
علي البستكي 'Cash is King' السبت 10 مايو 2025
في أوقات الاضطراب وعدم اليقين، سواء كانت أزمات مالية، انهيارات سوقية، أوبئة، أو توترات جيوسياسية، تتردد عبارة مألوفة في أوساط المستثمرين والاقتصاديين: 'النقد هو الملك' (Cash is King). وعلى الرغم من بساطتها الظاهرية، تحمل هذه العبارة في طيّاتها فلسفة مالية واستراتيجية عميقة تُعنى بإدارة المخاطر واتخاذ القرار في ظل الضبابية. فما الذي يجعل النقد يتربع على عرش الأصول في مثل هذه اللحظات؟ وكيف يمكن للمستثمر الواعي أن يُحسن استخدامه دون الوقوع في فخ الجمود المالي؟
أولاً: سيادة السيولة في وقت الشدة
عندما تضطرب الأسواق ويختل توازن العرض والطلب، تفقد الكثير من الأصول قيمتها أو تصبح عصية على التسييل. الأسهم تهوي، السندات تتراجع، العقارات قد لا تجد من يشتريها، وحتى الذهب قد يشهد تقلبات حادة. لكن النقد، بخلاف ذلك، يظل ثابتًا، سهل الاستخدام، قابل للتوظيف الفوري. في مثل هذه الأوقات، لا يبحث المستثمر عن العائد الأعلى بقدر ما يبحث عن الأمان، والسيطرة، والمرونة.
ثانيًا: النقد ليس مجرد 'انتظار' بل استراتيجية
هناك من يظن أن الاحتفاظ بالنقد يعني العجز عن اتخاذ قرارات استثمارية أو خوفًا من المخاطرة، لكن العكس هو الصحيح. النقد في الأزمات ليس موقفًا دفاعيًّا فقط، بل هو أداة هجومية أيضًا. فهو يمكّن المستثمر من اقتناص فرص لا تتكرر إلا في فترات الاضطراب: شراء أسهم بأسعار مدمرة، أو الدخول في شراكات استثمارية كانت مستحيلة في الظروف العادية.
ثالثًا: مخاطرة الإفراط في السيولة
رغم أهمية النقد في الأزمات، إلا أن الإفراط في الاحتفاظ به لفترات طويلة قد يكون فخًّا خفيًّا. التضخم يقلل من القوة الشرائية، والمعدلات السالبة (في بعض الاقتصادات) تفرض تكلفة مباشرة على الاحتفاظ بالنقد. لذا، يجب النظر إلى السيولة كأداة مؤقتة، لا كاستثمار دائم. الهدف منها هو التحرك الذكي في الوقت المناسب، لا الجمود. (التتمة في الموقع الإلكتروني)
رابعًا: سيكولوجية 'الهدوء المالي'
من الناحية النفسية، يوفر النقد نوعًا من الطمأنينة. ففي حين يشعر المستثمر الذي يملك محفظة مملوءة بأصول متقلبة بالتوتر وربما الذعر، يتمتع من يملك سيولة نقدية بهدوء يسمح له بالرؤية بوضوح. وفي عالم الاستثمار، الوضوح النفسي لا يقل أهمية عن التحليل المالي.
خامسًا: أمثلة تاريخية تؤكد المقولة
أزمة 2008: من احتفظ بسيولة نقدية قبل الانهيار، استطاع أن يشتري أصولًا كبرى بأسعار زهيدة، مثل أسهم البنوك التي تعافت لاحقًا.
جائحة 2020: المستثمرون الذين باعوا قبل الهبوط واحتفظوا بنقد تمكنوا من العودة في قاع السوق وتحقيق أرباح ضخمة.
الأزمات الجيوسياسية الحالية: التقلبات الناتجة عن الحروب أو النزاعات التجارية تجعل النقد أداة تكتيكية للتحرك في الوقت المناسب.
سادسًا: وارن بافت... عندما يتحدث 'ملك القيمة' بلغة السيولة
في 2025، فاجأ المستثمر الأسطوري وارن بافت الأسواق بزيادة حجم النقد في محفظة شركة بيركشاير هاثاواي إلى ما يقارب 350 مليار دولار—وهو مستوى غير مسبوق. هذا التحرك لم يكن عشوائيًّا، يرى بافت أن الأسواق مبالغ في تقييمها، وأن الفرص الجيدة نادرة حاليًّا. بفضل خبرته الطويلة، يعرف أن الاحتفاظ بالنقد في أوقات الطفرة ليس ضعفًا بل صبرًا استراتيجيًّا.
هذا القرار يحمل رسالة صامتة مفادها: 'استعدوا، الفرص قادمة لكن ليس الآن'.
ما يفعله بافت اليوم هو ترجمة عملية لفلسفة 'النقد ملك'، ليس فقط لحماية رأس المال، بل للتحرك بثقة عندما تنكشف الغيوم.
سابعًا: هل تبقى السيولة 'ملكًا' في بيئة ركود تضخمي؟
في ظل التوقعات المتزايدة بحدوث ركود تضخمي، أي حالة تجمع بين تباطؤ اقتصادي وارتفاع مستمر في الأسعار، تظهر تساؤلات مشروعة حول جدوى الاحتفاظ بالنقد، حتى كأداة تحوط.
كيف تتآكل قيمة السيولة في هذا السياق؟
التضخم المرتفع يلتهم قوتها الشرائية يومًا بعد يوم. عوائد الأدوات النقدية قد لا تواكب التضخم، ما يؤدي إلى عائد سلبي حقيقي. في ظل الركود، الفرص الاستثمارية تكون محدودة أو عالية المخاطر.
توزيع السيولة على أدوات نقدية متعددة الآجال، لتحقيق توازن بين الأمان والمرونة:
أدوات قصيرة الأمد: من أسبوع إلى شهر، تتيح سرعة التفاعل مع أي فرصة طارئة.
أدوات متوسطة الأجل: من 3 إلى 9 أشهر، تُستخدم لتوفير عائد نسبي دون مخاطرة كبيرة.
أدوات طويلة الأجل: أكثر من سنة، مخصصة للأموال التي يمكن تجميدها مؤقتًا بأمان مع تحقيق عائد واقٍ من التضخم.
الاحتفاظ بنسبة سيولة مرنة (مثل 50 %) من إجمالي المحفظة، مع قابلية الزيادة أو النقصان تدريجيًّا حسب تقلبات الأسواق ومؤشرات المخاطر. الاحتفاظ بجزء من الذهب أو العملات القوية كتحوّط إضافي. قياس الأداء بالقيمة الحقيقية للنقد. استغلال اللحظات النادرة التي تخلق فرصًا حقيقية تتغلب على التضخم.
خاتمة: بين بافت، والسيولة، وتحديات المستقبل
مع بلوغ السيولة لدى شركة بيركشاير هاثاواي حوالي 350 مليار دولار، يعيد وارن بافت التأكيد على أن النقد ليس ضعفًا بل استعدادًا مدروسًا. ومع ذلك، فإن هذا الاستعداد يجب أن يكون ذكيًّا وتكتيكيًّا، لا عاطفيًّا أو متجمدًا.
فالسيولة في ذاتها ليست استثمارًا، بل أداة انتقالية ذكية بين الفرص، ومع تزايد احتمالات الركود التضخمي، يصبح السؤال الأهم: 'هل تستخدم السيولة لتنتظر، أم لتناور؟'
في النهاية، الحكمة ليست في تجميد الأموال، بل في إبقائها جاهزة لتُستثمر في الوقت المناسب، بالمكان الصحيح، وبثمن معقول.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوطن
منذ 4 ساعات
- الوطن
سعر الذهب في مصر مع بداية تعاملات اليوم الإثنين 26 مايو 2025
سجل سعر الذهب في مصر استقرارًا في بداية تعاملات اليوم الإثنين الموافق 26 مايو 2025، محافظًا على آخر ارتفاع سجله في تعاملاته. وتعتبر أسعار الذهب من الموضوعات الاقتصادية المهمة التي يتابعها العديد من الأفراد والمستثمرين، لذا في هذا التقرير نرصد أسعار المعدن الأصفر في مستهل التعاملات الصباحية، وفق آخر تحديث. سعر الذهب اليوم في مصر وبلغ سعر جرام الذهب عيار 24 قيمة 5331 جنيهًا، كما حقق سعر جرام الذهب عيار 21 قيمة 4665 جنيهًا. كما وصل سعر جرام الذهب عيار 18 إلى قيمة 3998 جنيهًا، وبلغ سعر الجنيه الذهب قيمة 37320 جنيهًا، بينما سجل سعر أوقية الذهب عالميًا قيمة 3311 دولار. أسعار سبائك الذهب اليوم الإثنين سجل سعر السبيكة الذهب وزن جرام بقيمة 5331 جنيهًا. وبلغ سعر السبيكة الذهب وزن 2.5 جرام نحو 13327 جنيهًا. كما وصل سعر السبيكة الذهب وزن 5 جرامات إلى قيمة 26655 جنيهًا. وحقق سعر السبيكة الذهب وزن 10 جرامات نحو 53310 جنيهات. لكن جاء سعر السبيكة الذهب وزن 20 جراما بنحو 106620 جنيهًا. أما عن سعر السبيكة الذهب وزن 31.1 جرام فقد سجل نحو 165794 جنيهًا. وبلغ سعر السبيكة الذهب وزن 50 جراما قيمة 266550 جنيهًا. لكن وصل سعر السبيكة الذهب وزن 100 جرام إلى 533100 جنيه.


البلاد البحرينية
منذ 4 ساعات
- البلاد البحرينية
جي إف إتش المالية تعلن عن شراكة مع التجارية العقارية في القطاع اللوجستي في دول التعاون
أعلنت شركة جي إف إتش المالية، إحدى الشركات الإستثمارية السعودية التابعة لمجموعة جي إف إتش المالية ("GFH" أو "المجموعة")، المؤسسة المالية الإقليمية الرائدة، إنها أعلنت الدخول في شراكة استراتيجية مع الشركة التجارية العقارية ش.م.ك. عامة ("التجارية")،. وبموجب هذه الاتفاقية، سوف تتولي "التجارية"، إحدى الشركات العقارية البارزة في دولة الكويت بدور المستشار الفني لواحدة من الصناديق اللوجستية لشركة جي إف إتش المالية وكذلك سوف تكتسب خبرة في الإستثمارات المتزايدة للمجموعة في هذا المجال عبر التعرض لمجموعة من إستثماراتها في قطاع المستودعات واللوجستيات في المملكة العربية السعودية والخليج. تعرب شركة جي إف إتش المالية عن سعادتها بالتعاون مع "التجارية"، باعتبارها شركة عقارية ذات خبرة في هذا القطاع، وهي واثقة من أن هذه الشراكة ستساهم في تطوير منصة لوجستية ناجحة على المستوى الإقليمي. وتؤكد هذه الشراكة على السمعة المتنامية لمجموعة جي إف إتش المالية وشركاتها التابعة في هيكلة وتقديم الفرص الاستثمارية لشركائها. وسعت مجموعة جي إف إتش المالية بشكل كبير استثماراتها في قطاع اللوجستيات، مع تعرض يقدر بحوالي 2 مليار دولار أمريكي موزعة عبر مرافق لوجستية متنوعة، بما في ذلك التخزين البارد، ومراكز التوزيع النهائي، ومراكز تلبية الطلبات، مما يضمن وجودًا متنوعًا عبر سلسلة القيمة لقطاع اللوجستيات. تواصل "التجارية" التزامها بتحقيق أداء قوي وخلق فرص جديدة وتنويع مصادر الدخل من خلال الاستثمار في المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي والأسواق الدولية. وبفضل خبرتها الحافل في تنفيذ المشاريع العقارية الرائدة، تسعى التجارية إلى تحقيق نمو مستدام، وتعزيز حقوق المساهمين، وترسيخ مكانتها المالية. ومن خلال هذا التعاون، تستفيد "التجارية" من خبرة جي إف إتش في إقتناص الفرص المتنامية في قطاع اللوجستي، مما يعزز مسار نموها الاستراتيجي. وتعليقًا على هذه الشراكة، قال السيد رازي المُرباطي، الرئيس التنفيذي لشركة جي إف إتش المالية: "نحن سعداء بالشراكة مع الشركة التجارية العقارية في هذا القطاع الحيوي. هذه الشراكة تعكس الأهمية المتزايدة لقطاع اللوجستي كعامل رئيسي في التنمية الاقتصادية في المملكة العربية السعودية والخليج، والفرص القوية التي يخلقها هذا التوسع. كما أنها تتماشى مع استراتيجيتنا الرامية إلى تقديم استثمارات ذات نمو مرتفع وعوائد مستدامة، مع دعم الأهداف التنموية الإقليمية." من جانبه، قال المهندس عبدالمطلب معرفي، الرئيس التنفيذي للشركة التجارية العقارية: "إن الشراكة مع شركة جي إف إتش المالية تمنحنا فرصة فريدة للوصول إلى السوق اللوجستي المتنامي في المنطقة. ونتطلع معًا إلى تطوير بنية تحتية حديثة وخلق قيمة مضافة للمستثمرين." وتؤكد هذه الشراكة التزام الشركتين بتعزيز البنية التحتية اللوجستية، ودعم الابتكار، والمساهمة في تحقيق أهداف التنويع الاقتصادي في المنطقة.


البلاد البحرينية
منذ 6 ساعات
- البلاد البحرينية
بعد 34 عاماً.. اليابان تفقد صدارتها كأكبر مُقرض في العالم
فقدت اليابان موقعها كأكبر دولة مُقرِضة في العالم لأول مرة منذ 34 عاماً، رغم استمرار امتلاكها كميات قياسية من الأصول الخارجية. وذكرت وزارة المالية اليابانية، اليوم الثلاثاء، أن صافي الأصول الخارجية التي تمتلكها اليابان بلغ 533.05 تريليون ين (نحو 3.7 تريليون دولار) بنهاية العام الماضي، بزيادة تقارب 13% مقارنة بالعام السابق. ورغم أن هذه الأصول وصلت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق، فقد تفوقت ألمانيا لتصبح أكبر دولة مُقرِضة في العالم، بعدما بلغت أصولها الخارجية 569.7 تريليون ين، وفق وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ). واحتفظت الصين بالمركز الثالث، بصافي أصول قدره 516.3 تريليون ين. وكانت اليابان قد انتزعت المركز الأول من ألمانيا عام 1991، وظلت تحتفظ به حتى نهاية عام 2023. ووفقاً لوكالة بلومبرغ للأنباء، فإن تقدم ألمانيا يعكس الفائض الكبير في حسابها الجاري، الذي بلغ في عام 2024 نحو 248.7 مليار يورو، مدعوماً بأداء قوي للصادرات. أما فائض الحساب الجاري الياباني فقد بلغ خلال العام الماضي 29.4 تريليون ين، أي ما يعادل نحو 180 مليار يورو، بحسب بيانات وزارة المالية اليابانية. كما ساهم ارتفاع اليورو أمام الين بنسبة تقارب 5% في العام الماضي في تعزيز قيمة الأصول الألمانية عند تحويلها إلى العملة اليابانية. تجدر الإشارة إلى أن "صافي الأصول الأجنبية" لأي دولة يُحسب بطرح الأصول المحلية المملوكة للأجانب من الأصول الخارجية التي تمتلكها الدولة، بعد تعديلها وفقاً لتقلبات أسعار الصرف. ويُعتبر هذا المؤشر انعكاساً للتغير التراكمي في الحساب الجاري للدولة. وفي حالة اليابان، ساهم ضعف الين في زيادة كل من الأصول والخصوم الخارجية، إلا أن الأصول نمت بوتيرة أسرع، مدفوعة جزئياً بتوسع استثمارات الشركات اليابانية في الخارج. وتعكس بيانات اليوم الثلاثاء اتجاهاً أوسع في الاستثمار الأجنبي المباشر. ووفقاً لوزارة المالية اليابانية، حافظت الشركات اليابانية خلال عام 2024 على اهتمام قوي بالاستثمار الأجنبي المباشر، خاصة في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، حيث جذبت قطاعات مثل التمويل، والتأمين، وتجارة التجزئة رؤوس أموال كبيرة من المستثمرين اليابانيين.