logo
مشهد إماراتي منسوج من التراث والطبيعة

مشهد إماراتي منسوج من التراث والطبيعة

الإمارات اليوممنذ يوم واحد

بعيداً عن ضجيج المدينة وتسارع المرور، استقبلنا صديقنا الإماراتي سلطان الجروان، في مزرعته الخاصة.
يدعوك المكان إلى أن تخلع عنك أثقال الحياة الحديثة، وأن تُصغي للطبيعة كما كانت، لا كما تُعرض في الشاشات أو تُختزل في الحدائق المسيجة. دعانا إلى جولة بدأت في متحف صغير، وانتهت في حديقة تمور بالحياة.
كان المتحف على الرغم من مساحته المحدودة، نافذة مشرعة على زمن مضى، زمن تُعرض فيه أجهزة التلفاز الأولى، والهواتف الأرضية ذات الأقراص الدوّارة، والمسجلات التي دوّت بأصوات من الماضي. كل قطعة هناك كانت تُذكّرنا بجمال البدايات، وبتفاصيل الحياة التي كادت أن تُنسى. إنها محاولة نبيلة لصون الذاكرة، تُحاكي ما أكده المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، حين شدد على أن الحفاظ على التراث ليس ترفاً، بل ضرورة تربط أهل الإمارات بجذورهم وتُثبّت الهوية في وجه التغيرات السريعة.
لكن المزرعة لم تكن مجرد امتداد طبيعي لهذا المتحف، بل عالم قائم بذاته. مساحة من الأرض تحولت إلى مشهد حي ينبض بتنوع بيولوجي آسر: خيول عربية أصيلة، وماعز يتنقّل بحرية، وقردة تقفز في مرح، وطواويس تنشر ألوانها في فخر، وثعالب تراقبك بعيونها الذكية. حتى الذئاب، تلك التي نهابها في القصص، بدت هنا جزءاً من هذا التناغم الذي لا يفرضه القيد، بل تنظمه الفطرة.
ما يلفت النظر في هذه التجربة أنها لا تحمل طابع الاستعراض، ولا تُقدّم الطبيعة كمشهد للتسلية، بل كمجال للعيش والتعلم والتأمل. في هذا يستحضر صديقنا الإماراتي روح جان جاك روسو، الفيلسوف الفرنسي الذي رأى في الطبيعة مصدراً للأخلاق الفطرية والحرية الحقيقية، كما يُذكرنا بالأميركي هنري ديفيد ثورو، الذي شيّد كوخه قرب بحيرة Walden (والدن) ليحيا «عن قصد». غير أن صاحبنا الإماراتي لم يكتب كتاباً، بل بنى حياة، ولم يتأمل من بعيد، بل انخرط من الداخل، فحوّل أرضه إلى بيان حي عن إمكانية التصالح مع الفطرة، لا بالهروب من الحضارة، بل بإعادة التوازن بينها وبين البرّية.
قام صديقنا الإماراتي بشيء نادر: لقد دعا البرّية ضيفة في مزرعته، وكما كانت مناظر روسو المتخيلة وغابات ثورو، تقف أرضه كرؤية حية لكيف يمكن للإنسان أن يعيش من جديد في جوار الطبيعة. يستحق صديقنا الإماراتي الذي بذل جهداً ملموساً في هذا المضمار، أن يُشاد به ويُحتفى بعمله الكريم، عرفاناً بجميله في خدمة الذاكرة الوطنية.
*باحث زائر في جامعة هارفارد
لقراءة
مقالات
سابقة
للكاتب،
يرجى
النقر
على
اسمه

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

«محاربي الإمارات» تعود بنسختين «عربية - إفريقية» و«دولية»
«محاربي الإمارات» تعود بنسختين «عربية - إفريقية» و«دولية»

الإمارات اليوم

timeمنذ 33 دقائق

  • الإمارات اليوم

«محاربي الإمارات» تعود بنسختين «عربية - إفريقية» و«دولية»

أعلنت اللجنة المنظمة لبطولات محاربي الإمارات للفنون القتالية المختلطة، إطلاق نسختين جديدتين من البطولة التي تنظمها شركة بالمز الرياضية، وذلك بإقامة النسخة الـ59 «العربية الإفريقية المشتركة»، والنسخة الـ60 «الدولية»، يومي 12 و13 يونيو المقبل في «سبيس 42 أرينا» بشاطئ الراحة في أبوظبي. ويتصدر النزال الرئيس في النسخة الـ59، مواجهة العراقي حسين سالم مع الجزائري سامي يحيى، والجنوب إفريقي دييغو باندو مع الجزائري إسلام مصرف، فيما ينافس فيكتور نونيس نظيره محيي الدين أبوبكر على لقب وزن الذبابة. كما يخوض المقاتل فينيسيوس موريرا نزالاً قوياً، أمام المقاتل تانر بوسر على لقب الوزن الثقيل في النسخة الدولية.

الإيطالي بيرلو يقود فريق «يونايتد» في دوري الدرجة الأولى
الإيطالي بيرلو يقود فريق «يونايتد» في دوري الدرجة الأولى

الإمارات اليوم

timeمنذ 33 دقائق

  • الإمارات اليوم

الإيطالي بيرلو يقود فريق «يونايتد» في دوري الدرجة الأولى

علمت «الإمارات اليوم» أن إدارة نادي «يونايتد» الذي يلعب في دوري الدرجة الأولى الإماراتي لكرة القدم، نجحت في التعاقد مع النجم الإيطالي الكبير أندريا بيرلو لقيادة الفريق الأول في الموسم المقبل 2025- 2026، وأنه سيتسلم مهامه مطلع شهر يوليو المقبل. وأكد مصدر مقرب من نادي «يونايتد» أن النجم الإيطالي الذي سبق له تمثيل منتخب إيطاليا في 116 مباراة دولية كلاعب أبدى إعجابه بمشروع نادي «يوناتيد» الذي يهدف الى صناعة فريق بمواصفات عالمية. وسبق للمدرب أندريا بيرلو تدريب نادي يوفنتوس الإيطالي ونادي فاتح كاراغومروك التركي، بينما كلاعب لعب مع أندية إنتر ميلان، وإيه سي ميلان، ويوفنتوس.

متحف زايد الوطني ينظم ندوة «الحفاظ على تاريخنا»
متحف زايد الوطني ينظم ندوة «الحفاظ على تاريخنا»

الإمارات اليوم

timeمنذ 33 دقائق

  • الإمارات اليوم

متحف زايد الوطني ينظم ندوة «الحفاظ على تاريخنا»

نظّم متحف زايد الوطني ندوة خاصة بعنوان «الحفاظ على تاريخنا»، جمعت نخبة من المتخصصين في الترميم، وخبراء التراث، والمهتمين بالعمل المهني في مجال الحفاظ على التراث الثقافي. وهدفت الندوة إلى تنمية المهارات وتعزيز المعرفة في هذا المجال الحيوي. جمعت الندوة بين الجانبين النظري والتطبيقي لتزويد المشاركين بمعلومات شاملة حول أنواع متعددة من المواد والقطع الأثرية، وقد فُتح باب المشاركة أمام جميع المهتمين، ودُعي المشاركون لإحضار قطعهم الخاصة التي يرغبون في تعلّم كيفية الحفاظ عليها، بما في ذلك المخطوطات والمجوهرات والقطع المعدنية. وخلال الورش تلقى المشاركون تدريباً عملياً على أسس حفظ هذه المواد وغيرها. أُقيمت ندوة «الحفاظ على تاريخنا» بالشراكة مع كلية ويست دين المتخصصة في تدريب الحفاظ على التراث، وشركة بلاودن آند سميث.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store