
وزير الدفاع التركي: ندعم الجيش السوري ولا خطط لانسحابنا حاليا
نقلت وكالة رويترز عن وزير الدفاع التركي يشار غولر قوله إن تركيا تقدم التدريب والمشورة للقوات المسلحة السورية وتسهم كذلك في تعزيز دفاعاتها، لكن لا توجد لديها خطط لسحب قواتها المتمركزة هناك أو نقلها فورا.
وقال غولر في إجابات مكتوبة على أسئلة من رويترز إن الأولوية العامة لتركيا في سوريا هي الحفاظ على سلامة أراضيها ووحدتها والقضاء على الإرهاب، مشيرا إلى أن أنقرة تدعم دمشق في هذه الجهود.
وأضاف "بدأنا في تقديم خدمات التدريب والمشورة للقوات المسلحة السورية مع اتخاذ خطوات لتعزيز قدرة سوريا الدفاعية"، دون الخوض في تفاصيل تلك الخطوات.
وقال وزير الدفاع التركي -الذي تولى هذا المنصب قبل عامين- إنه من السابق لأوانه مناقشة إمكان انسحاب أو نقل أكثر من 20 ألف جندي تركي من سوريا.
وقال غولر "لا يمكن إعادة تقييم هذا الوضع إلا عندما يتحقق السلام والاستقرار في سوريا ويزول خطر الإرهاب في المنطقة تماما وعندما تصبح حدودنا آمنة بالكامل ويعود النازحون بسلام".
وتعتبر تركيا حليفة رئيسية للحكومة السورية الجديدة منذ الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، كما ظلت إحدى أهم وجهات اللاجئين السوريين على مدى سنوات الحرب في سوريا.
ووعدت تركيا بالمساعدة في إعادة إعمار سوريا وتسهيل عودة ملايين اللاجئين السوريين الذين فروا خلال الحرب، كما لعبت دورا رئيسيا خلال الشهر الماضي في رفع العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على سوريا.
وتنتشر تركيا في مساحات شاسعة من شمال سوريا، وأقامت عشرات القواعد هناك بعد عمليات عدة عبر الحدود في السنوات القليلة الماضية ضد المسلحين الأكراد الذين تعتبرهم أنقرة حركة إرهابية.
محادثات
وعلى صعيد آخر، قال المسؤول التركي إن بلاده وإسرائيل تواصلان محادثات فض النزاع للحيلولة دون وقوع أي صدام عسكري بينهما في سوريا.
ووصف المحادثات بأنها "اجتماعات على المستوى الفني لإنشاء آلية لفض النزاع لمنع وقوع أحداث غير مرغوب فيها" أو صراع مباشر، بالإضافة إلى "هيكل للتواصل والتنسيق".
ويثير النفوذ التركي الجديد في دمشق القلق في الدوائر الإسرائيلية ويهدد باندلاع مواجهة أو ما هو أسوأ في سوريا بين القوتين الإقليميتين، حسب المراقبين.
وتتهم تركيا العضوة في حلف شمال الأطلسي إسرائيل بتقويض السلام وإعادة الإعمار في سوريا بعملياتها العسكرية هناك في الأشهر القليلة الماضية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 10 ساعات
- الجزيرة
من دمشق إلى مكة.. محطات في درب الحج الشامي
من دمشق إلى مكة المكرمة ، امتد طريق الحج الشامي عبر الصحراء، تمر فيه قوافل الحجاج والتجارة منذ دخول الإسلام إلى الشام عام 14هـ -635م، وحتى اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914. شكل الطريق معبرا رئيسا للجيوش الإسلامية، ومسارا تاريخيا عريقا للحجاج الشاميين، وعُرف باسم "التبوكية"، نسبة إلى بلدة تبوك، إحدى أهم محطاته. مسار الحج الشامي يمتد طريق الحج الشامي مسافة 1307 كيلومترات، عابرا ثلاث دول، بدءا من سوريا مرورا بالأردن وانتهاء بالمملكة العربية السعودية. ينطلق درب الحجاج الشاميين من بلدة الكسوة الواقعة في ريف دمشق، ويمر بخان دنون، ثم منطقة غباغب فالصنمين والشيخ مسكين، وصولا إلى منطقة المزيريب على الحدود الأردنية، وينتهي مسار الطريق في سوريا بمدينة درعا، التي تُعد آخر محطة للحجاج في بلاد الشام. بعدها يدخل الطريق الأراضي الأردنية من بلدة المفرق (خان المفرق)، ثم القسطل والحفير ومعان، حتى يصل إلى المدورة أو ما كانت تُعرف تاريخيا بـ"سرغ"، وهي آخر محطة على الجانب الأردني، وتقع جنوب محافظة معان، قرب الحدود السعودية. وداخل السعودية يبدأ الطريق من مركز حالة عمار، وتُعرف بعلم عمودي يرتكز على قاعدة بيضاوية، ومنه يتجه الحجاج جنوبا نحو ذات حاج ثم إلى مدينة تبوك، التي تُعد من أبرز المحطات على الطريق، قبل أن يمروا بمحطة المعظم فالدار الحمراء ثم وادي الأخيضر. يستمر المسار عبر الأقيرع فجبال الطاق (أبو طاقة)، ثم المبرك المعروف أيضا بمبرك الناقة أو الشق، ويليه الحجر أو مدائن صالح، ومن هناك يمر بالعلا فالقرح (وادي القرى)، حتى يصل إلى المدينة المنورة. بعد ذلك يتجه الحجاج إلى مكة المكرمة، مرورا بالمابيات وبدر ثم جدة، التي تعتبر آخر وجهة قبل دخول مكة المكرمة، ويعبر طريق الحج الشامي أراضي سبع مدن سعودية هي: تبوك والعلا والمدينة المنورة وبدر ورابغ وجدة ومكة المكرمة. وقد شكّل هذا الطريق عبر القرون أحد أهم المسارات التي سلكها الحجاج من بلاد الشام نحو الحجاز، وظل شاهدا على تواصل حضاري وروحي وثيق بين المناطق التي يمر بها، كما كان له دور بارز في ازدهار النشاط التجاري والثقافي على امتداده. من قوافل الأمويين إلى قطار العثمانيين اكتسب طريق الحج الشامي مكانة مميزة بعد أن أصبحت دمشق عاصمة الدولة الأموية، وانطلقت منها أولى قوافل الحج الرسمية المنظمة تحت إشراف الدولة الإسلامية، لتسهيل وصول الحجاج من خارج الجزيرة العربية. اهتم الخلفاء الأمويون بإعداد الطريق وتجهيزه وحمايته، وتزويده بالمنارات والعلامات، مثل أميال الطرق التي أمر بها الخليفة عبد الملك بن مروان لتحديد المسافات وتوجيه السائرين. كما جددوا مساجد ومحطات الطريق مثل مسجد الرسول في تبوك، وحفروا البرك والآبار والصهاريج والقنوات بين دمشق ومكة. ورغم تراجع المكانة السياسية لدمشق، ظل الطريق محافظا على أهميته بفعل موقع دمشق الإستراتيجي التجاري. وتبين الشواهد الأثرية أن مدن ومحطات الطريق في ذلك الوقت شهدت عناية عمرانية وخدمية ملحوظة، خاصة في منطقة وادي القرى مثل العلا وقرح والرحبة والسقيا. في القرن 6هـ/ 12م عانى الطريق من تهديدات الصليبيين الذين هاجموا قوافل الحجاج انطلاقا من قلاعهم في الكرك والشوبك. بعدها عاد الأمان والاستقرار بعد سيطرة الأيوبيين على بلاد الشام (570–658هـ / 1174–1260م)، إذ عمل صلاح الدين الأيوبي على حماية الطريق، وحاصر وأسقط قلعة الكرك سنة 584هـ / 1188م. وكان من أبرز من خدموا طريق الحج الشامي في العصر الأيوبي الملك عيسى بن الملك العادل، أحد حكّام دمشق، وقد عُرف باهتمامه الكبير بالطريق، وتشير المصادر التاريخية إلى أنه سار بنفسه على طريق تبوك لمعاينته والوقوف على احتياجاته. أمر العادل ببناء بركة المعظم الشهيرة، إلى جانب عدد من البرك الأخرى، كما وجّه إلى مسح الطريق بين دمشق وعرفات، وسعى إلى تسوية المناطق الوعرة لتسهيل مرور القوافل والحجاج. نال الطريق اهتماما واسعا من حكام دمشق، وازدادت أعداد الحجاج، فقدّر بعض الرحالة في سنة 674هـ / 1286م عدد القافلة بستين ألف راحلة دون الخيل والبغال. ساهمت سيطرة المماليك على مصر والشام والحجاز في تسهيل التحكم بالطريق، وإقامة مشاريع خدمية، كما تظهر نقوش مملوكية كثيرة على الطريق تشير إلى أعمال ترميم واسعة. وبلغ طريق الحج الشامي ذروته في التطور والنشاط والمكانة، إذ أصبحت دمشق مركزا تجاريا وقبلة لقوافل الحجاج القادمين من أنحاء الدولة العثمانية. ولقبت دمشق حينها رسميا بـ"شام شريف"، وأصبحت مركز انطلاق القافلة العثمانية الكبرى للحج. اتخذ السلطان العثماني سليمان القانوني لقب "حامي الحرمين الشريفين"، واهتم بتأمين الطريق، فاختار دمشق نقطة تجمع الحجاج من الأناضول والشام والعراق وفارس والقوقاز وأوروبا. شهدت دمشق نهضة معمارية، وكان من أولى منشآتها التكية السليمانية التي استقبلت الحجاج في مرج السلطان، وقدمت لهم خدمات الإقامة. وكان سليمان القانوني (926–974هـ / 1520–1566م) أول من اهتم بالطريق من السلاطين العثمانيين، فأنشأ قلاعا وأرسل حاميات عسكرية لحماية الحجاج. إعلان ومع ضعف السلطة المركزية في إسطنبول ، تراجع الاهتمام بالطريق وتدهورت أوضاعه، وخُرِّبت القلاع ونقصت الحاميات، وتلاعب الباشوات بالأموال المخصصة لحمايته. مما تسبب في نهب القوافل وأثر بشكل كبير على أمن الطريق وسلامة الحجاج. وكان السلطان عبد الحميد الثاني آخر من اهتم رسميا بالطريق، إذ أرسل قافلة حج رسمية سنوية مجهزة تنطلق من دمشق، وتلتحق بها قوافل من الهند والصين وكردستان والقوقاز وفارس وأفغانستان ولبنان وفلسطين وغيرها. وأبرز إنجازاته كان خط السكة الحديدية الحجازي ، الذي امتد 1320 كيلومترا من دمشق إلى المدينة المنورة ، ونُفذ في ثماني سنوات ودُشّن في 22 رجب 1326هـ / 28 سبتمبر/أيلول 1908 م. ووصل أول قطار من محطة الحجاز في دمشق إلى محطة العنبرية في المدينة المنورة في سبعة أيام فقط، مقارنة بـ50 إلى 55 يوما كانت تستغرقها الرحلة سابقا، والتي كانت تمتد أربعة أشهر ذهابا وإيابا. آثار على الطريق يُعد طريق الحج الشامي شاهدا حيا على تطور الحضارة الإسلامية واهتمام المسلمين المتواصل بخدمة الحجاج، إذ يضم على امتداده آثارا إسلامية باقية، من أبرزها عشرات النقوش التي تعود إلى القرن الأول الهجري، وكتابات تأسيسية على منشآت الطريق من قلاع وبرك وآبار. وتشمل هذه الآثار قلعة ذات الحاج وقلعة تبوك وآثار الأخضر التي تضم مدينة إسلامية وثلاث برك وقلعة، إلى جانب آثار المعظم التي تحتوي على قلعة وبركة، وآثار البريكة المعروفة قديما بالدار الحمراء. كما توجد على الطريق آثار الحجر والعلا التي تتبعها عدد من المرافق، إضافة إلى قلعة زمرد وقلعة الصورة وآثار هدية وإسطبل عنتر والفحلتين وآثار نصيف، وقلعة الحفيرة. وتوجد هذه القلاع والبرك على جزء الطريق الواقع في المملكة العربية السعودية. ووجد على امتداد الطريق أيضا آثار سكة حديد الحجاز، التي تم تنفيذها بين عامي 1900 و1906م في عهد السلطان عبد الحميد، وتشمل محطات مبنية بالحجر وأجزاء من مسار السكة والجسور. ويُعد أمر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعمارة عين تبوك في عام 17هـ من أوائل الجهود الخيرية في خدمة الحجاج. ومن الآثار الأخرى الباقية: عين تبوك وبركة المعظم بين العلا والمدينة المنورة وقلعة المدورة وقلعة القطرانة. وأكدت المسوحات الأثرية وجود منشآت متنوعة على الطريق مثل الآبار والبرك والعيون والقنوات المائية والقلاع والأبراج والجسور والمنارات إلى جانب آثار المدن والقرى التي ازدهرت قديما. وهناك أيضا النقوش الكتابية التذكارية التي نقشها الحجاج قديما على الصخور، ما جعل الطريق شاهدا حيا على النشاط الحضاري والتجاري والديني الذي استمر أكثر من 13 قرنا.


الجزيرة
منذ 13 ساعات
- الجزيرة
الحسكة بين التهميش والنضال من أجل العدالة
الخلفية التاريخية والموقع الجغرافي تقع محافظة الحسكة في شمالي شرقي سوريا، وهي من كبرى المحافظات مساحةً، حيث تبلغ مساحتها حوالي 23.334 كيلومترًا مربعًا، وتتميز بموقعها الجغرافي الإستراتيجي على الحدود مع العراق وتركيا. تاريخيًّا، تعاقبت على الحسكة حضارات عديدة، حيث كانت جزءًا من بلاد ما بين النهرين، وشهدت وجود السومريين والأكاديين والآشوريين والبابليين، وكانت لاحقًا جزءًا من الدول: الأيوبية، والمملوكية، والعثمانية. في العهد العثماني، كانت الحسكة تابعة لولاية الموصل إداريًّا، وكانت تعتبر امتدادًا طبيعيًّا لها من حيث الجغرافيا والتكوين القبلي والاجتماعي. ولكن بعد اتفاقية سايكس- بيكو عام 1916، تم فصلها عن الموصل وضمها إلى الأراضي السورية، التي كانت تحت الانتداب الفرنسي. هذا التقسيم المصطنع أدى إلى تغيير كبير في التركيبة الإدارية والاقتصادية للمنطقة، وبدأت مرحلة جديدة من التهميش والإهمال، استمرت حتى عهد النظام البعثي، وكذلك بعد الثورة السورية. الأهمية الاقتصادية والزراعية والمائية لطالما كانت الحسكة حجر الزاوية في الاقتصاد السوري، حيث تعد من كبرى المناطق المنتجة للقمح والشعير والقطن، وتسهم بنسبة 60% من إنتاج سوريا من القمح، كما تمتلك موارد مائية هائلة من نهرَي الفرات ودجلة، فضلًا عن مخزونها الجوفي الغني. إعلان وإلى جانب الزراعة، تتمتع الحسكة بثروات نفطية وغازية ضخمة، خاصة في رميلان والشدادي والهول، ما يجعلها من أهم مصادر الطاقة في سوريا. لكن رغم هذه الثروات، لم ينعكس هذا الازدهار على أهلها، بل كانت خيراتها تُنهب لصالح النظام الذي عمد إلى توظيف أبناء الساحل السوري في قطاعات النفط والغاز، بينما حُرم أبناء الحسكة من هذه الفرص رغم مؤهلاتهم العلمية. كان النظام يجلب موظفين من خارج المحافظة، لا يحملون إلا شهادات ثانوية أو إعدادية، في حين أن خريجي الحسكة في الهندسة والاقتصاد كانوا يعانون من البطالة والتهميش. على الرغم من ثرواتها الهائلة، بقيت الحسكة تعاني من نقص في الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والطرق، وظلت البنية التحتية فيها مهملة لعقود. كما حُرم أهلها من التوظيف في المؤسسات الحيوية التهميش الثقافي والتعليمي إحدى أبرز صور الإقصاء الذي تعرضت له الحسكة كان التهميش الثقافي والتعليمي، حيث لم يكن فيها جامعة حتى عام 2006، ما أجبر الطلاب على السفر إلى المحافظات الأخرى لمتابعة تعليمهم. رغم ذلك، أثبت أبناء الحسكة تفوقهم الأكاديمي، فبرز منهم أطباء ومهندسون وأكاديميون في مختلف المجالات، وهو ما يدل على إصرارهم على كسر حاجز التهميش الذي فرضه النظام عليهم لعقود. الإقصاء السياسي واختزال التمثيل بشيوخ العشائر عمد النظام إلى تهميش الحسكة سياسيًّا من خلال فرض تمثيلها عبر شيوخ العشائر، الذين لم يكونوا سوى أدوات بيده، يفتقر معظمهم إلى أي تأثير حقيقي، بل كان كثير منهم أميين أو مجرد وسطاء لتنفيذ سياسات النظام. في المقابل، تم استبعاد الكفاءات السياسية والفكرية القادرة على إحداث تغيير حقيقي في واقع المحافظة، ما جعلها غائبة عن دوائر صنع القرار. التهميش الخدمي والإقصاء من الوظائف الحكومية على الرغم من ثرواتها الهائلة، بقيت الحسكة تعاني من نقص في الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والطرق، وظلت البنية التحتية فيها مهملة لعقود. كما حُرم أهلها من التوظيف في المؤسسات الحيوية، خاصة في قطاع النفط، حيث فضّل النظام توظيف الموالين له من أبناء الساحل، تاركًا أبناء الحسكة بلا فرص عمل تتناسب مع إمكاناتهم العلمية. سياسة زرع الفتن بين القبائل العربية اتبع النظام البعثي سياسة "فرق تسد" داخل الحسكة، حيث تعمّد إثارة النزاعات بين القبائل العربية التي كانت في الأصل متقاربة ومترابطة عبر علاقات الدم والمصاهرة. استخدم النظام هذه الفتن لضمان انشغال العشائر بخلافاتها الداخلية، ما سهل عليه التحكم بها وإضعاف أي محاولة لتمرُّدها عليه. رغم الثروات النفطية الهائلة في محافظة الحسكة، فإن أهلها لا يشعرون بأي فائدة منها؛ حيث تشهد المنطقة واقعًا مريرًا من حيث البطالة والفقر الحسكة في الثورة السورية: استمرار التهميش والظلم رغم اندلاع الثورة السورية وسقوط النظام في معظم المناطق، فإن الحسكة لم تنل نصيبها من التحرير، إذ بقيت تحت حكم مليشيات "قسد"، التي استبدلت بقمع النظام قمعًا آخر أكثر وحشية. لم يتوقف الظلم عند هذا الحد، بل استمر إغفال تضحيات أبناء الحسكة الذين قدموا شهداء في مختلف المحافظات السورية منذ الأيام الأولى للثورة. كما أن المطالبات بتحريرها كانت دائمًا تهمّش واقعها المعقد، متجاهلة أن المليشيات تحكمها بالحديد والنار، وأن ضباط النظام لا يزالون متغلغلين في مؤسساتها. هل النفط لعنة على أهل الحسكة؟ رغم الثروات النفطية الهائلة في محافظة الحسكة، فإن أهلها لا يشعرون بأي فائدة منها؛ حيث تشهد المنطقة واقعًا مريرًا من حيث البطالة والفقر. العديد من المناطق الغنية بالنفط في الحسكة تعيش في ظروف قاسية، بينما تسهم ثرواتها في تمويل الحروب والمعارك في المناطق الأخرى. إضافةً إلى ذلك، العديد من أهل الحسكة يعانون من الأمراض، ومنها أمراض السرطان التي تتفشى بسبب التلوث الناجم عن استخراج النفط وتكريره. كذلك، يعاني أهل الحسكة من نقص حاد في الوقود والموارد الأساسية، رغم أنهم يزوّدون سوريا بالكامل بالكهرباء والغاز. الآن، يتم نقل النفط السوري إلى العراق عبر معبر سيملكا بواسطة القوات الأميركية، ما يترك أهل الحسكة دون ما يكفيهم من الوقود للتدفئة أو لأغراض الزراعة. التهميش الاقتصادي والبطالة على الرغم من كون الحسكة واحدة من أغنى المناطق في سوريا، من حيث الموارد الطبيعية والزراعية، فإن أهلها يعانون من أعلى معدلات البطالة في البلاد. ووفقًا لمسح أجراه مكتب العمل في عام 2011، فإن محافظة الحسكة تتصدر المحافظات السورية بنسبة 38.8% من المتعطلين عن العمل. إعلان هذا الرقم يعكس حجم التهميش الذي تعرضت له المنطقة، حيث كان يتم توظيف أشخاص من خارج المحافظة في قطاعات النفط والغاز والزراعة، بينما كانت الفرص المتاحة لأبناء الحسكة قليلة جدًّا. التهميش الإعلامي والتغطية على الفقر والجوع تتعرض محافظة الحسكة لتهميش إعلامي ممنهج، حيث تتم التغطية على الحالة المزرية التي يعيشها سكانها في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة. وكان من اللافت انتشار مقاطع فيديو مؤلمة على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، تُظهر نساءً وأطفالًا في الحسكة يتقاتلون على بقايا طعام القاعدة الأميركية في منطقة حقول رميلان، وهو ما يعكس حجم المعاناة، والفقر المدقع الذي يعاني منه أبناء المحافظة في ظل التهميش والبطالة في عهد قوات "قسد". هذه المقاطع، التي تم تداولها بشكل واسع على منصات مثل يوتيوب وفيسبوك، تُبرز التهميش المستمر للمحافظة، وتكشف عن الظروف الإنسانية الصعبة التي يعيشها أهلها في ظل التدهور الاجتماعي والاقتصادي الحاصل. لم يكن تهميش الحسكة مجرد صدفة أو سوء إدارة، بل كان سياسة ممنهجة هدفها إبقاؤها خارج الحسابات السياسية والاقتصادية. ومع استمرار هذا التهميش حتى بعد الثورة، يصبح السؤال الأهم: متى ستحصل الحسكة على حقوقها في التمثيل العادل والعدالة والحرية؟ إن تحرير الحسكة لا يعني فقط إنهاء سيطرة "قسد" أو طرد ضباط النظام منها، بل يعني إعادة الحقوق لأهلها، ووقف استنزاف ثرواتها، وتمكين كفاءاتها من قيادة مستقبلها. وحتى يتحقق ذلك، ستظل الحسكة نموذجًا صارخًا للمظلومية المستمرة، وساحةً للنضال من أجل الحرية والعدالة، التي لطالما حُرمت منها رغم دورها المحوري في سوريا.


الجزيرة
منذ 13 ساعات
- الجزيرة
ما تأثير دمج "الخوذ البيضاء" في الحكومة السورية الجديدة؟
دمشق- أعلنت منظمة الدفاع المدني السوري، المعروفة بمسمى " الخوذ البيضاء"، اندماجها الكامل ضمن الحكومة السورية، ونقل برامج الاستجابة الطارئة إلى وزارة الطوارئ والكوارث، كما أُعلن نقل الملفات الأخرى التابعة للمنظمة -ومنها ملفات العدالة والمحاسبة والمناصرة- إلى الوزارات والهيئات المختصة، بحسب طبيعة كل ملف. وأشارت المنظمة في مؤتمر صحفي إلى أن تنفيذ الإجراءات القانونية والإدارية المرتبطة بعملية الاندماج سيتم خلال فترة انتقالية، "وفق أعلى درجات المهنية"، وبما يتماشى مع القوانين السورية والدولية والالتزامات السابقة، حيث أعلنت المنظمة تشكيل لجان قانونية وتقنية متخصصة لقيادة المرحلة الانتقالية. ويأتي هذا القرار بعد انعقاد الاجتماع السنوي العاشر للمنظمة في العاصمة دمشق ، حيث اتُّخذ باتفاق أغلبية أعضاء الهيئة العامة، وهي الهيئة التشريعية العليا في المؤسسة. واعتبرت المنظمة أن هذا الاندماج خطوة نحو توحيد الجهود وتطوير الاستجابة للطوارئ على المستوى الوطني، ضمن إطار مؤسساتي حكومي. استمرارية المهام أكد مدير الدفاع المدني السوري منير مصطفى، في حديث للجزيرة نت، أن القرار لا يتضمن إنشاء كيان جديد، بل يعني استمرار العمل الإنساني والإغاثي الذي قامت به المنظمة سابقا، ولكن ضمن وزارة الطوارئ والكوارث السورية، وهي الجهة الرسمية التي باتت مسؤولة عن برامج الاستجابة الطارئة. وأضاف أن مهام مثل الإنقاذ، والإطفاء، والإغاثة، التي كانت تُدار سابقا بصفتها أنشطة منبثقة عن المجتمع المدني، ستُنفّذ الآن ضمن إطار حكومي موحد وبسياسات وطنية شاملة. أما الملفات التي كانت تمثل جانبا أساسيا من عمل "الخوذ البيضاء" -ولا سيما العدالة والمناصرة- والتي تضمنت توثيق جرائم الحرب، والانتهاكات بحق المدنيين، وجمع الأدلة حول المقابر الجماعية والمفقودين، فستُنقل إلى الهيئات المختصة، مثل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية التي أُنشئت بمرسوم رئاسي مؤخرا، و"هيئة المفقودين" التي ستعمل بالتنسيق المباشر مع فرق الدفاع المدني السابقة. وأشار مصطفى إلى أن المنظمة تمتلك أرشيفا غنيا من الأدلة الموثقة، يتضمن شهادات ومقاطع فيديو مُصوّرة بكاميرات صغيرة، مما يجعلها طرفا فاعلا في توثيق الجرائم والانتهاكات، بما فيها الهجمات الكيميائية والمجازر. وأكد المسؤول أن هذا الدور سيتواصل، ولكن ضمن الإطار المؤسسي الحكومي، لضمان المساءلة وفق آليات عدالة وطنية، بدلا من العمل بشكل مستقل عن الدولة كما كان سابقا. المرحلة الانتقالية وفي سياق متصل، أكد مصدر في وزارة الطوارئ والكوارث السورية للجزيرة نت أن الوزارة بدأت بالفعل إدارة المرحلة الانتقالية، عبر تشكيل لجان تقنية مختصة تشرف على نقل برامج الاستجابة الطارئة من منظمة الدفاع المدني إلى الوزارة. وأشار المصدر إلى أن العملية تسير بسلاسة، دون تحديات تُذكر، مع ضمان استمرارية الخدمات الطارئة، مؤكدا أن مديريات الدفاع المدني المنتشرة في المحافظات السورية ستُدمج مباشرة ضمن الهيكلة الجديدة للوزارة، بكوادرها ومتطوعيها، مما يضمن الحفاظ على الخبرات وتوظيفها بشكل فعّال. أما بخصوص الكوادر العاملة، فقد شدد المصدر على عدم وجود نية للاستغناء عن أي من العاملين أو المتطوعين، موضحا أن "جميع الكفاءات التي اكتسبت خبرات ميدانية خلال السنوات الماضية ستستمر في أداء دورها ضمن الوزارة الجديدة". وأضاف أن عملية الاندماج لا تقتصر على وزارة الطوارئ والكوارث فقط، بل تأتي ضمن إطار أوسع لدمج الدفاع المدني في هيكل الحكومة السورية بالكامل، مع إحالة ملفات مثل العدالة والمحاسبة والمناصرة إلى الجهات المختصة بحسب طبيعة كل ملف. وأوضح المصدر أن اللجان القانونية والتقنية ستقوم بدراسة كل برنامج أو ملف على حدة، لتحديد الجهة الحكومية الأنسب لتسلّمه، مؤكدا أن "ملف المفقودين مثلا قد يُحال إلى هيئة متخصصة بذلك الشأن". رسائل طمأنة وأكّد المصدر أن هذا الدمج سيُعزز من مستوى الاستجابة الطارئة على مستوى البلاد، لا سيما في ظل تولي الوزارة مسؤوليات شاملة تشمل الكوارث الطبيعية، والحرائق، وحالات الطوارئ المتنوعة. كما نوّه إلى أن دمج الدفاع المدني مع أفواج الإطفاء والكوادر الحكومية سيؤدي إلى رفع كفاءة العمل الوطني. وعن مستقبل التعاون مع الشركاء والداعمين الدوليين، أشار المصدر إلى أن جميع المشاريع ومذكرات التفاهم الموقعة مع الدفاع المدني السوري ستُستكمل حتى نهاية مدتها، موضحا أن الوزارة -بالتنسيق مع الحكومة- ستكون الجهة الراعية لهذه الاتفاقات، مع الحفاظ على إمكانية التعاون مع مختلف الجهات الدولية مستقبلا. كما وجّه المصدر رسالة طمأنة إلى المواطنين السوريين، قائلا إن "الخدمات ستستمر كما هي، ولن يطرأ أي تغيير على مستوى أو نوعية الخدمات التي كانت تقدمها منظمة الدفاع المدني، وأن ما حدث هو مجرد اندماج إداري وهيكلي، يهدف إلى ضمان استدامة العمل وتحسين الأداء في المستقبل". مخاوف وتحفظات من جانبه، يرى الخبير السياسي عبد الله الخير أن القرار "متسرع" إلى حد ما، لكون وزارة الطوارئ والكوارث تفتقر في الوقت الراهن إلى الإمكانيات المالية اللازمة لمواصلة العمل الذي كانت تقوم به "الخوذ البيضاء"، خصوصا أن المنظمة كانت تتلقى دعما أوروبيا سنويا بمبالغ كبيرة. وأضاف الخير، في حديث للجزيرة نت، أن المانحين قد يتوقفون عن دعم المنظمة بعد حلّها ودمجها ضمن الحكومة السورية، التي تعاني أصلا من أزمة مالية حادّة نتيجة التضخم وآثار الحرب ودمار البنية التحتية.