
الإبادة بالتجويع من يوقفها؟
آلمني حد الانهيار ما يجري في غزة، حيث لا أنام، ولا أرى طعماً للزاد مثل الكثيرين غيري من الناس في وطني العظيم الأردن.
قلت عليّ أن أبحث في التراث العربي عن أبشع أشكال الموت جوعا علّ ذلك يعزي، واعتقد سلفاً قبل البحث وبعده أن ما جرى ويجري في غزة حتى الآن وربما غداً، يفوق كل ما حدث في العالم من مآس لقتل الناس مع سبق الأصرار.
رجعت الى التراث العربي، لأرى ماذا كان يحدث وكيف يُعالج الجوع وما هي الأعراض التي يجلبها حين يعم.
توجهت الى مكتبة الجامعة الأردنية لأبحث عن كتب تناولت ذلك، ولم أعثر على الكتب نفسها، ولكني عثرت عليها من خلال كتب ومراجع أخرى.
ولعل أكثر هذه الكتب أهمية هو للعلامة الطبيب، 'عبد اللطيف البغدادي، 'الذي عاصر صلاح الدين الإيوبي، وعمل معه وتنقل في الخدمة بين العراق ومصر وبلاد الشام، وكتب عن المجاعة في مصر في ما اسماه "البلاء العظيم"، أو ثورة الجياع (1065 – 1071 م)، وقد سميت "بالشدة المستنصرية" لوقوعها في زمن الخليفة المستنصر بالله معد أبو تميم الفاطمي الذي حكم (1035 – 1049 م)، وكان وزيره الشهير اليازوري المولود في الرملة في فلسطين، وقد كان وزيراً وقاضياً جنب مصر المجاعة قبل أن يقتل بسبب ازدياد نفوذه وقوته وتأثيره، وكان داعي القضاة
للمذهب الاسماعيلي الفاطمي
تلك المجاعة التي لم يحدث مثلها في العالم الاّ الان في زمن الاحتلال الاسرائيلي على غزة التي هي جوار مصر والتي خبرت في أجيالها قبل تسعة قرون الجوع في أبشع أشكاله، وقد كتب عن ذلك المؤرخ المقريزي الشهير في كتابه (اغاثة الأمة بكشف الغمة) والخليفة المستنصر، الذي كانت مرجعيته الأزهر الذي تأسس للشيعة على يد المعز لدين الله الفاطمي وكان خلافة المستنصر قد امتدت لستين سنة.
يقول تقي الدين المقريزي، المؤرخ:(الخبز مقياس رخاء وبؤس الأمم).
ويذكر كلمة والدة الخليفة المستنصر التي أصابها الجوع، وباعت الكثير من حليّها للحصول على حفنة قمح، وبدأت تقول "الجوع الجوع... الخبز الخبز، أيها الناس فلتعلموا أن هذه (القرصة) – الرغيف الصغير – كلفتني ألف دينار.
يكتب المقريزي،:المجاعات التي تعرضت لها مصر منذ أيام النبي يوسف عليه السلام، وفيها أكل الناس بعضهم بعضاً وأكلوا الدواب والكلاب، وبيع رغيف الخبز بخمسين دينارا ووبيع الكلب بخمسة دنانير ليوكل، وكان الأحباش يتربصون بالنساء ويخطفوهن ويقتلوهن ويأكلون لحمهن.
حتى ان الخليفة المستنصر باع كل ما يملك في القصر من ثياب وسلاح وأثاث، وكان البيع لثمانين ألف ثوب وعشرين ألف درع وعشرين ألف سيف حتى الجواهر المرصعة بالأحجار الكريمة بيعت بأبخس الأثمان من أجل الخبز، ولم يبق له الاّ حصيرة يجلس عليها وبغلة يركبها وغلام واحد يخدمه، فتعطل ديوانه وذهب وقاره، وكانت احدى السيدات تتعطف عليه برغيفين كل يوم، ويقال أن أمه وبناته حاولن الفرار الى بغداد بسب الجوع والفقر.
ويقول المؤرخ المقريزي، واقتبس مما كتب، (كان هناك سيدة غنية من نساء القاهرة، ألمها صياح أطفالها الصغار وهم يبكون من الجوع، فلجأت الى (شكمجية) حليها واخذت تقلب ما فيها من جواهر ثم تتحسر، فهي لا تستطيع شراء رغيف واحد، فاختارت عقداً ثميناً من اللؤلؤ تزيد قيمته على ألف دينار، وخرجت تطوف أسواق القاهرة والفسطاط، فلا تجد من يشتريه. وأخيراً استطاعات أن تقنع أحد التجار أن يشتريه مقابل كيس من الطحين، واستأجرت حمالاً لينقل الكيس الى بيتها، ولكنها لم تخطو خطوة واحدة، حتى هاجمها الجياع، فاغتصبوا الدقيق، فزاحمتهم وتمكنت من انتزاع حفنة، وحزنت لما رأت من حال الجياع، وراحت تعجن حفنة الطحين وصنعت منها قرصاً صغيرة وخبزتها ثم اخفتها في طيات ثوبها، وانطلقت الى الشارع، ووقفت على مصطبة ثم اخرجت قرصها وصاحت، الجوع …الجوع،..الخبز..الخبز، أيّها الناس، فلتعلموا أن هذه القرصة كلفتني ألف دينار، يا أهل القاهرة أدعو لمولانا المستنصر ان يعيد على الناس بركات حسن نظره)،
عندها راى المستنصر ما آلت اليه رعيته من فساد وفتن وقحط وجوع وهلاك، ووجد نفسه وحيداً لا يملك من المال ما يصلح به الأحوال ولا يجد من القوة ما يضرب بها على يد المفسدين الذين زادوا، فأرسل الى والي عكا، بدر الجمالي، وكان موصوفا بالعدل والحزم وحسن التدبير يستنجد به، ووعده أن يوليه على وزارة مصر إن هو قطع عنده رؤوس الفتن واعاد الأمن والأمان.
جاء بدر الدين الجمالي الى مصر ومعه جنده، وفيهم كثير من الأرمن ودخل القاهرة ونجح في وضع حد للفوضى والجرائم وقطع رؤوس الفساد والفتنة في ما يعرف الآن،(بمذبحة الجمالية، )وأعاد السيطرة على الحكومة وأعاد سلطة القانون الذي سقط بتفشي الجوع وانحطاط الاخلاق، وعمل على تنظيم شؤون الدولة وانعاش الاقتصاد، وصار لقبه أمير الجيوش بدر الجمالي، وقد خلد المصريون ذكراه بأن أطلقوا اسمه على احدى أشهر المناطق والأحياء في مصر وهو حي الجمالية،
وكانت مصر قبل المجاعة قد ابتنت صوامع الحبوب واسمها المخازن السلطانية لتخزين القمح وتوزيعه على الشعب بأسعار مخفضة، وهي فكرة الوزير اليازوري الاّ أن جشع التجار وفساد القضاء ولد سوقاً سوداء، ثم بدأت المأساة كما يقول المقريزي، بعنوان (الخبز قياس رخاء وبؤس الأمم.)
ووقع أول غلاء في خلافة المستنصر، ووزيره (رئيس الوزراء)اليازوري وارتفعت الأسعار لانشغال رئيس الوزراء بمهماته الكثيرة ووصل سعر الخبز أربعة أرطال بدرهم ثم جرى اللعب بالسوق وانتشرت (المسبغة ) الجوع، وصادف أن أحد التجار من الذين رأوا أن الناس لا يشترون منه، أن ضرب السوق، فنادى على خبزه أربعة ارطال بدرهم، مخفضاً السعر، وقام أخر من التجار وصاح خمسة أرطال بدرهم، فمال الناس اليه وبدأ بقية التجار يناقصون فاختل السوق، وهكذا بقيت الأسعار تتغير وترك عريف الخبازين نقيبهم موقعه لكساد خبزه.
عندها قرر الوزير اليازوري بسبب كثرة الخبز في السوق وقف تخزين القمح بالمخازن السلطانية وتخزين بضائع أخرى، واقنع الخليفة المستنصر بذلك، وعاد التجار للتلاعب، فهجم الغلاء بعد عامين وطلب الخليفة المستنصر من حاكم القسطنطينية امداد مصر بالغلال، فأرسل له 400 ألف إردب ثم مات حاكم القسطنطينة وجاءت زوجته وراسلت المستنصر أن يتبعها ويواليها، اذا خرج عليها احد رجال زوجها الراحل فرفض، فمنعت عنه الغلال وارتفعت الأسعار وصار التجار يشترون القمح وهو في السنابل ويخزنوه ويرفعون أسعاره واحتكروه حتى وصل سعر (أردية ) القمح 8 دنانير، ورطل الخبز بدرهمين والشعير خمسة والحمص تسعة، وسعر حبة الرمان دينار،فتراجع اليازوري عن قراره السابق وتدخل في السوق وغرم التجار ثمن دينار عن كل دينار، ثم أمر ببيع القمح كل ويبة، بثلاثة دنانير، وبدات الشدة لسبع سنين ولم يشهد الناس مثيلاً لها وسميت (بالغلاء العظيم، )ويقول المقريزي،:الغلاء الذي عظم أمره وشنع ذكره وأمتد أمده سبع سنين.
ونعود الى غزة، ونذكر أن مجاعتها ليست من الطبيعة او القدر، وإنما من النازية الاسرائيلية وصمت العالم وخذلانه وتخلي الامة فلماذا الصمت على الموت واين الاعتبار؟
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


رؤيا نيوز
منذ 10 دقائق
- رؤيا نيوز
العيسوي: الأردن بقيادته الهاشمية يواصل التحديث بإرادة راسخة ونهج يضع المواطن في صميم الأولويات -صور
أكد رئيس الديوان الملكي الهاشمي يوسف العيسوي أن الأردن، بقيادته الهاشمية، يواصل تنفيذ رؤى التحديث بمساراته السياسية والاقتصادية والإدارية، وفق منهج يرتكز إلى أولوية تمكين الإنسان، باعتباره جوهر العملية التنموية وغايـتها. وأشار العيسوي إلى أن مسيرة التحديث تستهدف تعزيز كفاءة الأداء العام، وتوسيع قاعدة المشاركة، وخاصة بين الشباب، بما يضمن إشراكهم في صياغة السياسات وصناعة القرار، ويهيئ لهم بيئة داعمة للإنتاج والابتكار والمبادرة. وشدد على أن قوة الدولة الأردنية تستند إلى منظومة متكاملة من الوحدة الوطنية، والوعي الجمعي، والحكمة التي تميّز القيادة الهاشمية، وهو ما مكّن الأردن من الحفاظ على استقراره رغم ما تشهده المنطقة من تقلبات وتحديات. جاء ذلك خلال لقائه، اليوم الأربعاء، في الديوان الملكي الهاشمي، وفدين في لقاءين منفصلين؛ الأول من جمعية القادة التعاونية، والثاني من أبناء وبنات مخيم مأدبا. ولفت إلى أن المكانة الرفيعة التي يحظى بها الأردن على الصعيدين الإقليمي والدولي هي ثمرة مباشرة للجهود المتواصلة التي يبذلها جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي يكرّس حضوره في المحافل كافة للدفاع عن مصالح الأردن وثوابته، ويقود دبلوماسية متزنة تُبنى على احترام السيادة، وتُعزز من صورة الأردن كطرف فاعل وصاحب رأي مسموع في القضايا الدولية. وأوضح العيسوي أن هذه السياسة الحصيفة جعلت من الأردن مرجعًا في الاعتدال، ونموذجًا في تبني مواقف متزنة تدعم الأمن والاستقرار في المنطقة، مع الحفاظ على موقفه الثابت تجاه قضايا الأمة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي يضعها الأردن في صدارة أولوياته، انطلاقًا من التزامه الراسخ بحماية القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية ضمن الوصاية الهاشمية التاريخية. ولفت العيسوي إلى مواصلة الأردن، بقيادته الهاشمية، أداء واجبه الأخلاقي والقومي تجاه الأشقاء في قطاع غزة، انطلاقًا من مسؤولية أخلاقية لا تخضع للحسابات السياسية أو الظرفية. وأشار إلى أن التوجيهات الملكية المستمرة تضع مساندة الغزيين على رأس الأولويات، مؤكدًا أن ما يقوم به الأردن تجاه غزة هو موقف راسخ، يجسّد عمق الالتزام الهاشمي بالدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ورفض كل أشكال العدوان والحصار. وفي إطار الجهود الوطنية المتكاملة، أشار العيسوي إلى الأدوار النوعية، التي تقوم بها جلالة الملكة رانيا العبدالله، في دعم التعليم وتعزيز مكانة المرأة، إلى جانب ما يقدمه سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، من نموذج شبابي مسؤول، يعكس روح المبادرة والانخراط الفاعل في خدمة الوطن. كما أشاد بما تقدّمه القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، والأجهزة الأمنية، من تضحيات متواصلة في سبيل الحفاظ على أمن الوطن واستقراره، مشيرًا إلى أن هذه المؤسسات تشكّل العمود الفقري لمنظومة الحماية الوطنية، وتقوم بواجبها بكفاءة وانضباط، في ميادين الداخل وعلى حدود الوطن. من جهتهم، ثمّن المتحدثون عالياً الجهود المتواصلة التي يبذلها جلالة الملك عبدالله الثاني لرفع مكانة الأردن وصون مصالحه الوطنية العليا في مختلف المحافل الدولية، مؤكدين أن صوت الأردن بقيادة جلالته ظل حاضرًا بقوة، مدافعًا عن القضايا العادلة، ومرتكزًا إلى ثوابت راسخة ومواقف مشهودة. وأعربوا عن فخرهم بالمواقف الجريئة والواضحة التي يتبناها جلالة الملك تجاه قضايا الأمة، والتي تترجم إيمانًا حقيقيًا بعدالة هذه القضايا، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، مؤكدين أن التزام الأردن بحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس يعبّر عن مسؤولية تاريخية وسياسية يؤديها الهاشميون بأمانة عالية. وأشاروا إلى أن ما ينعم به الأردن من أمن واستقرار وسط محيط ملتهب، هو نتيجة لرؤية ملكية سباقة جنّبت البلاد تبعات كثير من الأزمات، وأسست لنهج وطني متوازن يعزز الثقة بالمستقبل. ونوّهوا بالدعم السياسي والإنساني المتواصل لأبناء قطاع غزة، الذين يتعرضون لأبشع أشكال العدوان من قبل الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدين أن الأردن، بتوجيهات ملكية مباشرة، لم يدّخر جهدًا في تقديم كل ما أمكن لمساندتهم في محنتهم. كما أشادوا بالدور الفاعل لجلالة الملكة رانيا العبدالله، وسمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، في دعم المبادرات الوطنية، وتعزيز الجهد الملكي المستمر. وشددوا على أن الوحدة الوطنية وتماسك الجبهة الداخلية، إلى جانب الدور الباسل الذي تنهض به القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية، يشكلون السند الحقيقي لحماية الوطن ومكتسباته.


رؤيا نيوز
منذ 10 دقائق
- رؤيا نيوز
مسنة إسرائيلية خططت لاغتيــــ.ال نتنياهو 'بعبوة ناسفة'
ذكرت قناة 'كان' العبرية أن جهاز الأمن العام في الاحتلال الإسرائيلي (الشاباك) ألقى القبض على امرأة مسنة من وسط إسرائيل بشبهة تخطيطها لاغتيال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وتشير التحقيقات بحسب ما ترجمته عمون، إلى أن المرأة كانت تنوي تنفيذ هجوم باستخدام عبوة ناسفة ضد نتنياهو. ووفقًا للقناة، جرى اعتقالها قبل أسبوعين، لكنها أُفرج عنها لاحقًا بشروط تقضي بمنعها من دخول المؤسسات الحكومية أو التواصل مع نتنياهو. ومن المقرر أن تُقدَّم ضدها لائحة اتهام يوم الخميس بتهم تتعلق بالتآمر لارتكاب جريمة والتخطيط لعمل إرهابي.


رؤيا نيوز
منذ 10 دقائق
- رؤيا نيوز
الملكة تعيد نشر رسالة من الأونروا بشأن غزة
أعادت جلالة الملكة رانيا العبدالله، نشر رسالة من وكالة الغوث الدولية لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين 'الأونروا'، عبر خاصية الستوري في إنستغرام بشأن غزة. وجاء في الرسالة التي أعادت جلالتها نشرها: 'لا يوجد ما يمكن قوله. الكلمات لا تطعم أطفالنا.. رسالة من غزة.'