
بين النظام المالي التقليدي والقائم على العملات الرقمية.. الفرص والمخاطر
بعد أن استعرضنا في المقال السابق فلسفة العملات الرقمية؛ نشأتها، وتأثير العوامل السياسية عليها، ننتقل في هذا المقال إلى مناقشة أثر هذه الصناعة على النظام المالي التقليدي، مع تسليط الضوء على أبرز التحديات والمخاطر التي تواجهها. سنعرض مجموعة من النقاط التي تكشف بعض الجوانب الخفية لعالم العملات الرقمية.
ما مدى تأثير العملات الرقمية على النظام المالي العالمي؟
تُعد العملات الرقمية، مثل البيتكوين، تحولًا ثوريا في عالم المال، إذ تحدّ من الدور التقليدي الذي تؤديه البنوك والمؤسسات المالية في تنظيم المعاملات. لكن كيف ينعكس هذا التأثير على النظام المالي التقليدي؟ لنستعرض أبرز الفروقات بين النظامين.
في النظام المالي التقليدي:
1- تتحكم البنوك والمؤسسات المالية في عمليات تداول الأموال، إذ تتم جميع المعاملات عبر هذه الجهات.
2- يتطلب إرسال الأموال إلى شخص آخر اللجوء إلى وسيط مالي، مثل البنك، لإتمام المعاملة.
أما في العملات الرقمية:
1- يتم تحويل الأموال مباشرة بين الأفراد عبر الإنترنت باستخدام تقنية البلوكتشين، دون الحاجة إلى وسيط مالي.
تعرف "سلسلة الكتل" (Blockchain) بأنها عبارة عن قاعدة بيانات موزعة مشتركة بين أجهزة الشبكة الحاسوبية، حيث يسمى كل جهاز بـ"العقدة" (Node) وتخزن المعلومات بشكل موزع على أكثر من "عقدة" في الوقت نفسه.
إعلان
2- تمنح العملات الرقمية المستخدمين تحكمًا كاملًا في أموالهم، مما يلغي الحاجة إلى الاعتماد على البنوك أو المؤسسات المالية لتنفيذ المعاملات.
في النظام المالي التقليدي:
1- عادة ما تفرض البنوك رسومًا على عمليات التحويل، سواء داخل الدولة أو عبر الحدود. قد تستغرق التحويلات عدة أيام حتى تصل إلى المستلم، خاصة عند التعامل مع جهات مصرفية دولية.
1- الرسوم أقل بكثير مقارنة بتكاليف التحويلات المصرفية، نظرًا لعدم وجود وسيط مالي بين المرسل والمستقبل.
2- تتم المعاملات بسرعة فائقة؛ إذ يمكن إرسال البيتكوين مثلًا إلى أي مكان في العالم خلال ثوانٍ، مقارنة بالأيام التي تستغرقها التحويلات التقليدية.
في النظام المالي التقليدي:
1- تتحكم المؤسسات المالية، مثل البنوك المركزية، في إصدار العملات وتنظيم المعاملات المالية.
2- تُتخذ قرارات رئيسية مثل تحديد أسعار الفائدة وكميات النقد المتاحة من قبل هذه الجهات.
أما في العملات الرقمية:
1- يعتمد النظام المالي الرقمي على اللامركزية، إذ لا توجد جهة واحدة تتحكم فيه.
2- تتم المعاملات عبر شبكة من الحواسيب المنتشرة عالميا، حيث تتحقق كل وحدة منها من صحة العمليات وتُسجّلها في دفتر حسابات مشترك يُعرف بالبلوكتشين (Blockchain).
3- لا يمكن لأي جهة فرض سيطرتها على النظام أو تعديل قيمة العملة بشكل فردي، بل يعتمد كل شيء على التوافق الجماعي بين المشاركين في الشبكة.
4- توفر هذه اللامركزية مستوى أعلى من الشفافية، وتمنح الأفراد قدرة أكبر على التحكم بأموالهم، مما يقلل من مخاطر التلاعب المالي أو الرقابة الحكومية.
الفوائد والمخاطر المرتبطة بالنظام المالي العالمي الجديد
1- السرعة والفاعلية: تتيح العملات الرقمية تحويل الأموال بسرعة تفوق بكثير النظام المصرفي التقليدي، إذ يمكن إرسال الأموال إلى أي مكان في العالم في غضون دقائق.
إعلان
2- الشفافية: تعتمد العملات الرقمية على تقنية البلوكتشين (Blockchain)، حيث تُسجل جميع المعاملات بشكل مفتوح وقابل للتحقق، مما يعزز الشفافية ويقلل من احتمالات التلاعب.
3- خفض التكاليف: تتم التحويلات المالية عبر العملات الرقمية بتكاليف أقل مقارنة بالرسوم التي تفرضها البنوك، لا سيما في التحويلات الدولية.
1- التقلبات في القيمة: تشهد العملات الرقمية تذبذبا حادا في أسعارها يجعلها استثمارا عالي المخاطر. فقد ترتفع قيمتها أو تنخفض بشكل كبير في يوم واحد، مما يخلق حالة من عدم الاستقرار للمستثمرين والمتعاملين.
2- المخاوف القانونية والتنظيمية: لا تزال العديد من الدول غير واضحة بشأن كيفية التعامل مع العملات الرقمية. فبعض الحكومات تفرض قيودا أو حتى حظرا تاما، مما قد يؤثر على الاستخدام المستقبلي لهذه العملات.
3- الاستخدامات غير المشروعة: نظرا للطبيعة المجهولة نسبيا لبعض العملات الرقمية، يمكن استغلالها في أنشطة غير قانونية مثل تمويل الإرهاب أو غسيل الأموال، مما يثير قلق الحكومات والجهات التنظيمية.
كما أن مصالح العملات المشفرة تتعارض مع القوة المالية والتكنولوجية للولايات المتحدة، إذ إنها تتيح نقل الأموال عبر الحدود من دون رقابة مركزية، وتَعِد بتوفير بدائل تكنولوجية لسلطة الحكومات. هذه العوامل تقلق البنوك التقليدية التي تخشى تأثير العملات الرقمية على مكافحة غسل الأموال وفرض العقوبات المالية.
التحديات القانونية والتنظيمية للعملات الرقمية
تواجه العملات الرقمية عقبات قانونية وتنظيمية قد تؤثر على مستقبلها وإمكانية تبنيها على نطاق أوسع.
العملات الرقمية لا تخضع لنظام قانوني موحد كما هو الحال في العملات التقليدية مثل الدولار أو اليورو، مما يعني أن كل دولة تتعامل معها بطريقة مختلفة.
على سبيل المثال، في الصين منعت الحكومة تمامًا تداول العملات الرقمية، خوفًا من تأثيرها على الاستقرار المالي.
أما في الولايات المتحدة، فقد وضعت تشريعات لتنظيم تداول العملات الرقمية، لكنها ليست موحدة في جميع الولايات، مما يجعل الامتثال القانوني أمرًا معقدًا للمستثمرين والشركات.
والنتيجة: يواجه المستخدمون والمستثمرون مخاطر قانونية عند التعامل بالعملات الرقمية، حيث قد لا يكون من الواضح دائمًا أي قوانين تنطبق عليهم، خاصة عند التعامل عبر الحدود، مما يخلق حالة من عدم اليقين القانوني ويجعل البعض يتردد في استخدامها.
تسمح العملات الرقمية للأفراد بالتعامل المباشر دون الحاجة إلى وسيط مالي، لكن هذه الميزة قد تسهّل أيضًا عمليات الاحتيال.
ففي بعض الحالات، يقوم المحتالون بإنشاء عملات رقمية مزيفة أو مشاريع استثمارية وهمية، إذ يُقنعون المستثمرين بالانضمام إلى مشاريع لا تعود عليهم بأي ربح.
تفتقر بعض الأسواق الرقمية إلى الرقابة الكافية، مما يسمح لأطراف معينة بالتلاعب بالأسعار وإحداث اضطرابات مصطنعة في السوق.
ومع غياب الضمانات الرقابية، يواجه المستخدمون مخاطر فقدان أموالهم، مما يُضعف الثقة بالعملات الرقمية ويحدّ من انتشارها.
لضمان دمج العملات الرقمية في النظام المالي العالمي، يجب تطوير إطار قانوني يحقق التوازن بين دعم الابتكار وحماية المستثمرين.
فرض الضرائب: تحتاج الحكومات إلى سنّ قوانين واضحة لفرض الضرائب على المعاملات الرقمية، تسهم في إدراجها ضمن المنظومة الاقتصادية الرسمية.
مكافحة غسيل الأموال: بسبب عدم وجود رقابة مركزية، يمكن استغلال العملات الرقمية في أنشطة غير قانونية مثل غسل الأموال أو تمويل الإرهاب. لذا، تسعى الدول إلى وضع قوانين لضبط هذه الأنشطة وضمان عدم إساءة استخدام العملات الرقمية.
التقلبات الشديدة في العملات الرقمية وتأثيرها على انتشارها
تُعرف العملات الرقمية بتقلباتها الحادة، مما يجعلها أقل استقرارًا مقارنة بالأصول المالية التقليدية مثل العملات الورقية أو السندات. وهذه التقلبات تؤثر بشكل مباشر على استخدامها كأداة استثمارية أو وسيلة ادخار.
فقدان الثقة بسبب التقلبات
تؤدي التقلبات العنيفة في أسعار العملات الرقمية إلى تراجع ثقة المستخدمين، حيث إن العملة التي يمكن أن تفقد جزءًا كبيرًا من قيمتها بين ليلة وضحاها لا تعتبر خيارًا موثوقًا للدفع أو للاستثمار الطويل الأجل.
قد تتسبب التقلبات الحادة في أسواق العملات الرقمية في حدوث اضطرابات في الأسواق المالية الأخرى.
على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة إلى انخفاض حاد في قيمة العملات الرقمية، مما يخلق حالة من عدم الاستقرار في السوق ويثير مخاوف المستثمرين.
أسباب انخفاض الإقبال على العملات الرقمية
رغم الابتكار الذي تقدمه العملات الرقمية، فإن هناك تحديات عدة تعيق انتشارها في الحياة اليومية، ومن أبرزها:
قلة الجهات التي تقبل التعامل بها: لا تزال معظم المتاجر والشركات ترفض اعتماد العملات الرقمية كوسيلة دفع رسمية. وهذا القصور في القبول يجعل استخدامها محدودًا في المعاملات اليومية، ويقتصر على عدد قليل من المتاجر والأفراد.
التذبذب الحاد في الأسعار: يعتمد الاقتصاد على الاستقرار والوضوح، وهو ما تفتقر إليه العملات الرقمية بسبب التغيرات الحادة في قيمتها. هذه التقلبات تجعلها غير عملية كوسيلة دفع أو استثمار طويل الأمد، إذ لا يمكن التنبؤ بسعرها من يوم لآخر.
تمثل العملات الرقمية ثورة تكنولوجية غير مكتملة، فهي لا تزال في طور التكيف مع النظام المالي العالمي. ورغم الإمكانات الهائلة التي توفرها، فإن دمجها بشكل كامل قد يؤدي إلى تحديات كبيرة للقطاعات المالية التقليدية، مما يجعل من الصعب التنبؤ بمستقبلها بدقة.
تحذيرات للمستثمرين:
يجب على المستثمرين في العملات الرقمية إجراء أبحاث دقيقة حول المشاريع التي يستثمرون فيها، وفهم التكنولوجيا والأهداف والتحديات المحتملة.
لا ينبغي الاندفاع وراء الوعود بعوائد سريعة، فقد تكون بعض المشاريع غير شفافة أو غير موثوقة.
ينبغي التذكر أن سوق العملات الرقمية لا يزال غير منظم بالكامل في العديد من الدول، مما يزيد من المخاطر القانونية والمالية المرتبطة به.
كذلك فإن القرار الاستثماري الصحيح يبدأ بالمعرفة الدقيقة، لذا من الضروري التأكد من مصداقية المعلومات قبل اتخاذ أي خطوة مالية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العرب القطرية
منذ 21 ساعات
- العرب القطرية
الجيدة: نستهدف جذب استثمارات إضافية عبر أطر تشريعية متطورة
الدوحة - العرب ناقش منتدى قطر الاقتصادي، أمس، عملية تنظيم العملات المشفرة والأصول الرقمية عبر بناء أطر تشريعية متطورة تأخذ بعين الاعتبار التغيرات الاقتصادية والسياسية في العالم. واستعرضت جلسة ضمن أعمال المنتدى عقدت بعنوان «العملات المشفرة والأصول الرقمية.. فرص جديدة في سوق متقلب» التعقيدات التي تصاحب الاستثمار في الأصول الرقمية وأبرز الفرص والمخاطر في بيئة تتغير بسرعة حيث لم تعد القواعد والتشريعات القديمة كافية لتنظيم هذه الأمور. وتحدث في الجلسة كل من يوسف محمد الجيدة الرئيس التنفيذي لمركز قطر للمال والسيدة علا دودين الرئيس التنفيذي لشركة «بيتوازيز» BitOasis، والسيد إيمانويل جفاناكيس الرئيس التنفيذي بهيئة تنظيم الخدمات المالية بسوق أبوظبي العالمي. وقال الجيدة إنه منذ عام 2018، شرع مركز قطر للمال في وضع إطار تنظيمي متكامل للأصول الرقمية، مع التركيز على إدارة المخاطر المرتبطة بغسل الأموال، وحماية البيانات، وتوفير بيئة آمنة للاستثمار. وأضاف أنه تم في هذه الخطوات اعتماد نهج مرن يتماشى مع تطورات السوق، لكن مع رفع معايير الحوكمة والامتثال بهدف تقليل المخاطر دون تعطيل الابتكار. وأشار الرئيس التنفيذي لمركز قطر للمال الى ان سياسة مصرف قطر المركزي لا ترحب باستخدام العملات المشفرة المباشرة مثل «البيتكوين» ما أدى إلى توجيه التركيز نحو الأصول الرمزية والعقارية، موضحا أن مركز قطر للمال وضع تشريعات خاصة بالترميز، ووضع أدلة إرشادية للمستثمرين لتشجيع اعتماد آمن لهذا النوع من الأصول، لا سيما في قطاع العقارات الذي يعتبر أكثر القطاعات قابلية للاستفادة من هذا التحول. وأضاف أن ترميز الأصول الحقيقية يمكن من دمقرطة الوصول إلى الاستثمار، ويدفع عجلة الاقتصاد، لافتا الى وجود فرص كبيرة في السوق العقارية الخليجية.


الجزيرة
٢٣-٠٤-٢٠٢٥
- الجزيرة
ترامب ينعش الأسواق ويحسّن المعنويات بإعلانه عدم إقالة باول
تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس الثلاثاء بعدم نيته إقالة رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول كانت له تأثيرات اقتصادية إيجابية سريعة ومتعددة على الأسواق، إذ تنفس المستثمرون الصعداء، وسط آمال بخفض التوتر في أكبر اقتصاد عالمي. وكانت الأسواق قد واجهت منذ بداية الأسبوع اضطرابا بسبب فكرة أن تكون استقلالية مجلس الاحتياطي مهددة بعد انتقادات متكررة من ترامب لباول بسبب عدم خفض أسعار الفائدة منذ عودة الرئيس إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني الماضي. ومن شأن تصريح ترامب أن يطمئن المستثمرين ويقلل المخاوف بشأن التسييس المحتمل للسياسة النقدية، مما قد يؤدي إلى ارتفاع في الأسهم واستقرار في سوق السندات ودعم قوة الدولار. وفيما يلي إليك أبرز التأثيرات لتصريحات ترامب: صعود الدولار عاد المستثمرون للإقبال على الدولار الذي حوّم في الأسابيع القليلة الماضية قرب أدنى مستوى في 3 سنوات مع تشكك المستثمرين في وضعه كملاذ آمن بالنظر لتقلب سياسات ترامب التجارية وأثرها المحتمل على الاقتصاد الأميركي. وارتفع الدولار بسرعة في بداية التعاملات الآسيوية اليوم الأربعاء، لكنه استقر بعد ذلك، وصعد بأكثر من 1% أمام العملة اليابانية إلى 143.21 ينا في التعاملات المبكرة.وهبط اليورو 0.25% إلى 1.1389 دولار متراجعا عن مستوى 1.15 دولار الذي سجله هذا الأسبوع وشكّل أعلى مستوى في نحو 3 أعوام ونصف العام. ومقابل الفرنك السويسري ارتفع الدولار في أحدث التداولات إلى 0.8222 فرنك بعد أن قفز بأكثر من 1% في التعاملات الآسيوية. ارتفاع النفط ارتفع النفط 1% في تعاملات اليوم المبكرة، وتلقت السوق دعما بعد تراجع ترامب عن تهديداته بإقالة بأول، إذ ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 61 سنتا، أو 0.9% إلى 68.05 دولارا للبرميل، في حين بلغ سعر خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 64.27 دولارا للبرميل، بارتفاع 60 سنتا أو 0.94%. انخفاض الذهب انخفضت أسعار الذهب في بداية تعاملات اليوم بعدما تراجع ترامب عن تهديداته بإقالة باول، مما أثر سلبا على جاذبية المعدن الأصفر الذي يعد ملاذا آمنا. وبحلول الساعة 05:52 بتوقيت غرينتش نزل الذهب في المعاملات الفورية 1.9% إلى 3318.71 دولارا للأوقية (الأونصة)، وانخفضت العقود الأميركية الآجلة للذهب 2.7% إلى 3328.10 دولارا. ارتفاع البيتكوين وبالنسبة للعملات المشفرة، ارتفعت البيتكوين بنسبة تتجاوز 3% إلى 94 ألفا و284 دولارا، متخطية مستوى 90 ألف دولار للمرة الأولى منذ مارس/آذار الماضي. انتعاش الأسواق المالية وبعد تصريحات ترامب التي هدأت المخاوف بشأن استقلالية الاحتياطي الفدرالي شهدت الأسواق الآسيوية ارتفاعا ملحوظا، فارتفع مؤشر نيكاي الياباني بنسبة 2.3%، في حين سجل المؤشر الرئيسي في كوريا الجنوبية مكاسب بنسبة 1.2%.وفي أوروبا، ارتفعت الأسهم اليوم الأربعاء، ففي التعاملات المبكرة صعد المؤشر ستوكس 600 الأوروبي 1.8%، وسجلت المؤشرات في ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا مكاسب بين 1.9 و2.7%. وكانت الأسواق العالمية قد شهدت اضطرابا مؤخرا خوفا من تعرض استقلالية المركزي الأميركي للتهديد بعد هجوم متكرر شنه ترامب على باول لعدم خفض أسعار الفائدة منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني الماضي. وختاما، لا بد من الإشارة إلى أن تصريحات ترامب الأخيرة ساهمت في تهدئة الأسواق مؤقتا، لكنها لم تنه التوترات بين البيت الأبيض والاحتياطي الفدرالي، وقد يؤدي استمرار الضغط السياسي على البنك المركزي إلى تقلبات مستقبلية في الأسواق ويؤثر على ثقة المستثمرين في استقلالية السياسة.


الجزيرة
١٦-٠٤-٢٠٢٥
- الجزيرة
الجانب المظلم للبيتكوين وتأثيراتها الخطيرة على المناخ
مع التحولات التكنولوجية والأزمات الاقتصادية، يهرب المستثمرون إلى ملاذات مالية آمنة باتت توفرها العملات المشفرة التي تحظى أيضا باهتمام القوى الاقتصادية الكبرى، كالصين والولايات المتحدة، ورغم أنها نظريا توفر الأوراق والمعادن المستخدمة في العملات النقدية والورقية فإن تأثيراتها المناخية والبيئية كبيرة، ولا تحظى بالاهتمام أيضا. وخلصت دراسة حديثة إلى أن البيتكوين (Bitcoin) -العملة المشفرة الأكثر شعبية في العالم- لها تأثيرات مثيرة للقلق على المناخ والمياه والأرض بحكم بصمتها الكربونية العالية، التي يتم غالبا تجاهلها لما يوفره قطاع العملات المشفرة من فرص وفوائد مالية واقتصادية قيمة. ودرس علماء من جامعة الأمم المتحدة بطوكيو الآثار البيئية للبيتكوين من خلال دراسة أنشطة 76 دولة تقوم بتعدين هذه العملة المشفرة بين عامي 2020 و2021، وتبين أن أنشطة تعدين بيتكوين العالمية تخلّف تأثيرات مثيرة للقلق على المناخ والمياه والأرض، بحكم اعتمادها بشكل كبير على الوقود الأحفوري. ويقصد بعملية تعدين العملة المشفرة التحقق والمصادقة على المعاملة المالية من خلال سلسلة من الوحدات أو الكتل، التي تعرف باسم "بلوكتشين" (Blockchain)، ويكون ذلك عبر إنشاء كتلة أو إضافتها وإرسالها من خلال رموز ومسائل رياضية معقدة وباستخدام أجهزة حاسوب مُتخصِّصة وقوية وقاعدة بيانات ضخمة تستهلك كثيرا من الطاقة. استهلاك مفرط للطاقة وفقا لنتائج الدراسة التي نشرتها كل من جامعة الأمم المتحدة ومجلة "مستقبل الأرض"، استهلكت شبكة تعدين البيتكوين العالمية 173.42 تيراواط ساعة من الكهرباء خلال الفترة 2020-2021. وإذا كانت البيتكوين دولة، لاحتلت المرتبة 27 عالميا من حيث استهلاك الطاقة، متقدمة على دولة مثل باكستان، التي يزيد عدد سكانها على 230 مليون نسمة. وتعادل تلك البصمة الكربونية تشغيل 190 محطة طاقة تعمل بالغاز الطبيعي، أو نحو 41 مليون طن من الفحم، وينبغي لتعويضها زراعة 3.9 مليارات شجرة، أو مساحة تعادل تقريبا مساحة هولندا أو سويسرا أو الدانمارك، أو 7% من غابات الأمازون المطيرة. وخلال فترة البحث (2020-2021)، انبعث من تعدين البيتكوين أكثر من 85.89 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون المسببة للاحتباس الحراري، وهي انبعاثات قد تكون كافية لوحدها -حسب الدراسة- لدفع ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي إلى ما هو أبعد من هدف اتفاقية باريس المتمثل في إبقاء ظاهرة الاحتباس الحراري الناجمة عن الأنشطة البشرية أقل من درجتين مئويتين. ووفقا للدراسة، يعتمد تعدين البيتكوين بصورة كبيرة على مصادر الطاقة غير المتجددة، إذ يُمثل الفحم نحو 45% من مزيج إمدادات الطاقة المستهلكة لعملية التعدين، يليه الغاز الطبيعي بنسبة 21%. كما تستهلك أيضا مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الكهرومائية بنسبة 16%، والطاقة النووية بنسبة 9%، والطاقة الشمسية بنسبة 2%، وطاقة الرياح بنسبة 5%. وبين عامي 2021 و2022، أدى ارتفاع سعر البيتكوين بنسبة 400% إلى زيادة استهلاك الطاقة في شبكة تعدين البيتكوين العالمية بنسبة 140%. كما قدر الباحثون أن البصمة المائية للعملية تعدين البيتكوين (إجمالي المياه المستخدمة في تطويرها وإنتاجها واستهلاكها) خلال فترة الدراسة بحوالي 1.65 كيلومتر مكعب، وكانت كافية لتلبية الاحتياجات المائية لأكثر من 300 مليون شخص، وهي مماثلة لكمية المياه اللازمة لملء أكثر من 660 ألف مسبح أولمبي. واستهلكت أنشطة تعدين البيتكوين أيضا، حسب الدراسة، بصمة أرضية (وهي المساحة الفعلية من الأرض اللازمة لإنتاج منتج معين أو المستخدمة من قبل منظمة أو دولة) تعادل 1.4 مساحة مدينة لوس أنجلوس مرة ونصف، أي نحو 1870 كيلومترا مربعا. أباطرة العملات المشفرة وتُعدّ الصين أكبر دولة في مجال تعدين البيتكوين وتعتمد غالبا على الفحم. ولتعويض انبعاثات الكربون الناتجة عن ذلك خلال الفترة نفسها (2021-2022)، قررت الصين زراعة نحو ملياري شجرة، تغطي مساحة تُعادل مجموع مساحة البرتغال وأيرلندا. وإلى جانب الصين، شملت قائمة أكبر 10 دول في تعدين البيتكوين في العالم خلال الفترة 2020-2021 -حسب الدراسة- كلا من الولايات المتحدة، وكازاخستان، وروسيا، وماليزيا، وكندا، وألمانيا، وإيران، وأيرلندا، وسنغافورة. كما تُعدّ النرويج والسويد وتايلند والمملكة المتحدة من بين الدول العشر الأولى في قائمة الدول الأكثر تلويثًا للأرض والمياه عبر أنشطة تعدين البيتكوين. وتُعدّ هذه الدول مسؤولة عما بين 92% و94% من البصمة الكربونية والمائية والبرية العالمية للبيتكوين. وفي المقابل، تعد البلدان ذات أسعار الكهرباء المنخفضة، مثل كازاخستان -حيث سعر الكهرباء أرخص بـ3 مرات من سعره في الولايات المتحدة- جنات تعدين البيتكوين التي توفر حوافز مالية كبيرة لعملية التعدين، التي تعتمد بشكل كبير على مصادر الطاقة غير المتجددة. وقال البروفسور كافي ماداني أحد المؤلفين الرئيسين للدراسة: "عندما نلاحظ الفئات المستفيدة حاليًا من تعدين البيتكوين، والدول والأجيال التي ستعاني أكثر من غيرها من آثاره البيئية، لا يسعنا إلا التفكير في آثار عدم المساواة والظلم الناجمة عن قطاع العملات الرقمية غير المنظم". وترصد الدراسة انخفاض حصة الصين في تعدين البيتكوين من 73% عام2020 إلى 21% عام 2022 بسبب السياسات الحكومية وزيادة حصص كل من الولايات المتحدة وكازاخستان بنسبة 34% و10% على التوالي. وفي هذا السياق، يقدم علماء الأمم المتحدة مجموعة من التوصيات بشأن التدخلات التنظيمية المحتملة للحكومات لرصد الآثار البيئية للعملات المشفرة والتخفيف من تأثيراتها على المناخ. وتقترح الدراسة الاستثمار في أنواع أخرى من العملات الرقمية الأكثر كفاءة في استخدام الطاقة والأقل ضررا بالبيئة، والاهتمام بالآثار العابرة للحدود والأجيال الناجمة عن تعدين العملات المشفرة.