logo
23 شهيدا بغزة معظمهم باستهداف الاحتلال مركزي توزيع مساعدات

23 شهيدا بغزة معظمهم باستهداف الاحتلال مركزي توزيع مساعدات

الجزيرةمنذ 5 ساعات

استشهد 23 فلسطينيا في مناطق متفرقة من قطاع غزة منذ فجر اليوم الاثنين، جراء القصف المتواصل الذي تنفذه قوات الاحتلال، معظمهم باستهداف الاحتلال مركزي توزيع مساعدات جنوبي القطاع ووسطه.
وأفادت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) باستشهاد 8 فلسطينيين برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي في رفح جنوبي قطاع غزة جراء إطلاق قوات الاحتلال النار على المواطنين المجوّعين قرب مراكز توزيع المساعدات.
وأكد مستشفى العودة وصول 28 مصابا بعد استهداف إسرائيلي طال منطقة قرب مركز توزيع مساعدات في محيط حاجز نتساريم وسط قطاع غزة كان الاحتلال استهدفه أمس الأحد أيضا، مما أدى إلى استشهاد وإصابة فلسطينيين.
وأمس الأحد، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة ارتفاع عدد ضحايا ما وصفه بـ"فخاخ المساعدات الأميركية الإسرائيلية" إلى 125 شهيدا و736 مصابا و9 مفقودين منذ 27 مايو/أيار الماضي، بعد استشهاد 13 فلسطينيا وإصابة 153 آخرين في هجومين قرب مركزي توزيع مساعدات أمس.
وأوضح المكتب الحكومي أن هذه المراكز المقامة في مناطق عسكرية مفتوحة وخاضعة بالكامل لسيطرة الاحتلال وشركات أمنية أميركية خاصة أصبحت "فخاخا دموية تُستدرج إليها الحشود الجائعة ليتم استهدافها بالرصاص المباشر والمتفجر".
استمرار المجازر
وفي تطورات ميدانية أخرى قال مصدر طبي بالمستشفى المعمداني إن 11 شهيدا سقطوا في قصف إسرائيلي متواصل على حيي الشجاعية والزيتون بغزة منذ فجر اليوم.
وفي خان يونس ، قال مصدر في مجمع ناصر الطبي إن فلسطينيا استشهد في قصف مسيرة إسرائيلية بلدة عبسان الكبيرة شرقي المدينة.
كما أكد مصدر طبي بالمستشفى المعمداني إصابة فلسطيني في قصف إسرائيلي على حي الشجاعية شرقي مدينة غزة.
وكانت مصادر في مستشفيات غزة قد قالت إن 44 فلسطينيا استشهدوا أمس الأحد، 5 منهم في قصف على خيام للنازحين بمنطقة المواصي غربي مدينة خان يونس، ومن بين الشهداء الخمسة طفلتان.
وأفاد مصدر طبي في مستشفى العودة باستشهاد 3 فلسطينيين وإصابة آخرين في قصف استهدف مخيم النصيرات وسط القطاع.
بدوره، قال مراسل الجزيرة إن القصف المدفعي الإسرائيلي استهدف المناطق الشرقية والجنوبية من مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة.
وفي شمال القطاع شنت طائرات الاحتلال الإسرائيلي غارات عنيفة على مناطق سكنية بمنطقة جباليا البلد.
وأفاد مراسل الجزيرة بأن قوات الاحتلال تواصل قصفها لجباليا البلد منذ أيام عدة، مما أسفر عن ضحايا وإلحاق دمار واسع بالممتلكات.
في غضون ذلك، نقل مراسل الجزيرة في قطاع غزة عن مصادر طبية فلسطينية قولها إن فلسطينييْن استشهدا وأصيب آخرون في غارة من مسيّرة إسرائيلية استهدفت مجموعة من الفلسطينيين بشارع الشفاء غربي مدينة غزة.
وفي استهداف جديد لمراكز إيواء النازحين أفاد مصدر طبي في مستشفى المعمداني بإصابة عدد من الفلسطينيين في قصف إسرائيلي على محيط مدرسة الرافعي بجباليا البلد.
واستهدف جيش الاحتلال المدرسة بصواريخ عدة، مما أدى إلى دمار واسع في المبنى والمناطق المحيطة به، وتؤوي المدرسة آلاف النازحين من مناطق مختلفة في شمال القطاع.
في هذه الأثناء، استشهد الطفل محمد زامل متأثرا بجراح بليغة أصيب بها قبل أسبوع في قصف إسرائيلي على منزل عائلته بجباليا البلد شمالي قطاع غزة.
والطفل محمد هو وحيد عائلته، وُلد عبر عمليات لتعزيز الإخصاب والحمل بعد 15 عاما من الانتظار، وتنقّل والداه بين دول عدة من أجل العلاج.
وخلّفت الإبادة المتواصلة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أكثر من 181 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح -معظمهم أطفال ونساء- وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين، بينهم أطفال، فضلا عن دمار واسع.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تهافت المثقف ودوره التاريخي
تهافت المثقف ودوره التاريخي

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

تهافت المثقف ودوره التاريخي

يُعتبر الإنسان أسيرًا لسياقه الكلّي المرتبط بالظروف التاريخية والسياسية، وهذه ليست ظواهر لحظية طارئة ظهرت في لحظات محددة، بل هي حالة طبيعية نابعة من طبيعة الإنسان التفاعلية. ولعل مقولة أرسطو عن الإنسان بوصفه "كائنًا اجتماعيًّا" تصدق هنا إذا فهمناها بمعنى "كائن متفاعل" مع محيطه وظروفه. ومن الطبيعي أن نتفهّم حال الناس العاديين الذين يتأثرون ببيئاتهم وظروفهم السياسية القاهرة، لا سيما في ظل الاستبداد والظلم، إذ إن معظمهم لا يمتلك الوعي السياسي والتاريخي الكافي الذي يمكّنهم من مقاومة هذه الظروف، فيغدو كثيرون منهم أسرى لها، وقد يضطر بعضهم إلى التخلي عن ثوابته، ودينه، وآرائه، بل حتى عن منظومته الأخلاقية. لكن، لا يمكن أن نحكم بذلك المعيار على المثقفين، فالمثقف يختلف بطبيعته ودوره؛ إذ يمتلك القدرة على التمييز، وقراءة الأحداث، وربطها بالتاريخ، واستخلاص النتائج سواء الحاضرة أو المستقبلية. فالتاريخ، كما يرى كارل ماركس، يعيد نفسه مرتين: الأولى على شكل مأساة، والثانية على شكل مهزلة، في إشارة إلى أن التكرار ينبع من الجهل بالأسباب. من هنا، فإن للمثقف مسؤولية ضخمة ومتعددة الأبعاد، ولا يُعفى منها مهما كانت الظروف، والتخلي عن هذه المسؤولية يُعدّ خيانة للقضية وللمجتمع الذي ينتمي إليه، بل خيانة لدوره الجوهري بوصفه ضميرًا يقظًا للأمة. في المنعطفات الحاسمة من التاريخ، لا يُختبر الساسة وحدهم، بل يُوضع المثقفون أيضًا في ميزان الوعي والموقف.. وتاريخ الشعوب يثبت أن النخب الثقافية إما أن تكون صانعة للوعي الجمعي المقاوم، أو شاهدة زور تمهر خطاب السلطة بختم "الشرعية الثقافية". إعلان وفي ظل الكوارث المتلاحقة التي تمر بها الأمة -وعلى رأسها المأساة الفلسطينية المستمرة- يظهر تهافت المثقف العربي بكل وضوح، حين يلوذ بالصمت، أو ينحاز للجلاد، أو ينشغل بقضايا نظرية لا تمسّ وجع الإنسان في شيء. بينما أكتب هذه الكلمات، هناك أطفال ونساء يُقتلون في غزة على يد آلة القتل الإسرائيلية، التي لم تتوقف منذ بدايات القرن الماضي، بل ازدادت شراسة بعد قيام الكيان الصهيوني عام 1948. وكل هذه الجرائم تُرتكب تحت رعاية أميركية وغربية، وبمباركة صمت عربي مخزٍ لا يبرَّر ولا يُغتفر. لكن هذه ليست الأسباب الوحيدة لما يجري؛ فصمت المثقف، وحياده، بل وانحيازه في أحيان كثيرة للنخب السياسية العربية، أو تبنّيه خطاب الغرب، أو إعادة إنتاج خطابات السلطة، ساهمت كلها في انهيار فادح في الميزان الأخلاقي والإنساني والتاريخي.. وكأن هذا المثقف قد نسي، أو تناسى، أن لمحكمة التاريخ ذاكرة لا ترحم، وأنه في يوم ما، حين يسقط الغبار عن المراحل، لن يكون هناك الساسة الذين رعوا هؤلاء المثقفين، ولن تكون هناك سلطة تحميهم، بل سيكون الجميع ترابًا.. وعندها، في المحكمة الربّانية التي لا يُظلم فيها أحد، وفي المحكمة الإنسانية التاريخية التي لا تجامل، ستكون الكلمة الأخيرة للتاريخ، وسيُسأل القلم عن صمته، والصوت عن خيانته للأمانة، وعن ثمنٍ بخس باع به قضيته وأمته. في مقابل هذا الصمت، لا تزال الشعوب الغربية -رغم كل التحديات- تخرج في مظاهرات داعمة لغزة، رغم ما يتعرض له الناشطون والمتظاهرون هناك من طردوا من أعمالهم، وتضييق أمني وملاحقة سياسية. وقد رأينا في العقود الماضية أمثلة عظيمة لمفكرين غربيين مثل روجيه غارودي، الذي تجرأ على نقد الرواية الصهيونية، ودفع ثمن ذلك باهظًا. وهنا تحديدًا، تبرز مسؤولية النخب الثقافية العربية في قراءة هذا المشهد، وفهم أسباب هذا السكوت الجماهيري العربي المخيف، والبحث في جذوره: أهو ناتج عن القمع؟ عن فقدان الأمل؟ أم عن هيمنة خطاب الاستسلام واللامبالاة؟ لقد حان الوقت أن تتحرك هذه النخب، لا أن تلوذ بالصمت أو تنشغل بقضايا هامشية في زمن المجازر الكبرى.. ولكنها -للأسف- انصرفت لتفكيك الخطاب الذي تحمله جماعات سياسية مثل الإخوان وكل الجماعات التي تتبع للإسلام السياسي. وهذه الـ"نخب" في موقفها تشبه القساوسة الذين كانوا يتناقشون في طبيعة الملائكة أثناء دك حصونهم من قبل محمد الفاتح أثناء حصار القسطنطينية. إن دور المثقف في هذا السياق ليس دورًا ثقافيًّا تقليديًّا، ولا يقتصر على المحاضرات أو الكتابات الفكرية والاحتفالية، بل هو دور نابع من ضمير الأمة، ومن أمانة المعرفة التي يحملها. فكم من مثقف تحوّل في لحظة وعي إلى منارة لشعبه، محذرًا من المخاطر المحدقة بالأمة من كل صوب! المعركة في فلسطين ليست صراعًا بين "فصيل إخواني" وإسرائيل، كما تحاول الأخيرة تسويق ذلك للعالم.. هذا التصوّر المُضلّل قد تبنّته بعض النخب الثقافية العربية، بما يكشف حجم الانحراف في رؤيتها إسرائيل لم تكن -ولن تكون- إلا عدوًّا لشعوب المنطقة، ولا يمكن للمنطقة أن تنعم بالسلام والاستقرار ما دام هذا الكيان قائمًا في قلب الشرق الأوسط. وهنا يأتي دور المثقف الحقيقي في فضح خطورة هذا الكيان، وتبيان استحالة تحقيق "سلام" حقيقي معه؛ فالمعركة معه معركة وجود، لا تفاوض ولا تسويات، إنها معركة صفرية: إما نحن، وإما هو. وفي هذا الوقت العصيب، يصبح الانشغال بموضوعات جدلية مرتبطة بالسلطة أو مسائل سياسية ترفًا فكريًّا لا يليق بسياق المجازر والدمار.. هل يجوز الخوض في هذا النقاش في وقت نعيش فيه ولادة نظام إقليمي جديد، ونظام دولي كذلك؟ فهذه التحولات الكبرى لن تؤثر على حركات الإسلام السياسي فحسب، بل ستطول الأنظمة السياسية نفسها في جوهر بنيتها ووظائفها. المعركة في فلسطين ليست صراعًا بين "فصيل إخواني" وإسرائيل، كما تحاول الأخيرة تسويق ذلك للعالم.. هذا التصوّر المُضلّل قد تبنّته بعض النخب الثقافية العربية، بما يكشف حجم الانحراف في رؤيتها، ومدى التشوه الذي أصاب الخطاب الثقافي العام. والقضية ليست مجرّد "7 أكتوبر"، ولا قضية أسرى؛ بل هي صراع على مشروع وجودي خطير، تسعى من خلاله إسرائيل إلى تحقيق ما يُعرف بـ"إسرائيل الكبرى"، وقد تحققت بالفعل، لا بالمعنى الجغرافي أو الديمغرافي، بل من خلال التمدد في النفوذ والسيطرة. ماذا جلبت اتفاقية السلام لمصر؟ إنها تعاني أزمات اقتصادية وجيوسياسية، ومحاطة بالنيران.. ولم تكن الدبلوماسية في سوريا مع النظام الوحشي أكثر نفعًا، بل إن الفعل الثوري وحده هو ما هزّ النظام القمعي هناك، لا المهادنة ولا الصفقات. الأمر ذاته ينطبق على إسرائيل، فهي دولة عدائية لا ترى في العرب إلا كائنات دونية، كما وصفهم وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت عندما شبههم بـ"الحيوانات البشرية". فمتى يستفيق ضمير المثقف من سباته السلطوي؟ متى يعود إلى رشده ويتوقف عن خيانة ضميره وفكره وثقافته؟ حتى النخب السياسية التي يدافع عن سياساتها ليست في مأمن من الخطر الإسرائيلي، كما تظن، بل هي في صلب الاستهداف، وإن لم تدرك ذلك بعد. المحكمة التاريخية لن ترحم أحدًا، وستدين كل من خان قلمه، وخان أمته، وباع قضاياه مقابل فتاتٍ من سلطة أو جاه.. فليعد المثقف إلى بيئته، وإلى مصالح شعبه الإستراتيجية، بعيدًا عن رؤية السلطة والنخب الحاكمة التي رهنت مصير الأمة لأعدائها.

العمل الخيري في مناطق النزاع: عبور "الجبهة الإنسانية" نحو أفق جديد
العمل الخيري في مناطق النزاع: عبور "الجبهة الإنسانية" نحو أفق جديد

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

العمل الخيري في مناطق النزاع: عبور "الجبهة الإنسانية" نحو أفق جديد

لطالما ارتبط العمل الإنساني في المخيلة البشرية بصورةٍ من النبل المطلق؛ أيادٍ ممدودة بالعون تعبر الحدود والحواجز لتبلسم جراح المنكوبين، مدفوعة بقيمة إنسانية عالمية تتجاوز السياسة والعرق والدين. كانت هذه الصورة، في جوهرها، تعبيرًا عن حصانة أخلاقية تمنح العاملين في هذا الحقل تذكِرة عبور آمنة في أكثر بقاع الأرض اشتعالًا. لكن، على مدى العقدين الماضيين، بدأت هذه الصورة المثالية تتشظى، وتلك الحصانة تتآكل، ليجد العمل الخيري نفسه في قلب العاصفة. في ورقة عمل بحثية مؤثرة صدرت عام 2008، صاغ الباحث برونو دي كوردييه مصطلحًا دقيقًا لوصف هذا الواقع الجديد: "الجبهة الإنسانية الأمامية" (The Humanitarian Frontline). هذا المفهوم لا يشير إلى خط تماس جغرافي، بل إلى سياق عملياتي معقد أصبحت فيه المساعدات الإنسانية خاضعة للاستقطاب، ومُسيَّسة، ومرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بأجندات أمنية وجيوسياسية. يستكشف هذا المقال أبعاد هذه الجبهة المعقدة، انطلاقًا من تآكل النموذج التقليدي، مرورًا بازدواجية دور الفاعل الديني، وصولًا إلى ما كشفته حرب غزة من تجسيد دامٍ لهذا الواقع، لنستشرف في النهاية ملامح إستراتيجية جديدة للبقاء والتأثير. تآكل النموذج التقليدي: حين يصبح "الحياد" تهمة كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، وما تلاها من "حرب على الإرهاب"، بمثابة نقطة تحول زلزلت أسس العمل الإنساني. فمع غزو أفغانستان ثم العراق، وتنامي الخطاب العالمي الذي يقسم العالم وفق "معنا أو ضدنا"، أصبح من المستحيل تقريبًا الحفاظ على مسافة آمنة من السياسة. لقد تمَّ دمج المساعدات الإنسانية والتنموية بشكل متزايد ضمن إستراتيجيات الأمن القومي للدول المانحة الغربية، بوصفها أداة من أدوات القوة الناعمة لتحقيق الاستقرار وكسب "القلوب والعقول". هذا "الاستتباع" السياسي، سواء كان حقيقيًا أم متصورًا، قاد إلى نتيجة كارثية على الأرض: تآكل الثقة؛ ففي نظر شرائح واسعة من المجتمعات المحلية في مناطق النزاع، لم يعد بالإمكان التمييز بوضوح بين الجندي الغربي الذي يحمل بندقية، والدبلوماسي الذي يقدم وعودًا سياسية، والعامل الإنساني الذي يوزع الطحين. صار الحياد الذي تتغنى به المنظمات الإنسانية في مواثيقها تهمة لا فضيلة، وبات يُنظر إليه كقناع يخفي أجندة استعمارية جديدة. هذا الواقع لم يؤدِّ فقط إلى زيادة المخاطر الأمنية، بل قوّض أيضًا من فاعلية البرامج نفسها، تاركًا فراغًا هائلًا على الأرض. صعود الفاعل الديني: ملء الفراغ أم تعميق الانقسام؟ في خضم هذا الفراغ، بزغ نجم فاعل جديد قديم: المنظمات الخيرية القائمة على أساس ديني. لم يكن صعودها وليد الصدفة، بل جاء نتيجة لقدرتها على تقديم نموذج يستمد شرعيته من الداخل. تتمتع هذه المنظمات بمزايا نسبية لا يمكن تجاهلها، أهمها التجذر الثقافي والشرعية المحلية المستمدة من مؤسسات دينية موثوقة، وشبكات اجتماعية أصيلة. لكن هذا الصعود محفوف بازدواجية معقدة، فالقوة التي تمنحها الهوية الدينية لهذه المنظمات هي نفسها مصدر خطرها الأكبر؛ فهناك خطر الاستغلال والتوظيف السياسي من قبل أطراف النزاع أو الجماعات المتطرفة، وخطر الانغلاق والطائفية الذي قد يعمق الانقسامات الاجتماعية. وفوق كل ذلك، تواجه هذه المنظمات -وخاصة الإسلامية منها- تحديًا خارجيًا هائلًا، يتمثل في القيود المالية المشددة المفروضة من قبل الحكومات الغربية تحت شعار "مكافحة الإرهاب". وهكذا، تجد المنظمة الخيرية الدينية نفسها عالقة بين مطرقة الشكوك المحلية وسندان القيود الدولية. ولم تكن هناك ساحة كشفت هذه التعقيدات بشكل أكثر مأساوية من غزة. غزة 2024: التجسيد الدامي لـ "الجبهة الإنسانية الأمامية" لقد حولت الحرب على غزة منذ أواخر 2023 مفهوم "الجبهة الإنسانية الأمامية" من إطار نظري إلى حقيقة دامية لا يمكن إنكارها. لقد أصبحت غزة المختبر الأكثر وحشية الذي تتجسد فيه كل مخاطر تسييس المساعدات، حيث تحول العمل الإنساني إلى جزء من ساحة المعركة نفسها. أولًا، تجلى استخدام الغذاء كسلاح حرب بأوضح صوره عبر سياسة الحصار الخانق، والتحكم الصارم في المعابر، إذ تحولت المساعدات من حق إنساني أساسي إلى أداة ضغط عسكري، يتم منحها أو منعها بما يخدم أهداف الحرب، وهو ما وثقته كبرى المنظمات الحقوقية العالمية. ثانيًا، شهدت هذه الجبهة الانهيار الكامل لمبدأ الحصانة الإنسانية.. كانت حادثة مقتل سبعة من عمال الإغاثة التابعين لمنظمة "المطبخ المركزي العالمي" (World Central Kitchen) بغارات إسرائيلية دقيقة، في أبريل/ نيسان 2024، بمثابة الصدمة التي كشفت هذا الواقع. لم يكن الضحايا في المكان الخطأ بالصدفة؛ لقد تم استهداف قافلتهم المعروفة والمنسقة مسبقًا، ما بعث برسالة واضحة مفادها أنه لا يوجد مكان آمن للمساعدات في غزة. ثالثًا، وهو الأخطر، برزت إشكالية "الأيادي الخفية" وتوظيف الواجهات الإنسانية؛ فمع إنشاء الرصيف البحري الأميركي، الذي قُدّم كحل إنساني، تكشفت خيوط علاقة معقدة بين العمل العسكري والإنساني. بلغت أزمة الثقة ذروتها بعد عملية تحرير الرهائن في النصيرات، حيث ظهرت اتهامات قوية بأن المنطقة المحيطة بالرصيف الإنساني قد استُخدمت كغطاء للعملية العسكرية. هذا التداخل بين ما هو إنساني وما هو عسكري-استخباراتي دمر ما تبقى من ثقة لدى السكان المحليين، وحوّل الرصيف من ممر للغذاء إلى أداة عسكرية مشبوهة في نظرهم، ما ورط المنظمات الإنسانية، وجعلها عرضة للاتهام بالتواطؤ. إن أحداث غزة أثبتت أن "الجبهة الإنسانية" لم تعد مجرد نظرية، بل هي واقع يومي يُقتل فيه عامل الإغاثة، ويُستخدم فيه رغيف الخبز كأداة حرب، وتُطمس فيه الحدود بين يد العون ويد القوة القاهرة. ما بعد الجبهة الأمامية: ملامح إستراتيجية جديدة للبقاء والتأثير إن عبور هذه الجبهة الدامية لا يعني العودة إلى نموذج البراءة المفقود، بل يتطلب تطوير إستراتيجية جديدة أكثر نضجًا ووعيًا بالواقع. لم يعد كافيًا أن تكون النوايا حسنة؛ بل يجب أن تقترن بالحكمة والاحترافية والجرأة. ويمكن تحديد ملامح هذه الإستراتيجية في ثلاثة محاور رئيسية: الاحترافية الجذرية والشفافية المطلقة: لمواجهة تهمة التسييس وسوء الإدارة، يجب على جميع المنظمات الخيرية أن تتبنى أعلى معايير الحوكمة الرشيدة. هذا يعني وجود أنظمة محاسبة مالية صارمة، وآليات واضحة للمراقبة والتقييم، ونشر تقارير دورية شفافة. الشفافية لم تعد ترفًا، بل هي درع الحماية الأساسي في بيئة مليئة بالشكوك. نحو "المَحَلّيّة المفرطة" (Hyper-Localization): أثبتت التجربة أن الحلول الأكثر استدامة هي تلك التي تنبع من المجتمع نفسه. على المنظمات الدولية الكبرى أن تتخلى عن دور المنفّذ المباشر، وتتحول إلى دور المُمكّن والداعم للمنظمات المحلية. يجب تحويل السلطة والموارد والقرار إلى الفاعلين المحليين الذين يمتلكون المعرفة والثقة والقدرة على الوصول. بناء الجسور وتوسيع التحالفات: في عالم مستقطب، يكمن الأمان في بناء التحالفات الواسعة.. على المنظمات الدينية أن تسعى بوعي لتقديم خدماتها للجميع دون تمييز، وأن تبني شراكات مع منظمات من خلفيات أخرى، بما فيها العلمانية. وعلى المنظمات العلمانية أن تتخلى عن نظرتها الفوقية للدين، وأن تعترف بالدور الإيجابي الذي يمكن أن يلعبه الفاعلون الدينيون. في الختام، إن مفهوم "الجبهة الإنسانية الأمامية"، الذي تجسد بأبشع صوره في غزة، ليس حكمًا بالإعدام على العمل الخيري، بل هو دعوة للاستيقاظ.. إنه يجبرنا على التخلي عن التبسيط، والنظر بعمق في تعقيدات عالمنا. إن الطريق إلى الأمام ليس بالعودة إلى حياد مستحيل، بل بصياغة "حياد ملتزم"، حياد لا يعني الصمت عن الظلم، بل يعني الالتزام المطلق بالمبادئ الإنسانية الأساسية، والتفاوض بصلابة للحفاظ على مساحة مستقلة للعمل، والتجذر بعمق في المجتمعات التي نخدمها. إن عبور هذه الجبهة يتطلب جيلًا جديدًا من العاملين في الحقل الإنساني، يجمع بين إيمان القلب وعقلانية التخطيط، ليستعيدوا للعمل الخيري جوهره الأصيل: كونه أسمى تعبير عن إنسانيتنا المشتركة.

"عيدٌ بأية حال عدتَ يا عيد".. غزة بلا عيد
"عيدٌ بأية حال عدتَ يا عيد".. غزة بلا عيد

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

"عيدٌ بأية حال عدتَ يا عيد".. غزة بلا عيد

"عيدٌ بأية حالٍ عدتَ يا عيد".. مطلع أبيات من قصيدة الشاعر أبي الطيب المتنبي، رددها الفلسطينيون دومًا، وكُتبت على جدران حواريهم وأزقتهم وبيوتهم؛ فدومًا اقترن العيد بالحزن والمعاناة والألم، بسبب الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه واعتداءاته، لكن الوضع الآن يختلف كليًا. للعام الثاني على التوالي، لم يأت العيد بتاتًا في قطاع غزة، وعشية عيد الأضحى يعيش القطاع حرب إبادة قضت على كل -بل أبسط- معالم الحياة، فاختفت ملامح وطقوس العيد، فلا تجهيزات ما قبل العيد في الأسواق، والحركة الشرائية معدومة، ولا زينة ولا صلاة عيد، ولا أضاحي ولا زيارات للأرحام والأقارب والجيران والأهل. عيد بلا أضحية في غزة، التي تميزت بالأضاحي وذبحها في المسالخ الرسمية ومداخل البيوت، أو حتى في الطرقات، في مشهد لم يغب عن غزة طيلة عمرها، حتى في أصعب ظروفها، لكنه يختفي اليوم للعام الثاني بسبب الحرب والقتل اليومي وإغلاق المعابر، علمًا أن غزة في عام 2023 -أي ما قبل حرب الإبادة- شهدت ذبح نحو 17 ألف رأس من العجول، ونحو 24 ألف رأس من الأغنام، في حين لم تُذبح أضحية واحدة العام الماضي، والعام الحالي سيكون الحال كذلك في ظل إغلاق المعابر من قبل الاحتلال ومنع إدخال أي شيء. إعلان غابت عن شوارع القطاع ملامح البهجة والفرحة، واختفت حبال الزينة والإضاءة الملونة وأراجيح الأطفال، وحل مكانها الركام والدمار في كل الشوارع والأحياء والأزقة، والمنتزهات العامة المُدمَّرة، والأراجيح المكسرة والمحروقة. عيد والناس تعيش الموت كل لحظة، وتنزح من بيوتها وشوارعها لتسكن الخيام ومراكز الإيواء بلا مقومات للحياة، وبلا طعام ولا شراب، والمرض ينتشر بين أطفالها بسبب سوء التغذية. من لهؤلاء اليوم، وهم يعيشون الجوع الحقيقي؟ الجوع الذي دفعهم لأكل الطحين المسوس، جوع قتل أطفالهم وكبارهم بسبب سوء التغذية، جوع حرمهم اللحوم والخضراوات والفواكه وجميع أنواع الطعام، حتى وصل رغيف الخبز! عيد يأتي والناس في مجاعة حقيقية، حذرت منها كل الهيئات والجهات الدولية والحقوقية، دون أن يتحرك أحد بشكل فعلي للضغط على الاحتلال لوقف هذه الإبادة ومحاربة الناس بالتجويع. في العيد، حيث كانت الأضاحي تصل كل فقير وكل محتاج وكل مواطن في غزة بكميات كبيرة، تعوضهم عن عدم قدرتهم على شراء اللحوم طيلة العام، بسبب الوضع المعيشي الصعب، وارتفاع نسبة الفقر، تصلهم بكميات كبيرة من خلال أقربائهم وجيرانهم ميسوري الحال، ومن خلال الجمعيات والمؤسسات الخيرية، حيث كانت تعوضهم عن حرمانهم منها لفترات طويلة، وتدخل البهجة والسرور على العائلات والنساء والأطفال والرجال. من لهؤلاء اليوم، وهم يعيشون الجوع الحقيقي؟ الجوع الذي دفعهم لأكل الطحين المسوس، جوع قتل أطفالهم وكبارهم بسبب سوء التغذية، جوع حرمهم اللحوم والخضراوات والفواكه وجميع أنواع الطعام، حتى وصل رغيف الخبز!. من لهؤلاء ممن يعيشون وضعًا إنسانيًا هو الأسوأ منذ بداية الحرب في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وفق تحذير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"؟ فالواقع في القطاع لا يتخيله عقل، وكافة الأخبار الصادرة عن جهات دولية عدة تشخص الواقع في القطاع؛ فالمتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قال إن واحدًا من كل 5 أشخاص في غزة يواجه المجاعة، في حين يواجه السكان بأكملهم مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد وخطر المجاعة. كذلك، حذر بيان صحفي مشترك لبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للأطفال (يونيسيف) من أن خطر المجاعة يهدد جميع أنحاء غزة، وأن الأسر تتضور جوعًا، في حين أن ما يحتاجونه من غذاء عالق على الحدود، وأن أكثر من 116 ألف طن من المساعدات الغذائية، تكفي لإطعام مليون شخص حتى 4 أشهر، جاهزة عند ممرات المساعدات لإدخالها، ما يتطلب من المجتمع الدولي التحرك فورًا لاستئناف تدفق المساعدات إلى غزة مجددًا. أما منظمة الصحة العالمية، فقالت إنه يجب إنهاء حصار غزة، فالناس يموتون بينما الإمدادات على بعد دقائق وجاهزة للتوزيع! فماذا ينتظر العالم بعد هذا؟.. وهل سيبقى الموقف الدولي مقتصرًا على البيانات دون تدخل حقيقي وفاعل وضاغط لإنهاء هذه الكارثة الحقيقية؟

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store