
بهرجة العيد وعدوانية القتل في غزة… هل يستويان مثلا؟
كي نُثبت أن لدينا ضميرا فليس لنا من خيار، سوى أن ننظر إلى هذه الأجساد الفلسطينية المقطعة الأوصال من مختلف الأعمار، وهذه الدماء الجارية منذ أكثر من عام ونصف العام، ونقارن بين معاني العيد، وكل معاني المأساة المقبلة من أرض فلسطين. وهنا لا بد من أن يقف كل واحد منا أمام ضميره، كي نتأكد من عمق الندوب المادية والمعنوية، التي تركها هذا المشهد في دواخلنا، فكلما كانت هذه الندوب أعمق، فإن انتقالك إلى حالة الرد الإيجابي والتفاعل الفعال مع المأساة الكارثية في غزة ستكون مؤكدة. وكلما كانت سطحية فهي كفيلة بإبقائك في حالة التأثر اللحظي والتعبير الآني، الذي يدفعك لتغيير المشهد البصري، الذي تراه في غزة عبر شاشة التلفزيون الذي تجلس أمامه، إلى مشهد العيد الذي بات متعارفا عليه في إقامة حفلات الغناء والطرب والرقص، الممتدة على طول الوطن وعرضه.
كما أننا كي نُبرهن على أن ذواتنا وعشائرنا وقبائلنا ومجتمعاتنا ودولنا، ما زالت مُقيدة في سجل الإنسانية، فلا بد لنا من أن نتلمس شغاف قلوبنا، إن كان قد علاها الصدأ، فأعمت بصائرنا عن رؤية الحقيقة والحق، حتى بات الاستنكار والتنديد الصامت هو أعلى قمة جبل اعتراضنا على مشاهد الدمار المادي والمعنوي، وذلك أضعف الإيمان، أم ما زالت نابضة بالحياة وتمتلك مناعتها المضادة ضد الخنوع والخوف والترهيب والقتل، فنذهب إلى حيث الموقف الذي تتطلبه الحالة الراهنة في غزة. نحن إذن، والحالة هذه، أمام موقفين مختلفين تماما، والسؤال المنطقي هو إلى أي من هذين الموقفين نحن ننتمي؟
منطق الترويع الصهيوني الذي بلغ أقصى مستوياته، إنما هو مقبل علينا جميعا، فهي حرب عنصرية ضروس لا منجاة منها، إلا بإعادة تأهيل أنفسنا كي نكون في مستوى التحدي
إن التفاعل الإيجابي مع الحالة الراهنة والمأساة الكارثية في غزة وعموم فلسطين، والشروع بالمساندة باليد واللسان والعقل والضمير، ليست خيارا لنا نحن العرب والمسلمين اليوم فحسب، بل هي ضرورة تفرضها قيم الدين والإنسانية والدم والتاريخ المشترك، واللغة الواحدة والقومية، خاصة أن الزمن الممتد من السابع من أكتوبر 2023 وحتى اليوم، إنما هو صناعة تاريخ، وليس زمنا عابرا. فيا بؤس من لا يشعر بأهمية وقدسية وشرف ومجد ورفعة هذه اللحظة، فيتوانى عن المشاركة الفعّالة، والذهاب إلى حيث ينبغي له أن يكون، من خلال موقف مادي أو معنوي، يقوده إلى الطريق المُفضي إلى حتمية التاريخ، حيث ينتصر الحق على الباطل، والحضارة على العنجهية، والسلم على العدوانية. عندها يستعيد الناس ذلك اليقين، الذي كانوا يعتصمون به، من أن حقائق الأمور وطبيعة الأشياء تبقى هي الغالبة على مرّ العصور والأزمان. وضمن هذا الإطار فقط يمكن التفاؤل والمراهنة على مستقبل القضية، خاصة أن النماذج التي تفرزها غزة ليست اعتيادية في وقتنا الحاضر، بل هي استنساخ حقيقي لنماذج تاريخية، تجبر كل من ألقى السمع وهو شهيد، على أن ينقاد إليها بوعي كامل وبصيرة مُبصرة. فإذا كانت الخنساء قد استقبلت رفات أبنائها الأربعة، الذين قُتلوا في واقعة القادسية بالقول، الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم، وأرجو من ربي أن يجمعني معهم في مستقر رحمته، فها هي خنساء العرب في العصر الحديث، السيدة آلاء النجار الطبيبة الفلسطينية، تقول بإيمان وتسليم كامل بعد وصول خبر استشهاد أبنائها التسعة، في قصف إسرائيلي على منزلها في غزة، تقول هم أحياء عند ربهم يرزقون. وإذا كان جعفر بن أبي طالب قد قُُطعت يداه في معركة مؤته وظل يقاتل، فقد شاهد العالم بأسره كيف ظل الشهيد يحيى السنوار يُقاتل، رغم يده المقطوعة حتى استشهاده.
يقينا أن الله قد شرّع للناس مواسم فرح وبهجة وسرور، ومنها عيد الأضحى الذي حل علينا مؤخرا، ولم يشرع لهم مواسم للحزن، ومع ذلك فالقيم الدينية تحثنا على أن نكون كالجسد الواحد، كل عضو فيه يتأثر بما يلّمُ بالآخر من سقم وألم. وما يحدث لإخواننا في فلسطين عامة وفي غزة خاصة، ليس ألماً وحسب، بل كارثة بكل معاني الكلمة، وصورة تنداح منها البشاعة بكل مفرداتها، إلى الحد الذي لم يعد أقرب حلفاء وأصدقاء العدو الصهيوني، قادرين على الاستمرار في مداراة مشاعر الصهاينة، والصمت على جرائمهم. لذلك بدأنا نسمع أصوات الاعتراض على استمرار المجزرة الصهيونية بحق أهلنا، تصدر عن سياسيين ألمان وأمريكيين وبريطانيين وغيرهم، كانوا حتى الأمس القريب ينكرون حرب الإبادة الصهيونية. إذن أليس الأجدر بنا نحن أيضا أن نؤطر احتفالنا بالعيد، بقيود ألم أهلنا وفواجعهم بأحبائهم وجوعهم وتهجيرهم، وأن نشاركهم مصابهم الجلل ماديا ومعنويا؟ أليست هذه هي أول وأبسط الثوابت الدينية والإنسانية؟ وإذا باتت هذه الثوابت غائمة وملتبسة وفضفاضة وغائبة لدى أنظمة الحكم القائمة في بلادنا، إلى حد أننا لم نسمع أن بلدا عربيا منع إقامة مهرجانات الغناء في العيد، تضامنا مع أهلنا في غزة، فإن ذلك لا يوجب علينا الانخراط في هذا الوهن والأنانية القاتلة والبلادة المنقطعة النظير. وإذا كان هنالك من ليس مُهتمّا باستحضار قيم المشاركة في المشاعر في أيام المحن، التي دأبت على تأطير علاقاتنا القومية والإنسانية، بفعل ما طاله من ترهل حياتي وأنانية مفرطة، فسوف لن يجد من يقف معه يوما في محنته.
إن استمرار تدفق صور الجوع والدمار والقتل والتهجير المقبلة من غزة، لا بد أن تُظلل على أعيادنا وأيامنا كلها بستار من الألم والحزن الإنساني. فهو الموقف الواجب والضروري، الذي لا خيار لنا فيه، رغم أنه الأضعف من بين المواقف، وعلينا جميعا أن نتذكر عندما يتم إجراء الحساب السياسي والإنساني النهائي، حول كيفية تعاملنا مع هذه الكارثة وعن طبيعة مواقفنا فيها، أفرادا وشعوبا وحكومات، سيكون من الصعب علينا الاختباء من متطلبات حقوق أهلنا في فلسطين علينا. وعندها ستكون القضية الأوسع هي رأس المال القومي ورأس المال الأخلاقي ورأس المال الإنساني، الذي أهدرناه بسبب عدم تضامننا مع أهلنا في غزة، إن كنا ما زلنا نؤمن حقا بهذه القيم.
إن الصدأ الذي ران على نفوس البعض منا، قد أفقدهم خاصية الشعور القومي والإنساني بأهلنا في غزة، وباتوا أصواتا نشازا وبحاجة ماسة إلى إعادة التأهيل، فقد أعمت الأنانية المُفرطة بصائرهم وأبصارهم، ولم يعودوا يعرفون أن المقتلة الدائرة هنالك، إنما هي أيديولوجية صهيونية تتداخل فيها الإقصاءات السياسية بالعنصرية والحضارية، لتقود في النهاية إلى حصول كارثة لا تستثني أحدا منا. كما أن منطق الترويع الصهيوني الذي بلغ أقصى مستوياته على أهلنا، إنما مقبل علينا جميعا، فهي حرب عنصرية ضروس لا منجاة منها، إلا بإعادة تأهيل أنفسنا كي نكون في مستوى التحدي.
كاتب عراقي

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


القدس العربي
منذ 5 ساعات
- القدس العربي
بهرجة العيد وعدوانية القتل في غزة… هل يستويان مثلا؟
كي نُثبت أن لدينا ضميرا فليس لنا من خيار، سوى أن ننظر إلى هذه الأجساد الفلسطينية المقطعة الأوصال من مختلف الأعمار، وهذه الدماء الجارية منذ أكثر من عام ونصف العام، ونقارن بين معاني العيد، وكل معاني المأساة المقبلة من أرض فلسطين. وهنا لا بد من أن يقف كل واحد منا أمام ضميره، كي نتأكد من عمق الندوب المادية والمعنوية، التي تركها هذا المشهد في دواخلنا، فكلما كانت هذه الندوب أعمق، فإن انتقالك إلى حالة الرد الإيجابي والتفاعل الفعال مع المأساة الكارثية في غزة ستكون مؤكدة. وكلما كانت سطحية فهي كفيلة بإبقائك في حالة التأثر اللحظي والتعبير الآني، الذي يدفعك لتغيير المشهد البصري، الذي تراه في غزة عبر شاشة التلفزيون الذي تجلس أمامه، إلى مشهد العيد الذي بات متعارفا عليه في إقامة حفلات الغناء والطرب والرقص، الممتدة على طول الوطن وعرضه. كما أننا كي نُبرهن على أن ذواتنا وعشائرنا وقبائلنا ومجتمعاتنا ودولنا، ما زالت مُقيدة في سجل الإنسانية، فلا بد لنا من أن نتلمس شغاف قلوبنا، إن كان قد علاها الصدأ، فأعمت بصائرنا عن رؤية الحقيقة والحق، حتى بات الاستنكار والتنديد الصامت هو أعلى قمة جبل اعتراضنا على مشاهد الدمار المادي والمعنوي، وذلك أضعف الإيمان، أم ما زالت نابضة بالحياة وتمتلك مناعتها المضادة ضد الخنوع والخوف والترهيب والقتل، فنذهب إلى حيث الموقف الذي تتطلبه الحالة الراهنة في غزة. نحن إذن، والحالة هذه، أمام موقفين مختلفين تماما، والسؤال المنطقي هو إلى أي من هذين الموقفين نحن ننتمي؟ منطق الترويع الصهيوني الذي بلغ أقصى مستوياته، إنما هو مقبل علينا جميعا، فهي حرب عنصرية ضروس لا منجاة منها، إلا بإعادة تأهيل أنفسنا كي نكون في مستوى التحدي إن التفاعل الإيجابي مع الحالة الراهنة والمأساة الكارثية في غزة وعموم فلسطين، والشروع بالمساندة باليد واللسان والعقل والضمير، ليست خيارا لنا نحن العرب والمسلمين اليوم فحسب، بل هي ضرورة تفرضها قيم الدين والإنسانية والدم والتاريخ المشترك، واللغة الواحدة والقومية، خاصة أن الزمن الممتد من السابع من أكتوبر 2023 وحتى اليوم، إنما هو صناعة تاريخ، وليس زمنا عابرا. فيا بؤس من لا يشعر بأهمية وقدسية وشرف ومجد ورفعة هذه اللحظة، فيتوانى عن المشاركة الفعّالة، والذهاب إلى حيث ينبغي له أن يكون، من خلال موقف مادي أو معنوي، يقوده إلى الطريق المُفضي إلى حتمية التاريخ، حيث ينتصر الحق على الباطل، والحضارة على العنجهية، والسلم على العدوانية. عندها يستعيد الناس ذلك اليقين، الذي كانوا يعتصمون به، من أن حقائق الأمور وطبيعة الأشياء تبقى هي الغالبة على مرّ العصور والأزمان. وضمن هذا الإطار فقط يمكن التفاؤل والمراهنة على مستقبل القضية، خاصة أن النماذج التي تفرزها غزة ليست اعتيادية في وقتنا الحاضر، بل هي استنساخ حقيقي لنماذج تاريخية، تجبر كل من ألقى السمع وهو شهيد، على أن ينقاد إليها بوعي كامل وبصيرة مُبصرة. فإذا كانت الخنساء قد استقبلت رفات أبنائها الأربعة، الذين قُتلوا في واقعة القادسية بالقول، الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم، وأرجو من ربي أن يجمعني معهم في مستقر رحمته، فها هي خنساء العرب في العصر الحديث، السيدة آلاء النجار الطبيبة الفلسطينية، تقول بإيمان وتسليم كامل بعد وصول خبر استشهاد أبنائها التسعة، في قصف إسرائيلي على منزلها في غزة، تقول هم أحياء عند ربهم يرزقون. وإذا كان جعفر بن أبي طالب قد قُُطعت يداه في معركة مؤته وظل يقاتل، فقد شاهد العالم بأسره كيف ظل الشهيد يحيى السنوار يُقاتل، رغم يده المقطوعة حتى استشهاده. يقينا أن الله قد شرّع للناس مواسم فرح وبهجة وسرور، ومنها عيد الأضحى الذي حل علينا مؤخرا، ولم يشرع لهم مواسم للحزن، ومع ذلك فالقيم الدينية تحثنا على أن نكون كالجسد الواحد، كل عضو فيه يتأثر بما يلّمُ بالآخر من سقم وألم. وما يحدث لإخواننا في فلسطين عامة وفي غزة خاصة، ليس ألماً وحسب، بل كارثة بكل معاني الكلمة، وصورة تنداح منها البشاعة بكل مفرداتها، إلى الحد الذي لم يعد أقرب حلفاء وأصدقاء العدو الصهيوني، قادرين على الاستمرار في مداراة مشاعر الصهاينة، والصمت على جرائمهم. لذلك بدأنا نسمع أصوات الاعتراض على استمرار المجزرة الصهيونية بحق أهلنا، تصدر عن سياسيين ألمان وأمريكيين وبريطانيين وغيرهم، كانوا حتى الأمس القريب ينكرون حرب الإبادة الصهيونية. إذن أليس الأجدر بنا نحن أيضا أن نؤطر احتفالنا بالعيد، بقيود ألم أهلنا وفواجعهم بأحبائهم وجوعهم وتهجيرهم، وأن نشاركهم مصابهم الجلل ماديا ومعنويا؟ أليست هذه هي أول وأبسط الثوابت الدينية والإنسانية؟ وإذا باتت هذه الثوابت غائمة وملتبسة وفضفاضة وغائبة لدى أنظمة الحكم القائمة في بلادنا، إلى حد أننا لم نسمع أن بلدا عربيا منع إقامة مهرجانات الغناء في العيد، تضامنا مع أهلنا في غزة، فإن ذلك لا يوجب علينا الانخراط في هذا الوهن والأنانية القاتلة والبلادة المنقطعة النظير. وإذا كان هنالك من ليس مُهتمّا باستحضار قيم المشاركة في المشاعر في أيام المحن، التي دأبت على تأطير علاقاتنا القومية والإنسانية، بفعل ما طاله من ترهل حياتي وأنانية مفرطة، فسوف لن يجد من يقف معه يوما في محنته. إن استمرار تدفق صور الجوع والدمار والقتل والتهجير المقبلة من غزة، لا بد أن تُظلل على أعيادنا وأيامنا كلها بستار من الألم والحزن الإنساني. فهو الموقف الواجب والضروري، الذي لا خيار لنا فيه، رغم أنه الأضعف من بين المواقف، وعلينا جميعا أن نتذكر عندما يتم إجراء الحساب السياسي والإنساني النهائي، حول كيفية تعاملنا مع هذه الكارثة وعن طبيعة مواقفنا فيها، أفرادا وشعوبا وحكومات، سيكون من الصعب علينا الاختباء من متطلبات حقوق أهلنا في فلسطين علينا. وعندها ستكون القضية الأوسع هي رأس المال القومي ورأس المال الأخلاقي ورأس المال الإنساني، الذي أهدرناه بسبب عدم تضامننا مع أهلنا في غزة، إن كنا ما زلنا نؤمن حقا بهذه القيم. إن الصدأ الذي ران على نفوس البعض منا، قد أفقدهم خاصية الشعور القومي والإنساني بأهلنا في غزة، وباتوا أصواتا نشازا وبحاجة ماسة إلى إعادة التأهيل، فقد أعمت الأنانية المُفرطة بصائرهم وأبصارهم، ولم يعودوا يعرفون أن المقتلة الدائرة هنالك، إنما هي أيديولوجية صهيونية تتداخل فيها الإقصاءات السياسية بالعنصرية والحضارية، لتقود في النهاية إلى حصول كارثة لا تستثني أحدا منا. كما أن منطق الترويع الصهيوني الذي بلغ أقصى مستوياته على أهلنا، إنما مقبل علينا جميعا، فهي حرب عنصرية ضروس لا منجاة منها، إلا بإعادة تأهيل أنفسنا كي نكون في مستوى التحدي. كاتب عراقي


القدس العربي
منذ 10 ساعات
- القدس العربي
السوداني يؤكد النأي بالعراق عن صراعات المنطقة
بغداد ـ «القدس العربي»: أكد رئيس مجلس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، على إبعاد بلاده عن الصراع الدائر في المنطقة، ومواقفه الخارجية المبنية على أساس المصلحة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، فيما أشار إلى مواصلة حكومته العمل في مشاريع البناء والإعمار والتنمية في عموم البلاد. والتقى السوداني، أمس، عدداً من شيوخ ووجهاء محافظة الأنبار في مضيف رئيس مجلس شيوخ عشائر الأنبار، رئيس قبيلة البوذياب، حميد تركي الشوكة، حسب بيان لمكتبه. وقدم التهاني بمناسبة عيد الأضحى، داعياً الله أن «يعمّ الأمن والاستقرار في جميع ربوع العراق، وأن يخفف معاناة أبناء شعبنا في فلسطين ولبنان أمام تواصل العدوان الصهيوني». وأشار إلى «صورة التلاحم والتماسك بين أبناء شعبنا من جميع المحافظات، ودور العشائر في مواجهة مختلف التحديات، وأبرزها تحدي الإرهاب»، مبيناً أنّ «ما يحظى به العراق من أمن واستقرار، هو بفضل دماء الشهداء والجرحى الأبطال»، فيما أكد «السعي في ظل هذه الأجواء إلى تحقيق المزيد من البناء والإعمار والتنمية في عموم العراق». وأضاف: «أجرينا جولات متواصلة في المحافظات، ووضعنا لكل محافظة خطة خاصة بها، تتناسب مع أوضاعها الخدمية والاقتصادية»، مؤكداً أن «لدى الأنبار إمكانات وفرصا عديدة، والحكومة قدمت دعماً كبيراً للحكومة المحلية لإكمال المشاريع المتلكئة واستحداث مشاريع جديدة». ندّد باستمرار العدوان الإسرائيلي على فلسطين ولبنان ووفق السوداني فإن «استثمار الغاز في الأنبار في سلم أولويات الحكومة»، لافتاً إلى التوجيه بـ «إكمال مشروع حقل عكاز الذي سيؤمن الوقود لمحطة الأنبار الغازية 1600 ميغاواط». ومضى يقول: «أبعدنا العراق عن دائرة الصراع بالمنطقة، ونؤكد على دوره الريادي المهم عبر رئاسته للقمة العربية والقمة التنموية»، مبيناً أن «مواقف العراق تبنى على أساس مصالحه الوطنية، والاحترام المتبادل وعدم التدخل بالشؤون الداخلية». وتابع: «نمتلك رؤية لأهم التحديات والمشاكل، ووضعنا لها الحلول في كل ملف، وإصلاحات هيكلية بكل قطاع»، مشيرا إلى «طرح مشروع طريق التنمية الاستراتيجي، وعملنا على مشاركة الأصدقاء والأشقاء وفق رؤية لتشابك المصالح». وذكر السوداني أيضاً أن عمل حكومته «يحظى بدعم القوى الوطنية والعشائر الأصيلة، ونأمل بدور أكثر فاعلية بالمستقبل»، كاشفاً عن وضع «حلول للإشكالات المتعلقة بتعويض ذوي الشهداء والجرحى، حيث أوضح «وجهنا اللجان المعنية بحسم هذا الملف بالسرعة الممكنة، ووجهنا بمعالجة أزمة شح المياه، والحكومة وضعت آليات وخططاً لمواجهة هذه الأزمة».


القدس العربي
منذ 10 ساعات
- القدس العربي
الشيخ يحيى الصاري لـ «القدس العربي»: نحن سفراء الشعوب العربية
غزة- «القدس العربي»: على درب التضامن الشعبي الأممي، انطلقت «قافلة الصمود البرية» من الجزائر في مشهد يعيد إلى الأذهان أيام النضال العربي المشترك، ويؤكد أن صوت الشعوب لا يزال قادرا على أن يعلو رغم خذلان الساسة. «قافلة الصمود» لم تحمل فقط متضامنين، بل حمَلت معها وجع غزة، وصرخة إنسانية تعبر الحدود والخرائط. «القدس العربي» حاورت رئيس المبادرة الجزائرية لنصرة فلسطين وإغاثة غزة، يحيى الصاري، حول هذه القافلة، أهدافها، تفاصيلها، ورسائلها الإنسانية والسياسية في وقت تتواصل فيه المجازر في القطاع المحاصر. وهذا نص الحوار كاملًا: ■ كيف نشأت فكرة «قافلة الصمود البرية»؟ ومن يقف وراء تنظيمها؟ □ القافلة هي من تنظيم «المبادرة الجزائرية لنصرة فلسطين»، برئاستي، وقد جاءت فكرتها من الإيمان العميق بضرورة الانتقال من التضامن الرمزي إلى الفعل الميداني. شارك في هذه القافلة عدد من الجمعيات والمؤسسات الخيرية، إلى جانب شخصيات جزائرية مرموقة وناشطين وناشطات من مختلف أنحاء الوطن. هذه القافلة ليست نشاطا عابرا أو ظرفيا، بل هي امتداد لمسار طويل من الحراك الشعبي الجزائري المؤيد للقضية الفلسطينية، وتجسيد حيّ لفكرة أن الشعب الجزائري لا يمكن أن يقف مكتوف الأيدي بينما تُباد غزة. ■ متى انطلقت القافلة؟ ومن هم المشاركون فيها؟ □ انطلقت القافلة صباح الأحد، الثامن من حزيران /يونيو 2025، والذي صادف ثاني أيام التشريق من شهر ذي الحجة المبارك، شهر الحجاج والعطاء. تحركنا من الجزائر، حاملين معنا قلوب 180 ناشطا وناشطة جزائريين، يمثلون طيفا واسعا من أبناء الشعب الذين آمنوا بوجوب كسر هذا الحصار الظالم عن أهلنا في غزة. هؤلاء ليسوا مجرد ركّاب في حافلات، إنهم سفراء الشعب الجزائري، يمثلونه حكومةً وشعبا، يحملون صوته عاليا في وجه هذه الإبادة، ويؤكدون عبر كل خطوة يخطونها على الأرض، أن غزة ليست وحدها. ■ ما هي المحطات التي ستعبرها القافلة في رحلتها الطويلة نحو رفح؟ □ القافلة تسير، بعون الله، برا من الجزائر إلى تونس، حيث تلتحق بنا «قافلة الصمود التونسية»، ثم نتابع المسير إلى ليبيا. من هناك، نسعى للدخول إلى مصر، آملين أن يكون الدخول آمنا سلسا، على أن نصل القاهرة ونجتمع مع الوفود الأخرى من القوافل المشاركة، قبل أن نتجه إلى معبر رفح الحدودي، بوابة غزة الوحيدة إلى العالم. نحن ندرك صعوبة الطريق، وندرك حجم التحديات اللوجستية والإدارية والسياسية، لكننا لا نخوض مغامرة، بل نؤدي رسالة إنسانية سامية، من خلال قافلة منظمة تُنسق مع الشركاء في كل بلد. قافلة «الصمود» البرية: الجزائر تسير على درب غزة ■ ما الذي يميز هذه القافلة عن غيرها من التحركات التضامنية؟ □ أهم ما يميزها هو أنها تأتي في توقيت بالغ الحساسية، حيث العدوان الإسرائيلي على غزة بلغ مستويات لا يمكن الصمت عنها. إنها تعبير حي عن رفضنا للانتظار أو التواكل، ورفضنا أن تُدار القضية الفلسطينية في غرف السياسة الباردة، دون أن يكون للشعوب كلمة. نحن هنا نقول: إننا جزء من الحراك الدولي الشعبي الذي قرر ألا ينتظر مبادرات الحكومات، بل أن يصوغ مبادرته بنفسه، ويعبر عن إرادته بحرية ومسؤولية. ■ ما هي الأهداف الأساسية لهذه القافلة؟ وهل هناك رسائل سياسية ضمن هذا التحرك؟ □ هدفنا الأول والأساسي هو كسر الحصار عن غزة. هذا الحصار ليس مجرد طوق أمني، بل هو آلية إبادة ممنهجة، تهدف لتجويع الناس وتركيعهم. نحن هنا لنقول لا… لا لهذا الحصار، ولا لهذه الإبادة. أما رسائلنا السياسية، فهي واضحة: لقد آن الأوان لكي تُرفع كل أشكال الشرعية عن هذا الاحتلال، الذي لم يترك جرما إلا وارتكبه، ولم يعد له ما يعزز وجوده سوى التواطؤ والصمت الدولي. نحن نطالب بمقاطعته، بمقاضاته، وبسحب كل أشكال الغطاء عنه. كما أننا نوجه دعوة مفتوحة لكل العرب والمسلمين: اتحدوا… قفوا صفا واحدا من أجل غزة. لا تنتظروا مؤتمرات ولا خطبا، بل كونوا جزءًا من هذا الحراك الذي يعزز حتى مواقف الحكومات الداعمة. ■ هل أن هذه القافلة محمّلة بالمساعدات؟ أم يقتصر دورها على البُعد الرمزي؟ □ لا، هذه القافلة لا تحمل مساعدات مادية أو إغاثية، لكنها تحمل ما هو أعظم: تحمل صوت الإنسان الحر، وصرخة الضمير العالمي. نحن نمثّل شعبا يعيش القضية بكل جوارحه، ويؤمن أن رفع الصوت في هذا الظرف واجب لا يمكن تأجيله. رسالتنا أننا لن نصمت، وأن العالم يجب أن يسمع صوت الشعوب التي ترفض هذا الجرم. رئيس المبادرة الجزائرية لنصرة فلسطين: هذه القافلة ليست مغامرة… بل صوت الضمير الإنساني في وجه الإبادة ■ ما هو رأيكم في الموقف الرسمي الجزائري؟ هل هناك انسجام بين الموقفين الشعبي والرسمي؟ □ نعم، وبكل وضوح، هناك انسجام تام بين الموقفين الرسمي والشعبي في الجزائر. الحكومة الجزائرية كانت من أوائل الدول التي طالبت بمحاكمة الاحتلال (الإسرائيلي) كمجرم حرب أمام مجلس الأمن، ولا يزال صوتها مرتفعا ومدويا في كل المحافل. الدبلوماسية الجزائرية أزعجت الاحتلال، وطالبت مرارا بوقف القتل، وكانت سبّاقة في الدفاع عن غزة. أما الشعب الجزائري، فهو لا يقل حماسة وإخلاصا، لأن فلسطين توحدنا وتجمعنا وتذيب كل خلافاتنا… هي أرضنا وقضيتنا. ■ كيف تصفون التفاعل الشعبي مع هذه القافلة؟ □ التفاعل الشعبي كان مؤثرا إلى حد كبير. منذ الإعلان عن القافلة، انهالت علينا المكالمات، وعبّرت عائلات كاملة عن رغبتها في الانضمام أو الدعم. البعض كان يدعو لنا، البعض الآخر كان يسأل عن القوافل المقبلة، وأغلبهم كان يقول: «بلّغوا أهلنا في غزة أنهم ليسوا وحدهم». هذا الالتفاف الشعبي جعلنا نشعر أننا لا نسير وحدنا، بل أن شعبا بأكمله يمشي معنا، بخطوات القلب. ■ هل واجهتم أي عراقيل أو مضايقات أمنية أو إعلامية خلال التحرك؟ □ حتى الآن، والحمد لله، لم نواجه أي تضييق، سواء كان أمنيا أو إعلاميا. القافلة تسير في أمن وطمأنينة، ونحن نتواصل مع الإعلام بحُرية تامة، وننقل رسالتنا بكل وضوح. نحن ندعو كل الإعلام الحر للانضمام إلينا، وتغطية هذه القافلة التي تمثل صوتا شعبيا صادقا، في زمن كثر فيه الزيف. ■ ما هي الرسالة التي توجهونها إلى الشعوب العربية والإسلامية من خلال هذه القافلة؟ □ رسالتنا واضحة: يجب أن نضاعف الجهود، ونرفع أصواتنا، ونكسر جدار الصمت. لقد أصبح الحصار على غزة عارا على جبين الإنسانية، وكل من يصمت عنه، فهو شريك فيه بطريقة أو بأخرى. نقول لشعوبنا: لا تكونوا أقل وعيا من الغرب. لا تتركوا الحراك الدولي يسبقكم في دعم غزة. لا تكتفوا بالمشاهدة. تحركوا، بأي وسيلة سلمية ونظامية، فالقضية لم تعد فقط فلسطينية، ولا فقط عربية أو إسلامية، بل أصبحت قضية إنسانية بكل معنى الكلمة. ■ هل هذه هي القافلة الأخيرة؟ أم هناك تحركات أخرى مرتقبة؟ بالتأكيد، هذه ليست الأخيرة. ستكون هناك أشكال أخرى من التحرك، من الحراك السلمي، من النشاط الإنساني والإعلامي، وهي ستعلن في حينها. قضيتنا لا تموت، وتضامننا لا ينتهي، وسيظل النبض حيا في كل بيت جزائري وكل قلب حر. ■ كلمة أخيرة لأهل غزة عبر «القدس العربي» □ نقول لأهلنا في غزة: أنتم لستم وحدكم. لا في الألم، ولا في المقاومة. نحن قادمون إليكم، لا لنمنّ عليكم، بل لنعتذر أننا تأخرنا. نحن قادمون لنقول للعالم: أوقفوا هذه المجزرة. أوقفوا الإبادة. وإن حوصرت غزة في الجغرافيا، فلن يحاصرها الضمير. ولئن مات الصوت الرسمي العربي في بعض العواصم، فإن صوت الشعوب سيبقى صادحا من الجزائر إلى غزة، ومن كل مكان إلى بوابة الصمود.