
صراع الممالك.. خريطة الأطماع الإسرائيلية
جيش الاحتلال الإسرائيلي
مجدي صالح
يندلع سباق محموم بين تركيا و«إسرائيل» فوق أنقاض الدولة السورية، التي انهارت مؤسساتها في السابع من ديسمبر الماضي، بعد أن أحكمت الميليشيات والفصائل المسلحة قبضتها على البلاد، وأسقطت حكومة بشار الأسد.
التحول الجذري الذي شهدته دمشق لم يكن وليد اللحظة، ولا منعزلًا عن الأطماع الإقليمية، إذ تشير الوقائع إلى دور تركي مباشر في إسقاط النظام، تجاوز حدود الدعم السياسي إلى الشراكة الفعلية في صناعة البديل.
وبموازاة ذلك، أعلنت أنقرة عن نيتها تأسيس جيش سوري جديد بعقيدة عسكرية مغايرة، فيما تولّى جيش الاحتلال الإسرائيلي، في تناغم لافت، مهمة الإجهاز على ما تبقى من البنية العسكرية للدولة السورية، بتدمير القدرات العسكرية السورية برا وجوا وبحرا.
لكن مع اكتمال مهمة التفكيك، لم تتأخر بوادر التنافس، فدخل الطرفان في صراع نفوذ معلن، يسعى كلٌ منهما من خلاله إلى تثبيت وجوده في المشهد السوري الجديد، وتحقيق أكبر قدر من المكاسب فوق جغرافيا ممزقة تحولت إلى ساحة مفتوحة لحسابات الربح الاستراتيجي والتكالب الاقتصادي.
وتفاقمت حدة المواجهات غير المباشرة بين تركيا وإسرائيل، وفجّرت إحدى الغارات الجوية الإسرائيلية خلافًا علنيًا حين استهدفت قاعدة عسكرية قيد الإنشاء، كان يشرف على بنائها مهندسون وخبراء أتراك.
أسفرت الغارة عن مقتل ثلاثة مهندسين أتراك، في ضربة اعتُبرت بمثابة رسالة مباشرة لأنقرة، التي تسعى إلى ترسيخ نفوذها العسكري في شمال سوريا عبر شبكة قواعد ومنشآت استراتيجية.
وفي الوقت ذاته، واصل سلاح الجو الإسرائيلي هجماته المكثفة على ما تبقى من البنية العسكرية السورية، مصحوبة بتصريحات رسمية تؤكد أن إسرائيل «لن تسمح بأي تموضع عسكري مستقبلي يشكل تهديدًا انطلاقًا من الأراضي السورية».
الغارات التي وصفها جيش الاحتلال بأنها «الأوسع في تاريخه» منذ ديسمبر الماضي، زادت من احتمالات الانزلاق إلى مواجهة مباشرة بين الطرفين، في ظل تشابك المصالح وتعقّد الحسابات السياسية بين نظاميْ الحكم في أنقرة وتل أبيب، وكلاهما يطمع في اقتسام النفوذ فوق الأرض السورية المنهكة.
ومع تصاعد المخاوف من اندلاع مواجهة عسكرية بين الجيشين التركي والإسرائيلي على الأراضي السورية، سارع الطرفان إلى التأكيد على عدم رغبتهما في التصعيد المباشر، مؤكدين أن كل منهما يسعى لإعادة صياغة المعادلات العسكرية في سوريا بما يضمن الحفاظ على مصالحهما ونفوذهما في المنطقة.
وأصبحت الأراضي السورية ساحة لتبادل النفوذ، وتحمل أهمية استراتيجية بالغة لكل من تركيا وإسرائيل، إذ توفر لكليهما فرصًا لتحقيق مكاسب جغرافية واقتصادية.
بالنسبة لإسرائيل، فإن الأراضي التي استولت عليها تمثل فرصة للتوسع الجغرافي في مناطق غنية بالموارد، خاصة تلك التي تحتوي على مياه جوفية عذبة تُعد المصدر الرئيسي للمياه في المنطقة، مما يمنحها فرصة للتحكم في هذا المورد الحيوي بالنسبة للدول المجاورة.
أما بالنسبة لتركيا، فالتواجد العسكري في الشمال السوري يُعد ضروريًا في إطار منع الأكراد من تحقيق حلمهم في إقامة دولة تمتد عبر الأراضي السورية والعراقية والإيرانية والتركية، وهو ما يهدد وحدة أراضي هذه الدول. وتعتبر أنقرة أن هناك عددًا كبيرًا من الأكراد في تركيا يمثلون نحو خمس السكان، ما يجعل من القضية الكردية تحديًا وجوديًا بالنسبة لها.
عمليًا، بدأت تركيا تواجدها في الأراضي السورية منذ عام 2016 من خلال عملية «درع الفرات»، ومن ثم توسع نفوذها في المنطقة بشكل تدريجي، حيث أصبحت أكثر استقرارًا بفضل عملائها والميليشيات التابعة لها، خاصة بعد اتفاق «سوتشي» في مارس 2020.
ورغم المصالح الاستراتيجية القوية التي تسعى لتحقيقها كل من تركيا و«إسرائيل»، والتي تتجسد في الضربات الجوية الإسرائيلية العنيفة ضد المطارات والمواقع العسكرية السورية التي كانت تُشرف عليها تركيا، إلا أن وزارة الخارجية والدفاع في كلا البلدين سارعت إلى التأكيد على عدم رغبتهما في التصعيد العسكري.
بيان رسمي تركي، أوضح، مؤخرا، أن تركيا لا تسعى إلى مواجهة عسكرية مع إسرائيل، وكان هذا الموقف متوافقًا مع التصريحات التي صدرت عن مسئولين إسرائيليين في وقت لاحق.
وعززت تركيا من وجودها في الشمال السوري عبر ميليشياتها، توسعت إسرائيل في الأراضي السورية المجاورة لها، حيث دخلت عمق الأراضي السورية لمسافة 315 كيلومترًا، بما في ذلك قرب العاصمة دمشق. وقامت ببناء عدد من القواعد العسكرية في مناطق استراتيجية مثل جبل الشيخ والقنيطرة ودرعا، وهي مناطق تتمتع بموقع بالغ الأهمية يمكنها من مراقبة دمشق والطرق الاستراتيجية الحيوية بين سوريا ولبنان.
التحركات الإسرائيلية تشير إلى نواياها الاستيطانية، في وقت تؤكد فيه تصريحات مسئولي الاحتلال الإسرائيلي على سعيهم لإخلاء سوريا من أي بنية عسكرية تهدد أمنهم في الجنوب، ومنع وجود أسلحة ثقيلة أو متوسطة في البلاد، وهو ما يتيح لهم حرية تامة في السيطرة على الأجواء السورية وتدمير أي منشآت عسكرية تهدد مصالحهم.
وتؤكد الغارات الإسرائيلية الأخيرة التى ركزت تدمير قواعد عسكرية في وسط سوريا كقاعدة تي 4، وقاعدة تدمر، محاولة إسرائيل تحصيل مزايا عسكرية، وسياسية تجعلها تنعم بإقامة مريحة على الأراض المحتلة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بلدنا اليوم
منذ 3 ساعات
- بلدنا اليوم
استقالات بجملة لقيادات الفصائل الفلسطينية.. ومغادرة دمشق
قالت مصادر فلسطينية الجمعة إن زعماء الفصائل الفلسطينية القريبة من الرئيس السابق بشار الأسد غادروا سوريا تحت ضغط من السلطات الجديدة، وهو مطلب أمريكي رئيسي لرفع العقوبات، حسب وكالة أسوشيد برس. في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بريف دمشق، والذي دُمّرت آثاره خلال الحرب، اختفت اللافتات الحزبية التي كانت تُرفع عادةً عند المدخل، وأُغلقت مباني الأحزاب وباتت بلا حراسة، كما بدت مقارّ الأحزاب في أماكن أخرى من دمشق مغلقة. فرّ العديد من الفلسطينيين إلى سوريا عام ١٩٤٨ إبان النكبة، عندما هُجّروا قسرًا إثر قيام إسرائيل. وبحلول منتصف الستينيات، أصبحت سوريا قاعدةً رئيسيةً لقادة الفصائل الفلسطينية المقاومة للاحتلال الإسرائيلي والعدوان المستمر. وكانت الفصائل الفلسطينية تتمتع بقدر كبير من حرية الحركة في ظل حكم الأسد. وأعلنت واشنطن، حليفة إسرائيل القوية، الأسبوع الماضي رفع العقوبات عن سوريا بعد أن قالت في وقت سابق إن دمشق بحاجة إلى الاستجابة لمطالب تشمل قمع ما وصفته بالإرهاب ومنع إيران ووكلائها من استغلال الأراضي السورية. وقال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قدم للزعيم السوري الجديد أحمد الشرع، خلال اجتماع في السعودية الأسبوع الماضي، قائمة مطالب تضمنت ترحيل الفصائل الفلسطينية. دعمت إيران فصائل فلسطينية مختلفة تقاوم الاحتلال الإسرائيليK تُشكل هذه الفصائل، إلى جانب جماعات من لبنان والعراق واليمن، ما يُسمى محور المقاومة ضد إسرائيل. كما قاتلت العديد من هذه المجموعات إلى جانب قوات الأسد بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011. وفي لبنان المجاور، قال مسؤول حكومي لوكالة فرانس برس إن نزع السلاح في المخيمات الفلسطينية، حيث تتولى الفصائل عادة مسؤولية الأمن، سيبدأ الشهر المقبل بناء على اتفاق مع الرئيس الفلسطيني الزائر محمود عباس. وقادت جماعة الشرع الإسلامية الهجوم الذي أطاح بالأسد، الحليف الوثيق لإيران. وفي الشهر الماضي، التقى الشرع عباس خلال زيارة إلى دمشق. وقال الزعيم الفلسطيني الأول للفصائل إن الفصائل لم تتلق أي طلب رسمي من السلطات بمغادرة الأراضي السورية بل واجهت قيودا، مشيرا إلى أن بعض الفصائل مُنعت بحكم الأمر الواقع من العمل أو تم اعتقال أعضائها.


المصري اليوم
منذ 2 أيام
- المصري اليوم
من قوائم الإرهاب إلى مقاليد الحكم.. ما هى المنظمة التي دربت الرئيس السوري على السياسة؟
يشهد الملف السوري، منذ شهر ديسمبر من العام الماضي، العديد من التطورات والأحداث، التي بدأت بسقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد، ثم تعيين رئيس جديد من خارج عائلة الأسد التي تولت زمام الحكم لـ54 عامًا، وآخر تلك التطورات خروج تصريحات مثيرة كشفت عن دور أمريكي غير مباشر في تأهيل الرئيس السوري الحالي، أحمد الشرع. ومنذ أيام، صرح روبرت فورد، السفير الأمريكي السابق في دمشق، عن دور أمريكي غير مباشر في تأهيل الرئيس السوري أحمد الشرع، عبر سلسلة من اللقاءات بدأت عام 2023 خلال فترة قيادته تنظيم «هيئة تحرير الشام» تحت اسم «أبومحمد الجولاني»، قبل أن يتولى رئاسة سوريا، موضحًا أن مشاركته جاءت ضمن فريق أوروبي اختارته منظمة بريطانية غير حكومية مختصة بحل النزاعات، للعمل على نقل الشرع من قوائم الإرهابيين إلى عالم السياسة، وأن هذه الجهود كانت جزءًا من عملية تأهيل سياسي غربية أوسع. ووفقًا لتقارير إعلامية، أفادت مصادر مطلعة، بأن المنظمة البريطانية التي قدمت الدعم والتأهيل لدخول الرئيس السوري عالم السياسة، هي منظمة «إنتر ميديت» ومقرها لندن. وبحسب ما ذكرته المنظمة عبر موقعها الرسمي أفادت بالتالي: - هي مؤسسة خيرية مسجلة للتفاوض والوساطة، تأسست عام 2011 في لندن. - تعمل المنظمة على أصعب النزاعات وأكثرها تعقيدًا وخطورة حول العالم، والتي تعجز المنظمات الأخرى عن العمل عليها. - أسس المنظمة جوناثان باول، رئيس أركان رئيس وزراء بريطانيا توني بلير الأسبق وكبير المفاوضين البريطانيين في أيرلندا الشمالية بين عامي 1997 و2007، ومارتن جريفيث، مؤسس ومدير مركز الحوار الإنساني في جنيف سابقًا. - تضم المنظمة نخبة من أبرز خبراء الحوار والتفاوض في العالم، يعملون كفريق صغير، لحل النزاعات من خلال تسهيل المفاوضات، لإنهاء النزاعات بشكل مستدام. - ترجع فكرة تأسيس «إنتر ميديت» ليوظف باول خبرته ككبير المفاوضين البريطانيين في المحادثات التي أدت إلى اتفاق «الجمعة العظيمة»، لإنهاء أعمال العنف في أيرلندا الشمالية، وتعمل المنظمة على مساعدة القادة في أكثر صراعات العالم تعقيدًا على التوصل إلى اتفاقيات سلام دائمة. - لعبت المؤسسة دورًا محوريًا في اتفاقيات سلام ناجحة في أفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية، وأنقذت آلاف الأرواح وخففت المعاناة الإنسانية عن ملايين الأشخاص. - لعب باول دورًا محوريًا في إبرام 3 اتفاقيات سلام رئيسية، منها: دعم الرئيس الكولومبي سانتوس في اتفاقه الحائز على جائزة نوبل للسلام مع القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك)؛ ومساعدة الرئيس الموزمبيقي نيوسي في التوصل إلى اتفاق تسريح مع حركة المقاومة الوطنية الموزمبيقية (رينامو) بعد عقود من الحرب الأهلية؛ وفي إسبانيا عملت على إنهاء حملة العنف التي شنتها منظمة «إيتا» والتي استمرت خمسين عامًا، إذ أنقذت هذه الاتفاقيات آلاف الأرواح وخففت المعاناة الإنسانية عن الملايين. - يعمل فريق «إنتر ميديت» في 4 قارات للمساعدة في الحفاظ على أمل السلام من خلال قنوات حوار هادئة ودعم عمليات التفاوض الحساسة. - في شهر نوفمبر 2024 تخلى جوناثان باول عن منصبه في المؤسسة بعد تعيينه مستشارًا للأمن القومي البريطاني، وتم تعيين كلير حجاج، بدلا منه في منصب المدير التنفيذي للمؤسسة، والتي انضمت لـ«إنتر ميديت» عام 2018، بدايةً كمديرة للسياسات ثم كنائبة للرئيس التنفيذي، حيث قادت الاستراتيجية التنظيمية ولعبت دورًا قياديًا في مشاريع المؤسسة الرئيسية. - تعتمد منظمة «إنتر ميديت» على التمويل من المنح والتبرعات، والسعي للتعاون مع منظمات أخرى بهدف تعظيم أثرها وتحقيق أفضل قيمة مقابل المال. - للحفاظ على استقلالية المنظمة، فهى لا نقبل تمويلًا إلا للمشاريع من جهات خارجية غير متورطة مباشرةً في النزاع، حيث تقوم بدراسة جميع الجهات المانحة المحتملة بعناية وفحصها، لضمان بقاء المؤسسة دائمًا وسيطًا محايدًا للحوار والوساطة.


24 القاهرة
منذ 2 أيام
- 24 القاهرة
إعلان عبري: إسرائيل وتركيا توصلتا إلى تفاهمات بشأن تنسيق أنشطتهما العسكرية في سوريا
أكد مسؤول رسمي إسرائيلي ، أن إسرائيل وتركيا توصلتا إلى تفاهمات بشأن تنسيق أنشطتهما العسكرية في سوريا، حسبما زعمت صحيفة إسرائيل اليوم. وقال المصدر للصحيفة الإسرائيلية، إن هدف التفاهمات هي منع الاحتكاك بين القوات في سوريا. وأشار المصدر إلى أن إسرائيل تمسكت بموقفها بأن جنوب سوريا سيبقى منزوع السلاح. وزير الخارجية الأمريكي يبرر دعم سوريا: الحكومة على وشك الانهيار خلال أسابيع واندلاع حرب أهلية رويترز: الرئيس السوري وافق على تسليم مقتنيات الجاسوس إيلي كوهين لإسرائيل كبادرة حسن نية تجاه ترامب مفاوضات تركية إسرائيلية بشأن سوريا وكانت هيئة الإذاعة الإسرائيلية ذكرت أن أنقرة وتل أبيب أجرتا محادثات بشأن سوريا، في باكو بوساطة من الحكومة الأذربيجانية، وأن تل أبيب كان لديها 3 مطالب رئيسية على أنقرة. وتتهم إسرائيل تركيا بالسعي لتعزيز وجودها العسكري في سوريا وإنشاء قواعد هناك، محذرة من عواقب هذه الخطوات. ومنذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، لم يقتصر التغيير على الداخل السوري فحسب بل امتد إلى دول الجوار، إذ بدأت تتبلور ملامح منافسة جديدة بين قوتين نافذتين في المنطقة هما تركيا وإسرائيل.