
الخيار الغائب: شرق أوسط بلا أسلحة نووية
اضافة اعلان
عكيفا إلدار* - (هآرتس بالعربي) 2025/6/18يمكن لإيران أن تقول إنها لو تبنت هي الأخرى سياسة "الغموض النووي" ورفضت الانضمام إلى "معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية"، لما كانت إسرائيل، بسلوكها العدواني، لتجرؤ على تنفيذ عمل عسكري ضدها.* * *عندما يُعلن سياسي أو جنرال أن "جميع الخيارات مطروحة على الطاولة"، فإنه لا يقصد في الواقع سوى خيار واحد ووحيد؛ الخيار العسكري. هكذا كتبتُ في هذا المكان في كانون الأول (ديسمبر) 2021: الخيار هو شن هجوم عسكري مباشر على المفاعلات النووية الإيرانية، مهما كلف الأمر من خسائر في الأرواح وفي الجبهة الداخلية، وإنفاق بمليارات الشواقل، وتدهور في علاقات إسرائيل الخارجية.والآن، بعد مرور ثلاث سنوات ونصف -وبعد أن كلفنا ذلك عشرات القتلى، ومباني مدمرة، وأجواء مغلقة، وعجزًا ماليًا بلا قاع- ما يزال الخيار العسكري يهيمن بلا منازع على الخطاب السياسي والإعلامي في إسرائيل. مرة أخرى يقال إن العرب، والإيرانيين، وكل المسلمين لا يفهمون أي شيء سوى لغة القوة. مرة أخرى نتحدث عن "فيلا في غابة"، ومرة أخرى الجميع يردد الجميع، من بن غفير وسموتريتش إلى لابيد وغانتس (وغولان أيضًا): سوف ننتصر.هل حقًا وجدنا أنفسنا مرة أخرى، ومن غير إرادتنا، في حرب لا مفر منها؟ هل استنفدنا فعلًا جميع الخيارات الأخرى التي قيل إنها كانت "مطروحة على الطاولة" طوال السنوات الماضية؟ في العقد الماضي، أتيحت لي الفرصة للاطلاع عن كثب على خيار آخر عُرض على إسرائيل. كنتُ قد شاركت في لقاءات نظمها معهد الأبحاث الألماني "معهد فرانكفورت لأبحاث السلام" (PRIF)، والذي طلب منه تمهيد الأرضية لعقد مؤتمر دولي حول جعل الشرق الأوسط مكانًا خاليًا من السلاح النووي (مؤتمر هلسنكي)؛ وهي مبادرة أطلقها الرئيس الأميركي آنذاك، باراك أوباما. في تلك اللقاءات، جلس دبلوماسي إيراني سابق وأكاديمي من إيران، على مدى أيام طويلة، إلى جانب أكاديميين إسرائيليين، ومسؤول سابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وجنرال سعودي متقاعد، وأكاديميين من لبنان واليمن.كما كان متوقعًا، عارض رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، المبادرة. ولم يكتفِ الرئيس الأميركي الحائز على جائزة نوبل للسلام بوضعها على الرف، بل أعاد التأكيد على تعهد الرئيس الأسبق، بيل كلينتون، بمواصلة دعم سياسة "الغموض النووي" الإسرائيلية. أما الاتفاق النووي مع إيران، الذي دفع أوباما نحو توقيعه في العام 2015، على الرغم من اعتراض نتنياهو الشديد، فقد دفع بفكرة نزع السلاح إلى خارج جدول الأعمال. واستمر ذلك حتى أيار (مايو) 2018، حين نجح نتنياهو في إقناع دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق.لاحقًا، اصطفت إدارة ترامب إلى جانب إسرائيل، حيث صوتتا معًا في "الجمعية العامة للأمم المتحدة" ضد عقد مؤتمر لإقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط. ولم تكونا وحيدتين -فقد صوتت أيضًا كل من ليبيريا وميكرونيزيا ضد القرار، في حين أيدته إيران.وفي رده على ذلك القرار، أعلن نتنياهو أن إسرائيل لن تدعم أي قرارات صادرة عن الأمم المتحدة بشأن نزع السلاح في الشرق الأوسط، ولا تعتزم المشاركة في أي اجتماعات إقليمية تتعلق بهذا الشأن.في أول خطاب ألقاه في مؤتمر ميونيخ للأمن في شباط (فبراير) 2021، تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن بأن تكون فكرة نزع السلاح النووي في صلب أجندة إدارته. وقد تعهد، وفعل: في كانون الأول (ديسمبر) من العام ذاته، صوتت 178 دولة لصالح قرار صادر عن "الجمعية العامة للأمم المتحدة" يدعو دول الشرق الأوسط إلى الامتناع عن تطوير أو إنتاج أو شراء أسلحة نووية. كما دعا القرار دول المنطقة إلى الانضمام إلى "معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية" (NPT). وقد حظي القرار بتأييد 178 دولة، من بينها إيران (الموقعة على المعاهدة). لكن دولة واحدة فقط عارضته -إسرائيل، التي ترفض حتى اليوم التوقيع على المعاهدة. وامتنعت دولتان عن التصويت: الكاميرون والولايات المتحدة.يقول المعارضون لنزع السلاح إن الدولة المحاطة بأعداء عدائيين لا يمكنها أن تتحمل التخلي عن سلاحها النووي. وفي المقابل، يمكن لإيران أن تقول إنها لو تبنت هي الأخرى سياسة "الغموض النووي" ورفضت الانضمام إلى "معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية"، لما كانت إسرائيل، بسلوكها العدواني، لتجرؤ على تنفيذ خيار عسكري ضدها.ربما تُقنع المشاهد المؤلمة من بات يام، ومن طمرة، ومن حيفا -أولئك القابعين في الملاجئ بأن هناك خيارات أخرى.*عكيفا إلدار: صحفي ومحلل سياسي إسرائيلي بارز يُعرف بمواقفه اليسارية ودعمه لحل الدولتين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. عمل لعقود في صحيفة "هآرتس" حيث شغل مناصب عديدة، منها رئيس مكتبها في واشنطن وكاتب عمود سياسي مرموق، واشتهر بتحليلاته العميقة ونقده لسياسات الاستيطان والاحتلال. بعد مغادرته "هآرتس"، التحق بموقع "المونيتور" لمواصلة تغطية قضايا الشرق الأوسط. من أبرز أعماله كتاب "سادة الأرض" Lords of the Land، بالاشتراك مع إدّو زرتال، وهو من أبرز الكتب التي تناولت مشروع الاستيطان الإسرائيلي وتأثيره على المجتمع والدولة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


رؤيا نيوز
منذ 5 ساعات
- رؤيا نيوز
أبوغزاله يشكر الملك: بقيادتكم الحكيمة… يبقى الأردن واحة أمان لكل العرب
وجّه سعادة الدكتور طلال أبوغزاله، رئيس ومؤسس مجموعة طلال أبوغزاله العالمية، رسالة شكر وامتنان إلى جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، مشيدًا بقيادته الحكيمة التي جعلت من الأردن نموذجًا في الأمن والاستقرار على مستوى المنطقة العربية. وأكد أن ما تحقق في عهد جلالته من منجزات هو ثمرة للجهود المتواصلة والتوجيهات السديدة، مشيرًا إلى أن الأردن اليوم يشكل ملاذًا آمنًا ومصدر اطمئنان لكل العرب. كما ثمّن الدكتور أبوغزاله دور الأجهزة الأمنية وجهودها في صون أمن الوطن وحماية حقوق المواطنين، معتبرًا ذلك تعبيرًا صادقًا عن الانتماء والتضحية. وتاليا نص الرسالة ….


رؤيا نيوز
منذ 5 ساعات
- رؤيا نيوز
أين السفير الأردني في دمشق؟
لم يعين الأردن سفيرا له في دمشق، حتى الآن برغم تغيير النظام، وبرغم زيارة الرئيس السوري إلى الأردن، وزيارة نائب الرئيس وزير الخارجية إلى دمشق. لا يوجد تبرير واضح لعدم تعيين السفير حتى الآن، إذ إننا نشهد مؤشرات تبدو متناقضة ظاهريا، فالعلاقات السياسية قائمة بشكل مقبول، والتنسيق على المستوى الوزاري معلنة، إضافة إلى التنسيق الفني والأمني والعسكري بين البلدين بخصوص قضايا كثيرة، من بينها الحدود وتهريب السلاح والمخدرات. في تأويلات لمطلعين تقول إن العلاقة الأردنية السورية قد تكون باردة وان لم تكن سيئة، أو أنها تحت التقييم بسبب معايير مختلفة، والكل يعرف أن تعيين سفير للأردن في دمشق، ليس قرارا حكوميا بالمعنى المتعارف عليه، بقدر كونه قرارا لعدة مؤسسات سيادية، يتم اتخاذه وفقا لحسابات قد لا تكون معلنة. تداخل المصالح الأردنية السورية، ووجود قضايا يومية، يوجب تعيين سفير، حتى وان كانت هذه المصالح والقضايا تتم إدارتها حاليا بعيدا عن العمل الدبلوماسي، من خلال قنوات أعلى، وهي قنوات بديلة ليست حلا إستراتيجيا لمستوى التمثيل الدبلوماسي في البلدين المتجاورين، في ظل تغيرات تعصف بالإقليم كل يوم. ربما ينتظر الأردن استقرار هوية النظام الحالي وتعريفاتها الإقليمية والدولية، وهي تعريفات تخضع لتجاذبات كثيرة بعضها عربي وأميركي وأوروبي. هناك اندفاع أردني شعبي نحو دمشق، وليس أدل على ذلك أن أعداد الأردنيين التي ذهبت إلى دمشق والمدن السورية خلال عيد الأضحى، كانت كبيرة، وكأن السياحة إلى سورية جاءت في توقيت تعاني فيه السياحة الأردنية أصلا، من غياب إنفاق الأردنيين، وغياب العرب والأجانب، وهي قضية زادت حدتها خلال الحرب الإيرانية الإسرائيلية الأخيرة، مما دفع القطاع السياحي إلى الشكوى من هذا الأمر. مما يقال صراحة هنا أن العلاقات الأردنية الأكثر أهمية تدار أصلا خارج منظوم ة السفراء، ومن خلال قنوات بديلة، وليس ادل على ذلك من أن السفارة الأردنية في دمشق تدار من جانب قائم بالأعمال، لكن الدلالة السياسية لوجود سفير أردني في دمشق، مهمة لأنها ستحدثنا فعليا عن مستوى العلاقة الفعلي بين البلدين، وكيف يفكر الأردن تجاه علاقته بالسوريين، وإلى درجة يصل التنسيق المتبادل هنا. في قراءة محايدة من جانب محللين يعتقد هؤلاء أن العلاقات الأردنية السورية ما تزال تحت الاختبار والتقييم، حتى وان تبدت مؤشرات إيجابية في العلن، على خلفية ملفات عدة أبرزها المساحة التي ستوفرها دمشق أصلا للأردن اقتصاديا في سورية، والملفات الأمنية مثل المخدرات والحدود والسلاح، وملف اللاجئين، وما يرتبط بنفوذ قوى عربية وإقليمية في سورية قد لا تريد منح الأردن إلا الحد الأدنى من المساحة، إضافة إلى ملف الجماعات المتشددة وتصدير العنف خارج الحدود، وما يتعلق أيضا بقدرة دمشق على ضبط إيقاع الاستقرار، في ظل أزمات داخلية. لا يمكن لأي دولة على صلة جيدة بدولة ثانية، ان لا ترسل سفيرها إلى تلك الدولة، لان السفير تعبير عن دلالات سياسية، وفي الحالة الأردنية فإن غياب السفير لا يمكن أن يكون سببه ندرة السفراء المرشحين، ولا غياب مخصصات السفير المالية، ولا يمكن أن تتساوى من جهة ثانية حالة غياب السفير الأردني في ظل النظام السابق، مع حالة غياب السفير في ظل النظام الحالي الذي يجهد بحثا عن اعترافات عربية وإقليمية ودولية في ظل مهددات متعددة.


الغد
منذ 5 ساعات
- الغد
إسرائيل على مفترق طرق: احتلال، إبادة جماعية وموت رؤية
ألون بن مئير* - (مدونة بن مئير) 2025/5/8 لن تستمر الدولة -التي نهضت من رماد ملايين اليهود الذين قضوا في المحرقة- في البقاء على رماد الفلسطينيين. * * * إسرائيل هي تحقيق حلمٍ دام ألف عام: أن تكون حراً، تعيش اضافة اعلان بسلام، تزدهر، وتنمو في وطن ذي سيادة. وقد أصبحت معجزة إنشائها وإنجازاتها وإمكانياتها اللامحدودة المسترشدة بالقيم الأخلاقية السامية التي تركت وراءها الخوف والرعب من الغد، تُسحق الآن أمام أعيننا. بأي مقياس تستطيع إسرائيل مواجهة الموت والدمار والقسوة وسفك الدماء والوحشية والقسوة التي ما تزال تمطر غزة والضفة الغربية؟ إن نزع الصفة الإنسانية وتجاهل الأرواح البشرية والانتقام والقصاص بدم بارد قد خانت مجتمعة رؤية مؤسسي إسرائيل وسلبتها أساسها الأخلاقي، وهو أمر سيظل يطارد إسرائيل لأجيال مقبلة. وتتحمل جميع المؤسسات السياسية الإسرائيلية والجمهور مسؤولية إطالة أمد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وعواقبه الوخيمة. نتنياهو: العدو من الداخل لم يؤثر أي رئيس وزراء إسرائيلي سلبًا على حياة ومصير الإسرائيليين أكثر من نتنياهو. وهو بارع في الكذب والتلاعب وخبير في فن الخداع، ونرجسي أناني وفاسد حتى النخاع، يضع مصلحته الذاتية فوق مصلحة الأمة لأكثر من ثلاثة عقود، وهو ما برهن عليه بلا خجل بإطالة أمد الحرب في غزة، فقط لإنقاذ جلده السياسي القبيح. نتنياهو، وليس غيره، هو من أوصل إسرائيل إلى حافة كارثة غير مسبوقة. بالنسبة له، فإن موت الجنود الإسرائيليين وعشرات الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء عبثًا وترك الرهائن لمصيرهم الجهنمي، يستحقان الثمن، ولو كان مجرد الحفاظ على قبضته على السلطة. بدلا من البحث عن سبل جديدة لإيجاد حل للصراع، كثف نتنياهو جهوده لخدمة مشروعه الضخم للاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية، وهو ما لا يمكن تحقيقه من خلال المفاوضات السلمية، وطرد أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين. وهو الآن يستخدم الحرب في غزة كمحفز لتحقيق هدفه المشؤوم، غافلًا عن حقيقة أنه بذلك يدمر إسرائيل كما نعرفها. حكومة فاشية ولتحقيق هدفه البغيض، شكل نتنياهو أكثر الحكومات اليمينية المسيانية تطرفًا التي دعا العديد من وزرائها إلى التطهير العرقي للفلسطينيين، بمن فيهم وزير المالية سموتريتش، الذي أكد نوايا الحكومة بتصريحه في 6 أيار (مايو) أن "غزة ستُدمر بالكامل" وأن الفلسطينيين سيبدأون "بالرحيل بأعداد كبيرة".طالب هؤلاء الوزراء المجرمون باستمرار الحرب، وكان نتنياهو، المحارب السعيد، الذي ما يزال يتلذذ بوهم إمكانية القضاء على "حماس" وإطلاق سراح الرهائن، في غاية السعادة لتلبية هذا الطلب. قبل أيام، وافق مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي بالإجماع على غزو جزء كبير من غزة. وكان الهدف هو إقامة حكم عسكري دائم ومستوطنات يهودية وحشر ما يقرب من 2.2 مليون فلسطيني في الجزء الجنوبي من غزة الذي يمثل أقل من 25 في المائة من إجمالي مساحة القطاع. حقيقة أن مثل هذه العملية ستتسبب في خسائر في أرواح الجنود الإسرائيليين، وربما الرهائن، وستتسبب في أزمة إنسانية كارثية بين الفلسطينيين، علاوة على الظروف المروعة التي يعيشون فيها حاليًا، لا تشغل بال نتنياهو وحكومته الفاشية. إن الفكرة التي أوضحها وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، بأن العملية الجديدة ستحقق هزيمة "حماس" في النهاية وتشكل ضغطًا لا يُقاوم عليها لإطلاق سراح جميع الرهائن، ليست سوى وهم كارثي آخر ستدفع إسرائيل ثمنه غاليًا. يبدو أن نتنياهو وحكومته لم يتعلموا شيئًا من الاحتلال المروع للضفة الغربية الذي دام 57 عامًا، والذي اتسم بالعنف المستمر وأسفر عن مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين وآلاف الجنود والمدنيين الإسرائيليين. التقوى الزائفة للأحزاب الدينية بينما تستمر الحرب الكارثية في التكشف، فإن من يسمون قادة الأحزاب الدينية المتدينين الذين يستحضرون اسم الله في كل جملة، ويتلبسون بثياب التقوى، ويبشرون بإنجيل الرعاية والرحمة، لم يرفعوا أصواتهم أبدًا للاحتجاج على القتل العشوائي للفلسطينيين. وقد أيدت أحزاب شاس ويهودية التوراة المتحدة بقيادة المنافقين العملية الجديدة بلا خجل، بغض النظر عن الدمار الهائل والموت الذي سيلحق بالفلسطينيين. إنهم يُحاكون إلى حد كبير بتسلئيل سموتريتش المتعطش للدماء الذي صرح، في خطاب له في باريس في العام 2023: "لا وجود لأمة فلسطينية. ولا تاريخ فلسطيني. ولا لغة فلسطينية"، وهو ما يبرر في رأيه تدمير الفلسطينيين كشعب. إنهم يبررون ذبح الفلسطينيين كما لو كان ذلك مباركًا من ربهم. ليس من المستغرب أن يسمح هؤلاء المحتالون -الذين يتظاهرون بالإيمان المتحمس- بمثل هذه المجازر بحق رجال ونساء وأطفال فلسطينيين أبرياء. إنهم يرتدون زيهم الديني بفخر بينما يرتكبون جرائم ضد الإنسانية. لقد ضحوا بالقيم والأخلاق اليهودية مقابل الحصول على الأموال التي يريدونها من الحكومة لإدارة مؤسساتهم الدينية، بينما يرفضون إرسال أبنائهم وبناتهم للخدمة في الجيش. لا يهم كم من الجنود الإسرائيليين يُقتلون، بما أنهم لا يضطرون إلى الحداد على موت أبنائهم. عجز أحزاب المعارضة تواصل أحزاب المعارضة السياسية خلافاتها متفقةً أحيانًا على قضايا خارجية وداخلية، لكنها لم تتوصل ولو لمرة واحدة إلى توافق في الآراء حول كيفية إنهاء الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. وقد خدمت نتنياهو بفشلها الذريع في تحدي استراتيجية نتنياهو لسحق الفلسطينيين. بدلًا من حشد الرأي العام وراء اتفاق سلام قائم على حل الدولتين الذي من شأنه أن يوفر الأمن القومي النهائي، اكتفت بالنقد الفارغ لسياسة نتنياهو وشخصيته، بينما تستمر الحرب في الاشتعال وتتبدد فرص الحل، مما يضر بإسرائيل. اللامبالاة الكارثية للشعب الإسرائيلي لا أحد يتحمل مسؤولية الوضع المأساوي الذي يجتاح البلاد أكثر من الإسرائيليين أنفسهم، الذين، وللمفارقة، هم الجناة الذين سمحوا باستمرار الصراع وهم أيضًا الضحايا الذين يعيشون تحت تهديد الحرب الدائم. لقد تم الكذب عليهم وتضليلهم ليصدقوا أنه لا يمكن إصلاح الفلسطينيين ولا يمكن احتواؤهم إلا بالقوة الغاشمة. لقد ابتلعوا بتهور حجة نتنياهو الزائفة بأن الدولة الفلسطينية تشكل خطرًا وجوديًا نهائيًا عليهم وأنه يجب منعها بأي ثمن. للأسف، أصبح الاحتلال بالنسبة للغالبية العظمى من الإسرائيليين أسلوب حياة. ففي نهاية المطاف، ولد 80 في المائة من الإسرائيليين بعد العام 1967. وبالنسبة لهم، لم يكن للعبودية والمعاناة والحرمان والإذلال الفلسطيني في ظل الاحتلال أي تأثير يذكر على حياتهم اليومية. وقد تظاهروا جماعيًا لمدة ستة أشهر ضد ما يسمى بالإصلاحات القضائية؛ وظلوا يتظاهرون يومًا بعد يوم، مطالبين بإعادة الرهائن، لكنهم لم يتظاهروا جماعيًا قط للمطالبة بإنهاء الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. وحتى يومنا هذا، ما يزالون متمسكين بشدة برواية نتنياهو وعصابته الإجرامية الزائفة بأن الدولة الفلسطينية المستقلة تشكل خطرًا وجوديًا. ولم يطالبوا حكومتهم ولو مرة واحدة باتفاقية سلام بديلة مقبولة من الطرفين، على الأقل على أساس حل الدولتين لإنهاء أعنف وأطول صراع منذ الحرب العالمية الثانية. قد يظن المرء أنه بعد هجوم "حماس" وحرب الانتقام الإسرائيلية سيتوقف الإسرائيليون ويطالبون بحل لهذا الصراع المدمر. لكنهم بدلًا من ذلك ضاعفوا جهودهم واستسلموا للعيش بسلاحهم، مقتنعين بأنه لا يوجد حل. لقد نسوا، متغاضين، عن أن 90 في المائة من الفلسطينيين الأحياء ولدوا تحت الاحتلال ولم يتبق لهم الكثير ليخسروه ولن يكفوا عن مقاومة إسرائيل بعنف حتى يوم الخلاص. حان وقت الحساب متى سيأتي الوقت ليدرك الإسرائيليون أن إسرائيل لن تتمكن أبدًا من السيطرة على الفلسطينيين رغمًا عنهم؟ عليهم أولًا أن يدركوا المعادلة الديموغرافية المرعبة. يعيش سبعة ملايين يهودي في إسرائيل جنبًا إلى جنب مع سبعة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وغزة وداخل إسرائيل نفسها، ولا يمكنهم استعباد الفلسطينيين إلى أجل غير مسمى، مهما بلغت قسوة ووحشية الحكم العسكري، ومهما سجن أو قتل أو طرد أي عدد من الفلسطينيين. ثانيًا، على عكس أي صراع عنيف سابق، أدى حجم الموت والدمار الذي لحق بغزة والضفة الغربية إلى بروز جيل جديد من الفلسطينيين سيعيشون للانتقام لما لحق بشعبهم. فمقابل كل مقاتل فلسطيني يقتل، سيظهر اثنان ليحلا محله. ثالثًا، على الرغم من أن "حماس" قد دُمرت، فإن إسرائيل لن تقضي عليها أبدًا كفكرة وحركة. إن العملية العسكرية للإبادة الجماعية التي شنتها إسرائيل في غزة وخطة نتنياهو لإعادة احتلالها لن تثبت سوى صحة ادعاء "حماس" بأن إسرائيل عازمة على تدمير الفلسطينيين كشعب، الأمر الذي لن يؤدي إلا إلى تكثيف مقاومتهم العنيفة مهما طال الزمن. سوف يتذكر كل فلسطيني أنه لو شكلت النساء والأطفال وكبار السن الذين قتلوا في هذه الحرب الشرسة صفًا واحدًا لكان طوله 15 ميلًا. 90 في المائة من غزة مدمر، وسكانها جميعًا تقريبًا مهجرون مرارًا وتكرارًا، وهم محرومون من الطعام والدواء ومياه الشرب، والآلاف على شفا المجاعة. هذه مأساة لا تلحق بالفلسطينيين فحسب، بل بإسرائيل نفسها أيضًا التي تدمر الأساس الذي تقوم عليه. على كل إسرائيلي أن يتذكر أن بلاده التي نهضت من رماد ملايين اليهود الذين هلكوا، لن تستمر في البقاء على رماد الفلسطينيين. فقط دولتان مستقلتان تعيشان بسلام جنبا إلى جنب ستنقذان إسرائيل التي جسدت حلم اليهود الذي دام آلاف السنين. *د. ألون بن مئير: أستاذ متقاعد في العلاقات الدولية، يعمل سابقا في مركز الشؤون الدولية بجامعة نيويورك وزميل أول في معهد السياسة العالمية، وهو خبير في شؤون الشرق الأوسط وغرب البلقان والمفاوضات الدولية وحل النزاعات. في العقدين الماضيين، شارك بن مئير بشكل مباشر في العديد من المفاوضات الخلفية التي شاركت فيها إسرائيل والدول المجاورة لها وتركيا. *نشر هذا المقال تحت عنوان: Israel at the Crossroads: Occupation, Genocide, and the Death of a Vision اقرأ المزيد في ترجمات: أميركا كدولة نفطية: مساوئ الاستقلال في مجال الطاقة