
رهانات قمة ترامب وبوتين
لكن حتى الآن لم ينجح ترامب فى إحداث اختراق حقيقى فى تلك الأزمة، وهذا يرجع بشكل أساسى إلى أولا: غياب رؤية واضحة ومتماسكة لترامب تجاه حل الأزمة، حيث يعتمد بشكل اساسى على قناعاته المتغيرة والمتقلبة بل والمتناقضة فى كثير من الأحيان، كما يعتمد بالأساس على مبعوثه ويتكوف الذى زار روسيا مؤخرا، لكن ويتكوف، الذى كلفه ترامب أيضا بملفات مفاوضات البرنامج النووى الإيرانى وحرب غزة، لم ينجح حتى الآن فى أى منها، كما يلاحظ تهميش ترامب لوزير الخارجية ماركو روبيو أو المؤسسات الأمريكية فى إدارة تلك الملفات. وثانيا: اعتماد ترامب على إستراتيجية العصا والجزرة فى التعامل مع روسيا، لدفعها نحو الحل السياسى وهو ما أفقد ثقة روسيا فى سياساته، فقد هدد ترامب روسيا ومنحها مهلة عشرة أيام لوقف الحرب وإلا سيفرض عقوبات شاملة عليها، وعلى شركائها التجاريين الذين يستوردون النفط الروسى، خاصة الصين والهند، وإعطاء الضوء الأخضر للكونجرس لإصدار التشريع الخاص بمعاقبة روسيا، كما أرسل ترامب غواصتين نوويتين لأماكن قريبة من روسيا ردا على ما اعتبره ترامب تهديد الرئيس الروسى السابق ميدفيديف بتحذير أمريكا من اليد المميتة لروسيا ويقصد بها منظومتها النووية، لكن فى المقابل يلجأ ترامب إلى سياسة الجزرة، عبر إرسال مبعوثه ويتكوف لروسيا لدفع المسار التفاوضى، ويسعى لعقد قمة مع الرئيس بوتين فى محاولة لإحداث اختراق جذرى.
القمة المرتقبة بين ترامب وبوتين فى ألاسكا، كان من المفترض أن تعقد منذ شهور، لكن تطورات الأوضاع على الأرض أدت إلى تأجيلها، خاصة مع تزايد الدعم العسكرى الأمريكى لأوكرانيا وخطاب النقد الشديد لترامب تجاه بوتين. ولاشك أن انعقاد القمة يعكس حرص الرئيسين ترامب على ضرورة حل الأزمة، ويمثل تطورا إيجابيا، ويعكس جدية روسيا فى الانفتاح على الحوار لإنهاء الحرب، لكن يظل السؤال، هل تنجح جهود ترامب بالفعل ولقاؤه مع الرئيس بوتين فى كسر حالة الجمود السائدة منذ سنوات؟.
الواقع أن قمة ترامب وبوتين، قد تسهم بالفعل فى إحداث نوع من الحلحلة فى الأزمة، وقد تفضى إلى اتفاق جزئى لوقف إطلاق النار، أو هدنة جزئية تتعلق بعدم استهداف المنشآت الحيوية، خاصة منشآت الطاقة، لكن حل الأزمة بشكل شامل عملية معقدة لا يمكن للقمة لوحدها أن تفك طلاسمها، وذلك لأنها مرتبطة بمضمون التسوية للأزمة. فروسيا لديها شروط واضحة لإنهاء الحرب، وهى الاعتراف بسيطرتها على المناطق الأربع فى شرق أوكرانيا، وهى جمهوريتا لوجانسك ودونيتسك ومقاطعتا زابوريجيا وخيرسون، إضافة لشبه جزيرة القرم، باعتبارها أراضى روسية، وكذلك عدم انضمام أوكرانيا لحلف الناتو وحيادها وتخفيض جيشها وعدم نشر الناتو لأسلحته الإستراتيجية فى شرق أوروبا بالقرب من الحدود الروسية، وأكدت موسكو موقفها، وأنها لن تتنازل عن تلك الشروط، التى هى فى المقابل غير مقبولة من أوكرانيا ومن الدول الأوروبية حيث يطالبون بانسحاب روسى كامل من تلك المناطق، إضافة إلى مطالبات أوكرانيا روسيا بدفع تعويضات عن الحرب ومحاكمة المسئولين الروسيين وهى بالطبع مرفوضة بالنسبة لروسيا.
وبالتالى فى ظل تناقض المواقف والرؤى الكبير بين روسيا، وكل من أوكرانيا وأوروبا، يسعى ترامب إلى إيجاد طريق ثالث لوقف الحرب عبر مقاربته الواقعية التى تتضمن أن يرتكز الحل على الوضع الميدانى، وأن تتخلى أوكرانيا عن بعض أراضيها مقابل التسوية الشاملة والضمانات الأمريكية لأوكرانيا، لكن الإشكالية أن ترامب يتراجع مرة أخرى إلى الوراء أمام ضغوط الدول الأوروبية وضعوط الدولة العميقة الأمريكية، خاصة المجمع الصناعى العسكرى ولوبى الطاقة، المستفيدين الأول من استمرار الحرب، ثم يلجأ ترامب إلى التصعيد تجاه روسيا واستخدام سلاحه المفضل وهو العقوبات الاقتصادية، لكن تأثير العقوبات يظل محدودا فى تغيير موقف روسيا أو دفعها للتسوية، فقد تعرضت لأكبر موجة من العقوبات الغربية خلال السنوات الماضية، ولم تؤثر بشكل كبير على اقتصادها، كما ان الصين والهند لن تتجاوب مع العقوبات الأمريكية، خاصة فيما يتعلق باستيراد النفط الروسى، الذى تستورده البلدان بأسعار رخيصة. كما يعتبران العقوبات الأمريكية والغربية غير قانونية، لأنها لم تصدر عن الأمم المتحدة، وبالتالى غير ملتزمين بها.
قمة بوتين وترامب تعد خطوة مهمة فى طريق إنهاء الحرب، لأن التسوية الشاملة هى بالأساس بيد موسكو وواشنطن، لكن هذا يتطلب تغير المواقف الأمريكية والأوروبية بشكل ملموس، خاصة فيما يتعلق بالإصرار على ضم أوكرانيا للناتو، أو توسع الحلف شرقا وتهديد روسيا، وبدون ذلك ستظل جهود ترامب فى حل الأزمة كمن يطلق النار فى الهواء، وهو ما تجسد فى فشل جهوده على مدى الشهور الستة الماضية فى إنهاء الحرب.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المشهد العربي
منذ 9 دقائق
- المشهد العربي
الولايات المتحدة تخفف العقوبات المضادة لروسيا حتى الأربعاء القادم
أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية اليوم الأربعاء، ترخيصاً يسمح بتشغيل جميع العمليات المحظورة بموجب العقوبات المضادة لروسيا، والتي تعتبر ضرورية لتنظيم لقاء زعيمي روسيا والولايات المتحدة في ألاسكا. وينص الترخيص، على أن "جميع العمليات المحظورة بموجب عقوبات الأنشطة الأجنبية الضارة وعقوبات أوكرانيا/روسيا، والتي تعتبر اعتيادية وضرورية للمشاركة في اجتماعات ولاية ألاسكا بين حكومتي الولايات المتحدة والاتحاد الروسي أو دعمها، مسموح بها حتى الساعة 00:01 بتوقيت شرق الولايات المتحدة (07:01 توقيت موسكو) يوم 20 أغسطس 2025". وكان الكرملين والبيت الأبيض قد أعلنا سابقا عن عقد لقاء بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب في ألاسكا يوم 15 أغسطس. وأشار مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف، إلى أن المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف طرح خلال زيارته لروسيا فكرة لقاء ثلاثي يضم بوتين وترامب وفلاديمير زيلينسكي، إلا أن الجانب الروسي امتنع عن التعليق على الاقتراح، مفضلا التركيز على التحضير للقاء الثنائي. ومن جانبه، أكد الرئيس بوتين أن لقاءه مع زيلينسكي ممكن لكنه يتطلب ظروفا معينة غير متوفرة حاليا. فيما أعلن زيلينسكي قبل لقاء بوتين وترامب رفضه لأي تنازلات إقليمية.


المشهد العربي
منذ 9 دقائق
- المشهد العربي
محكمة أمريكية ترفض تجميد قرار ترامب بوقف المساعدات الخارجية
قررت محكمة استئناف اتحادية اليوم الأربعاء، إلغاء أمر قضائي من محكمة أدنى كان يلزم إدارة ترامب بمواصلة تمويل المساعدات الخارجية. وفي قرارٍ صدر بأغلبية صوتين مقابل صوت واحد، قالت هيئة من 3 قضاة في محكمة الاستئناف الأمريكية في دائرة مقاطعة كولومبيا، إن المحكمة الأدنى درجة أخطأت، عندما أمرت إدارة ترامب بإعادة تمويل المساعدات الخارجية لأن الكونجرس وافق عليها قبل وقفها. وعلق ترامب لمدة 90 يوماً جميع المساعدات الخارجية في 20 يناير، الذي تولى فيه منصبه لولاية ثانية في البيت الأبيض. وتضمن أمره التنفيذي تقليص الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، الوكالة الرئيسية للمساعدات الخارجية، ومنح إجازات طويلة للعديد من موظفيها، ودراسة ضمها إلى وزارة الخارجية. ورفعت منظمتان غير ربحيتين، تحصلان على تمويل اتحادي، هما ائتلاف مناصرة اللقاح ضد الإيدز، وشبكة تطوير الصحافة، دعوى قضائية زعمتا فيها أن تجميد ترامب للتمويل، غير قانوني. وأمر قاضي المحكمة الجزئية الأمريكية أمير علي، الذي عينه الرئيس السابق جو بايدن، إدارة ترامب بدفع ما يقرب من ملياري دولار من المساعدات المستحقة لشركائها في المجال الإنساني حول العالم.


المشهد العربي
منذ 9 دقائق
- المشهد العربي
ألمانيا: سنمول توريدات الأسلحة الأمريكية لأوكرانيا بـ500 مليون دولار
أعلنت وزارة الخارجية الألمانية اليوم الأربعاء، أن برلين ستمول توريدات الأسلحة الأمريكية لأوكرانيا بقيمة تصل إلى 500 مليون دولار، ضمن الآلية الجديدة للناتو. وأشارت الخارجية الألمانية في بيان لها، إلى أن هذه ستكون واحدة من الشحنات الأولى للأسلحة في إطار الآلية الجديدة. وأضافت أن حلف الناتو سيقوم بتنسيق تنفيذ القرار وسيضمن تلبية الاحتياجات "الأكثر إلحاحا" لأوكرانيا. وكان وزير الدفاع الأوكراني دينيس شميغال قد أعلن في وقت سابق أن الآلية الجديدة التي أطلق عليها اسم "قائمة احتياجات أوكرانيا ذات الأولوية" (PURL)، تهدف إلى ضمان توريدات الأسلحة لأوكرانيا بسرعة، والتي تصنعها الولايات المتحدة. وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أعلن في وقت سابق عن اتفاق واشنطن مع شركاء أوروبيين في الناتو على الآلية لتزويد أوكرانيا بالأسلحة الأمريكية بتمويل أوروبي.