
رائحة الموت على بعد شارع.. شهادات من "مقبرة القطط" في الزرقاء
يفني بعض الناس حياتهم في خدمة حيواناتهم الأليفة، يمنحونها حباً وأماناً أبدياً. في المقابل، يكرّس آخرون حياتهم لتعذيب هذه الكائنات الودودة، ينكلون بها ويسحقونها بوحشية حتى تلفظ أنفاسها الخافتة بين أيديهم.
اضافة اعلان
قطط بلا أوصال، وأخرى محللة تأكلها الديدان، وجثث معبأة بأكياس، هو فحوى مقطع فيديو انتشر من داخل منزل شخص في مدينة الزرقاء، يقوم بتعذيب قطط يصطادها من الشارع أو يخدع الناس بإيهامهم أن منزله ملجأ آمن لتبنيها. لكن بالخفاء، كان هذا البيت بمنزلة مسلخ، يستخدمه للتنكيل بهذه الكائنات الأليفة، موثقاً جرائمه بدم بارد، حسب شهود عيان.
وثَقِت أماني وأحمد وغيرهما الكثير بمن أسموه "سفاح القطط" لاحقا، فسلّما له قططهم طمعاً بالرعاية والأمان، لكن النهاية كانت أليمة.
يأخذ القطط ويختفي بها
يروي أحمد لـ"الغد" تجربته الشخصية مع من وصفه بـ"المجرم" قائلاً: "عثرتُ على قط حديث الولادة كان بأمسّ الحاجة إلى أم مرضعة، فكتبت منشوراً في إحدى مجموعات التبني طلباً للمساعدة، ليتواصل معي عبر تعليق مدّعياً أن لديه عدة قطط مرضعات".
يتابع أحمد: بعد إيصال القط إليه، اختفى أثره، فحاولت مراراً التواصل معه للاطمئنان على قطي، لكنه لم يرد، وحين أجاب أخيراً، كان رده عدائياً واتهامياً، مدّعياً أنني أسيء الظن به.
"أرسل لي مقطع فيديو لا يتجاوز الـ10 ثوانٍ، يظهر فيه قطاً آخراً أكبر سناً يعيش في بيئة سيئة وتبدو عليه آثار تعذيب". يقول أحمد، مؤكداً أنه طالب باسترجاع القط، لكن الرجل تجاهله تماماً واختفى مجدداً، ولم يستطع الوصول إليه.
"سلمنا 5 قطط بيدنا إلى المجرم"
تعتني الشابة أماني بعدد كبير من القطط في منزلها، وتبذل ما بوسعها لإنقاذها، عثرت يوماً على 5 قطط فقدن أمهن، وكن بحاجة ماسّة إلى أم مرضعة.
تقول أماني في حديث لـ"الغد": "نشرنا نداء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فجاءنا الرد من شخص يزعم أنه منقذ للحيوانات، وأنه يملك قططاً مرضعات، فأرسلنا له القطط، ثم انقطع التواصل. حتى صُدمنا لاحقاً بفيديو متداول، يُظهر مشاهد تعذيب لحيوانات أليفة في مكان مهمل، ليتبين لاحقاً أن هذا الشخص هو ذاته من استلم القطط منا".
شعور بالذنب لا يفارق أماني منذ تلك اللحظة، تقول بغصة لا تُخفى: "لم أكن أعلم أني سلّمت قططي إلى يد مجرم".
شكوى تقود لكشف المعنِّف
تقول رئيسة جمعية أصدقاء الحيوانات الصامتة ريم زياد في حديثها لـ"الغد": "منذ فترة وأنا أُبَلَّغ عن هذا الشخص، إذ يأخذ القطط من مجموعات التبني، ثم يمنع أصحابها من معرفة مكانها أو استردادها، قمت بالتواصل معه عبر فيسبوك، أخبرته بأن هناك قطة يرغب أصحابها باسترجاعها، لكنه ردّ بعنف: ما دخلك! مين بتكوني! وما بتعرفي أنا مين؟ ثم رفض إعادتها".
وتتابع ريم: بعد ذلك، أخبر إحدى الفتيات أن قطتها "طلعت على السطح وانتحرت"، عندها أدركنا أننا على أعتاب مشكلة حقيقية.
تهديدات بالقتل
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ تكمل ريم: "تواصلت معي فتاة أخرى وأخبرتني بأنها سلّمته 5 قطط، حاولت استرجاعها بعدما لاحظت أن صورها تُظهر تدهوراً شديداً في حالتها الصحية، لكنه رفض، بل وهددها صراحة قائلاً: "إذا بتقربي عليّ، ببعتلك ناس يقتلوك".
وتضيف ريم: "نصحت الفتاة بتقديم شكوى للمتصرف، ورافقْتُها بنفسي لتقديمها. وفي اليوم التالي، تواصلت مع جهات رسمية، وتعاونوا مع البحث الجنائي من أجل إلقاء القبض عليه. وبعد يومين، اتصلت بي مجدداً، وأخبرتني أن المتصرف يريد أن يرافقنا لمداهمة منزله واستعادة القطط. وبالفعل، ذهبنا مع الجهات المعنية إلى هناك، وهنا كانت الكارثة.
رائحة موت تخيم على المكان
منذ أن دخلنا الشارع، بدأت رائحة كريهة تُخيّم على المكان، تقول ريم، وتتابع: "كان مشهداً صادماً عندما فتحنا الباب؛ رأينا قططاً مصدومة ويائسة، وكأنها تُدرك أن دورها في العذاب قادم. كانت الدماء تلطّخ الجدران، وقطط نافقة وُضعت أمام الأخريات، إحدى القطط كانت مضروبة بمسمار مغروس في رأسها، وأخرى كانت ممزقة تماماً. وعندما فتحنا الأكياس، وجدنا داخلها جثث قطط مقطعة، حينها أيقنت أننا دخلنا إلى "مقبرة للقطط"! تؤكد ريم.
استطاعت ريم زياد إنقاذ 51 قطة، كانت حالتها النفسية سيئة للغاية، وقبل أيام ذهبت إلى المدعي العام كشاهدة بصفتها ممثلة عن جمعية، ليخبرها صراحةً بضعف قانون العقوبات المتعلق بمعذب الحيوانات الأليفة، إذ تنص المادة 472 من قانون العقوبات الأردني على أنه "يعاقب بالحبس حتى أسبوع، وبالغرامة حتى 5 دنانير، كل من ضرب بقسوة حيواناً أليفاً أو داجناً أو أثقل حمله أو عذبه".
كما تنص المادة 452 على "الحبس حتى ثلاثة أشهر أو غرامة لا تتجاوز 50 ديناراً لمن يقتل حيواناً أليفاً أو داجناً عمداً، والحبس حتى شهر أو غرامة لا تتجاوز 20 ديناراً لمن يضرب أو يجرح حيواناً بصورة تمنعه عن العمل أو تلحق به ضرراً جسيماً".
وتتساءل ريم هل يُعقل أن تُعامل جريمة بهذا الحجم كمخالفة بسيطة؟
إيذاء الحيوانات والاضطرابات النفسية
لماذا يؤذي بعض الأشخاص الحيوانات؟ تساؤل مؤلم، لكنه ضروري لفهم هذا السلوك القاسي؟
توضح استشارية الصحة النفسية والأسريّة، د.حنين البطوش، أن تعنيف الحيوانات يرتبط غالباً باضطرابات نفسية، تعود إلى تكوين عاطفي غير سليم في الطفولة، مثل غياب الحب والاحتواء، والتعرض للعنف، ما يضعف القدرة على تطوير التعاطف مع الكائنات الأضعف.
وتُشير البطوش إلى أن أشخاصا يلجأون لتعنيف الحيوانات بدافع فرض السيطرة أو تفريغ مكبوتات داخلية، وكأنهم ينتقمون من العالم من خلال جسد ضعيف لا يستطيع الدفاع عن نفسه.
وتختم البطوش حديثها لـ"الغد" بالقول: "من يستهين بإيذاء حيوان اليوم، قد يستهين بإيذاء إنسان غداً، فالأمر ليس في نوع الضحية، بل في توفر الفرصة."

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الغد
منذ 40 دقائق
- الغد
268 شكوى مقدمة من عاملات المنازل
هبة العيساوي اضافة اعلان عمان- بلغ عدد الشكاوى المقدمة من عاملات المنازل، لمديرية العاملين في المنازل التابعة لوزارة العمل، خلال النصف الأول من العام الحالي 268 شكوى.وبحسب البيانات التي حصلت "الغد" عليها، تم حل 240 شكوى من إجمالي الشكاوى المقدمة، أما الشكاوى المقدمة من العاملات مباشرة، فقد بلغت 66 شكوى، والمقدمة من عاملات المنازل عبر "مكاتب الاستقدام" 202 شكوى.فيما بلغ عدد الشكاوى المقدمة من أصحاب منازل الواردة للمديرية خلال النصف الأول من العام الحالي 355 شكوى تم حل 298 شكوى منها.في حين بلغ عدد الشكاوى المقدمة من أصحاب المنازل والتي تم تحويلها من قبل رئيس قسم التفتيش للمفتش المعني ولم يُتخذ إجراء نهائي قيد الإجراء 65 شكوى.أما عدد قضايا جرائم الاتجار بالبشر "العمل الجبري" التي تعاملت معها وحدة مكافحة الاتجار بالبشر خلال النصف الأول من العام الحالي هي قضيتان اثنتان، بحسب مديرية التفتيش المركزية في وزارة العمل.وكانت جمعية تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، قد أكدت أن العمال المهاجرين في الأردن يواجهون تحديات كبيرة تتعلق بظروف العمل، ما يعرضهم لمخاطر الاتجار بالبشر، حيث تُؤثر ظروف العمل السيئة على العمال المهاجرين، حيث إنهم قد يعملون لساعات طويلة دون الحصول على تعويض مناسب، وقد يحصلون مقابل عملهم على أجور أقل من العمال المحليين، وغالبًا ما يتعرضون لتأخير في دفع الأجور أو عدم دفعها بالكامل، إلى جانب ذلك بعض العمال يعملون في بيئات عمل غير آمنة أو غير صحية، مما يعرضهم لمخاطر صحية وإصابات.


رؤيا نيوز
منذ 5 ساعات
- رؤيا نيوز
9473 جريمة إطلاق عيارات نارية خلال 5 سنوات.. سرقت الفرح وزرعت الخوف في قلب الاحتفال
في لحظات الفرح التي يفترض أن تُخلّد بالابتسامة والزغاريد، تختلط التهاني، أحيانا، بأصوات الرصاص، لتتحول مناسبات النجاح إلى مشاهد حزن ومآسٍ لا مبرر لها. فما إن تُعلن نتائج الثانوية العامة، حتى تعود ظاهرة إطلاق العيارات النارية لتسرق أرواح الأبرياء وتُهدد أمن المجتمع، في مشهد يتكرر كل عام رغم التحذيرات والمآسي المسجلة. وتشير إدارة المعلومات الجنائية، التابعة لمديرية الأمن العام وفقا لإحصائية مقارنة الجرائم المرتكبة في المملكة الأردنية الهاشمية منذ عام 2020 وحتى 2024، إلى أنه سُجّل نحو 9 آلاف و473 جريمة إطلاق للعيارات النارية، إذ بلغ العام الماضي لوحده نحو 1730 جريمة إطلاق العيارات النارية. وتتشدَّد النيابة العامة كل عام بإجراءاتها في وقف ومنع إطلاق العيارات النارية خلال الأفراح ومنها نتائج الثانوية العامة، وتلاحق الأشخاص الذين يقومون بذلك، وتودعهم إلى القضاء، ووفق إجراءت مشددة بعدم تكفيلهم والإفراج عنهم حتى يصدر الحكم القضائي بحقهم. معنيون دعوا، في أحاديثهم لـ (بترا)، إلى تكثيف حملات التوعية بمخاطر إطلاق العيارات النارية، مؤكدين أن الفرح بالنجاح يجب أن يكون ضمن إطار حضاري يحترم حقوق الآخرين ولا يعرض حياتهم للخطر. كما طالبوا الأهالي والمجتمع بتحمل مسؤولياتهم في منع هذه الظاهرة، والاحتفاء بالنجاح بطرق آمنة تعكس الوعي والمسؤولية المجتمعية. من جانبها، تستمر وزارة الداخلية في حملتها الإلكترونية الخاصة بالتوقيع على وثيقة منع إطلاق العيارات النارية الإلكترونية، والتي أطلقتها الوزارة في وقت سابق لإشراك المواطنين في ضبط إطلاق العيارات النارية في المناسبات، حيث تمكن المواطنين على اختلاف مواقع سكناهم وإقامتهم وتواجدهم من الدخول إلكترونيا والتوقيع كذلك إلكترونيا على الالتزام ببنود الوثيقة خدمة لاعتبارات المصلحة العامة. ويهدف هذا الإجراء إلى زيادة الوعي وحماية المجتمع، مشيرة الوزارة إلى إمكانية الوصول إلى الوثيقة عبر الرابط التالي: أستاذ علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية المشارك في جامعة البلقاء التطبيقية، الدكتور يوسف محمد الشرمان، قال تعد ظاهرة إطلاق العيارات النارية من الظواهر القديمة والحديثة التي عرفتها معظم المجتمعات، ومنها مجتمعنا الأردني، وقد ارتبطت هذه الظاهرة بمدلول تراثي يشير إلى المباهاة والمفاخرة والاستعراض أمام الآخرين بنوع من الاستهلاك التفاخري – غير المرغوب فعليّا. وأضاف أن المتتبع لما خلّفته ظاهرة إطلاق العيارات النارية بالمناسبات المختلفة بالأردن يدرك الآثار السلبية التي وقعت على أبناء المجتمع جراء ذلك، سواء من ترويع الآمنين أو حتى إلحاق الأذى بالبعض، لا بل وربما ارتكاب جريمة ذهب ضحيتها شخص بريء جاء لمشاركة الفرح وهو لا يعلم أن طيش الغير سيحول جسده إلى أشلاء، وتظهر السجلات الإحصائية لسنوات مضت أعداد المتضررين (المصابين بأذى والوفيات)، إضافة إلى الأضرار النفسية على ذويهم ومن حضر وشاهد، فكم فقدنا من أبناء مجتمعنا في ساعة طيش استعرض بها أحدهم سلاحه، فقتل من قتل، وحوّل الفرح إلى أسى وحزن ومأساة. وتابع: كم من جريمة ارتكبت بسبب رعونة أحدهم، وكم من عائلة تعرضت للجلوة العشائرية، وتشتت شملها بسبب شاب طائش، وكم من أنسباء تحولوا إلى أعداء نتيجة هذا الأمر، وكم من مجتمع محليّ في قرية وادعة أو في حيّ آمن من مدينة آمنة تعرض أمنه وسلمه المجتمعي إلى حالة من عدم الاستقرار تبعها اعتداءات على الممتلكات الخاصة، وربما تجاوز ذلك الاعتداء، فألحق الأضرار بالممتلكات العامة، وأقلق الأجهزة الأمنية نتيجة لمثل هذه الأفعال غير المبررة، وفي نهاية المطاف فإن المجتمع هو الخاسر الأكبر من جراء إطلاق العيارات النارية، إذ انه يدفع فاتورة هذه الظاهرة من دماء أبنائه الأبرياء. الباحث الاقتصادي، عامر الشوبكي، قال لـ'بترا'، إن إطلاق العيارات النارية في الاحتفالات والمناسبات ما زال يُشكّل ظاهرة خطيرة تهدد الأرواح، وتستهلك موارد الوطن بلا أي مردود، فالتكلفة لطلقة واحدة لبعض أنواع الذخائر قد تصل إلى نحو دينارين أردني، مما يعني أن أي احتفال يمكن أن يتجاوز بسهولة 100 إلى ألف دينار فقط في الذخيرة وأحيانا أكثر من ذلك، إذا ما أُخذ بالحسبان أن 20 بالمئة من الأسر في المناسبات الكبرى قد تلجأ إلى هذه العادة. لكن الأهم من ذلك هو الأثر الكارثي اجتماعيا، فهذه الممارسات تزرع الخوف والرعب في نفوس المواطنين، خاصة في فصل الصيف، حيث يقضي الناس أوقاتهم في الأماكن المكشوفة والأسطح والحدائق، مما يعرضهم لمخاطر حقيقية، ويحوّل لحظات الفرح إلى قلق دائم من الإصابة أو فقدان أحد الأحبة. وبين أن الأرقام الحديثة تعكس حجم هذه الكارثة. في السنوات الخمس من 2019 وحتى نهاية 2023، سُجلت 7 وفيات ناتجة عن إطلاق العيارات النارية في المناسبات، وقد تمكّنت الأجهزة الأمنية من كشف جميع هذه الجرائم بنسبة 100 بالمئة؛ بفضل الجهود الاحترافية والقدرات الفنية العالية لدى الأمن العام، لكن عدد الإصابات والوفيات كانت كبيرة وإضعاف هذه الأرقام فيما قبل 2019. وهذه النسبة مؤخرا تعكس التقدّم في الأداء الأمني واستجابة المواطنين المتزايدة للبلاغات والتعاون مع الجهات المختصة، لكنها أيضاً تؤكد أن الظاهرة ما تزال قائمة، والطموح الوطني هو الوصول إلى 'تصفير' عدد الإصابات والوفيات في المرحلة المقبلة، بحسب الشوبكي. وعزا أحد وجهاء العشائر الأردنية، فايز الخرابشة، لـ'بترا'، أسباب اللجوء إلى إطلاق العيارات النارية إلى عدة عوامل، منها أن يكون الشخص مدفوعاً بانفعاله الشديد في مناسبات الفرح، حيث يعتقد أن إطلاق العيارات النارية يزيد من شعوره بالفرحة التي لا تكتمل إلا بذلك الأمر. وبين أن من أهداف إطلاق النار في هذه المناسبات يكون، لدى البعض، من باب رد الجميل، حيث يعبّر الشخص عن مجاملة لمضيف الحفل الذي قد يكون قد قام سابقاً بإطلاق النار في مناسبات مشابهة. ولفت إلى المخاطر النفسية والخسائر المادية الملحوظة، فالفرد الذي يقوم بإطلاق النار، باستخدامه خاصة أسلحة الرشاشة الأتوماتيكية، يتكبد تكاليف مرتفعة، قد تصل إلى مئات أو آلاف الدنانير في بعض الحالات بحسب طبيعة المناسبة، وهو ما يمثل عبئاً مالياً كبيراً على مستوى الفرد والمجتمع. الأستاذ المشارك من قسم علم النفس التربوي في جامعة الطفيلة، الدكتور جهاد الترك، أشار إلى أن إطلاق النار في المناسبات الاجتماعية هو سلوك اجتماعي منتشر في العديد من المجتمعات، موضحا أن تداخل هذا السلوك مع الأسباب الثقافية والاجتماعية والنفسية، يجعله موضوعاً معقداً ومثيراً للجدل. وبين أن من الأسباب النفسية لإطلاق العيارات النارية، هو الشعور بالانتماء، حيث يشارك الأفراد في إطلاق النار ليشعروا بالانتماء إلى المجموعة، وليؤكدوا أنهم جزء منها، كما يكون إطلاق النار طريقة للتعبير عن الذات والشخصية، حيث يرى البعض أن إطلاق النار يعطيهم إحساساً بالقوة، والرجولة، والسيطرة، ويعتبرها آخرون وسيلة لجذب الانتباه إليهم في المناسبات، وبذلك يكونوا محور الحديث. وعن أسباب استمرار هذه الظاهرة، لفت الترك إلى أن البعض يراها من العادات والتقاليد باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الاحتفال، ولا يمكن الاستغناء عنه، فضلا عن الجهل بالمخاطر، حيث يجهل كثيرون المخاطر الحقيقية لإطلاق العيارات النارية، ويعتبرونها مجرد وسيلة للتعبير عن الفرح، فضلا عن عدم وجود وعي كافٍ بمخاطر هذه الظاهرة، ولا يعرف الناس بالقوانين التي تحظرها. أستاذ القانون الدستوري في الجامعة الأردنية، الدكتور ليث نصراوين، قال: 'عالج المشرّع الأردني ظاهرة إطلاق العيارات النارية من خلال عدة تشريعات وطنية، أهمها قانون العقوبات الذي جرى تعديله في عام 2017 بإضافة حكم مكرر للمادة (330) منه تنص على معاقبة كل من يطلق عيارا ناريا دون داع أو سهما ناريا أو استعمل مادة مفرقعة دون موافقة مسبقة بالحبس مدة 3 أشهر أو بغرامة مقدارها 1000 دينار أو بكلتا العقوبتين، مع مصادرة ما تم استخدامه من سلاح، ولو كان مرخصا، وأي سهم ناري ومادة مفرقعة'. وأضاف: تكون العقوبة بالحبس مدة لا تقل عن سنة إذا نجم عن الفعل إيذاء إنسان، والأشغال المؤقتة إذا نجم عن الفعل أي عاهة دائمة أو إجهاض امرأة حامل، والأشغال المؤقتة مدة لا تقل عن 10 سنوات إذا نجم عن الفعل وفاة إنسان. وتضاعف هذه العقوبات في حال التكرار أو تعدد المجني عليهم. وبين نصراوين أن قانون الأسلحة والذخائر رقم 5 لسنة 1952 وتعديلاته يعاقب على جرم إطلاق النار من سلاح غير مرخّص، حيث تنص المادة (11) منه بالقول: 'يعاقب بالحبس مدة 3 أشهر أو بغرامة قدرها 1000 دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين كل من أطلق عيارا ناريا دون داع أو استعمل مادة مفرقعة دون موافقة مسبقة، ويصادر السلاح المستخدم سواء كان مرخصا أو غير مرخص'. ولفت إلى أن من التحديات التي تواجه التطبيق الكامل للنصوص المجرمة لإطلاق العيارات النارية وجود اعتقاد سائد لدى الأشخاص أن الإطلاق 'عادة اجتماعية' لا يُعاقب عليها القانون، ووجود نقص في حملات التوعية القانونية في المناطق التي تنتشر فيها هذه الممارسات، ناهيك عن ظاهرة انتشار الأسلحة بشكل غير مقبول بين أيدي الأردنيين. وأشار نصرواين إلى أن الأساس التشريعي في التعامل مع الأسلحة والذخائر يجب أن يكون حظر الترخيص بحملها كقاعدة عامة، مع تقرير استثناءات معينة لأشخاص مدنيين يجوز أن يحملوا السلاح، كالعاملين في شركات الحماية والحراسة الخاصة، وأن يقتصر الترخيص على السلاح العادي دون الأوتوماتيكي. مفوضة الحماية في المركز الوطني لحقوق الإنسان، الدكتورة نهلا المومني، قالت: إن إطلاق العيارات النارية في المناسبات المختلفة يشكّل انتهاكًا واضحًا لعدد من حقوق الإنسان الأساسية، وفي مقدمتها الحق في الحياة، والحق في السلامة الجسدية، والحق في الأمان الشخصي، إضافة إلى الحق في أن يسود النظام العام الاستقرار والطمأنينة داخل الدولة. وانطلاقًا من هذه المبادئ، جاءت التشريعات الوطنية، وعلى رأسها الدستور الأردني، لتؤكد على كفالة الحق في الأمان الشخصي، وتعتبر أي اعتداء على حقوق الأفراد جريمة يُعاقب عليها القانون، وفقا للمومني. ولفتت إلى أن المشرّع الأردني جرّم إطلاق العيارات النارية في المناسبات، وذلك بموجب قانون العقوبات الأردني، حيث يعاقب كل من أقدم على إطلاق عيارات نارية دون داعٍ في الأماكن المأهولة أو المناسبات العامة بالحبس وبغرامة مالية وتشدد العقوبة إذا نتج عن الفعل إصابة أو وفاة. وبينت المومني أن هذا النهج الذي اتبعه المشرع الأردني يتسم بمراعاة مبدأ التدرج التشريعي في إيقاع العقوبات، ويتسق مع الممارسات الفضلى في الدول، ويتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ويهدف إلى أعمال مبدأ سيادة القانون الذي يعد المحرك الرئيس لاستقرار الدول وتحقيق الردع العام والخاص.


الرأي
منذ 5 ساعات
- الرأي
غزة.. وصمة عار في جبين الانسانية
في قلب العصر الحديث، تعيش غزة أسوأ كابوس إنساني تشهده البشرية، وتتجسد وصمة العار الأكثر قتامة في تاريخ الإنسانية في صمت العالم المتواطئ مع جرائم الاحتلال، بينما تذبل أجساد الأطفال تحت وطأة الجوع الممنهج، فما تشهده هذه البقعة المحاصرة إبادة جماعية بالتجويع تنفذ بدم بارد، لتكشف هشاشة الضمير العالمي وتناقضه الصارخ مع مبادئ القانون الدولي التي طالما نادت بها الأمم. ففي مشهد يختزل فظاعة القرن الحادي والعشرين، يواجه 2.1 مليون فلسطيني مجاعة مصنفة ضمن مرحلة "الكارثة/ المجاعة" بنسبة 22% من السكان، بينما يعاني 100% منهم انعداما حادا للأمن الغذائي، فالأطفال هناك يموتون قبل أن تنبت أسنانهم؛ 92 طفلاً من أصل 162 شهيداً سقطوا ضحايا التجويع في الشهر الماضي، بينما يترنح 100 ألف طفل وامرأة على حافة الموت بسوء التغذية. القانون الدولي يصرخ بالانتهاك أيضا، فاتفاقيات جنيف الرابعة تحظر صراحة تجويع المدنيين كأسلوب حرب، ونظام روما الأساسي يدرج الحرمان المتعمد من الغذاء كجريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، بل إن محكمة الجنايات الدولية أصدرت مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت لاستخدامهما التجويع سلاحا والذي يستهدف تدميرا جسدياً جزئيا لمجموعة سكانية محددة، مؤكدة توفر "أسباب معقولة" لاتهامهما بتعمد حرمان المدنيين من مقومات البقاء، لكن للأسف تحولت هذه الأحكام إلى حبر على ورق أمام آلة القتل المدعومة أمريكياً، حيث يحاصر القطاع منذ أكتوبر 2023، ويمنع 90% من المساعدات الإنسانية، وتدمر 95% من الأراضي الزراعية. مخطط الجرائم الإسرائيلية المسمى "عربات جدعون" يكشف القصد الإبادي عبر خطة من ثلاث مراحل تهدف لتهجير السكان عبر "رافعات ضغط" تشمل الحصار والتجويع والقصف، لتحويل غزة إلى منطقة مصغرة محاصرة، وقد صرح وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بأن "النصر يتحقق فقط عندما تدمر غزة بالكامل ويحشر سكانها في الجنوب تمهيدا لترحيلهم"، هذه السياسة لم تعد خفية، بل تنفذ علنا بينما 47% من الإسرائيليين ينكرون وجود مجاعة رغم الأدلة الدامغة. وصمة العار الأخلاقية لا تقتصر على الجناة، بل تمتد إلى المجتمع الدولي الذي يتحول صمته إلى مشاركة في الجريمة، وستحمله الذاكرة الإنسانية كعار أخلاقي لا يغتفر، خاصة مع استمرار الانتهاكات الموازية لقوات الاحتلال وقطعان المستوطنين في الضفة الغربية التي تعمق المأساة الفلسطينية شعبا وأرضا، أضف إلى ذلك الفيتو الأمريكي الذي يحمي الإفلات من العقاب في مجلس الأمن، والأمم المتحدة تتأخر عمدا في إعلان المجاعة لأسباب سياسية رغم استيفاء غزة جميع المعايير الفنية، وحتى محكمة العدل الدولية، التي قبلت دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، وافقت على تأجيل الرد الإسرائيلي حتى يناير 2026، مما يجعل قراراتها "بعد فوات الأوان"، هذا التواطؤ يحول البيانات الدولية إلى نفاق فارغ. الخزي الذي سيلاحق الإنسانية لا يرسمه فشل السياسات وحسب، بل خذلان القيم الإنسانية الأساسية، فهل يعقل أن يموت طفل جوعا كل عشر دقائق في القرن الـ21 بينما تعقد المؤتمرات حول حقوق الإنسان؟ هذه اللعنة الأخلاقية تشكل وصمة في جبين الأرض وسكانها، حيث سيسجل التاريخ أن العالم شهد أول إبادة جماعية بالجوع تبث مباشرة على الشاشات، ولم يحرك ساكنا إلا بعد أن تحولت الضمائر إلى رماد. إن إنقاذ ما تبقى من إنسانيتنا يتطلب مواجهة هذه الكارثة بتحرك وإجراءات فورية وحاسمة تشمل على الأقل فتح جميع المعابر لإدخال 600 شاحنة مساعدات على الأقل يوميا، ومحاكمة القادة الإسرائيليين أمام المحكمة الجنائية الدولية، وفرض حظر أسلحة شامل، وتمكين الأونروا من توزيع المساعدات دون عوائق، فغزة لم تعد على حافة الهاوية، بل سقطت في قاعه، وما يحدث فيها هو مرآة تكشف عورات حضارة تزينت بالقوانين وخانت قيمها اختبارا مصيريا للضمير البشري، فهل ستسجل الإنسانية في تاريخها أول إبادة جماعية بالجوع في القرن الحادي والعشرين، أم سترفع عنها عار السكوت عن جرائم ترتكب أمام أعين العالم؟ أما إذا استمر الصمت، فسيكتب على قبر الضمير العالمي: "هنا يرقد من شاهد الموتى ولم يرَ سوى الإحصاءات".