logo
جراح أميركي: ما أجريته من عمليات أطفال بغزة في ليلة واحدة أكثر مما أجريه عاما كاملا بأميركا

جراح أميركي: ما أجريته من عمليات أطفال بغزة في ليلة واحدة أكثر مما أجريه عاما كاملا بأميركا

الجزيرة١٠-٠٤-٢٠٢٥

الجراح الأميركي فيروز سيدوا، ليس غريبا على مناطق الحروب والكوارث، سبق له التطوع في أوكرانيا وهايتي وزيمبابوي، لكن الوضع الذي عاشه في قطاع غزة لا يضاهيه وضع في الصعوبة، كما يقول.
وصل جراح الصدمات والعناية المركزة -حسب تقرير لمجلة +972 بقلم ميشال فيلدون- إلى غزة من كاليفورنيا مسعفا متطوعا، في مستشفى ناصر، وأصابت المستشفى غارة جوية إسرائيلية مباشرة. قال الجيش الإسرائيلي وقتها، إنها استهدفت إسماعيل برهوم ، العضو البارز في المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، الذي كان يعالج من جروح أصيب بها في غارة جوية سابقة.
لكن القصف أسفر عن مقتل مريض فيروز، وهو فتى اسمه إبراهيم عمره 16 عاما، وقال فيروز "لم أتوقع قط أن يقتل مريض على سريره في المستشفى. لو لم أنقل إلى وحدة العناية المركزة، لربما قتلت وأنا أقف إلى جانب إبراهيم".
وذكر الكاتب بأنه التقى فيروز لأول مرة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما أرسل هو ونحو 100 من الكوادر الطبية الأميركية رسالة مفتوحة إلى رئيس الولايات المتحدة جو بايدن ونائبته كامالا هاريس وقتها، موضحين ما شاهدوه في مستشفيات غزة، وداعين إلى إنهاء الحرب ووقف شحنات الأسلحة الأميركية إلى إسرائيل.
130 مريضا في ست ساعات
بعد ذلك عاد فيروز إلى الولايات المتحدة، وشارك في مقابلات وندوات إلكترونية ومقالات، قبل أن يعود في مارس/آذار، إلى غزة في مهمة تطوعية ثانية في قسم الجراحة بمجمع ناصر الطبي في مدينة خان يونس الجنوبية.
ورغم الظروف الصعبة للغاية، منذ أن خرقت إسرائيل وقف إطلاق النار، الشهر الماضي، يصف فيروز فترة عمله الأولى، أنها كانت أصعب مما بعدها، وقال "في تلك المرة، وصلنا إلى المستشفى الأوروبي ومعركة خان يونس مستمرة، ولم تمر بنا لحظة واحدة دون قصف".
وعلى عكس المستشفى الأوروبي، فإن مستشفى ناصر حاليا، لا يستخدم كمخيم للنازحين، أما آنئذ "فلم يكن بإمكانك العمل -كما يقول فيروز- لأن النساء يقطعن الخضراوات ويحضرن الحساء في حوض وحدة العناية المركزة، ووقتها لم أجر عملية مع جراح آخر، أما الآن فيوجد جراح فلسطيني في كل عملية، ولم يقصف المستشفى".
ومع أن فيروز ليست لديه أي صلة شخصية بفلسطين، ولا يعرف سوى ثلاث كلمات من العبرية واثنتين من العربية، فقد اختار العودة إلى غزة، الشهر الماضي في زيارة ثانية، مستغلا فرصة وقف إطلاق النار الذي كان يعلم جيدا أنه لن يدوم.
في هذه المرة نفذت إسرائيل ما عرف "بمجزرة رمضان"، عندما هاجمت نحو 100 موقع تزامنا في وقت السحور، فقُتل أكثر من 400 فلسطيني، منهم 174 طفلا. يقول فيروز "عندما بدأ القصف انفتح باب شقتنا واصطدم بالخزانة خلفه. هذا ما أيقظني".
ويتذكر فيروز أنهم عاينوا 130 مريضا في ست ساعات، ويقول "أجريت ست عمليات جراحية على الفور وثلاث عمليات أخرى على مدار اليوم، نصفها كان لأطفال صغار، وهو أمر لست معتادا عليه إطلاقا. عالجت عددا من صدمات الأطفال في تلك الليلة، يفوق ما أعالجه في عام كامل في الولايات المتحدة".
ويقارن فيروز بين تفجيرات ماراثون بوسطن عام 2013، حيث مراكز الصدمات الرئيسية في المدينة تتسع لنحو 4000 سرير، وقال إنها لا تتجاوز "عدد المرضى الذين عالجناهم في ليلة واحدة في مستشفى ناصر يوم 18 مارس/آذار".
منطقة مخصصة لموت الأطفال
ومع أن هذا كان حدثا ضخما من حيث الإصابات الجماعية، فإنه لم يكن الأسوأ الذي رأوه هنا -كما تقول المجلة- إذ يتذكر الجراحون في مستشفى ناصر أياما، كان قسم الجراحة يجري فيها 100 عملية في اليوم، وهو ما يفوق أي مستشفى آخر على وجه الأرض، وهم يفعلون ذلك يوميا لعدة أشهر.
ويشرح فيروز كيف قسم الطاقم الطبي المرضى إلى فئات ملونة، الأخضر للجرحى العاديين، والأصفر لمن حياتهم في خطر، والأحمر للتقييم الفوري، أما الأسود فللحالات التي ستنقل مباشرة إلى المشرحة، غير أن الأطفال لا توضع لهم علامة سوداء، بل ينقلون مباشرة إلى المشرحة أو إلى منطقة مخصصة ليموتوا فيها، ترافقهم فيها عائلاتهم للدعاء".
وكان فيروز، الذي يدرك تماما أن قراره بالتطوع في غزة يعرض حياته للخطر، يقول لأي طبيب يتصل به للتطوع "هذا أعنف مكان زرته في حياتي. ربما يكون أعنف مكان على وجه الأرض في السنوات الستين الماضية"، ويضيف "عليكم أن تفهموا أنكم ذاهبون إلى مكان يستطيع فيه الإسرائيليون قتلكم إذا أرادوا دون خوف من العقاب، ولن تفعل حكوماتكم شيئا على الإطلاق".
ويتذكر فيروز، أن موظفة من السفارة الأميركية في إسرائيل، اتصلت للاطمئنان عليه بعد أن رأت تغريدته عن قصف المستشفى، وقال لها "هل يمكنك أن تطلبي من الإسرائيليين التوقف عن قصف مستشفى ناصر؟" فأجابت "كما تعلم هذا ليس دورنا".
ويقول فيروز "ليست المعاناة ما يؤلمني، بل حقيقة أنني أتحمل قدرا كبيرا من المسؤولية الأخلاقية. هذا ليس هجوما إسرائيليا على غزة، إنه هجوم أميركي إسرائيلي"، ويتساءل "هل كانت أموال دافعي الضرائب هي التي وضعت الشظايا في دماغ هذه الفتاة، أم أموال جاري؟".
ومع ذلك، يصف فيروز إشفاءه جروح الأطفال الفلسطينيين بأنه "إعادة شحن لبطارياتي الأخلاقية"، ويخمن أن وجوده في المستشفى في حد ذاته رادع، "ربما لو لم أكن هنا، لاستخدمت إسرائيل قنبلة من زنة 2000 رطل. لديهم القدرة على تدمير المستشفى بأكمله، لكن إذا قتلوا مجموعة من الأجانب فسيكون ذلك سيئا للغاية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

منظمة الصحة العالمية: خروج آخر مستشفى لعلاج مرضى السرطان في غزة عن الخدمة
منظمة الصحة العالمية: خروج آخر مستشفى لعلاج مرضى السرطان في غزة عن الخدمة

الراية

time١٦-٠٥-٢٠٢٥

  • الراية

منظمة الصحة العالمية: خروج آخر مستشفى لعلاج مرضى السرطان في غزة عن الخدمة

منظمة الصحة العالمية: خروج آخر مستشفى لعلاج مرضى السرطان في غزة عن الخدمة جنيف - قنا : قالت منظمة الصحة العالمية، اليوم، إن آخر مستشفى في غزة يوفر الرعاية الطبية لمصابين بأمراض القلب ولمرضى السرطان توقف عن العمل إثر هجوم إسرائيلي. وجاء في منشور تيدروس أدهانوم غبرييسوس المدير العام للمنظمة على منصة "X"، أن الهجوم الذي وقع الثلاثاء أصاب المستشفى الأوروبي في خان يونس بـ"أضرار بالغة" وجعل الوصول إليه متعذرا. وتابع "أصبح خارج الخدمة"، موضحا أن فريقا من منظمة الصحة العالمية أجلى الطواقم الطبية على نحو عاجل خلال الهجوم. ولفت المدير العام للمنظمة بأن "إغلاق المستشفى أدى إلى توقف خدمات حيوية، بما في ذلك جراحة الأعصاب والرعاية القلبية وعلاج السرطان، وهي (خدمات) غير متوفرة في أنحاء أخرى في قطاع غزة". وأكد "أن هذا الإغلاق ينهي أيضا دور المنشأة بصفتها مركزا رئيسيا للإخلاءات الطبية، ما يزيد الضغوط على النظام الصحي المثقل بالفعل". وشدّد تيدروس على "وجوب حماية المستشفيات". وسلّطت منظمة أطباء بلا حدود الضوء على عواقب هذا الإغلاق وقالت في منشور على منصة إكس إن المستشفى كان "واحدا من أواخر أطواق النجاة في النظام الصحي الغزّي المدمّر"، مشيرة إلى أن مستشفى ناصر هو الآن المرفق الطبي الوحيد الذي ما زال يعمل في خان يونس، في جنوب قطاع غزة. وأشارت إلى أن مستشفى ناصر "تعرض هو أيضا لهجوم في اليوم نفسه قبل بضع ساعات من مستشفى غزة الأوروبي وذلك للمرة الثانية في أقل من شهرين". وقالت أطباء بلا حدود إن "المستشفيات المتبقية في القطاع تعمل جزئيا بغالبيتها وهي دوما (تحت ضغوط) تتخطى قدرتها الاستيعابية".

بالصور.. مستشفى ناصر الطبي يُقصف بمرضاه
بالصور.. مستشفى ناصر الطبي يُقصف بمرضاه

الجزيرة

time١٣-٠٥-٢٠٢٥

  • الجزيرة

بالصور.. مستشفى ناصر الطبي يُقصف بمرضاه

لم يكن المرضى في غرف مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس يتوقعون أن يتحوّل المكان الذي احتموا به طلبا للعلاج إلى ساحة قصف جديدة، لكن فجر اليوم الثلاثاء، الموافق 15 مايو/أيار الجاري، حمل إليهم ما بات مألوفا في غزة منذ بداية الحرب، نيران إسرائيلية لا تفرّق بين جريح وطبيب، ولا تترك لمرافق الصحة فرصة للاستمرار. ومع قصف مبنى الجراحات في المجمع، استُشهد فلسطينيان وأصيب آخرون بينهم مرضى وطواقم طبية، في جريمة وصفتها وزارة الصحة الفلسطينية بأنها "جزء من خطة ممنهجة لتفكيك ما تبقى من المنظومة الصحية في القطاع"، الذي يعيش تحت حرب شاملة من القتل والتجويع والتدمير منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وفي بيان شديد اللهجة، قالت الوزارة إن القصف الإسرائيلي "استهدف بشكل مباشر المرضى والجرحى داخل مجمع ناصر الطبي أثناء تلقيهم العلاج"، مضيفة أن تكرار استهداف المستشفيات يعكس إصرار الاحتلال على "حرمان الفلسطينيين من أبسط حقوقهم في العلاج" وتحويل المرافق الصحية إلى ساحات قتل. ولم يتوقف الاستهداف عند حدود الأسرة الطبية، فقد أكدت المصادر الرسمية في قطاع غزة أن القصف ذاته أسفر عن استشهاد الصحفي حسن إصليح مدير وكالة "علم 24″، ليرتفع عدد شهداء الصحافة منذ بداية العدوان إلى 215 صحفيا، في مشهد يوضح كيف أصبح العمل الإعلامي في غزة مخاطرة بالحياة وسط حرب لا تعترف بقواعد أو حدود. ونعى المكتب الإعلامي الحكومي إصليح، وقال إن "استهداف الصحفيين داخل المستشفيات ليس فقط محاولة لإسكات الحقيقة، بل أيضًا رسالة واضحة مفادها أن لا أحد بمأمن في هذا العدوان". ولم يكن هذا القصف الأول لمجمع ناصر الطبي، فقد سبق أن تعرض المجمع -وهو من أكبر المستشفيات في جنوب القطاع- لقصف وعمليات اقتحام عنيفة من قبل قوات الاحتلال خلال عمليتها البرية في خان يونس مطلع العام الجاري، مما أدى حينها إلى إخراجه عن الخدمة وتهجير مرضاه بالقوة، في واحدة من أبرز الجرائم الموثقة ضد المرافق الصحية. وترى وزارة الصحة الفلسطينية ومراقبون حقوقيون أن استهداف إسرائيل المتكرر للمستشفيات ليس حادثا عرضيا، بل نهجا مستمرا يستهدف تقويض قدرة القطاع على الصمود ودفعَ السكان إلى الاستسلام عبر حرمانهم من العلاج والرعاية. ويؤكد مراقبون أن هذه السياسة تترافق مع استهداف مباشر لسيارات الإسعاف ومراكز الإيواء والمرافق الحيوية، في خرق واضح لاتفاقيات جنيف التي تُلزم الأطراف المتحاربة بحماية المؤسسات الصحية ومنع المساس بها.

نيويوركر: رسالة من مستشفيات غزة المدمرة
نيويوركر: رسالة من مستشفيات غزة المدمرة

الجزيرة

time١٩-٠٤-٢٠٢٥

  • الجزيرة

نيويوركر: رسالة من مستشفيات غزة المدمرة

قالت مجلة نيويوركر، إن الأطباء يقدمون رعاية صحية لإنقاذ حياة آلاف الأشخاص في قطاع غزة ، ويخاطرون بحياتهم، ويعملون في ظل نظام رعاية صحية مدمر بالكامل. ونشرت المجلة شهادة سردية مطولة لطبيب الطوارئ الأميركي كلايتون دالتون، الذي عبر إلى غزة في بعثة طبية من 12 شخصا، بعد أسبوعين من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس). وصف الطبيب بالتفصيل مشاهداته منذ أن عبر جنوب إسرائيل في قافلة تابعة للأمم المتحدة ، تقودها قافلة عسكرية إسرائيلية وسط متاهة من الحواجز الخرسانية، وكيف ترجلوا وحملوا حقائبهم المليئة بالمستلزمات الأساسية كالشاش والمضادات الحيوية، ودخلوا من باب معدني مقاوم للانفجار. بدأ كلايتون دالتون ورفاقه الرحلة من هناك إلى خان يونس في سيارة محطمة الزجاج الأمامي، ووصف مباني المدينة أنها متضررة كلها تقريبا، رأى فيها مئذنة تعلو مسجدا مهدما، وعائلة تشرب الشاي في مبنى بلا سقف، والأطفال يلعبون في كل مكان ويضحكون ويلوحون، ويطيّرون الطائرات الورقية. مهمة غير ملحة وبعد وصف مطول لمستشفى ناصر الذي قضى فيه الليل، ذكر الطبيب الأميركي أن هذا المستشفى تعرض لهجوم كبير في فبراير/شباط 2024، قتل فيه 12 شخصا، وقطعت الكهرباء والأكسجين، وداهمه الجيش الإسرائيلي، وادعى أنه عثر فيه على أسلحة، إضافة إلى أدوية مخصصة للرهائن الإسرائيليين. وقتها -كما يقول الطبيب- جاء في بيان صادر عن الجيش الإسرائيلي أنه "نفذ النشاط العملياتي لضمان أدنى حد من التعطيل لأنشطة المستشفى المستمرة ودون الإضرار بالمرضى والطاقم الطبي"، وقال إنه "سيواصل العمل وفقا للقانون الدولي ضد منظمة حماس الإرهابية، التي تعمل بمنهجية من المستشفيات"، وهي ادعاءات لم يقدم المسؤولون الإسرائيليون أدلة كافية لإثباتها لوسائل الإعلام والمنظمات الدولية. كان أسوأ الدمار في شمال غزة، الذي بدا في بعض الصور مثل هيروشيما بعد القنبلة الذرية، وتعرضت غالبية المستشفيات الـ22 فيه لهجوم مباشر، وكنت أسمع باستمرار أن مستشفى الشفاء قد دمر بالكامل. وصف كلايتون كل أقسام مستشفى ناصر وصفا دقيقا، وتوقف عند وحدة العناية المركزة في الطابق العلوي، وفي جناح الأطفال حيث رسمت شخصيات كرتونية على الجدران، وكان طبيب يعالج الطفلة مريم (9 سنوات)، بعد أن بترت ذراعها في غارة جوية، وأحدثت الشظايا ثقبا بين مثانتها ومستقيمها، وخضعت لخمس عمليات جراحية، ويقول الطبيب المعالج "لا أشعر أن هذا حقيقي. كيف يمكن لشيء فظيع كهذا أن يكون حقيقيا؟". ونقل كلايتون شهادات الطواقم الطبية في المستشفيات، وذكر أنه كان يتوقع أن يختبئ في مستشفى واحد ويقضي أسبوعين في علاج الناس فيه، ولكن انسحاب القوات الإسرائيلية من أجزاء من غزة، وتوقف الغارات الجوية، وعودة العائلات النازحة إلى الأماكن التي فرت منها، جعلت مهمته طبيبَ طوارئ غير ملحة، فاقترح مدير مستشفى الأقصى عليه، بدلا من إدارة قسم طوارئ هادئ، أن يوثق حالة المستشفيات في جميع أنحاء غزة. وقد أتاحت هذه المهمة للطبيب فرصة الحصول على صورة كاملة على نحو غير معتاد عن حالة البنية التحتية الطبية في غزة -كما يقول- إذ زار مركز إسعاف بجوار مستشفى الأقصى، وقال "لما سألت المسعفين عن أصعب ما في هذا العمل، قال أحدهم، الاستجابة لغارة جوية واكتشاف أنها على عائلتك. وقال آخر: انتشال جثث الأطفال. ثم أضاف "من الغريب أن العالم سمح بحدوث هذا لنا". مقبرة جماعية أمام المستشفى "أخذني طالب الطب المرافق أيضا إلى قسم جراحة العظام، حيث شرح لي طبيب عظام "الإصابات المتفجرة ملوثة. نحن نعمل على الحد من الأضرار"، وهناك خضع نحو 26 ألف شخص لعمليات تثبيت خارجية في غزة، وسينتظر كثير منهم سنوات لإجراء جراحة المتابعة. قال طبيب العظام "ستكون حياتهم بائسة". أراني صورة لقدمي مريض مشوهتين، تطلبتا البتر". في صباح اليوم الخامس -كما يقول كلايتون- انطلقت سيرا على الأقدام مع أحمد العسولي، أحد منسقي البعثة الطبية، على طريق الرشيد المحاذي للبحر الأبيض المتوسط، لزيارة أهم المستشفيات في الشمال، وهو أمر يندر أن يتمكن منه شخص غريب منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، لأن الجيش الإسرائيلي لا يسمح للصحفيين الأجانب بالزيارة دون مرافقة، وكثيرا ما كان العاملون الطبيون يقيمون في مستشفى واحد لأسباب أمنية. وبعد وصف مشاهد رأوها في الطريق وكانوا يركبون مقطورة تجرها سيارة مرة، وسيارة متهالكة مرة أخرى، وصلوا إلى مستشفى كمال عدوان في شمال مدينة غزة، وكان مختلفا تماما عن أي منشأة صحية، فقد زعم الجيش الإسرائيلي أنه كان مركز قيادة عسكرية لحماس، وقد دمره حريق خلال غارة للجيش الإسرائيلي. وفي قسم الطوارئ انتشرت رائحة كريهة، وتناثرت قوارير زجاجية محطمة تحت أقدامنا -كما يقول كلايتون- واستخدمنا هواتفنا المحمولة لإضاءة الطريق، "قادني الدكتور حمد إلى الطابق العلوي، حيث احترقت أقسام الولادة، وفي وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة، كانت الحاضنات مدمرة متناثرة على الأرض"، وبعد مداهمته هذه الوحدة، نشرت إسرائيل فيديو لما قالت إنه أسلحة عثر عليها في إحدى الحاضنات. في جناح آخر، أرانا حمد ثلاث غرف عمليات متفحمة، وكان جناح غسيل الكلى المدمر في نهاية الممر. خرجنا من المستشفى من المدخل الرئيسي السابق، لكنه أصبح الآن حفرة في واجهة متفحمة ومتداعية. أخبرني حمد أن أمام المستشفى مقبرة جماعية. سألته عن عدد الأشخاص المدفونين فيها، فقال "لا نعرف". اتخذ عز من مستشفى الشفاء منزلا له بعد أن دمر منزله في اليوم الثاني من الحرب، وكان أكبر منشأة طبية في غزة، وهو يضم 700 سرير و25 غرفة عمليات، ولكن الجيش الإسرائيلي قال، إن معلومات استخبارية تشير إلى وجود مركز قيادة لحماس في أنفاق تحته، وشن عليه غارة جعلته عاجزا عن العمل. وأثناء الغارة، اضطر الأطباء إلى إجراء عمليات فتح الصدر لتخفيف الضغط الناتج عن الإصابات الداخلية، دون مسكنات أو مهدئات، وقال عز "كان صراخ المرضى عاليا جدا"، وقد مات معظمهم لتوقف التنفس. أجهزة دمرت عمدا وذكر كلايتون أن معتز حرارة، مدير قسم الطوارئ في مستشفى الشفاء استقبله في عيادة خارجية سابقة قرب المستشفى، حولها إلى غرفة طوارئ صغيرة، أما بقية المستشفى فقد هجرت، وأصبحت ردهته الكبيرة الآن كومة من الحديد والخرسانة المسحوقة، يقول "شققنا طريقنا بحذر عبر نقالات ومعدات محترقة إلى النصف الخلفي من الطابق الأرضي، الذي كان يضم قسم الطوارئ". كانت غرفة الطوارئ واسعة ومغطاة بالسخام، ولم يتبق من جدارها الخلفي سوى أعمدة عدة، "استطعت من الفراغات بينها، رؤية مقبرة كبيرة خلف المستشفى، حيث أعيد استخدام الأنقاض كشواهد قبور". في هذه المرحلة من السرد، ذكر كلايتون، أن إسرائيل وقعت على اتفاقيات جنيف التي تنص على أنه "لا يجوز بأي حال من الأحوال أن تكون المستشفيات المدنية هدفا للهجوم"، وأوضح أن تعديل عام 1977 يحظر أي هجوم "يتوقع أن يسبب خسائر عرضية في أرواح المدنيين أو إصاباتهم، أو أضرارا بالأعيان المدنية"، وتعهدت إسرائيل علنا بتجنب استهداف البنية التحتية والأفراد غير العسكريين، وصرح سفيرها لدى الاتحاد الأوروبي "سنبذل قصارى جهدنا حتى لا نؤذي الأبرياء. نحن ملزمون ب القانون الدولي". ولكن فريقا من باحثي جامعة هارفارد نشر تحليلا للمسافة بين مستشفيات غزة والحفر الناجمة عن قنابل "إم كيه 84″ (MK84) التي تزن ألفي رطل، وأشار إلى أن مستشفيات غزة كان 84% منها ضمن نطاق الضرر الناجم عن حفر من هذا النوع، وكان ربعها ضمن النطاق المميت، وقال غريغ غرينو، وهو أحد مؤلفي الورقة "لا أرى أي دليل على أنهم حاولوا حماية المدنيين أو البنية التحتية المدنية". وعند وصفه منطقة بيت لاهيا ، قال كلايتون، إن منازل كثيرة فيها لم تتضرر، بل سويت أرضا، وأن المستشفى الإندونيسي كان أحد المباني القليلة التي لا تزال قائمة هناك، رغم أنه تعرض للقصف، حسبما بلغه. هناك قادهم طبيب القلب ومدير المستشفى مروان سلطان عبر ممرات مظلمة، حيث لم يبق سوى قسم الطوارئ يشتغل، وقال سلطان، إن الأطباء أجروا جراحات أعصاب على كرسي طبيب أسنان، وبتروا أطرافا على الأرض، وأرانا في الخارج حطام عدة مولدات كهربائية ومحطة أكسجين، وقال إن القوات الإسرائيلية "دمرت رئتي المستشفى". ويتابع كلايتون "دخلنا غرفة تخزين كبيرة في ركن وحدة العناية المركزة، كانت مكتظة بالأجهزة الطبية، أجهزة الموجات فوق الصوتية، ومضخات المحاليل الوريدية، وأجهزة غسيل الكلى، وأجهزة مراقبة ضغط الدم، وبدا أن كل واحد منها قد دمر برصاصة، لا بإطلاق نار عشوائي، بل بطريقة منهجية، صدمتُ ولم أستطع التفكير في أي مبرر عسكري محتمل لتدمير معدات إنقاذ الحياة. وعندما طلبت تعليقا من الجيش الإسرائيلي، قال المتحدث باسمه "إن الادعاءات بأن الجيش الإسرائيلي يستهدف المعدات الطبية عمدا ادعاءات زائفة قطعا". عودة الحرب غادر كلايتون غزة عائدا إلى الولايات المتحدة في فبراير/شباط، وفي الثاني من مارس/آذار منعت إسرائيل جميع المساعدات الإنسانية، بما فيها الإمدادات الطبية من دخول غزة، وفي ليلة 18 مارس/آذار استأنفت حملة القصف، وقتل أكثر من 400 شخص في تلك الليلة، وفقا لوزارة الصحة في غزة. وأخبرني عز في رسالة نصية، أن مستشفيات الشمال عادت تعاني من كثرة المرضى وقلة الإمدادات اللازمة لعلاجهم، وكتب "نواجه كل يوم خيارات مستحيلة"، وقد طلب الجيش الإسرائيلي من الطاقم الطبي في مستشفى الأهلي إجلاء المرضى، وبعد 20 دقيقة عطلت الصواريخ قسم الطوارئ ودمرت مختبرا للوراثة، وزعم الجيش الإسرائيلي أن حماس كانت تعمل هناك، وهو ما نفته الحركة. ووصف جراح الصدمات الأميركي فيروز سيدوا، كيف استيقظ عندما بدأت القنابل تتساقط على خان يونس، وهرع مباشرة إلى قسم الطوارئ عندما فتحت موجة الضغط الناتجة عن انفجار باب الغرفة التي كان ينام فيها، وقال إن الساعات التي تلت ذلك، نقل فيها 221 شخصا إلى المستشفى، توفي 92 منهم، وأضاف "كانت فوضى عارمة. كانت الغرف مليئة بالأطفال الذين يموتون على الأرض، ينزفون ويصرخون ويبكون". قال سيدوا إن أحد آخر مرضاه في تلك الليلة كان صبيا يدعى إبراهيم، عمره (16 عاما) وهو نحيف من سوء التغذية، وقد أصيب بجروح معوية، فخاط سيدوا مستقيم الصبي، وكان من المتوقع أن يتعافى تماما، وبعد خمسة أيام، كان على وشك العودة إلى المنزل. في المساء نفسه، كان سيدوا في طريقه إلى الاطمئنان على إبراهيم عندما دعاه أحد زملائه ليناقشا أمر مريض، عندما تعرض المبنى للقصف، وقال الجيش الإسرائيلي لاحقا، إن الضربة استهدفت قائدا سياسيا بارزا في حماس يدعى إسماعيل برهوم ، وزعم متحدث باسم الجيش، أن برهوم كان "في المستشفى لارتكاب أعمال إرهابية". وصف سيدوا هذا الادعاء، بأنه "سخيف للغاية"، وقال لكلايتون إن برهوم كان على صلة قرابة بإبراهيم، لذا تلقيا العلاج الطبي في الغرفة نفسها، وكان هناك كمريض، وأضاف "أخبرك بهذا كشاهد عيان". وبعد الهجوم، هرع سيدوا إلى غرفة الطوارئ، وقال "لم نكن نعرف هل الإسرائيليون سيهاجمون المستشفى أم سيقصفونه مرة أخرى"، وعندها اندفع عدة رجال يحملون صبيا مراهقا في ملاءة سرير. أدخلوه إلى قسم الإصابات ووضعوه على نقالة. وعندما سحب سيدوا الملاءة، أصيب بصدمة. كان بطن المريض ممزقا وأمعاؤه تندلق. وكان إبراهيم، وقد فارق الحياة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store