logo
ستارمر سيلغي إدارة الخدمة الصحية الوطنية في إنجلترا

ستارمر سيلغي إدارة الخدمة الصحية الوطنية في إنجلترا

Independent عربية١٣-٠٣-٢٠٢٥

أعلن رئيس الوزراء البريطاني كيير ستارمر أن حكومته ستلغي الخدمة الصحية الوطنية (أن أتش أس) في إنجلترا وتعيد الخدمة الصحية لوزارة الصحة، فيما وصفه بأنه "عودة للسيطرة الديمقراطية".
وقال ستارمر اليوم الخميس إن إلغاء هذه الهيئة، وهي أكبر إدارة حكومية مستقلة في العالم وتوظف أكثر من 15 ألف شخص، "سيعيد خدمة الصحة الوطنية للحكومة ويحررها من القيود البيروقراطية لتركز على المرضى".
وكانت حكومة ديفيد كاميرون الائتلافية من "حزب المحافظين" و"حزب الليبراليين الديمقراطيين" قررت عام 2012 إنشاء خدمة الصحة الوطنية في إنجلترا لتكون مستقلة عن الحكومة، وقلصت آنذاك سلطة وزارة الصحة التي كان يتولاها أندرو لانسلي على الخدمة الصحية الوطنية والتي أصبحت تعمل بالتنسيق مع السلطات المحلية لتوفير الخدمات الصحية بحسب حاجات المناطق.
وتأمل حكومة ستارمر العمالية في أنه بإلغاء الهيئة المستقلة يمكنها توفير ما يصل إلى 100 مليون جنيه إسترليني (129 مليون دولار) من موازنة الخدمة الصحية الوطنية التي تقترب من 200 مليار جنيه إسترليني (258 مليار دولار).
وانتقد ستارمر في كلمته اليوم أداء حكومات المحافظين السابقة واتهمها بأنها منحت الاستقلال للخدمة الصحية لأنها لم تكن حكومة تعمل بكفاءة، متعهداً بالقضاء على ازدواجية الوظائف بين الهيئة والوزارة في سياق جهود الحكومة لتقليص ما وصفه بالهدر البيروقراطي، ومشيراً إلى أن تطبيق الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي يمكن أن يوفر مليارات الجنيهات للموازنة.
مركزية الخدمة لدى الحكومة
وجاء الإعلان المفاجئ من رئيس الحكومة متزامناً مع كلمة وزير الصحة ويس ستريتنغ أمام البرلمان اليوم والتي عدد فيها فوائد إلغاء إدارة الخدمة الصحية المستقلة وسيطرة وزارته عليها، ولم يسبق أن أشار ستارمر أو ستريتنغ من قبل لاحتمال إلغاء إدارة الخدمة الصحية الوطنية في إنجلترا، لكن ستريتنغ أعلن الشهر الماضي إجراءات عدة تزيد من نفوذ وزارته في الهيئة المستقلة، مما جعل الرئيسة التنفيذية للهيئة أماندا بريتشارد تستقيل معلنة أنها ستترك منصبها نهاية هذا الشهر.
وبعد إعلان ستارمر أصدرت قيادات الصحة في إنجلترا بياناً وصفت فيه الخطوة بأنها أضخم إعادة هيكلة للنظام الصحي، وحذرت من أنها ستؤدي إلى الاضطراب في الخدمة الصحية الوطنية، كما ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز".

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي بيان مشترك قال الرئيس التنفيذي لـ "رابطة خدمة الصحة الوطنية" ماتيو تايلور والرئيس التنفيذي المقبل لموردي خدمة الصحة الوطنية دانيل الكيليس، إن "العاملين سيتفهمون المقصود من هذه الإجراءات، لكنها تأتي في أكثر الأوقات تحدياً مع زيادة الطلب على الرعاية ومحدودية التمويل والحاجة إلى إعادة تشكيل الخدمات التي نقدمها، وبحسب الخبرة التاريخية فإن هذا سيسبب اضطراباً خلال الفترة الانتقالية".
أما مدير السياسات في "مؤسسة الصحة" هيو ألدرويك فحذر من تلك الخطوة وأنها "ستضيع وقت وطاقة القادة التنفيذيين في وقت يتعين أن يتركز الاهتمام على تحسين الرعاية المقدمة للمرضى، وتخبرنا التجربة أن إعادة هيكلة مؤسسات الخدمة الصحية الوطنية هي عملية إلهاء ونادراً ما تنتج منها الفوائد التي يتوقعها السياسيون".
وأبلغ وزير الصحة النواب في "مجلس العموم" أن العمل على دمج الخدمة الصحية الوطنية في وزارته "سيبدأ على الفور، وأن الاندماج الكامل للهيئة في الوزارة سيجري في غضون عامين".
وكان عدد آخر من كبار العاملين في إدارة خدمة الصحة الوطنية في إنجلترا أعلنوا استقالاتهم بالفعل هذا الأسبوع، وأبلغ العاملون في الهيئة أن عملية إلغاء الوظائف قد تشمل 50 في المئة من العاملين في الإدارة.
تقليص الحكومة
وتقول الحكومة العمالية إن هذه الخطوة تأتي ضمن إصلاح الجهاز الحكومي كله، وافترض ستارمر أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي يمكن أن "تلعب دوراً رائعاً" في تحسين وضع الخدمة الصحية الوطنية في إنجلترا، كما أن التحول الرقمي في القطاع العام يمكن أن يوفر للخزانة العامة نحو 45 مليار جنيه إسترليني (58 مليار دولار).
وفي السياق أعلن "حزب المحافظين" المعارض دعمه خطوة حكومة العمال إلغاء إدارة خدمة الصحة الوطنية، لكنه حذر من أن وزراء الحكومة يجب أن يخضعوا للمساءلة في شأن أداء الخدمة الصحية، وقال وزير شؤون مجلس الوزراء في حكومة الظل أليكس بورغارت "إننا ندعم إجراءات إعادة هيكلة إدارة 'خدمة الصحة الوطنية' ومسألة نقل المسؤولية المباشرة، وهكذا لن يكون أمام وزراء حكومة العمال الآن عذر في شأن أداء 'خدمة الصحة الوطنية' ولن يمكنهم لوم الآخرين بعد ذلك".
وفيما كرر ستارمر تبرير الخطوة بأن غرضها التوفير وتقليل العبء البيروقراطي بما يمكن أن يجعل الخدمة أفضل للأطباء والممرضين والمرضى، لكن العاملين في الهيئة لا يعرفون ما هو مصيرهم، وإن كانت صحيفة "غارديان" ذكرت أن بعضهم سينضم إلى العمل في وزارة الصحة وبعضهم ستلغى وظائفهم ويجري تسريحهم، وإذا كانت الهيئة توظف أكثر من 13 ألف شخص فإن "خدمة الصحة الوطنية" لإنجلترا ككل توظف 1.5 مليون شخص، معظمهم من المهنيين مثل الأطباء والممرضين، ويعمل هؤلاء ضمن 220 مؤسسة صحية.
وبحسب "غارديان" فإن بعض مسؤولي الصحة وصفوا الخطوة بأنها مجرد "دعاية إعلامية" لأن الحكومة لها بالفعل سلطة على خدمة الصحة الوطنية حتى في وجود الهيئة، كما نقلت الصحيفة عن وزير صحة سابق قوله إن "المهم هو الجوهر وليس شغل عناوين الأخبار".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الجرام ب 49 تريليون إسترليني.. أغلى «مادة» في الكون
الجرام ب 49 تريليون إسترليني.. أغلى «مادة» في الكون

سعورس

timeمنذ 9 ساعات

  • سعورس

الجرام ب 49 تريليون إسترليني.. أغلى «مادة» في الكون

بثمن مذهل؛ يصل إلى 49 تريليون جنيه إسترليني للجرام الواحد، تعدّ ما توصف ب«المادة المضادة» الأغلى على وجه الأرض حتى الآن. ومع ذلك، حتى لو كنت تملك المال، فقد لا تجد حتى جرامًا واحدًا من هذه المادة في أي مكان في الكون. على عكس الأحجار الكريمة أو المعادن الثمينة، لا يمكنك ببساطة استخراج هذه المادة النادرة من الأرض. ويبدو ذلك شيئًا مستوحىً من أفلام الخيال العلمي، ولكن أكد العلماء أن ذرات المادة المضادة هي أغلى المعادن على الإطلاق. تُنتج المادة المضادة بشكل مستمر من حولنا، وحتى داخل أجسامنا، وعندما تتحلل المواد المشعة؛ مثل البوتاسيوم، فإنها تُنتِج إلكترونًا وجسيمًا مضادًا للمادة يُسمى بوزيترون، وهو يمثل طاقة يمكن استخدامها في الطيران، أو علاج أمراض؛ ومنها السرطان؛ نظرًا لقدرة شفائها القياسية مقارنة بعلاجات مثل الإشعاع.

المكملات الغذائية ضرورة أم ترف
المكملات الغذائية ضرورة أم ترف

سعورس

timeمنذ 16 ساعات

  • سعورس

المكملات الغذائية ضرورة أم ترف

وفي هذا السياق، يحسن بنا تأمل أرقام تجسد هذه الظاهرة في حجمها الحقيقي وتبين مدى جدية الأمر. إذ تشير بيانات شركة Grand View Research إلى أنّ حجم السوق العالمي للمكمّلات الغذائية بلغ قرابة 192 مليار دولار في 2024، مع توقّعات بتجاوزه ليصل إلى 327 مليار دولار بحلول 2030، أي بمعدّل نمو سنوي مركّب يقارب 9%. هذا الإنفاق المالي الهائل يفسّر ضراوة الحملات الإعلانية، ويضع علامة استفهام حول الفجوة بين حجم الإنفاق العالمي والعائد الصحي الفعلي الذي يجنيه المستهلكون من هذه المنتجات. غير أنّ المؤشرات الاقتصادية لا تسرد الواقع بكل تفاصيله، فبيانات الصحة العامة تكشف جانبًا مُغايرًا لا مناص لنا من التعريج عليه. حيث إن تقريرًا صادرًا عن «مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها» في الولايات المتحدة الأمريكية يشير إلى أن أكثر من 52% من البالغين الأمريكيين يتناولون مكملات غذائية بشكل يومي، ويؤكد «المعهد القومي للصحة» بما لا يدع مجالًا للشك أن غالبية المستخدمين لا يعانون من أي نقص يستوجب التعويض. بل إنه من المفارقة للأسف أن هذه المكملات الغذائية لا تخضع لنفس المعايير الصارمة التي تقيِّد الأدوية والعقاقير الطبية وتنظم وصولها إلى المستهلك، فهي (هذه المكملات الغذائية) تدخل الأسواق بأقل حد من الرقابة الصحية والغذائية وبكثير من التسويق والتلميع الاحترافي. أما على صعيد جودة ما يُعرض في الأسواق، فتُظهر الدراسات الميدانية حقائق أكثر ترويعًا. إذ إن تحقيقًا آخر منشورًا في JAMA Network Open عام 2022 حلّل واختبر ثلاثين منتجًا من المكمّلات الغذائية التي تستهدف تعزيز أداء الرياضيين وتحسن بنيتهم الجسدية، خلُص إلى أنّ 13 منتجًا فقط طابقت مكوّناتها المكتوبة على ملصقاتها والنشرات المصاحبة لها، في حين افتقر الباقي منها إلى الدقّة أو احتوى على عناصر غير مُعلنة على أقل تقدير. هذه النتيجة المفجعة والتي تلامس صحة المستهلك بشكل مباشر سلّطت الضوء على هشاشة الرقابة في هذا القطاع، وأكّدت أهمية اعتماد اختبارات من أطراف متخصصة محايدة قبل الوثوق بأي فيتامينات أو مكملات غذائية مهما ذاع صيتها وانتشرت دعاياتها وزكاها المشاهير. وعلى الرغم من هذه المخالفات، يبقى للمكمّلات الغذائية وما على شاكلتها من منتجات مواضع استعمالٍ مشروعة يقرُّها أهل الاختصاص. إذ نجد أن كثيرًا من الأطباء يقرون بأن بعض هذه المكملات الغذائية ضرورة حتمية في ظروف محدودة جدا وبتوصية من خبراء متخصصين. كالنساء الحوامل اللائي يحتجن لحمض الفوليك، وكبار السن ممن شُخص لديهم ضعف امتصاص [فيتامين ب 12]، وكذلك سكان المناطق الباردة المفتقرين [ل فيتامين د] الناجم عن غياب أشعة الشمس المباشرة لفترات زمنية طويلة. على صعيد آخر، يطرح الطبيب النمساوي «بيتر كرامر» تساؤلًا منطقيًا في مقال علمي بمجلة Lancet على سبيل التحذير والتنبيه، «ما الذي يدفع كثيرًا من المفعمين بالصحة والعافية إلى تعاطي هذه المنتجات دون التفكير في استشارات متخصصة؟» لا ريب أن جواب سؤال كهذا لا يحتاج إلى كثير من التفكير والتمحيص، فذلك لعمري ناجم عن ثقافة الناس وقناعاتهم التي شكلتها إستراتيجيات التسويق المنهمرة عليهم. ناهيك عن كوننا بتنا نعيش في عصر القلق الصحي، عصر يخشى فيه الإنسان الوهن أكثر من المرض والشيخوخة أكثر من الموت. وفي سياق كهذا، تصبح كبسولة أو ملعقة شراب أشبه ما يكون بوعد لا يشوبه شك بوافر الطمأنينة الصحية والرضى النفسي عن الذات. فمن منا يرضى أن يوصف بالإهمال في صحته، ومن منا لديه الاستعداد للتخلف عن قافلة «الحياة الأفضل» المزعومة. حينها، تصبح هذه الحبوب والكبسولات والإبر والمشروبات أدوات ترمز للحماية والوقاية والتحسين، وللعلاج في بعض الأحيان، بل وإلى الرقي الثقافي وفق اعتقادات البعض. في مجتمعاتنا، ومع زيادة الوعي الصحي بأهمية العناية بالغذاء وسلوكيات المأكل والمشرب، دخلت شركات المكملات الغذائية على خط التسويق والتعريف والإشهار بكل ما لديها من أموال ونفوذ. صفحات إنستغرام وفيسبوك وغيرها من المنصات لا تنفك توصي بكبسولات «الحيوية والنشاط»، ومتاجر إلكترونية تَعِدك ب«نظام مناعة لا نظير له» دون الحاجة لوصفات أو تحاليل على حد زعمهم، وأخرى تدعي منحك الجسد الذي تحلم به ودون أي تضحيات من لدنك سوى شيء من المال. هذا الطوفان من الدعايات الذي يستهدف العقل الباطن يضع المستهلك في موقف لا يميز فيه بين الضرورة العلاجية والترف صحي الذي لا طائل منه، بل وقد يقود إلى ما لا يحمد عقباه. القضية يا إخوه لا تتعلق بنفي فوائد المكملات الغذائية مطلقًا، بل في تحجيم تعميمها، وربط استخدامها بحالات صحية واقعية وفق أسس علمية مدروسة. فالطبيب هو من يحدد الحاجة لها، وليس ذلك المؤثر أو المشهور في وسائل التواصل الاجتماعي. وحدها التحاليل المعملية والطبية هي الفيصل، وليست الإعلانات التسويقية التي تلاحقنا أينما ولينا وجوهنا. أما إن وجد المرء منا نفسه لا مناص له من تعاطيها بعد أن وصفها له المختص، فلا بد من اتباع بضع خطوات تضمن له بإذن الله تحقيق ما يرجوه وبأقل أثر سلبي إن وجد. أولى هذه الخطوات عند اختيار المنتج، فينبغي التأكد من وجود ختم أو شعار لجهةٍ محايدة على المنتج مثل USP أو NSF أو Informed-Sport، وهي منظمات عالمية معروفة، بعضها غير ربحية متخصصة في تحليل ودراسة واختبار هذه المنتجات للتأكد من صلاحية استخدامها ومطابقة ما كتب على ملصقاتها ونشراتها مع ما تحتويه فعليًا من مواد وعناصر. ثم تأتي الخطوة الثانية والتي يجب فيها على المستهلك منا إلقاء نظرة فاحصة على خانة «% DV» التي تبيّن نسبة ما يلبّيه المنتج من احتياجه اليومي، فارتفاع الجرعة لا يعني بالضرورة زيادة الفائدة، بل على النقيض قد يرهق الكبد والكُلى. وأخيرًا تجنب أي عبوة اقترب تاريخ انتهاء صلاحيتها حتى وإن أغرتك العروض، ففعالية المكوّنات النشطة تتراجع بمرور الوقت كما هو معروف. ولعلنا نخلص إلى أن المكملات الغذائية ليست عدوًا محضًا، وفي الوقت نفسه ليست صديقًا صدوقًا. فالتوازن في استخدامها وقبل ذلك التشخيص واستشارة المتخصصين هي الضمان الأمثل لجلب فوائدها ودرء مفاسدها. أما الاستهلاك الوقائي لمجرد الاطمئنان وإشباع هوس في نفس يعقوب، فقد ينتهي بالمرء إلى تكبد أعباء مالية لا طائل منها، ناهيك عن آثارها الجانبية ومضاعفاتها الصحية المحتملة بنسب عالية.

المكملات الغذائية ضرورة أم ترف
المكملات الغذائية ضرورة أم ترف

الوطن

timeمنذ 17 ساعات

  • الوطن

المكملات الغذائية ضرورة أم ترف

باتت المكملات الغذائية في السنوات الأخيرة جزءًا من السلوك الاستهلاكي اليومي، ليس في مراكز اللياقة وبناء الأجسام وحسب، بل على رفوف الصيدليات، ومنصات التواصل الاجتماعي والمتاجر الإلكترونية. كبسولات أنيقة، وأشرطة حبوب منمقة، وعبوات براقة، ووعود بالصحة، والمناعة، والطاقة الدائمة. وسط هذا الضجيج «الصحي» النشط، يتبادر إلى الذهن تساؤل قد يزعج المنتفعين من هذا السوق: هل فعلًا نحتاج إلى هذه المائدة الضخمة من المكملات الغذائية؟ أم أننا ضحايا تجارة رائجة تستغل هوس البعض بالصحة والحيوية والجمال والشباب الدائم؟ وفي هذا السياق، يحسن بنا تأمل أرقام تجسد هذه الظاهرة في حجمها الحقيقي وتبين مدى جدية الأمر. إذ تشير بيانات شركة Grand View Research إلى أنّ حجم السوق العالمي للمكمّلات الغذائية بلغ قرابة 192 مليار دولار في 2024، مع توقّعات بتجاوزه ليصل إلى 327 مليار دولار بحلول 2030، أي بمعدّل نمو سنوي مركّب يقارب 9%. هذا الإنفاق المالي الهائل يفسّر ضراوة الحملات الإعلانية، ويضع علامة استفهام حول الفجوة بين حجم الإنفاق العالمي والعائد الصحي الفعلي الذي يجنيه المستهلكون من هذه المنتجات. غير أنّ المؤشرات الاقتصادية لا تسرد الواقع بكل تفاصيله، فبيانات الصحة العامة تكشف جانبًا مُغايرًا لا مناص لنا من التعريج عليه. حيث إن تقريرًا صادرًا عن «مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها» في الولايات المتحدة الأمريكية يشير إلى أن أكثر من 52% من البالغين الأمريكيين يتناولون مكملات غذائية بشكل يومي، ويؤكد «المعهد القومي للصحة» بما لا يدع مجالًا للشك أن غالبية المستخدمين لا يعانون من أي نقص يستوجب التعويض. بل إنه من المفارقة للأسف أن هذه المكملات الغذائية لا تخضع لنفس المعايير الصارمة التي تقيِّد الأدوية والعقاقير الطبية وتنظم وصولها إلى المستهلك، فهي (هذه المكملات الغذائية) تدخل الأسواق بأقل حد من الرقابة الصحية والغذائية وبكثير من التسويق والتلميع الاحترافي. أما على صعيد جودة ما يُعرض في الأسواق، فتُظهر الدراسات الميدانية حقائق أكثر ترويعًا. إذ إن تحقيقًا آخر منشورًا في JAMA Network Open عام 2022 حلّل واختبر ثلاثين منتجًا من المكمّلات الغذائية التي تستهدف تعزيز أداء الرياضيين وتحسن بنيتهم الجسدية، خلُص إلى أنّ 13 منتجًا فقط طابقت مكوّناتها المكتوبة على ملصقاتها والنشرات المصاحبة لها، في حين افتقر الباقي منها إلى الدقّة أو احتوى على عناصر غير مُعلنة على أقل تقدير. هذه النتيجة المفجعة والتي تلامس صحة المستهلك بشكل مباشر سلّطت الضوء على هشاشة الرقابة في هذا القطاع، وأكّدت أهمية اعتماد اختبارات من أطراف متخصصة محايدة قبل الوثوق بأي فيتامينات أو مكملات غذائية مهما ذاع صيتها وانتشرت دعاياتها وزكاها المشاهير. وعلى الرغم من هذه المخالفات، يبقى للمكمّلات الغذائية وما على شاكلتها من منتجات مواضع استعمالٍ مشروعة يقرُّها أهل الاختصاص. إذ نجد أن كثيرًا من الأطباء يقرون بأن بعض هذه المكملات الغذائية ضرورة حتمية في ظروف محدودة جدا وبتوصية من خبراء متخصصين. كالنساء الحوامل اللائي يحتجن لحمض الفوليك، وكبار السن ممن شُخص لديهم ضعف امتصاص [فيتامين ب 12]، وكذلك سكان المناطق الباردة المفتقرين [لـ فيتامين د] الناجم عن غياب أشعة الشمس المباشرة لفترات زمنية طويلة. على صعيد آخر، يطرح الطبيب النمساوي «بيتر كرامر» تساؤلًا منطقيًا في مقال علمي بمجلة Lancet على سبيل التحذير والتنبيه، «ما الذي يدفع كثيرًا من المفعمين بالصحة والعافية إلى تعاطي هذه المنتجات دون التفكير في استشارات متخصصة؟» لا ريب أن جواب سؤال كهذا لا يحتاج إلى كثير من التفكير والتمحيص، فذلك ــ لعمري ــ ناجم عن ثقافة الناس وقناعاتهم التي شكلتها إستراتيجيات التسويق المنهمرة عليهم. ناهيك عن كوننا بتنا نعيش في عصر القلق الصحي، عصر يخشى فيه الإنسان الوهن أكثر من المرض والشيخوخة أكثر من الموت. وفي سياق كهذا، تصبح كبسولة أو ملعقة شراب أشبه ما يكون بوعد لا يشوبه شك بوافر الطمأنينة الصحية والرضى النفسي عن الذات. فمن منا يرضى أن يوصف بالإهمال في صحته، ومن منا لديه الاستعداد للتخلف عن قافلة «الحياة الأفضل» المزعومة. حينها، تصبح هذه الحبوب والكبسولات والإبر والمشروبات أدوات ترمز للحماية والوقاية والتحسين، وللعلاج في بعض الأحيان، بل وإلى الرقي الثقافي وفق اعتقادات البعض. في مجتمعاتنا، ومع زيادة الوعي الصحي بأهمية العناية بالغذاء وسلوكيات المأكل والمشرب، دخلت شركات المكملات الغذائية على خط التسويق والتعريف والإشهار بكل ما لديها من أموال ونفوذ. صفحات إنستغرام وفيسبوك وغيرها من المنصات لا تنفك توصي بكبسولات «الحيوية والنشاط»، ومتاجر إلكترونية تَعِدك بـ«نظام مناعة لا نظير له» دون الحاجة لوصفات أو تحاليل على حد زعمهم، وأخرى تدعي منحك الجسد الذي تحلم به ودون أي تضحيات من لدنك سوى شيء من المال. هذا الطوفان من الدعايات الذي يستهدف العقل الباطن يضع المستهلك في موقف لا يميز فيه بين الضرورة العلاجية والترف صحي الذي لا طائل منه، بل وقد يقود إلى ما لا يحمد عقباه. القضية يا إخوه لا تتعلق بنفي فوائد المكملات الغذائية مطلقًا، بل في تحجيم تعميمها، وربط استخدامها بحالات صحية واقعية وفق أسس علمية مدروسة. فالطبيب هو من يحدد الحاجة لها، وليس ذلك المؤثر أو المشهور في وسائل التواصل الاجتماعي. وحدها التحاليل المعملية والطبية هي الفيصل، وليست الإعلانات التسويقية التي تلاحقنا أينما ولينا وجوهنا. أما إن وجد المرء منا نفسه لا مناص له من تعاطيها بعد أن وصفها له المختص، فلا بد من اتباع بضع خطوات تضمن له ــ بإذن الله ــ تحقيق ما يرجوه وبأقل أثر سلبي إن وجد. أولى هذه الخطوات عند اختيار المنتج، فينبغي التأكد من وجود ختم أو شعار لجهةٍ محايدة على المنتج مثل USP أو NSF أو Informed-Sport، وهي منظمات عالمية معروفة، بعضها غير ربحية متخصصة في تحليل ودراسة واختبار هذه المنتجات للتأكد من صلاحية استخدامها ومطابقة ما كتب على ملصقاتها ونشراتها مع ما تحتويه فعليًا من مواد وعناصر. ثم تأتي الخطوة الثانية والتي يجب فيها على المستهلك منا إلقاء نظرة فاحصة على خانة «% DV» التي تبيّن نسبة ما يلبّيه المنتج من احتياجه اليومي، فارتفاع الجرعة لا يعني بالضرورة زيادة الفائدة، بل على النقيض قد يرهق الكبد والكُلى. وأخيرًا تجنب أي عبوة اقترب تاريخ انتهاء صلاحيتها حتى وإن أغرتك العروض، ففعالية المكوّنات النشطة تتراجع بمرور الوقت كما هو معروف. ولعلنا نخلص إلى أن المكملات الغذائية ليست عدوًا محضًا، وفي الوقت نفسه ليست صديقًا صدوقًا. فالتوازن في استخدامها وقبل ذلك التشخيص واستشارة المتخصصين هي الضمان الأمثل لجلب فوائدها ودرء مفاسدها. أما الاستهلاك الوقائي لمجرد الاطمئنان وإشباع هوس في نفس يعقوب، فقد ينتهي بالمرء إلى تكبد أعباء مالية لا طائل منها، ناهيك عن آثارها الجانبية ومضاعفاتها الصحية المحتملة بنسب عالية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store