
3 شخصيات في الظل صنعت نتنياهو المتطرف
هذه الرؤية، وفق التعريف الإسرائيلي بعد حرب يونيو/حزيران 1967، تشمل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأجزاء من الأردن، ولبنان، وسوريا، ومصر.
وعندما سُئل نتنياهو عما إذا كان يرى نفسه في "مهمة نيابة عن الشعب اليهودي"، أجاب بأنها "مهمة أجيال تحمل إرث اليهود الذين حلموا بالعودة إلى أرض إسرائيل، ويواصلون مشروعهم التاريخي جيلا بعد جيل".
"مثلث الأيديولوجيا النتنياهوية"
لفهم أعمق لتصريحات نتنياهو الأخيرة، لا بد من استكشاف الأسس الفكرية التي شكلت رؤيته السياسية.
يسلط الباحثان بن كسبيت وإيلان كفير في كتابهما المرجعي "نتنياهو: الطريق نحو السلطة"، الضوء على ثلاث شخصيات أساسية كانت حاسمة في صياغة أيديولوجية نتنياهو: شقيقه يوني، ووالده بن تسيون نتنياهو، وجده الحاخام ناتان مليكوفسكي، "كل واحد من الثلاثة وثلاثتهم معا يمثلون في نظره تاريخ الصهيونية".
جده الحاخام ناتان مليكوفسكي، كان من أوائل دعاة الصهيونية الدينية، ومقربا من الحاخام أبراهام كوك، وزئيف جابوتنسكي، وديفيد بن غوريون.
عُرف مليكوفسكي برفضه القاطع لـ"خطة أوغندا" التي طُرحت كوطن بديل لليهود، معتبرا ذلك خيانة للشعب اليهودي الذي قدم الكثير من التضحيات من أجل هذه الأرض (فلسطين)، وسفكوا دماءهم من أجلها، وصلوا لألف سنة للعودة إليها، وربطوا أكثر آمالهم الحميمة بإحيائها، وأنها "خيانة أجيال اليهود الذين قاتلوا وماتوا من أجل هذه الغاية".
عند وفاته، دُفن في جبل الزيتون في مدينة القدس، وأبّنه الحاخام الأكبر أبراهام إسحاق كوك؛ باعتباره يمتلك "قلبا مملوءا بحب التوراة، حب شعب إسرائيل، حب أرض إسرائيل".
يصف نتنياهو جده ناتان مليكوفسكي، في كتابه "مكان تحت الشمس"، على النحو التالي: "كان جدي ناتان مليكوفسكي، الذي تجند للحركة الصهيونية في شبابه، في عقد التسعينيات من القرن الماضي (التاسع عشر)، واحدا من عدد لا يُحصى من المتحمسين لهذه البشرى، وأصبح أحد مبشري هذه الحركة الرئيسيين، ونشر مبادئها بين اليهود في شرق سيبيريا حتى مينيسوتا في الولايات المتحدة الأميركية.
وبعد فترة من الوقت، في عام 1920، أثبت أنه ليس من الذين يقولون ولا يفعلون، إنما يقول ويفعل: حمل عائلته الكبيرة، وأبحر من ترايست إلى حيفا، واستوطن في أرض إسرائيل".
والده بن تسيون نتنياهو، الذي غير اسم العائلة من مليكوفسكي إلى "نتنياهو" في سياق النزعة القومية العبرية، فلم يكن تغيير اسم العائلة مجرد تحول هوياتي، بل كان انعكاسا لتحول أيديولوجي جذري. انخرط بن تسيون بحماس في صفوف الحركة التنقيحية التي قادها زئيف جابوتنسكي، ليرسم معالم رؤية توسعية ستشكل فيما بعد أساس سياسات ابنه نتنياهو.
لاحقا أصبح بن تسيون المساعد الشخصي لزئيف جابوتنسكي في الولايات المتحدة الأميركية. كان بن تسيون يرى في جابوتنسكي منقذا للشعب اليهودي، مؤمنا بثلاثة مبادئ أساسية: "التفوق اليهودي كحقيقة لا تقبل الجدل؛ ضرورة الكفاح المسلح لتحقيق الأهداف الصهيونية؛ الرفض المطلق لأي سلطة غير يهودية على الأرض المقدسة".
تجلت رؤيته التوسعية في إيمانه الراسخ بـ"إسرائيل الكبرى" التي تمتد على ضفتي نهر الأردن، معتمدا على نظرية "الجدار الحديدي" التي تقضي بإجبار العرب على القبول بالوجود اليهودي عبر التفوق العسكري.
في الجانب الاقتصادي، وقف بن تسيون ضد التيار الاشتراكي السائد في بداية تأسيس إسرائيل، مروجا لاقتصاد السوق الحر. وكانت لمعارضته الشرسة لقرار التقسيم عام 1947 دلالة واضحة على تصلبه الأيديولوجي، حيث رأى أن القرار لا يمنح إسرائيل ما يكفي من الأرض لضمان أمنها.
بلغت معارضته ذروتها بنشر إعلان صادم في نيويورك تايمز تحت عنوان "التقسيم لن يحل مشكلة فلسطين"!، في خطوة تعكس تصميمه على رؤيته التوسعية التي سيرثها ابنه لاحقا.
شقيقه الأكبر يوناتان (يوني) نتنياهو، الضابط في وحدة النخبة الإسرائيلية "سايريت متكال"، الذي قُتل في عملية عنتيبي 1976، وتحول إلى رمز بطولي في المخيلة الإسرائيلية. هذا الحدث شكل نقطة تحول في حياة بنيامين نتنياهو، الذي تبنى منذ ذلك الوقت إرث شقيقه كجزء من مشروعه السياسي.
وارتبط مقتل يوني بتطور فلسفة نتنياهو ونظرته إلى العالم. في أعقاب مقتله، قام نتنياهو وأخوه عيدو بتجميع الرسائل التي كتبها يوني منذ الستينيات (وتحديدا منذ 1963) إلى ما قبيل مقتله (1976)، وكتبا له خلاصة تُبين رؤيتهما لمكانة أخيهما في التاريخ اليهودي. و"رسائل يوني" عبارة عن رسائل كان يوني يبعثها إلى عائلته، وخاصة والده. ولم تخلُ من رسائل وجهها إلى بنيامين نتنياهو نفسه.
ففي خاتمة كتاب "رسائل يوني" كتب الشقيقان عيدو وبنيامين (محررا الكتاب) ما يلي: "طبعا فإن خيار يوني لم يكن ممكنا لولا (…..) أنه رأى بعينيه انتماءه للشعب اليهودي ولأرض إسرائيل.
لقد نظر إلى نفسه على نحو واضح كممثل التاريخ الرائع لشعب إسرائيل، كوريث تراث المكابيم وباركوخبا (مجموعة يهودية عسكرية خُلدت في الذاكرة اليهودية المعاصرة مقرونة بمفاهيم الشجاعة والتضحية)، وكمكمل في نضال البطولة لشعب إسرائيل الذي لا مثيل له بوجوده وخصوصيته".
فقد جسد شقيقه الأكبر يوني مع جده ووالده "القالب الأيديولوجي الذي من خلاله فهم نتنياهو العالم وشكل معتقداته الخاصة حول الصهيونية الحديثة، والعودة إلى أرض إسرائيل، والأيديولوجية اليمينية المناضلة في مقابل الانهزامية اليسارية".
باختصار، يُظهر الاستقراء التاريخي أن شخصية بنيامين نتنياهو السياسية والفكرية تشكلت ضمن إطار يمكن تسميته بـ"مثلث الأيديولوجيا النتنياهوية"، وهو مزيج مركب من ثلاثة روافد أساسية:
أولها النزعة الدينية القومية المتشددة الموروثة عن الجد، الحاخام ناتان مليكوفسكي، الذي رأى في أرض فلسطين جوهر المشروع الإلهي للشعب اليهودي.
ثانيها الرؤية التوسعية الصهيونية التنقيحية التي حملها الأب، بن تسيون نتنياهو، المنخرط في تيار جابوتنسكي، والذي تبنى عقيدة "الجدار الحديدي"، واعتبر الاستيطان على ضفتي نهر الأردن حقا غير قابل للتنازل.
وثالثها الروح العسكرية القتالية التي جسدها الشقيق الأكبر يوني نتنياهو، الضابط في وحدة النخبة "سايريت متكال"، الذي تحول مقتله في عملية عنتيبي إلى رمز بطولي عميق التأثير على وعي بنيامين نتنياهو ومشروعه السياسي.
إن هذا المزيج الأيديولوجي لم يكن مجرد تراكم لخبرات عائلية، بل اندمج في شخصية نتنياهو ليشكل رؤيته الإستراتيجية، التي تقوم على إيمان مطلق بالتفوق العسكري كشرط للبقاء، ورفض التنازلات السياسية، والسعي لفرض وقائع ميدانية تجسد فكرة "إسرائيل الكبرى".
ومن هنا، تصبح تصريحاته الأخيرة ليست مجرد خطاب سياسي ظرفي أو محاولة لكسب دعم اليمين الصهيوني، بل هي امتداد مباشر لجذور أيديولوجية عميقة تعود إلى الإرث العائلي الذي حمله نتنياهو.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 30 دقائق
- الجزيرة
خبير عسكري: المقاومة لا تزال قادرة على خوض معارك صعبة وزامير يريد التطويق والحصار
قال الخبير العسكري والإستراتيجي، العقيد الركن حاتم كريم الفلاحي، إن المشاهد التي بثتها كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، تظهر أن المقاومة لديها إمكانات وقدرات تمكنها من خوض معارك صعبة وشرسة ضد قوات الاحتلال. وبثت كتائب القسام مشاهد لاستهداف آليات الاحتلال ومواقعه بمحاور التوغل في خان يونس ومحور صلاح الدين جنوبي قطاع غزة. وأوضح العقيد الفلاحي -في تحليل للمشهد العسكري في غزة- أن العمليات التي نفذتها المقاومة جرت في بيئة معقدة جدا وفي المرحلة التي حاول فيها جيش الاحتلال التوغل باتجاه المواصي، أي المنطقة الغربية من خان يونس، التي شهدت معارك كثيرة في الفترة الأخيرة، مرجحا أن فيديوهات المقاومة لم تظهر هذه المعارك بسبب انقطاع الاتصالات. ويدمر جيش الاحتلال الإسرائيلي المربعات السكنية، لعلمه -يضيف العقيد الفلاحي- أن القتال داخل الأحياء السكنية يشكل خطرا على قواته، وقال إن الآليات والمدرعات الإسرائيلية لا تستطيع التحرك وسط المناطق المبنية، لأنها تؤمن التنقل والاختفاء لعناصر المقاومة واستخدام عبوة العمل الفدائي ووضعها أسفل الدبابة أو المدرعة. ويشير العقيد الفلاحي إلى أن القتال بين عناصر المقاومة وقوات الاحتلال يجري من مسافة قريبة جدا، وهو ما تظهره المشاهد التي تبثها المقاومة الفلسطينية. ويؤكد أن المقاومة استطاعت، أن تتكيف مع الظروف منذ بداية الحرب، وتمكنت من توزيع المواقع الجغرافية وكتائبها بدقة في مختلف المناطق، حتى أن هناك مناطق لم يدخلها جيش الاحتلال الإسرائيلي. ومن جهة أخرى، يقول الخبير العسكري والإستراتيجي، إن جيش الاحتلال سيصعب عليه العودة للقتال في مدينة غزة، لأن البنى التحتية لا تزال قائمة والأنفاق لا تزال موجودة وتعمل في هذه المناطق. وتوقع أن تكون العملية العسكرية التي يخطط لها جيش الاحتلال صعبة عليه. حصار وتطويق وكان المجلس الوزاري الأمني في إسرائيل ( الكابينيت) وافق الأسبوع الماضي على خطط للسيطرة على مدينة غزة ومخيمات اللاجئين، كما أقر رئيس أركان جيش الاحتلال إيال زامير اليوم الأحد، خطة المرحلة التالية من الحرب قائلا: إن الجيش سينتقل إلى المرحلة التالية من عملية " عربات جدعون" في قطاع غزة. إعلان وحسب العقيد الفلاحي، سيحاول جيش الاحتلال الإسرائيلي تقليل الخسائر في صفوف قواته بحصار وتطويق مدينة غزة، ثم يقوم -بحسب خطته- بعمليات محدودة لحماية الأسرى إذا كانت موجودة، مؤكدا أن تنفيذ الخطة سيتم الآن ولكن يجري التحضير لها على قدم وساق. وأشار إلى أن حكومة بنيامين نتنياهو واليمين المتطرف، يريدان استخدام قوة نارية كبيرة جدا والهجوم من محاور متعددة على مدينة غزة والمنطقة الوسطى من القطاع. وعن تكثيف القصف ونسف المباني في حي الزيتون، يقول العقيد الفلاحي، إن الاحتلال يزعم أن هذه المناطق هي بنى تحتية للمقاومة الفلسطينية، إضافة إلى أن سياسة النسف والتدمير هي جزء من سياسة التهجير القسري التي يتبعها جيش الاحتلال، وهو ما دأب عليه جيش الاحتلال منذ بداية الحرب.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
هل يتحول احتلال غزة إلى لعنة نتنياهو الأخيرة؟
في سلسلة من التصريحات المتكررة والمشحونة، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن حكومته "لن تكتفي بتحييد حماس"، بل تنوي "فرض سيطرة كاملة على قطاع غزة". بدا الأمر في ظاهره استمرارا لخطاب القوة والردع، لكنه يحمل في جوهره تغييرا إستراتيجيا صاعقا، إنه التهديد بعودة الاحتلال الإسرائيلي المباشر لغزة بعد 20 عاما من الانسحاب. وراء هذه الكلمات الثقيلة، تقف أسئلة أكثر ثقلا: هل تملك إسرائيل القدرة على تنفيذ هذا التهديد؟ وماذا ستكون الكلفة؟ والأهم: ماذا بعد الاحتلال؟ يستعد جيش الاحتلال الإسرائيلي إذن لتسريع العملية العسكرية التي تهدف لاحتلال مدينة غزة ، وذلك تمهيدا لتنفيذ خطة أقرتها الحكومة الإسرائيلية الأسبوع الماضي تقدم بها نتنياهو لإعادة احتلال القطاع كاملا. وتبدأ الخطة باحتلال مدينة غزة، عبر تهجير الفلسطينيين، البالغ عددهم نحو مليون نسمة إلى الجنوب، ثم تطويق المدينة وتنفيذ عمليات توغل في التجمعات السكنية. ويلي ذلك مرحلة ثانية تشمل احتلال مخيمات اللاجئين وسط القطاع التي دمرت إسرائيل أجزاء واسعة منها، ضمن حرب متواصلة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. والأربعاء الماضي، صدّق رئيس الأركان إيال زامير على "الفكرة المركزية" لخطة إعادة احتلال قطاع غزة. وفي 8 أغسطس/آب الجاري، أقر المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينت) خطة طرحها نتنياهو، لإعادة احتلال قطاع غزة بالكامل تدريجيا، بدءا بمدينة غزة. ويوم 11 من الشهر ذاته، وفي إطار تنفيذ الخطة، بدأ الجيش الإسرائيلي هجوما واسعا على حي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة، تخلله نسف منازل باستخدام روبوتات مفخخة، وقصف مدفعي، وإطلاق نار عشوائي، وتهجير قسري. حين يعلن نتنياهو عن نيّته احتلال كامل قطاع غزة، فإن لهذا التصريح أبعادا خطيرة ومعقدة سياسيا وعسكريا وإستراتيجيا. مبدئيا فإن "الاحتلال الكامل" يشير إلى عودة جيش الاحتلال الإسرائيلي للتمركز الدائم في القطاع، واستبدال الحكم القائم (حركة حماس) بسلطة بديلة أو احتلال مباشر. كما يعني ذلك أيضا إزالة البنية التحتية لحركة حماس (أمنية، إدارية، عسكرية) وفرض إدارة إسرائيلية عسكرية أو مدنية مباشرة، كما كان الحال قبل انسحاب 2005. أما من حيث الدلالات السياسية والعسكرية، فهذا يعني إلغاء نتائج فك الارتباط الذي جرى عام 2005 حين انسحبت إسرائيل تحت حكومة أريئيل شارون، معتبرة أنها لم تعد "قوة احتلال"، وبالتالي لا تتحمل مسؤوليات إنسانية وقانونية مباشرة تجاه السكان. ولكن العودة الآن للاحتلال تعيد هذه المسؤوليات،م ما يُدخل إسرائيل في مأزق قانوني ودولي. ويستتبع الاحتلال الكامل فرض واقع جديد، فإذا تم إزالة حماس من الحكم، فإن ذلك لا يعني بالضرورة وجود بديل واضح. أي أن ثمة فراغا في السلطة سيقود إما إلى حالة فوضى أو إلى إدارة إسرائيلية مباشرة. هذا علاوة على خطر استنزاف طويل الأمد، فالسيطرة على 2.2 مليون فلسطيني في قطاع ضيق ومحاصر يعني الدخول في حرب عصابات طويلة الأمد واستنزاف بشري واقتصادي. أما أهم الانعكاسات للاحتلال الكامل فما سيجري على السكان المدنيين، إذ سيؤدي ذلك إلى تفكك النسيج المدني وانهيار ما تبقى من البنية الصحية والتعليمية والخدمية. كما سترتفع احتمالات التهجير القسري، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر (دفع الناس للهرب عبر سيناء). ويبقى الاحتمال الأخطر وهو حدوث موجة مقاومة شعبية ومسلحة واسعة النطاق ضد الاحتلال الجديد. التكاليف المتوقعة لفرض سيطرة إسرائيلية كاملة على غزة إن فرض سيطرة إسرائيلية كاملة على قطاع غزة لا يعني مجرد اجتياح عسكري مؤقت، بل عودة شاملة إلى احتلال مباشر لمنطقة مأهولة بنحو 2.2 مليون فلسطيني -يعيشون في ظروف إنسانية كارثية- تُدار حاليا عبر بنية سياسية ومجتمعية تقودها حركة مقاومة مسلحة. هذا السيناريو، إذا تحقق، لا يشكّل فقط انقلابا جذريا في الإستراتيجية الإسرائيلية، بل سيفرض أثمانا بشرية واقتصادية وإستراتيجية غير مسبوقة. فغزة اليوم ليست كما كانت قبل الانسحاب الإسرائيلي عام 2005، بل تحوّلت إلى ساحة مقاومة عالية الكثافة، مجهّزة ببيئة قتالية مركبة، وهو ما يجعل كلفة السيطرة عليها باهظة إلى حدود يصعب تحملها. من المتوقع أن يتكبد الجيش الإسرائيلي خسائر بشرية مباشرة، خاصة أن العمليات البرية في بيئة حضرية كثيفة كالتي في غزة، وبين أنفاق تمتد تحت المدن، ستقود إلى اشتباكات دموية ومواجهات مسلّحة أشبه بحرب استنزاف يومية. أيّ محاولة للسيطرة على الأحياء المكتظة ومخيمات اللاجئين ستنتج عنها آلاف القتلى والجرحى في صفوف الجنود، فضلا عن الأثر النفسي العميق الذي قد يصيب آلافا آخرين باضطرابات ما بعد الصدمة، كما حدث عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، أو عقب عملية " الجرف الصامد" في غزة عام 2014. أما في صفوف المدنيين الفلسطينيين، فإن حجم الكارثة سيكون مضاعفا. ففرض السيطرة العسكرية الكاملة يعني استمرار عمليات القصف والتمشيط والاعتقال، ما سيؤدي إلى سقوط أعداد ضخمة من الضحايا، إلى جانب موجات من التهجير القسري الداخلي والخارجي، وتحطم البنى التحتية الاجتماعية بشكل دائم. بذلك، قد يشهد العالم ولادة أزمة لاجئين فلسطينيين جديدة، غير قابلة للاحتواء. اقتصاديا، سيتطلب الاحتلال الكامل ميزانية عسكرية سنوية ضخمة، إذ إن استمرار الحملة البرية والانتشار على طول القطاع وعرضه سيستهلك موارد الدولة بوتيرة غير مسبوقة. الذخائر، والصيانة، والتجنيد، والدعم اللوجستي، والطائرات المسيّرة، ووحدات الكوماندوز، كلها تمثل فاتورة مفتوحة. وقد أشارت تقديرات غير رسمية إلى أن إسرائيل أنفقت بالفعل نحو 15 إلى 20 مليار دولار على حرب غزة الجارية حتى منتصف 2024، دون أن تفرض سيطرة فعلية. أما الاحتلال الكامل، فسيعني مضاعفة هذه الكلفة بشكل سنوي. وتتجاوز الكلفة العسكرية حدود المعركة لتدخل في مسؤوليات الإدارة المدنية. فإسرائيل، كقوة احتلال، ستكون ملزمة دوليا بتوفير الخدمات الأساسية لسكان القطاع من صحة وتعليم وكهرباء ومياه وصرف صحي ورواتب وخدمات بلدية. ذلك يعني تحميل الموازنة الإسرائيلية أعباء إضافية بمئات الملايين من الدولارات سنويا، وربما أكثر، كما حدث في حالات تاريخية مشابهة مثل احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة ، والذي بلغت كلفته أكثر من 1.7 تريليون دولار على مدى 8 سنوات، رغم وجود حكومة محلية. كذلك، سيتعرض الاقتصاد الإسرائيلي لضربات موجعة نتيجة تراجع الثقة العامة، وهروب المستثمرين، وارتفاع تكاليف التأمين، وتجميد المشاريع الحيوية. كما ستتراجع السياحة، ويخسر قطاع التكنولوجيا زخمه، فيما يُستنزف سوق العمل بآلاف الموظفين الذين سيجري استدعاؤهم للخدمة الاحتياطية. ثالثا: التكاليف السياسية والإستراتيجية على المستوى الدولي، سيؤدي الاحتلال الكامل إلى انكشاف إسرائيل أمام موجة إدانات لا سابقة لها. ستفقد تل أبيب الغطاء الذي وفّرته ادعاءات "الانسحاب من غزة"، وستُصنف رسميا كقوة احتلال مباشرة بموجب اتفاقيات جنيف ، ما يعيد تفعيل المساءلة الدولية أمام المحاكم المختصة بجرائم الحرب والانتهاكات الإنسانية. حتى حلفاء إسرائيل التقليديون، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، سيواجهون ضغوطا داخلية متزايدة لتقييد الدعم السياسي والعسكري. سياسيا، ستزداد عزلة إسرائيل في المحافل الدولية، مع تصاعد دعوات المقاطعة (BDS) وارتفاع منسوب الغضب الشعبي العربي والإسلامي. هل تستطيع إسرائيل فعلا احتلال كامل قطاع غزة؟ لا يمكن الإجابة على سؤال "هل تستطيع إسرائيل احتلال غزة بالكامل؟" بـ"نعم" أو "لا" مجردتين. فالمسألة لا تتعلق فقط بالقدرة العسكرية، بل تمتد إلى قدرة الاحتلال على السيطرة، والإدارة، والاستمرار. من هنا، يصبح التحليل أكثر تعقيدا من مجرد قياس القوة النارية، لأنه يرتبط بجملة من العوامل المتداخلة: الأمنية، الاقتصادية، الدولية، والسياسية. من الناحية العسكرية البحتة، لا شك أن إسرائيل تمتلك واحدا من أقوى الجيوش في المنطقة، مزوّدا بتفوق ساحق في الجو والبر والبحر، وتقنيات استخباراتية متقدمة، وقدرة عالية على شن الهجمات الجوية الواسعة والدقيقة، بالإضافة إلى وحدات برية مجرّبة مثل "غولاني" و"نحال" و"المظليين". تقنيا، يمكن للجيش الإسرائيلي أن يجتاح القطاع ويدخل كل شبر منه. لكن "الدخول" لا يساوي "الاحتفاظ" به. فالسيطرة على غزة لا تعني مجرد رفع العلم فوق الأبنية، بل تعني الإمساك اليومي بالأمن والسكان والمجال العام، وهو ما ثبت فشله في تجارب مشابهة كالعراق وأفغانستان ولبنان. فغزة ليست أرضا مكشوفة، بل متاهة مدينية وأنفاقا ومخيمات مكتظة، تجعل أي معركة برية أشبه بـ"الفخ الحجري"، وتحوّل الانتصار العسكري إلى كابوس استنزاف طويل الأمد. أما على المستوى الأمني، فإن السيطرة الدائمة تبدو شبه مستحيلة. لا توجد قوة عسكرية يمكنها إخضاع قطاع يبلغ عدد سكانه 2.2 مليون نسمة، أكثر من 70% منهم لاجئون يحملون إرثا طويلا من الغضب والحرمان، دون إشعال ثورة دائمة. حتى إن سقطت حماس كهيكل تنظيمي، فإنها -ومعها الجهاد الإسلامي وسائر الفصائل- ستتحول إلى شبكات مقاومة شعبية شبحية، تضرب ثم تتوارى، ما يُنتج سيناريو شبيها بما واجهته إسرائيل في جنوب لبنان بين 1982 و2000. الاحتلال سيبقى بحاجة إلى قمع يومي، واعتقالات واسعة، وسيؤدي لا محالة إلى ارتكاب جرائم جماعية تمس بشرعية إسرائيل الأخلاقية أمام العالم. اقتصاديا، لا تملك إسرائيل لا الموارد ولا الإرادة السياسية لتحمل كلفة الاحتلال المباشر. فكل ما يتعلق بالإدارة المدنية من صحة وتعليم وكهرباء وصرف صحي ومعابر ورواتب سيقع ضمن مسؤوليتها، وفقا للقانون الدولي الذي يحمل قوة الاحتلال مسؤولية كاملة عن السكان المدنيين. وهذا يعني ببساطة أن غزة ستتحول إلى ثقب أسود مالي وأخلاقي، في وقت تعاني فيه إسرائيل أصلا من أزمة اقتصادية حادة وانقسامات سياسية داخلية. من جهة الغطاء الدولي، فإن إسرائيل ستفقد آخر أوراقها. إذ لا يوجد أي حليف -حتى الولايات المتحدة- يؤيد فكرة الاحتلال المباشر الدائم لغزة. أيّ خطوة في هذا الاتجاه ستُعتبر نكوصا إلى الحقبة الاستعمارية، وخرقا صارخا للقانون الدولي، وستعرض تل أبيب لموجة عارمة من الانتقادات والعزلة. أما محاولات إقامة "إدارة محلية بديلة"، فلن تقنع أحدا، وستُعد واجهة وهمية لشرعنة الاحتلال، وهو ما سيؤدي إلى انهيار الدعم السياسي الدولي تدريجيا. وأخيرا، فإن الغموض يكتنف الهدف السياسي من هذا الاحتلال الكامل. ما الغاية؟ هل هي القضاء على حماس كتنظيم؟ أم على الأيديولوجيا المقاومة؟ ومن سيملأ الفراغ بعد إسقاط البنية القائمة؟ لا توجد أطراف فلسطينية أو عربية تقبل التعاون مع مشروع احتلال مباشر، ولا توجد خطة سياسية واضحة لما بعد الحرب. هكذا، يصبح الاحتلال بلا أفق، أي حربا بلا نهاية، ومشروعا مفتوحا على الفشل والتورط. الخلاصة أن إسرائيل، من حيث القوة العسكرية، قادرة على دخول غزة، لكنها عاجزة عن البقاء فيها بثمن محتمل أو شرعية قابلة للاستمرار. احتلال غزة ليس علامة قوة، بل نذير غرق في رمال متحركة لا قاع لها. قد تدخل، لكنها لن تخرج إلا مثقلة بالدم، والديون، والعزلة، والانهيار السياسي الداخلي. لا شك أن إسرائيل تستطيع احتلال غزة عسكريا لبعض الوقت. لكنها لا تستطيع السيطرة عليها، ولا إدارتها، ولا البقاء فيها دون أن تدفع أثمانا تفوق قدرتها وتحط من شرعيتها. وهذا ما جعل قادة عسكريين سابقين في إسرائيل يحذرون من "المستنقع الغزي" الذي قد يتحول إلى فيتنام إسرائيلية. وإذا قررت إسرائيل احتلال قطاع غزة بالكامل، فإن رد فعل حماس والمقاومة الفلسطينية لن يكون تقليديا ولا متوقعا بالمعايير العسكرية الكلاسيكية. بل ستكون المواجهة متعددة المستويات، على شكل "حرب تحرير وطنية طويلة الأمد"، وستنقلب غزة إلى أرض مشتعلة بالمقاومة الشعبية والمسلّحة الاحتلال قد يسقط حكم حماس الظاهري، لكنه لن يسقط فكر المقاومة ولا بنيتها السرّية. بل العكس: سيكون بمثابة حقنة حياة جديدة للمقاومة، وشرعنة نهائية لخيار المقاومة الشاملة، داخليا وخارجيا. كيف سيتغير الموقف الدولي بعد احتلال غزة؟ إذا فرضت إسرائيل سيطرة كاملة على قطاع غزة، فإن الموقف الدولي لن يبقى على حاله، بل قد يشهد تحولا دراماتيكيا يمسّ البنية القانونية والسياسية والإنسانية التي تُقيم عليها إسرائيل علاقتها مع العالم. هذا التحول لن يكون لحظيا أو صاخبا بالضرورة، لكنه سيكون تراكميا وعميق الأثر، بحيث تتراجع مكانة إسرائيل تدريجيا من دولة "تدافع عن نفسها" كما تصور نفسها، إلى دولة احتلال مباشر تُحاكم أخلاقيا وسياسيا أمام المجتمع الدولي. أول التغيرات سيقع في المجال القانوني. فبعودة الاحتلال المباشر، سيُعاد تعريف إسرائيل رسميا كـ"قوة احتلال" بموجب اتفاقيات جنيف، بما يرتب عليها التزامات واضحة تجاه السكان المدنيين في غزة، من توفير الحماية والخدمات، إلى تحمل المسؤولية الكاملة عن الوضع الإنساني. وهذا التعريف القانوني سيُستخدم على نطاق واسع في المحاكم الدولية، خصوصا في ملفات الجرائم والانتهاكات، مما يضع القيادة الإسرائيلية في مرمى الملاحقة القضائية والاتهام بارتكاب جرائم حرب أو انتهاك للقانون الدولي الإنساني. أما على صعيد الحلفاء، فإن الولايات المتحدة وأوروبا سيجدان أنفسهما في موقف محرج متزايد. في موازاة ذلك، سيشهد الرأي العام العالمي انفجارا في التضامن مع الشعب الفلسطيني، وعودة قوية لحملات المقاطعة وشيطنة إسرائيل في الفضاء الأكاديمي والثقافي والحقوقي. الخطاب الإعلامي سيغادر تدريجيا مربع "الطرفين المتصارعين"، ليعود إلى تسمية الأمور بأسمائها: احتلال، استعمار، قمع، تمييز. وستكتسب حركات التضامن العالمية، خصوصا في الجامعات والمؤسسات الثقافية، شرعية أخلاقية جديدة تجعل من إسرائيل هدفا دائما لحملات العزل الأخلاقي والسياسي. أما سياسيا، فإن فرض الاحتلال الكامل على غزة سيقضي تماما على أي أفق للتسوية السياسية. ولن تسلم الأنظمة العربية من هذا التغيير. فحتى الدول التي طبّعت علاقاتها مع إسرائيل، ستجد نفسها أمام غضب شعبي واسع، قد يفرض عليها اتخاذ إجراءات رمزية على الأقل، مثل تجميد العلاقات أو سحب السفراء. في المحصلة، سيطرة إسرائيل الكاملة على غزة لن تُقرأ دوليا كانتصار، بل كنكوص تاريخي إلى نموذج الاحتلال الاستعماري، بكل ما يحمله من أعباء قانونية وسياسية وأخلاقية. إسرائيل، التي بنت خطابها على فكرة "الدفاع عن النفس"، ستفقد هذا الغلاف تماما، وتجد نفسها وحيدة في مواجهة خطاب عالمي جديد يعيد رسم معادلات الصراع. الجيش الإسرائيلي قد ينجح في إسقاط البنية العسكرية العلنية لحماس، لكنه سيخسر السيطرة لصالح شبكات المقاومة غير النظامية، التي ستخوض معه حربا دائمة من داخل الأنفاق، وبين الأزقة، ووسط الجمهور الغاضب. الغائب الأكبر.. ما بعد اليوم التالي تكشف تصريحات نتنياهو عن أمر لافت وهو غياب أي رؤية سياسية لما بعد إسقاط حكم حماس. من سيدير غزة؟ هل ستُفرض سلطة عسكرية إسرائيلية؟ أم ستُقام إدارة محلية بديلة؟ وهل سيقبل الفلسطينيون بذلك؟ الجواب الأقرب للواقع أن حماس لن تنهار بل ستتحول إلى شبح دائم تحت الأرض، وقد تظهر جماعات مقاومة جديدة أكثر راديكالية، في ظل مشهد فوضوي تحكمه نار الغضب الشعبي ومشاعر الانتقام الوطني. سيتحول الاحتلال من أداة "ردع" إلى وقود دائم للمقاومة. يحاول نتنياهو اليوم أن يقدّم نفسه كقائد "العبور من الأزمة"، لكنه في الواقع يسير إلى فخ محكم. احتلال غزة بالكامل قد يمنحه مكاسب إعلامية مؤقتة، لكنه سيطلق مقاومة أكثر مرونة، وسيغرق الجيش في مستنقع استنزاف، وسيكشف إسرائيل أمام العالم كدولة استعمارية لا تبحث عن أمن، بل عن سيطرة قسرية. إن الاحتلال الكامل لغزة لن يكون علامة انتصار. بل قد يكون لحظة السقوط البطيء لمشروع احتلالي فقد القدرة على التخفي وراء خطاب "الدفاع عن النفس". وهكذا، إذا دخلت إسرائيل غزة بجنودها، فقد لا تخرج منها بسيادتها ولا بشرعيتها. لماذا يصر نتنياهو على الاحتلال الكامل لغزة؟ يُعتبر إصرار نتنياهو، على الاحتلال الكامل لغزة موقفا معقدا يتجاوز المنطق العسكري والأمني. إنه قرار نابع من مزيج متشابك من الأهداف السياسية والضغوط الشخصية والمناورات الإستراتيجية. ما يصرح به علنا غالبا ما يختلف عن دوافعه الحقيقية، إذ يملي عليه بقاؤه السياسي ما يجب أن يقوله. يجد نتنياهو نفسه محاصرا من كل جانب: فشل استخباري وعسكري ذريع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، احتجاجات شعبية، واتهامات داخلية بالتقصير، بالإضافة إلى احتمال استئناف محاكمته في ملفات الفساد. لهذا، هو في أمس الحاجة إلى نصر سياسي أو عسكري كبير يعيد تعريف إرثه وينسي الجمهور الإسرائيلي الكارثة التي بدأت في عهده. الاحتلال الكامل لغزة، في خطابه، هو الأداة التي يعتقد أنها ستحوّل فشله إلى "تحول تاريخي"، يغطي على كل ما حدث. ببساطة، هو لا يريد غزة لذاتها، بل يريد ما تمثله كأداة للهروب من المحاسبة. يعتمد نتنياهو حاليا على ائتلاف يميني متشدد بقيادة شخصيات مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، يعتبرون أن غزة يجب ألا تكون تحت حكم فلسطيني، وأن حركة حماس ليست مجرد "تهديد" بل "إهانة وجودية". يرى هؤلاء أن الحل الوحيد هو "إعادة الاحتلال وإعادة الاستيطان". ولإرضاء هذا اليمين وإبقاء حكومته قائمة، يجب على نتنياهو أن يقدم لهم شيئا أكثر من مجرد الضربات الجوية، لذا فهو يعدهم بالسيطرة الكاملة. يعلم نتنياهو جيدا أن الاحتلال الكامل لغزة غير قابل للاستمرار عمليا أو دوليا. ومع ذلك، هو يخاطب جمهورا إسرائيليا منهكا وخائفا يبحث عن "رد نهائي". يريد أن يرفع سقف التهديد ليظهر بمظهر رجل الحسم، بينما يرى أن البدائل الواقعية، مثل الترتيبات مع السلطة الفلسطينية أو التدخل الدولي، هي تنازلات لا يقبل بها اليمين. بالتالي، قد لا ينفذ وعده بالكامل، ولكن تكراره يجعله يظهر بمظهر الرجل القوي. الاحتلال الكامل لغزة يُسقط تماما فكرة تسليم القطاع للسلطة الفلسطينية، أو وجود كيان فلسطيني موحد في الضفة الغربية والقطاع، أو إطلاق عملية سلام حقيقية. وهذا ما يريده نتنياهو في نهاية المطاف: دفن حل الدولتين بشكل نهائي وتثبيت واقع فلسطيني مجزأ بلا تمثيل سياسي جامع. إذا دخلت إسرائيل في حالة احتلال دائم لغزة، سينشغل العالم بأزمة إنسانية مفتوحة، وسيُستنزف المشروع الوطني الفلسطيني من الداخل. وهذا يتيح الفرصة لظهور مشاريع "إنسانية" أو "أمنية" بديلة تغني عن أي حل سياسي عادل، مما يسهّل على إسرائيل فرض شروطها في المنطقة وتوسيع اتفاقيات التطبيع مع الدول العربية دون تقديم أي ثمن سياسي حقيقي للفلسطينيين. في الحقيقة، لا تملك الحكومة الإسرائيلية "خطة واضحة لليوم التالي". فهم لا يريدون حماس، ولا يثقون بالسلطة الفلسطينية، ولا يرحبون بوجود قوة دولية، ولا يملكون من يحكم غزة نيابة عنهم. لذا، يبدو الاحتلال الكامل كـ"خيار الفراغ" بدلا من كونه خطة مدروسة، أشبه بالقفز في الهاوية لأن الأرض تهتز تحت أقدامهم. ربما لا يصر نتنياهو على احتلال غزة لأنه مقتنع بجدواه، بل لأنه مضطر إليه سياسيا، ومطارد نفسيا، ومدفوع من ائتلافه اليميني. إنه يسعى لتحويل كارثة إلى فرصة شخصية، حتى لو كان ذلك يعني إشعال الجبهة إلى ما لا نهاية. ولكن، كلما توغل في غزة، اقترب أكثر من نهايته السياسية.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
إسرائيل تعلن اعتراض صاروخ من اليمن وكاتس يتوعد الحوثيين "بدفع بثمن باهظ"
قال الجيش الإسرائيلي إنه اعترض صاروخا أطلق من اليمن، وإن المجال الجوي في إسرائيل أغلق بعد رصد إطلاق الصاروخ، في وقت توعد فيه وزير الدفاع يسرائيل كاتس الحوثيين"بدفع ثمن باهظ". وقال الجيش إن اعتراض الصاروخ تسبب في تفعيل صفارات الإنذار في مناطق عدة. من جهته، توعد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الحوثيين بأنهم سيدفعون ثمنا باهظا لأي محاولة لإطلاق النار على إسرائيل. وأضاف كاتس أن إسرائيل تفرض على الحوثيين حصارا جويا وبحريا مؤلما للغاية، وأن هجومها اليوم على أهداف للبنية التحتية والطاقة مجرد بداية. استهداف محطة كهرباء بصنعاء وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن قصف أهداف عدة في محيط العاصمة اليمنية صنعاء فجر اليوم الأحد، وأضاف أن القصف استهدف بنية تحتية للطاقة كان الحوثيون يستخدمونها. وأوضح بيان للجيش أن الضربات جاءت على خلفية الهجمات المتكررة لجماعة أنصار الله (الحوثيين) ضد إسرائيل. واتهم الجيش جماعة أنصار الله باستغلال المجال البحري وشن هجمات على حركة العبور والتجارة في مجال الملاحة العالمي. في المقابل قال مصدر في الدفاع المدني باليمن لوسائل إعلام تابعة لأنصار الله إن عدوانا استهدف محطة حزيز للكهرباء بمديرية سنحان جنوب صنعاء فجر اليوم الأحد. وأسفر الهجوم عن اندلاع حريق جراء إصابة مولدات الكهرباء بالمحطة، مما أدى إلى إخراجها من الخدمة. وقد تم إخماد الحريق الذي اندلع. وقال عضو المكتب السياسي لأنصار الله (الحوثيين) حزام الأسد إن القصف نفذه عدو مجرم ومفلس لا يستهدف إلا المرافق الخدمية من كهرباء وماء. وفي 6 مايو/أيار الماضي استهدف عدوان أميركي إسرائيلي محطة كهرباء حزيز المركزية إلى جانب محطة كهرباء ذهبان المركزية بمديرية بني الحارث ومحطة توزيع كهرباء عصر بمديرية معين، إضافة إلى منطقة عطان في العاصمة صنعاء. وبدأت الغارات الإسرائيلية على مناطق سيطرة الحوثيين باليمن في يوليو/تموز 2024، مستهدفة مرافق حيوية بينها ميناء الحديدة ومطار صنعاء الدولي ومحطات كهربائية. وتشن جماعة الحوثي هجمات متواصلة على إسرائيل دعما لغزة باستخدام صواريخ وطائرات مسيرة، كما تستهدف السفن المرتبطة بها أو المتجهة نحوها. وكانت آخر عمليات الجماعة المعلنة صباح الخميس الماضي، حين شنت هجوما بصاروخ بالستي على مطار بن غوريون الدولي قرب مدينة تل أبيب، ردا على تجويع الفلسطينيين بقطاع غزة، في حين أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراضه. في حين ذكرت قناة 7 الإسرائيلية الخاصة أنه منذ استئناف القتال في قطاع غزة قبل حوالي 5 أشهر، أطلق الحوثيون نحو 70-75 صاروخا باليستيا على إسرائيل، ونحو 20 طائرة مسيرة. وفي 27 يوليو/تموز الماضي، قررت الحوثيون تصعيد عملياتهم العسكرية البحرية ضد إسرائيل عبر استهداف كافة السفن التابعة لأي شركة تتعامل مع موانئ الحكومة الإسرائيلية بغض النظر عن جنسية تلك الشركة، دعما لقطاع غزة الذي يتعرض لحرب إبادة جماعية إسرائيلية بدعم أميركي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.