
هل يُرفع الصليب عن العلم وتودع بريطانيا المسيحية قريبا؟
أظهرت أرقام مكتب الإحصاء الوطني أن الإسلام كان الدينَ الأكثر انتشارًا في بريطانيا خلال العقد الثاني من الألفية الحالية (بيكساباي)
في عام 2011، نزلت بيانات مكتب الإحصاء الوطني للتعداد السكاني في بريطانيا على الكثيرين كالصاعقة، فالإحصاء الذي وُصف آنذاك بأنه الأكثر دقة وشمولا في البلاد، أثبت تضاؤلا ملحوظا للحضور المسيحي في المملكة المتحدة، إذ أكدت الإحصاءات أن المسيحيين في إنجلترا وويلز يمثلون 59% فقط من السكان (ما عادل وقتها 33.2 مليون نسمة). هذا الأمر شكل صدمة، بالنظر إلى أن بريطانيا التي جعلت من الصليب المسيحي شعارًا لعلَمها، كان 75% من أطفالها قد تم تعميدهم في عام 1933.
رغم أن الأرقام أثارت الكثير من النقاشات، فإنها لم تكن تحمل مؤشرًا خطيرًا بالنسبة للمؤسسات المسيحية في إنجلترا، إذ كانت أغلبية السكان ما زالت تعتنق المسيحية رغم أن عددهم تقلص بمقدار 4 ملايين شخص مقارنة بعام 2000. وطمحت الكنائس في المملكة المتحدة إلى أن تُغيّر السنوات اللاحقة من طبيعة المشهد بحيث تستطيع البلاد أن تعود لتقف فوق البساط الذي سُحب من تحت أقدامها.
ومن ثم فقد قالت كنيسة إنجلترا آنذاك إن "هذه الإحصاءات تمثل تحديًا لنا، لكنها تؤكد أننا ما زلنا أمة مؤمنة"، كما قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في عام 2014: "أعتقد أننا يجب أن نكون أكثر ثقة في وضعنا كدولة مسيحية، وأن نكون أكثر طموحا في توسيع دور المنظمات القائمة على الإيمان، بل وبصراحة، أكثر استعدادًا للتبشير بالإيمان الذي يدفعنا لإحداث فارق في حياة الناس". ولكن كان واضحًا من الأرقام أن الإسلام واللادينية يسحبان البساط من تحت أقدام الكنائس في المملكة المتحدة ويجتذبان المعتنقين.
مرت 10 سنوات ليظهر الإحصاء الجديد، ويؤكد أن الكنائس البريطانية لم تكسب التحدي الذي وضعته لنفسها. فمع حلول عام 2021 باتت نسبة من يعتبرون أنفسهم مسيحيين في إنجلترا وويلز تمثل أقل من نصف تعداد السكان، وبنسبة بلغت 46.2% فقط، وهو انخفاض كبير للغاية عما كان عليه الأمر في عام 2011.
وأصبح متوسط عمر المسيحيين في المملكة المتحدة مرتفعًا للغاية (51 عاما)، وهو أعلى متوسط عمر مسجل في تاريخ الإحصاء، وسط عزوف واضح من الشباب عن الدين، إذ كان من هم دون 40 عامًا أكثر ميلا إلى القول بأنهم غير مؤمنين بدين، كما انخفضت بشكل حادٍّ أعداد المصلين المنتظمين في الكنيسة خلال العقد الثاني من الألفية.
وعلى الجانب الآخر، أعلن 64.2% من 1200 كاهن مسيحي استطلعت صحيفة "ذا تايمز" آنذاك رأيهم بشأن الإحصاء، أن بريطانيا لم تعد دولة يمكن وصفها بالمسيحية.
أثبتت الإحصاءات أن اللادينية والإسلام هما الفَرسان الأكثر ربحًا من ناحية جذب المعتنقين الجدد في المملكة المتحدة، فبينما انخفضت نسبة المسيحيين، ارتفعت نسبة اللادينيين من 25% عام 2011 إلى 37.2% من السكان بحلول عام 2021 (ما يعادل 22.2 مليون شخص)، وارتفع عدد المسلمين من نسبة 4.9% إلى 6.5%. ومن المهم هنا معرفة أن 26% فقط من البالغين في إنجلترا وجزيرة ويلز يشاركون في أنشطة دينية أكثر من مرة واحدة في العام، بينما يشارك 9% فقط منهم في أنشطة دينية أسبوعية.
جدير بالذكر أن اللادينية التي تتحدث عنها أرقام مكتب الإحصاء لا تعني بالضرروة الإلحاد، فقد تعني للبعض اللاأدرية، أو أنهم ما زالوا في طريق البحث عن الدين، أو ربما يؤمن بعضهم باعتقادات روحانية معينة لا يدرجونها في خانة الدين، أو يؤمنون بإله خالق لكنهم لم يقتنعوا بدين بعينه.
على جانب آخر، أظهرت أرقام مكتب الإحصاء الوطني آنذاك (والتي تُجرى كل عشر سنوات)، أن الإسلام كان الدينَ الأكثر انتشارًا في بريطانيا خلال العقد الثاني من الألفية الحالية، إذ ارتفع عدد المسلمين بزيادة مقدارها 1.2 مليون مسلم من عام 2011 إلى 2021، مشكلين 6.5% من تعداد السكان في البلاد (ما يعادل 3.9 ملايين نسمة).
وقد حققت الديانة الإسلامية هذه الزيادة في أعداد المعتنقين في مقابل انحسار المسيحية والزيادة الطفيفة في أعداد الهندوس من 1.5% من تعداد السكان في عام 2011 إلى 1.7% في عام 2021، بينما كانت الزيادة في نسبة اليهود أقل أيضًا من ذلك (من 256 ألف مواطن في 2011 إلى 271 ألفا في 2021). وكذلك ارتفع تعداد السيخ بنسبة ضئيلة للغاية من 0.8% إلى 0.9%، وربما يُعزى ذلك إلى الهجرة أكثر منها إلى التحول من بين أتباع الأديان الأخرى.
"الاستبدال العظيم"
نظرية الاستبدال العظيم باختصار، نظرية يؤمن بها العديد من أطراف أقصى اليمين في أوروبا، وهي نظرية مؤامرة تفيد بأن تنامي الهجرات من البلدان الإسلامية ومن أصحاب البشرة السمراء ستجعل أغلبية السكان الأوروبيين المسيحيين البيض يتناقصون، حتى تصبح أوروبا يومًا ما قارة إسلامية يمثل فيها البيض المسيحيون أقلية.
ورغم أن نظرية الاستبدال العظيم لا تجد الكثير من الصدى في المملكة المتحدة مثل دول أخرى كألمانيا وفرنسا، بحكم أن النموذج البريطاني من الأساس يمثل تجربة أكثر تعايشًا مع الإسلام، فإن أرقام مكتب الإحصاء الوطني حفزت اليمين المتطرف في البلاد لاستخدام نظرية المؤامرة تلك لوصف تراجع المسيحية في البلاد حتى باتت تمثل أقل من نصف السكان، في وقت يتصاعد فيه الإسلام داخل المملكة بسرعة كبيرة.
بحسب تقرير أعدته "يورو نيوز"، فإن المعلقين السياسيين المتطرفين في بريطانيا استغلوا هذه الأرقام في خطابهم، وبحسب رئيس الاتصالات والتحرير في معهد الحوار الاستراتيجي، تيم سكويريل، فإن الإحصاء أدى وقت ظهوره إلى ارتفاع ملحوظ في بريطانيا من ناحية الحديث حول نظرية المؤامرة المعروفة باسم "الاستبدال العظيم"، والحديث حول "الإبادة الجماعية للمسيحيين البيض".
وقد رأى سكويريل أنه على الرغم من أن قلة من السياسيين الكبار في بريطانيا قد يجرؤون على استخدام مثل هذه المصطلحات ونظريات المؤامرة، فإن نمو استخدام هذه المفاهيم في الجماعات الهامشية داخل المجتمع ينبغي أن يُنظر إليه بقلق.
جدير بالذكر هنا أن هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) وكلية كينغز في لندن، أجرتا استطلاعا في عام 2023 سألتا فيه المبحوثين عن نظرية الاستبدال العظيم، وقد وافق حوالي 10% من المستجوبين على أن تلك النظرية "حقيقية بالتأكيد" من وجهة نظرهم، في حين قال 20% من المستجوبين إن النظرية "ربما تكون صحيحة".
لكن، على كل حال، يبدو الواقع مخالفًا تمامًا للرأي القائل بأن التأثير الذي حدث في بريطانيا ناتج عن هجرات المسلمين إليها، فالواقع أن المسيحية انخفضت بشكل أساسي بسبب زيادة رقعة اللادينية.
صحيحٌ أن الإسلام كان الأكثر انتشارًا بين الأديان، لكنه مع ذلك لم يصل إلى معدل سرعة انتشار اللادينية في البلاد. كذلك، أوضح الدكتور جيمس ويليامز، وهو المحاضر الأول في تعليم العلوم بجامعة ساسكس، أن الكثير من المهاجرين يأتون من بلاد أفريقية مسيحية متدينة، ومن ثم فإنه لا يعتبر الظنَّ بأن الهجرة هي العامل الأساسي في دفع المسيحية إلى الأسفل؛ تفكيرا منطقيا.
كما يرى ستيفن إيفانز، الرئيس التنفيذي للجمعية العلمانية الوطنية في بريطانيا، التي تم تأسيسها عام 1866 والتي ناضلت -بحسب تعريفها لنفسها- على مدى سنوات طويلة من أجل فصل الدين عن الدولة في البلاد للوصول إلى نظام سياسي لا يجعل لأحد ميزةً بسبب انتمائه الديني، يرى أن الإحصاءات الأخيرة التي توضح انكماش عدد المسيحيين تؤكد أن المؤسسة الإنجليكانية ورجال الدين في الكنيسة بإنجلترا، والأساقفة المشرعين في البرلمان والعبادة اليومية في المدارس والبرلمان، والمدارس الدينية التي تمولها الدولة، كلها غير مناسبة وعفا عليها الزمن.
وبحسب البروفيسور وودهيد، من جامعة كلية الملك في لندن، فإن هذا الانخفاض في أعداد المسيحيين بالبلاد ناتج عن عامليْن رئيسيين، أولهما أنه بعكس المسلمين والهندوس الذين يهتمون بنقل دينهم إلى أطفالهم، لم يفعل الآباء المسيحيون ذلك، فبحسب آبي داي، وهي أستاذة العرق والإيمان والثقافة بكلية غولد سميث في جامعة لندن، فإن الجيل المعروف باسم "جيل طفرة المواليد" الذي وُلد بعد الحرب العالمية الثانية، قد اختار العديدُ من أفراده في بريطانيا الخروج من القناعات الدينية بحلول ستينيات القرن الماضي، ومن ثم ربّوا أطفالهم على ألا يكونوا متدينين.
والعامل الثاني المتسبب في انخفاض أعداد المسيحيين مرتبط بالأول، فباختصار، بينما لم يُربِّ هذا الجيل أبناءه على التدين، بدأ جيل المتدينين يموت واحدًا تلو الآخر، فبدأت المسيحية البروتستانتية تنكمش في البلاد.
لكنْ هناك شيء أهم في تلك الإحصاءات، فبريطانيا ذات الصليب على العلَم لم يعد معظم مواطنيها مسيحيين، فهل يمكننا أن نسميها الآن دولة مسيحية؟ وإن لم تكن كذلك، فما الذي يمكن أن يتغير؟
هل بريطانيا دولة مسيحية؟
يقول الصحفي البريطاني كابيل لوفت إن "الحقيقة البسيطة هي أن المملكة المتحدة ليست في الواقع ديمقراطية ليبرالية علمانية رسميًا، إذ ما زالت لدينا كنيسة راسخة، يجلس بعض أساقفتها في الغرفة العليا من هيئتنا التشريعية. إن رأس دولتنا (الملك) هو المدافع عن الإيمان والحاكم الأعلى لكنيسة إنجلترا، وقد كان تتويجه طقسًا دينيًا، حيث تم إعلانه كحاكم مختار من قبل الله".
لأول مرة منذ ألف عام، لم تعد بريطانيا دولة مسيحية من ناحية عدد السكان، وهو أمر قد ينظر إليه البعض بدهشة، فقد كانت المسيحية البروتستانتية متغولة في البلاد إلى حدِّ أن الكاثوليك لم يُمنحوا حقوقهم السياسية الكاملة في المملكة المتحدة إلا مع حلول القرن التاسع عشر.
صحيح أن الكثير من المواطنين الإنجليز، حتى هؤلاء الذين لا يذهبون للصلاة في الكنيسة أو لا يعرّفون أنفسهم بوصفهم مسيحيين، ما زالوا يستدعون القساوسة ليرأسوا حفلات الزفاف والجنازات، وصحيح أن الكنيسة تشارك في الاحتفالات الوطنية الكبرى وتنشر شاشات التلفاز أنشطتها في هذه الاحتفالات، لكنّ اهتمام الشارع بشكل واضح قد تَحول من أخبار الكنيسة ومحتواها الديني إلى الانشغال بالانتماءات والصراعات في كرة القدم، وبأخبار القصر الملكي.
لقد خلصت لجنة الدين والمعتقد في الحياة العامة في بريطانيا "كوراب" عام 2015، إلى أن بريطانيا لم تعد دولة مسيحية، وعليها التوقف عن التصرف باعتبارها كذلك. ووجدت اللجنة بوضوح أن الانتماء المسيحي قد انخفض في مقابل ارتفاع الانتماء الديني غير المسيحي. وكما يتضح مما أثارته اللجنة، أن مسألة كون بريطانيا لم تعد دولة مسيحية مسألةٌ قد تصبح لها تداعيات سياسية، إذ إن المؤسسة الدينية منخرطة بشدة في المشهد العام الذي يُشكل بريطانيا التي نعرفها.
لتوضيح الأمر أكثر، فبحسب صحيفة بوليتيكو الأميركية، تحتل الكنيسة في المملكة المركز الثالث عشر ضمن أكبر مُلاك الأرض في البلاد، وهي ثرية للغاية وتمتلك محفظة بقيمة ملياريْ جنيه إسترليني، تشتمل على 105 آلاف فدان تمثل أراضي زراعية وغابات ومباني أثرية وحقوق تعدين. كما أن المملكة المتحدة هي الدولة الوحيدة بين الاقتصادات الغربية المتقدمة؛ التي تحتفظ رسميًا بفكرة "دين الدولة".
إضافة إلى ذلك، تدير كنيسة إنجلترا 4632 مدرسة حكومية في المملكة المتحدة. وبحسب صحيفة بوليتيكو فإن ثلث مقدمي التعليم الابتدائي والثانوي المدعوم حكوميًا في البلاد هم مدارس دينية، بينما تدير كنيسة إنجلترا وحدها 68% من هذه المدارس، وتعطي الأولوية في القبول بها لأبناء الآباء الملتزمين بالديانة المسيحية.
وبحسب الصحيفة نفسها، فإن الكثير من الآباء يضطرون لحضور الصلوات في الكنائس إلى اليوم الذي يضمن فيه أبناؤهم مكانهم في المدرسة. وفي المقابل، يُستبعد أبناءُ الآباء غير الملتزمين بالديانة من أقرب مدرسة ابتدائية حكومية لهم، لصالح أبناء الآباء المتدينين.
ومن جانب آخر، يجلس الأساقفة الأنجليكان ويصوتون في "مجلس اللوردات" (الغرفة العليا في برلمان المملكة المتحدة)، فبريطانيا واحدة من ثلاث دول في العالم تحتفظ بمقاعد في هيئتها التشريعية لرجال الدين، إذ يسمون "اللوردات الروحيين" وعددهم 26، وهم من أساقفة كنيسة الدولة الرسمية.
وجدير بالذكر أن مجلس اللوردات هذا يستطيع تأخير مشاريع القوانين لمدة تصل إلى عام كامل. وفي عام 2012، كان هناك مقترح بتخفيض عدد هؤلاء "اللوردات الروحيين إلى 12 فردا فقط"، لكن بحسب صحيفة بوليتيكو، ضغط الأساقفة ضد هذا التغيير، وكانت الحجة الشائعة آنذاك أن وجود هؤلاء الأساقفة في البرلمان يعطي البرلمان بعدًا روحياً وإلهيًا. كما أن بريطانيا تخصص حصة كبيرة من البث الإعلامي العام للبرامج المسيحية، ويرأس كبير أساقفتها حفل تتويج ملكها، كما حدث مع الملك تشارلز الثالث.
ونتيجة لهذا الحضور المكثف للكنيسة في بريطانيا، وبعد وضوح الأرقام والإحصاءات التي تؤكد أن المسيحية لم تعد دين الأغلبية المطلقة في المملكة المتحدة، بدأت العديد من المؤسسات العلمانية والأفراد في إعادة مساءلة هذا الحضور المكثف، مطالبين بإنهاء هذا الوضع الاستثنائي للكنيسة في دستور المملكة المتحدة، باعتباره وضعًا غير عادل ولا ديمقراطي من وجهة نظرهم..
في حين يرد آخرون داخل المملكة مثل مادلين بينينغتون، رئيسة قسم الأبحاث في ثيوس، وهو مركز فكر مسيحي في بريطانيا، بأنه حتى وإن لم تعد أغلبية المواطنين في المملكة مسيحيين من ناحية الأعداد، فإن التقاليد والمعايير والأخلاقيات المسيحية تظل موجودة بعمق في الثقافة السياسية للبلاد وفي دستورها، فبريطانيا ليست مسيحية ولا علمانية من ناحية إحصاء السكان، لكن المسيحية هي التي أثرت على خيالها السياسي ودستورها والطريقة التي هي عليها الآن أكثرَ من أي دين آخر.
هذا الرأي مشابه لما تراه أليك رايري، أستاذة تاريخ المسيحية في جامعة دورهام، ومؤلفة كتابي "البروتستانت.. الإيمان الذي صنع العالم الحديث"، و"الكافرون.. تاريخ من الشك"، فهي ترى أن العلامات الثقافية المسيحية موجودة في كل مكان، وبعض الناس لا يلاحظون ذلك، لأن تلك العلامات جزء من مياه البحر الذي يسبحون فيه فلا يشعرون بوجودها الكثيف.
وتضيف رايري، أن بلادها لها علاقة خاصة بالمسيحية، فهي الدين الذي ترتبط به المملكة المتحدة بعلاقة عميقة وقديمة يتخللها الحب والكراهية، وهي العلاقة التي جعلت البريطانيين على ما هم عليه الآن، بحلوه ومره، ومن ثم لا يمكن من وجهة نظرها؛ إعلان أن بريطانيا لم تعد مسيحية لمجرد أن غالبية السكان لم يعودوا يعتبرون أنفسهم مسيحيين.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 12 ساعات
- الرياض
الإرهاب الإلكتروني
الشاشات الصغيرة باتت بوابة العالم، وتحوّلت وسائل التواصل الاجتماعي من منصات للتواصل الإنساني إلى ساحات لحروب أيديولوجية خفيّة. فبين تغريدة هنا، وتعليق محرّض هناك، تنسج خيوط التطرف والإرهاب في صمت، مستهدفة عقول الشباب الذين يشكلون الفئة الأكثر نشاطاً على هذه المنصات. فكيف تسللت الأفكار المتطرفة إلى عقولهم؟ ولماذا بات العالم الافتراضي حاضنة للكراهية؟ في الماضي، كان انتشار الأفكار يقتصر على الكتب أو اللقاءات المباشرة، لكن اليوم، تغيّر الخوارزميات طريقة تفكيرنا. فكل "إعجاب" أو "مشاركة" يعيد تشكيل المحتوى الذي يظهر لنا، مما يخلق فقاعات رقمية تعزز انحيازاتنا. هنا، تنشط حسابات وهمية تدار من قبل شخصيات مجهولة، تغرق الصفحات بتعليقات تكفّر المعارضين، أو تهدد القائمين على مشاريع فنية أو اجتماعية تعتبر "تابعة للغرب" أو "منافية للشريعة". حتى أصبحت التعليقات العنيفة ظاهرة يومية، تمارس الإرهاب الفكري وتصعّد من خطاب الكراهية. ولا تتوقف الاستراتيجية عند هذا الحد.. ففي تطبيقات مثل "تليجرام" أو "سيجنال"، تنشأ مجموعات سرية تدار بذكاء لتجنيد الشباب. وتبدأ بمناقشة قضايا اجتماعية بسيطة، ثم تتطور إلى تحليلات مؤامراتية، لتصل أخيرا إلى تبرير العنف كـ"حل وحيد" لإنقاذ الأمة. وتستخدم لغة عاطفية تلامس هموم الشباب، مثل التركيز على الظلم أو الفساد، مما يجعلهم يشعرون بأنهم جزء من "مهمة مقدسة". الشباب في مقتبل العمر هم الأكثر عرضة لهذا الاستغلال، ليس بسبب جهلهم، بل بسبب تناقضات مرحلتهم العمرية. فهم يبحثون عن هوية تشعرهم بالانتماء، خاصة في ظل تغيّر الأدوار الاجتماعية السريع. هنا، تقدّم الجماعات المتطرفة إجابات سهلة مثل: "الإسلام في خطر"، "الجهاد فريضة". وتدعم هذه الرسائل بصور لضحايا الحروب أو الظلم، لاستثارة الغضب وتحويله إلى وقود للتطرف. ولا تغفل هذه الجماعات الجانب العاطفي. ففي دراسة أجرتها جامعة "جورج واشنطن" تبيّن أن 70 % من المتطرفين جنّدوا عبر علاقات افتراضية بدأت بالتعاطف مع قضاياهم، ثم تحوّلت إلى ولاء أعمى. كما أن غياب الحوار الأسري أو الديني المعتدل يجعل الشباب فريسة سهلة لأصحاب الأجندات الخفية. التأثير لا يتوقف عند المستوى الفكري؛ فعلى سبيل المثال، هاجمت حملات إلكترونية حفلات موسيقية بدعوى "محاربة الفن"، وتعرّض نشطاء مجتمعيون لتهديدات. هذه الضغوط لا ترهب الضحايا فحسب، بل ترسخ فكرة أن "الاختلاف جريمة"، مما يضعف النسيج الاجتماعي ويعزز الانقسامات. أما على المستوى الفردي، فيصاب المتطرف بانفصام بين هويته الحقيقية والافتراضية. ففي دراسة لـ"مركز الأهرام للدراسات السياسية"، اعترف شباب متطرفون سابقون أنهم كانوا يعيشون "حياة مزدوجة": يبدون طبيعيين أمام أسرهم، بينما يخططون لهجمات عبر هواتفهم. هذا الانفصام يضعف قدرتهم على التمييز بين الخيال والواقع، حتى يصبح العنف خياراً مقبولاً. الحل يبدأ بالاعتراف أن التطرف ليس "مشكلة أمنية" فحسب، بل ظاهرة ثقافية تحتاج إلى مقاربة شاملة. أولاً يجب تجديد الخطاب الديني عبر تدريب الأئمة على مواجهة التحريفات الفقهية، وتشجيع النقاشات العقلانية. وعلى الحكومات التعاون مع منصات التواصل لتطوير خوارزميات تقلل من انتشار المحتوى المتطرف، مع حماية خصوصية المستخدمين. ولا بد من تعزيز البرامج التربوية التي تعرّف الطلاب بمهارات التفكير النقدي، وتحميهم من التلاعب العاطفي. ويجب إحياء الحوار المجتمعي عبر فعاليات تظهر أن "الاختلاف ثراء"، مثل مهرجانات تجمع بين الفنون والتراث الديني المعتدل. تعد الأسرة الحصن الأول في حماية الشباب من الانزلاق نحو التطرف. حيث توفّر الأسرة حواراً مفتوحاً يناقش قضايا الدين والهوية بعقلانية، وتعزز قيم التسامح عبر المثال العملي، تصبح الفكرة المتطرفة أقل جاذبية. كما أن مراقبة سلوك الأبناء على منصات التواصل، دون تدخل قمعي، تساعد في اكتشاف الانحرافات المبكرة. لكن الأهم من الرقابة هو بناء الثقة، أن يشعر الابن أو البنت أن الأسرة ملجأ آمن لطرح الأسئلة المحرجة، بعيداً عن وصمة "التكفير" أو التنمر. أما الإعلام فيمكن أن يكون أداة فاعلة عبر إبراز قصص الناجين من التطرف، ودعم مبادرات الحوار، وتعزيز المحتوى الذي يربط بين القيم الإسلامية والتعايش السلمي. كما أن إنتاج برامج تعرّف الشباب بكيفية تحليل المحتوى الرقمي نقدا يقلل من تأثير الدعايات المغلوطة عبر التنشئة الواعية، وعبر الخطاب المسؤول. فكما قال المفكر الجزائري مالك بن نبي: "التغيير الحقيقي يبدأ عندما تتلاقى جهود الفرد مع جهود المجتمع"، وهذا ما يلخص ضرورة التعاون بين كل الفاعلين لبناء مناعة مجتمعية ضد التطرف. تذكرنا مقولة عالم الاجتماع الأميركي سكوت أتران أن: "التطرف ليس فكرة تقاتلها بالأسلحة، بل حالة عقل تعالج بالبديل الأفضل".. فالشباب الذين يجنّدون اليوم هم ضحايا فراغ فكري وعاطفي، يحتاجون إلى من يعيد لهم الأمل، لا إلى من يصادر أحلامهم.. إن مواجهة التطرف ليست مسؤولية الحكومات وحدها، بل هي معركة كل فرد يؤمن أن الإنسانية أقوى من كل خطاب يحاول تمزيقها.

سعورس
منذ 13 ساعات
- سعورس
مفتي بولندا: ما تعلمته بالمملكة سبب لنشر قيم الوسطية في بلادي
وأكد الجانبان خلال الاجتماع الذي جاء على هامش الزيارة الرسمية التي يقوم بها وكيل وزارة الشؤون الإسلامية لحضور الحفل الرسمي للاحتفاء بذكرى مرور 100 عام على تأسيس الاتحاد الإسلامي في جمهورية بولندا ممثلاً عن المملكة ضيف الشرف للحفل، على أهمية التعاون المشترك بين البلدين الصديقين لتعزيز نشر مفاهيم التسامح وترسيخ قيم الوسطية والاعتدال الذي يحقق قيم الإسلام دين الرحمة والسلام. وبين د. العنزي حرص المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله- على مد جسور التواصل والتعاون مع القيادات الدينية الرسمية في مختلف دول العالم لتحقيق الأهداف المرجوة من بيان سماحة الإسلام ووسطيته ونبذ كل أشكال التعصب والتطرف والكراهية، منوهاً إلى أن وزارة الشؤون الإسلامية بفضل دعم قيادتها الرشيدة والمتابعة الدؤوبة من معالي الوزير الشيخ الدكتور عبداللطيف آل الشيخ حققت إنجازات كبيرة في مجال خدمة العمل الإسلامي ونشر ثقافة التسامح ونبذ التطرف وإيضاح الصورة الحقيقة للدين الإسلامي الذي يدعوا للرحمة والطمأنينة والسكينة وبناء الأوطان وتعزيز القيم الإنسانية والاجتماعية والثقافية المشتركة. من جانبه، أكد مفتي بولندا حرص بلاده على الاستفادة من تجربة المملكة الرائدة في مجالات خدمة الإسلام والمسلمين والعناية بنشر القيم الإسلامية الأصيلة التي تسهم في ترسيخ قيم الإسلام كدين يدعوا للبناء والإصلاح والتنمية وينبذ العنف والكراهية كما جاء بالقرآن الكريم والسنة النبوية، منوهاً بما تعلمه بالمملكة خلال سبع سنوات من علوم الشريعة الإسلامية التي صدرها لبلاده لنشر قيم الوسطية والاعتدال والتي محل فخر واعتزاز كبير له. كما ناقش اللقاء عقد عدد من اللقاءات للدعاة والعاملين في الشأن الإسلامي لتبادل الخبرات ومناقشة سبل تعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات العلمية والدعوية والثقافية.


عكاظ
منذ 15 ساعات
- عكاظ
فرنسا: «الإخوان الإرهابية» خطر متنامٍ يهدد التماسك الوطني
تابعوا عكاظ على ناقش الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم (الأربعاء) مع مجلس الدفاع تقريراً حول قيام «جماعة الإخوان» الإرهابية بحملة سرية عبر وكلاء محليين، لتقويض القيم والمؤسسات العلمانية في فرنسا. وبحسب التقرير فإن هناك تنامي نفوذ لجماعة الإخوان في الضواحي الفرنسية، وهو يشكّل تهديداً للتماسك الوطني ويدفع نحو ضرورة اتخاذ إجراءات للحد من انتشاره. ودعا التقرير الذي أُعد بتكليف من الحكومة الفرنسية إلى اتخاذ إجراءات لوقف ما أسماه «الانتشار البطيء للإسلام السياسي»، الذي اعتبر خطراً على التماسك الاجتماعي. وفي الاجتماع الذي حضرته شخصيات بارزة، بينها رئيس الوزراء فرنسوا بايرو وعدد من الوزراء المعنيين بالشؤون الخارجية والمالية والتعليم العالي والرياضة، أكدت قطاعات الإليزيه إنها مستهدفة بشكل خاص من هذا التغلغل. وقال الإليزيه: نظراً لأهمية الموضوع وخطورة الوقائع المثبتة، طلب الرئيس ماكرون من الحكومة صياغة مقترحات جديدة سيتم بحثها في مجلس الدفاع القادم مطلع يونيو، موضحاً أن الرئيس قرر نشر التقرير بحلول نهاية الأسبوع، وهي خطوة نادرة بالنسبة لاجتماعات مجلس الدفاع، بحسب ما أوردت صحيفة «لوموند» الفرنسية. وشرع ماكرون في حملة صارمة على ما يسميه «الانفصالية الإسلاموية» من خلال السعي إلى الحد من النفوذ الأجنبي على المؤسسات والمجتمعات الإسلامية. وقال مستشارو الرئيس: ماكرون يريد معالجة ما يعتبرونه خطة إسلاموية طويلة الأمد للتسلل إلى مؤسسات الدولة، وتغييرها من الداخل. ويستعرض التقرير حقيقة خطر «الإخوان» حتى لو كان على الأمد البعيد، ولا ينطوي على عمل عنيف، يسلط الضوء على مخاطر الإضرار بنسيج المجتمع والمؤسسات الجمهورية، موضحاً أن جماعة «الإخوان» تركز على المدارس والمساجد والمنظمات غير الحكومية المحلية، بهدف التأثير على عملية صنع القرار على المستويين المحلي والوطني، وخصوصاً في ما يتعلق بالعلمانية والمساواة بين الجنسين. يصف التقرير جمعية «مسلمو فرنسا» بأنها «الفرع الوطني لجماعة الإخوان»، لكن الجمعية وفي ردها على التقرير نددت بما وصفته «الاتهامات التي لا أساس لها من الصحة». وطرح وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو أمام مجلس الشيوخ خطوطاً أولية للتعامل مع هذه القضية، من بينها تنظيم أفضل للدولة عبر تعيين قائد فعلي لجهاز الاستخبارات، وإنشاء نيابة إدارية ضمن وزارة الداخلية لتفعيل حلّ الجمعيات وفرض عوائق إدارية، وفق صحيفة «لوموند»، مشدداً على ضرورة تكوين الموظفين العموميين والمنتخبين المحليين، ووضع إستراتيجية توعية عامة، مسلطاً الضوء على ثغرات في ما يتعلق بـ«المسارات المالية» المرتبطة بـ«التيار الإسلاموي». وذكر التقرير التقرير أن تنظيم «الإخوان المسلمين» الإرهابي فقد الكثير من نفوذه في العالم العربي، فبدأ يركّز نشاطه على أوروبا، ويقترح معدّو الوثيقة إطلاق حملة توعية وطنية متزامنة مع تعزيز الخطاب العلماني. أخبار ذات صلة /*.article-main .article-entry > figure img {object-fit: cover !important;}*/ .articleImage .ratio{ padding-bottom:0 !important;height:auto;} .articleImage .ratio div{ position:relative;} .articleImage .ratio div img{ position:relative !important;width:100%;} .articleImage .ratio img{background-color: transparent !important;} ماكرون