده في حفظ النفس والعقل والدين والكرامة الإنسانية. ومن نتائج الصراع القائم اليوم في بعض البلدان، غياب الوعي بفقه التعايش، وانحراف الخطاب الديني أو السياسي نحو الإقصاء والاستعلاء، مما يُنتج بيئات مشحونة بالكراهية والعداء. بينما في المقابل، يُسهم ترسيخ فقه التعايش في بناء مجتمعات مستقرة، تحترم التعدد، وتستثمره في التنمية والتطور
. ومن الدعائم الأساسية لهذا الفقه: أولاً: الحرية الدينية والفكرية، حرية المعتقد هي حجر الزاوية في فقه التعايش. فالله سبحانه وتعالى أعطى الإنسان حرية الاختيار، وقال: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (سورة البقرة، الآية 256)، وهذه الآية أصلٌ في احترام القناعات الدينية والفكرية، طالما لم تتحول إلى أداةٍ للعدوان أو الإفساد. وقد حرصت الشريعة على أن يبقى باب الهداية مفتوحاً بالقناعة لا بالإكراه، وبالبيان لا بالإذلال.
ثانياً: المساواة مع الجميع، وهذه قيمة أخلاقية دينية أساسية لا تتأثر بدين الإنسان أو لونه أو جنسيته. وقد أمر الله بالمساوة حتى مع من يُخالفك في الدين، فقال: وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ (سورة المائدة، الآية 8) والمساواة في فقه التعايش يعني أن يُعامل الإنسان بما يستحقه من كرامة وحقوق، لا بما يُمليه الانتماء أو الهوى.
ثالثاً: احترام كرامة الإنسان: وهي أصلٌ من أصول الشريعة، وهي ليست حكراً على المسلم. قال الله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ (سورة الإسراء، الآية 70)، والآية عامة في كل إنسان، لا تُفرّق بين مؤمن وكافر. وهذه الكرامة تفرض على المجتمع أن يحمي حياة الناس ومعتقداتهم وأموالهم، وأن يمنع أي اعتداء أو امتهان لهم باسم الدين أو العرق.
رابعاً: التسامح الإنساني: لا يعني التسامح تذويب الهويات أو السكوت عن الباطل، بل هو تحمّل اختلاف الآخر، وتقبّل وجوده، والتعامل معه بأدب وخلق، دون أن يتحوّل الخلاف إلى سبب في العدوان. التسامح يُنتج مجتمعات متماسكة، تحترم بعضها، وتستطيع التعاون على الخير، دون أن تُذيب خصوصياتها الثقافية أو العقدية.
هذه المبادئ ليست تنظيرات مثالية، بل هي واقع ملموس عاشته شعوب كثيرة في ظل فقه التعايش الإسلامي، وفي مقدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة، بقيادة رشيدة أرست السلام في المنطقة، وأتاحت لأتباع الديانات المختلفة ممارسة شعائرهم والعيش بأمان وطمأنينة، اقتداءً بسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة. وفي هذا السياق، يُشيد المراقبون كثيراً بسياسات دولة الإمارات، التي تُجسّد نموذجاً حيوياً للتعايش بين المسلمين وغيرهم، في ظل احترام تام للخصوصيات، وتعاون على أساس المواطنة، لا الذوبان.
أما على مستوى بناء الحضارة، فإن التعايش يُعتبر شرطاً أساسياً في نشوء المدن وتطور العلوم وتبادل المعارف. فالحضارات لا تنمو في بيئات العزلة والانغلاق، بل حين تتفاعل مع غيرها، وتتبادل الأفكار والتجارب.
والتاريخ يُثبت أن الحضارة الإسلامية بلغت أوجها حين احتضنت العلماء من مختلف الخلفيات، وأنتجت مدارس فكرية طوّرت العلوم الشرعية والدنيوية معاً. إن التعايش، بهذا المعنى، ليس فقط قيمة أخلاقية، بل هو ضرورة وجودية، وأداة لبناء السلم المجتمعي، ومحرّك للتقدم الحضاري. فحيث يغيب التعايش، تحضر الكراهية، وتتفكك المجتمعات، وتتعطل عجلة البناء.
إن فقه التعايش هو دعوة واقعية إلى تأسيس مجتمعات مستقرة، قائمة على الاحترام، والتعدد، والعدل. وهو فقه المستقبل، لأن المستقبل لا يمكن أن يُبنى على الإقصاء، بل على الاعتراف، لا على الهيمنة، بل على الشراكة، لا على العنف، بل على السلام. ومن العبارات الخالدة للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه: «إن نهج الإسلام هو التعامل مع كل شخص كإنسان بغض النظر عن عقيدته أو عرقه».
* مستشار برلماني
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

خطر عودة الإسلاميين يلوح في أفق السودان بدعم من الجيش ومحور إيران – تركيا
خطر عودة الإسلاميين يلوح في أفق السودان بدعم من الجيش ومحور إيران – تركيا

صقر الجديان

timeمنذ ساعة واحدة

  • صقر الجديان

خطر عودة الإسلاميين يلوح في أفق السودان بدعم من الجيش ومحور إيران – تركيا

الخرطوم – صقر الجديان حذّرت وكالة رويترز في تقرير لها بتاريخ 25 مايو 2025، من تنامي نفوذ الحركة الإسلامية السودانية، التي كانت مرتبطة بنظام عمر البشير، وسط مؤشرات واضحة على محاولات متسارعة لإعادة ترتيب صفوفها بدعم من القوات المسلحة التابعة لسلطة بورتسودان. ووفقًا للتقرير، فإن الخطر لا يقتصر على الداخل السوداني فقط، بل يمتد ليهدد توازنات إقليمية، خصوصًا مع دول مثل الإمارات التي لطالما تبنّت نهجًا صارمًا تجاه التيارات الإسلامية المتطرفة. هارون يروّج لعودة الإسلاميين عبر صناديق الاقتراع أبرز التقرير تصريحات أحمد هارون، رئيس حزب المؤتمر الوطني المحلول والمطلوب دوليًا، والذي عبّر عن أمله في أن تتيح الانتخابات المقبلة طريقًا لعودة حزبه والحركة الإسلامية إلى الحكم، متوقعًا استمرار هيمنة الجيش على السلطة بعد انتهاء الحرب. ويرى مراقبون أن هارون، لا يتحدث من فراغ، بل يعكس واقع تحالف متنامٍ بين القوات المسلحة السودانية وفلول النظام السابق، ضمن خطة لإطالة أمد المرحلة الانتقالية، وتفصيلها بما يخدم أجندات الإسلاميين العسكرية والسياسية. تسليح الجيش عبر محور إيران–قطر–تركيا نقلت رويترز عن مصادر عسكرية أن شخصيات إسلامية نافذة استعادت علاقاتها القديمة مع طهران والدوحة وأنقرة، وبدأت بتقديم دعم عسكري مباشر للجيش، من خلال إمدادات سلاح وتسهيلات لوجستية. هذا التحالف يعكس تبدلًا استراتيجيًا خطيرًا، يُعيد إحياء محاور إقليمية طالما عُرفت بمواقفها العدائية تجاه الدول المعتدلة. التقرير أشار بوضوح إلى أن هذه التحركات تهدد التوازنات التي سعت الإمارات لتكريسها منذ الإطاحة بالبشير، وتفتح الباب أمام صراع إقليمي جديد تغذّيه تحالفات إسلامية–عسكرية منبوذة دوليًا. موقف الإمارات: دعم التحول المدني ومجابهة الإسلام السياسي أكد تقرير رويترز أن دولة الإمارات كانت أحد أبرز الداعمين للإطاحة بنظام البشير عام 2019، ضمن استراتيجيتها الإقليمية لمحاصرة نفوذ الإسلاميين في السودان والمنطقة. لكنها تواجه اليوم تحديًا جديدًا، مع توجه الجيش السوداني لبناء تحالفات مع أطراف إقليمية ترى في الإسلام السياسي وسيلة للتمدد والنفوذ. وحذّرت الوكالة من أن صعود الإسلاميين في السودان لا يُهدد فقط العملية السياسية الهشة، بل يزيد من احتمالات المواجهة مع قوى إقليمية، خاصة أبوظبي، التي لطالما شكّلت جدار صد أمام مشاريع الإخوان المسلمين وحلفائهم في المنطقة.

ردا على ما يجري في غزة.. "أنصار الله" تعلن مرحلة جديدة من التصعيد العسكري ضد إسرائيل
ردا على ما يجري في غزة.. "أنصار الله" تعلن مرحلة جديدة من التصعيد العسكري ضد إسرائيل

سبوتنيك بالعربية

timeمنذ 3 ساعات

  • سبوتنيك بالعربية

ردا على ما يجري في غزة.. "أنصار الله" تعلن مرحلة جديدة من التصعيد العسكري ضد إسرائيل

ردا على ما يجري في غزة.. "أنصار الله" تعلن مرحلة جديدة من التصعيد العسكري ضد إسرائيل ردا على ما يجري في غزة.. "أنصار الله" تعلن مرحلة جديدة من التصعيد العسكري ضد إسرائيل سبوتنيك عربي أعلنت جماعة "أنصار الله" اليمنية، مساء أمس الأحد، تصعيد هجماتها العسكرية ضد إسرائيل بالبدء في مرحلة جديدة من الهجمات البحرية، متوعدةً باستهداف السفن التابعة... 27.07.2025, سبوتنيك عربي 2025-07-27T22:34+0000 2025-07-27T22:34+0000 2025-07-27T22:34+0000 العالم العربي أنصار الله إسرائيل غزة القاهرة -سبوتنيك. وقال المتحدث باسم قوات "أنصار الله" العميد يحيى سريع، في بيان عسكري بثه تلفزيون "المسيرة" التابعة للجماعة، "قررت القوات المسلحة اليمنية تصعيد عملياتها العسكرية الإسنادية والبدء في تنفيذ المرحلة الرابعة من الحصار البحري على العدو".ودعا العميد سريع، الشركات إلى "وقف تعاملها مع موانئ العدو الإسرائيلي ابتداء من ساعة إعلان هذا البيان"، محذراً من "أن الشركات التي تتعامل مع العدو ستتعرض سفنها للاستهداف بغض النظر عن وجهتها في أي مكان يمكن الوصول إليه".كما دعا المتحدث العسكري، كافة الدول إلى "الضغط على العدو لوقف عدوانه ورفع الحصار عن قطاع غزة إذا أرادت تجنب هذا التصعيد".واعتبر أن "ما تقوم به القوات المسلحة اليمنية يعبر عن الالتزام الأخلاقي والإنساني تجاه مظلومية الشعب الفلسطيني الشقيق".وأكد المتحدث باسم قوات "أنصار الله"، أن "كافة العمليات العسكرية للقوات المسلحة سوف تتوقف فور وقف العدوان على غزة ورفع الحصار عنها".ويأتي إعلان "أنصار الله" بالتصعيد العسكري الجديد، غداة تهديدها بإجراءات عسكرية تصعيدية ضد إسرائيل، من بينها "إغلاق باب المندب تدريجياً أو نهائياً في حال استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة".وجاء تهديد "أنصار الله" بإغلاق الممر المائي الحيوي باب المندب الذي يصل البحر الأحمر بخليج عدن والبحر العربي، بعد أيام من كشف زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، يوم الخميس الماضي، عن إطلاق قواته 1679 صاروخاً وطائرة مُسيرة وزورقاً حربياً، على إسرائيل والسفن المرتبطة بها وبأميركا وبريطانيا، منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، رداً على عمليات الجيش الإسرائيلي ضد الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة.ويوم الثلاثاء الماضي، شنت إسرائيل، 8 غارات جوية على ميناء الحديدة الذي تديره "أنصار الله" غربي اليمن، استهدفت صهريج وقود ولنشاً لقطر السفن ومعدات ثقيلة كانت تستخدم لإصلاح أضرار قصف جوي إسرائيلي سابق، ما أدى إلى اندلاع حريق هائل وإلحاق أضرار مادية واسعة، حسب ما أفاد حينها، مصدر في السلطة المحلية بمحافظة الحديدة لـ "ريا نوفوستي".وفي 9 يوليو/ تموز الجاري، أعلنت جماعة "أنصار الله" استهداف السفينة التجارية "إترنيتي سي" في البحر الأحمر أثناء اتجاهها إلى ميناء إيلات في إسرائيل، ما أدى إلى إغراقها، وذلك بعد يومين من تبنيها مهاجمة السفينة التجارية (ماجيك سيز)، مبررةً الهجوم بأن السفينة تابعة لشركة انتهكت قرار الجماعة حظر دخول السفن إلى موانئ إسرائيل، إسناداً للفصائل الفلسطينية في قطاع غزة ضد الجيش الإسرائيلي.وتشنُّ جماعة "أنصار الله" هجمات على إسرائيل والسفن المرتبطة بها وبالولايات المتحدة وبريطانيا في البحر الأحمر، منذ نوفمبر 2023؛ رداً على الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة.ومنذ استئناف تل أبيب عملياتها العسكرية في قطاع غزة في 18 مارس/ آذار الماضي، كثفت جماعة "أنصار الله" في اليمن هجماتها على إسرائيل والسفن المرتبطة بها وبالولايات المتحدة وبريطانيا، مما دفع القوات الأمريكية إلى تنفيذ مئات الغارات الجوية على مواقع الجماعة في اليمن، قبل أن تتوصل الجماعة وواشنطن في السادس من مايو/ آيار الماضي، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بينهما، لكن "أنصار الله" أكدت أن الاتفاق لا يشمل العمليات ضد إسرائيل.وتسيطر جماعة "أنصار الله" منذ سبتمبر 2014، على غالبية المحافظات وسط وشمال اليمن، بينها العاصمة صنعاء، فيما أطلق تحالف عربي بقيادة السعودية، في 26 مارس 2015، عمليات عسكرية دعماً للجيش اليمني لاستعادة تلك المناطق من قبضة الجماعة. إسرائيل غزة سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 2025 سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 الأخبار ar_EG سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 1920 1080 true 1920 1440 true 1920 1920 true سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 سبوتنيك عربي العالم العربي, أنصار الله, إسرائيل, غزة

مساعدات الإمارات إلى غزة تضامن إنساني والتزام أخلاقي
مساعدات الإمارات إلى غزة تضامن إنساني والتزام أخلاقي

الاتحاد

timeمنذ 4 ساعات

  • الاتحاد

مساعدات الإمارات إلى غزة تضامن إنساني والتزام أخلاقي

شعبان بلال، عبدالله أبو ضيف، أحمد عاطف (القاهرة) تواصل دولة الإمارات جهودها الإنسانية والإغاثية لدعم أهالي قطاع غزة، والتخفيف من تداعيات الأزمة الإنسانية، حيث تعمل على مدار الساعة لوقف الحرب، وحماية المدنيين، والسعي نحو إيجاد حل سلمي شامل. وتتمثل مساهمات الإمارات الداعمة لغزة في مبادرات عدة، أبرزها عملية «الفارس الشهم 3» التي أُطلقت بتوجيهات من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، حيث تشارك مختلف الهيئات والمؤسسات الإماراتية ضمن تحرك موحد لدعم الجهود الإنسانية في القطاع، في تجسيد حي للرسالة الإنسانية التي تحملها الدولة. وتتضمن المبادرة تقديم الرعاية الطبية للجرحى والمرضى عبر المستشفى الميداني الذي تم إنشاؤه، إلى جانب علاج مئات المصابين في المستشفيات الإماراتية، فيما لا تزال قوافل المساعدات تواصل طريقها ضمن عملية «الفارس الشهم 3»، والتي شملت إرسال آلاف الشحنات الإغاثية، ودعم تكيات الطعام، وصيانة آبار المياه لضمان توفير المياه الصالحة للاستعمال في ظل الظروف القاسية، إلى جانب تنفيذ أضخم مشروع لتوريد المياه المحلاة من مصر إلى جنوب القطاع، وبناء مستشفيات ميدانية، وخيام لإيواء النازحين. وبحسب بيانات رسمية، فإن الإنفاق الإماراتي في جهود الإغاثة داخل غزة، في أقل من عامين، بلغ نحو 2.5 مليار درهم، موجهة لمشاريع طبية، ومياه، ودعم غذائي، وبنية تحتية إغاثية متكاملة. دور بارز أوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة فلسطين، الدكتور تيسير أبو جمعة، أن المساعدات الإنسانية التي قدمتها الإمارات، على مدار الأشهر الماضية، لغزة شكلت جزءاً رئيسياً ومحورياً من الدعم الإقليمي والدولي. وقال أبو جمعة، في تصريح لـ«الاتحاد»: إن الدعم الإماراتي الدائم يأتي في لحظات فارقة يعيش فيها سكان غزة أوضاعاً مأساوية، حيث تنهار المنظومة الصحية بشكل خطير، وتنعدم مقومات الحياة الأساسية، وسط نزوح جماعي ودمار واسع للبنية التحتية. دعم مستمر من جهته، شدد المتحدث باسم البعثة الأوروبية في فلسطين، شادي عثمان، على أن إقدام الإمارات على الإسقاط الجوي للمساعدات الإنسانية يُعد من أهم الخطوات للتخفيف من تداعيات الأزمة الإنسانية الطاحنة التي يعيشها قطاع غزة. وذكر عثمان، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن المساعدات الإماراتية تأتي في إطار التزام إنساني وأخلاقي مستمر بدعم الشعب الفلسطيني، والتخفيف من تداعيات الأزمة الإنسانية المتصاعدة في القطاع. وأفاد بأنه كان هناك اتفاق أوروبي إسرائيلي على إدخال كميات كبيرة من المساعدات وتحسين الوضع الإنساني بشكل جوهري في غزة، وقد نرى نتائج الاتفاق خلال الفترة المقبلة بشكل يضع حداً لحالة المجاعة في غزة. وأشار عثمان إلى أنه لا يمكن تحديد الكميات الكافية لإنهاء الأزمة الإنسانية في القطاع الذي يعانيها منذ فترة طويلة، مشدداً على ضرورة إدخال مزيد من المساعدات خلال الفترة المقبلة. حملات تنموية بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، الدكتور نبيل ميخائيل، أن الإمارات من أكثر الدول دعماً لأهالي غزة، وأهم ما يميز إسهاماتها التنظيم الدقيق والجيد لكل مجهود تنموي. وشدد ميخائيل، في تصريح لـ«الاتحاد»، على أن للإمارات دوراً محورياً في دعم القضية الفلسطينية، وهو ما يتمثل في عملية «الفارس الشهم 3» وما تضمنته من حملات تنموية ومساعدات كثيرة، من إقامة مستشفيات ميدانية ومتنقلة لعلاج الجرحى والمصابين من الشعب الفلسطيني، بخلاف استضافة المئات من الأطفال في المستشفيات الإماراتية لتوفير العلاج لهم. قدرات فائقة قال المهندس عائد أبو رمضان، رئيس غرفة تجارة وصناعة غزة، إن الإمارات نجحت في إدخال عشرات الأطنان من المساعدات الإنسانية خلال الآونة الأخيرة، خاصة المواد الغذائية الأساسية، مثل السكر والطحين وزيت الطهي وغيرها من السلع الضرورية. وأضاف أبو رمضان، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن هناك حاجة ماسة إلى خلايا شمسية وبطاريات لتوليد الطاقة وتوفيرها للمنازل والخيام والمستشفيات والمؤسسات العامة، مشيراً إلى أنه من الأولويات العاجلة أيضاً توفير قطع الغيار لمحطات تحلية المياه، إذ لا تتوفر في الوقت الحالي الفلاتر أو المرشحات اللازمة، فضلاً عن مواد التعقيم الأساسية التي تُستخدم لتطهير مياه الشرب، كما يمثل الماء والغذاء أولوية قصوى في ظل الكارثة الإنسانية التي يعيشها القطاع. وأوضح أنه يوجد احتياج واسع إلى الخيام، لأن ما كان متاحاً منها قد تضرر واهترأ نتيجة تكرار النزوح، لافتاً إلى أن غزة تحتاج لكل شيء، من أبسط المستلزمات إلى أعقدها. وأكد أبو رمضان أن المساعدات الإنسانية وحدها لا تكفي، ويجب السماح للقطاع الخاص باستيراد البضائع والسلع الأساسية؛ لأنه يمثل الرافعة الأساسية لتشغيل العمال وتحريك عجلة الاقتصاد، حتى ولو بشكل محدود في ظل الأوضاع الراهنة، موضحاً أنه بعد أكثر من 80 يوماً من الإغلاق الكامل، أصبح القطاع خالياً من جميع المستلزمات، من الطعام والدواء إلى مستلزمات النظافة الشخصية والملابس وغيرها. مواقف فعالة أشاد أمجد الشوا، مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، بالجهود الإماراتية المستمرة والمكثفة لإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، منذ بداية الأزمة في السابع من أكتوبر 2023، مشيراً إلى أنه على مدار هذه الفترة الطويلة أسهمت الجهود الإماراتية في إدخال آلاف الأطنان الغذائية والمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. وأوضح الشوا، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن العدوان الإسرائيلي دمّر، بشكل ممنهج، البنى التحتية والاقتصادية مما أجبر السكان على الاعتماد الكامل على المساعدات الإنسانية، ويأتي على رأسها المساعدات القادمة من الإمارات، والتي تسهم بشكل فعال في تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان. وأشار إلى أن كل شيء في غزة أصبح أولوية، لكن الأولوية القصوى الآن هي وقف إطلاق النار، وفتح المعابر، وتأمين الغذاء والماء والدواء ومستلزمات الإيواء لأكثر من مليوني فلسطيني محاصر، موضحاً أن هذا الأمر وحده سيساعد في دخول 130.000 طن من المساعدات التي تنتظر الدخول إلى قطاع غزة. وطالب الشوا المنظمات الأممية بالعمل على فتح المخابز في قطاع غزة، خاصة مع عدم وجود منظومة غذاء للأطفال منذ أشهر عدة، وصعوبة الحياة على السكان بشكل كبير، واعتمادهم على وسائل ومنافذ للطعام غير صحية، ولا تعتمد على أي معايير للسلامة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store