
اعتصار تايوان.. خطة بكين لإسقاط الجزيرة دون قتال
في أواخر شهور الثورة الصينية، ضربت قوات جيش التحرير الشعبي حصارا مستمرا على العاصمة بكين، التي كانت تسمى آنذاك بيبينغ، وبعد أسابيع من الحصار، وتحديدا في يناير/كانون الثاني عام 1949، سقطت بيبينغ (بكين) دون قتال، بعد استسلام القائد المحلي للمدينة. كان ذلك السقوط بمنزلة البداية لانفراط عقد قوات حزب الكومينتانغ الحاكم وسقوط المدن والقرى واحدة تلو الأخرى دون مقاومة تُذكر.
وفي تحليل نشرته مؤخرا مجلة "الإيكونوميست"، أشارت إلى ما يُطلق عليه لدى الصينيين اليوم "نموذج بيبينغ"، وهو المصطلح الشائع بين كوادر الحزب لوصف ما يمكن أن تقوم به الصين مرة أخرى لإسقاط تايوان دون قتال، فيما يعتبرونه استكمالا للثورة وتصحيحا لمسار التاريخ من خلال القضاء على آخر جيوب الكومينتانغ، بعد فرار قواته إلى الجزيرة في ديسمبر/كانون الأول 1949 رفقة ما يقرب من مليونين من الجنود وأعضاء الحزب فيما يُطلق عليه "الانسحاب الكبير".
وفي المقابل، يبدو أن الأميركيين خلال السنوات الأخيرة باتوا يتحوّطون بشدة لاحتمالات إقدام بكين على غزو تايوان عسكريا وإعلان ضمها إلى البر الرئيسي، ويحاولون إعادة ترتيب القدرات الإستراتيجية الأميركية وتركيزها في منطقة المحيطين الهندي والهادي، استعدادا لهذه اللحظة التي قد تمثل ذروة تحولات القوى في نظام ما بعد الحرب الباردة.
وفي إطار ذلك، أعرب الأدميرال فيليب ديفيدسون، القائد المتقاعد للقوات العسكرية الأميركية المشتركة في منطقة الإندوباسيفيك، في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ عام 2021، عن توقعه بأن الصين قد وضعت خطة زمنية للتوحيد مع تايوان من خلال غزو برمائي، خلال العقد القادم أو خلال السنوات الست المقبلة على الأرجح.
وقد أصبح هذا التقييم، الذي أُطلق عليه اسم "نافذة ديفيدسون"، منذ ذلك الحين كأنه أحد الثوابت في التحليل الإستراتيجي الأميركي، وفي مقابلة صحفية مع شبكة "سي بي إس" الأميركية، بُثت في فبراير/شباط 2023، قال ويليام بيرنز ، مدير المخابرات المركزية الأميركية الأسبق: "نحن نعلم أن الرئيس شي وجّه قيادة الجيش الصيني لأن تكون مستعدة بحلول 2027 لغزو تايوان".
ولكن باستقراء السلوك الصيني حول الجزيرة وداخلها، يبدو أن الغزو البرمائي ليس الخطة الوحيدة لدى بكين، وأن لديها بالفعل خطة بديلة لإخضاع تايبيه لسيادتها، دون اللجوء إلى الحرب كما حدث في بكين نفسها منذ أكثر من سبعة عقود، بما يعني أن نافذة ديفيدسون المتوقعة لغزو تايوان قد تحدث ولكن ليس بالصورة التي توقعها.
هذه الخطة البديلة لن تكتفي بالحصار العسكري التقليدي الذي قد يُفسَّر طبقا للقانون الدولي بأنه إعلان حرب، مما يجر على بكين ردود فعل دولية أو أميركية قاسية. لكنها قد تتضمن، عوضا عن ذلك، نسج شبكة معقدة من الإجراءات الأمنية تحت عتبة الحرب للضغط على الجزيرة، مصحوبة بمزيج من التأثير السياسي والاقتصادي والإعلامي على تايوان، لإفقادها تدريجيا أية حماسة لمقاومة بكين أو الإيمان بمبررات الانفصال، ومن ثم يتكرر التاريخ وتسقط تايبيه دون قتال.
فما أبعاد تلك الخطة البديلة؟ وكيف يمكننا قراءة ما قد يفكر فيه القادة الصينيون لسلوك طريق آخر لحسم وضع الجزيرة، دون الاصطدام بالولايات المتحدة ومنحها الذرائع لمواجهة بكين؟
"إن أسمى فنون الحرب هو إخضاع العدو دون قتال"
المفكر الإستراتيجي الشهير الصيني صن تزو في كتابه "فن الحرب"
الحرب إذن ليست اشتباكا دمويا طاحنا فحسب؛ وإنما هي معركة معقدة ومركبة تُستخدم فيها كل الأدوات، العسكرية أو السلمية أو كلتيهما، بهدف تغيير إرادة الخصم وإفقاده القدرة على الممانعة، بما يحقق في النهاية الأهداف السياسية والإستراتيجية للطرف المنتصر.
وهذا النص المكتوب في القرن السادس قبل الميلاد والمنسوب إلى صن تزو يكشف أبعادا عميقة في العقلية الإستراتيجية الصينية التي عُرف عنها طيلة تاريخها القدرة الهائلة على ممارسة الصبر وبناء النجاحات بالتراكم ومن غير صخب.
وخلال السنوات الماضية، ودون اللجوء إلى استعمال مظاهر القوة المفرطة، فرضت الصين تدريجيا الكثير من مظاهر السيادة على تايوان دون إعلان ذلك، وتعمدت في مناسبات مختلفة إجبار المتعاملين مع تايوان أحيانا على الإقرار ببعض مظاهر السيادة الصينية على الجزيرة والمضيق، من خلال ما يمكن تسميته بسياسات الإكراه متعددة المجالات.
أصبحت المناورات العسكرية التي تتضمن إطلاق صواريخ في المياه القريبة من تايوان -في إطار تدريبي- معتادة بشكل متزايد، كما يتضح في مناورتَيْ "السيف المشترك" اللتين أُجريتا العام الماضي. وفي فبراير/شباط لهذا العام اتهمت تايوان الصين بتخريب كابل بحري في شمال تايوان. كما تضاعفت عمليات التوغل اليومية للطائرات المقاتلة الصينية أربع مرات تقريبا، من 380 طائرة في عام 2019 إلى أكثر من 1700 طائرة في عام 2023.
هذه المناورات والتدريبات المتكررة التي يصعب في كل مرة تحديد النيات الفعلية لبكين من ورائها، ورغم أنها لا تؤدي إلى حصار عسكري فعلي للجزيرة، فإنها تمثل حربا نفسية قاسية على سكانها، وتذكّرهم دائما بالتكلفة الهائلة التي سوف تجرّها عليهم محاولات الانفصال.
ولا تقتصر الإجراءات الصينية فقط على الجانب العسكري، فقد فرضت بكين، بحسب مجلة "ذا ديبلومات" الأميركية، قيودا على مواطنيها وطلابها المسافرين إلى تايوان منذ تولي الرئيسة التايوانية السابقة، تساي إنغ ون، منصبها في عام 2016، مما أضعف بشكل كبير قطاعَيْ السياحة والتعليم العالي في تايوان
. وفي عامي 2021 و2022، أوقفت الصين استيراد المنتجات الزراعية التايوانية المهمة، مثل الأناناس والتفاح، التي تُعد من الصادرات الرئيسية لتايوان، وقد تسبب هذا الإجراء في تضييقات بالغة على القطاع الزراعي بالجزيرة.
وفي المقابل، استخدمت الصين حوافز اقتصادية لاستقطاب حلفاء تايوان الدبلوماسيين من خلال تقديم حوافز اقتصادية، مما دفع دولا من الدول الصغرى وذات القيمة الإستراتيجية في المحيط الهادي، مثل نيكاراغوا وجزر سليمان، إلى قطع علاقاتها مع تايوان، وتعميق علاقاتها ببكين، على غرار الاتفاقية الأمنية بين جزر سليمان والصين في ربيع 2022. ومنذ عام 2016، تحوّلت 10 دول من حلفاء تايوان الدبلوماسيين إلى الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية، لينخفض عدد الدول المعترفة بتايوان خلال هذه المدة من 22 إلى 12 دولة فقط.
وبخلاف الحوافز أو العقوبات الاقتصادية، تستغل بكين القواسم الثقافية المشتركة أداةً أخرى للتأثير على المواطنين في تايوان، لإرسال رسالة مفادها أن التوحيد ليس تهديدا وإنما فرصة. على سبيل المثال، في الأول من يناير/كانون الثاني الماضي، أصدرت القيادة الشرقية لجيش التحرير الشعبي مقطعا مصورا للتهنئة بحلول رأس السنة الجديدة، تضمن أغنية عنوانها "الشعب الصيني"، صُمم المقطع بعناية ليناسب الجمهور التايواني، وتضمن مقاطع لطلاب صينيين يزورون تايبيه في مشاهد اجتماعية ودودة.
وتُظهر استطلاعات للرأي أُجريت مطلع 2024 أن نسبة الذين يريدون الاستقلال داخل تايوان تنخفض منذ عام 2020، وأن أكثر من 80% من التايوانيين يريدون الحفاظ على "الوضع الراهن"، لكن نحو 20% فقط يعتقدون أن ذلك ممكن على المدى الطويل. وعند السؤال عما يتوقعونه بدلا مما يفضلونه، قال نحو 30% إن تايوان ستنتهي "بوحدة الصين القارية"، بزيادة 8% عن عام 2020، فيما يشير إلى أن الحرب النفسية الصينية باتت تؤتي أُكلها بصورة متزايدة.
وأبعد من ذلك، فقد أُثيرت في تايبيه، مؤخرا، تقارير صحفية وأمنية تقول إن الصين كثّفت في السنوات الأخيرة محاولات تجنيد سياسيين محليين، أو مدنيين فاعلين، عبر تقديم إغراءات مالية أو فرص سفر وتدريب. هذا لا يعني أن هناك شبكة تجسس بالمعنى التقليدي، بل شبكة نفوذ ناعمة تعمل على تغيير توجه البلاد على المدى البعيد.
وعلى مدار السنوات الأربع الماضية، تضاعف عدد الملاحقات القضائية بتهمة التجسس في محاكم تايوان أربع مرات. ومنذ أن شن الرئيس التايواني، لاي تشينغ دي، حملة تعقب ضد التسلل الصيني في مارس/آذار الماضي، وُضع 5 أعضاء على الأقل من الحزب الحاكم (بمَن فيهم مساعد سابق له) قيد التحقيق بتهمة التجسس، و3 جنود من المكلفين بحراسة مكتب الرئيس اتهموا بتصوير وبيع المعلومات السرية للصين.
فضلا عن ذلك، تتهم السلطات في تايبيه بكين باستخدام شبكات من الحسابات الوهمية والمزيفة على منصات التواصل الاجتماعي لنشر أخبار ومقاطع فيديو تُسهم في تغذية السردية القائلة إن حكومة "الحزب الديمقراطي التقدمي" أداة أميركية تُهدّد الاستقرار الاقتصادي والسياسي للجزيرة وتغامر بالمواجهة مع الصين من خلال تشجيع الانفصال، لخدمة أهداف جيوسياسية أميركية.
وفي 2024 وحدها، رصدت السلطات التايوانية أكثر من 2.16 مليون قطعة من المعلومات وصفتها بأنها "مضلّلة" ومدعومة من الصين، بزيادة 60% عن العام السابق، عبر استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتوليد المحتوى وتعزيز وصوله عبر خوارزميات المنصات الكبرى.
وقبل ذلك، في يوليو/تموز 2019، نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا أشارت فيه إلى أن مجموعة "وانت وانت ميديا" (Want Want Media)، التي تمتلك شبكة واسعة من الصحف والقنوات التلفزيونية البارزة في تايوان، كانت تتلقى توجيهات تحريرية مباشرة من مكتب شؤون تايوان التابع للحكومة الصينية. ووفقا للتقرير، أسهمت تغطية الشبكة في التأثير على نتائج الانتخابات البلدية والانتخابات التمهيدية للرئاسة بصعود مرشحين يتبنّون خطاب الوحدة الصينية.
أزمة سياسية في تايوان.. والصين في الخلفية
شبكة التأثير المعقدة، والعمليات النفسية المركبة، التي تُحكمها الصين حول تايوان، ساهمت مؤخرا في إشعال انقسام سياسي حاد لا يزال يتعمق بما قد يُدخل الجزيرة في أزمة سياسية طويلة، حيث يحاول كلٌّ من الرئيس وقادة المجلس التشريعي تقويض صلاحيات بعضهم بعضا.
يتبع الرئيس، لاي تشينغ دي، الحزب الديمقراطي التقدمي (DPP)، الذي يعارض بشدة مساعي إعادة توحيد الصين ويتبنى خطابا استقلاليا غير مسبوق في تاريخ حكام الجزيرة، ويرى أن تايوان بالفعل دولة مستقلة بحكم الأمر الواقع، ويعمل على تعزيز الهوية التايوانية والانفصال التدريجي عن الصين.
بينما يهيمن على المجلس التشريعي الحزب القومي (KMT) الذي لا يروج صراحة "للتوحيد مع الصين"، لكنه يدعم علاقات أقل توترا مع بكين، ويعارض التصعيد أو الاستفزاز، وغالبا ما يتهم قادته الحزب الديمقراطي التقدمي بأنه يجر البلاد إلى مواجهة مع الصين لا طائل منها.
ومؤخرا أعلن حزب الرئيس، بحسب "فورين بوليسي"، دعمه لحملة جماهيرية لاستدعاء نواب الحزب القومي، متهما إياهم بالتآمر مع الصين لإضعاف تايوان. ويشيرون في ذلك تحديدا إلى زعيم الكتلة البرلمانية للحزب، فو كون تشي، الذي قاد العام الماضي وفدا إلى بكين للقاء وانغ هونينغ، الرجل الرابع في الحزب الشيوعي والمسؤول عن سياسة تايوان، وهناك تحدث الرجلان عن كونهم عائلة واحدة، وعن العمل معا لمنع استقلال تايوان.
عند عودتهم، اعتمد النواب القوميون قانونا يوسّع صلاحيات البرلمان على حساب صلاحيات الرئيس. وعندما حُكم بعدم دستورية بعض بنوده، أصدروا قانونا آخر شلّ عمل المحكمة الدستورية. وفي يناير/كانون الثاني، أجروا تخفيضات شاملة في الميزانية، شملت الدفاع وخفر السواحل والأمن السيبراني.
اتهم الرئيس لاي البرلمان بتقويض أمن تايوان لصالح الصين من خلال إجراءات خفض ميزانية الدفاع، وأن ذلك سيعطي لحلفاء تايوان انطباعا بعدم جديتها في الدفاع عن نفسها. في حين يقول مشرّعو الحزب القومي إن الرئيس هو مَن يرفع ميزانيات الدفاع لاستفزاز الصين والمقامرة بمستقبل الجزيرة.
ولفهم مدى تأثير الصين في المعادلة تجدر ملاحظة هذه القصة: رئيس الكتلة التشريعية فو، نائب عن مقاطعة هوالين على الساحل الشرقي لتايوان التي تعتمد صناعاتها الرئيسية على الزراعة والسياحة، وكلتاهما تعتمد على الصين، وكانت قد تأثرت سابقا بقرار الصين في 2022 حظر استيراد البوميلو (وهو نوع من الحمضيات المهمة في تايوان)، ولكن بعد زيارة فو إلى بكين، رفعت بكين الحظر على استيراد البوميلو من هوالين، في حين لم يشمل رفع الحظر المناطق المؤيدة للحزب الديمقراطي التقدمي، مما رفع الأسهم الشعبية للزعيم القومي بصورة هائلة.
تكتيكات المنطقة الرمادية.. البديل الآمن لبكين
بحسب دراسة فريدة لمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS)، فإنّ الاستعداد لخطر الغزو البرمائي لتايوان لا يُمثّل النقطة المحورية الصحيحة لجهود الولايات المتحدة لحماية الجزيرة.
وتزعم الدراسة أن سياسة الصين الصبورة وطويلة الأمد تجاه تايوان، التي تُعامل التوحيد على أنه "حتمية تاريخية"، إلى جانب سجلّها المتواضع من العمل العسكري في الخارج، يُشيران إلى أن خطة بكين الأكثر ترجيحا ستكون ضمن إطار ما يُعرف بـ"عمليات المنطقة الرمادية"، وهي أنشطة قسرية في المجالين العسكري والاقتصادي لا ترقى إلى مستوى الحرب.
وتُعرّف تكتيكات "المنطقة الرمادية" بأنها إجراءات تُعدّ أدنى مما يُمكن اعتباره في القانون الدولي أعمال حرب، حيث يُمكن لخفر السواحل الصيني، والقوات التابعة له، ومختلف وكالات الشرطة والسلامة البحرية (وهي كلها قوات مدنية) فرض حجر كامل أو جزئي على تايوان، مما قد يؤدي إلى قطع الوصول إلى موانئها ومنع وصول الإمدادات الحيوية، مثل الطاقة، إلى سكان الجزيرة البالغ عددهم 23 مليون نسمة، دون انخراط الجيش الصيني في العملية.
وبحسب الدراسة أيضا، فإن هذا "الحجر" (Quqantine) يختلف قانونا عن "الحصار" (Blockade)، فالحجر عملية تقودها جهات إنفاذ القانون للسيطرة على حركة الملاحة البحرية أو الجوية داخل منطقة محددة، بينما الحصار ذو طبيعة عسكرية في المقام الأول.
وفي الإطار نفسه، يمكن للصين أن تتخذ إجراءات أخرى لفرض السيادة عمليا على تايوان، مثل اشتراط تقديم إقرارات جمركية قبل أن تتمكن السفن من الرسو في الجزيرة. وبالنسبة للسفن التي لا تمتثل، قد يكون لآليات الإنفاذ تأثير حاسم عبر تعطيل جميع عمليات الشحن الخاصة بها.
وتحتاج هذه الخطة إلى نطاق محدود من العمليات من جانب الصين، على سبيل المثال، قد تستهدف الصين فقط ميناء كاوهسيونغ، أكثر موانئ الجزيرة ازدحاما، والمسؤول عن 57% من واردات تايوان البحرية ومعظم وارداتها من الطاقة.
ثمن الحرب
رغم تزايد الخلل في ميزان القوة العسكرية بين الصين وتايوان بصورة هائلة لصالح بكين، فإن الصين تدرك أيضا أن غزو تايوان عسكريا واحتلالها سيظل صعبا للغاية لعقود قادمة، حتى لو بقيت الولايات المتحدة وحلفاؤها على الحياد. لا يهم عدد القوات والأسلحة والإمدادات التي يستطيع جيش التحرير الشعبي حشدها على شواطئ الجزيرة عبر مضيق تايوان.
ولكن لغزو الجزيرة، وبحسب "جيوبوليتيكال فيوتشرز"، ستحتاج الصين إلى الجزء الأكبر من قواتها للصعود إلى قوارب والقيام برحلة مدتها ثماني ساعات في مواجهة القوة النارية التايوانية القادمة من مواقع برية محصنة جيدا ومزودة بإمدادات جيدة. لدى تايوان نحو 130 ألف جندي مُسلّح بطرق متطورة (بالإضافة إلى 1.5 مليون جندي احتياطي) وآلاف المركبات القتالية المدرعة وقطع المدفعية ذاتية الدفع المُموّهة.
لا يصلح سوى 10% من ساحل تايوان للإنزال البرمائي، وحتى لو فُوجِئَت تايوان، فقد تحشد قواتها في مناطق الإنزال، وتُلحق بالصينيين خسائر فادحة. علاوة على ذلك، لا يمتلك جيش التحرير الشعبي الصيني أي تجارب سابقة في العمليات البرمائية في بيئة قتالية حديثة. وتتطلب الحرب البرمائية -بطبيعتها- تنسيقا مُعقّدا للغاية بين القوات الجوية والبرية والبحرية، هذا فضلا عن المتاعب التي سوف ينطوي عليها احتلال الجزيرة لاحقا.
لا تعني هذه التحديات أن الصين لا تستطيع السيطرة على الجزيرة عسكريا إذا أرادت، ولكن تعني أن الأمر لن يكون نزهة عابرة في كل الأحوال. مما يرجح، أو على الأقل يضع في الاحتمال، أن الصين بطبيعتها الصبورة، التي يُذكر بها بناء سور الصين المهول، قد تستمر في نسج الخيوط حول تايوان حتى تسقط في صمت ودون قتال.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 24 دقائق
- الجزيرة
باحث أميركي: الهيمنة على العالم مستقبلا لبكين ولا عزاء لواشنطن
لطالما توقع المنظِّرون أن يشهد العالم بداية قرن تتمكن فيه الصين من تسخير إمكاناتها الاقتصادية والتكنولوجية الهائلة، وتتفوق على الولايات المتحدة، وتعيد توجيه القوة العالمية لتدور حول قطب واحد هو بكين. بهذه العبارة التي توجز مآلات التنافس بين أكبر قوتين في العالم حليا، استهل كايل تشان، الباحث المتخصص في السياسات الصناعية للصين في جامعة برنستون بولاية نيو جيرسي الأميركية، مقاله في صحيفة نيويورك تايمز. وزعم الكاتب أن فجر الهيمنة الصينية ربما يكون قد بزغ بالفعل، وعندما يلقي المؤرخون نظرة إلى الوراء فقد يرون أن الأشهر الأولى من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثانية كانت هي اللحظة الفارقة التي انطلقت فيها الصين وتقدمت تاركة الولايات المتحدة وراءها. ولا يهم -برأيه- أن واشنطن وبكين قد توصلتا إلى هدنة غير حاسمة ومؤقتة في الحرب التجارية التي بدأها ترامب وادعى في حينه أنه انتصر فيها. لكن الباحث يفند هذا الادعاء بالقول إنه يؤكد فقط على المشكلة الأساسية التي تعاني منها إدارة ترامب والولايات المتحدة على حد سواء، وهي التركيز القصير النظر على مناوشات غير ذات مغزى في الوقت الذي تخسر فيه الحرب الكبرى مع الصين بشكل حاسم. وانتقد تشان بعض القرارات التي اتخذها ترامب منذ توليه مقاليد الحكم للمرة الثانية، قائلا إنه بذلك يُحطِّم ركائز القوة والابتكار التي تقوم عليها بلاده. ومن الأمثلة التي أوردها في هذا الصدد أن الرسوم الجمركية التي يفرضها على الواردات تضر بقدرة الشركات الأميركية على الوصول إلى الأسواق العالمية، وتعيق سلاسل التوريد. كما أن إقدامه على تقليص ميزانيات الأبحاث الحكومية وخفض التمويل المقدم للجامعات، يدفعان العلماء والباحثين الموهوبين إلى التفكير في الرحيل إلى بلدان أخرى. ولا يقتصر الأمر على تلك المجالات وحدها، فالمقال يشير إلى أن ترامب يريد أيضا التراجع عن دعم برامج تقنية مثل الطاقة النظيفة وتصنيع أشباه الموصلات، ويقضي على القوة الناعمة الأميركية في مناطق واسعة من العالم. أما الصين فهي تسلك مسارا مختلفا تماما، إذ تتصدر بالفعل الإنتاج العالمي في صناعات متعددة كإنتاج الصلب والألومنيوم، وبناء السفن، والبطاريات والطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية وتوربينات الرياح، والطائرات المسيرة، ومعدات الجيل الخامس، والإلكترونيات الاستهلاكية، والمكونات الصيدلانية النشطة، والقطارات السريعة. ومن المتوقع أن تستحوذ على 45%، أي ما يقرب من نصف التصنيع العالمي بحلول عام 2030. وإلى جانب ذلك، فهي تركز بشدة على كسب المستقبل، حيث أعلنت في مارس/آذار الماضي عن صندوق وطني بقيمة 138 مليار دولار يهدف لضخ استثمارات طويلة الأجل في التقنيات المتطورة مثل الحوسبة الكمية والروبوتات، كما زادت ميزانيتها المخصصة للبحوث والتطوير. وعندما أطلقت شركة "ديب سيك" الصينية الناشئة روبوت الدردشة الآلي للذكاء الاصطناعي في يناير/كانون الثاني، أدرك العديد من الأميركيين فجأة أن الصين يمكن أن تنافس في هذا المجال. ليس هذا فحسب، فوفقا لمقال نيويورك تايمز ، فقد تفوقت شركة "بي واي دي" الصينية لصناعة السيارات الكهربائية على شركة "تسلا" العام الماضي في المبيعات العالمية، وتبني مصانع جديدة في جميع أنحاء العالم، وفي مارس/آذار الماضي وصلت قيمتها السوقية إلى معدلات أكبر من أسعار سيارات فورد وجنرال موتورز وفولكس فاغن مجتمعة. وتتقدم الصين في مجال الاكتشافات الدوائية، وخاصة علاجات السرطان. أما في أشباه الموصلات، فإنها تبني سلسلة توريد تعتمد على نفسها بقيادة الإنجازات الأخيرة التي حققتها شركة هواوي. وفي تقدير تشان أن قوة الصين في مجال هذه التقنيات وغيرها من التقنيات المتداخلة تخلق دورة حميدة تعزز فيها التقدم في قطاعات متعددة متشابكة بعضها بعضا وترفع من شأن جميع تلك المجالات. وينصح الباحث في سياسات الصناعات الصينية الولايات المتحدة بأن تدرك أنه لا الرسوم الجمركية ولا غيرها من الضغوط التجارية ستجعل الصين تتخلى عن قواعد اللعبة الاقتصادية التي تحركها الدولة والتي نجحت معها بشكل جيد، لتتبنى على حين غرة سياسات صناعية وتجارية تروق للأميركيين باعتبارها توجهات منصفة. بيد أن الصين تواجه تحديات خطيرة خاصة بها؛ إذ لا يزال الركود العقاري الذي طال أمده يعيق النمو الاقتصادي ، على الرغم من وجود دلائل على أن القطاع ربما بدأ في التعافي أخيرا. كما أن هناك تحديات على المدى الطويل تلوح في الأفق مثل تقلص القوى العاملة وشيخوخة السكان، طبقا للكاتب، لافتا إلى أن المشككين كانوا يتوقعون وصول الصين إلى الذروة وسقوطها الحتمي لسنوات، إلا أن ظنهم كان يخيب في كل مرة. ويرجح المقال أنه إذا استمر مسار كل دولة على المنوال نفسه، فسينتهي الأمر بأن تفرض الصين هيمنتها الكاملة على التصنيع المتطور؛ بدءا من السيارات والرقائق إلى آلات الرقاقات الإلكترونية والطائرات التجارية. وعلى النقيض من ذلك، فقد تتحول الولايات المتحدة في نهاية المطاف إلى دولة متقزمة، على حد وصف المقال، حيث ستحتمي شركاتها خلف جدران التعريفات الجمركية ، وستبيع منتجاتها بشكل حصري تقريبا للمستهلكين المحليين، وسيؤدي فقدانها الأسواق العالمية إلى تدني أرباحها، وسيجد المستهلكون الأميركيون أنفسهم محصورون في سلع أميركية الصنع متوسطة الجودة وأغلى ثمنا من نظيراتها الخارجية. إعلان واختتم تشان مقالته بالقول إنه لتجنب هذا السيناريو الكئيب فإن الأمر يقتضي من واشنطن اليوم رسم سياسات واضحة تحظى بدعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وتقوم على الاستثمار في البحث والتطوير، ودعم الابتكار الأكاديمي والعلمي والشركات، وإقامة علاقات اقتصادية مع دول العالم، وخلق مناخ مرحب وجاذب للمواهب ورؤوس الأموال الدولية.


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
إسقاط باكستان طائرة رافال فرنسية رفع أسهم شركة صينية 40%
حتى مع توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على صفقات أسلحة ضخمة خلال زيارته للخليج، فإن قتال باكستان الأخير ضد الهند أعطى الصين فرصة لتسويق طائرات مقاتلة بأسعار مخفضة، وفقا لصحيفة تايمز البريطانية. الصحيفة لفتت في البداية إلى أن كلا من الهند وباكستان ادعت أنها انتصرت في القتال الذي دار بين قواتهما في الآونة الأخيرة، دون أن تكون هناك أدلة تثبت ذلك. لكن تايمز ترى، أن الدولة التي بمقدورها أن تقدم أدلة واقعية على انتصار أي من البلدين المتحاربين هي الصين، وعلى الأخص صناعتها العسكرية. فقد أفاد مراسل الصحيفة ريتشارد سبنسر في تقريره، أن أسهم شركة "أفيك تشينغدو" لصناعة الطائرات، ومقرها في جنوب غربي الصين ، شهدت ارتفاعا في قيمتها بنسبة 40% بعد 5 أيام فقط من توقف القتال بين الهند والصين. وكان صراع مسلح قد اندلع بين الهند وباكستان، وهما قوتان نوويتان، في أوائل مايو/أيار الجاري إثر هجوم على سياح هنود في الجزء الخاضع للهند من كشمير أسفر عن مقتل 26 شخصا، وسارعت نيودلهي إلى اتهام جماعات مدعومة من باكستان بالوقوف وراء ذلك الحادث، وهو ما نفته الأخيرة جملة وتفصيلا. وأشارت الصحيفة إلى أن الجيش الباكستاني تمكن من إسقاط طائرة رافال فرنسية -واحدة على الأقل وفقا لمصادر غربية- تابعة لسلاح الجو الهندي بواسطة طائرة أرخص بكثير صينية الصنع من طراز (جيه-10 سي). وأضافت أن الطائرة من إنتاج شركة "أفيك تشينغدو"، وقد قوبل أداؤها في مواجهة طائرة رافال الفرنسية الصنع بحماسة وطنية عارمة في جميع أنحاء الصين. ويقال، إن طائرة (جيه-10 سي) -التي يبلغ سعر تصديرها نحو 40-50 مليون دولار مقارنة بأكثر من 200 مليون دولار للرافال- لديها قدرات رادار قوية تتمثل في "مصفوفة المسح الإلكتروني النشط (AESA)". كما أنها مزودة بصواريخ بعيدة المدى من طراز (بي إل-15)، والتي يُزعم أن أحدها هو الذي أسقط طائرة رافال فوق الهند دون أن تغادر الطائرة الباكستانية مجالها الجوي. وفي مقال نُشر على موقع شبكة (تشاينا أكاديمي) البحثية، كتب المحلل الصيني هو شيجين أن إسقاط الطائرة الفرنسية الصنع مثل "أحد أكثر إنجازات الأسلحة الصينية إقناعا على أرض الواقع والساحة العالمية، ولحظة اختراق للصناعة العسكرية الصينية". شيجين: إسقاط طائرة غربية الصنع بواسطة طائرة صينية قديمة الطراز ستكون له تداعيات وخيمة على أي حرب في المستقبل فوق سماء تايوان التي عليها أن تشعر بالخوف وتابع "إن إسقاط طائرة غربية الصنع بواسطة طائرة صينية قديمة الطراز ستكون له تداعيات وخيمة على أي حرب في المستقبل فوق سماء تايوان التي عليها أن تشعر بالخوف" حسب تعبيره. وكشف أن الصين لديها طائرتان جديدتان تتفوقان على تلك الطائرة القديمة الطراز، وهما من فئة (جيه-20) التي دخلت الخدمة الآن، والأخرى من فئة (جيه-35)، وهي تخضع حاليا للتجارب النهائية. وفي حين أن كلاً من الصين والولايات المتحدة وحلفائها تستخدم حاليا طائرات الجيل الخامس الأكثر تطورا -من أمثال طائرة (جيه-22) الصينية، وطائرتي (إف-22) و (إف-35) الأميركتين- فإن هناك طلبات من "القوى العسكرية الثانوية" على التكنولوجيا الحديثة، لكنها ليست الأحدث والأكثر تطورا. وعلى الرغم من هيمنة الصين عادة على أسواق التصدير، إلا أنها فشلت في اللحاق بالركب في مجال الطائرات والمعدات العسكرية الأخرى. فقد ظلت منذ عام 2019 وحتى العام الماضي، تحتل المرتبة الرابعة في إجمالي مبيعات الأسلحة، بعد أميركا -التي تعد أكبر مُصنِّع للسلاح في العالم- وفرنسا وروسيا، وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. وطبقا للتايمز، فإن باكستان تستحوذ على نصيب الأسد من صادرات الأسلحة الصينية. ولكن بعد أن كانت أميركا هي التي تزودها بالسلاح، تسببت خلافات بين البلدين في مزاعم تتعلق بـ"الإرهاب" ودعم إسلام آباد حركة طالبان في أفغانستان في تقلص صفقات البلدين من السلاح، مما دفع إسلام آباد إلى التحول بدرجة كبيرة نحو بكين. وتعتقد الصحيفة البريطانية، أن دولا أخرى في الشرق الأوسط ، وخاصة تلك الواقعة في أفريقيا ، قد تحذو حذو باكستان ، مشيرة إلى أن مصر -"التي غالبا ما تختلف مع حليفها الأميركي ومزودها بالأسلحة"- أجرت أخيرا أول مناورات جوية مشتركة مع الصين، والتي بلغت ذروتها بقيام طائرات (جيه-10 سي) بالتحليق فوق الأهرامات. ويرجح يو زيوان مراسل صحيفة (ليناهي زاوباو) التي تصدر باللغة الصينية في سنغافورة، أن يدفع الأداء المتميز للأسلحة الصينية عالية التقنية مثل طائرة (جيه-10 سي) في الاشتباك الأخير بين الهند وباكستان، إلى تعزيز الاعتراف والثقة بها في الساحة الدولية.


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
أفغانستان تواجه تداعيات الصراع بين الهند وباكستان
كلما اتخذت التوترات الجيوسياسية بين الهند وباكستان مسارا متصاعدا، تبرز تداعياتها الإقليمية العميقة، لتشمل أفغانستان بوصفها دولة محورية في قلب آسيا. ويُضفي موقع أفغانستان الجغرافي الحساس، كدولة حبيسة تقع عند تقاطع مصالح 3 قوى نووية كبرى، بعدا إضافيا من التعقيد على وضعها الأمني والسياسي، ورغم أنها ليست طرفا مباشرا في النزاع فإن موقعها الإستراتيجي يجعلها عرضة لتداعياته المختلفة. ورغم سعي أفغانستان الدائم تاريخيا إلى اتباع سياسة الحياد تجاه النزاعات الهندية الباكستانية، فإن هذه الجهود لم تلقَ دائما تجاوبا إيجابيا من قبل كل من نيودلهي وإسلام آباد اللتين تسعى كل منهما لاستمالة كابل إليها ضد الأخرى. التداعيات السياسية وفي بيان رسمي، دعت وزارة الخارجية الأفغانية الهند وباكستان إلى "حلّ الخلافات القائمة عبر الطرق السلمية. فالحرب وعدم الاستقرار لا يخدمان مصلحة المنطقة، والإمارة الإسلامية (طالبان) تدعم استقرار المنطقة". وفي ظل تصاعد التوترات العسكرية بين الهند وباكستان، سعت إسلام آباد إلى كسب موقف داعم من حكومة طالبان، أو على الأقل ضمان حيادها ومنعها من الانفتاح على نيودلهي، لكن طالبان تواجه تحديا دبلوماسيا بالغ التعقيد؛ فتبنّي موقف منحاز في هذه المرحلة قد يعرضها لفقدان ثقة عدد من الدول المؤثرة في المشهد الإقليمي، مثل إيران وروسيا، مما يجعلها أمام اختبار دقيق لموازنة علاقاتها الإقليمية مع طموحاتها للحصول على اعتراف دولي. وكانت وزارة الخارجية الأفغانية قد أصدرت بيانا أدانت فيه الهجوم الذي استهدف مجموعة من السياح في الشطر الهندي من كشمير في 22 أبريل/ نيسان الماضي، معربة عن تعاطفها مع الضحايا، ومؤكدة أن هذا النوع من الحوادث "يعطل الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار والأمن الإقليميين". وتزامنا مع ذلك، شهدت العاصمة كابل زيارة قام بها أناند براكاش، نائب وزير الخارجية الهندي لشؤون أفغانستان وباكستان وإيران، حيث التقى وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي. وقد وصف براكاش العلاقات بين البلدين بأنها "مهمة"، مؤكّدا استمرار التعاون الهندي مع أفغانستان، والتطلع إلى استئناف المشاريع المتوقفة والاستثمار في مشاريع بنية تحتية جديدة. وفي بيان لوزارة الخارجية الأفغانية عقب اللقاء، أُشير إلى أنه قد تم التطرق إلى "الوضع السياسي في المنطقة"، دون أن يتضمن البيان أي ذكر مباشر للتوتر القائم بين الهند وباكستان. يُذكر أن وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي كان قد التقى بنائب وزير الخارجية الهندي فيكرام ميسري في مدينة دبي في يوليو/تموز 2024، وهو اللقاء الذي عُدّ أعلى مستوى من الاتصالات الرسمية بين الحكومة الهندية وطالبان منذ سيطرة الأخيرة على الحكم عام 2021. على صعيد آخر، تنظر الهند إلى الأوضاع الراهنة كفرصة محتملة لتعزيز مشاريعها الإقليمية الإستراتيجية، مثل تطوير ميناء تشابهار الإيراني، الذي يُعد منفذا رئيسيا للتجارة نحو أفغانستان وآسيا الوسطى. ويمكن اعتبار هذا التوجه بمثابة محاولة لتقليل اعتماد كابل على الموانئ الباكستانية، وهو ما قد تنظر إليه إسلام آباد كمحاولة لتطويقها جيوسياسيا. يرى السفير الأفغاني السابق لدى نيودلهي، فريد ماموندزاي، أن أفغانستان ظلت لفترة طويلة ساحة لتجاذبات إقليمية بين الهند وباكستان، مؤكدا أن البلاد "عانت دائما من هذا الواقع". ويضيف أن حكومة طالبان "مترددة ولا تعرف أي جانب ستختار". أما المحلل السياسي الأفغاني أحمد سعيدي، فقد وصف الوضع الذي تواجهه طالبان بأنه "موقف صعب"، لكنه رجّح أن تتجه الحركة إلى "تبني الحياد" في النزاع بين الجارتين النوويتين. وبينما تباينت مواقف شخصيات سياسية أفغانية محسوبة على النظام السابق تجاه الصراع، انتقد عطا محمد نور، أحد قادة حزب الجمعية الإسلامية الأفغاني، الهجوم الهندي محذرا من تبعات الاستهانة بقدرات باكستان العسكرية، قائلا "يبدو أن الهند تسير على نهج النظام الإسرائيلي، لكنها يجب أن تدرك أن باكستان ليست غزة بلا دفاع؛ إنها إحدى القوى العسكرية والنووية في المنطقة". ومن اللافت في خضم هذه التطورات، الزيارة التي قام بها المندوب الباكستاني الخاص إلى أفغانستان، صادق خان، إلى كابل بتاريخ 9 أبريل/نيسان، حيث أجرى محادثات مع المسؤولين الأفغان لم يُكشف عن فحواها، في خطوة فسّرها مراقبون على أنها تأتي ضمن محاولات باكستانية لمنع أي تقارب محتمل بين طالبان والهند. التداعيات الأمنية في حال عودة نشوب مواجهة مسلحة بين باكستان والهند واتساعها، يُتوقع أن تقدم إسلام آباد على إعادة نشر عدد كبير من قواتها النظامية من المناطق الغربية المحاذية لأفغانستان إلى الجبهة الشرقية المواجهة للهند. مثل هذه الخطوة قد تخلق فراغا أمنيا في المناطق الحدودية الباكستانية، خاصة في إقليمي خيبر بختونخوا ومناطق القبائل، وهي مناطق تُعد ساحة نشطة لجماعات مسلحة على غرار " حركة طالبان باكستان" وتنظيم "الدولة-خراسان". وقد يشكل هذا الانسحاب المؤقت من الحدود الغربية فرصة ثمينة لهذه الجماعات المسلحة لإعادة تنظيم صفوفها، وتوسيع أنشطتها العملياتية عبر جانبي الحدود. ويرى الكاتب والمحلل السياسي الأفغاني محمد مصعب، في حديث للجزيرة نت، أن "انعدام السيطرة الأمنية على الحدود من الجانب الباكستاني، سيفتح الباب أمام تدفقات متبادلة من المقاتلين والأسلحة، لا سيما عبر ممرات معروفة في ولايتي ننغرهار وكونر الأفغانيتين". ويضيف "هذا التدفق لا يقتصر على عناصر حركة طالبان الباكستانية، بل قد يشمل فصائل مسلحة أخرى ترى في هذا الصراع فرصة لتوسيع عملياتها، أو حتى لتجنيد عناصر جديدة تحت شعار مواجهة العدو المشترك. هذا بدوره سيفاقم من الأزمة الأمنية داخل أفغانستان، التي تعاني أصلا من هشاشة في ضبط حدودها الشرقية". مشاكل أمنية مشتركة بين كابل وإسلام آباد من جهة أخرى، تتهم باكستان الهند بدعم جماعات مسلحة تنشط في إقليمي بلوشستان وخيبر بختونخوا، وقد أعلن الجيش الباكستاني في وقت سابق أنه قتل 71 مسلحا دخلوا البلاد "من أفغانستان"، وفق بيان رسمي. وادعى الجيش الباكستاني أن هؤلاء المسلحين "كانوا ينفذون أوامر صادرة عن قادة هنود". هذه المزاعم أثارت تساؤلات حول إمكانية سعي المؤسسة العسكرية الباكستانية إلى جرّ حكومة طالبان إلى قلب الصراع القائم مع الهند، لا سيما في ظل الإشارة إلى أن بعض هؤلاء القتلى "مواطنون أفغان" ومنتمون إلى حركة طالبان باكستان. وفي هذا السياق، حذر رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف من صعوبة إقامة علاقات سلمية مع حكومة طالبان ما دامت الجماعات المسلحة تستخدم الأراضي الأفغانية لشن هجمات ضد بلاده. ورغم هذه الاتهامات، لم تُصدر كابل ولا حركة طالبان الباكستانية أي رد فعل رسمي، غير أن ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم حكومة طالبان، كان قد وصف في تصريحات سابقة حركة طالبان باكستان بأنها "مشكلة تتعلق بالأمن الداخلي الباكستاني". وبالإضافة إلى ذلك، أي تحرك عسكري باكستاني على الحدود المشتركة مع أفغانستان، سواء عبر عمليات ميدانية أو غارات استباقية ضد مواقع مشتبه بها، قد يُفسر من قبل حكومة طالبان بأنه انتهاك للسيادة الوطنية، مما قد يعيد فتح جبهة نزاع ثنائي جديد بين الطرفين، تُضاف إلى التوترات الأمنية القائمة. التداعيات الاقتصادية أفغانستان دولة حبيسة تعتمد بشكل أساسي على الموانئ الباكستانية، خصوصا ميناء كراتشي، في عمليات الاستيراد والتصدير. في حال اندلاع حرب واسعة النطاق بين الهند وباكستان، ستتعرض طرق الإمداد هذه للإغلاق، مما سيؤدي إلى نقص حاد في السلع الأساسية، من الوقود إلى الأغذية والأدوية. ومن المتوقع أن ينتج عن ذلك ارتفاع كبير في الأسعار، مما يزيد من معاناة السكان. ومن المتوقع أن يؤدي إغلاق معبر واجه-أتاري وميناء كراتشي، اللذين يمر عبرهما الجزء الأكبر من صادرات وواردات أفغانستان إلى تفاقم النقص في السلع، فخلال التصعيد الأخير تم الإبلاغ عن ارتفاع أسعار بعض السلع خلال يومين فقط من تصاعد الاشتباكات بين الهند وباكستان. وفقا لغرفة التجارة الأفغانية، تصدر أفغانستان إلى الهند سنويا بضائع بقيمة تقدر بنحو 500 مليون دولار، يتم نقل 80% منها عبر معبر واجه-أتاري، الذي أُغلق عقب التوترات الأخيرة بين البلدين، مما أثر بشكل مباشر على حركة التجارة. كما أن مشروع خط أنابيب تابي (تركمنستان-أفغانستان-باكستان-الهند)، الذي يمثل شريانا اقتصاديا حيويا، قد يتوقف تماما إذا استمر النزاع بين باكستان والهند، ما سيحرم أفغانستان من فوائد اقتصادية كبيرة، تشمل الغاز الطبيعي والوظائف والاستثمارات، بالإضافة إلى إيرادات تقدر بـ 500 مليون دولار سنويا. ويقول أستاذ الاقتصاد السابق في جامعة كابل، سيد مسعود، إن "الحرب بين الهند وباكستان ستؤثر تأثيرا عميقا على الوضع الاقتصادي في أفغانستان. سترتفع تكاليف النقل، وستنخفض المساعدات المالية، وستشهد الأسواق ارتفاعا في الأسعار بنسبة تتراوح بين 30% و70%". بالإضافة إلى ذلك، يحذر مسعود من انخفاض غير مسبوق في حجم البضائع على الحدود، مما سيدفع الأسواق الأفغانية للانكفاء نحو آسيا الوسطى والصين كبدائل. التداعيات الإنسانية وفي حالة تصعيد الصراع وتوسع رقعة أية حرب محتملة بين الهند وباكستان، من المتوقع تدفق موجات واسعة من اللاجئين من المناطق الباكستانية المتضررة جراء القصف والعنف إلى الأراضي الأفغانية. وسيشكل هذا التدفق المفاجئ ضغطا كبيرا على البنية التحتية الضعيفة في أفغانستان، فضلا عن تفاقم التوترات السكانية، لا سيما في المناطق الحدودية. في الوقت ذاته، سيؤدي اضطراب سلاسل الإمداد وارتفاع أسعار السلع الأساسية إلى تعميق أزمة الأمن الغذائي ، خاصة في المناطق الريفية التي تعتمد بشكل كبير على المساعدات الإنسانية. إعلان كما قد تواجه المنظمات الإغاثية صعوبات كبيرة في تنفيذ برامجها بسبب انعدام الاستقرار ونقص التمويل، مما يهدد حياة ملايين الأفغان بجوع متزايد وسوء تغذية. وسط تناقضات جغرافية وضغوط من الجيران واضطرابات إقليمية متكررة، تقف أفغانستان، التي لم تكد تلتقط أنفاسها بعد عقود من الاحتلال والصراع، على حافة خطر جديد مع تجدد المواجهات بين الهند وباكستان. وستتوقف قدرتها على تجاوز هذه المرحلة الحرجة على مرونتها الدبلوماسية، وفتحها لبدائل تجارية فعالة، فضلا عن قدرتها على الحفاظ على الاستقرار الداخلي في مواجهة هذه العواصف الخارجية.