logo
في ذكرى النكبة.. غزة مقياس العروبة والإسلام والإنسانية

في ذكرى النكبة.. غزة مقياس العروبة والإسلام والإنسانية

فلسطين اليوم٢١-٠٥-٢٠٢٥
فلسطين اليوم
الكاتب: د. محمد الهندي
نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي
حين نتحدّث عن الصراع على فلسطين، فنحن لا نتحدّث عن معركة وطنيّة لشعب محتلّ، بل عن صراع يعكس أهمَّ ملامح المواجهة الحضاريّة مع الغرب.
تمثل "إسرائيل" في هذا الصراع ذراع الغرب وقاعدته المتقدمة للهيمنة على المشرق الإسلامي، وتمثل فلسطين الأمة في بُعدها الحضاري والعَقَدي. صراع له أبعاد حضارية في العقيدة والثقافة والتاريخ، كما في الجغرافيا والسياسة والاقتصاد؛ وله تداعيات مباشرة على أوضاع الأمة وعلاقاتها في المنطقة العربية وخارجها.
بنظرة فاحصة على علاقات "إسرائيل" مع الأقلّيات ومع الدكتاتوريات في المنطقة العربية، ودور "إسرائيل" ولوبياتها في الغرب في التحريض والضغط والمساعدة في قمع محاولات النهوض العربي والإسلامي، ندرك أن الصراع الدائر في فلسطين والمنطقة هو صراع مترابط: الشعب الفلسطيني في الخندق الأول، ولكن في بعض الحالات تكون الخنادق الخلفيّة أكبر تأثيرًا، وأكثر خطورة ودموية.
هناك علاقة جدلية بين ساحات هذا الصراع؛ إذ إن صمود الشعب الفلسطيني، وأي إنجاز يحققه في صراعه المباشر مع العدو الصهيوني بالضرورة ينعكس إيجابًا على دول المنطقة وشعوبها، ويعطي أملًا متجددًا في حتمية الفوز في هذا الصراع.
وأيضًا، فإنّ أية نهضةٍ واستقلالٍ حقيقيّ لأيّ قُطر عربي أو إسلامي، ينعكسان إيجابًا على صراع الشعب الفلسطيني مع "إسرائيل" التي تستهدف إضعاف جميع دول المنطقة، بما فيها الدول المطبّعة معها، حتى تبقى ضعيفة ومرتهنة دون أي تأثير أو نفوذ أو استقلال.
ولأننا نريد لأمتنا أن تنهض، ولفلسطيننا أن تتحرّر، فإننا نرى ضرورة إدراك المتغيرات الكثيفة التي تمرّ بها المنطقة والعالم، حيث هناك أوضاع جديدة وصراعات ممتدة تستلزم استعدادات جذرية في الاستجابة لها، وتعديلات من الدول ومن القوى الشعبية العاملة فيها على السواء، فلم يعد مفهومًا -بعد كل هذه التجارب والمحن- أن تستمر الأنظمة العربية في الارتهان التامّ للأوامر الغربية وللسيّد الأميركي.
وإذا لم يكن مقبولًا في سبعينيات القرن الماضي أن يُقال إن 99% من أوراق اللعبة بيد الولايات المتحدة الأميركية، فكيف تُسلِّم اليوم أنظمة العرب، بعد أكثر من نصف قرن، إرادتَها كاملة لأميركا؟ لقد شكّل موقع فلسطين دينيًا وتاريخيًا وجغرافيًا في قلب الأمة العربية، التي هي قلب العالم الإسلامي، ساحةَ صراع مفتوح مع الغرب.
وفي العصر الحديث، تجسَّد هذا الصراع بإقامة دولة "إسرائيل" التي هي مشروع غربي استعماري بامتياز. لقد كان ضياع فلسطين، وإعلان قيام دولة الصهاينة عام 1948، نتيجة مباشرة للمواجهة المستمرة بين الغرب الاستعماري، والشرق الإسلامي بعد انهيار دولة الخلافة العثمانية، وانهيار النظام السياسي الإسلامي بعد الحرب العالمية الأولى.
إنّ الصراع على فلسطين، الذي له كلّ هذه الأبعاد العَقَدية والثقافية والتاريخية، فضلًا عن أبعاده السياسية والاقتصادية والعسكرية، وما له من تداعيات على المنطقة والعالم، يلخّص صراع الأمة الإسلامية مع الغرب وحضارته، ويُعتبر صورة مصغرة تعكس هذا الصراع وتلخّصه، وإن اختلفت بعض التفاصيل والأولويات.
ويمثل كذلك حالة اختبار لكل الأطراف المشاركة فيه، ويكشف كل الدّعاوى الزائفة لعزل فلسطين عن بُعدها العربيّ والإسلامي.
لقد شكّلت نكبتنا في العام 1948 لحظة فارقة في تاريخ الصراع مع الغرب، فقد نشأت دولة "إسرائيل" على أنقاض فلسطين العربية، وكل التطوّرات اللاحقة، من حروب ومفاوضات ومعاهدات هدنة أو اتفاقات سلام منذ كامب ديفيد، مرورًا بأوسلو ووادي عربة، وصولًا إلى اتفاقات أبراهام حتى يومنا هذا، هي نتائج مباشرة لحرب العام 1948.
إن محاولة فهم ما حدث في العام 1948 وأسباب هذا الانهيار الشامل، تشكّل مدخلًا إجباريًا لفهم التحديات الراهنة في فلسطين والمنطقة.
عربيًا، حصلت الدول العربية على ما يسمّى الاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية ضمن الحدود التي فصّلها المستعمر، وبالطريقة التي أرادها بكل التناقضات ومشاكل الحدود التي تعمّدها، ووفق مصالحه الخالصة، وبعد أن نكث بكلّ وعوده.
أصبح للنخب السياسية العربية التي تشكّلت بعد ما سمّي بالاستقلال، مصالحُ قُطرية تدافع عنها، وأصبحت العروبة شعارات بلاغية زائفة ورنّانة تظهر على منابر المزايدات والخطب، بدل أن تكون دعوة جدية تتحدّى شروط المستعمِر. وقدّم سياسيو العرب مصالحهم ومصالح أقطارهم على أية مصلحة قومية.
وهكذا، فإنّ الدول العربية التي دخلت جيوشها حرب 1948 كان لها حسابات قُطرية مختلفة ومتناقضة، ولم تشارك في الحرب أو تفاوض بعدها بشأن الهدنات مع "إسرائيل" إلا بمفهوم قُطري، بعيدًا عن أية إستراتيجية عربية، أو حتى تنسيق عربيّ شامل.
ظهرت النخب السياسية والثقافية، في معظمها، مشوّهة ومنسلخة عن تاريخها وثقافتها وعقيدة شعبها، ومتنكّرة لها، ومهزومة روحيًا وعقليًا وعلميًا أمام حضارة الغرب المستعمِر وثقافته.
لقد دخل العرب الحرب دون رؤية صائبة، ودون هدف مشترك، ودون خطة عملية موحدة، وبأعداد رمزية، حيث إن مجموع القوات العربية التي يُطلَق عليها جيوشٌ عربية كان أقل من 15 ألفًا، في مقابل العصابات الصهيونية التي كان لها خُطة وهدف وقيادة سياسية وتحالفات دولية، وأعداد بلغت 75 ألفًا، في أقلّ تقدير، من الجنود المدربين.
باختصار، فشلت دول ما بعد الاستعمار المباشر، وفشل زعماؤها السياسيون، وفشل المثقفون في مواجهة تحديات التغيير الذي أعقب الحرب العالمية الأولى، وكان سقوطها مدويًا في أوّل مواجهة لها مع العصابات الصهيونيّة.
بعد 77 عامًا من نكبتنا الأولى في فلسطين، نجد ما يسمى النظام العربي أسوأ حالًا؛ فلا يجرؤ أن يرسل قطرة ماء أو كسرة خبز إلى شعب فلسطين الذي تصنع له "إسرائيل" نكبة جديدة على رؤوس الأشهاد.
قرارات القمم العربية ومناشداتها أقل بكثير من الشعارات التي رفعها زعماء عرب حول الأمة الواحدة الخالدة وحول تحرير فلسطين بعد نكبة 1948.
التسليم التام للإدارة الأميركية التي تحمي إسرائيل وتمدها بآلة الدمار يذكرنا بالطلب من الشعب الفلسطيني بالركون إلى الهدوء؛ استجابةً لوعود صديقتنا حكومة صاحبة الجلالة قبل نكبة 1948.
إنّ الاستسلام الكامل للإملاءات الأميركية وتسليمها مقدرات شعوب الأمة، والرعب من إسرائيل وهرولة البعض إلى التطبيع معها وإشاحة النظر عن الجرائم المروّعة التي يرتكبها العدو في غزة والضفة والقدس، وسياسة التجويع والتطهير العرقي، يبشّر بسقوط مدوٍّ لكل من صمت أو بارك وبرر جرائم العدو، كما حدث لأنظمة نكبتنا الأولى في العام 1948.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

سرايا القدس : استهدفنا قوات الاحتلال المتوغلة شمال وشرق خانيونس
سرايا القدس : استهدفنا قوات الاحتلال المتوغلة شمال وشرق خانيونس

فلسطين اليوم

timeمنذ ساعة واحدة

  • فلسطين اليوم

سرايا القدس : استهدفنا قوات الاحتلال المتوغلة شمال وشرق خانيونس

أعلنت سرايا القدس، الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، اليوم، عن تنفيذ عمليتين نوعيتين ضد قوات الاحتلال خلال توغلها في مناطق متفرقة من مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة. وفي التفاصيل، أكدت السرايا أنها قصفت تجمعات لجنود وآليات الاحتلال المتوغلة في شارع 5 شمال المدينة، مستخدمة قذائف الهاون النظامي من عيار 60 ملم، ما أدى إلى تحقيق إصابات مباشرة في صفوف القوات المستهدفة. وفي عملية ثانية، أفادت السرايا بأنها فجّرت عبوات من نوع "ثاقب" و"الخرقية" في منطقة عبسان الكبيرة شرق خانيونس، ما أسفر عن تدمير آلية عسكرية وجرافة من طراز (D9) تابعة للاحتلال، مشيرةً إلى أن عناصرها انسحبوا بسلام عقب تنفيذ العملية. وتأتي هذه العمليات في ظل استمرار تصاعد المقاومة ضد توغلات الاحتلال، وسط حالة من التوتر الميداني المتزايد في قطاع غزة.

سرايا القدس تعلن تدمير آليتين للاحتلال شرق خانيونس
سرايا القدس تعلن تدمير آليتين للاحتلال شرق خانيونس

فلسطين اليوم

timeمنذ 2 ساعات

  • فلسطين اليوم

سرايا القدس تعلن تدمير آليتين للاحتلال شرق خانيونس

أعلنت سرايا القدس، الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، تمكن مجاهديها من تفجير عبوات ناسفة من نوع (ثاقب – الخرقية)، مستهدفة آلية عسكرية وجرافة من نوع (D9) تابعة لقوات الاحتلال، وذلك في منطقة عبسان الكبيرة شرق مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة. وأكدت السرايا في بيان لها أن هذه العملية تأتي في إطار الرد على العدوان المتواصل ضمن معركة طوفان الأقصى، مشيرة إلى أن العبوات المستخدمة كانت مزروعة بشكل مسبق وتم تفجيرها لحظة مرور الآليات في المنطقة المستهدفة. وتواصل المقاومة تنفيذ عمليات نوعية تستهدف تحركات الاحتلال داخل المناطق الشرقية لقطاع غزة، في ظل استمرار المعارك منذ بدء العملية العسكرية الأخيرة.

عمليات نوعية للمقاومة تكبّد الاحتلال خسائر كبيرة بغزة
عمليات نوعية للمقاومة تكبّد الاحتلال خسائر كبيرة بغزة

فلسطين اليوم

timeمنذ 4 ساعات

  • فلسطين اليوم

عمليات نوعية للمقاومة تكبّد الاحتلال خسائر كبيرة بغزة

في ظل استمرار العدوان على قطاع غزة، صعّدت فصائل المقاومة الفلسطينية من عملياتها الميدانية، عبر تنفيذ سلسلة هجمات نوعية استهدفت آليات عسكرية وتجمعات لقوات الاحتلال، ما أدى إلى تكبيدها خسائر بشرية ومادية فادحة في مناطق متفرقة من القطاع. سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، قالت إنها نفّذت، بالتعاون مع كتائب القسام، مهامًا ميدانية فجر الجمعة الماضي (11 تموز/يوليو 2025)، شرق مدينة غزة، ردًا على انتهاكات الاحتلال بحق المدنيين. وأوضحت أن وحدة الهندسة التابعة لها فجّرت عبوة ناسفة من نوع "ثاقب" عند الساعة الواحدة فجرًا، ما أدى إلى تدمير دبابة "ميركافا 4" بشكل كامل، واحتراقها وسقوط قمرة القيادة. وبعد ساعات، استهدفت المقاومة جرافة عسكرية من نوع (D9) قرب مقبرة البطش، مستخدمة عبوة برميلية تعمل بنظام المسطرة الميكانيكية، ما تسبب في تدمير الجرافة وشلّ حركتها. كما وثّقت وحدات الرصد في السرايا هبوط طائرات الاحتلال في موقع العمليتين، لإخلاء القتلى والجرحى، ما يعكس حجم الخسائر التي تكبدها الاحتلال خلال هذه المهمات. وفي تطوّر ميداني لافت، أعلنت كتائب القسام عن تنفيذ قصف بقذائف الهاون استهدف تجمعات لجيش الاحتلال غرب مفترق مرتجى بمنطقة معن جنوب مدينة خانيونس. وفي عملية أخرى شمال المدينة ذاتها، استهدفت الكتائب ناقلة جند من نوع "نمر" يعتليها أحد جنود الاحتلال، بقذيفة "الياسين 105" قرب مفترق "شارع 5" مع السطر الغربي، ما استدعى تدخلًا مباشرًا للطيران المروحي لتنفيذ عملية إخلاء عاجلة للجندي المستهدف وسط حالة من الاستنفار الأمني. وأكّدت القسام أن هذه العمليات تأتي ضمن سلسلة هجمات نوعية ضد أهداف عسكرية للاحتلال، كردّ على المجازر والانتهاكات بحق المدنيين، مشيرة إلى استعدادها الميداني والاستخباراتي لرصد تحركات الاحتلال والتعامل معها بدقة. وفي سياق ميداني متواصل، كشفت سرايا القدس عن تنفيذ عملية نوعية يوم الأربعاء الماضي، في منطقة عبسان الكبيرة شرق مدينة خانيونس، حيث فجّرت عبوة ناسفة من نوع "ثاقب – الخرقية" مستهدفة آلية عسكرية قرب مسجد أسامة بن زيد، ما أدى إلى تدميرها بالكامل. وأعقب ذلك اشتباكٌ مسلّحٌ مع وحدة هندسية إسرائيلية كانت تعمل قرب الموقع، استخدمت فيه السرايا الأسلحة المتوسطة، مؤكدةً وقوع إصابات مباشرة في صفوف القوة المستهدفة. وأفادت السرايا أن قوات الاحتلال استخدمت الطيران المروحي لتقديم الإسناد الجوي وإجلاء القتلى والمصابين، وسط تحليق مكثف في أجواء المنطقة عقب العملية. ويأتي هذا التصعيد وسط مخاوف من اتساع رقعة المواجهات في القطاع، في حين يلتزم الاحتلال الصمت حيال خسائره الميدانية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store