
الإدارة المحلية تحققها المجالس البلدية وليس اللامركزية
د.عبدالله محمد القضاه
في ظل توجه الدولة المتمثل بتحديث الرؤية السياسية والدعم الملكي لتطوير وتمكين منظومة اللامركزية والإدارة المحلية، يرتبط ذلك بشكل مباشر بكيفية التقسيم الجغرافي في الدولة لتيسير إدارتها. المملكة الأردنية الهاشمية؛ إتخذت في تقسميها الإداري شكل المحافظات التي تتألف من ألوية والأخيرة من أقضية ، ويتحدد إنشاء المحافظة من عدمه تبعا لمعايير جغرافية وديموغرافية وتنموية وخدمية كالمساحة الجغرافية وطبيعتها وموقعها في الحدود الجغرافية للدولة والسكان وما شابه ذلك، وقد لوحظ تباين تطبيق هذه المعايير بين محافظة وأخرى مما أدى لفوارق خدمية وتنموية عميقة فيما بينها، وأنعكس ذلك على معظم خططها وبرامج تنميتها الإقتصادية.
اضافة اعلان
التقسيم الإداري للدولة يجب أن يراعي الإنتقال نحو اللامركزية والإدارة المحلية "اللامركزية الإدارية"، لتسهيل وتسريع تقديم الخدمات للمواطن بشكل فاعل، مع ضرورة منح الشخصية الإعتبارية للبلدية، وليس لمجالس المحافظة ، كون البلدية هي أساس الإدارة المحلية، إضافةً إلى متطلبات إدارية وتشريعية اخرى لتمكين البلديات من إتخاذ كافة قراراتها الخاصة بالتنمية والخدمات المحلية مباشرة.
تقسم المملكة الأردنية الهاشمية إدارياً الى (12) محافظة، وتتألف المحافظات من عدد من الألوية، وتتراوح عدد الألوية في كل محافظة بطريقة لاتراعي نطاق الإشراف الفعال المتعارف عليه في علم الإدارة، حيث تتألف محافظات مثل العاصمة عمان وإربد من (9) ألوية، في حين تجد محافظات أخرى تتألف من لواء واحد كما في محافظة جرش وأخرى من لوائين كما في محافظات عجلون ومأدبا والعقبة، وأخرى من (7) ألوية كما في محافظة الكرك و(5) ألوية في محافظة البلقاء و(4) في معان والمفرق، ومحافظات أخرى تتألف من (3) ألوية كما في محافظتي الزرقاء والطفيلة.
من خلال تحليل التقسيم الجغرافي أعلاه، يتضح جلياً الخلل الكبير وغياب العدالة التنظيمية، فلا يعقل أن تتألف محافظة إربد من (9) ألوية ومحافظة جرش من لواء واحد، وهذا يؤدي إلى استئثار بعض المحافظات بمكتسبات التنمية وبقرارات رسمية على حساب محافظات أخرى. كما برزت انعكاسات التقسيمات الإدارية جغرافياً على أهمية دور البلديات في تماسها اليومي المباشرمع المواطن، باعتبارها الأقرب والأقدر على ترتيب وتنفيذ أولويات دورها الخدمي والتنموي ضمن الاختصاص المكاني لكل منها لتحسين نوعية حياة المواطن، مما يتطلب ترسيخ قناعة الحكومة المركزية بالميزة التنافسية للدور الخدمي والتنموي للبلديات ودعمها وتمكينها للقيام بذلك كأولوية قصوى لمواكبة تنفيذ مسارات التحديث السياسي والاقتصادي والإداري
توجد ثلاثة تحديات رئيسة تواجه البلديات حاليًا، أبرزها تلك المتعلقة بارتفاع المديونية التي تجاوزت (350) مليون دينار. كما بلغت القروض المترتبة على البلديات نحو (80) مليون دينار، ويُتوقع ارتفاعها مستقبلاً. يتعلق التحدي الأول بـالمخصصات المالية المتأتية للبلديات بموجب قانون الإدارة المحلية والتي لا تصرف بشكل كامل، مثل نسبة عوائد المحروقات (50%)المخصصة لها والبالغة (450) مليون دينار، حيث تم دفع (155) مليون دينار، أي ما نسبته (17-18%) من عوائد المحروقات حتى تاريخه.
يكمن التحدي الثاني في ضعف قدرات الموظفين العاملين في البلديات، بحكم الضغوطات الممارسة في التعيينات دون ربط ذلك بالاحتياجات الوظيفية الشاغرة حسب متطلبات وحجم العمل فيها، مع عدم توفر التمويل اللازم، وأهمية توفير وحدات تنموية، وأخرى تختص بالشراكة مع القطاع الخاص في البلديات، ورفدها بذوي الخبرات المؤهلة، مما يوجب إعطاء البلديات الصلاحيات اللازمة لاستقطابهم، وتسعيرالوظائف حسب الوصف والمواصفات الوظيفية اللازمة.
فيما يتمثل التحدي الثالث بالقصور التشريعي في قانون الإدارة المحلية الساري المفعول، ، مبيناً بالآتي:
ورود أكثر من (50) مادة في القانون تتطلب موافقة وزير الإدارة المحلية على كافة التنسيبات، مما يبطئ ويحد من فعالية الدور الخدمي والتنموي للبلديات، ويتنافى مع مفهوم اللامركزية والغاية من إصدار هذا القانون.
تشابه آلية تشكيل وعضوية كل من مجلس المحافظة والمجلس التنفيذي والمجلس البلدي.
تشابه وتكرار وضبابية العديد من الأدوار لكل من مجلس المحافظة والمجلس التنفيذي والمجلس البلدي.
حصر تنفيذ ورفع أية تنسيبات للمشاريع بدرجة قناعة المجلس التنفيذي الذي يرأسه الحاكم الإداري وممثلي الحكومة فقط، مع السماح بحضور المدير التنفيذي للبلدية للمناقشة دون الحق في التصويت، ودون السماح بعضوية رئيس البلدية فيه.
غموض آلية تحديد وضمان توفير الموازنات المالية للمجالس البلدية حسب حجم العمل لديها.
يتضح مما ورد بأعلاه، أن قانون الإدارة المحلية الحالي؛ لم يُعطَ الوقت والتفكير وانخراط كافة المعنيين ليعكس الفكر الجمعي في منظومات التحديث السياسي والاقتصادي والإداري، ولم يوفر آليات العمل الأساسية المنشودة وعناصر الاستدامة اللازمة لمنظومة اللامركزية والحكم المحلي.
تتعدد نماذج الإدارة المحلية المطبقة إقليمياً ودولياً حسب معادلة ديناميكية متفاعلة للعديد من العوامل (سياسية، اقتصادية، اجتماعية، جغرافية وديموغرافية)،والتي تتراوح في محصلتها بين الانتخاب والتعيين لرئيس وأعضاء التقسيمات الجغرافية على مستوى الحكومة المركزية والحكومات المحلية.
ما زالت منظومة اللامركزية والإدارة المحلية في الأردن تراوح مكانها بين إرث سيطرة الحكومة المركزية من ناحية، وتباين إرث القواعد الشعبية من ناحية أخرى في مختلف المحافظات من حيث الفهم والقبول والتكيف والانخراط في إحداث النقلة النوعية في دورها الخدمي التقليدي والدور التنموي المطلوب، والميزة التنافسية القائمة والمستقبلية لها في توفير الاحتياجات الخدمية والتنموية للمواطنين والمقيمين فيها.
يشار إلى تحقيق العديد من البلديات في المحافظات الكبرى جملةً من الإنجازات الخدمية والتنموية الفردية الناجحة بحكم موقعها الجغرافي وميزتها التنافسية، إلا أن ذلك يتباين بدرجة كبيرة مع باقي البلديات في المحافظات الأخرى، وينعكس بشكل سلبي على نظرة المواطنين القاطنين فيها نحو دور الحكومة ابتداءاً ومنظومة اللامركزية والإدارة المحلية في قيامها بدورها الخدمي الأساسي، فكيف بدورها التنموي لاحقاً؟
لغايات تطوير نموذج فاعل مؤسسي لمنظومة اللامركزية والإدارة المحلية، أقترح مايلي:
أولا: تشكيل فريق خبراء لإجراء دراسة علمية وتطوير معايير عادلة كأساس مرجعي لمراجعة التقسيمات الإدارية ومراعاة نطاق الإشراف الفاعل والاعتبارات التنموية والتوجه نحو اللامركزية، بحيث تتألف أي محافظة من عدد من التقسيمات الإدارية حسب (السكان، المساحة والاحتاجات التنموية، ...)، مع النظر في الحاجة إلى استحداث محافظات جديدة إن لزم ذلك.
ثانيا: النظر في إعادة تنظيم التقسيمات الإدارية للممكلة ضمن أقاليم تنموية ليتبع لكل إقليم عدد من المحافظات، ولكل إقليم رئيس يرتبط بمجلس الوزراء لتنقل له صلاحيات مجلس الوزراء أو صلاحيات بعض الوزراء ذات الصلة لاتخاذ كافة القرارات المتعلقة بتقديم الخدمات الحكومية والتنموية.
ثالثا: إعادة النظر بقانون الإدارة المحلية، وكافة القوانين والأنظمة ذات العلاقة، وإشراك كافة المعنيين لتحديد الأدوار مابين البلديات والإدارة المركزية، بحيث تكون العلاقة بينها قائمة على أساس الوصاية الإدارية وليس السلطة الرئاسية. ، وأن يتم منح استقلال حقيقي وواقعي للوحدات الإدارية سواء على مستوى المجالس المحلية ؛ لتتمكن من القيام بمهامها بتقديم الخدمات العامة وإدارة المرافق المحلية، مع ضرورة إلغاء مجالس المحافظات.
رابعا: إلغاء آلية الانتخاب المنفصل لرئيس البلدية، واستبدالها بانتخاب المجلس الذي يقوم بدوره بانتخاب الرئيس من بين أعضائه، بإستثناء مراكز بلديات المحافظات ، بحيث من الأفضل تعيين رؤساء هذه البلديات من مجلس الوزراء بناء على الكفاءة ، ويعطى مجلس الوزراء صلاحية تعيين مالايقل عن ثلث أعضاء المجالس البدية لتعزيز ورفع كفاءة أداء هذه المجالس.
خامسا: استحداث وحدة إدارية متخصصة بالتنمية والشراكة مع القطاع الخاص ومتابعة المشاريع في المحافظة / الإقليم، تتولى عملية التخطيط الحضري والاستثمار ومتابعة المشاريع التنموية، على أن يرتبط مديرها بوزير الإدارة المحلية.
سادسا: إعتماد ودعم آليات واضحة قابلة للتطبيق في تقييم درجة الاستفادة القائمة من الميزة التنافسية وتكاملية الموارد والخبرات المتاحة للبلديات في كل من أدوارها الخدمية والتنموية، والاستثمار والشراكة مع القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، وتطوير واستشراف أوجه الدعم القائمة والمحتملة من المانحين الدوليين، لتحديد قيمة الفرصة الضائعة وتعويضها ضمن منظومة أولويات قابلة للتطبيق والمراجعة الدورية، ووضع الحلول المعيارية لتحديد متطلبات تمكينها وتطوير عملها.
سابعا: منح صلاحية الإعلان عن الوظائف الشاغرة ومقابلة المتقدمين لها من قبل المجلس البلدي بالتنسيق مع هيئة الخدمة والإدارة العامة المقترحة لضمان توفير المهارات الفنية المطلوبة خصوصاً في مجالات إدارة المشاريع والاستثمار مع القطاع الخاص، مع أهمية تطوير نظام خاص للموارد البشرية للعاملين في البلديات يتوائم مع متطلبات التحديث الإداري.
ثامنا: تقييم أداء المجالس البلدية حسب نماذج معيارية تعتمدها الوزارة لهذه الغاية، واستخدام نتائج تقييم أدائها كأساس للدعم والتوجيه الحكومي المستقبلي، واعتماد الموازنات المالية تبعاً لذلك.
تاسعا: دراسة نقل تنفيذ بعض المهام و/أو تقديم الخدمات ؛ بشكل تدريجي ؛ كبديل عن بعض الوزارات الخدمية، كتقديم البلديات لخدمات المياه والكهرباء والصحة وغيرها استناداً إلى الممارسات الدولية.
* أمين عام وزارة تطوير القطاع العام ومدير عام معهد الإدارة العامة سابقا
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


رؤيا نيوز
منذ ساعة واحدة
- رؤيا نيوز
جيدكو تهنئ جلالة الملك والأسرة الأردنية بمناسبة الاستقلال 79
تتقدم أسرة المؤسسة الأردنية لتطوير المشاريع الإقتصادية بأسمى آيات التهنئة والتبريك إلى مقام حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين وإلى الأسرة الأردنية الواحدة بمناسبة عيد استقلال المملكة التاسع والسبعين. متمنين لوطننا الغالي مزيداً من التقدم والإزدهار في ظل القيادة الهاشمية الحكيمة.


رؤيا نيوز
منذ ساعة واحدة
- رؤيا نيوز
وزير الخارجية الأميركي يهنئ الأردن بالذكرى الـ79 للاستقلال
هنأ وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، الأردن بمناسبة الذكرى التاسعة والسبعين لاستقلال المملكة. وأكد في بيان لوزارة الخارجية الأميركية، عمق الشراكة التي تجمع البلدين ودور الأردن المحوري في استقرار المنطقة. وقال: 'بالنيابة عن الولايات المتحدة الأميركية، أتقدم بأحرّ التهاني وأطيب الأمنيات إلى جلالة الملك عبد الله الثاني والشعب الأردني بمناسبة الذكرى التاسعة والسبعين لاستقلال الأردن'. وأكد أن الشراكة الإستراتيجية والصداقة الدائمة بين الولايات المتحدة والأردن ترتكز على رؤية مشتركة بين البلدين، لمنطقة شرق أوسط يسودها السلام والازدهار والأمن، معبرا عن تقديره للدور الأردني في تعزيز السلام والأمن الإقليميين. وقال: 'فيما تحتفلون باليوم الوطني للأردن، تتمنى الولايات المتحدة للشعب الأردني مزيدًا من الازدهار الدائم في ظل قيادة جلالة الملك عبد الله الثاني'. وأشار إلى أن بلاده تتطلع إلى تعزيز الشراكة الراسخة التي امتدت لأكثر من سبعة عقود.


رؤيا نيوز
منذ 2 ساعات
- رؤيا نيوز
جامعة عمان الأهلية تهنىء بمناسبة عيد الاستقلال
أسرة جامعة عمان الأهلية ممثلة بدولة رئيس مجلس الأمناء السيد عبدالكريم الكباريتي وأعضاء المجلس ورئيس هيئة المديرين الدكتور ماهر الحوراني وأعضاء الهيئة ورئيس الجامعة الأستاذ الدكتور ساري حمدان وأعضاء الهيئتين التدريسية والادارية وطلبة الجامعة يتقدمون بأحر التهاني والتبريكات من جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين المعظم وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير الحسين بن عبدالله الثاني والأسرة الهاشمية والشعب الأردني بمناسبة عيد الاستقلال 79. داعين الله عز وجل أن يحفظ الأردن وطنا ومليكا وشعبا وأن يديم علينا نعمة الأمن والاستقرار والرفعة والتقدم في ظل القيادة الهاشمية وعلى رأسها جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين المعظم.