
ما مفاعيل رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن سوريا؟
بقلم د. ابراهيم العرب
في خطوة مفاجئة من الرياض، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعد مشاورات مطوّلة مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، عن قرارٍ تاريخي يقضي برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا. ولم يكد الحبر يجفّ على هذا الإعلان حتى بادر مجلس الاتحاد الأوروبي في بروكسل إلى اتخاذ خطوة مماثلة، فأعلن رفع جميع العقوبات الأوروبية المفروضة على دمشق، بما فيها التجميد المالي وحظر التصدير والاستثمار. هذا التحول الجذري في السياسة الغربية تجاه سوريا جاء في لحظة إقليمية حساسة، ليعيد رسم ملامح الاقتصاد السوري ويطرح تساؤلات واسعة حول جدوى الانفتاح الاقتصادي وقدرته على إنقاذ دولة أنهكتها الحرب والعزلة لسنوات. إذ لم تعد سوريا وحيدة في سعيها لاستعادة عافيتها، بل باتت أمام تحدٍ مزدوج: إحياء اقتصاد مدمّر ومعالجة جراح اجتماعية وسياسية عميقة.
أولاً: كسر الحصار المالي وإعادة الاندماج العالمي
منذ تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب عام 1979، وتجدد الحظر بإعلان قانون 'قيصر' في منتصف 2020، وجدت البلاد نفسها معزولة عن النظام المالي العالمي. هذه العقوبات حدّت من قدرتها على إجراء التحويلات الدولية واستيراد الأدوية والمعدات الطبية والتجارة عبر البنوك ذات السمعة العالمية. لذا، فإنّ رفع العقوبات اليوم، أميركياً وأوروبياً، يتيح لسوريا إعادة ربط اقتصادها بشبكات السويفت الدولية، واستعادة الثقة بالمعاملات المالية، ما انعكس فوراً بارتفاع أسعار الليرة مقابل الدولار واليورو بأكثر من 16% خلال ساعات. كما بات بإمكان البنوك الأوروبية، التي كانت الأكثر تحفظاً، إعادة فتح قنوات تمويل وتحويل مباشر نحو القطاعين العام والخاص في سوريا، مما يعزز تدفق الاستثمارات، خاصة في القطاعات الحيوية. غير أن هذا الانفتاح الجديد مشروط بإجراء إصلاحات داخلية شاملة، أبرزها تحديث النظام المصرفي، وضبط عمليات مكافحة غسيل الأموال، ومحاربة الفساد الإداري والمالي الذي استشرى خلال سنوات الحرب.
ثانياً: إعادة الإعمار بين الطموح والتحديات
تقدّر الأمم المتحدة تكلفة إعادة إعمار البنية التحتية السورية بنحو 400 مليار دولار، موزّعة على قطاعات الطرق والجسور والمستشفيات والمدارس وشبكات المياه والكهرباء. لذلك، باتت السوق السورية هدفاً لشركات عالمية كـ Siemens و Bechtel و Vinci ، بل إن بعض الشركات الخليجية بدأت تدرس الدخول في تحالفات مع شركات غربية لضمان وصول سلس إلى المناقصات. وقد أدى رفع العقوبات الأوروبية إلى تحرّر الشركات الأوروبية من القيود التي كانت تمنعها من دخول السوق السورية، لا سيما في مجالات الطاقة والإعمار. ومع ذلك، يظل الطريق محفوفاً بعقبات عدة: أولها غياب إطار قانوني واضح لتسوية ملكية الأراضي المدمرة والحفاظ على حقوق الأهالي، وثانيها التنافس الجيوسياسي المتصاعد بين روسيا والصين والدول الأوروبية والخليجية، فضلاً عن مناخ عدم اليقين الأمني في بعض المناطق. إضافةً إلى ذلك، لا يزال الفساد عائقاً رئيسياً قد يحول دون تنفيذ المشاريع بالشكل المخطط له ويُفرغ الكثير من جهود الإعمار من مضمونها التنموي.
ثالثاً: إنعاش القطاعات الحيوية وسط حسابات معقدة
يفتح رفع العقوبات الباب أمام إعادة تشغيل بعض القطاعات الحيوية التي كانت شبه متوقفة:
النفط والغاز: مع احتياطي يُقدّر بنحو 2.5 مليار برميل، تحتاج دمشق إلى شراكات مع شركات عالمية مثل Total Energies و Gazprom لإدارة الحقول واستخراج الخام. وقد يسمح الانفتاح الأوروبي بعودة شركات النفط الأوروبية التي انسحبت سابقاً لأسباب قانونية وأمنية. لكن سيطرة قوات 'قسد' على الحقول الشرقية تزيد من تعقيد الخريطة النفطية والسياسية.
الزراعة: تعد سوريا من المنتجين التقليديين للقمح والقطن والزيتون، وإعادة تأهيل شبكات الري وتحديث البذور يمكن أن يعيدها إلى مصاف كبار مصدري القمح في المنطقة. غير أن تحديات التغير المناخي ونقص المياه تشكل عقبة، فضلاً عن الحاجة إلى بنية لوجستية حديثة للتصدير.
الصناعة والسياحة: يعول بعض الخبراء على استفادة المنشآت الصناعية المتوقفة من وصول التكنولوجيا والتجهيزات الجديدة. كذلك، يمكن لاستعادة المواقع الأثرية والتاريخية في تدمر وحلب القديمة وحمص، في حال تأمّن الاستقرار الأمني، أن تجذب السياح مجدداً، لا سيما من أوروبا التي لطالما شكّلت نسبة وازنة من السياحة الثقافية إلى سوريا.
رابعاً: تحسين معيشة السوريين… ومخاوف من غياب العدالة
من المتوقع أن ينعكس رفع العقوبات إيجابياً على حياة السوريين اليومية، عبر تدفق السلع الأساسية إلى الأسواق، وانخفاض الأسعار، وتوفر فرص عمل في مشاريع الإعمار والبناء. كما قد تشجع بيئة الاستثمار الجديدة عودة الكفاءات المهاجرة إلى وطنها. ولكن تبقى المخاوف قائمة من أن تستحوذ النخب الحاكمة والفاعلون السياسيون على معظم عائدات النمو، مما يزيد الفجوة بين المناطق الغنية ذات النفوذ وتلك المهمّشة. وهنا يبرز سؤال جوهري حول مدى قدرة الحكومة على ضمان توزيع عادل للفوائد وتطبيق نظام ضريبي شفاف يعيد توزيع الثروة ويعالج التفاوت الاجتماعي؟
خامساً: تمكين السلطة الجديدة… في ظل توازنات دقيقة
جاء قرار رفع العقوبات في ظل تغيير سياسي مهّد لسقوط نظام بشار الأسد وتولّي الرئيس أحمد الشرع مقاليد الحكم. وتكتسب السلطة الجديدة أدوات إضافية لترسيخ الاستقرار وبناء الثقة مع جميع مكوّنات المجتمع، لا سيما في الشمال الشرقي والسويداء حيث يتوزّع النفوذ بين مجموعات عشائرية وإدارية. بيد أن نجاح هذه الحكومة يعتمد على مدى التزامها بخارطة طريق للإصلاح السياسي تشمل انتخابات حرة ونزيهة، ومصالحة وطنية تضمن مشاركة حقيقية لكل الأطراف بعيداً عن منطق 'القوة الغالبة'.
سادساً: حدود القرار الأميركي والأوروبي وتعقيدات الشرعية الدولية
رغم إعلان ترامب عن القرار، فإن رفع كامل العقوبات يتطلب موافقة الكونغرس على تعطيل بعض بنود قانون 'قيصر'، الأمر الذي قد يستغرق أسابيع أو أشهر. أما في أوروبا، فرغم القرار الموحد برفع العقوبات، فإن بعض الدول مثل ألمانيا والسويد قد تربط عودة العلاقات الكاملة بمستوى التزام الحكومة السورية الجديدة بملفات حقوق الإنسان. كما أن التنافس التركي-الخليجي والأوروبي-الروسي قد يشكّل شبكة معقّدة من الضغوط المتبادلة التي تؤثر على مسارات التمويل والإعمار.
ختاماً: نافذة تاريخية… ولكن بشروط
إن رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن سوريا يصنع نافذة تاريخية لإعادة الحياة إلى اقتصاد جريح، لكنه ليس نهاية المعركة. فالنظام المالي الدولي قد يفتح أبوابه، ولكن الحواجز الداخلية من فساد وسيطرة مصالح خاصة وتصلّب سياسي لا تزال قائمة.
لذا، فإنّ أمام دمشق اليوم خياران: إما أن تتحول إلى ورشة إعمار حقيقية ومشروع مصالحة وطنية يضمن وحدة واستقرار المجتمع، أو تظل رهينة لعبة الأمم وساحات صراع النفوذ، مستمرة في دورة من الأزمات دون مخرج واضح. وهذه فرصة لا تتكرر كثيراً، وقد تكون الشرارة التي تعيد بناء سوريا من تحت الأنقاض، إذا ما التقطتها الأيادي الشفافة والإرادة الوطنية الصادقة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


تيار اورغ
منذ 30 دقائق
- تيار اورغ
ترامب يطلق درعاً صاروخية باسم "القبة الذهبية".. "تحبط أي هجوم من الفضاء"
كشف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن خطط بناء درع صاروخية باسم "القبة الذهبية"، بهدف حماية الولايات المتحدة من هجمات خارجية، مؤكدا أنها ستوضع في الخدمة بنهاية ولايته الثانية. وقال ترامب في البيت الأبيض: "خلال الحملة الانتخابية وعدت الشعب الأميركي بأنني سأبني درعا صاروخية متطورة جدا" مضيفا: "يسرني اليوم أن أعلن أننا اخترنا رسميا هيكلية هذه المنظومة المتطورة". وأوضح أن الكلفة الإجمالية للمشروع تصل إلى "حوالي 175 مليار دولار" عند إنجازه، وأن القبة "ستكون مصنعة في أميركا بالكامل". وذكر الرئيس الأميركي أن الهدف من بناء الدرع الصاروخية هو "مواجهة أي ضربات بعيدة المدى"، و"حماية سمائنا من الصواريخ الباليستية". وشدد على أن "القبة الذهبية ستحبط أي هجوم صاروخي ولو كان من الفضاء". واعتبر ترامب أن "القبة الذهبية استثمار تاريخي في أمن أميركا والأميركيين". وكشف ترامب أن الجنرال مايكل جويتلاين، نائب رئيس سلاح الفضاء، سيقود المشروع. ومن جانبه، أعلن وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث أن "القبة الذهبية ستغير قواعد اللعبة لصالح أميركا". وفي نهاية يناير (كانون الثاني)، وقّع ترامب مرسوما لبناء "قبة حديدية أميركية"، تكون وفق البيت الأبيض درعا دفاعية متكاملة مضادة للصواريخ لحماية أراضي الولايات المتحدة. وكانت روسيا والصين وجّهتا انتقادات لذلك الإعلان الذي رأت فيه موسكو مشروعا "أشبه بحرب النجوم"، في إشارة إلى المصطلح الذي استُخدم للدلالة على مبادرة الدفاع الاستراتيجي الأميركي في عهد الرئيس رونالد ريغان إبان الحرب الباردة. وتسمية "القبة الحديدية" تم إطلاقها على واحدة من المنظومات الدفاعية الإسرائيلية التي تعمل ضد هجمات صاروخية أو بمسيّرات. وهذه المنظومة اعترضت آلاف الصواريخ منذ دخولها الخدمة في العام 2011. ويبلغ معدّل اعتراضها لأهدافها نحو 90 بالمئة، وفق شركة رافائيل الإسرائيلية للصناعات العسكرية التي شاركت في تصميمها. وفي بادئ الأمر، طوّرت إسرائيل بمفردها "القبة الحديدية" بعد حرب عام 2006 مع حزب الله اللبناني، لتنضم إليها لاحقا الولايات المتحدة التي قدّمت خبرتها في المجال الدفاعي ودعما ماليا بمليارات الدولارات. وكان ترامب قد أشار بالفعل إلى هذا المشروع خلال حملته الانتخابية، لكن خبراء يؤكدون أن هذه الأنظمة مصمّمة في الأصل للتصدي لهجمات تشنّ من مسافات قصيرة أو متوسطة، وليس لاعتراض صواريخ بعيدة المدى قادرة على ضرب الولايات المتحدة.


IM Lebanon
منذ 33 دقائق
- IM Lebanon
تحسينات في المطار وطريقه لمواكبة الموسم السياحي
جاء في 'الأنباء الكويتية': يسابق لبنان الرسمي بوزاراته ومؤسساته المعنية الوقت قبل بدء موسم السياحة لإحداث تغييرات نوعية على طريق مطار بيروت والمطار في آن معا. تغييرات علمت «الأنباء» أنها ستبدو جلية اعتبارا من مطلع يوليو المقبل، حيث سيشعر الواصلون إلى لبنان والمغادرون بأن أوتوستراد المطار يبدو وكأنه في عاصمة أوروبية. وللغاية، تنشط الأشغال والأعمال لتأهيل الطريق وتصل الليل بالنهار لإنجاز المهمة، وهي تجري على امتداد ثمانية كيلومترات حتى وسط بيروت، بعمليات تزفيت وتأهيل للحواجز الوسطية والإضاءة والأشجار عند جانبي الأوتوستراد وكذلك إشارات المرور. وبحسب معلومات «الأنباء»، فإن هذه الورشة التي تتابعها وزارة الأشغال والنقل بدقة، مولتها شركة طيران الشرق الأوسط وكلفتها 5 ملايين دولار. وفي المعلومات الخاصة أيضا، أن ثمة مشروعا للدفع بألف عربة جديدة لنقل الحقائب، إضافة إلى استحداث مصعد كهربائي بدلا من الدرج لاستخدامه لدى الخروج من بوابة الجهة الشرقية لقاعات المطار. وقال مصدر مسؤول في مطار بيروت لـ «الأنباء»: «تشير التوقعات إلى أن عدد الواصلين إلى المطار قد يتخطى في الصيف الـ 16 ألفا في اليوم مقابل 16 ألف مغادر. وثمة أعداد كبيرة من المغتربين والسياح العرب راغبة في المجيء». وأضاف: «أمام احتمال تخطي أعداد المسافرين طاقة المطار الاستيعابية وحصول ازدحام كبير، يتم التفكير منذ اليوم بكيفية مواجهة مثل هذا الواقع عبر ترتيبات تنظيمية في أكثر من نقطة، ولاسيما نقطة الأمن العام التي غالبا ما تكون أكثر نقطة مزدحمة، لذا فإن تنظيمها وتخفيف الضغط عنها مهمان جدا، لأنه بمجرد عبور هذه النقطة، يصبح المسافر في السوق الحرة وعند نقطة البوابات والمطاعم».


IM Lebanon
منذ 33 دقائق
- IM Lebanon
الحد الأدنى لا يجب أن يقلّ عن 900 دولار
كتب فؤاد بزي في 'الأخبار': يومياً تتكشّف وقائع جديدة عن الذلّ الذي يتعرّض له العمال في لبنان. ففيما اكتفى وزير العمل محمد حيدر بالاتفاق مع أصحاب العمل على زيادة الحدّ الأدنى للأجور إلى 312 دولاراً، وألا تكون هناك أي زيادة على الشطور، كشف تقرير لمنظمة «Save the children» أنّ ثلث الأسر مصنّف في «مرحلة الأزمة أو الطوارئ» لجهة الأمن الغذائي، ما يحتّم زيادة الحدّ الأدنى إلى 900 دولار بحسب الباحث كمال حمدان. مشهد سوداوي يخيّم على الوضع المعيشي في لبنان، فيما يتلهّى وزير العمل مع أصحاب العمل بتسويات وصفقات، ترفض البحث في زيادة غلاء المعيشة لتكريس قواعد السوق القاضية بأن التنافس هو دليل خير وعافية حتى لو كانت تعني أن واحداً من بين كل المجموعة سيجد عملاً وسيكون لديه دخل. فقد خلصت لجنة المؤشّر في ثاني اجتماع برئاسة وزير العمل، إلى اتفاق مع أصحاب العمل على رفع الحدّ الأدنى للأجور بقيمة 10 ملايين ليرة، ما يجعل قيمته النهائية بعد الزيادة مساوية لـ 312 دولاراً شهرياً. في الوقت نفسه، أصدرت منظمة «Save the children» استطلاعاً يشمل 4099 أسرة موزعة على مختلف المحافظات باستثناء محافظتَي الشمال وعكار. وتركز العدد الأكبر من الأسر المستطلعة في محافظة البقاع بنسبة 34%، تليها جبل لبنان بنسبة 27%، وصولاً إلى لبنان الجنوبي بنسبة 13%. وخلص الاستطلاع إلى أنّ 66% من الأسر تواجه تحديّات في الوصول إلى نوعية جيّدة من الغذاء، وتركزت هذه المشكلة بشكل أساسي في منطقة بعلبك الهرمل، حيث لم تتمكن 11% من الأسر من الحصول على الغذاء الكافي لقوت يومها. وأبلغت 33% من الأسر أنها تمر في مرحلة طوارئ غذائية، بينما أبلغ 62% من الأسر عن انقطاع في الدخل، وفقد 56% من أرباب الأسر المتضررين من العدوان الإسرئيلي، أعمالهم، وخسر 41% منهم مصادر رزقهم. وعلّلت 64% من الأسر المستطلعة سبب الصعوبة في تأمين الغذاء إلى عدم قدرتها على تحمل كلفة المواد الغذائية، إذ اعتبرته «العائق الرئيسي أمام الحصول على الطعام». وأبلغت 11 أسرة فقط، عن وجود مصادر دخل كافية لديها لتلبية احتياجاتها دائماً، فيما أبلغ 2273 أسرة، أي 55% من المستطلعين، عن «عدم كفاية مصادر الدخل في الكثير من الأحيان». هنا تبرز مشكلة تحديد الحدّ الأدنى للأجور بشكل أكثر وضوحاً، فالسلّة الأساسية للبقاء على قيد الحياة لعائلة من 5 أفراد، والمكوّنة من مواد غذائية وغير غذائية، تبلغ قيمتها 450 دولاراً، وفقاً لبرنامج الغذاء العالمي. وفي الوقت نفسه، لن يتجاوز الحدّ الأدنى للأجور في حال إعادة النظر فيه في مجلس الوزراء 312 دولاراً شهرياً، ما يعني بأنّ العجز لدى العامل الذي يتقاضى الحدّ الأدنى للأجور سيبلغ 138 دولاراً شهرياً، وهذا من دون احتساب تكلفة إيجار المنزل، والنقل اليومي، والتعليم، والطبابة. وفي هذا الإطار، لفت الباحث كمال حمدان بأنّ تقديرات الحدّ الأدنى للأجور لا يجب أن تكون أقل من 900 دولار شهرياً، لا سيّما بعد احتساب كلفة النقل والكهرباء والتعليم، فضلاً عن كلفة تأمين الحدّ الأدنى من الطعام اللازم للبقاء على قيد الحياة. وحول طريقة احتساب الحدّ الأدنى، لفت حمدان إلى افتقار البلد إلى دراسات وأرقام كافية تكفي للوصول إلى مخرجات واضحة. فمتوسط عدد العاملين في الأسرة يصل إلى 1.3 شخص. وللوصول إلى حدّ أدنى واضح لا يمكن البناء على ما كان قبل الانهيار عام 2019، يجب احتساب متوسط حجم الأسرة، والسعرات الحرارية اللازمة للبقاء على قيد الحياة، وكل أكلاف العيش الأخرى من مأوى وملبس ومشرب وكهرباء، ثمّ تقسّم النتيجة على متوسط عدد أفراد الأسرة لمعرفة كلفة الفرد الواحد، ويكون عندها الحدّ الأدنى للأجور هو حاصل متوسط عدد أفراد الأسرة مضروباً بتكلفة تأمين السلّة الأساسية من الغذاء، والمواد الأخرى اللازمة للبقاء على قيد الحياة. لذا، لا يمكن الاعتماد فقط على المفاوضات بين النقابات التي تزعم أنها تمثّل العمال، وبين أرباب العمل الذين يشكّلون جزءاً تاريخياً من السلطة ويبغون الربح الكبير دائماً، للوصول إلى تعديل الحدّ الأدنى للأجور. فعلى أهمية المفاوضات، بحسب حمدان، يجب الاستناد إلى العلوم والإحصاءات لمعرفة كلّ المؤشرات الاقتصادية، ولا سيّما نسب التضخم، ووضع العملة المحليّة، وإنتاجية الاقتصاد. لأنّ البرجوازية تحاول دائماً اللجوء إلى المفاوضات لخفض سقف الحدّ الأدنى للأجور، وفي هذا السياق تستخدم العلوم لمصلحتها بشراء ولاءات الناس. بالنسبة إلى حمدان، لبنان بلد أهدر عشرات المليارات من الدولارات ويقف على زيادة 50 دولاراً للعمال. محدودية الحصول على الخدمة الصحية 96% هي نسبة الأسر غير القادرة على الوصول إلى رعاية صحية أساسية، علماً أنه بحسب استطلاع «Save the children» فإن 4% من الأسر فقط قادرة على الوصول الكامل إلى الرعاية الصحية. وتفسّر الأسر الموانع الرئيسية أمام وصولها إلى الرعاية الصحية، بعدم قدرتها المادية على تحمل رسوم المستشفى بنسبة 95%، فيما يقول 23% من الأسر أن السبب يعود إلى ارتفاع كلفة النقل من المراكز الطبية وإليها. كذلك، لم تتمكن 19% من الأسر من شراء ما تحتاج إليه، والسبب يكمن في عدم قدرتها على تحمّل كلفة الأدوية بنسبة وصلت إلى 99%. 14% هي نسبة الأسر غير القادرة على تأمين مياه شرب نظيفة 57% من الأسر غير قادرة على تأمين مواد التنظيف الأساسية 60% من الأسر تواجه مشكلات في تأمين شراء اللوازم المدرسية