
اليمن يُغيِّر المعادلة السياسية من البوابة العسكرية
جمال بن ماجد الكندي
ثمَّة صورة نمطية للشخصية اليمنية لدى الغرب؛ بل وحتى لدى بعض العرب، وهي صورة مستمدة من الهيئة الخارجية للإنسان اليمني، ويُقاس بها مدى تقدم اليمن وتطوره! هذه الصورة النمطية تتحكم في عقول الغرب، فلا يستطيعون تصور تقدّم اليمن في ظل هيئته وطريقة عيشه وثقافته، وتبعيته- قبل ثورة 21 سبتمبر- للخارج.
اليمن يُثبت اليوم أنَّه قائد من قادة العرب، من خلال ما يقوم به في البحر الأحمر، وما يقدمه من نصرة للشعب الفلسطيني. لقد غيّر اليمن المُعادلة السياسية والعسكرية والإعلامية في المنطقة، عبر حادثتين بارزتين: الأولى، سقوط طائرة F-18 من على متن حاملة الطائرات الأمريكية "ترومان" بفعل الضربات الصاروخية والمسيرات اليمنية، والثانية الصاروخ الفرط صوتي الذي ضرب مطار بن غوريون الإسرائيلي.
اليمن اليوم يفعل ما لم تفعله جيوش عربية بأن يقاتل في جبهتين، جبهة البحر الأحمر ضد حاملات الطائرات الأمريكية بمُسمياتها المختلفة، وضد العدو الإسرائيلي بضربه في عمقه الاستراتيجي، نصرة لغزة العزة فماذا يعني ذلك سياسيًا وعسكريًا.
المعادلة السياسية تتحقق غالباً من البوابة العسكرية فعن طريق القوة والتأثير العسكري تتغير المعادلة السياسية، بل تتعدى الجغرافيا المُعينة ونقصد هنا اليمن إلى دائرة أوسع لتشمل ملفات أخرى، كون اليمن من محور بات يُعرف في المنطقة بأنَّه محور المقاومة المساند لغزة، والمناهض للهيمنة الأمريكية والبلطجة الإسرائيلية.
برز هذا العنوان بعد معركة "طوفان الأقصى" من خلال جبهات المساندة لغزة في معركتها ضد العدو الصهيوني فعرف بمصطلح "وحدة الساحات" فكانت جبهات المساندة من اليمن ولبنان والعراق، والكل يعلم اليوم بأنَّ جبهة لبنان والعراق لأسباب داخلية وسياسية أغلقت، أو وقفت وبقيت جبهة اليمن تصارع وحدها مساندة الشعب الفلسطيني.
إسرائيل بعد وقف إطلاق النار في لبنان والمشاركة في تغيير النظام السياسي في سوريا وتمركزها في 3 محافظات سورية، أرادت بعد هذه الأحداث أن ترسم معادلة سياسية جديدة في المنطقة مزهوة بانتصارات حققتها ضد محور المقاومة في المنطقة. ربما تكون إسرائيل حققت انتصارات نوعية في استهداف قادة كبار سياسيين وعسكريين من أمثال السيد حسن نصر الله، ولكنها لم ولن تستطيع القضاء على فكرة المقاومة؛ لأنها ببساطة فكرة لا تموت بموت قادتها .
ما أصاب الأمريكان والإسرائيليين من قبل حكومة صنعاء غير المعادلة السياسية، من نشوة فرحة هزيمة هذا المحور، إلى التفكير بمهادنته، خاصة بعد استهداف حاملة الطائرات الأمريكية "هاري ترومان" وإصابتها إصابات مباشرة وقبلها "آيزنهاور" والصاروخ الفرط صوتي الذي أصاب العمق الإسرائيلي.
المعادلة السياسية تتغير تجاه اليمن من قبل الأمريكان بفضل ضربات البحر الأحمر، فمجرد القبول بوقف التصعيد العسكري بين أمريكا واليمن يعتبر فشلًا أمريكيا كبيرًا في تحييد حكومة صنعاء، فقد أعلن وزير الخارجية العُماني معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي، التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة وأنصار الله اليمنية بعد اتصالات أجرتها سلطنة عُمان مع الطرفين.
وهذا يعني استعداد الطرف الأقوى هنا وهو الأمريكي بقبول الواسطة العُمانية، لأن الحل العسكري لم ينفع في منع حكومة صنعاء من استهداف القطع العسكرية الأمريكية في البحر الأحمر، فجاء هذه الاتفاق اعترافًا من الأمريكي بعجزه عسكريًا عن تغيير المشهد العسكري في المنطقة لصالح إسرائيل.
هذا الاتفاق هو نصر سياسي يمني استطاع اليمنيون انتزاعه من الأمريكان بفضل الصواريخ اليمنية التي غيرت المعادلة العسكرية في المنطقة، خاصة بعد سقوط طائرة إف-18 الأمريكية، ولا يعني هذا الاتفاق بأن اليمنيون سوف يوقفون أسنادهم لغزة عبر استهداف العمق الإسرائيلي، فقد ذكر عبر منصة إكس محمد البخيتي عضو اللجنة السياسية في حركة أنصار الله، أن "العمليات العسكرية لدعم غزة لن تتوقف حتى يتوقف العدوان عليها، ويرفع الحصار عنها لدخول الغذاء والدواء والوقود إليها". وذكر كذلك "أما بالنسبة لهجماتنا على الولايات المتحدة فهي تندرج في سياق حق الدفاع عن النفس، إذا أوقفت هجماتها علينا، فستتوقف هجماتنا عليهم وينطبق هذه الموقف على بريطانيا".
النصر العسكري اليمني في البحر الأحمر نتج بقبول أمريكا وقف التصعيد مع اليمن، وهذا الأمر سوف يترجم سياسيا في الملف الفلسطيني، وملف المفاوضات الإيرانية الأمريكية لعقد اتفاق نووي جديد بينهما كيف ذلك، هنا نقول إن المدخلات العسكرية لها مخرجات سياسية.
ففي الملف النووي، ما حصل في اليمن انعكس إيجابًا على مسار التفاوض الإيراني-الأمريكي، إذ ينقل الوسيط العُماني رسائل مطمئنة تعكس رغبة الطرفين في عقد هذا الاتفاق. ويعود التفاؤل إلى فشل تجربة اليمن- إن صح التعبير- والتي كانت تُستخدم كعصا لترهيب الإيرانيين ودفعهم إلى التفاوض من منطلق الضعف وتحت تهديد الحرب. غير أن إيران رفضت هذا الأسلوب وفرضت قواعدها التفاوضية. فقد فشلت الحرب الأمريكية ضد حكومة صنعاء فشلًا ذريعًا، ومن دلائل هذا الفشل قبول الأمريكيين بوقف التصعيد عبر الوسيط العُماني.
في غزة، غيَّر الصاروخ الفرط صوتي المعادلة، وأجبر الإسرائيليين على وقف العدوان والدخول في مرحلة تفاوض جديدة، خاصة بعد تخلّي أمريكا عن المواجهة العسكرية في اليمن، وفقًا للاتفاق الأمريكي-اليمني الأخير. وتشير وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن الجانب الأمريكي يضغط على إسرائيل للتوصل إلى صفقة في غزة، إذ إن التصعيد هناك لا يصب في مصلحة بيئة التفاوض لإنهاء الملفات العالقة في المنطقة.
إذن الاتفاق مع إيران واليمن سينعكس على جبهة غزة، والعكس صحيح. كما أن الولايات المتحدة بحاجة إلى اتفاق جديد مع إيران لتحصيل منافع اقتصادية لم تُحقق في اتفاق عام 2015، ويُرجّح بعض المراقبين أن هذا هو أحد أسباب انسحاب أمريكا من الاتفاق خلال الولاية الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وفي ضوء المتغيرات العسكرية والسياسية المتسارعة، يبرز اليمن اليوم كفاعل إقليمي مؤثر يعيد رسم التوازنات في المنطقة. لقد فرض حضورَه من بوابة الصراع العسكري، فانتقل إلى طاولة السياسة بقوة الإنجاز الميداني. وإن كانت الصواريخ قد غيّرت المعادلات، فإن نتائجها ستنعكس حتمًا على الملفات الكبرى، من غزة إلى الاتفاق النووي. إنها لحظة إعادة تموضع لقوى المقاومة، ورسالة واضحة: لا استقرار دون حساب لليمن ودوره الجديد.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عمان اليومية
منذ 2 ساعات
- عمان اليومية
غداً.. "الدولة" و"الشورى" يناقشان 5 قوانين
غداً.. "الدولة" و"الشورى" يناقشان 5 قوانين يعقد مجلسا الدولة والشورى غداً جلسة مشتركة برئاسة معالي الشيخ عبدالملك بن عبدالله الخليلي رئيس مجلس الدولة، وبحضور سعادة خالد بن هلال المعولي رئيس مجلس الشورى. وخلال الجلسة ستتم مناقشة تقارير اللجان المشتركة بين مجلسي الدولة والشورى بشـأن المواد محل التباين في "مشروع قانون مكافحة الاتجار بالبشر "، و"مشروع قانون تنظيم الاتصالات وتقنية المعلومات "، و"مشروع قانون التنظيم العقاري '، و"مشروع قانون تحصيل مستحقات الدولة "، و"مشروع قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة "، المحالة من مجلس الوزراء الموقر، ومن ثم التصويت عليها وفقا للضوابط الخاصة بإجراءات عقد الجلسات المشتركة بين المجلسين. تأتي الجلسة المشتركة استنادا لأحكام المادة (49) من قانون مجلس عمان، ويعقبها رفع مشروعات القوانين المشار إليها إلى حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم- حفظه الله ورعاه - مشفوعة برأي المجلسين.


عمان اليومية
منذ 2 ساعات
- عمان اليومية
سلطنة عمان تحتفل بالذكرى الـ 44 لتأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية
سلطنة عمان تحتفل بالذكرى الـ 44 لتأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية مؤكدة التزامها الثابت بمبادئ المجلس وأهدافه العُمانية: تحتفل سلطنة عُمان غداً مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الشقيقة بالذكرى الـ 44 لتأسيس المجلس في 25 مايو 1981، الذي مثّل انطلاقة نحو تحقيق التكامل بين دوله الست على مختلف الصُّعد، وبما يُعزّز مصالح الشعوب، ويُحقق تطلعاتها نحو الاستقرار والازدهار والتطوُّر والنماء. وقد أكّد حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظّم ـ حفظه الله ورعاه ـ في خطابه السامي في يوم تولّي مقاليد الحكم في البلاد في الحادي عشر من يناير 2020م على مواصلة دعم المجلس حيث قال - أعزّه الله-: «وسنواصل مع أشقائنا قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الإسهام في دفع مسيرة التعاون بين دولنا لتحقيق أماني شعوبنا ولدفع منجزات مجلس التعاون قُدمًا إلى الأمام». وتواصل سلطنة عُمان التزامها الثابت بمبادئ المجلس وأهدافه، مساهمةً في صياغة قراراته ومبادراته، ودعم آليات التكامل الاقتصادي، وتنسيق المواقف السياسية، وتعزيز التعاون الثقافي والاجتماعي؛ انطلاقًا من إيمانها بأنّ تماسك المجلس ركيزةٌ لصمود المنطقة أمام التحوّلات العالمية المتسارعة والمتغيرة. وفي هذا الشأن قال سعادة الشيخ أحمد بن هاشل المسكري، رئيس دائرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية والجوار الإقليمي بوزارة الخارجية لوكالة الأنباء العُمانية: إنّ تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية في عام 1981 شكّل محطةً تاريخية فارقة في العمل العربي المشترك، ولبنة أساسية لبناء منظومة تعاون إقليمي فاعلة وراسخة ومنذ انطلاقته، وقد قطع المجلس شوطًا مهمًا في ترسيخ أسس التكامل والتنسيق بين دوله الأعضاء في شتى المجالات، مستندًا إلى الروابط التاريخية والمصالح المشتركة بين شعوبه. وأضاف سعادته: إنّ من أبرز إنجازات المجلس سياسيًّا، قدرته على توحيد المواقف في المحافل الإقليمية والدولية، ودوره في تعزيز السلم والاستقرار في المنطقة، وعلى الصعيد الاقتصادي، يُعدُّ الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة، بالإضافة إلى شبكة الربط الكهربائي ومشروعات النقل، من ثمار التعاون المؤسسي. وذكر سعادته أنه بالرغم من هذه الإنجازات، واجه المجلس بعضًا من التحدّيات، منها التباينات في الرؤى السياسية والتحدّيات الاقتصادية والتحولات الإقليمية المتسارعة، إلا أن آليات الحوار والتشاور التي أرساها المجلس ساعدت على تجاوز العديد من العقبات بروح من المسؤولية والحكمة. وأشار سعادته إلى أنّ طموحات التأسيس للمجلس كانت ولا تزال كبيرة، وقد تحقق الكثير منها، غير أن هناك مجالات لا تزال بحاجة إلى دفع أكبر وتسريع في وتيرة التنفيذ، لا سيما في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتشريعية، مضيفًا أنّ المجلس يظل إطارًا حيًّا ومتطورًا يعكس الإرادة السياسية لدوله الأعضاء في مواصلة البناء وتعزيز الترابط والتكامل في مختلف المجالات. وحول دور مجلس التعاون في تعزيز الاستقرار في منطقة الخليج والشرق الأوسط بشكل عام أكّد سعادة الشيخ أحمد بن هاشل المسكري، رئيس دائرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية والجوار الإقليمي بوزارة الخارجية على أنّ مجلس التعاون يؤدي دورًا محوريًّا في تعزيز الأمن الجماعي، والتصدي لمصادر التهديد، والدفع باتجاه الحلول السلمية للأزمات الإقليمية. كما يعمل على تقوية شراكاته الاستراتيجية مع القوى الدولية والفاعلين الإقليميين بما يضمن توازن المصالح وحماية أمن واستقرار الخليج والمنطقة. وأشار سعادته إلى أنّ مجلس التعاون ينتهج سياسة مسؤولة ترتكز على احترام مبادئ القانون الدولي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. كما يسعى إلى المساهمة الفاعلة في تسوية النزاعات عبر الوساطة والدبلوماسية الوقائية، ومن الأمثلة على ذلك تأكيده الدائم على مركزية القضية الفلسطينية، ورفضه لأشكال التصعيد والتدخلات الخارجية في المنطقة. وفيما يتعلق بدور سلطنة عُمان في تعزيز التعاون الخليجي، خاصة في الملفات ذات الطابع التوفيقي قال سعادته: لطالما تبنّت سلطنة عُمان سياسة خارجية قائمة على الحوار والتوازن، وسعت بكل إخلاص إلى تقريب وجهات النظر وتعزيز وحدة الصف الخليجي، مؤكّدًا أنّ سلطنة عُمان تحرص على دعم مسيرة مجلس التعاون في جميع مراحلها، وتشجيع المبادرات التي تُسهم في تقوية العمل الخليجي المشترك، ولا سيما في الملفات التي تتطلب معالجات توافقية وتفاهمات مدروسة. وبيّن سعادته أنّ الرؤية المستقبلية للمجلس تتطلب مواكبة التحولات العالمية من خلال تحديث الآليات، وتفعيل أدوات التكامل، وتعزيز السياسات الموحدة في ملفات استراتيجية كالأمن السيبراني، والتغير المناخي، والتنمية المستدامة، إلى جانب مواصلة العمل نحو اتحاد اقتصادي متكامل يحقق الأمن والرفاه لشعوب دول المجلس. وحول مستقبل التكامل الخليجي في مجالات مثل الاقتصاد الرقمي، والأمن الغذائي، والطاقة المتجددة وضّح سعادته أنّ هذه المجالات تشكّل أولوية قصوى في أجندة التعاون الخليجي حاليًا، ومن المتوقع أن يشهد التنسيق الخليجي فيها تطورًا ملموسًا، من خلال استراتيجيات موحدة ومبادرات مبتكرة. وأكّد سعادة الشيخ أحمد بن هاشل المسكري، رئيس دائرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية والجوار الإقليمي بوزارة الخارجية أنّ سلطنة عُمان تؤمن بأنّ وحدة وتكامل البيت الخليجي، القائم على المصير المشترك والاحترام المتبادل، هو الركيزة الأهم لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية في المنطقة، وهو ما تحرص السلطنة على ترسيخه بالتعاون مع أشقائها في مجلس التعاون، انطلاقًا من رؤية شاملة لمستقبل أكثر ازدهارًا وتماسكًا لدول المجلس وشعوبه.


عمان اليومية
منذ يوم واحد
- عمان اليومية
جلالة السُّلطان يهنئ الرئيس الإريتيري
جلالة السُّلطان يهنئ الرئيس الإريتيري العُمانية: هنّأ حضرةُ صاحبِ الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - فخامة الرئيس/ أسياس أفورقي رئيس دولة إريتيريا بمناسبة ذكرى استقلال بلاده. وتمنى لفخامة الرئيس عبر برقية التهنئة التوفيق والسداد في قيادة شعب بلاده نحو آفاق رحبة من الازدهار الاقتصادي والتنموي.