
أخبار العالم : "لم يقتلني السرطان، ولكن قد أموت من الجوع"، نساء وأطفال يخاطرون بأرواحهم للحصول على فتات الطعام في غزة
نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images
التعليق على الصورة،
وفقاً لبرنامج الأغذية العالمي، يُحرم نحو ثلث المواطنين من الطعام لأيام متتالية في قطاع غزة
Article Information
تشهد غزة مستويات غير مسبوقة من الجوع، ما دفع أعداداً كبيرة من السكان إلى المخاطرة بحياتهم من أجل تأمين وجبة واحدة أو حتى ما يمكن وصفه بـ"شبه وجبة".
فحتى النساء والأطفال، الذين أضعفتهم قسوة الجوع وأرهقتهم أوضاعهم الصحية، يقطعون مسافات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة، وينتظرون لساعات طويلة في ظل قصف مستمر وإطلاق نار كثيف، على أمل العودة بكيس طحين أو بعض المكرونة لأحبائهم - إلا أن الكثيرين منهم قد لا يعودون إلى منازلهم، مخاطرين بحياتهم في سبيل لقمة عيش تكاد تكون بعيدة المنال.
ومن هؤلاء سمية البالغة من العمر 34 عاماً، التي تحمل إلى جانب إصابتها بمرض السرطان، مهمة إطعام أطفالها الخمسة، لأن زوجها مصاب ولا يستطيع الحركة، فبعد أن كان أكبر همها استكمال علاجها خارج قطاع غزة، أصبحت لا تفكر سوى في تأمين الغذاء لأطفالها.
فتقول سمية باكية: "من أجل أطفالي الجوعى ونظراتهم الصعبة وعيونهم التي تُبكي الحجر والضمائر الحية، أحاول أن أقدم لهم أي شيء قبل أن أموت حتى لا أرى هذه النظرات بعيونهم، أنا مريضة سرطان في مرحلته الرابعة، ولم يقتلني السرطان حتى الآن لكن قد أموت من الجوع في أي لحظة".
وفقاً لبرنامج الأغذية العالمي في 21 يوليو/تموز الجاري، فإن نحو 90 ألف طفل وامرأة يعانون من سوء تغذية حاد، فيما يُحرم نحو ثلث المواطنين من الطعام لأيام متتالية في قطاع غزة.
وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية في غزة في 22 يوليو/تموز الجاري، فقد بلغ العدد الإجمالي لوفيات المجاعة وسوء التغذية 101 حالة وفاة بينهم 80 طفلاً.
رحلة سمية للحصول على المساعدات ليست كغيرها، فهي مصابة أيضاً في قدمها منذ بداية الحرب أثناء قصف منزل مجاور لها، وأثّرت الإصابة على حركتها بشكل كبير.
ولكي تذهب سمية إلى أماكن المساعدات باتجاه معبر زيكيم شمال غربي غزة، تضطر أن تستقل عربة كارو، أو أن يحملها بعض الشباب على ظهورهم لعدة ساعات مشياً، حتى تصل إلى نقطة معينة تتجمع فيها الحشود لانتظار مرور شاحنات المساعدات القادمة مما تعرف بمؤسسة غزة الإنسانية، التابعة للولايات المتحدة وإسرائيل.
وتصف سمية المشهد قائلةً: "في أغلب الوقت نكون منبطحين ونفترش الأرض فترة طويلة، لنحاول تفادي الرصاص الحي المتناثر فوق رؤوسنا، أماكن الحصول على المساعدات فعلاً مصيدة موت، لأن الاحتمال الأكبر أن أموت ولا أعود لأطفالي. أحياناً يتناثر علينا دم، فنتخيل أننا قُتلنا ثم نكتشف أن هذا دم لأشخاص بجوارنا".
ووفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة في 20 يوليو/تموز الجاري، فإن إجمالي ضحايا انتظار المساعدات بلغ 922 شخصاً وأكثر من 5861 إصابة.
صدر الصورة، Getty Images
التعليق على الصورة،
وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة تخطى إجمالي ضحايا انتظار المساعدات ألف قتيل
مصيدة موت لجمع الفتات فقط
وبحسب سمية، تكون الشاحنات على مقربة من جنود الجيش الإسرائيلي الذين يطلقون النار، ولكن يضطر الجائعون إلى الاقتراب من الشاحنات رغم خطورة الوضع.
ويؤكد الجيش الإسرائيلي أنه لم يطلق النار على مدنيين داخل أو قرب مراكز توزيع المساعدات، ويتهم حماس باستغلال معاناة المدنيين، لا سيما عبر نهب المساعدات الإنسانية أو عبر إطلاق النار على منتظري المساعدات، بينما تُحمل "مؤسسة غزة الإنسانية" حماس المسؤولية عن الوضع الإنساني في القطاع.
تضيف سمية: "حشود كثيرة جداً تهجم على المساعدات، ويقومون بضرب بعضهم ليحصلوا عليها. أنا لا أحصل على مساعدات، أنا أحصل على الفتات لأطعم أطفالي، فأنا لا أستطيع الوقوف كرجل شديد أو امرأة معافاة، أحاول فقط تعبئة الفتات الذي يتساقط من الناس، أو أنتظر ربما تعطف عليَّ بعض النساء ويعطينني جزءاً بسيطاً - آخذ الفتات وأجمعه وأنظّفه من الرمال لكي نأكله أنا وأولادي".
التعليق على الصورة،
جرحت سمية بآلة حادة أثناء محاولتها الحصول على المساعدات
ورغم كل ما تواجهه سمية، لم تتوقف عن الذهاب للحصول على المساعدات لأجل أطفالها، وتتذكر أصعب يوم مرَّ عليها، حيث جرحها أحد الأشخاص بآلة حادة ليستولي على الطحين من يدها، إذ تقول: "توسلتُ إليه أن يترك كيلو واحداً لأطفالي لكنه لم يستجب، ونُقلت إلى مستشفى الشفاء وتم إجراء الخياطة ليدي بدون مخدر، وما زالت غرز الخياطة في يدي حتى اليوم، تمنيت الموت يومها لأني لم أستطع أن أطعم أطفالي".
تلامس جسدي مع الرجال أثناء التزاحم
ليس فقط العنف الجسدي هو ما تواجهه نساء غزة لتأمين قوتهن وقوت أسرهن، حيث يتعرضن لمواقف محرجة أثناء التزاحم للحصول على المساعدات أو أثناء الانبطاح على الأرض لحماية أنفسهن من الرصاص، فالجوع أزال الحواجز بين النساء والرجال كما تحكي سمية.
تشرح سمية بخجل شديد: "أثناء انتظار المساعدات نتعرض لمواقف صعبة لا نستطيع أن نصفها أمام أحد ولا أمام أزواجنا، ما يضيف علينا ضغطاً نفسياً، فنحن نُسِرّ في أنفسنا ولا نحكي، فمثلاً أثناء الانبطاح لنحتمي من الرصاص، يكون الرجال فوق النساء والنساء فوق الرجال، أو عندما يحملني شاب على ظهره لأني مريضة، أشعر بخجل شديد لكني مضطرة للحصول على لقمة العيش".
وتضيف: "مهما صرخت المرأة ومهما بكت ومهما قالت ابعدوا عني، لا يسمعها أحد، فهذا تحرش غير متعمد، ولكنه تلامس تلقائي بسبب التزاحم والتسارع على لقمة العيش، كل شخص هناك لا يفكر في مشاعر الإنسان الآخر، الكل يريد الطعام".
لا مساعدات للصغار
رغم خطورة الأوضاع الأمنية والإنسانية، يتوجه العديد من الأطفال لمراكز المساعدات التابعة لمؤسسة "غزة الإنسانية" المدعومة أمريكيّاً لتأمين الغذاء لأُسرهم.
يذهب الطفل سامي ماهر البالغ من العمر 13 عاماً، النازح في منطقة اليرموك بمدينة غزة دائماً مع أخيه الأكبر إلى مركز المساعدات في رفح جنوب القطاع ليساعد إخوته العشرة ووالدته، حيث يتواجد والده خارج القطاع مرافقاً لحفيده الذي يُعالج في إيطاليا جرّاء إصابته في الحرب.
ولكي يوفر سامي المقابل المادي لعربة الكارو التي يستقلها إلى مركز المساعدات، يعمل في جمع الحطب وبيعه.
يفترق سامي عند الوصول لنقطة توزيع المساعدات عن أخيه وسط الزحام، وينتظر مع الحشود ساعات في الشمس، وبعد فتح الطريق يجري حوالي 2 كيلو متر ليصل إلى المساعدات التي يسرع إليها الآلاف في غزة.
يشرح سامي معاناته للحصول على المساعدات: "تزاحم مع ناس أكبر مني في العمر، يقفزون فوقي ويتم دهسي، وأحياناً يضربونني ليأخذوا منى الطعام الذي جمعته، لكن أصعب شيء هو مشاهدتي الجثث التي تتساقط على الأرض بسبب إطلاق النار".
كميات قليلة جداً من الطحين أو الأرز أو العدس قد يعود بها سامي لأسرته، وأيام أخرى يعود بلا شيء، وهذا أقسى شعور يمر عليه، حيث يضيف: "سأظل أعرض حياتي للخطر لكي أحصل على لقمة العيش، فلا أستطيع أن أرى إخوتي يموتون من الجوع ولا أساعدهم".
صدر الصورة، Getty Images
التعليق على الصورة،
أطفال يخاطرون بحياتهم للحصول على الطحين
وعن أخطر المواقف التي تعرّض لها يقول سامي: "بعض الأشخاص وضعوا سكيناً على رقبتي لترك حقيبتي وأخذ المساعدات منّي، حدث ذلك معي 3 مرات، لم أستطع أن أدافع عن نفسي لأنهم أكثر من شخص، شعرت يومها برعب وخوف، وبصغر سني مقابل هؤلاء الأشخاص".
وسجلت الأمم المتحدة حتى 21 يوليو/تموز الجاري مقتل 1054 شخصاً في غزة أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء، منهم 766 قُتلوا بالقرب من مراكز توزيع مؤسسة غزة الإنسانية، و288 قُتلوا بالقرب من قوافل مساعدات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى.
وكانت المؤسسة التي تدعمها الولايات المتحدة وإسرائيل قد بدأت عملها في القطاع في 27 مايو/أيار الماضي، وترفض عملها الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


نافذة على العالم
منذ 2 أيام
- نافذة على العالم
أخبار العالم : كيف تحوّل مشاعر القلق والتوتر إلى طاقة إيجابية تستفيد منها؟
الاثنين 28 يوليو 2025 12:00 مساءً نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images قبل 30 دقيقة "أكاد أكون خبيرة في الشعور بالقلق" بهذه العبارة تصف كيت سويني، الباحثة في علم النفس، علاقتها الطويلة مع القلق. فمنذ سنوات، يلازمها هذا الشعور المرتبط بما لا تستطيع السيطرة عليه. ورغم أن القلق المزمن، حتى وإن كان خفيفاً، يترك أثراً سلبياً على صاحبه، فإن ما يميّز كيت سويني هو أنها حولت معاناتها إلى دافع مهني، فقد دفعتها تجربتها الشخصية مع القلق إلى اختيار مسارها العلمي، فقررت أن تتخصّص في علم النفس، وتحديداً في دراسة أسباب القلق والتوتر، وتعمل أستاذة في جامعة كاليفورنيا – ريفرسايد. تقول سويني: "لا يستغل الجميع حياتهم وما يدور فيها كوقود لأبحاثهم"، وقد استعانت بالفعل بتجاربها الشخصية لتكون نقطة انطلاق لأبحاثها النفسية، التي كشفت بعض نتائجها عن مفارقات لافتة. ومن بين هذه النتائج أن القلق – في بعض الحالات – يمكن أن يكون مفيداً، فهو قد يساعد الإنسان أثناء مروره بمواقف متوترة، كانتظار نتائج اختبار مهم، أو اتخاذ خطوات لحماية صحته. أنواع مختلفة للقلق وتباينت تعريفات العلماء لمفهوم القلق، بين من وصفوه بعبارات محايدة، وآخرين استخدموا مصطلحات تنطوي على دلالات سلبية، فقد لجأ بعض علماء النفس، خصوصاً المتخصصين في دراسة الظواهر المرتبطة بالتغير المناخي، إلى تقديم تعريف محايد للقلق باعتباره "حالة شعورية تحفّز الفرد على اتخاذ سلوكيات تهدف إلى تقليل التهديد"، وفضّل آخرون تعريفه بطريقة أكثر سلبية، على أنه "تجربة شعورية تنطوي على أفكار مزعجة ومستمرة بشأن المستقبل". ويكمن الفارق الجوهري بين القلق والتخوّف العام، في أن الأخير يرتبط بتجربة عاطفية تحفّز الفرد على التغيير، بينما قد يتحول القلق إلى عبء داخلي دائم يصعب التخلص منه. ورغم أن للقلق أضراراً معروفة، إلا أن بعض الباحثين يشيرون إلى أنه قد يكون محدود الانتشار داخل النفس؛ أي أن الشعور بالقلق تجاه أمر معين قد يخفف من احتمالية القلق حيال أمور أخرى. لكن عندما يبلغ القلق مستويات مرتفعة، فإنه غالباً ما يرتبط بتدهور الصحة الجسدية والنفسية، نتيجة أسباب متنوّعة تبدأ من اضطرابات النوم، ولا تنتهي بالخوف المفرط من الخضوع لفحوص طبية، مثل تلك التي تكشف عن أمراض خطيرة كالسرطان. ويزداد الأمر تعقيداً إذا كان القلق حاداً، وعشوائياً، ومتكرراً، ويصعب السيطرة عليه، وهي الخصائص التي تميّز ما يُعرف بـ "اضطراب القلق العام". ويقول إدوارد وتكينز، أستاذ علم النفس السريري في جامعة إكستر البريطانية: "من المرجّح أن يكون القلق المنتشر والمرتبط بمصادر متعددة أكثر إشكالية وأقل فائدة من القلق المركّز على مشكلة واضحة ومحددة". صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، ارتبط الشعور بنوع من "القلق البنّاء" بشأن حرائق الغابات في استراليا، باتخاذ إجراءات عملية من شأنها، التحضير الجيد للتعامل مع هذه الحرائق عند اندلاعها فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسات أُجريت في الولايات الأسترالية المعرضة لحرائق الغابات، أن الشعور بما يمكن وصفه بـ"القلق البنّاء" ارتبط بتحضيرات أفضل لمواجهة هذه الكوارث، كما تبيّن أن هذا النوع من القلق يسهم أيضاً في تحسين الأداء الأكاديمي، وزيادة فرص الإقلاع عن التدخين. وفي سياق آخر، كشفت دراسة أن الشعور بالقلق إزاء التغير المناخي كان أقوى مؤشر على دعم الأفراد للسياسات البيئية، وهذا ما دفع بعض الباحثين إلى اقتراح أن إثارة القلق - بدلاً من إثارة الخوف - قد يكون أكثر فاعلية في تحفيز الناس على دعم قضايا البيئة، إذ إنّ القلق يركّز على ما قد يحدث مستقبلاً، لا على اجترار ما فات، ويجعل الفرد أكثر استعداداً للتعامل مع الواقع. ويشرح إدوارد وتكينز، الباحث في اضطرابات الحالة المزاجية، ثلاث آليات رئيسية يمكن للقلق أن يُحدث تأثيره من خلالها: الدافع: القلق يدفع الشخص إلى التفكير في أسباب المشكلة، ويزيد من احتمالية اتخاذه خطوة فعلية لمواجهتها القلق يدفع الشخص إلى التفكير في أسباب المشكلة، ويزيد من احتمالية اتخاذه خطوة فعلية لمواجهتها التذكير: الإحساس بالخوف أو عدم اليقين يلحّ على الذهن، ويذكّر صاحبه بالحاجة إلى الفعل الإحساس بالخوف أو عدم اليقين يلحّ على الذهن، ويذكّر صاحبه بالحاجة إلى الفعل التحضير: القلق يحفّز سلوكيات مثل التخطيط، وحل المشكلات، واتخاذ احتياطات مسبقة وتقول كيت سويني إن للقلق وظيفة واضحة، تماماً مثل أي شعور إنساني آخر، فهو بمثابة إشارة تنبّهنا إلى ما قد يكون في طريقه إلينا، وتحثّنا على التحرّك لمنع وقوعه، أو الاستعداد لمواجهته. وقد أكدت الدراسات المتعلقة بوباء كورونا في مراحله الأولى هذه الفكرة، ففي دراسة شملت سكان 10 دول، تبيّن أن القلق شكّل المكوّن العاطفي الأبرز في إدراك خطر الفيروس. وقد استخدم الباحثون مؤشرات من بينها مستوى القلق لدى الأفراد، ووجدوا علاقة قوية بين هذا القلق واتباع سلوكيات وقائية، مثل غسل اليدين، وارتداء الكمامات، والالتزام بالتباعد الاجتماعي. كيف تشعر بـ "القلق بشكل أفضل" إن القلق البنّاء يكون أسهل توجيهاً حين يكون الحدث مؤطراً زمنياً، كما في حالة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، على سبيل المثال، وبالنسبة لكيت سويني، كان اقتراع عام 2016 من بين أبرز الأحداث التي غذّت مخاوفها السياسية. لكن كيت وجدت لاحقاً طريقة لتوظيف هذا القلق بصورة إيجابية؛ فعندما حلّت انتخابات التجديد النصفي في 2018، كتبت أكثر من 50 بطاقة بريدية، دعت فيها الناخبين إلى المشاركة في التصويت، محاولة بذلك تحويل القلق إلى فعل ملموس. صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، أظهرت إحدى الدراسات أن المؤشر الأقوى الذي كان يفيد بأن شخصاً ما يدعم السياسات الرامية لمواجهة ظاهرة التغير المناخي أم لا، تمثل في ما إذا كان يشعر بالقلق حيال هذه الظاهرة من عدمه وأجرت كيت سويني دراسة تناولت سبل الحفاظ على السلامة الذهنية وراحة البال خلال فترات الانتظار القلِقة، لا سيما عند ترقّب نتائج قد تكون سلبية. وركّزت الدراسة على مرحلة انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لتبيّن كيف يمكن للقلق أن يؤثر في سلوك الإنسان خلال هذه الفترات. وأشارت سويني إلى أن الشخص يستطيع الحدّ من الآثار السلبية للقلق من خلال تبنّي موقف إيجابي قبل يوم الاقتراع وأثناءه، بشرط أن يُهيّئ نفسه في الوقت ذاته لاحتمال وقوع أسوأ السيناريوهات. وقالت إنها، على المستوى الشخصي، استطاعت أن "تمنح القلق وظيفة" حتى لحظة إعلان النتائج. وبطبيعة الحال، يشعر كثيرون بالقلق في مواجهة قوى خارجة عن سيطرتهم، لكن إدراك أن القلق لا يؤدي وظيفة مفيدة في بعض المواقف قد يساعد على التخفيف من حدّته. وتستعرض سويني في هذا السياق استراتيجية من ثلاث خطوات، يمكن من خلالها تحويل القلق إلى سلوك عملي: 1- حدّد طبيعة القلق الذي يراودك 2- فكّر في الخطوات التي يمكنك اتخاذها لمواجهة المشكلة 3- إذا كنت قد فعلت ما بوسعك، فحاول أن تنغمس في إحدى الحالات الذهنية التي تقلّل التوتر، مثل "اليقظة الذهنية" أو "التدفق" وهي حالة ذهنية يشعر فيها الإنسان بانسجامٍ تام مع ما يفعله، فيفقد الإحساس بالوقت، ويكون تركيزه كاملاً في المهمة التي بين يديه، دون قلق أو تشتيت وتوضح سويني أن حالة "التدفق" تعني انخراط الفرد الكامل في التعامل مع تحديات معتدلة الصعوبة، مع قدرته على تتبع تقدّمه في مواجهتها، وتُعد هذه الحالة مفيدة بشكل خاص في أوقات الضغط. ورغم أن حالة "اليقظة الذهنية" - أي التركيز الكامل على اللحظة الراهنة دون حكم أو تشتت - ترتبط غالباً بتحقيق مستويات عالية من السعادة والاستقرار النفسي والاجتماعي، فإن نتائج الدراسة التي أجرتها كيت سويني على مجموعة من المشاركين في الصين كشفت عن جانب مختلف. فقد تبيّن أن هذه الحالة اقترنت لدى أفراد العينة بزيادة الشعور بالوحدة، وتراجع السلوكيات الصحية. وتعزو سويني هذا التراجع إلى غياب "عنصر الإلهاء" الذي توفّره حالة "التدفّق"، وهي الحالة التي ينغمس فيها الشخص تماماً في نشاط يشغله ذهنياً ويصرفه عن القلق، ما يجعله يشعر بأن الوقت يمرّ بسرعة. أما "اليقظة الذهنية"، فتجعل الإنسان أكثر انتباهاً لحالة الغموض وعدم اليقين المحيطة به، ما قد يزيد من شعوره بالضغط في مواقف طويلة الأمد. وتخلص الدراسة إلى أن اليقظة الذهنية قد تكون أكثر فاعلية في مواجهة المواقف القصيرة والمركّبة التي تتطلب وعياً حاداً باللحظة، بينما يساعد "التدفّق" على التكيّف مع الأوضاع الممتدة التي لا نهاية واضحة لها في الأفق. صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، حاول أن تنغمس في إحدى الحالات العقلية التي تقلل التوتر، مثل "التدفق" و"اليقظة أو الوعي التام" ويقول إدوارد وتكينز، الذي عمل على تحديث قائمة النصائح الموجّهة لمن يسعون لتعزيز صحتهم النفسية خلال وباء كورونا، وأشرف على تطبيق إلكتروني أُطلق لخدمة الشباب الأوروبيين في هذا السياق، إن الدراسات أشارت إلى أن الشعور بقدر معتدل من القلق إزاء كورونا، مقروناً بفهم أهمية إجراءات التباعد الاجتماعي والإيمان بفاعليتها، يسهم في رفع مستويات الالتزام بالإرشادات الوقائية. في المقابل، القلق المفرط أو الخوف المشتت لأسباب متعددة قد يعيق قدرة الفرد على اتخاذ أي خطوات فعلية. فبدلاً من الانشغال بالسيناريوهات السلبية، وما قد يحدث بطريقة خاطئة، تنصح الدراسات بوضع خطة واضحة لكيفية تقليل المخاطر أثناء التنقل من وإلى مقر العمل. ويعلّق وتكينز على ذلك قائلاً: "التركيز على وضع خطة، يُشعر الإنسان بالقدرة على الاستعداد والتحكم. أما الاستسلام للقلق والتخيلات الكارثية، فيزيد من شعور الشخص بالعجز والهلع، ويضخّم المخاوف التي تراوده". بشكل عام، توصي الدراسات النفسية، بما في ذلك أبحاث إدوارد وتكينز وآراء باحثين آخرين، بالحفاظ على نوع من الروتين اليومي، والبقاء على تواصل منتظم مع المقرّبين للاطمئنان عليهم، إلى جانب البحث عن وسائل لتحويل القلق إلى اهتمام فعّال وتعاطف مع الآخرين. ففي فيلم الرعب "بادادوك"، يجسّد الوحش الظاهر في القصة حزناً عميقاً متجذّراً في الماضي، وعلى عكس النهايات المعتادة في أفلام الرعب، لا تحاول البطلة تدمير هذا الكائن، بل تدرك أن وجوده - رغم رعبه - يمنحها مساحة للتعبير عن حزنها وتذكّر ما فقدته، لكنها لا تسمح له بالسيطرة، لتصل معه في النهاية إلى ما يشبه "تسوية" بينهما.


نافذة على العالم
منذ 3 أيام
- نافذة على العالم
أخبار العالم : متى يتحول الالتهاب من وسيلة دفاع إلى خطر صحي؟
الأحد 27 يوليو 2025 08:40 صباحاً نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images Article Information Author, سمية نصر Role, بي بي سي عربي قبل 37 دقيقة "ثلاث علامات تشير إلى أنك تعاني من الالتهاب المزمن"..."10 أطعمة مضادة للالتهاب"..."أفضل مكملات غذائية لمقاومة الالتهاب"..."الالتهاب هو أصل كل الأمراض"... هذه أمثلة على عناوين مقالات ومقاطع فيديو في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي انتشرت بشكل متزايد خلال الأعوام القليلة الماضية مع تصاعد الاهتمام بالالتهاب، رغم أنه ليس مفهوماً جديداً على الإطلاق في مجال الطب. فما المقصود بالالتهاب؟ وهل هو بالفعل بهذه الخطورة؟ الالتهاب الحاد مقابل الالتهاب المزمن يوصف الالتهاب بأنه رد فعل الجهاز المناعي عندما يتعرض الجسم لإصابة أو لعدوى فيروسية أو بكتيرية. فعندما تجرح يدك ويصاب الجرح بالعدوى البكتيرية مثلاً، أو عندما ترتطم ركبتك بمنضدة، فإن الجزء المتأثر يصبح مؤلماً وساخناً عند لمسه ويحمر لونه، وقد يتورم أيضاً. يقول البروفيسور لوك أونيل مدير مجموعة أبحاث الالتهاب بكلية الكيمياء الحيوية وعلم المناعة بجامعة ترينيتي دَبلين بأيرلندا إن "هذه الأشياء تحدث لأن النسيج المصاب بالعدوى أو بجرح يفرز ما يسمى وسائط الالتهاب، والتي تزيد من تدفق الدم إلى المنطقة المتأثرة، ولهذا تصبح ساخنة وحمراء اللون. ثم تغادر كرات الدم البيضاء مجرى الدم وتدخل إلى النسيج المصاب. وأحياناً ما يتسرب سائل البلازما من الوعاء الدموي، وهو ما يسبب التورم. وتبدأ النهايات العصبية في إطلاق إشارات بسبب هذه التغيرات، وهذا هو ما يسبب الألم". الغرض من هذه الآلية هو القضاء على أية عوامل ممرضة تحاول التسلل إلى النسيج المصاب. ثم يتم إصلاح النسيج وتختفي تلك الأعراض وتعود الأمور إلى طبيعتها. وتعمل هذه الآلية بصورة مماثلة عندما نصاب بعدوى مثل الإنفلونزا أو الالتهاب الرئوي. الأمثلة السابقة يطلق عليها مصطلح "الالتهاب الحاد" (acute inflammation)، وهي عملية في غاية الأهمية للدفاع عن الجسم والبدء في التعافي، وبدونها قد تتفاقم الجروح وتصبح العدوى قاتلة. تحدث المشكلة عندما يخرج الالتهاب عن السيطرة، أو يستمر لفترة طويلة، ويواصل الجهاز المناعي ضخ كرات الدم البيضاء وغيرها من المواد الكيميائية لإطالة العملية. الجسم في هذه الحالة يظن أنه معرض للهجوم المستمر، وهو ما يضطر الجهاز المناعي إلى مواصلة المعركة إلى أجل غير مسمى – وهذا ما يطلق عليه "الالتهاب المزمن" (chronic inflammation). صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، يزداد تدفق الدم إلى المنطقة المصابة بجرح أو عدوى في الجسم، وتدخل كرات الدم البيضاء إلى النسيج المصاب لكن لماذا يخفق الجهاز المناعي في بعض الأحيان في وقف الالتهاب؟ وما العواقب؟ "هذا سؤال مهم، إجابته هي أننا لا نعرف"، هكذا أخبرني البروفيسور أونيل، مضيفا: "قد يعود السبب جزئياً إلى الجينات الوراثية، بمعنى أن يكون هناك تباين جيني في البروتينات المرتبطة بالالتهاب قد يجعلها مفرطة النشاط، أو في البروتينات المضادة للالتهاب يجعلها لا تؤدي وظيفتها بالشكل الصحيح. وعندما يصبح الالتهاب مزمناً، حينها يصاب الشخص بالأمراض الالتهابية". كيف نفرق بين الالتهاب الحاد والالتهاب المزمن؟ قد يكون عدم زوال الالتهاب بعد تأدية مهمته في الدفاع عن الجسم من سمات الالتهاب المزمن. يقول البروفيسور فيليب كولدر أستاذ علم المناعة الغذائية بجامعة ساوثهامبتون بإنجلترا لـ بي بي سي عربي إن "الالتهاب المزمن الشديد أو "عالي الدرجة" عادة ما يصاحبه ألم وتورم، وأحيانا فقدان في إحدى وظائف الجسم، ومن ثم يدرك الشخص أنه يواجه مشكلة، وقد يحاول التغلب عليها من خلال تناول العقاقير الشائعة المضادة للالتهابات مثل الأسبرين أو الأيبوبورفين وغيرهما من دون استشارة الطبيب"، مضيفا أن الشخص يلجأ إلى الطبيب عندما تكون الأعراض شديدة للغاية، فيصف له الطبيب مضادات التهاب قوية – والتهاب المفاصل مثال على الإصابة بالالتهاب الشديد أو عالي الدرجة. لكن عندما يكون الالتهاب خفيفاً أو "منخفض الدرجة" أحياناً قد لا يدرك الشخص وجوده لعدم تسببه في الألم، "هذا النوع من الالتهاب، الذي قد يستمر لسنوات، يُعتبر ضاراً على المدى البعيد، إذ إنه يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب وتراجع القدرات الإدراكية"، وفق البروفيسور كولدر. هل الالتهاب "سبب كل الأمراض"؟ هناك الكثير من الأبحاث التي تشير إلى وجود ارتباط بين الالتهاب المزمن وعدد من الأمراض، من بينها: مرض القلب النوع الثاني من مرض السكري بعض أنواع السرطان التهاب المفاصل أمراض الأمعاء الالتهابية مثل مرض كرون والتهاب القولون التقرحي أمراض الأيض التدهور الإدراكي فقدان العظام والعضلات المرتبط بالتقدم في العمر الاكتئاب يقول بعض الخبراء الطبيين الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، أو "المؤثرين الطبيين" كما يطلق عليهم، إن الالتهاب هو "سبب كل الأمراض". فهل هذه العبارة صحيحة، أم أنها تنطوي على تبسيط مخل؟ يقول البروفيسور أونيل إن العبارة "ليست غير معقولة، إذ يمكن النظر إلى المرض على أنه اضطراب في الجسم، والجسم يحفز الالتهاب للاستجابة لهذا الاضطراب، لكنه يمكن أن يسهم لاحقاً في تطور المرض. بيد أن هناك ما يمكن وصفه بالأمراض الالتهابية "الكلاسيكية" التي تصاحبها الأعراض الرئيسية للالتهاب مثل الاحمرار والتورم والألم والحرارة. الإصابة بكل هذه الأشياء تعني بالتأكيد وجود التهاب". أما البروفيسور كولدر فيرى أن هذه العبارة من قبيل الخرافات التي يروج لها البعض على وسائل التواصل، ويضيف أنه "لا شك في أن الالتهاب ممكن أن يكون ضاراً، وهو عامل مساهم رئيسي في العديد من الحالات الصحية الشائعة، لكن من غير المرجح أن يكون المساهم الوحيد في اعتلال الصحة". صدر الصورة، Getty Images حلقة السمنة والالتهاب المفرغة يربط الكثير من الأبحاث والدراسات بين السمنة والالتهاب المزمن. على سبيل المثال، تعريف السمنة وفقاً لدراسة أجراها علماء من جامعة كولونيا الألمانية ونشرت عام 2022 هو أنها "حالة من الالتهاب المزمن منخفض الدرجة يتسبب في العديد من أمراض الأيض". يقول البروفيسور كولدر إن "السمنة هي حالة من تراكم الدهون الزائدة في الجسم، ونطلق على دهون الجسم مصطلح "النسيج الشحمي". وعندما تزداد كمية الدهون في الجسم تصبح ملتهبة. نعرف ذلك من خلال قياس المواد الكيميائية الموجودة في الدم والتي تشير إلى وجود التهاب. وإذا فقد الشخص بعض دهون الجسم، تقل كميات هذه المواد. ولكن عندما تكون أعلى مما ينبغي، فإن أجزاءً أخرى من الجسم، مثل الكبد والبنكرياس والأوعية الدموية، تصبح ملتهبة. وربما يكون هذا هو أحد أسباب أن السمنة تزيد من خطر الإصابة بأمراض الكبد والسكري والقلب". وعادة ما يتم الحديث عن أن العلاقة بين السمنة والالتهاب تشبه الحلقة المفرغة، إذ قد تتسبب زيادة الوزن المفرطة في الالتهاب، والذي بدوره يصعّب من فقدان الوزن ومن ثم يؤدي إلى تفاقم السمنة. يقول كولدر إن "الشخص المصاب بالسمنة ربما يعاني من التهاب في الأنسجة الشحمية، وقد ينتشر هذا الالتهاب فيصيب أنسجة أخرى في الجسم. كما أن الالتهاب من الممكن أن يضعف استجابة الجسم للإنسولين (مقاومة الإنسولين)، وهذا بدوره قد يؤدي إلى الإسهام في تعزيز السمنة. لكن بالعودة إلى نقطة البدء، السمنة هي التي تؤدي إلى الالتهاب وليس العكس. الالتهاب ينخفض إذا فقد الشخص المصاب بالسمنة بعض دهون الجسم". كيف نقلل من الالتهاب؟ تشير المقولة الإنجليزية "you are what you eat" (أنت ما تأكل) إلى الأثر المباشر للطعام الذي نتناوله على صحتنا، وعلاقة النظام الغذائي بالالتهاب ليست استثناءً. ينصح الأطباء دائماً بتفادي الأطعمة فائقة المعالجة أو على الأقل الحد من تناولها، لأنها عادة ما تحتوي على نسب عالية من الملح والسكر والدهون المشبعة والسعرات الحرارية وتفتقر إلى العناصر الغذائية المهمة مثل الألياف والفيتامينات والمعادن. وتضم هذه الأطعمة المشروبات المحلاة ورقائق البطاطا وبعض الوجبات الجاهزة والأيس كريم. وقد ربطت دراسات عديدة بين تلك الأطعمة وبين زيادة خطر الإصابة بحالات مرضية مثل النوع الثاني من مرض السكري والقلب والسمنة. فهل توجد علاقة بين الأطعمة فائقة المعالجة وبين الالتهاب؟ يقول البروفيسور كولدر إن "الدهون المؤكسدة والسكريات المعدلة والدهون المتحولة والمشبعة والسكريات البسيطة من الممكن أن تؤدي إلى تفاقم الالتهاب، أو تهيئ بيئة في الجسم تفضي إلى الالتهاب. الوجبات التي تحتوي على كميات كبيرة من هذه المكونات يرَجح أن تسهم في زيادة الالتهاب في الجسم". انتشر في الفترة الأخيرة مصطلح آخر هو "نظام غذائي مضاد للالتهاب". فهل هناك بالفعل نظام غذائي يمكن أن يحمي الجسم من مخاطر الالتهاب المزمن؟ يرى البروفيسور أونيل أن هذا المصطلح "ربما كان مبالغاً فيه لوصف الدور الذي يمكن أن يلعبه الغذاء. هناك دليل على أن النظام الغذائي غير الصحي (الذي يحتوي على نسبة كبيرة من الأطعمة فائقة المعالجة مثلاً) من الممكن أن يساهم في الإصابة بالأمراض الالتهابية، ومن ثم فإن النظام الغذائي الصحي يمكن أن يساعد في تقليل الخطر". يتفق معه البروفيسور كولدر على أن النظام الغذائي الصحي بشكل عام يرتبط بتقليل الالتهابات. ومن بين الأمثلة التي يعطيها: النظام الغذائي المتوسطي، ونظام داش (DASH) المصمم لخفض الضغط وتعزيز صحة القلب، ونظام مايند (MIND) الذي يجمع بين النظامين السابقين بهدف تعزيز صحة الدماغ، والنظام الغذائي النوردي (Nordic) نسبة إلى دول شمال أوروبا مثل النمارك والسويد والنرويج، والذي يركز على الأطعمة المحلية والموسمية والحبوب الكاملة والأسماك وزيت الزيتون والخضروات والمكسرات والدواجن، فضلا عن الكثير من الأنظمة الغذائية الآسيوية التقليدية. صدر الصورة، Getty Images بالإضافة إلى اتباع نظام غذائي صحي، يشدد كولدر على أهمية زيادة النشاط البدني والحصول على قسط كافٍ من النوم وتقليل التوتر قدر الإمكان. هناك الكثير من الأشياء التي يتم الترويج لها لمكافحة الالتهاب، وعلى رأسها المكملات الغذائية وبعض العلاجات التي تدخل ضمن نطاق ما يعرف بالطب التكميلي أو البديل. لكن البروفيسور أونيل يقول إن الأدلة التي تدعم فوائد المكملات الغذائية محدودة، مضيفا: "وجهة نظري العامة بشأن الأساليب البديلة هي أنها قد تأتي ببعض الفوائد، ولكن معظم هذه الفوائد ربما يكون نتيجة لتأثير الدواء الوهمي (البلاسيبو)".


نافذة على العالم
منذ 4 أيام
- نافذة على العالم
أخبار العالم : "تصميم" أطفال خارقين: ما هي تقنية "تحسين النسل" التي اعتمدها إيلون ماسك؟
السبت 26 يوليو 2025 08:40 صباحاً نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، واحدٌ على الأقلّ من أطفال ماسك الأربعة عشر، وُلد بعد اختيار جنينيّ دقيق يستند إلى تقييم وراثي يُعرف بـ"درجة الخطر متعددة الجينات" قبل 51 دقيقة في خريف عام 2021، أنجبت شيفون زيليس توأماً من إيلون ماسك بواسطة تقنية التلقيح الاصطناعي. المديرة التنفيذية في شركة "نيورالينك" التابعة للملياردير، عادت وأنجبت منه طفلين آخرين خلال عامي 2024 و2025. واحدٌ على الأقلّ من أطفال ماسك الأربعة عشر، وُلد بعد اختيار جنينيّ دقيق يستند إلى تقييم وراثي يُعرف بـ"درجة الخطر متعددة الجينات"، وهي التقنية التي توفّرها شركة ناشئة في وادي السليكون اسمها "أوركيد هيلث". بواسطة هذه التقنية التي دخلت حيّز التنفيذ عام 2019 بكلفة عالية جداً، يمكن للراغبين بالإنجاب معرفة احتمالات الإصابة المستقبلية لطفلهم بأمراض مزمنة، وبالتالي استبعادها. تَعِدُ هذه التكنولوجيا العالم بأطفال أصحّاء بالكامل (ومن منّا لا يرغب في ذلك؟) لكنها تفتح أيضاً الباب أمام أسئلة كبرى تتخطى إنقاذ البشرية مستقبلاً من الأمراض: هل نقترب من زمن يُصمَّم فيه الأطفال عبر خوارزميات؟ وهل تتحوّل تقنية وجدت للوقاية من الأمراض إلى وسيلة لاختيار خصائص لأطفال "خارقين"؟ وهل تصبح عملية الإنجاب نتيجة لانتقاء جيني مسبق وتنقيب في البيانات، ما يزيد من انعدام المساواة والعدالة بين الأفراد منذ لحظة التلقيح؟ ما هو الفحص الجينيّ الشامل للأجنّة؟ صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، خدمات "أوركيد" تُقدَّم اليوم في أكثر من مئة عيادة تلقيح اصطناعي في الولايات المتحدة. تقوم هذه التقنية على تحليل الحمض النووي الكامل للجنين، أي فحص الخريطة الجينية الكاملة التي تتكوّن من نحو ثلاثة مليارات قطعة، باستخدام عدد قليل جداً من خلاياه. وبعد أن تُدمَج هذه التقنية مع أداة تُسمى "تقييم المخاطر الجينية المتعددة"، وهي وسيلة إحصائية تُقدّر احتمال إصابة الطفل بأمراض معقّدة مثل السرطان أو السكّري أو الفصام، تعد هذه المقاربة بتقديم معلومات وراثية دقيقة ومبكّرة عن صحة الطفل المحتملة قبل ولادته. وعلى عكس الفحوصات الجينيّة التقليدية التي تركز على الأمراض النادرة الناتجة عن طفرة واحدة، تحلّل تقنية "تقييم المخاطر الجينية المتعددة" (PRS) مجموعات من المتغيّرات الجينية لتقييم خطر الإصابة بأمراض شائعة. هو ليس تشخيصاً، بل تنبؤ قائم على الاحتمالات. وتعد "أوركيد هيلث" من بين الشركات الرائدة في هذا المجال، وهي شركة ناشئة مقرها وادي السيليكون في سان فرانسيسكو أسّستها الشابة الأمريكية من أصول باكستانية نور صدّيقي. تدّعي الشركة أنها تقدّم أكثر خدمات فحص الأجنّة شمولًا في السوق، حيث تقيّم كلًّا من الأمراض أحادية الجين والحالات المعقّدة باستخدام خوارزميات حصرية. وتُقدَّم خدمات "أوركيد" اليوم في أكثر من مئة عيادة تلقيح اصطناعي في الولايات المتحدة. وبحسب تقرير حديث لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، فإنّ الطلب على هذه الخدمة آخذ في الارتفاع. ومع توسّع الوصول إلى قواعد البيانات الجينومية الضخمة، قد يتحوّل الوعد التكنولوجي بـ"اختيار" أطفال أصحّاء من خيال علمي إلى ممارسة روتينية في عيادات الخصوبة. "الجنس للمتعة وفحص الأجنّة من أجل الإنجاب" صدر الصورة، Google التعليق على الصورة، قالت صديقي في مقطع فيديو شاركته عبر منصة إكس (تويتر سابقاً): "الجنس للمتعة، وفحص الأجنّة من أجل الإنجاب". تقول صدّيقي، إنها تمتلك "رؤية طموحة تقوم على خوارزميات مصمّمة خصّيصاً وتحليل الجينوم بهدف القضاء على الأمراض والعلل" لدى أطفال المستقبل. وتقوم شركتها الناشئة بفحص الأجنّة للكشف عن آلاف الأمراض المحتملة، ما يتيح للآباء والأمهات المستقبليين التخطيط لعائلاتهم بناءً على كمٍّ من المعلومات غير المسبوق حول نسلهم. ومع أن العقود الأخيرة جعلت من قيام النساء الحوامل، وكذلك الأزواج الذين يخضعون للتلقيح الاصطناعي، بإجراء اختبارات للكشف عن اضطرابات وراثية نادرة ناتجة عن طفرات في جين واحد، مثل التليّف الكيسي، أو عن خلل في الكروموسومات مثل متلازمة داون، ممارسة شائعة، إلا أن "أوركيد" هي أول شركة تقول إنها قادرة على تحديد تسلسل الجينوم الكامل للجنين، والمكوّن من 3 مليارات كروموسوم. وتستخدم الشركة ما لا يزيد عن خمس خلايا من الجنين لفحص أكثر من 1200 حالة نادرة ناتجة عن جين مفرد، تُعرف باسم الأمراض أحادية الجين. صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، هل تصبح عملية الإنجاب نتيجة لانتقاء جيني مسبق وتنقيب في البيانات، ما يزيد من انعدام المساواة والعدالة بين الأفراد منذ لحظة التلقيح؟ كما تطبّق الشركة خوارزميات مصمّمة خصيصاً لإنتاج ما يُعرف بـ "درجات الخطر متعددة الجينات وهي أدوات تهدف إلى قياس القابلية الوراثية للطفل المستقبلي للإصابة بأمراض معقّدة في وقت لاحق من حياته، مثل الاضطراب ثنائي القطب، والسرطان، ومرض ألزهايمر، والسمنة، والفصام. صدّيقي التي تنوي إنجاب أربعة أطفال باستخدام أجنّتها التي خضعت لفحص "أوركيد"، تدافع عن فكرة أكثر جرأة بدأت تكتسب زخماً في عالم التكنولوجيا: وهي أن تقنيات الخصوبة المتطورة والمتاحة بشكل متزايد "ستحلّ تدريجياً محلّ الجنس كوسيلة مفضّلة للإنجاب لدى الجميع". وقالت صديقي في مقطع فيديو شاركته عبر منصة إكس (تويتر سابقاً): "الجنس للمتعة، وفحص الأجنّة من أجل الإنجاب". وتشير إلى أن الوقت قد اقترب الذي سيصبح فيه من الطبيعي أن يختار الأزواج أجنّتهم من خلال جدول بيانات، تماماً كما يفعل زبائنها الحاليون، موازنين مثلاً بين قابلية للإصابة بأمراض القلب أعلى بـ1.7 مرة من المعدّل العام، وبين درجة خطر 2.7 للإصابة بالفصام. شكوك في دقة الفحوصات صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، استخدام تقييم المخاطر متعددة الجينات يُنتقَد باعتباره لا يزال "غير ناضج سريرياً" برغم الوعود الكبيرة التي تقدّمها شركة "أوركيد"، يثير العديد من العلماء شكوكاً جدّية بشأن دقّة الفحوصات التي تعتمدها. فعملية تسلسل الجينوم الكامل انطلاقاً من خمس خلايا جنينية فقط تُعدّ تقنية حسّاسة، وقد تؤدي، بحسب خبراء من جامعتي ستانفورد وكاليفورنيا، إلى أخطاء كبيرة نتيجة "تكبير" المادة الوراثية بشكل قد يُشوّه النتائج. كما يُنتقَد استخدام تقييم المخاطر متعددة الجينات باعتباره لا يزال "غير ناضج سريرياً"، بخاصة أن دقّته تنخفض لدى الأجنّة من أصول غير أوروبية، بسبب "تحيّز قواعد البيانات الجينية المتاحة". ويرى بعض المتخصصين أن الفروقات الطفيفة بين خوارزميات الشركات المختلفة قد تؤدي إلى نتائج متباينة تماماً، في غياب معيار علمي موحّد يضمن الموثوقية. أجندة يمينيّة؟ صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، العديد من الشخصيات بينها نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس كرّروا أن تراجع معدلات المواليد "يُهدّد مستقبل الدول الصناعية" يربط البعض بين هذا التوجّه المتنامي في تقنيات الإنجاب وبين النزعة المؤيدة للإنجاب في الولايات المتحدة والتي يروّج لها عدد كبير من رموز اليمين الأمريكي. وأشارت "واشنطن بوست" إلى أن شركة "أوركيد" تشكّل جزءاً من حركة ثقافية أوسع يروّج من خلالها أشخاص نافذون في واشنطن ووادي السيليكون لأهمية إنجاب المزيد من الأطفال. فقد كرّر مرات عدة كل من نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس، وإيلون ماسك، بالإضافة إلى المستثمر الملياردير المحافظ بيتر ثيل، وهو الراعي الأساسي لشركة "أوركيد"، أن تراجع معدلات المواليد "يُهدّد مستقبل الدول الصناعية"، وأنه "ينبغي للناس إنجاب المزيد من الأطفال لمواجهة هذا الانحدار". ويضع البعض في السياق نفسه الأمر التنفيذي الذي أصدره البيت الأبيض في فبراير/ شباط الماضي، والذي يدعو إلى توسيع الوصول إلى علاجات التلقيح الاصطناعي. عودة إلى "تحسين النسل"؟ صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، المخاوف تطال البُعد الاجتماعي: إذ يمكن لمثل هذه الممارسات أن تعزّز شعوراً بالتفوّق الجيني لدى فئات معينة، وتُعمّق الفوارق الطبقية. يرى العديد من النقّاد أن استخدام تقنيات فحص الأجنّة بناءً على تقييمات متعددة الجينات يفتح الباب أمام شكل جديد من "تحسين النسل التكنولوجي" (techno-eugenics)، أي استخدام الوسائل العلمية لاختيار أو استبعاد خصائص وراثية معينة بهدف إنجاب أفراد يُعتبرون "أفضل" جينياً. وتستند هذه الرؤية إلى تاريخ مثير للجدل، إذ ارتبط مفهوم "تحسين النسل" تقليدياً بمحاولات سلطوية للتحكّم بالتكاثر البشري، سواء عبر منع الفئات المصنّفة "أقل شأناً" من الإنجاب، أو عبر تشجيع خصوبة من يُعتبرون "أعلى قيمة". واليوم، وعلى الرغم من أن هذا المشروع لم يعد يتخذ طابعاً قسرياً، فإن التقنيات الحديثة تعيد إحياء هذا المنطق ولكن بصيغة فردية وطوعية، تُقدَّم تحت عنوان الحرية والاختيار. وتتجاوز المخاوف الجانب الأخلاقي لتطال البُعد الاجتماعي: إذ يمكن لمثل هذه الممارسات أن تعزّز شعوراً بالتفوّق الجيني لدى فئات معينة، وتُعمّق الفوارق الطبقية، حيث لا تتوفّر هذه التقنيات سوى للأثرياء القادرين على "تصميم" أطفالهم. كما قد يؤدي التركيز على بعض السمات، مثل الذكاء أو الطول، إلى تعزيز معايير ضيّقة للقيمة الإنسانية، تُقصي من لا تنطبق عليهم هذه المعايير منذ مرحلة ما قبل الولادة. غير أن القائمين على هذا المشروع ينفون الربط بينه وبين هذه الاتهامات. ويؤكد هؤلاء، ومن بينهم نور صدّيقي، أن التلقيح الاصطناعي نفسه واجه في بداياته خلال سبعينيات القرن الماضي موجة من الانتقادات والاتهامات، إذ اعتبره البعض آنذاك شكلاً من أشكال "لعب دور الإله".