logo
المحتوى الواعي وشرقي آسيا: دروس من التكنولوجيا والتراث

المحتوى الواعي وشرقي آسيا: دروس من التكنولوجيا والتراث

الجزيرة١٨-٠٤-٢٠٢٥

في أواخر عام 2021، انفجر مسلسل "لعبة الحبار" الكوري الجنوبي على منصات التواصل الاجتماعي العالمية، جاذبًا أكثر من 111 مليون مشاهد خلال شهر، كما وثّقت تقارير "نتفليكس" الرسمية (2021).
لم يكن مجرد دراما ترفيهية، بل كان مزيجًا مُذهلًا جمع ألعاب الأطفال الكورية التقليدية بنقدٍ اجتماعي لاذع، مُقدَّمًا بتقنيات إنتاج متطورة حولته إلى ظاهرةٍ عالمية.
هذه اللحظة الرقمية كشفت كيف تتجاوز ثقافات شرقي آسيا حدودها المحلية، مُحققةً توازنًا بين التراث والحداثة، يفتقر إليه المحتوى العربي غالبًا.
بعد رحلةٍ عبر السلسلة، بدأت بتحول هوياتنا الرقمية، ومرت بقوة العواطف، ثم استكشفت الدين كجسرٍ للتضامن، نصل الآن إلى محطةٍ جديدة: كيف تُحيي ثقافاتٌ أخرى تراثها بأدوات العصر؟
ويبرز السؤال المركزي: كيف يمكن للمحتوى الواعي أن يُحرر الثقافة العربية من أنماطها السائدة ويُطوّرها عالميًّا، مُستلهمًا دروسًا من التكنولوجيا والتراث في شرقي آسيا؟ إنها خطوةٌ تُكمل مسار التفكير في القيم والإبداع، نحو آفاقٍ تتجاوز المحلية.
يُشير تقرير "مركز آسيا للإعلام" (2022) إلى أن 60% من المحتوى الآسيوي الناجح يعتمد على إعادة تقديم التراث بأساليب مبتكرة، بينما يظل المحتوى العربي، كما وثّق مركز الملك فيصل (2020)، محصورًا في أنماط تقليدية بنسبة 70%
المحتوى والعمق: ما الذي يُميز المحتوى الواعي في شرقي آسيا؟
يتسم المحتوى الواعي في شرقي آسيا بقدرته على إحداث التفاعل بين التراث والحداثة، كما في "لعبة الحبار" حيث استخدم ألعابًا تقليدية لنقد الرأسمالية، أو ألعاب الفيديو اليابانية مثل "Ghost of Tsushima"، التي تُعيد سرد تاريخ الساموراي بتقنيات حديثة. لكن، هل يمكن للمحتوى العربي أن يتبنى هذا النهج؟
إعلان
يُشير تقرير "مركز آسيا للإعلام" (2022) إلى أن 60% من المحتوى الآسيوي الناجح يعتمد على إعادة تقديم التراث بأساليب مبتكرة، بينما يظل المحتوى العربي، كما وثّق مركز الملك فيصل (2020)، محصورًا في أنماط تقليدية بنسبة 70%.
ويُبرز طه عبد الرحمن في "روح الحداثة" (2006) أهمية إعادة صياغة التراث ليُصبح عالميًّا، وهو ما بدأ يظهر في نماذج عربية ناجحة كمسلسل "الاختيار" المصري الذي حقق انتشارًا عربيًّا عبر منصات رقمية بفضل جودته العالية، وفيلم "الشيخ جاكسون" الذي مزج التراث الصوفي بالسينما المعاصرة، إلى جانب "منصة شاهد" التي تستثمر في محتوى عربي رقمي ينافس عالميًّا.
يحظى المحتوى الآسيوي بتفاعل عالمي هائل، كما في "K-Pop" التي جذبت 48 مليون معجب عبر "تويتر" في 2021، حسب "Twitter Korea"، أو الأنيمي الياباني الذي يُشاهده 100 مليون شخص سنويًّا، وفق (2023) "Japan External Trade Organization". لكن، لماذا ينجح هذا المحتوى بينما يظل المحتوى العربي محليًّا؟
يُعزى ذلك إلى قدرة شرقي آسيا على مخاطبة القيم الإنسانية العامة كالصداقة والمقاومة، وقد قال رابندرانات طاغور: "الحضارة الحقيقية لا تُقاس بالآلات، بل بقدرتها على ربط القلوب عبر الحدود"، مُشيرًا إلى أن التواصل الثقافي يعتمد على لغة الإنسانية المشتركة.
يُحلل جوزيف ناي في "Soft Power" (2004) أن الانتشار يعتمد على القيم المشتركة، ويؤكد عبدالجواد ياسين في "الدين والتدين" (2016) أن التركيز العربي على الهويات الضيقة يُقيّد التفاعل، بينما تُظهر "مبادرة الإعلام الرقمي العربي" (2023) أن التفاعل العربي ينحصر غالبًا في قضايا محلية كـ "إحياء ليلة القدر". لكن نماذج كـ "الاختيار" تُثبت إمكانات التفاعل الشامل عندما يُقدّم المحتوى بجودة تنافسية.
الأسلوب والتقديم: ما الذي يمكن أن نتعلمه من التكنولوجيا الآسيوية؟
يعتمد المحتوى الآسيوي على أساليب تقديم متقدمة، كالدراما الكورية في "Crash Landing on You" التي تستخدم تقنيات سينمائية حديثة، أو الأنيمي الياباني في "Demon Slayer" الذي استفاد من الرسوم ثلاثية الأبعاد، محققًا إيرادات تجاوزت 500 مليون دولار (Variety 2021)
في المقابل، يظل المحتوى العربي محصورًا في أساليب تقليدية كالمواعظ، كما وثّق "مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية" (2022).
وتُشير دراسة مركز اللغة العربية بأبوظبي (2022) إلى أن الذكاء الاصطناعي يُحلل المحتوى الآسيوي بنجاح بفضل بيانات غنية، بينما يعاني المحتوى العربي من نقص مماثل.
لكن "منصة شاهد" بدأت تستثمر في تقنيات حديثة، مُظهرةً كيف يمكن استلهام هذه الأساليب لتحديث التقديم العربي، كما في "الشيخ جاكسون"، الذي مزج الروحانية بالإبداع السينمائي.
نجحت دول شرقي آسيا في تصدير تراثها، كـ "الكيمونو" الياباني الذي أصبح رمزًا عالميًّا، و"الهانبوك" الكوري في الأزياء المعاصرة، كما وثّق "Asia Cultural Forum" (2020).
في هذا السياق، يقول د.ت. سوزوكي: "التراث ليس ماضيًا ميتًا، بل بذرة حية تنمو إذا أُعطيت أدوات العصر"، مُشيرًا إلى أن التكنولوجيا تُحيي الجذور لتصل إلى العالم… لكن المحتوى العربي يظل محدودًا، كما يُظهر تقرير "معهد الدوحة" (2021).
يمكن للتراث العربي، كحكايات "جحا" الساخرة، و"علاء الدين" الخيالية، و"كليلة ودمنة" الحكيمة، أن يُحقق تأثيرًا مشابهًا إذا أُعيد تقديمه بتكنولوجيا حديثة.
على سبيل المثال، يمكن تحويل "كليلة ودمنة" إلى مسلسل كرتوني تفاعلي باستخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل النصوص وتقديمها بلغة معاصرة تُناسب الأطفال، أو تصميم ألعاب إلكترونية مستوحاة من "علاء الدين" بتقنيات الواقع الافتراضي لإعادة إحياء مغامراته في عوالم ثلاثية الأبعاد. النماذج الآسيوية تُثبت ذلك، والعربي بحاجة لخطوة مماثلة.
دراسة حالة: "لعبة الحبار".. كيف نجحت كوريا في تصدير ثقافتها؟
تُعد "لعبة الحبار" نموذجًا لنجاح شرقي آسيا في دمج التراث بالتكنولوجيا. أُنتج المسلسل بتقنيات متطورة كالتصوير عالي الجودة والمؤثرات البصرية، مستندًا إلى ألعاب طفولة كورية مثل "الضوء الأحمر، الضوء الأخضر"، ليُقدّم نقدًا للرأسمالية عبر قصة بقاء مُثيرة.
وثّق تقرير "Korea Creative Content Agency" (2022) أن المسلسل حقق 900 مليون دولار كتأثير اقتصادي، بفضل توزيعه عبر "نتفليكس"، وتفاعلًا عالميًّا تجاوز 111 مليون مشاهد في 27 يومًا.
النجاح جاء من ربط التراث بالقيم الإنسانية، وهو ما يُمكن تطبيقه على التراث العربي بتحويل "جحا" إلى "بودكاست" عبر الذكاء الاصطناعي، أو "عنترة" إلى "أنيميشن".
النموذج الـ"شرق آسيوي" ليس مثالًا يُقلّد، بل هو دليلٌ على أن الثقافة تزدهر بدمج الابتكار بالهوية.. لكن الرحلة لم تنتهِ، فتراثنا الشعري ينتظر أن يُحلق كأصداءٍ عبر الأثير، في مغامرةٍ تُضيء آفاق الإبداع الرقمي
تكمن الرؤية في تطوير محتوى عربي واعٍ يُدمج التراث كـ "جحا" و"كليلة ودمنة" مع التكنولوجيا الحديثة، مُستلهمًا من شرقي آسيا، ليُحرر الثقافة العربية من أنماطها المحلية نحو عالمية.
يمكن إنشاء حاضنات إبداعية عبر شراكات بين الحكومات العربية و"نتفليكس" أو "أمازون برايم" لإنتاج أعمال عالية الجودة، مع تمويل لمشاريع تدمج التراث بالتكنولوجيا، وتطوير مناهج تعليمية في الجامعات العربية عن صناعة المحتوى بالتعاون مع خبراء من كوريا أو اليابان.
على سبيل المثال، يمكن تحويل "كليلة ودمنة" إلى مسلسل كرتوني تفاعلي يُعرض على "نتفليكس"، حيث يُحلل الذكاء الاصطناعي الحكايات لتقديمها بلغة معاصرة مع رسوم ثلاثية الأبعاد، تُركز على مغامرات الحيوانات ودروسها الأخلاقية للأطفال.
توظيف الواقع الافتراضي لإعادة بناء "البتراء" أو "قصر الحمراء" كتجارب سياحية تفاعلية، أو استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل نصوص التراث وتحويل "جحا" إلى بودكاست، أو تنظيم هاكاثونات لتصميم ألعاب تراثية، كلها تُعزز الابتكار.
استخدام "Google Trends" لفهم اهتمامات الشباب وإنتاج مسلسل عن "عنترة" بتقنيات أنيميشن، أو تحويل مقامات الهمذاني إلى حلقات قصيرة لـ "تيك توك"، هذا يُمهد للعالمية.
الانتقال من "الهوية الضيقة" إلى "العالمية" يتطلب جرأة في كسر النمطية، كتحويل مسجد قرطبة إلى خلفية لعبة فيديو عالمية، أو إنتاج فيلم خيال علمي مستوحى من "الحيوان" للجاحظ.
النموذج الـ"شرق آسيوي" ليس مثالًا يُقلّد، بل هو دليلٌ على أن الثقافة تزدهر بدمج الابتكار بالهوية.. لكن الرحلة لم تنتهِ، فتراثنا الشعري ينتظر أن يُحلق كأصداءٍ عبر الأثير، في مغامرةٍ تُضيء آفاق الإبداع الرقمي.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

فالنسيا يهدد بمقاضاة نتفليكس بسبب فينيسيوس
فالنسيا يهدد بمقاضاة نتفليكس بسبب فينيسيوس

الجزيرة

timeمنذ 3 أيام

  • الجزيرة

فالنسيا يهدد بمقاضاة نتفليكس بسبب فينيسيوس

هدد نادي فالنسيا باتخاذ إجراءات قانونية ضد منصة نتفليكس بسبب ما قال إنها أكاذيب تضمنها وثائقي يروي قصة نجم ريال مدريد فينيسيوس جونيور. تم إطلاق العرض في جميع أنحاء العالم الأسبوع الماضي، ويروي قصة صعود الجناح البرازيلي من الأحياء الفقيرة إلى النجومية، مع التركيز بشكل أكبر على أدائه في المواسم الأخيرة. كما يسلط الوثائقي الضوء على علاقة فينيسيوس مع العنصرية التي تعرض لها في ملاعب كرة القدم، مستشهدا بما تعرض له النجم البرازيلي من إساءة عنصرية في ملعب "المستايا" خلال مباراة فالنسيا وريال مدريد في مايو/أيار العام الماضي. فالنسيا يهدد بمقاضاة نتفليكس وفي حين تم التحقيق في هذه الحادثة وأدى إلى الحكم على المشجعين بالسجن، طلب فالنسيا "تصحيحًا فوريًا" للطريقة التي يصور بها الفيلم الوثائقي الحادثة. إذ عرض الوثائقي لقطات لجماهير فالنسيا لإظهار الإساءة التي تلقاها فينيسيوس، مصحوبة بترجمة تشير إلى أن مشجعي فالنسيا كانوا يهتفون بكلمة "مونو" -أي "قرد" حسب ترجمة نتفليكس- في وجه اللاعب. لكن النادي نفى ذلك، مؤكدا أن الغالبية العظمى من المشجعين كانوا يطلقون على المهاجم لقب "تونتو"، الذي يعني "الغبي". وفي بيان رسمي نشره عبر حسابه على منصة إكس، قال نادي فالنسيا "في ظل الظلم والأكاذيب التي ارتُكبت في حق جماهيرنا، طالب النادي كتابيا بتصحيح فوري من الشركة المنتجة للفيلم الوثائقي؛ ما تم عرضه لا يعكس الواقع، ويُعد إساءة مباشرة للنادي وجماهيره". وأضاف البيان "نطالب باحترام جماهيرنا، ونؤكد أن الوثائقي ابتعد عن المهنية والموضوعية، فالنسيا يحتفظ بحقه الكامل في اتخاذ الإجراءات القانونية، ومن ذلك اللجوء إلى القضاء ضد الشركة المنتجة".

كيف تراهن هوليود على الذكاء الاصطناعي لتقليل تكاليف الإنتاج؟
كيف تراهن هوليود على الذكاء الاصطناعي لتقليل تكاليف الإنتاج؟

الجزيرة

time١٠-٠٥-٢٠٢٥

  • الجزيرة

كيف تراهن هوليود على الذكاء الاصطناعي لتقليل تكاليف الإنتاج؟

بعد إضرابات الكتّاب والممثلين في عام 2023، أُقرت زيادات في الأجور وحصل العاملون في صناعة السينما على بعض الامتيازات، مما أسهم في استئناف الإنتاج بشكل تدريجي. لكن قطاع السينما عاد وانكمش من جديد، إذ تراجع الإنتاج بنسبة 37% في النصف الأول من عام 2024 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022، وانخفض التوظيف في مجال السينما والتلفزيون بنسبة 25% عن ذروته في عام 2022، مما أثار العديد من التساؤلات حول جدوى المكاسب التي تحققت بفعل الإضراب. يعود هذا التراجع بشكل رئيسي إلى تقليص الميزانيات، واعتماد الذكاء الاصطناعي، وتغير إستراتيجيات الإنتاج، وهي عوامل دفعت هوليود إلى تبني نهج أكثر تحفظا في اختياراتها الإنتاجية. في هذا السياق، بات البحث عن وسائل فعّالة لخفض التكاليف دون الإضرار بجودة المحتوى أمرا ضروريا، لا سيما وأن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة لتقليل النفقات، بل تحول إلى وسيلة تعزز كفاءة وسرعة الإنتاج، خصوصًا في مجالات مثل المؤثرات البصرية وأفلام الرسوم المتحركة. في هذا السياق صرح تيد سارندوس، الرئيس التنفيذي لشركة نتفليكس، أن الذكاء الاصطناعي يساعد في خفض التكاليف، وتحسين جودة الإنتاج بنسبة لا تقل عن 10% من خلال تجهيز تصور مسبق للمشاهد. بينما يرى جيفري كاتزنبرغ الشريك المؤسس لشركة دريم ووركس، أن أفلام الرسوم المتحركة التي كانت تتطلب 500 فنان على مدى 5 سنوات، يمكن إنجازها بواسطة الذكاء الاصطناعي خلال الثلاث سنوات المقبلة، بجهد بشري وتكلفة أقل بنسبة 90%. إعلان أما توني فينسيكيرا الرئيس التنفيذي لشركة سوني بيكتشرز، فقد أكد أن الشركة تعيد هيكلة إستراتيجيات الإنتاج الخاصة بها، اعتمادا على الذكاء الاصطناعي، لتقليل تكلفة العمليات المعقدة. في السياق ذاته، يعكس تصريح المخرج جيمس كاميرون، المعروف بأفلامه ذات الميزانيات الضخمة، التوجه المتنامي نحو اعتبار الذكاء الاصطناعي حلا لا تهديدًا. فبعد أن كان من أبرز منتقدي استخدام الذكاء الاصطناعي في كتابة السيناريوهات، أصبح اليوم يدعو إلى توظيفه في مجال المؤثرات البصرية لتقليل التكاليف دون المساس بجودة العمل. ومن اللافت أن كاميرون انضم في عام 2024 إلى مجلس إدارة شركة "ستابيليتي إيه آي"، حيث عبّر عن رغبته في فهم الذكاء الاصطناعي من الداخل بهدف دمجه في صناعة المؤثرات، ليس بديلا عن الإبداع البشري، بل كأداة مساندة له. وفي السياق نفسه، يُتوقّع أن يسهم الذكاء الاصطناعي في تسريع التحول الرقمي داخل صناعة الترفيه، من خلال توسيع آفاق الإبداع الفني وتقليص الاعتماد على العديد من الوظائف التقليدية. كما يُنظر إليه كأداة قوية تعيد تشكيل صناعة الرسوم المتحركة، إذ يتيح إنتاج محتوى عالي الجودة بتكاليف أقل، ويُسهم في تسريع وتيرة الابتكار والإبداع في هذا القطاع. الذكاء الاصطناعي في خدمة تقليل تكاليف إنتاج الأفلام عند النظر تفصيلا إلى ما يمكن أن تسهم به أدوات الذكاء الاصطناعي في تطوير صناعة السينما، نجد أن استخداماته تتنوع في المراحل المختلفة لصناعة العمل الفني، في مرحلة ما قبل التصوير، يسهم في محاكاة المشاهد بنماذج ثلاثية الأبعاد، حيث يمكن للمخرجين والفنيين ضبط زوايا الكاميرا والإضاءة، وحركة الشخصيات، مما يقلل بصورة كبيرة أوقات التحضير ما قبل التصوير، ويجنب فريق العمل تكلفة إعادة تصوير المشاهد. أما في مرحلة الإنتاج، فيستخدم الذكاء الاصطناعي، لصناعة الخلفيات الرقمية والمؤثرات البصرية، ما يختصر الكثير من الوقت والجهد والتكلفة التي كانت تتطلبها الفرق الضخمة من المصممين والفنانين سابقا. برزت هذه التقنية بشكل واضح في فيلم الرجل الأيرلندي، حيث استخدمت خوارزميات متقدمة لتجسيد الشخصيات في مراحل عمرية مختلفة، دون الحاجة إلى إعادة تصوير المشاهد بممثلين مختلفين أو استخدام مكياج معقد، مما ساعد في توفير مبالغ كبيرة من ميزانية الفيلم. أما في مرحلة ما بعد الإنتاج، فقد أصبح الذكاء الاصطناعي أداة فعالة في تعديل الألوان وتحسين جودة الصوت، وتصحيح الأخطاء التقنية، وتسريع عملية المونتاج، عبر التحليل التلقائي للمشاهد الأكثر تأثيرا والمشاهد غير الضرورية، مما يؤدي إلى تقليص الجهد البشري وبالتالي خفض التكاليف. الذكاء الاصطناعي يسهم في خطط الدعاية والتوزيع يمتد دور الذكاء الاصطناعي إلى مرحلة ما بعد صناعة العمل الفني، حيث تلعب خوارزميات الذكاء الاصطناعي دورا متزايدا في توزيع العمل، حيث يمكنها التنبؤ بأفضل أسواق المشاهدة، والجمهور المستهدف، بالإضافة إلى جدولة مواعيد الإطلاق الرقمي، مما يقلل نفقات الإعلانات التقليدية وطرق التوزيع المعتادة. كذلك فإن الذكاء الاصطناعي سهل العمل من بُعد، بين الفرق الإبداعية، سواء في تبادل الملفات، أو تعديل العمل في الوقت الفعلي، أو إدارة ومتابعة العمل. أسهمت كل تلك العوامل في جعل الذكاء الاصطناعي خيارا إستراتيجيا، لتقليل تكاليف الإنتاج السينمائي، مع تحسين جودة الأعمال الفنية المقدمة، وقد أسهم بالفعل في تقليص ميزانيات الأفلام بنسبة تصل إلى 25%، بفضل استخدامه في مراحل الصناعة المختلفة، مما يؤكد أن هذه التكنولوجيا لم تعد رفاهية، بل ضرورة تنافسية في مشهد سينمائي متغير.

رسوم ترامب على الأفلام "غير الأميركية".. هل تكتب نهاية هوليود؟
رسوم ترامب على الأفلام "غير الأميركية".. هل تكتب نهاية هوليود؟

الجزيرة

time٠٧-٠٥-٢٠٢٥

  • الجزيرة

رسوم ترامب على الأفلام "غير الأميركية".. هل تكتب نهاية هوليود؟

لم تكد جراح هوليود تلتئم جراء جائحة كورونا، وإضراب الكتاب والممثلين، اللذين تسببا في انخفاض الإنتاج الإجمالي لعاصمة السينما بنسبة كبيرة، حتى أصابتها صاعقة جديدة جراء تصريح غامض للرئيس الأميركي دونالد ترامب، اعتبر خلاله أن شركات الإنتاج السينمائي تشبه مصانع السيارات، لذلك عليها أن تعمل داخل الولايات المتحدة، رغم أنها توفر بالفعل أكثر من مليوني فرصة عمل وتبلغ إيراداتها من دول العالم أكثر من 12 مليار دولار. وترجم ترامب خطته بفرض تعريفات جمركية بنسبة 100% على الأفلام التي يتم إنتاجها خارج الولايات المتحدة، وتحولت الخطة التي نشرها في تغريدة له على منصته الخاصة "تروث سوشيال ميديا" إلى زلزال اهتزت له أركان صناعة السينما في العالم، وتسببت في ردود فعل واسعة من قادة الصناعة والشخصيات السياسية وأصحاب المصلحة في مختلف الدول. وقال ترامب إن خطته تشمل فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على جميع الأفلام المنتجة في الخارج، مبررا ذلك بمخاوف تتعلق بالأمن القومي وتراجع صناعة السينما الأميركية، مشيرا إلى أن الحكومات تقدم حوافز ضريبية تجذب صانعي الأفلام الأميركيين إلى الخارج، مما يقلل من نسبة الإنتاج المحلي، وأضاف ترامب:" أُصرّح لوزارة التجارة والممثل التجاري للولايات المتحدة بالبدء فورا في عملية فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على جميع الأفلام الواردة إلى بلدنا والمُنتَجة في بلدان أجنبية. نريد أفلاما أميركية الصنع، مجددا!". كلمة السر "الصين" فور نشر التصريح، شهدت أستوديوهات كبرى مثل نتفليكس وديزني ووارنر برذرز ديسكفري وباراماونت انخفاضا في أسهمها بأكثر من 2%.وأعرب محللون اقتصاديون عن قلقهم إزاء الأثر المالي المحتمل والتعقيدات الكبيرة التي تقف في طريق تطبيق هذه الرسوم، وخاصة فيما يتعلق بمحتوى البث والإنتاج المشترك، وفقا لجريدة "نيويورك بوست"، وكانت الصين التي تعد ثاني أكبر سوق للأفلام الأميركية بعد الداخل الأميركي قد قررت الحد من واردات أفلام هوليود في إطار حربها التجارية مع الولايات المتحدة. ورغم ذلك فإن إيرادات شباك التذاكر الهوليودي من الولايات المتحدة وكندا بلغت 8.8 مليارات دولار عام 2024، في حين وصلت الإيرادات الدولية في العام نفسه إلى نحو 21.1 مليار دولار، مما يعني أن الإيرادات العالمية تحقق أرباحا من الخارج. ويتوقع أن يسبب القرار الجديد حالة من الفوضى في عمليات الإنتاج الدرامي، خاصة في ظل التفاصيل المعقدة التي تحيط بعمليات الإنتاج في العالم نتيجة التطور التكنولوجي، فالتعريفات التقليدية تبدو غير قابلة للتطبيق، لأن الفيلم لم يعد سلعة مادية ينبغي أن تمر عبر منافذ للدولة الأميركية ومن ثم تقيد وتستخرج لها شهادات المنشأ وتقيم ويتم فرض الرسوم عليها، وإنما هي مزيج عنكبوتي من استثمارات هائلة، وعمالة دولية، وإيرادات متعددة الجنسيات، ومصروفات متضمنة لعمليات ومعالجات صغيرة، تُدار بتكاليف بسيطة. جاء تصريح الرئيس الأميركي حول فرض التعريفات السينمائية الجديدة ليسقط كالصاعقة على صناع السينما والعاملين في مجال الإنتاج في 4 دول رئيسية وهي إنجلترا وكندا وهولندا وأيرلندا. مع تزايد توجه صناعة السينما الأميركية نحو الدول الأجنبية كمواقع تصوير، قد يكون لهذا الاقتراح الجديد عواقب وخيمة. تُعد أيرلندا إحدى الدول التي استفادت من هذه الحوافز الضريبية الدولية، إلى جانب دول أخرى مثل المملكة المتحدة وكندا وهولندا. وتصور شركات أميركية مثل ديزني ونتفليكس ويونيفرسال أفلامها في هذه الدول الأربعة منذ سنوات، لكن تعريفات ترامب قد تعني انخفاضا كبيرا في إيرادات فرق الإنتاج والعاملين في مجال السينما في هذه المناطق، بمن فيهم آلاف العاملين المستقلين في المملكة المتحدة. امتزج الغضب بالخوف في المملكة المتحدة التي تربطها بهوليود روابط عضوية لا تقف عن حد تبادل الطاقة البشرية من المبدعين والفنيين، ولكنها تتجاوز ذلك إلى التصوير والتجهيز في مرحلة ما بعد التصوير، وانتفضت نقابة العاملين في الصناعات الإبداعية. وحذّرت فيليبا تشايلدز، رئيسة النقابة عبر موقع "غالوي بيو"، من أن رسوم ترامب الجمركية قد تُشكّل "ضربة قاضية" لصناعة السينما البريطانية، التي لا تزال تتعافى من التأخيرات الناجمة عن جائحة كورونا." أما المخرج الأميركي المولود في برمنغهام بإنجلترا فقد نشر تغريدة غاضبة على موقع (إكس)، قال فيها: "كيف تُفرض تعريفة جمركية على فيلم؟ تُضاعف سعر التذكرة؟ بدلا من هذا النهج المبالغ فيه، ماذا لو قُدّمت حوافز للتصوير هنا كأي دولة أخرى في العالم؟ يا له من أحمق!". وقد انخفض إنتاج هوليود بنسبة تقارب 40% في لوس أنجلوس، مع توافد العديد من المنتجين إلى دول تُقدّم حوافز ضريبية أكبر. وأكدت تقارير إعلامية أن ما يقرب من نصف مشاريع الأفلام والتلفزيون الكبرى التي تتجاوز ميزانيتها 40 مليون دولار تُصوَّر الآن خارج الولايات المتحدة. وتواجه صناعة السينما في كاليفورنيا صعوبة في منافسة دول مثل أيرلندا، حيث تكاليف التصوير أقل بفضل الإعفاءات الضريبية الكبيرة. وقد أقرّ الممثل الأميركي روب لو، مؤخرًا، بأن "إحضار 100 شخص إلى أيرلندا" لإنتاج فيلمٍ ما أرخص من التصوير في كاليفورنيا. ولا يقتصر الجذب العالمي المتزايد لمواقع مثل أيرلندا على توفير التكاليف فحسب. فمنذ عام 2016، استفاد أكثر من 850 إنتاجا تلفزيونيا وسينمائيا من الإعفاءات الضريبية في أيرلندا، مما جعلها وجهة رئيسية لصانعي الأفلام العالميين. واستقطبت منطقة جولد كوست الأسترالية إنتاجات هوليودية كبرى، أسهمت بأكثر من ملياري دولار في اقتصادها، ووفرت أكثر من 20 ألف فرصة عمل منذ عام 2015. وينطبق الأمر نفسه على مدينة فانكوفر الكندية، والتي يطلق عليها هوليود الشمال، والتي شهدت على مدار الأعوام الـ20 الماضية تصوير ما يقرب من 40% من الأعمال ذات الميزانيات الكبيرة، بالتبادل مع مدينة تورنتو الكندية أيضا. وأعلن فيك فيديلي وزير التنمية الاقتصادية في أونتاريو الكندية، في مؤتمر صحفي أن المقاطعة "ستستعد لهجوم جديد" ردا على منشور ترامب، وأضاف فيديلي: "سنستعد، كما فعلنا مع كل ذكر للرسوم الجمركية، وسنعود إلى واشنطن ونتصدى لهم لأن هذا التصريح هو بمثابة هجوم مباشر على قطاع السينما في جميع أنحاء أونتاريو". استدرجت الصين الرئيس الأميركي إلى حرب السينما، لكن هوليود التي تقف في خط المواجه لا تزال جريحة جراء كورونا وإضرابات الكتاب والممثلين، وتعريفات ترامب المختلفة التي تؤثر على حياة المواطن، مما يؤثر بالضرورة على "بند الترفيه" في حياته نتيجة التضخم، لكن صناعة السينما، الآن، هي من يقف في مفترق طرق، إذ منحت التكنولوجيا صناعة السينما قدرة كبيرة على الاستقلال عن هوليود، مما يمثل خطرا على امتدادها خارج الحدود الأميركية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store