
رابطة الكتاب الأردنيين.. خمسون عاما من التنوير والنضال الثقافي
اضافة اعلان
عمان- يحتفي العدد "51"، من مجلة "أوراق" باليوبيل الذهبي لرابطة الكتاب الأردنيين، التي تأسست (1974–2024)، ليرصد مسيرة ثقافية ونضالية، تحمل بين سطورها نبض الكلمة الحرة، وصدى الحكايات التي شكلت وجدان الوطن وأمتنا.في رحاب الثقافة والإبداع، تضيء رابطة الكتاب الأردنيين شمعة من نور مستمر، تحمل بين دفتيها صوت المثقف العضوي ورؤية الإنسان الواعي، الذي لا يهادن الفكر الظلامي ولا ينكفئ عن واجب التنوير.وتصدرت المجلة افتتاحية كتبها د. موفق محادين، رئيس رابطة الكتاب الأردنيين ورئيس تحرير المجلة، أضاء فيها على دور الرابطة التنويري، وتشبيهها "بشيخ البحر" في مواجهة الفكر الظلامي.وقدم د. محادين صورة للمثقف العضوي، المشتبك على متاريس الكلمة: متراس المبدعين، ومن أدركتهم حرفية الكتابة وما يلزمها من دار الورّاقين، متراس تطل منه الرابطة بالنقد والتفاعل مع مختلف التيارات والمدارس الفكرية والأدبية، وسائر المعارف.ويضيف محادين في الوقت نفسه، لا نقيم لها أنصابا ولا أوثانًا نُزْدلف إليها، فلا نطلب الصفح منها عند المقدرة، ولا نندب حظنا العاثر على الفوات الحضاري، وما أصابنا بين الخروج من عبودية الإقطاع العثماني والدخول في عباءة الإمبريالية المتوحشة وسردياتها العنصرية. تلك الإمبريالية التي تبث "قلب الظلام" في كل مكان، تارة باسم "عقل المستقبل" الكسول، وتارة باسم ماديات مبتذلة، وتحديث بلا حداثة.ويوضح محادين، ومع كفاف جبْرنا وزاد يومنا الثقافي، تتسع التحديات وتكبر من حولنا. أولا: في عالم الكتابة ذاته، بما يشهده من تحولات ومنعطفات لغوية وفكرية فرضتها الثورة المعلوماتية، وسط فوضى النظريات، والإعلانات الجنائزية المتتالية عن "موت البيان" و"غياب النص"، و"أفول الكاتب"، وتراجع دور العرفان والبرهان.ثانيا: تأتي التحديات الكبرى مترافقة مع تداعيات العولمة المتوحشة، وما خلفته من تفكيك للدول، وتفتيت للمجتمعات، والحط من شأن الإنسان، وجودًا وكرامة ودورا.في ضوء كل ما سبق، تصبح الحاجة ماسة إلى خطاب ثقافي مختلف، أكثر وعيا واشتباكا، وذلك: من أجل تحصين النصوص بفضاء ثقافي ديمقراطي، وبعد معرفي عميق، يتوسل الأسئلة أكثر من الأجوبة. من أجل الحرية كوعيٍ للضرورة التاريخية، في مقابل الحريات العابرة والزائفة. من أجل العقل النقدي الشكاك، لا العقل التلقيني المستسلم. من أجل هوية الأمة، في مواجهة الهويات القاتلة والمفتتة.ويضيف محادين من أجل فلسطين -الجليل قبل جنين-كعنوان أول ومركز للمعنى. لا أقل من ثقافة لا تنعزل ولا تسلب، ولا أقل من مراجعات ومؤتمرات فكرية شجاعة وصارمة، تعيد قراءة البنى والمشاريع والتيارات السابقة، بنَفَس نقدي ورؤية متقدمة.وبالتالي لا بد من رابطة تنتمي إلى طراز المثقفين العضويين - بل المحاربين في جيش المعرفة- في مواجهة العُبَار والرمل الثقافيين، اللذان لا يذوبان ولا يندمجان، ومقاومة منظومات التفاهة والرداءة، والدورة الدموية الفاسدة في بحيرات راكدة لا حياة فيها.نريد رابطة من طراز غالب هلسا وغسان كنفاني، ومن معدن فيخته، فيلسوف الأمم، الذي قاد تلاميذه من مدرجات الفلسفة إلى متاريس القتال، دفاعًا عن ألمانيا الحرة، السيدة، الواحدة. رابطة تقوى على قرع الجدران، وجر الغيوم إلى الغدران، وتضخ الزيت في قناديل المعرفة. فإن انطفأ قنديل الكتاب على أسوار الهلال الخصيب، وصارت الأسوار كالعرجون القديم، فـأي ظلام تنتظرون؟ رابطة تواصل التجديف مع الشيخ في قلب البحر والأنواء، تستعيده كل مساء، قد يدمر الإنسان، ولكنه لا يهزم."أنا والرابطة".. كتبها الرئيس الأسبق لرابطة الكتاب الأردنيين، الدكتور أحمد ماضي، مشيرا فيها إلى اعتزازه وفخره بأن رابطة الكتاب الأردنيين هي مؤسسة وطنية "أردنية" بامتياز، تحمل اتجاها قوميا عروبيا، وفي الوقت ذاته، تنفتح على أفق إنساني واسع.ويرى ماضي، أن الرابطة حافظت على هذه السمات عبر مختلف العهود والظروف، بدءا من العهد الحزبي الذي هيمن لفترة زمنية طويلة، مرورا بمرحلة الأحكام العرفية، ثم عهد التجمع، الذي أطلق عليه خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، اسم "التيار الثقافي الديمقراطي"، ثم عهد تيار القدس، وصولا إلى العهد الحالي، الذي يمثل ائتلافا بين التيار الثقافي الديمقراطي وتيار القدس في الهيئة الإدارية.ويشير ماضي إلى الانتخابات الأخيرة، التي غدت التعددية فيها ظاهرة لافتة، أكثر من أي انتخابات سابقة، وهو ما يدل على أن عدد الأعضاء الذين باتوا مقتنعين بأن خوض غمار الانتخابات لا يحقق الفوز إلا من خلال الانخراط في تكتل، في ازدياد مستمر. ويبدو واضحا أن الأعضاء المستقلين - مهما علا مقامهم، ومهما بلغت أهميتهم الإبداعية أو الفكرية أو البحثية - غير قادرين على الفوز، حتى ولو بمقعد واحد.وانطلاقا مما تقدم، أستطيع القول إن فوز المستقل بعضوية الهيئة الإدارية متعذر، ما لم ينخرط ضمن تيار أو كتلة تنظيمية. فهل يعد ذلك مأخذا على الرابطة؟ ربما، لكنه في الوقت ذاته، نتيجة منطقية لطبيعة العمل الديمقراطي داخل المؤسسات، حيث تنتج التكتلات تمثيلا أكثر فاعلية وتأثيرا.هل يعني ذلك دعوة المستقلين إلى الانخراط في أحد التيارات؟الجواب عندي: نعم. يقول محادين، "وإذا لم يرد المستقلون الانضمام إلى أي من التيارات القائمة، فإني أدعوهم إلى اختيار أحدها بعد التمعن في ميثاقه وبرنامجه الانتخابي من جهة، والتعرف إلى الأشخاص المنتمين إليه من جهة أخرى.أما إن كانت التيارات الفاعلة لا تروق لفئة معتبرة من أعضاء الرابطة، فأنا أشجعهم على تأسيس تيار جديد، أو تكتل، أو تجمع يعبر عن رؤاهم؛ فذلك من شأنه أن يعزز التعددية داخل الرابطة - وهي ظاهرة إيجابية - وقد بدأنا نلمس ذلك بالفعل في الانتخابات الأخيرة".ويضيف محادين، مما تواجهه الهيئات الإدارية عند اتخاذ قرارات معينة، إشكالية العلاقة بين الأقلية والأكثرية. فهل من الحكمة، أو من روح الديمقراطية، أن تستغل الأغلبية أغلبيتها العددية لتمرير قرارات، من دون الأخذ بعين الاعتبار موقف الأقلية؟ هل يعقل أن يصوت على قرار ما، وتضرب آراء الأقلية عرض الحائط، لمجرد أن الأغلبية تملك الأصوات الكافية، فتقال عبارة: "نحن الأكثرية، وما على الأقلية إلا أن تتمثل لنا أو تعارض"؟بهذا الشكل، تنقسم الهيئة الإدارية إلى معسكرين: أكثرية تمارس سلطة القرار، وأقلية تصبح معارضة، وكأننا أمام مشهد برلماني لا إداري، قائم على صراع الموالاة والمعارضة، لا على التفاهم والحوار والعمل المشترك. وفق محادينوقد جاء هذا العدد احتفاءً باليوبيل الذهبي لرابطة الكتاب الأردنيين "1974–2024"، متضمنا إطلالة واسعة على سيرة الرابطة ثقافيًا ونقابيًا، شارك فيها عدد من كتاب الرابطة بمقالات تناولت جوانب متعددة من حضورها في المشهد الثقافي المحلي والعربي، ممزوجة بتجاربهم الذاتية ومشاعرهم الصادقة تجاه هذه المؤسسة.وقد تجلت هذه المشاركات في أقلام الأدباء: د. أحمد ماضي، هاشم غرايبة، د. غسان عبد الخالق، محمد المشايخ، مجدولين أبو الرُّب، كفاية عبد القادر عوجان، محمد عبد الكريم الزيود، أحمد طناش شطناوي، مأمون حسن، د. سلطان المعاني، د. عماد الضمور، محمد محفوظ جابر، د. أسامة المجالي، محمد محسن عبيدات، حسن ناجي، سليم النجار، عبد المجيد جرادات، مصطفى القرنة، أحمد أبو حليوة، د. سلطان الخضور، د. بكر السواعدة، رشاد رداد، أسيد الحوتري، ود. مخلد بركات، وسعيد يعقوب. ومن الكتاب العرب: عبد الرحيم علّام (رئيس اتحاد كتاب المغرب)، ومحمد الغربي (اليمن)، وحسن عبادي (فلسطين).وأضاءت المجلة على مفاصل أدبية وفكرية ومعرفية في مجالات الشعر والقصة والرواية والترجمة، ساهم فيها كتاب متميزون من بينهم: فخري صالح، د. نبيل حداد، د. محمد عبيد الله، د. سلطان الزغول، نسرين أختر خاوري، ود. زهير توفيق.كما استذكرت الرابطة في تاريخها ما كتبه أعضاؤها الراحلون، مثل أمين شنار وعقلة حداد، وتطرقت إلى ملامساتهم الأدبية التي وثقت لحظات تشكل الرابطة في الواقع الثقافي، وضرورات وجودها في بناء الآفاق الأدبية. وأبرزت أيضا ما خطه قلم الأديب العريق مفيد نحلة، كجزء من إرثها الثقافي الغني.وفي المجلة حوار ثري مع الأديب الدكتور إبراهيم السعافين، أجراه الأديبان يوسف عبد العزيز وجمعة شنب. كما تناول الأديب والإعلامي حسين نشوان صفحات مطوية من تاريخ مجلة أوراق بين ألفيتين. وكتب محمد سلّام جميعان الورقة الأخيرة، التي تتناول سيرة ومسيرة مجلة أوراق في علاقتها مع القارئ والسلطة.وتصدر المجلة في افتتاحيتها مقال د. موفق محادين، رئيس رابطة الكتاب الأردنيين ورئيس تحرير المجلة، وكتب كلمة الغلاف الأخير الأديب هاشم غرايبة، وصمم غلاف هذا العدد الزميل الفنان غازي نعيم.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرأي
منذ 8 دقائق
- الرأي
ديانا كرزون تطرب جمهور المسرح الجنوبي في جرش بأغانٍ وطنية وسط حضور جماهيري واسع
أطلت الفنانة الأردنية ديانا كرزون على جمهورها، مساء السبت، من على خشبة المسرح الجنوبي في مدينة جرش الأثرية، ضمن فعاليات الدورة الـ39 من مهرجان جرش للثقافة والفنون، تحت شعار "هنا الأردن .... ومجده مستمر " وسط حضور جماهيري كبير ملأ مدرجات المسرح وتفاعل لافت مع فقرات الحفل. وقدمت كرزون خلال الحفل باقة من الأغاني الوطنية والوجدانية، التي لامست مشاعر الجمهور وأشعلت حماس الحاضرين، من بينها " الهوية أردنية" و" راسك بالعالي"، إلى جانب عدد من أغنياتها المعروفة التي رددها الجمهور معها. وأعربت كرزون خلال الحفل عن فخرها بالمشاركة في مهرجان جرش، معتبرة إياه محطة فنية مهمة في مسيرتها، وفرصة للقاء جمهورها الأردني والعربي في واحدة من أعرق المنصات الثقافية والفنية في المنطقة. يذكر أن مهرجان جرش في دورته الحالية يشهد مشاركة واسعة من فنانين محليين وعرب، إلى جانب عروض مسرحية وشعرية وثقافية تقام في عدد من المواقع داخل مدينة جرش وخارجها، وسط إقبال جماهيري لافت.


الرأي
منذ 13 دقائق
- الرأي
افتتاح مهرجان المونودراما ضمن فعاليات مهرجان جرش
افتتح وزير الثقافة مصطفى الرواشدة مساء اليوم السبت في مركز الحسين الثقافي التابع لأمانة عمان الكبرى، فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان المونودراما بمشاركة أردنية وعربية ضمن فعاليات البرنامج الثقافي لمهرجان جرش للثقافة والفنون تحت شعار "هنا الأردن.. ومجده مستمر". وقال الرواشدة في كلمة ألقاها في حفل افتتاح مهرجان المونودراما والذي حضره نقيب الفنانين الأردنيين المخرج محمد يوسف العبادي والمدير التنفيذي لمهرجان جرش ايمن سماوي، إن انطلاق فعاليات مهرجان الدراما يعتبر مناسبة طيبة للقاء الفنان الأردني مع شقيقه العربي على خشبة المسرح، مشيرا الى أنه وإنْ كان كل مبدع يقدم منفردا على المسرح إلا أنهم جميعا يلتقون في الهواجس والأحلام والأمنيات التي تتراءى في فضاء المسرح وأفق تاريخنا المشترك وهويتنا العربية. وأضاف، إن فن المونودراما يمثل في شكله وأسلوبه وتقنياته أحد روافد المسرح العربي الحديث، ويسلط الضوء على المواهب الشابة التي تخوض تجربة التمثيل الفردي بشجاعة وابتكار، لافتا إلى أن أهمية هذا النوع من المسرح يكمن في كونه يعبر عن مشاعر المثل، ويقوم على الحوار الذي يسرد الحدث الذي يتصل بوجود الإنسان، ويجيب عن أسئلة الهوية التي تثري مدونات السردية الوطنية. وأشار الى أن إدراج مهرجان المونودراما ضمن فعاليات مهرجان جرش يعد خطوة مهمة في إثراء مفردات المهرجان الفنية، وتنويع البرنامج بجملة من الحقول الإبداعية التي تعزز مكانة المهرجان بوصفه مختبرا للإبداع، ورافعة للتنمية المستدامة. وبين أن مهرجان جرش، كما هو وسيلة للتنمية المستدامة، فهو فضاء للوعي والجمال، منوها بأن مشاركة مهرجان المونودراما لتعزيز دور الفن في الارتقاء بوعي المجتمع. وأكد أن مهرجان جرش كان وما يزال يمثل مشروعا ثقافيا تنويريا وطنيا وعربيا وعالميا، للدفاع عن هويتنا وقيمنا بالثقافة الجادة والفن الراقي، والذي يترجم رؤى جلالة الملك عبدالله الثاني في مواقفه من قضايا الأمة، وعلى رأسها قضية فلسطين ودرتها القدس، وحمله شرف الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في بيت المقدس. وكرم الرواشدة يرافقه المخرج العبادي وسماوي بدرع مهرجان المونودراما شخصية المهرجان الفنانة الأردنية الدكتورة ريم سعادة كما كرم النجم المصري الفنان خالد زكي، والنجمة اللبنانية الفنانة تقلا شمعون والنجم السوري الفنان اسعد فضة بدروع المهرجان التكريمية، وتلا ذلك على خشبة مسرح المركز عرض الافتتاح مسرحية "المحطة الاخيرة" تأليف واخراج الفنان حكيم حب وبطولة مديرة مهرجان المونودراما الفنانة عبير عيسى. ووُلدت الفنانة ريم سعادة في مدينة الفحيص عام 1952، وتحمل درجة الدكتوراة والماجستير في علم النفس، وهو ما أضفى على أدائها عمقاً استثنائياً، وبدأت مشوارها الفني في أواخر السبعينيات، وشاركت بأعمال راسخة في ذاكرة المشاهد، من أبرزها: مسرحية "حفلة على غفلة" (1979)، ومسلسل "الغريبة" (1981)، وفيلم "سيدي رباح" (1990)، ومسلسل "مدرسة الروابي للبنات" (2021). كما أبدعت في الدوبلاج الصوتي، وأسهمت بصوتها في مجموعة من أشهر مسلسلات الرسوم المتحركة. وتتوزع العروض المشاركة على 11 دولة عربية، لتشكّل مشهدًا متنوعًا وغنيًا من فنون المونودراما، أبرزها من الجزائر: "زعفران"، ومن الكويت "الحارس"، والبحرين: "كن تمثالاً"، ومصر: "دكر – ولد عمران"، سوريا: "مونودراما 970"، الأردن: "رحيل"، فلسطين: "هبوط مؤقت"، العراق: "قمر أحمر"، تونس: "السيدة الوزيرة"، سلطنة عمان: "بلا اسم"، وليبيا: "إلى أين". وتضم لجنة التحكيم لهذا العام نخبة من المختصين في المسرح والتمثيل والموسيقى، وهم: الناقد والاكاديمي الدكتور علي السوداني (العراق) والكاتب والمخرج إبراهيم الحارثي (السعودية) والفنانة المصرية عايدة فهمي والموسيقية الدكتورة ديما السويدان (الأردن) والفنان زيد خليل مصطفى (الأردن).


الرأي
منذ 38 دقائق
- الرأي
جرش.. في مرمى النفاق
لا أعرف لماذا انطلقت علينا "الأبواق" وحملات التشكيك والتخوين مع أول إعلان عن كسر الحصار عن غزة، وكأن هناك من يتحين الفرص لينقض على كل موقف وطني أو فعالية ثقافية، فقط لأن الأردن قرر أن يبقى كما كان دوما، واقفا، ثابتا، واضحا، فماذا يريدون من هذا الهجوم؟. انشغل البعض فجأة بمهرجان جرش، كأنه "العدو الجديد"،وأطلقوا عليه وعلينا وابلا من المزايدات، محاولين خلط "الحابل بالنابل"، في حملة بائسة هدفها "إرباك موقف الأردن"، وتشويه صورة شعبه، وتقديمنا وكأننا نغني بينما تُقصف غزة، ولكن من قال إن الثقافة نقيض المقاومة؟ ومن قرر أن الفن يتعارض مع الكرامة الوطنية؟ وهل أصبحت الحياة نفسها تهمة؟. الأردن، دولة وشعبا، لم يقصر يوما بدعم فلسطين وغزة، فقدمنا الدم والدواء، وأرسلنا الطائرات بالمساعدات والشاحنات بالغذاء وواجهنا الضغوط السياسية، وقفنا بوجه الاحتلال بمواقف علنية لا رمادية فيها، ومع ذلك يخرج علينا من يحاسبنا على مهرجان عمره عشرات السنين، وكأننا ارتكبنا خيانة عظمى. الغريب أن هذه الأصوات لم نسمعها تهاجم دولا لم توقف أي شكل من أشكال الترفيه منذ بدء العدوان،وبعض تلك الدول لم تقدم لغزة ربع ما قدمه الأردن، لا على مستوى الدعم الميداني ولا على صعيد الموقف السياسي على الاطلاق، فلماذا يحمل الأردن وحده العبء الأخلاقي؟ ولماذا نصبح ساحة تصفية حسابات كلما رفعنا صوتا أو نظمنا فعالية؟ الهجوم على جرش ليس عن المهرجان بحد ذاته، بل على الأردن ومواقفه، و صوته الحر، بهدف إخضاعه لمزاج جماعات لا تريد إلا صورة واحدة للمقاومة، ونبرة واحدة للحديث، ولونا واحدا للحياة، وإلى من يشكك في جدوى الثقافة بزمن الحروب، فليقرأ التاريخ، فلطالما كانت الكلمة واللحن والرواية أسلحة مواجهة لا تقل أهمية عن البندقية. خلاصة القول، مهرجان جرش مستمر، وغزة في القلب، والكرامة الأردنية لا تقبل التشكيك، فمن يريد أن يزايد فليبدأ بنفسه، أما نحن، فنغني عندما يجب أن نغني، ونقاوم عندما تحين لحظة المقاومة، وسلاحنا في كل الحالات هو الموقف الذي تحاولون سلبه منا بالضجيج والمزاودات.