
مقتلة غزة ومسالك الصراع!محمد السعيد إدريس
مقتلة غزة ومسالك الصراع!
د. محمد السعيد إدريس
من يتابعون «المقتلة» الرهيبة التى تحدث الآن فى غزة، التى تعيد تجسيد الاجتياح التتارى لأرض العرب بدءاً من العراق إلى سوريا إلى فلسطين، يغفلون عن حقيقة مهمة وهى أن نهاية التتار كانت فى فلسطين وبالتحديد فى أرض غزة الأبية التى تسمى «غزة هاشم» الجد الأكبر لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وهذه بشرى عظيمة تعيد إلينا مضامين أحاديث نبوية شريفة مدققة رواها أهل الصدق من الصحابة الكرام، تتحدث عن أحداث «آخر الزمان» فى غزة وعسقلان، وعن آلاف الشهداء الذين سيرتقون إلى أعالى الجنان والنصر الحتمى القادم بإذن الله.
مهم جداً أن نستحضر هذه الأحاديث النبوية الشريفة التى تبشر بالنصر الحتمى، لكن الأهم أن نتذكر أن النصر لا يأتى إلا بالجهاد والمقاومة ووحدة الأمة وليس فقط بانتظار مجىء النصر. حارب سيدنا رسول الله فى معركة أحد وكاد يستشهد، بل وأصيب إصابات بالغة من أجل النصر، وعمل مثل غيره من الصحابة فى حفر الخندق استعداداً لملاقاة «الأحزاب» أملاً فى النصر. وانتصارنا فى معركة «عين جالوت» التى هى فى منطقة «عسقلان – غزة» بأرض فلسطين (عين جالوت)، لم يتحقق إلا بوحدة الأمة، وعلى أيدى قادة وجيش مصر المظفرين وفى مقدمتهم القائد الفذ قطز ورفيقه بيبرس، لكن قبل كل هؤلاء كان إمام الزمان شيخ الإسلام عز الدين بن عبدالسلام، الذى استطاع أن يستجمع الوعى الجهادى وأن يوحد الأمة للنصر على التتار .
هنا بالتحديد يجب أن نستعيد لحظة النصر تلك ونسأل كيف لنا أن ننتصر ونحن حالنا الراهن من التمزق، وهولاكو العصر (بنيامين نيتانياهو) يصول ويجول ويضرب فى كل مكان ، يسعى إلى إبادة الشعب الفلسطينى فى غزة، باعتبار أن هذه الإبادة هى البديل للرفض المصرى لتهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء. هو يريد «غزة فارغة من شعبها» و«المقتلة» التى تحدث الآن فى غزة هى من أجل تفريغها من شعبها بالقتل والحرق والإبادة .
وهو لا يكتفى بذلك بل يضرب فى جنوب لبنان وفى الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية ضارباً عرض الحائط باتفاق وقف القتال الذى كانت الولايات المتحدة هى راعيته. كما أيدت الولايات المتحدة ودعمت خطة نيتانياهو (هولاكو) لإسقاط اتفاق وقف القتال فى غزة، الذى كانت الولايات المتحدة هى أيضاً راعيته، وكما أيدته فى محرقته الجديدة فى غزة أيدته أيضاً فى إسقاط اتفاق وقف القتال فى لبنان، ولم يكتف بذلك بل إنه يضرب حيث يشاء فى سوريا من الجنوب إلى دمشق إلى حلب، ليؤكد أنه صاحب القرار الحقيقى فى سوريا الجديدة، وأنه لن يسمح لتركيا بإقامة قواعد فى سوريا ولن يسمح لسوريا أن تكون مصدر تهديد لكيان الاحتلال .
وإذا كان نيتانياهو قد اتجه إلى تهديد العراق، وإلى التباحث مع حليفه الأمريكى الرئيس دونالد ترامب على القرار المشترك الأمريكى – الإسرائيلى للقضاء على الخطر الإيرانى (اجتماع ترامب – نيتانياهو أمس الاثنين فى واشنطن كان من أجل ذلك)، فإن ملف القدرات العسكرية المصرية والانتشار العسكرى المصرى فى سيناء لم يغب لحظة عن مخطط نيتانياهو الطامح إلى إعادة هندسة إقليم الشرق الأوسط وفق مشروع جديد يخضع للسيطرة الإسرائيلية والأمريكية المشتركة بشرط تغييب القوى الإقليمية الكبرى الثلاث: إيران ومصر وتركيا، وهى القوى التى تشكل معاً ما يعرف تاريخياً بـ «المثلث الحضارى الإسلامي».
وهذا يعيدنا مجدداً إلى «حديث النصر» فالواضح تماماً أن الصراع الحقيقى التاريخى فى طريقه للتبلور بين مشروعين؛ أولهما المشروع العنصرى الإمبريالى الأمريكى – الإسرائيلى المستند إلى دعوة صراع الحضارات ، وبالتحديد صراع الحضارة الغربية (بجناحيها المسيحى واليهودى) ضد الحضارة العربية – الإسلامية.
وثانيهما المشروع الحضارى الإسلامى بمرتكزاته الثلاثة: الأمة العربية والأمة الإيرانية والأمة التركية، هذه الأمم الثلاث هى بالمناسبة الأمم التى أسست الحضارة العربية الإسلامية التى امتدت من الصين شرقاً إلى النمسا شمالاً إلى الأندلس غرباً، ومازالت بإنجازاتها وعلمائها تشكل «المعين الذى لا ينضب» لنشوء وتطور الحضارة الغربية.
صراع الحضارات دعوة قديمة لم يؤسسها عالم السياسة الأمريكى «صامويل هنتنجتون» وحده أو «برنارد لويس» صاحب دعوة خرائط إعادة تقسيم الشرق الأوسط إلى دويلات عرقية ودينية ومذهبية كى تتيسر لإسرائيل القدرة والسيطرة على قيادة نظام شرق أوسطى مفعم بالتقسيم والصراع، أو حتى «رالف بيترز» صاحب دعوة «حدود الدم» الذى رسم خرائط الشرق الأوسط الجديد، بل هى تمتد إلى عصر التأسيس الأول لكيان الاحتلال الإسرائيلى، كما هو ثابت فى وثائق مؤتمر «هنرى كامبل بينرمان» والذى عقد فى لندن عام 1905 بعد سبع سنوات فقط من مؤتمر بازل لعام 1897 الذى أسس لكيان الاحتلال الإسرائيلى. فقد ربط مؤتمر هنرى كامبل بينرمان بين نجاح وتألق المشروع الاستعمارى الغربى وبين فرض وجود المشروع الصهيونى على أرض فلسطين ليكون بمثابة «خنجر» فى ظهر الأمة العربية، ويحول دون وحدتها ويمعن فى تجزئتها.
هذا هو الصراع الحقيقى الذى تجسده بدقة «مقتلة غزة» التى يأملون بعدها القضاء على القوتين الإيرانية والمصرية ومن ثم يبقى السؤال: هل من سبيل لتأسيس المشروع الحضارى الشرق أوسطى بأطرافه الثلاثة: العرب والإيرانيون والأتراك؟
والإجابة نعم شرط إغلاق أبواب ثلاثة مسالك جهنمية للصراع المذهبي: السني- الشيعى، والصراع الديني: الإسلامى – المسيحى ، والصراع العرقى: العربى – الإيرانى – الكردى – التركى. فهذه المسالك الصراعية الثلاثة هى المسئول الأول، ضمن أسباب أخرى مهمة، عن تفاقم العجز والشلل العربى عن حماية أهل غزة من مخطط إفناءهم بالحرق والتدمير على أيدى عصابات «هولاكو» الجديدة.
وهذا يعيدنا مجدداً للبحث فى الوثيقة المهمة التى صدرت عن مؤتمر «الحوار الإسلامي» الذى عقد فى العاصمة البحرينية المنامة بدعوة من الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين واستضافة من المجلس الأعلى للشئون الإسلامية فى مملكة البحرين تحت عنوان «نداء أهل القبلة».2025-04-08
The post مقتلة غزة ومسالك الصراع!محمد السعيد إدريس first appeared on ساحة التحرير.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

وكالة أنباء براثا
منذ 7 ساعات
- وكالة أنباء براثا
الشيخ جلال الدين الصغير : خسف البيداء بجيش السفياني.. هل يتطلب معجزة؟
التعليقات علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ... الموضوع : وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي ----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ... الموضوع : تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41) منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ... الموضوع : النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ... الموضوع : الحسين في قلب المسيح ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ... الموضوع : محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ... الموضوع : مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !! ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ... الموضوع : المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ... الموضوع : كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!! م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ... الموضوع : كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!

وكالة أنباء براثا
منذ 7 ساعات
- وكالة أنباء براثا
الشيخ جلال الدين الصغير : ما لم يعلنه الأمريكيون عن أسباب سحب طائرات F-35 من المنطقة
التعليقات علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ... الموضوع : وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي ----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ... الموضوع : تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41) منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ... الموضوع : النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ... الموضوع : الحسين في قلب المسيح ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ... الموضوع : محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ... الموضوع : مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !! ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ... الموضوع : المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ... الموضوع : كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!! م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ... الموضوع : كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!

وكالة أنباء براثا
منذ 7 ساعات
- وكالة أنباء براثا
الشيخ جلال الدين الصغير : قدرات تُبهر الأعداء.. كيف أفشل الردع الممانع مشاريع الهيمنة الأمريكية؟
التعليقات علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ... الموضوع : وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي ----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ... الموضوع : تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41) منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ... الموضوع : النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ... الموضوع : الحسين في قلب المسيح ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ... الموضوع : محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ... الموضوع : مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !! ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ... الموضوع : المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ... الموضوع : كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!! م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ... الموضوع : كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!