logo
هل أجبرت الفصائل المسلحة على التحالف لإسقاط الأسد؟

هل أجبرت الفصائل المسلحة على التحالف لإسقاط الأسد؟

Independent عربية٠٤-٠٤-٢٠٢٥

في الخامس من مارس (آذار) 2020 وقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين اتفاقاً على وقف إطلاق النار في الشمال السوري، جاء ذلك بعد سلسلة عمليات عسكرية نفذها جيش النظام السوري السابق بدعم جوي روسي، ودعم بري من الجماعات الإيرانية. الحملة العسكرية استمرت أشهراً عدة، وأسفرت عن سقوط مئات الضحايا وآلاف النازحين، إلا أن تركيا بعدما شعرت أن النظام السوري ينوي السيطرة على مدينة إدلب تدخلت عسكرياً وأوقفت التقدم، وبعد محادثات بين مسؤولين روس وأتراك، وُقع الاتفاق الذي أسس لمرحلة هدوء في سوريا لم تشهدها البلاد من قبل.
ما هي إلا أشهر قليلة بعد توقيع اتفاق مارس، حتى بدأت الفصائل المختلفة في الشمال السوري تنظر بعين الريبة إلى بعضها بعضاً. فعلى امتداد مناطق واسعة بريف حلب الشمالي كانت تسيطر فصائل الجيش السوري الوطني المدعومة تركياً، وفي مدينة إدلب تسيطر "هيئة تحرير الشام"، وفي المنطقة الممتدة من أقصى ريف اللاذقية الشمالي حتى مدينة الباب بريف حلب، تنتشر فصائل من مختلف التيارات والأيديولوجيات، منها ما يصنفه المجتمع الدولي على قائمة التنظيمات الإرهابية، ومنها فصائل تصنف على أنها "معارضة مسلحة معتدلة"، وهي التي يدعم المجتمع الدولي وجودها.
كل هذه الفصائل لم تكن يوماً على قلب واحد على الإطلاق، فتقاتلت في ما بينها، وأسفر الاقتتال الداخلي الذي تكرر مرات عدة عن سقوط ضحايا من مختلف الأطراف ومن المدنيين الذين هم بالأصل كانوا محاصرين، إلا أن أقوى فصيل هناك كان "هيئة تحرير الشام"، نظراً إلى القيادة المركزية والعمل المنظم الذي كانت تتمتع به الهيئة، وكان بين الحين والآخر يظهر قائدها أحمد الشرع في أسواق ومناطق إدلب، واعداً الأهالي بالعودة إلى دمشق، بيد أن هذه الوعود لم تكن تؤخذ على محمل الجد.
بالنسبة إلى الجيش السوري الوطني وفصائل المعارضة المعتدلة فقد اشتركت في كثير من عملياتها القتالية مع القوات التركية في مواجهة التنظيمات المسلحة الكردية التي تصنفها أنقرة على قائمة الإرهاب.
وفي مطلع 2024 باتت "هيئة تحرير الشام" الفصيل الأكثر قوة وتنظيماً في عموم الشمال السوري، وتراجعت حدة الاقتتال الداخلية بين الفصائل، وخلال فترة ما بين 2020 و2024 نفذت الهيئة عمليات ضد تنظيم "حراس الدين" المصنف على قائمة الإرهاب الأميركية، استطاعت فيها إضعاف التنظيم بصورة غير مسبوقة، لدرجة أنه تلاشى وأعلن حل نفسه بعد سقوط النظام.
بعد إطلاق الفصائل الفلسطينية عملية "طوفان الأقصى"، وبدء إسرائيل حربها على غزة ثم لبنان، دعمت إيران من خلال وجودها في سوريا "حزب الله" اللبناني، فتلقت ضربات موجعة وصلت حد استهداف قنصليتها لدى دمشق، وقتل كبار ضباطها في سوريا. تزامناً انتظمت روسيا بشكل أعمق في الصراع الأوكراني وبدا أهم حليفين لنظام الأسد في أشد حالتهما ضعفاً، لذلك بدأ الشارع السوري المعارض يطالب بعملية عسكرية ضد النظام، كونه من دون حلفاء وليست لديه القدرة على مواجهة قوى المعارضة بمختلف فصائلها، إلا أن مطالبات الشارع كانت توجه أنظارها نحو "هيئة تحرير الشام"، أكثر من رغبتها بأن تقود باقي الفصائل العمليات خشية من حصول خلافات، أو تنفيذ العملية بشكل غير منظم.
مصدر أمني رفيع المستوى من "هيئة تحرير الشام" يقول في حديث خاص، إنه "بعد الحملة التي شنها النظام على إدلب عام 2020 والاتفاق الموقع مع روسيا، بدأت تركيا تراقب وتهتم بالوضع في الشمال السوري بصورة أكبر، وعند دراسة الأتراك وضع الفصائل المعارضة، وجدوا أن 'هيئة تحرير الشام' كانت الفصيل الأكثر تنظيماً والأكثر قدرة على إدارة أي معركة مرتقبة، لذلك كان هناك نوع من بناء الثقة بين الطرفين، هذا الأمر أدركته باقي فصائل المعارضة، فكان هذا أحد الأسباب التي دفعت باقي الفصائل إلى القبول بالتحالف مع 'هيئة تحرير الشام'، وتنفيذ عملية تحرير البلاد تحت قيادتها".
اختياري وإلزامي في آن
العميد عمار الواوي يقول في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إن "موضوع التحالف مع الفصائل انتهى ومضى عليه الزمن، ولم يعد هناك 'هيئة تحرير شام' مستقلة ولا فصائل مستقلة، الجميع حسب قرار الرئيس الشرع يندمجون تحت مظلة وزارة الدفاع.
ضرورة المرحلة
من جانب آخر يرى أحد الضباط المنشقين عن الجيش السوري السابق في حديث خاص، أن "تحالف 'هيئة تحرير الشام' مع الفصائل الأخرى كان خياراً فيه نوع من الاستراتيجية لمستقبل سوريا، لأن الفصائل الأخرى لديها عدد كبير من المقاتلين والسلاح وبعضها يتلقى دعماً من دول إقليمية، وعدم تحالفها مع 'هيئة تحرير الشام' كان سيؤدي إلى صدامات قد تتطور إلى صراع، لذلك أعتقد أن هذا التحالف كان ضرورياً في مرحلة ما بعد سقوط النظام، وكان خطوة لا بد منها وإلزامية في تلك المرحلة، بمعنى آخر لم تفرض الهيئة عليهم التحالف معها كما أنهم لم يختاروا ذلك بل فرضت المرحلة والمصلحة ذلك".

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بات إلزامياً
الباحث في مركز "جسور" للدراسات، وائل علوان، يقول "اليوم أصبح هناك دولة سورية ووزارة دفاع تحتكر السلاح، لذا لم يعد هناك ما يسمى الفصائل، إذ إن نظام الحكم الجديد أو السلطة الجديدة منعت وجود سلاح خارج إطار الدولة، لذا فإن المقاتلين الموجودين ضمن الفصائل هم أمام خيارين، إما ترك العمل العسكري كلياً والعودة إلى أعمالهم المدنية، أو أن يكونوا ضمن وزارة الدفاع ضمن تشكيلات الدولة".
خيار وحيد
من جانب آخر، يرى الباحث السوري نور الدين البابا أن "التحالف الذي حصل بين الفصائل وصفوف الانتفاضة السورية كان عن قناعة تامة، بمعنى أن عموم المعارضين في سوريا أصبحت لديهم قناعة بضرورة التحالف، وهذا ما حصل في الواقع، ونجحت غرفة عمليات ردع العدوان في إسقاط النظام، وكانت هذه الغرفة عبارة عن تحالف بين كثير من المقاتلين والفصائل، وعمادها الأساس 'هيئة تحرير الشام'، وأيضاً هناك فصائل مشاركة مع الهيئة مثل 'حركة أحرار الشام' وغيرها".
للإجابة عن سؤال التحالف بين الهيئة والفصائل، رأى مراقبون أن التحالف الذي جرى خلال الفترة الذي سبقت سقوط النظام كان اختيارياً ولم يُفرض من قبل أي فصيل، وكان إلزامياً من ناحية أن المرحلة اقتضت ذلك، أما بعد سقوط النظام فلم يعد هناك ما يسمى تحالف، فالفصائل باتت مجبرة على حل نفسها، ومخيرة بالانضمام إلى وزارة الدفاع السورية لتكون ضمن تشكيلات الدولة الرسمية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

نشوة روسيا الكاذبة
نشوة روسيا الكاذبة

Independent عربية

timeمنذ 2 ساعات

  • Independent عربية

نشوة روسيا الكاذبة

لسنوات قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستخدام احتفالات يوم النصر السنوية في 9 مايو (أيار)، والتي تحيي ذكرى الانتصار السوفياتي على هتلر في الحرب العالمية الثانية، كي يُظهر عظمته الشخصية. فالنصر السوفياتي عام 1945 كان دائماً ويبقى أحد الأحداث التاريخية القليلة جداً التي توحد الشعب الروسي بصدق، وطبعاً لم يسَعْ بوتين مع نضوج نظامه إلا استغلال المناسبة والاستفادة منها. وفوق ذلك، أضفى طابعاً شخصياً على الحدث، مستولياً حتى على بعده الوطني وطقوسه العامة. إذ إن "الفوج الخالد"، مثلاً، الذي يعد مبادرة من المجتمع المدني تجتذب مئات آلاف الروس العاديين للاشتراك في مسيرة كبرى يحملون خلالها صور أسلافهم الذين قاتلوا في الحرب، قد وُضع تحت إمرة الكرملين بشكل كامل. وفي عام 2015، في الذكرى السبعين ليوم النصر، قاد بوتين بنفسه، في وسط موسكو، أحد أرتال الفوج المذكور. لكن هذه المناسبة السنوية اكتسبت معنى معاصراً منذ بدأت روسيا "عمليتها الخاصة" في أوكرانيا عام 2022. إذ على مدى السنوات الثلاث الماضية روّج الكرملين بقوة لفكرة تقول إن النزاع القائم في الجوار (في أوكرانيا) يمثل استمراراً للحرب الوطنية الكبرى ضد الغرب، العدو الذي مثله في القرون الماضية نابليون وهتلر، وتمثله اليوم أوكرانيا وأوروبا (بعد أن جرى استثناء الولايات المتحدة من لائحة الأعداء إثر عودة دونالد ترمب إلى الرئاسة). وهذا غدا جزءاً أساسياً من الدعاية السياسية الرسمية للدولة الروسية، وقد جرى في السياق تصميم استعراضات "يوم النصر" والاحتفالات والطقوس المرتبطة به، من أجل ترسيخ هذه الأطروحة في أذهان الناس. وقد بدا بوتين في هذا السياق، لهذه الأسباب كلها، عازماً على الاحتفال بالذكرى الثمانين لانتصار الاتحاد السوفياتي، بجلبة خاصة. إذ هدفه اليوم أن يظهر أيضاً أنه غير معزول عن العالم، وأن أفضل جزء من هذا العالم، أي تلك الدول والشعوب التي حاربت ولا تزال تحارب ما يسميه الكرملين "الهيمنة الغربية" و"الاستعمار"، تدعم روسيا، على رغم الاستعمار الإمبراطوري الصرف للعملية الأوكرانية. من هنا، ولهذا السبب، جرت دعوة ممثلي "الغالبية العالمية"، المصطلح الذي يعتمده الكرملين للإشارة إلى دول ما يعرف بـ "الجنوب العالمي"، والتي يتخيل بوتين نفسه قائداً غير رسمي لها، للمشاركة في استعراضات يوم النصر هذا العام. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وقد كان من بين المشاركين في العروض جنود من ميانمار، إضافة إلى ضيوف كبار الشخصيات من غينيا الاستوائية، وبوركينا فاسو، ودول أخرى. ومن نافل القول هنا إن تلك الدول لم يكن لها أي صلة بانتصار عام 1945. بيد أن حليفاً تاريخياً واحداً لروسيا حضر من دون شك: الصين، ممثلة بزعيمها الكبير شي جينبينغ، الذي التقى بوتين في الكرملين عشية الاحتفالات. وقد كان لعراضة الوحدة والتحالف هذه بين موسكو وبكين، قيمة رمزية مهمة، على رغم أن حاجة شي لبوتين تبقى أقل بكثير من حاجة بوتين إليه. ومع ذلك من الصعب عدم ملاحظة أن حلفاء الاتحاد السوفياتي الأساسيين في الحرب العالمية الثانية، الذين حققوا معاً النصر التاريخين، لم يكونوا حاضرين في احتفالات بوتين. فما معنى هذا الأمر غير العزلة عن العالم؟ مع ذلك، يكمن خلف هذه الذكرى السنوية الخاصة تغيير أكثر أهمية ويتمثل بالعلاقة المتحولة بين روسيا والولايات المتحدة منذ عودة ترمب إلى الرئاسة. لقد تضاءلت، في اللحظة الراهنة، النشوة الروسية التي احتفت بتحسن العلاقات مع واشنطن هذا الربيع، لكن العديد من أفراد النخبة الروسية والمواطنين الروس العاديين ما زالوا يعلقون آمالهم على إدارة ترمب للقيام بوساطة ناجحة لإنهاء الحرب، وتأمين الدعم الأميركي للشروط والمطالب الروسية. إذ إن الإدارة الأميركية الجديدة، بالنسبة لبوتين، لا توفر فقط فرصة لتحقيق اتفاق اقتصادي مؤات في لحظة أخطار متزايدة تواجهها روسيا، بل تتيح أيضاً فرصة للخروج من مستنقع الفوضى في أوكرانيا مع الاحتفاظ بماء الوجه. وعلى رغم عدم حضور ترمب أو أي ممثل آخر من إدارته احتفالات يوم النصر (في موسكو)، إلا أنه تم رفع الولايات المتحدة في بيانات الكرملين الرسمية وفي دعايته، إلى مرتبة الشريك، شريك تاريخي يشكل نقيضاً مباشراً لأوروبا، التي غدت الآن (بالنسبة لبوتين) العدو الأساسي. هذا الأمر، منذ وقت ليس ببعيد، كان معكوساً. التناغم مع ترمب منذ بداية الحرب الباردة على الأقل، لعبت الولايات المتحدة دوراً مركزياً في الوعي الجمعي الروسي. وكان الروس ينظرون إلى هذه القوة العظمى التي تنافسهم بمزيج من الإعجاب والكراهية والاستعلاء والحسد. هم غالباً كانوا يعدون أنفسهم أكثر تفوقاً من الناحية الروحية، لكن أدنى مادياً من منافسيهم "اليانكيين" (الأميركيين). وقد أسهم الذهن المؤامراتي، بطبيعة الحال، وعلى مدى فترة طويلة من الزمن، بترسيخ فكرة وقوف الولايات المتحدة خلف كل حدث استثنائي في العالم، بما في ذلك مشكلات روسيا الداخلية، التي هي، بحسب أصحاب ذاك النمط من التفكير، نتيجة سياسات أميركية خفية. وفي الدعاية السياسية الروسية بالسنوات الأخيرة بات شائعاً سماع إحالات إلى "الإمبريالية الأنغلو-أميركية" أو "الأنغلو-ساكسونية"، المصطلحين اللذين يشكلان تعبيراً روسياً مهيناً عن الهيمنة الخطرة التي تمارسها الولايات المتحدة وبريطانيا. وقد أدرجت أوروبا ببساطة، في مركّب الكراهية هذا، في خانة عامة لمصطلح "الغرب". ونتيجة لذلك عوملت أوروبا، حتى في عهد بوتين، بالطريقة عينها تقريباً التي عوملت بها الولايات المتحدة، إذ كلما ساءت المواقف تجاه الولايات المتحدة، غدا الروس أكثر تشككاً وريبة تجاه الاتحاد الأوروبي. بيد أن انتصار ترمب (في الانتخابات الأميركية) وجهوده الهادفة لتحقيق السلام جاءت كي تقلب هذا التفكير (الروسي) التقليدي رأساً على عقب. فأوروبا الآن، بما في ذلك المملكة المتحدة، غدت المصدر الرئيس للشر، فيما باتت الولايات المتحدة هي الخيرة. وفي أواخر فبراير (شباط)، خلال زيارة قام بها لمقر "جهاز الأمن الفيدرالي" (خليفة الـ "كي جي بي"، الجهاز الأمني السوفياتي الذي تخرج منه)، أشار بوتين إلى أن الاتصالات مع الإدارة الجديدة في واشنطن "تستحضر آمالاً معينة"، مضيفاً "ليس الجميع سعداء أمام اسئناف التواصل الروسي – الأميركي"، وأنه على الأجهزة الأمنية (الروسية) البقاء متيقظة كي لا تحيد "المحادثات" الجديدة عن مسارها. واستكمالاً لهذا السياق والنهج أبدى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بعد أيام قليلة تعليقاً ذكر فيه أنه خلافاً للعقيدة السوفياتية والروسية القديمة، فإن الولايات المتحدة لم تكن يوماً من دعاة الحرب على روسيا، بل أن أوروبا هي من شكل الخطر الأساسي. إذ "على مدى الـ 500 عام الماضية، انبثقت جميع مآسي العالم من أوروبا أو حدثت بفعل السياسات الأوروبية"، وفق كلامه. وقد راح العديد من المواطنين العاديين في روسيا وحتى أفراد من النخبة السياسية يتصورون، على وقع هذه التصريحات (الرسمية)، صيغاً ورؤًى للسلام. وبحلول النصف الثاني من عام 2024 غدا واضحاً سلفاً أن غالبية الروس يرغبون في قيام محادثات سلام، إلا أن هذا الاتجاه تزايد على نحو ملحوظ مع وصول ترمب إلى الرئاسة مجدداً. ويرى العديد من الروس الآن أن الولايات المتحدة تمثل شريكاً برغماتياً، ويتوقعون نهاية الحرب عبر مفاوضات مباشرة بين موسكو وواشنطن. ووفق استطلاع أجراه في يناير (كانون الثاني) "مركز ليفادا" المستقل، توافق المستطلعون على أن السلام، من حيث المبدأ، يمكن تحقيقه فقط عبر وسيط، وهذا الوسيط طبعاً قد يكون الولايات المتحدة إلى جانب آخرين. على أن تلك القناعة بوساطة تقودها الولايات المتحدة بدت مترسخة على نحو ملحوظ مع حلول فبراير. إذ في استطلاع آخر أجراه "مركز ليفادا" بذلك الشهر، قالت غالبية كبيرة من المستطلعين، 70 في المئة، إنه يجب أن تكون الولايات المتحدة إلى مائدة المفاوضات مع روسيا، حتى أن غالبية أكبر، 85 في المئة، وافقت على انعقاد الاجتماعات الثنائية بين روسيا والولايات المتحدة التي بدأت في المملكة العربية السعودية بذلك الشهر. فعلى رغم فهمهم لضرورة وجود اتفاقيات مع أوكرانيا، يبقى الهدف الأكثر أهمية بنظر الرأي العام الروسي متمثلاً بإيجاد أرضية مشتركة مع ترمب. إذ عبر إقناع الرئيس (الأميركي) لدعم مطالب بوتين الأساسية، سيُضمن لروسيا راهناً التوصل إلى اتفاقية سلام مستدامة، وإقامة روابط اقتصادية مفيدة في المستقبل. وعلى وقع هذه التوقعات خفف الروس على نحو ملحوظ مشاعر عدائهم لأميركا. فبعد أن كانت نسبة المستطلعين الذين أظهروا موقفاً إيجابياً من الولايات المتحدة في سبتمبر (أيلول) 2024 لا تتعدى الـ 16 في المئة، فإن نسبة هؤلاء تضاعفت تقريباً وسجلت معدل الـ 30 في المئة مع حلول فبراير 2025. غالبية الروس يلتزمون ما يشبه "توافق الصمت" حيال الحرب القائمة كذلك فإن التركيز البلاغي تجاه الولايات المتحدة الذي مارسه الكرملين أسهم في تعزيز شعبية هذا الأخير. وفي السياق وربما مدفوعة بآمال تحقيق السلام، ارتفعت وفق استطلاعات ليفادا أيضاً، نسبة تأييد وزير الخارجية سيرغي لافروف، التي كانت سابقاً في حالة ركود، وذاك جعله لفترة وجيزة ثاني أكثر السياسيين موثوقية بعد بوتين، على رغم تراجعه مرة أخرى إلى المركز الثالث في أبريل (نيسان) حين بدأت المفاوضات تتعثر، ليعاود الحلول خلف رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين صاحب المركز الثاني في العادة. كما كان استعداد واشنطن الواضح لعقد صفقات مع موسكو في ذاك السياق قد شجع مجتمع الأعمال الروسي، حتى أن البعض رأى إمكانية أن تغدو الولايات المتحدة مصدراً للإيرادات في الموازنة الوطنية. وذاك أمر من شأنه أن يكون مهماً، إذ إن عائدات النفط التي أسهمت في تجديد موارد خزائن المال الروسية بمعظم فترة الحرب، تشهد في عام 2025 انخفاضاً كبيراً بفضل التدني العالمي في الأسعار. وتدرك النخب السياسية والتجارية الروسية في هذا الإطار أن سياسات ترمب الاقتصادية قد تؤدي إلى المزيد من التآكل في أسعار النفط وإلى تعقيد صادرات الطاقة الروسية. بوتين من جهته، بتركيبته وعقده النفسية (إحساسه بالعظمة الشخصية) وبمخططاته الجيوسياسية (حلمه بروسيا الكبرى) بات له في نهاية المطاف، كما يرى كثيرون من الروس، نظيراً يمكنه أن يتفق معه على إعادة تقسيم العالم. إذ مع ترمب، وفق رأي كثيرين، يمكن لبوتين أن يحول الحرب المستعرة إلى حرب باردة ويكتفي بذلك– إذ إن الموارد العسكرية والمالية الروسية لها حدود في النهاية. وهذه الافتراضات تغذيها النظرة الروسية لترمب نفسه. إذ إن جزءاً كبيراً من الروس يرون في ترمب صانع سلام حقيقياً وسياسياً "رصيناً وحاذقاً"، وفق ما وصف بعض المشاركين في استطلاع ليفادا. وهو أيضاً، للعديد من الروس العاديين، رجل أعمال يفهم لغة الصفقات البرغماتية، المتضمنة سلاماً يأمل الروس في أن يكون بطريقه إليهم. إلى هذا، وعلى نقيض النظرة إلى الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، لا يرى معظم الروس في ترمب معادياً لروسيا. وعلى رغم غياب التقدم (في المساعي السلمية) تبقى الآمال بوساطة تقودها الولايات المتحدة موجودة، وليس هناك في أوساط الروس، حتى الآن على الأقل، خيبة أمل من ترمب. لكن من المهم الملاحظة هنا أن المواقف الإيجابية الجديدة التي يعتمدها الروس تجاه الولايات المتحدة ليست سوى جزء من التوقعات الكبرى التي كانت سائدة وتتطلع لنجاح مفاوضات السلام. ففي أوساط الطبقة الليبرالية الصغيرة في روسيا يفصل الناس ترمب عن الولايات المتحدة. إذ إنهم عموماً ينظرون بشكل سلبي إلى زعيم الـ"ماغا"، إن لم يكن برعب، لكنهم يميلون إلى اعتبار الولايات المتحدة معقلاً للعالم الغربي والديمقراطية. وتأمل هذه الفئة الليبرالية بأن تسهم المؤسسات الديمقراطية في البلاد (في الولايات المتحدة) بمنع الأخيرة من الغرق في الاستبداد. هذه الشريحة من المواطنين الروس تضم من الناحية السوسيولوجية الفئة الشبابية الأكثر تعليماً والأشخاص الذين لا يوافقون على سياسات بوتين بما في ذلك حربه في أوكرانيا؛ إضافة، على وجه التحديد، لأولئك الذين لديهم توجه ليبرالي. ويميل أفراد هذه الشريحة إلى متابعة واستهلاك الأخبار المستقلة، غالباً عبر "يوتيوب" (الذي يمكن مشاهدته من خلال "في بي أن" VPN [الشبكة الخاصة الافتراضية وهي تقنية تسمح للمتصفح بتفادي الحظر الإلكتروني وإخفاء المكان الجغرافي للمتصفح])، الغادي الآن للعديد من الروس منصة أساسية لتلقي المعلومات والآراء بعيداً من القنوات الرسمية. لذا، بطريقة أو بأخرى، فإن نظرة الروس إلى الولايات المتحدة تبقى عاملاً أساسياً في تكوين نظرتهم بالنسبة لموقع روسيا في العالم. سلام أو مماطلة؟ في خلفية آمال الروس الجديدة بالسلام، تتراكم الآثار النفسية للحرب، فقد خلّف الثمن الإنساني الباهظ، وضراوة القتال، واستمراريته التي تبدو بلا نهاية، أثراً صامتاً على السكان. وعلى رغم أن المعارك لم تقتصر آثارها على من في الجبهات، فإن غالبية الروس ما زالوا يلتزمون ما يشبه "توافق الصمت" حيال صدمات الحرب. ووفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة "ليفادا" في أبريل، يرى 40 في المئة من الروس أن سياسات بوتين التوسعية ألحقت ضرراً بالبلاد، مقابل 33 في المئة يعتقدون أنها أفادتها، بينما بقي 28 في المئة غير متأكدين. ويشير أولئك الذين يرون ضرراً أكثر من نفع إلى حجم الخسائر البشرية، فيما يتمسك الفريق الآخر بفكرة "استعادة الأراضي الروسية التاريخية". وبالنسبة لكثيرين من الروس، يبدو أن من الأسهل الحفاظ على حياة طبيعية من خلال تجاهل واقع الحرب أو تجنّب التفكير فيها. فباستثناء المناطق الحدودية، تبقى "العملية الخاصة" بعيدة من حياة معظم الناس، ولم تؤدِ الضربات الأوكرانية داخل الأراضي الروسية أو في منطقة كورسك إلى كسر هذا الحاجز النفسي. ومع ذلك، فإن غالبية واضحة من الروس تتمنى لو أن الحرب تنتهي وتختفي. وهناك في هذا الإطار بالطبع أولئك الذين كانوا على الدوام ضد الحرب، إلا أن هؤلاء لا يتجاوزون نسبة الـ 20 في المئة من السكان– أي نفس حجم الفئة المتحمسة بتأييدها لبوتين والتي يعرف أفرادها بلقب "الوطنيون الألتراس"، الذين يريدون استمرار الحرب مجادلين بضرورة أن تُنهي روسيا المهمة. أما معظم الناس العاديين المؤيدين لعقد محادثات سلام فما زالوا يضعون شرطين أساسيين لذلك: ألا تنضم أوكرانيا لحلف الناتو، وأن تبقى الأراضي التي احتلها الجيش الروسي جزءاً من الأراضي الروسية. كذلك هناك مشكلة أخرى أيضاً، وهي أن العديد من الناس استفادوا مالياً من الاقتصاد العسكري والمكافآت المختلفة وزيادات الرواتب التي جاءت في سياقه. لذا فإن البعض ينظر لاحتمالات السلام الوشيكة على أنها تهديد لمكاسبه المحتملة، وذاك أمر سارعت الدولة، التي تعاني دائماً من نقص القوى العاملة، للاستفادة منه. ففي الأشهر الماضية بدأت تظهر في الأمكنة العامة ملصقات تدعو الروس إلى الإسراع، قبل انتهاء الحرب، لتوقيع عقد عسكري مربح. مع هذا، ولكل متابع جيد للوقائع، يبقى السلام بعيد المنال. وبما أن ترمب وبوتين تباحثا في الفكرة، سيتعين على الزعيم الروسي في هذا السياق أن يبدأ بتصوير ما أنجزه حتى الآن على أنه انتصار. ولأن الكرملين تجنب تحديد ما يعنيه "النصر"، فإن غالبية الروس على الأرجح سيرون اتفاق السلام متوافقاً بالحد الأدنى مع مطالب بوتين، ومتناسباً بالتالي مع المواصفات المطلوبة. بعبارة أخرى، ليس ضرورياً أن تزيد القوات الروسية تحركها غرباً كي تزعم موسكو تحقيق النصر. علاوة على ذلك، بمواصلة الحرب وتكبد المزيد من الخسائر الروسية، قد يُصعّب بوتين تحقيق نهاية يمكن للجمهور أن يسميها نصراً: فروسيا لم تشهد بعد كارثة اقتصادية، لكن "الركود التضخمي"، الذي هو مزيج من النمو الاقتصادي البطيء والتضخم المرتفع، ترسخ على نحو جلي. التحدي الأكبر بالنسبة لبوتين يتمثل بكيفية الحفاظ على الاستقرار حين يتوقف القتال. إذ إن مئات آلاف المحاربين سيعودون من الجبهات. وهؤلاء جميعهم أبطال حرب، وسيطالبون بأن يجري التعامل معهم على هذا الأساس. لكن لن يكون هناك في المتناول ما يكفي من فرص العمل المرغوبة وغيرها من المكافآت. وهنا قد تبدأ المشكلات بالتفاقم. فالمجتمع العادي نفسه الذي اعتاد لفترة طويلة على تجاهل الحرب وعدم الاكتراث لها، قد يبدأ بالنظر إلى المحاربين القدامى على أنهم منافسون في مجالات الوظائف، غير مرحب بهم. إلى هذا، فإن التغييرات الهيكلية في الاقتصاد التي أجراها الكرملين منذ عام 2022، المتضمنة أجوراً أعلى ومعاملة تفضيلية للشركات والعمال ضمن المجمع الصناعي - العسكري، يجب أن تُعكس. ويمكن لهذا الأمر أن ينتج آثاراً مزعزعة للاستقرار. لكن إن استمرت الحرب وفشلت الحكومة في تلبية حاجات المحاربين القادمين من الجبهات، أو تلكأت في التعامل مع التشوهات المتزايدة في الاقتصاد المحلي، فستواجه حتى مشكلة أعظم. من هنا فإن بوتين يواجه أزمة توقعات متضخمة. وهو عبر إطالته أمد التفاوض مع ترمب، يقوم بممارسة التحوط: فإنهاء المرحلة المستعرة من النزاع سيؤدي، من جهة، إلى تحولات مزعزعة للاستقرار في الاقتصاد والمجتمع؛ وسينبغي عاجلاً أم آجلاً، من الجهة الأخرى، إرضاء التوقعات العامة المتزايدة التي ترى السلام آتياً. في الوقت الراهن لا يملك بوتين أي حل، وهو يماطل. وقد يدرك أن معظم الروس مستعدين، على الأقل لفترة أطول قليلاً، لتقبل مماطلته وتسويفه في إنهاء الحرب. لكن أيضاً هناك عامل آخر يلعب دوراً، وهو صبر ترمب المحدود. المستبد الروسي في المقابل لن يرغب في تفويت فرصة نادرة متمثلة بالتحالف مع رئيس أميركي، وذلك لسببين اثنين، سياسي واقتصادي: فمعاهدة السلام قد تنقلب إلى صفقة اقتصادية مؤاتية، وعائداتها ستطيل عمر نظام بوتين. لا أحد في الواقع يمكنه أن يتنبأ متى قد "ينسحب" ترمب من جهوده السلمية، وفق ما هدد مسؤولون في إدارته، أو كيف يمكن لبوتين أن يتفاعل مع فكرة غياب أي صفقة محتملة. بيد أن رفض التفاوض قد يزيد الوضع العام السائد تعقيداً وخطورة. تلك هي معضلة بوتين في الحقيقة. ولاء المستهلك النخب الروسية وسط حالة عدم اليقين هذه، تبقى بمثابة الصندوق الأسود. من الصعب قياس رغبة تلك النخب بالسلام أو تقدير مواقفها تجاه النظام الذي تخدمه. فالناس غير الراضين (عن الوضع) هم في حالة صمت، أما الفئة الأكثر تكيفاً فيندفع أفرادها لبناء مستقبل مهني يمكنهم من خلاله الجمع بين الولاء السياسي الكامل وبين الكفاءة التكنوقراطية. حتى أن العديد من أفراد النخبة هؤلاء يتوقعون نهاية الحرب، وإن لم يكن ذلك قريباً. إذ مثلاً، وفي إحدى أحدث مقابلاته، بدا لافروف مستهدفاً المسؤولين الروس الليبراليين الذين يتصورون مستقبلاً مختلفاً بعد الحرب. وقد حذر لافروف في السياق أنه لو رفعت العقوبات فإن بعض "الليبراليين" سيحاول "التراجع عن إنجازي استبدال الواردات والسيادة في اقتصادنا". من غير الواضح من قصد وزير الخارجية في كلامه هذا، ناهيك عن قلة ما يمكن للسياسات المتبعة خلال الحرب أن تظهره لأولئك الذين قصدهم. فعمليات تحقيق "السيادة" (الاقتصادية، أي الاعتماد على الذات) والمستويات غير المنضبطة في الإنفاق العسكري خلقت سلفاً مشكلات اقتصادية هائلة وطويلة الأجل. في كل الأحوال، علينا ألا نخلط بين توقعات السلام والنصر المتزايدة وبين الآمال التي ترى أن الكرملين سيتبنى الليبرالية مرة أخرى. فنظام بوتين هو جامد وشديد القمعية. وبحسب موقع منظمة "أو في دي إنفو" OVD-info، الهيئة المستقلة لمراقبة مسائل حقوق الإنسان في روسيا، فإن الدولة هناك، اعتباراً من مطلع مايو، وجهت اتهامات بارتكاب جرائم سياسية بحق أكثر من 3284 شخصاً، يقبع الآن 1590 شخصاً منهم في السجن. وقد قامت وزارة العدل (الروسية) راهناً بتصنيف أكثر من 900 كيان روسي "كعملاء أجانب"، مع إضافة كيانات جديدة إلى اللائحة أسبوعياً، علماً أن أكثر من 500 كيان منها هم أفراد مواطنون يواجهون قيوداً شديدة من ناحية الحقوق. كذلك تضع الدولة قائمة منفصلة تضم المنظمات غير المرغوب بها في البلاد، سواء كانت روسية أو أجنبية، وكل من يتعاون مع تلك المنظمات قد يواجه ملاحقة جنائية. هذا ويطبق الحظر على جميع الوسائط المستقلة على الإنترنت، فلا يمكنها العمل إلا بطريقة غير قانونية، ولا يمكن الاطلاع على محتواها وقراءتها ومشاهدتها إلا من خلال الـ "في بي أن". هذه الدولة الحصينة لن تختف بسهولة وبساطة عندما تصمت المدافع. فالشروط التي لا تنفك تتزايد والتي تطلب إظهار السلوك الوطني، من اعتماد طقوس الولاء (الوطني) في المدارس إلى التصريحات اللفظية التي تعبر عن الولاء "للبوتينية" من قبل رؤساء الشركات والجامعات والمكتبات وغيرها من المؤسسات والمعاهد، لن تنحسر. كما أن النظام لن يوقف حربه التي يشنها على المجتمع المدني. لا بل إن الكرملين في الحقيقة، مع انتهاء انشغاله بالحرب، يمكن أن يضاعف القمع والتلقين العقائدي بحق الشباب الروسي. يواجه بوتين أزمة "توقعات متضخمة" وإن انفتح الغرب من جديد أمام الروس وتمكنت النزعة الاستهلاكية من معاودة الازدهار، قد يكون كافياً لإبقاء شريحة السكان الكبيرة التي لا تهتم بالشؤون السياسية ممتثلة، في ظل نظام ينحو حتى نحو المزيد من التشدد والقسوة. هناك بالفعل مقدار كبير من التكهنات بعودة وشيكة للعلامات التجارية الغربية إلى روسيا. ففي مارس (آذار)، قال قرابة نصف الأشخاص الذين استطلعهم مركز ليفادا إنه ينبغي التدقيق بكل شركة غربية، ولا ينبغي السماح بالعودة إلى السوق الروسية إلا للشركات التي تعد موالية لروسيا. وقال قرابة 20 في المئة من المستطلعين إنه ينبغي السماح لجميع الشركات التي غادرت بالعودة إلى روسيا من دون قيود، فيما قال ربع المستطلعين إنه لا ينبغي أبداً السماح لتلك الشركات بالعودة. وهنا يمكن القول بكلام آخر إن العديد من الروس على ما يبدو يفترضون أن الشركات الغربية ستتدفق إلى روسيا بمجرد انتهاء الحرب. وذاك يعني أن العديد من الروس هم أيضاً عرضة لـ"التوقعات المتضخمة". لإشباع أي من تلك الرغبات سيتعين على بوتين التوصل لإتفاق سلام، ويفضل أن يستتبعه بصفقة اقتصادية مع ترمب، أو بسلسلة من الصفقات. حينها فقط سيكون بالإمكان إطالة أمد العقد الاجتماعي الضمني الذي أبرمه الكرملين مع المجتمع الروسي. فمقابل قيام الدولة بتحقيق السلام والنصر، سيتوقع من المواطنين إظهار الولاء الكامل للنظام (والذين لا يفعلون ذلك سيواجهون ردود فعل انتقامية). وكمكافأة على ذلك، سيتم الحفاظ على اقتصاد السوق ومستويات الاستهلاك الطبيعية. طبعاً لقد نجح بوتين فعلاً في جعل أعداد كبيرة من المواطنين الروس متواطئين معه، وذاك إلى حد ما، يضمن ولاءهم له. لكن إبقاء شعب بأكمله رهينة سياسية، فيه جانب سلبي. إذ لو أزيل العنصر الأساسي لهذا النظام، أي بوتين، فسيبدأ ذاك النظام بالانهيار. إزاء هكذا سيناريو، ومع تكيف الروس تجاه الظروف الخارجية الجديدة، قد تولد توقعات متضخمة مستجدة. لكن حينها، عند تلك النقطة، سيتم توجيه هذه التوقعات نحو زعيم جديد. أندريه كوليسنيكوف كاتب أعمدة صحافية في "نيويورك تايمز" الأميركية و"نوفايا غازيتا" الروسية. مترجم عن "فورين أفيرز"، 9 مايو 2025

ترامب: لست قلقا من تقارير عن حشد عسكري روسي على حدود فنلندا
ترامب: لست قلقا من تقارير عن حشد عسكري روسي على حدود فنلندا

العربية

timeمنذ يوم واحد

  • العربية

ترامب: لست قلقا من تقارير عن حشد عسكري روسي على حدود فنلندا

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الثلاثاء، أنه لا يشعر بالقلق إزاء التقارير التي تتحدث عن حشد عسكري روسي على طول حدود فنلندا. وأجاب ترامب في البيت الأبيض عندما سُئل عن هذا الأمر: "لا، أنا لست... قلقا بشأن ذلك على الإطلاق"، نقلا عن "رويترز". وأضاف "ستكونان آمنتين للغاية"، في إشارة إلى فنلندا والنرويج. وفي ملف العلاقات الأميركية الروسية ، أكد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الثلاثاء، أن الرئيس ترامب لم يُقدّم أي تنازلات لروسيا، رافضاً الانتقادات الموجهة إليه بشأن سياسة إدارته تجاه أوكرانيا. وخلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ، قال روبيو متحدثا عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: "لم يحصل على أي تنازل". إلى ذلك اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، موسكو، الثلاثاء، بالعمل على "كسب الوقت" لمواصلة الحرب ضد كييف، غداة إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الطرفين سيجريان مفاوضات مباشرة عقب تواصله هاتفيا مع نظيريه الروسي والأوكراني. وتحدث ترامب هاتفيا الاثنين إلى كل من زيلينسكي والرئيس الروسي بوتين بعد لقاء بين مسؤولين روس وأوكرانيين في اسطنبول، الجمعة، في أول محادثات مباشرة بين الطرفين منذ اندلاع النزاع قبل أكثر من ثلاث سنوات. لكن المحادثات أخفقت في التوصل لهدنة وانتقد زيلينسكي بوتين معتبرا أنه أرسل "رؤوسا فارغة" إلى طاولة المفاوضات. وفي المقابل أبلغ الرئيس الروسيبوتين نظيره الأميركي ترامب خلال الاتصال الهاتفي، الاثنين، بأن "الذين يحتفون بالنازية حاولوا ترهيب الزعماء الذين جاءوا إلى موسكو للاحتفال بذكرى عيد النصر". وكشف ذلك يوري أوشاكوف مساعد الرئيس الروسي، اليوم الثلاثاء، خلال مؤتمر صحافي . وقال: "طبعا لم يكن محض صدفة أن تطرق الرئيس بوتين إلى هذا الموضوع، لأن الأوكرانيين هددوا بشكل مباشر المشاركين الأجانب في الفعاليات الاحتفالية بمناسبة عيد النصر، وحاولوا ترهيب القادة الأجانب ومنعهم من القدوم إلى موسكو". وذكّر أوشاكوف بالهجوم الضخم الذي شنته القوات الأوكرانية بالمسيرات الجوية على موسكو قبيل الاحتفالات بالذكرى الثمانين للنصر. وأشار أوشاكوف إلى أنه "تم التأكيد (من الجانب الروسي) على أن منظمي هذا الترهيب هم الذين يكرمون المجرمين النازيين ويروجون لعسكرة القارة. ووفقا لممثل الكرملين، سرد الرئيس الروسي على نظيره الأميركي تفاصيل تم منع تهديدات الهجمات الإرهابية في محيط الكرملين والساحة الحمراء قبيل حلول عيد النصر. ونوه الرئيس بوتين بأن روسيا أعلنت حينها وقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أيام تكريما ليوم النصر، ولكن نظام كييف استهدف في ليلة 7 مايو الأراضي الروسية، بـ 524 طائرة بدون طيار وصواريخ ستورم شادو. وتم إسقاطها بالكامل. وأضاف أن الرئيسين الروسي والأميركي أوليا اهتماما خاصا لموضوع "الأخوة القتالية" بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، خلال الحرب العالمية الثانية. وأشار أوشاكوف إلى أن الرئيس الأميركي أعرب عن أسفه لأن واشنطن وموسكو بعيدتان بعضهما عن بعض، اليوم، واستذكر بوتين تصرفات أوكرانيا عشية يوم النصر". وقال أوشاكوف: "تحدث الزعيمان كثيرًا وبكل ود عن تحالف بلدينا خلال الحرب العالمية الثانية، حيث قاتلا معا ضد ألمانيا النازية واليابان ذات النزعة العسكرية، وتذكر ترامب هذه "الأخوة القتالية"، وتحدث بأسف عن حقيقة أنه بسبب ظروف غريبة، فإن بلدينا اليوم ليسا فقط منفصلين، بل أيضًا بعيدين جدًا بعضهما عن بعض". ونقل أوشاكوف عن الرئيس الأميركي، قوله: "إنه عندما يتحدث عن هذا، فإن الكثيرين في أميركا ببساطة لا يصدقونه، لكن الحقيقة تبقى، الروس ضحوا بحياتهم أكثر من أي شخص آخر". وخلال عام 2025، أجرى الرئيس الروسي ونظيره الأميركي اتصالين هاتفيين، وبحث الرئيس بوتين، في 12 فبراير الماضي، مع نظيره الأميركي عبر الهاتف القضية الأوكرانية، فضلاً عن المشاكل المتراكمة في العلاقات بين البلدين، واتفق الرئيسان على مواصلة الاتصالات، بما في ذلك تنظيم لقاءات شخصية. وجرى اتصال هاتفي في 18 مارس الماضي، وخلال المحادثة الهاتفية تمت مناقشة قضايا التسوية في أوكرانيا والشرق الأوسط، بالإضافة إلى العلاقات الثنائية. وأعرب حينها الرئيس بوتين عن تأييده لفكرة ترامب بشأن وقف إطلاق النار في أوكرانيا، ولكن مع بعض التحفظات.

روبيو: نريد إنجاح السلطات الجديدة في سوريا لأن البديل سيكون حربًا أهلية «شاملة»
روبيو: نريد إنجاح السلطات الجديدة في سوريا لأن البديل سيكون حربًا أهلية «شاملة»

سعورس

timeمنذ يوم واحد

  • سعورس

روبيو: نريد إنجاح السلطات الجديدة في سوريا لأن البديل سيكون حربًا أهلية «شاملة»

وقال روبيو خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ "تقييمنا هو أن السلطة الانتقالية وبصراحة، في ضوء التحديات التي تواجهها، قد تكون على بعد أسابيع - وليس أشهر - من انهيار محتمل وحرب أهلية شاملة ذات أبعاد مدمرة، تؤدي فعليا إلى تقسيم البلاد". أتت تصريحات روبيو بعد هجمات أوقعت قتلى من الأقليتين العلوية والدرزية في سوريا حيث أطاحت مجموعات مسلحة في كانون الأول/ديسمبر بشار الأسد في هجوم خاطف بعد حرب أهلية عنيفة بدأت في 2011. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أعلن الأسبوع الماضي خلال زيارة إلى المملكة العربية السعودية رفع العقوبات المفروضة منذ عهد الأسد، والتقى الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع الذي كان زعيم هيئة تحرير الشام التي قادت هجوم إطاحة الأسد. وكان الشرع الذي أثنى ترامب على "وسامته"، حتى وقت قريب على قائمة المطلوبين للولايات المتحدة لعلاقته بالجهاديين. وقال روبيو ممازحا إن "شخصيات السلطة الانتقالية لم تنجح في فحص الخلفية (الأمنية) لدى مكتب التحقيقات الفدرالي". لكنه أضاف "إذا تعاملنا معهم، فقد ينجح الأمر، وقد لا ينجح. إذا لم نتعامل معهم، فمن المؤكد أن الأمر لن ينجح". وألقى روبيو الذي التقى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في تركيا الخميس، باللوم في تجدد أعمال العنف على إرث الأسد المنتمي للطائفة العلوية. وقال "إنهم يواجهون حالة من انعدام ثقة عميقة داخل البلاد، لأن الأسد تعمّد إثارة الخلاف بين هذه الجماعات ضد بعضها البعض". تعزيز الاستثمارات كانت الولايات المتحدة قد شددت سابقا على ضرورة اتخاذ السلطات الانتقالية السورية خطوات أساسية، بما يشمل حماية الأقليات. وقد حظيت خطوة ترامب بشأن سوريا بإشادة من تركيا ، الراعي الرئيسي للمقاتلين الإسلاميين الذين أطاحوا الأسد حليف إيران وروسيا، ومن السعودية، القوة الإقليمية السنية. ولفت روبيو إلى أن السبب الرئيسي لرفع العقوبات عن سوريا يتمثل في دفع دول أخرى إلى تقديم المساعدات إلى البلاد بعيدا من تهديد العقوبات. وقال "دول المنطقة ترغب في إيصال المساعدات، وتريد البدء بمساعدتهم، لكنها لا تستطيع ذلك خوفا من عقوباتنا". وأوضح روبيو أن ترامب يعتزم وقف العمل بقانون قيصر الذي فرض عقوبات على الاستثمار في سوريا في محاولة لضمان المساءلة عن الانتهاكات في عهد الأسد. وأبلغ المشرّعين أنهم قد يضطرون في نهاية المطاف إلى إلغاء القانون، لأن الإعفاءات الموقتة من العقوبات لن تكون كافية لجذب المستثمرين إلى سوريا. وأعلن الاتحاد الأوروبي الثلاثاء رفع كل العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا. وكتبت مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد كايا كالاس عبر منصة اكس في ختام اجتماع لوزراء خارجية الدول ال27 الأعضاء، "اليوم اتخذنا القرار برفع عقوباتنا الاقتصادية على سوريا" مضيفة "سنساعد الشعب السوري على إعادة بناء سوريا جديدة ومسالمة وحاضنة للجميع". وتوجه وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بالشكر للاتحاد الأوروبي واصفا رفع العقوبات بأنه "انجاز تاريخي جديد". وفي منشور على منصة اكس، كتب الشيباني "نحقق مع شعبنا السوري إنجازا تاريخيا جديدا برفع عقوبات الاتحاد الأوروبي المفروضة على سوريا" سيعزز "الأمن والاستقرار والازدهار في سوريا".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store