
الإنفاق على التسلّح يتزايد... سباق نحو الردع أو تصعيد التوترات؟
في ظل تصاعد التوترات والحروب في مناطق مختلفة من العالم، يشهد الإنفاق العسكري في العالم قفزة غير مسبوقة، مما أثار قلقاً دولياً بشأن الأمن والسلام العالمي، حيث ارتفعت ميزانيات الدفاع بشكل ملحوظ في العديد من الدول.
وارتفع الإنفاق العسكري العالمي 9.4% عام 2024 مسجلاً 2.7 تريليون دولار وهي أكبر زيادة منذ نهاية الحرب الباردة، مع تميّز أوروبا والشرق الأوسط بأعلى نسب ارتفاع، وفق تقرير أصدره معهد "سيبري" السويدي.
كما أدّت التوترات الجيوسياسية المتصاعدة والحروب المستعرة خصوصاً في الشرق الأوسط وأوروبا إلى هذا الإنفاق غير المسبوق، إذ رفعت أكثر من مئة دولة ميزانياتها الدفاعية، وفقاً للباحثين.
وتصدّرت أوروبا، بما فيها روسيا، القفزة بنمو 17%، بينما ضاعفت موسكو إنفاقها إلى 149 مليارا وخصّصت أوكرانيا 34% من ناتجها المحلي للدفاع.
الولايات المتحدة أنفقت 997 مليارا، والصين 314 مليارا، في حين قفزت ميزانية إسرائيل 65% وتراجعت إيران 10% تحت وطأة العقوبات، بحسب التقارير.
وعن الأسباب التي تدفع الدول الى زيادة إنفاقها العسكري مؤخرا، يوضح الخبير العسكري والاستراتيجي حسن جوني في حديث لـ"النهار" أن "زيادة الانفاق العسكري مرتبط تاريخياً بشعور الدول بأنها معرّضة لتهديدات معيّنة أو عندما يزداد التهديد نتيجة تطورات محدّدة، عندها تسعى الدول الى تطوير قدراتها العسكرية وزيادة إنفاقها العسكري".
وعما إذا كانت زيادة التسلح وسيلة فعالة لتحقيق الردع أم أنها تؤدي إلى تصعيد التوترات يلفت جوني الى أن "هناك قاعدة بالعلم العسكري تقول "عرض القوة قد يُغني عن استعمالها"، بالتالي امتلاك القوة من خلال زيادة الإنفاق العسكري وعرضها من خلال العرض العسكري أو المناورات أو أي نشاط آخر قد يغني عن استعمالها"، لافتا الى أن "هذه قاعدة لا يمكن إلغاؤها وقد تحقق ردع معيّن نسبياً".
إلاّ أنه "عندما يحصل إنفاق عسكري والحرب قائمة، بمعنى تغذية أو إعادة تغذية القوات في سياق الحرب، زيادة الإنفاق والقدرات العسكرية هنا تزيد التوتر وحدّة القتال والاشتباك"، بحسب جوني، الذي يشير في المقابل الى أنه "عندما يحصل الانفاق العسكري قبل اندلاع الحروب هذا قد يؤدي الى توازن ردع معيّن".
أما عن المخاطر التي قد تترتب على استمرار سباق التسلح خصوصا في المناطق المضطربة؟، فيكشف جوني أن "سباق التسلح كقاعدة أساسية هو مؤشر على زيادة التوترات وحدّة الحروب - كنتيجة مبدئية لسباق التسلح - خاصة في مناطق مضطربة وتعيش أزمات كبرى أو حالات من الحروب كمنطقة الشرق الأوسط تحديداً". ويلفت الى أنه "في منطقة الشرق الأوسط كل زيادة تسلح تساعد في رفع حدّة الحرب ومستوى القتال وإشعال الجبهات".
ووفقاً لتقرير "سيبري" فإن الفاتورة العسكرية ستفرض "تأثيرا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا عميقا"، بعدما خفّضت عدة دول أوروبية بنوداً مثل المساعدات الدولية لتمويل الجيش. جوني يؤكّد هذا الامر، إذ أنه كلما ارتفع الانفاق العسكري في موازنات الدول سيكون ذلك على حساب القدرة الاقتصادية للدولة وسيكون له تأثير سلبي على الحالة الاجتماعية والازدهار وقطاعات الانتاج، لأن الموازنة ستحمل عبء تغطية النفقات العسكرية".
ويشرح أنه "عندما يتخطى الانفاق العسكري وموازنات الدفاع القدرة الممكنة للدولة وتكون ناتجة عن عدم تخطيط متوازن يكون لها أثر سلبي على القطاعات الأخرى في الدولة، لذلك يجب أن لا يحصل هذا الإنفاق إلاّ في حالات الضرورة التي تستوجبها وأن يكون هناك تهديد وجودي للدولة".
ويستدرك قائلا: "لكن في بعض الأحيان يكون الانفاق العسكري ضرورة لحماية المجتمع. أما أن يكون نوعا من الرفاهية العسكرية فمن الطبيعي أن يكون أثره سلبيا، إلاّ إذا كانت الدول غنية كدول الخليج، والتي من الملاحظ من التقارير أنها تشكل سوقا كبيرا لشراء الأسلحة".
وتدخل "عملية الانفاق العسكري وشراء الأسلحة في معظم الأحيان في إطار العلاقات والمصالح الدولية، فقد يتم شراء أسلحة من دول معينة وعقد صفقات كبيرة كنوع من تكريس تحالفات سياسية معينة يتم من خلالها الحصول على ضمانات في الحماية"، وفقاً لجوني.
ودفعت الحرب في أوكرانيا العديد من الدول الأوروبية إلى مضاعفة ميزانيات الدفاع. على سبيل المثال، وضعت ألمانيا الحرب الروسية الأوكرانية نصب أعينها، بعدما احتلت المركز الرابع في الإنفاق الدفاعي العالمي، وهو معدّل غير مسبوق منذ نهاية الحرب الباردة، ما يضعها خلف كل من الولايات المتحدة الأميركية، والصين وروسيا.
وأنفقت ألمانيا 88.5 مليار دولار أميركي على جيشها في عام 2024، بنسبة أكثر من 28% من العام السابق، ما دفعها لتجاوز جميع دول وسط وغرب أوروبا الأخرى في الإنفاق لأول مرة منذ إعادة التوحيد، بحسب موقع "إن تي في" الألماني.
فما علاقة حرب أوكرانيا في زيادة الانفاق العسكري؟ يقول جوني: "الحرب الروسية في أوكرانيا أدت الى زيادة الانفاق العسكري في أوروبا، حيث ارتفع التصنيع والانفاق نتيجة الحرب والتهديد الذي تشعر به أوروبا بسبب هذه الحرب".
أما في منطقة الشرق الأوسط، فيلفت جوني الى أن "هناك توترات وأزمات متجذّرة وأهمها قضية الصراع العربي - الإسرائيلي وملحقاته، وهناك محاور في المنطقة. ومن المعروف أن الصراع هو بين إيران وحلفائها وبين إسرائيل، بالتالي هذا الأمر أدى الى زيادة شراء الأسلحة من قبل الجميع، ولكن هي مقيّدة الى حدِ ما نتيجة الحصار الاقتصادي ورغم ذلك هناك ارتفاع بنسبة الانفاق العسكري الايراني".
ويخلص جوني الى القول: "فإذا التوتر والحروب القائمة لاسيما في منطقة الشرق الأوسط تؤدي حتما الى زيادة الإنفاق العسكري على حساب كل إنفاق آخر".
في المحصلّة يؤكّد الخبراء أن هذا التصاعد بالإنفاق العسكري يعكس شعور الدول بالتهديدات الوجودية ما يدفعها نحو تعزيز قدراتها الدفاعية، رغم الأعباء الاقتصادية والإجتماعية التي يفرضها.
وبين من يرى في زيادة التسلح وسيلة ردع ومن يعتبره سبباً في إشعال الصراعات يبقى السؤال الأبرز الى أين سيقودنا هذا السباق؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النشرة
منذ 19 دقائق
- النشرة
انخفاض أسعار الذهب مع ارتفاع طفيف للدولار
تراجعت أسعار الذهب، مع ارتفاع طفيف للدولار والتفاؤل بشأن وقف إطلاق النار المحتمل بين روسيا وأوكرانيا الأمر الذي خفف الطلب على الأصول الآمنة. وانخفضت العقود الآجلة للذهب لشهر حزيران المقبل (Comex) بنسبة 0.51% إلى 3217 دولار للأونصة. فيما تراجعت العقود الفورية بنسبة 0.25% إلى 3221.40 دولار للأونصة، بحسب ما أظهرته التداولات. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد صرح أمس بأن روسيا وأوكرانيا ستبدآن على الفور مفاوضات من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار. وسجل الذهب، الذي يعتبر أصلا آمنا، مستويات قياسية مرتفعة متعددة هذا العام وهو في طريقه إلى الارتفاع بنسبة 22% حتى الآن هذا العام.


النهار
منذ 27 دقائق
- النهار
الصين تصدر خطة عمل عام 2025 لبناء "الصين الرقمية"
أعلنت الهيئة الوطنية للبيانات في الصين، أن الصين أصدرت خطة عمل عام 2025 لبناء "الصين الرقمية"، والتي تحدد مبادرات رئيسية في مجالات مثل "الذكاء الاصطناعي بلس" وترقيات البنية التحتية وصناعة البيانات وتنمية المواهب الرقمية. وتدعو الخطة، بحسب ما نقلته صحيفة الشعب اليومية أونلاين، إلى تعزيز الإصلاح الموجه نحو السوق بشأن تخصيص موارد البيانات، وتنمية متسارعة لسوق وطنية موحدة للبيانات، ودفع اقتصاد رقمي قائم على البيانات وملائم للظروف المحلية، وتعزيز شامل لمستوى تنمية "الصين الرقمية". وبحلول نهاية عام 2025، تهدف الصين إلى تحقيق تقدم كبير في بناء "الصين الرقمية"، مع توسع مستمر للقوى الإنتاجية الحديثة النوعية في الصناعة الرقمية، فضلاً عن تحسينات هامة في جودة وكفاءة التنمية الاقتصادية الرقمية، وفقاً للخطة. وتهدف الخطة أيضاً إلى دفع القيمة المضافة لصناعات الاقتصاد الرقمي الأساسية لتساهم بأكثر من 10 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وتحدد أهدافاً للتقدم المطرد في بناء سوق موحدة لعوامل البيانات وزيادة القدرة الحاسوبية لأكثر من 300 فلوبس "عمليات النقطة العائمة كل ثانية". وأشارت بيانات أصدرتها وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات، إلى أن الصناعة الرقمية في الصين حققت إيرادات بلغت 8.5 تريليونات يوان (نحو 1.18 تريليون دولار أميركي) خلال الربع الأول من العام الجاري، بزيادة 9.4 في المئة على أساس سنوي.


النهار
منذ 27 دقائق
- النهار
هذا الفيديو لحديث الرئيس المصري عن تكلفة إعمار سوريا قديم FactCheck#
نشرت حسابات على موقع التواصل الاجتماعي الأشهر في مصر (فايسبوك) فيديو بمزاعم أنه لتصريحات أدلى بها أخيرا عن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بشأن تكلفة إعمار سوريا. الا ان هذا الزعم مضلل تماما. FactCheck# "النّهار" دقّقت من أجلكم فقد تداولت حسابات على فايسبوك فيديو يظهر فيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قائلا (من دون تدخل): "سوريا تحتاج إلى ما بين 300 مليار إلى تريليون دولار لإعادة بنائها... لا توجد أي دولة أو مجموعة دول يمكن أن تدفع هذه المبالغ على الفور". وتابع: "محدش هيديك 300 مليار تصلح بلدك بعد ما خربتها، مش انت اللي كسرتها؟ مش انت اللي خربتها؟ أصلحهالك انا ليه". ولكن البحث العكسي عن الفيديو قاد، بعد تفكيكه لصور عدة، إلى أن له قديم، اذ يعود الى عام 2018، وبالتالي لا علاقة بالأحداث الراهنة في سوريا. وقد جاءت تصريحات السيسي تلك في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2018، خلال مشاركته في جلسة "ما بعد الحروب والنزاعات: آليات بناء المجتمعات والدول"، ضمن فعاليات منتدى شباب العالم. ويمكن مشاهدة المقطع من الدقيقة 1:10:38 الى الدقيقة 1:11:34 في الفيديو أدناه. وقال فيها السيسي عن سوريا، وفقا لتقارير: "أوضحت أنها تحتاج الى ما بين 300 مليار دولار إلى تريليون دولار لإعادة إعمارها". لقطة من الفيديو المنشور في قناة أخبار ماسبيرو في يوتيوب، في 5 ت2 2018 واستبعد السيسي مساعدة أي دولة في العالم لسوريا بهذا المبلغ، لافتا إلى أن الدول تتصارع على 10 مليارات دولار. وتابع: "الصراع اليوم في العالم على النفوذ والأموال والمصالح"، بحسب ما نشرته جريدة الشروق المصرية (مستقلة). سوريا الشرع... جدال متجدد وتصاعد الجدل مجددا، بعدما كشف السفير الأميركي السابق لدى سوريا روبرت فورد أن جهّات دولية اختارت "هيئة تحرير الشام"، بقيادة أحمد الشرع المعروف سابقاً بـ"الجولاني"، كبديل سياسي في سوريا، بعد فشل المفاوضات مع نظام بشار الأسد. وقال خلال محاضرة دعا إليها مجلس العلاقات الخارجية في مدينة بالتيمور في ولاية ميريلاند الأميركية في 5 أيار (مايو)، إن "الهيئة خضعت لتدريبات مكثّفة على يد خبراء وسفراء وضباط استخبارات بريطانيين وأميركيين". Robert Ford, the former ambassador to Syria, revealed during an international lecture at the invitation of the Council on Foreign Relations in Baltimore on May 5, 2025, that he was part of a team selected by the Metropolitan Non-Governmental Organization to explain the… — Zack (@zackmousou) May 19, 2025 وذكر أنّه التقى الشرع مرتين لتدريبه على هذه المهمة عامي 2023 و2024 (قبل أشهر من دخوله دمشق). وفي المرة الثالثة، في كانون الثاني (يناير) 2025، التقاه لمدة 10 أيام في القصر الرئاسي. وأوضح أن "التدريبات شملت جوانب سياسية واستراتيجية، وجرى تنفيذها عبر سلسلة لقاءات في محافظة إدلب"، من دون تحديد تواريخ محدّدة. ولفت إلى أن "اختيار هيئة تحرير الشام يرجع إلى كونها الأكثر تنظيماً بين فصائل المعارضة". الخلاصة: الفيديو المتداول للرئيس السيسي قديم اذ يعود إلى عام 2018. ولم يتحدث أخيراً عن إعادة إعمار سوريا.