
ما الذي يريد بوتين تحقيقه من إصراره على مواصلة الحرب؟
فيما تواصل روسيا استحواذها على المزيد من الأراضي الأوكرانية، ولو ببطء شديد وتكلفة عالية، ترى تحليلات أن الهدف منها هو محاولة موسكو خلق انطباع لدى حلفاء كييف بأن النصر في متناول يدها. فقد سيطرت روسيا خلال الشهر الماضي على مزيد من الأراضي أكثر من أي شهر مضى، بعدما تمكنت من تسريع وتيرة تقدمها، مثلما فعلت في الخريف الماضي، قبل أن يبطئ فصل الشتاء تقدمها.
وفيما أقر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالهجوم الروسي المستمر على الجبهات، والخسائر التي تتكبدها بلاده، فإنه قال: «بعبارة ملطفة، إنهم ليسوا ناجحين جداً»، مضيفاً أن موسكو لم تحقق أهدافها في الحرب، وتستنزف ببطء. وقال إن روسيا لا يمكنها الانتصار إلا إذا تخلى شركاؤنا الغربيون عن أوكرانيا، وسيكون الانسحاب الأميركي «سيناريو مثالياً» لبوتين.
النيران والدخان يتصاعدان من موقع سقوط صاروخ روسي على منطقة سكنية في خاركيف (أ.ب)
وهو ما حذر منه زعيم الأغلبية الجمهوري السابق في مجلس الشيوخ، السيناتور ميتش ماكونيل الذي قال في جلسة استماع لوزير الدفاع بيت هيغسيث يوم الأربعاء، إن سمعة أميركا على المحك، في حال خسرت أوكرانيا الحرب. وشهدت جلسة الاستماع نقاشاً حاداً بين ماكونيل والسيناتور الجمهوري ليندسي غراهام مع الوزير هيغسيث، بشأن الحرب في أوكرانيا.
وانتقد السيناتوران وزير الدفاع هيغسيث بشدة، بشأن تعامل إدارة ترمب مع روسيا في جهودها لإنهاء الحرب في أوكرانيا، كاشفين عن انقسام علني متفاقم في «الحزب الجمهوري» بشأن السياسة الخارجية.
وافتتح السيناتور ماكونيل الذي يرأس اللجنة الفرعية للدفاع في لجنة المخصصات، وكان أحد 3 جمهوريين عارضوا تثبيت هيغسيث وزيراً للدفاع، جلسة الاستماع بنقد لاذع لنهج الرئيس ترمب تجاه أوكرانيا. وقال: «يبدو لي جلياً أن سمعة أميركا على المحك. هل سندافع عن حلفائنا الديمقراطيين ضد المعتدين الاستبداديين؟».
ويعد ماكونيل من صقور الحزب الجمهوري في التعامل مع روسيا والقضايا العسكرية، وانتقد هيغسيث لعدم تضمينه مساعدات عسكرية إضافية لأوكرانيا في ميزانية البنتاغون المقترحة للسنة المالية المقبلة. وقال: «لا نريد عنواناً رئيساً في نهاية هذا الصراع يقول إن روسيا تفوز وأميركا تخسر».
بدوره تحدى السيناتور ليندسي غراهام، الذي زار قبل أيام كييف برفقة السيناتور الديمقراطي ريتشارد بلومنثال، وأعدا معاً مشروع قانون لتصعيد العقوبات ضد روسيا، الوزير هيغسيث والجنرال دان كين، رئيس هيئة الأركان المشتركة، بشأن ما إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيتوقف عند أوكرانيا، إذا نجح في ساحة المعركة هناك. وحين سألهما عن ذلك، قال الجنرال كين «لا أعتقد ذلك»، في حين أجاب هيغسيث «يبقى أن نرى».
وما كان من غراهام أن قاطعه مشيراً إلى التوسع الإقليمي لألمانيا النازية قبل الحرب العالمية الثانية. وقال: «حسناً، يقول إنه لن يفعل. هذه هي الثلاثينات. لم يبقَ أن نرى». وقدم الجدال الذي شهدته الجلسة لمحة عن الفجوة المتزايدة في السياسة الخارجية بين التيار المحافظ الذي تتراجع أعداده في «الحزب الجمهوري»، وجناح يتصاعد حضوره بقيادة شخصيات مثل الوزير هيغسيث ونائب الرئيس جيه دي فانس، الذين يعبّرون عن رؤية «أميركا أولاً»، لتقليص مشاركة الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم.
النيران تتصاعد من موقع سقوط صاروخ روسي على منطقة في خاركيف (إ.ب.أ)
وهو ما يتجلى في السياسة التي يتبعها ترمب حتى الآن تجاه أوكرانيا. فقد أدى عدم تحقيق محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا في إسطنبول نتائج تُذكر، واستمرار روسيا في قصف أوكرانيا، إلى إعراب ترمب عن إحباطه من بوتين، وعن شكوكه في استعداد موسكو لتحقيق السلام. ولكن بعد حديثه مع بوتين عبر الهاتف الأسبوع الماضي، شبّه ترمب أوكرانيا وروسيا بطفلين يتشاجران، قائلاً إنه سيوقف وساطته وسيتركهما يتقاتلان. وقال إن الموعد النهائي لفرض المزيد من العقوبات على موسكو «في ذهنه».
وقال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بمناسبة يوم روسيا إن الولايات المتحدة تدعم تطلعات الروس إلى مستقبل أكثر إشراقاً، مؤكداً الرغبة في المشاركة البناءة في الجهود الرامية إلى إحلال السلام، وإنهاء الحرب مع أوكرانيا.
ويصادف الاحتفال بيوم روسيا ذكرى إعلان سيادة البلاد في 1990، أي قبل أكثر من عام من انهيار الاتحاد السوفياتي. وقال روبيو في بيان منشور على الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية الأميركية: «تظل الولايات المتحدة ملتزمة بدعم الشعب الروسي في وقت يواصل فيه تطلعاته لمستقبل أكثر إشراقاً». وأضاف: «ننتهز هذه الفرصة لنؤكد من جديد رغبة الولايات المتحدة في المشاركة البناءة مع روسيا الاتحادية لتحقيق سلام دائم بين روسيا وأوكرانيا». وتابع: «يحدونا الأمل في أن يعزز السلام مزيداً من العلاقات ذات المنفعة المتبادلة بين بلدينا».
صورة أقمار اصطناعية تظهر طائرات «توبوليف تو - 95» المدمَّرة بعد سلسلة من الغارات الجوية الأوكرانية على قاعدة في روسيا (إ.ب.أ)
العقوبات في ذهن ترمب
لكن خلال اجتماعه الأسبوع الماضي مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس، أعرب ترمب عن تردده في منح مجلس الشيوخ الضوء الأخضر للتقدم بمشروع العقوبات، واصفاً إياه في صيغته الأصلية بأنه «قاسٍ للغاية» على روسيا. وشكك في فعالية العقوبات، بعدما اعتقد لأشهر أن اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه بوتين سيأتي بنتائج عكسية. ومع احتمال إعادة ترمب النظر في نهجه، حثّ زيلينسكي البيت الأبيض على الحفاظ على شعوره بالإلحاح وزيادة ضغطه على موسكو. وقال زيلينسكي: «من المهم فرض عقوبات. لا ينبغي لنا أن نلعب وفقاً لقواعد بوتين. من المهم فرض عقوبات وإجباره على الموافقة على وقف إطلاق النار حتى نتمكن من الحديث عن إنهاء الحرب». وأضاف زيلينسكي أن بوتين يعلم أن الاقتصاد الروسي يعاني، ويحاول كسب الوقت. وفرض عقوبات أشد من شأنه أن يستنزف ترسانة روسيا بشكل أكبر، مما يؤدي إلى تقليل الهجمات على أوكرانيا.
وفيما ستتاح لزيلينسكي فرصة أخرى لتوجيه نداء مباشر إلى ترمب الأسبوع المقبل، إذا تمت الموافقة على دعوته لحضور قمة قادة مجموعة السبع في كندا، بدا أن امتناع بوتين عن تقديم أي تنازلات جوهرية لوقف إطلاق النار، وتكثيف قصفه للمدن الأوكرانية، قد يساهمان في إبعاد ترمب، ليس فقط عن مساعيه من أجل السلام، بل وخفض الآمال في أي تقارب سريع مع بوتين. وقال زيلينسكي إن ترمب لا يزال الشخصية الرئيسة القادرة على إنهاء الحرب، وحثّه على السماح بمضي مشروع قانون العقوبات قدماً. وقال زيلينسكي: «قوة العقوبات، ومدى قوة حزمة العقوبات، يعتمدان عليه». «سرعة اتخاذ القرارات تعتمد عليه؛ لا نرى أي مقاومة من أعضاء مجلس الشيوخ، على العكس الأغلبية تؤيد».
صورة أقمار اصطناعية تظهر طائرات «تو - 95» المدمَّرة في أعقاب غارة بطائرة من دون طيار على قاعدة جوية بمنطقة إيركوتسك في روسيا (رويترز)
ومع تجميد المحادثات، عاد التركيز إلى حيث ستُحسم الحرب في النهاية، إلى ساحة المعركة. وتسعى روسيا إلى تحقيق مكاسب كافية على خطوط المواجهة لإجبار أوكرانيا على الموافقة على مطالبها التي تعتبر في جوهرها استسلاماً. في المقابل تريد أوكرانيا صد روسيا وإلحاق ضرر كافٍ بقواتها لإقناع الكرملين بأن تكلفة عدم التوصل إلى اتفاق باهظة للغاية.
وتضغط موسكو على عدة جبهات، وتبحث عن نقاط ضعف الجيش الأوكراني، وتحاول الاستفادة من تفوقها البشري الهائل بإجبار أوكرانيا على الدفاع على امتداد خط المواجهة الذي يمتد على طول ألف كيلومتر. ويرى تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال» المحسوبة على الجمهوريين، أن الهدف الرئيس من ضخ روسيا للرجال والعتاد في المعركة الآن هو إقناع أصحاب السلطة في الغرب بأن روسيا ستنتصر حتماً في الحرب، وأن أي مساعدة قد يقدمها حلفاء أوكرانيا ستذهب سدىً، بحسب باحث في معهد دراسات الحرب في واشنطن. وقال إن «مركز ثقل هذه الحرب ليس التضاريس، بل إن ما يُدار فيها بشكل حاسم هو مساحة التصور في العواصم الغربية». وأضاف، في إشارة إلى الروس: «إذا كانت الخريطة تتغير، فسيكون بمقدورهم القول: نحن نحرز تقدماً. أوكرانيا في ورطة. كم ملياراً إضافياً ستنفقون؟».
وتُعدّ مدينة كوستيانتينيفكا شرق أوكرانيا، وهي مركز لوجستي حيوي على خط المواجهة، محور هجوم موسكو الأخير.
ستيف ويتكوف وماركو روبيو في باريس يوم 17 أبريل 2025 (أ.ب)
وفي وقت سابق من هذا العام، بدأت روسيا بتحريك قواتها لمهاجمة بوكروفسك، وهي مدينة تقع جنوباً، باتجاه كوستيانتينيفكا. وأشار محللون إلى أن هذا التحول يشير إلى تغيير في اتجاه جهودها، ولكن ليس بالضرورة في استراتيجيتها. وأثبتت الهجمات الأخيرة على تشاسيف يار وبوكروفسك أن روسيا مستعدة لبذل قوات وأسلحة ووقت في محاولة الاستيلاء على المدن، حتى لو كانت ذات قيمة استراتيجية ضئيلة. ومن المرجح أن تكون معركة كوستيانتينيفكا بالمقدار نفسه من القسوة، وبالمدة التي ستستغرقها.
ميدانياً، أدت ضربات ليلية جديدة نفذتها روسيا بطائرات مسيّرة إلى جرح 14 شخصاً بينهم أربعة قاصرين، في مدينة خاركيف في شمال شرقي أوكرانيا التي تتعرض لغارات جوية شبه يومية. وأعلنت أجهزة الطوارئ هذه الحصيلة الخميس في رسالة عبر «تلغرام». وقال رئيس البلدية إيغور تيريخوف إن الهجمات وقعت صباحاً، وتسبّبت بحرائق في مبانٍ سكنية وتعليمية. وأضاف أن حطاماً سقط «بالقرب من ملاعب» للأطفال.
وليل الثلاثاء الأربعاء كانت ضربات روسية أسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص وجرح نحو ستين آخرين في خاركيف التي كانت تضم قبل بدء الغزو الروسي في عام 2022 نحو 1,5 مليون نسمة.
وفي الأيام الأخيرة، كثفت روسيا غاراتها الجوية في أوكرانيا.
نيران كثيفة في كييف نتيجة الهجوم الروسي الضخم (أ.ب)
وأعلنت روسيا وأوكرانيا الخميس إنجاز عملية تبادل جديدة لأسرى حرب، في أحدث خطوة ضمن إطار اتفاق توصلتا إليه خلال مفاوضات جرت مؤخراً بينهما في إسطنبول. وقال الرئيس الأوكراني عبر «تلغرام»: «اليوم، يعود جنود من القوات المسلحة والحرس الوطني وحرس الحدود إلى ديارهم». وقال الجيش الروسي من جانبه: «أُعيدت مجموعة من العسكريين الروس من الأراضي التي يسيطر عليها نظام كييف»، من دون أن تحدد كييف أو موسكو عدد الأسرى الذين تم تبادلهم.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ 26 دقائق
- عكاظ
المرشد الإيراني يُعين موسوي رئيساً لهيئة الأركان وباكبور قائداً للحرس الثوري
أفاد التلفزيون الإيراني بأن المرشد الإيراني علي خامنئي عيّن اليوم (الجمعة) قادة عسكريين في عدة مواقع، خلفاً للقادة الذين قُتلوا في الضربات الإسرائيلية على طهران، حيث عيَّن المرشد الإيراني اللواء عبد الرحيم موسوي رئيساً لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية خلفاً للفريق محمد باقري. وأفادت وكالة مهر الإيرانية بأنه عقب مقتل باقري أصدر خامنئي مرسوماً بتعيين موسوي رئيساً لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة. كما أصدر خامنئى قراراً بتعيين اللواء محمد باكبور قائداً عاماً للحرس الثوري الإيراني، وذلك عقب مقتل الفريق حسين سلامي، ومنحه في الوقت نفسه رتبة «اللواء». كما قرر تعيين العميد علي شادماني قائداً لمقر «خاتم الأنبياء» المركزي في الجيش الإيراني. وكان خامنئي عيَّن «بشكل مؤقت» صباح الجمعة حبيب الله سياري قائداً مؤقتاً للأركان العامة للجيش الإيراني واللواء أحمد وحيدي قائداً للحرس الثوري. وأفاد مصدران بمقتل ما لا يقل عن 20 من كبار القادة الإيرانيين، بمن فيهم رئيس القوة الجوية للحرس الثوري في الهجوم الإسرائيلي. أخبار ذات صلة


الشرق السعودية
منذ 27 دقائق
- الشرق السعودية
إسرائيل وإيران.. سياق سياسي مضطرب قبل هجمات غير مسبوقة
بلغت عقود من التحذيرات الإسرائيلية ضد البرنامج النووي الإيراني والاستعدادات للعمل العسكري لإحباطه، ذروتها في وقت مبكر من الجمعة بشن إسرائيل هجوماً كبيراً على إيران، حيث ضربت مواقع نووية ومنشآت عسكرية وقواعد صاروخية واستهدفت قيادات عسكرية عليا. وكان توقيت الهجوم لافتاً للغاية، فقد تزامن مع انخراط طهران في مفاوضات مباشرة مع واشنطن بشأن برنامجها النووي، حيث كان يرتقب أن تنعقد جولة جديدة من المحادثات بين مبعوث إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ستيف ويتكوف، ونظرائه الإيرانيين الأحد في عُمان، فيما لا يُعرف ما إذا كانت طهران سترسل وفداً إلى المحادثات أم ستغيب. كما تأتي الضربة الإسرائيلية على إيران في وقت حذّرت فيه دول أوروبية طهران على "تصرفاتها النووية غير المسؤولة"، في حين ردّ المسؤولون الإيرانيون بأنهم سيعملون على تسريع وتيرة التحول النووي، وتراكمت الإشارات التي تشير إلى ضربة وشيكة محتملة، إلى جانب تحذيرات من أن إسرائيل قد تكون قد هيأت فعلاً كل ظروف هذه الضربة، بدون دعم أميركي. ولطالما سعت إسرائيل بشكل متزايد إلى إظهار قدرتها على التحرك بمفردها، فيما أبلغ مسؤولون إسرائيليون نظراءهم الأميركيين أن إسرائيل مستعدة لضرب إيران. وعندما سُئل ترمب عن قرب ضربة إسرائيلية، قال: "لا أريد أن أقول إنها وشيكة، لكن يبدو أنها أمر وارد جداً". وبعد ساعات أطلقت إسرائيل عشرات الغارات الجوية على مناطق واسعة من إيران، محققةً مفاجأة تكتيكيةً بسلسلة مدمرة من الضربات التي أودت بحياة كبار الجنرالات الإيرانيين وعلماء نوويين رئيسيين، وضربت مواقع مرتبطة بالبرنامج النووي للبلاد. وفي سياق منفصل، صرّح وزير الخارجية ماركو روبيو الجمعة، بأن الولايات المتحدة لم تكن متورطة في الضربات، وأن تل أبيب تصرفت بشكل منفرد. وكانت الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى قد حذرت بالفعل من هجوم إسرائيلي مماثل على إيران، مما أعاد إشعال التوترات في الشرق الأوسط. فكيف وصلنا إلى هذا؟ مفاوضات نووية لأشهر، دأب الرئيس الأميركي دونالد ترمب على الإشارة إلى رغبته في منح الدبلوماسية فرصة للنجاح قبل أي لجوء إلى القوة العسكرية، وكان من المقرر أن يكون اجتماع الأحد المقرر في مسقط، خطوة أخرى في رحلة محفوفة بالمخاطر. في أبريل الماضي، بدأت الولايات المتحدة وإيران محادثات نووية رفيعة المستوى، بوساطة عُمان. وكان هذا أول تواصل بين البلدين منذ ما يقرب من سبع سنوات، عندما انسحب الرئيس دونالد ترمب من الاتفاق النووي المبرم في عام 2015. فرض اتفاق 2015 قيوداً على البرنامج النووي الإيراني، مما جعل من المستحيل على البلاد إنتاج قنبلة نووية، مقابل رفع معظم العقوبات الأميركية والدولية المفروضة عليها. لكن ترمب انسحب من الاتفاق مع القوى العالمية في عام 2018، وأعاد فرض عقوبات شلت الاقتصاد الإيراني. وردت طهران بعد عام بانتهاك القيود النووية التي فرضها الاتفاق. في مارس 2025، وبعد توليه الرئاسة لولاية ثانية، قال ترمب إنه كتب رسالة إلى إيران، يحثها فيها على بدء محادثات بشأن منع تطوير الأسلحة النووية وإلا واجهت عملاً عسكرياً محتملاً. ورداً على ذلك، رفضت إيران مطالب ترمب المتعلقة بالمفاوضات المباشرة، وتركت الباب مفتوحاً أمام مفاوضات غير مباشرة. بعد بضعة أيام، صرّح ترمب للصحافيين في المكتب البيضاوي، بأن واشنطن ستبدأ محادثات مباشرة مع إيران. جاء هذا الإعلان خلال محادثات مع نتنياهو، الذي كان يزور الولايات المتحدة آنذاك. عُقدت الجولة الأولى من المحادثات الأمريكية الإيرانية في 12 أبريل في مسقط، ووُصفت بأنها "بناءة". وركزت المحادثات على "تهدئة التوترات الإقليمية، وتبادل الأسرى، والتوصل إلى اتفاقات محدودة لتخفيف العقوبات مقابل السيطرة على البرنامج النووي الإيراني"، حسبما ذكرت "رويترز". واجتمع مسؤولون أميركيون وإيرانيون للمرة الثانية في 19 أبريل، وهذه المرة في روما. وفي حديثه على التلفزيون الرسمي بعد المحادثات، وصفها وزير الخارجية الإيراني بأنها مفيدة وجرت في جو بناء. ولم يصدر أي تعليق فوري من الجانب الأميركي عقب المحادثات. عُقدت الجولة الثالثة من المحادثات في عُمان مرة أخرى، وتضمنت هذه المرة اجتماعاً فنياً بين خبراء من الجانبين. وقبل يوم واحد فقط من المحادثات، قال ترمب، في مقابلة مع مجلة "تايمز"، إنه "يفضل التوصل إلى اتفاق على إلقاء القنابل". في الأسبوع نفسه، أعلنت واشنطن أيضاً عن عقوبات جديدة تستهدف شبكة النفط الإيرانية، في خطوة وصفتها طهران بأنها "عدائية". وفي سياق منفصل، حذّر وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث إيران من أنها ستواجه عواقب لدعمها الحوثيين. وفي وقت لاحق، أُجّلت الجولة الرابعة من المحادثات، التي كان المقرر عقدها في 3 مايو في روما. ونقلت "رويترز" عن مسؤول إيراني قوله: "العقوبات الأميركية على إيران خلال المحادثات النووية لا تساعد الأطراف على حل النزاع النووي دبلوماسياً". في غضون ذلك، صرّحت عُمان بأنه تم تأجيل المحادثات "لأسباب لوجستية". وفي اليوم نفسه، وفي مقابلة مع قناة "فوكس نيوز"، قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إن على إيران "التخلي" عن تخصيب اليورانيوم وتطوير الصواريخ بعيدة المدى، وعليها السماح للمفتشين الأميركيين بدخول منشآتها. وأضاف روبيو: "إذا كانت لديك القدرة على التخصيب بنسبة 3.67%، فلن يستغرق الأمر سوى بضعة أسابيع للوصول إلى نسبة 20%، ثم 60%، ثم 80 و90% اللازمة لصنع سلاح نووي". اتفاق أم حرب؟ انعقدت الجولة الرابعة من المحادثات الأميركية الإيرانية، مرة أخرى في مسقط في 12 مايو. وعُقد الاجتماع في نفس الأسبوع الذي قام فيه الرئيس ترمب بزيارة الشرق الأوسط، وفقاً لوكالة أسوشيتد برس. وصفت إيران المفاوضات، التي استمرت ثلاث ساعات، بأنها "صعبة ولكنها مفيدة". من ناحية أخرى، قال مسؤول أميركي لوكالة "أسوشيتد برس": "تم التوصل إلى اتفاق للمضي قدماً في المحادثات لمواصلة العمل من خلال العناصر الفنية". بعد ثلاثة أيام، في 15 مايو، أعلن ترمب أن الولايات المتحدة تقترب جداً من إبرام اتفاق نووي مع إيران. وقال خلال جولته الخليجية: "نحن في مفاوضات جادة للغاية مع إيران من أجل سلام طويل الأمد"، حسبما نقلت "رويترز". وأضاف: "نقترب ربما من إبرام صفقة دون الحاجة إلى ذلك... هناك خطوتان للقيام بذلك، إحداهما لطيفة للغاية والأخرى عنيفة، لكنني لا أريد اتباع الطريقة الثانية". ومع ذلك، صرّح مصدر إيراني بأنه في حين أن طهران مستعدة لتقديم ما اعتبرته تنازلات، فإن "المشكلة هي أن أميركا غير مستعدة لرفع عقوبات كبيرة مقابل ذلك". وبصرف النظر عن ذلك، عُقدت الجولة الخامسة من المحادثات بين البلدين في روما في 23 مايو، حيث أُحرز "بعض التقدم، وإن لم يكن حاسماً"، وفقًا للوسيط عُمان. في غضون ذلك، أعلنت إيران أنها تلقت "عناصر" من مقترح أميركي، وصرح وزير الخارجية عباس عراقجي لاحقاً بأن النص يحتوي على "غموض". بعد أيام قليلة من الجولة الخامسة من المحادثات، تعهد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، في خطاب ألقاه بمناسبة ذكرى وفاة قائد الثورة الإيرانية الخميني، بأن طهران لن تتخلى عن تخصيب اليورانيوم، وهو مطلب رئيسي في المقترح الأميركي. وقال: "الاستقلال يعني عدم انتظار الضوء الأخضر من أميركا وأمثالها"، مضيفاً أن المقترح الأميركي "يتعارض تماماً" مع مبادئ الثورة عام 1979. تصاعد التوترات ومنذ ذلك الحين، بدأت حالة من الشد والجذب بين إيران والولايات المتحدة. في 9 يونيو، أعلنت الخارجية الإيرانية أنها ستقدم قريباً مقترحاً بديلاً لما قدمته واشنطن عبر الوسيط العُماني. وذكرت أن المقترح الأميركي لم يتضمن مطلب طهران الرئيسي المتمثل في رفع العقوبات. ولكن على الرغم من الخلاف، صرّح الرئيس ترمب في وقت سابق من هذا الأسبوع باستمرار المحادثات بين البلدين. وقال ترمب للصحفيين في البيت الأبيض، وفقاً لرويترز: "إنهم يطلبون فقط أشياء لا يمكن تحقيقها. لا يريدون التخلي عما يجب عليهم التخلي عنه. إنهم يسعون إلى التخصيب. لا يمكننا السماح بالتخصيب". وأضاف أن إيران كانت الموضوع الرئيسي لمكالمة هاتفية أجراها الاثنين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي. وقال مكتب نتنياهو إن الرئيس أبلغه بأن المحادثات مع إيران ستستمر حتى نهاية الأسبوع. وبعد ذلك بوقت قصير، أعلنت عُمان أن الجولة السادسة من المحادثات الأميركية الإيرانية ستُعقد الأحد. لكن بعد ذلك، شهد يوم 12 يونيو أحداثاً كثيرة. فقد حذر ترمب من احتمال اندلاع "صراع واسع النطاق" في الشرق الأوسط. وقال ترمب، رداً على سؤال من أحد المراسلين حول هجوم إسرائيلي على إيران: "لا أريد أن أقول إنه وشيك، لكن يبدو أنه أمر وارد جداً". في الوقت نفسه، قال الرئيس الأميركي أيضاً، إنه يحث نتنياهو على التريث في اتخاذ أي إجراء في الوقت الحالي، ثم لجأ لاحقاً إلى وسائل التواصل الاجتماعي ليقول إن "الإدارة بأكملها قد تلقت توجيهات بالتفاوض مع إيران". في اليوم نفسه، أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أقوى إدانة لها لإيران منذ عشرين عاماً، قائلةً إن إيران واصلت تخصيب اليورانيوم إلى مستويات قريبة من مستويات الأسلحة، ولم تمتثل لالتزاماتها بمنع الانتشار النووي. وفي أعقاب ذلك، أعلنت إيران أنها شيدت وستُفعّل منشأة تخصيب نووي ثالثة. بعد ساعات قليلة من هذه التطورات، هاجمت إسرائيل أهدافاً نووية إيرانية، وقال نتنياهو إن الضربات ستستمر طالما استغرق الأمر "لإزالة هذا التهديد". وأصر مسؤولو إدارة ترمب مساء الخميس على أن ويتكوف لا يزال يخطط لحضور محادثات الأحد. لكن احتمالية عقد اجتماع مع محاوره الإيراني بدت غير مؤكدة، مع تعهد طهران بالرد على إسرائيل، واتهام بعض المسؤولين الإيرانيين المتشددين لواشنطن بالتواطؤ في الهجوم الإسرائيلي. ولطالما كان احتمال قيام إسرائيل بعمل عسكري ضد إيران مصدر قلق للإدارات الأميركية، التي شاطرت الإسرائيليين قلقهم بشأن الجهود النووية الإيرانية المتنامية واحتمال تمكينها طهران في نهاية المطاف من امتلاك سلاح نووي. وكان أحد المخاوف الرئيسية هو أن الضربات الجوية الإسرائيلية قد تُلحق الضرر بالبرنامج النووي الإيراني دون تدميره، لأن جزءاً كبيراً منه كان مدفوناً ومُشتتاً. قد يسمح ذلك لإيران بمواصلة برنامجها النووي سراً.


الاقتصادية
منذ 27 دقائق
- الاقتصادية
موجة بيع الأصول الأمريكية تفتح المجال لأوروبا واليابان لاستقطاب المستثمرين
تُحدث سياسات الرئيس دونالد ترمب اضطرابا واضحا في الأسواق العالمية، وتقلل من جاذبية الأصول الأمريكية مقارنة بنظيراتها الدولية. وفقا لموقع "بزنس إنسايدر"، تقدم سوق الأسهم مثالا واضحا، فعلى الرغم من تعافي مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" من مخاوف الرسوم الجمركية وتحقيقه أداء إيجابيا، إلا أنه لا يزال متأخرا مقارنة بنظائره في آسيا وأوروبا، ويمثل هذا تحولا عن هيمنة السوق الأمريكي في السنوات الماضية . مدير الاستثمار في منصة "إيه جيه بيل" روس مولد قال "الأسهم الأمريكية تبدو مرتفعة مقارنة بالمعايير التاريخية، ويبدو أن بعض المستثمرين أصبحوا أكثر حذرًا من حيازة أصول مقومة بالدولار خلال ولاية ترمب الثانية". لا تقتصر حملة بيع الأصول الأمريكية على الأسهم، بل تشمل أيضًا الدولار، الذي استقر عند أدنى مستوياته منذ سنوات، وسندات الخزانة التي فقدت جاذبيتها كملاذ آمن، لذا، التفت المستثمرون الساعون وراء عوائد ضخمة إلى أوروبا واليابان. ففي اليابان، تشهد السوق انتعاشا منذ 2023، بينما تعهدت حكومات أوروبية بزيادة الإنفاق، ما عزز التفاؤل تجاه القارة العجوز، عزز هذا الزخم مؤشرات الأسهم، حيث ارتفع مؤشر ستوكس أوروبا 600 ومؤشر داكس الألماني 8% و20% حتى الآن هذا العام، على التوالي. صرح إيمانويل كاو، من بنك باركليز، بأن المستثمرين باتوا أكثر اهتمامًا بأوروبا، خاصة بعد أن دفعت ولاية ترمب الثانية والمتغيرات الجيوسياسية القارة إلى تخفيف القيود المالية وتبني سياسات داعمة للنمو. ألمانيا ثالث أكبر اقتصاد، أعلنت عن خطط إنفاق على البنية التحتية والدفاع بعد سنوات من التقشف، من جهة أخرى، أعلنت شركة بلاكستون، أكبر شركة استثمار خاص عالميًا، خططها لاستثمار ما لا يقل عن 500 مليار دولار في أوروبا خلال العقد المقبل . في الشرق تستيقظ اليابان من سباتها الانكماشي، تشهد الدولة تحولا اقتصاديا بارزا بعد عقود من الركود والانكماش منذ انفجار فقاعة الأصول في التسعينيات، والتي عرفت بـ "العقود الضائعة". خلال تلك الفترة، عانى الاقتصاد الياباني دوامة انكماشية. لكن منذ أبريل 2022، استقر معدل التضخم فوق المستوى المستهدف 2%، وبلغ في مايو 3.6%، ما أسهم في زيادة الأجور وتعزيز الإنفاق المحلي . أشار خبراء في "جلوبال داتا تي إس لومبارد" إلى أن تفاعل الأجور والأسعار حرر الاقتصاد من حقبة الركود، كما أكد راجيف بيسواس الرئيس التنفيذي لمجموعة أبحاث "آسيا والمحيط الهادئ للاقتصاد"، أن تحسن الأوضاع رفع أرباح الشركات، وعزز تدفقات رؤوس الأموال إلى السوق اليابانية، حيث سجّل المستثمرون الأجانب أعلى صافي تدفقات واردة على الإطلاق في أبريل بقيمة 8.21 تريليون ين، وفقًا لبيانات حكومية. لا تزال توقعات اليابان متأثرة بتحديات هذا العام، مثل رسوم ترمب الجمركية وارتفاع الين والتباطؤ العالمي رغم الأداء القوي لسوق الأسهم، حيث سجل مؤشر نيكاي 225 ارتفاع 30% في 2023 و20% في 2024، ويعزز تفاؤل المستثمرين الإصلاحات الاقتصادية، وضعف الين، واستثمارات وارن بافيت، ما أسهم في زيادة عمليات الاندماج والاستحواذ بين الشركات . تثير انتخابات مجلس الشيوخ المقبلة في يوليو مخاوف سياسية لدى بعض المستثمرين، لكن خبراء بنك لومبارد أوديه يرون أن تأثيرها سيكون محدودًا. مع استمرار الإصلاحات واستقرار التضخم، يُتوقع التزام اليابان بسياسات إنفاق متحفظة تعزز ثقة الأسواق وتحد من القلق السياسي .