logo
الدمج في زمن التحولات الكبرى

الدمج في زمن التحولات الكبرى

محمد خلف ــ
في أزمنة التحولات الكبرى تنشأ لحظة فراغ هائلة تختبر قدرة الشعوب على إعادة تشكيل مصيرها، هنا يصبح مفهوم الدمج أكثر من كونه عملية إدارية لتجميع قوى متفرقة، بل يتحول إلى معركة فكرية حول معنى الدولة ذاتها،
فهل الدمج مشروع لصياغة عقد اجتماعي جديد يضمن مشاركة الجميع في صناعة المستقبل؟ أم أنه مجرد غطاء لإعادة إنتاج السلطة في يد طرف وجدَ نفسه في موقع القيادة بعد انحسار الآخرين؟
هذا السؤال ليس تقنياً ولا نظرياً، بل سؤال وجودي يقرر ما إذا كانت البلاد ستدخل عهد التعافي، أم أنها ستنزلق مجدداً إلى فوضى تحصد ما تبقى من قواها.
بعد النزاعات الكبرى تجد الدول نفسها أمام سؤال مصيري يتجاوز إعادة الإعمار المادي إلى إعادة صياغة كيانها السياسي والعسكري والاجتماعي.
كيف يمكن دمج القوى المتصارعة في جسد واحد قادر على إدارة الدولة؟
هذا الدمج ليس عملية تقنية محضة بل هو مشروع سياسي وفلسفي يختبر قدرة الأطراف على تجاوز الصراع وبناء شراكة جديدة.
وفي التجارب العربية الأخيرة، بدا أن الفهم المتباين لهذا المفهوم كان سبباً في إخفاق محاولات الدمج أكثر من أي عامل آخر. في سوريا وبعد سنوات من الحرب التي أنهكت النظام البعثي وأضعفت حلفاءه، لم يكن السقوط نتيجة انتصار قوة واحدة بل انهيارا تدريجياً فتح الباب أمام فراغ سياسي استغله أحد الأطراف الموجودة مسبقاً على الساحة ليتسلم الحكم. ومع طرح فكرة الدمج مع القوى الأخرى ظهر سريعاً خلاف جوهري بين من يرى الدمج شراكة متكافئة تصنع نظاماً جديداً يتسع للجميع، وبين من يراه ذوباناً في سلطة الطرف الذي أمسك بزمام الحكم بعد الفراغ.
غياب الاتفاق على فلسفة الدمج وفهمه سيجعل العملية هشة وقابلة للانهيار في أي لحظة.
العراق بعد 2003 شهد نموذجاً آخر وهو حل الجيش السابق ودمج بعض الميليشيات في الأجهزة الأمنية مع إقصاء واسع لضباط النظام السابق، هذا المسار أخلَّ بتوازن القوى وأطلقت موجات من العنف الطائفي مهَّدَ بعضها لصعود تنظيمات مسلحة أكثر خطورة مثل 'داع ش'.
في ليبيا؛ أدى غياب مؤسسة قوية إلى استحالة الدمج الحقيقي وبقيت البلاد أسيرة تحالفات مسلحة مؤقتة لا تصنع دولة.
أما اليمن، فمحاولة إدماج الحوثيين في العملية السياسية عبر اتفاق السلم والشراكة تحولت إلى صراع شامل حين تعارضت الرؤى بين الشراكة والسيطرة.
لكن العالم شهد نماذج ناجحة أخرى تقدم دروسا مهمة،
ففي جنوب أفريقيا مثلاً وبعد سقوط نظام الفصل العنصري، جرى دمج جيش التحرير الشعبي مع جيش الدولة في قوات دفاع موحدة بفضل رؤية واضحة تقوم على الشراكة ومصالحة وطنية سبقت الدمج وضمانات دولية حالت دون عودة الصراع.
وفي إيرلندا الشمالية أتاح اتفاق الجمعة العظيمة دمج الفصائل المسلحة في العملية السياسية وإعادة هيكلة الشرطة مع ضمانات لكل المكونات.
وفي كولومبيا تم دمج مقاتلي 'حركة فارك' في المجتمع والسياسة عبر برامج إعادة تأهيل شاملة ومنحهم تمثيلاً سياسياً مؤقتاً مما أزال مخاوف الإقصاء.
في البوسنة والهرسك، نجح اتفاق 'دايتون' في دمج الجيوش المتحاربة في جيش وطني واحد مع ترتيبات دستورية تحمي التوازن بين المكونات.
الفارق بين هذه التجارب الناجحة والفاشلة أن الثانية قامت على تعريف موحد للدمج باعتباره عقداً اجتماعياً جديداً يضمن الشراكة ويحترم التعددية، بينما تحولت الأولى إلى عملية إقصاء أو فرض هيمنة تحت اسم الدمج.
النجاح كان دوماً مرتبطاً بوجود ضمانات سياسية ودستورية ومصالحة وطنية تمهد الطريق، ودعم دولي يحمي العملية في بدايتها وتنفيذ متدرج يمنح الوقت لبناء الثقة.
وفي نهاية المطاف الدمج ليس مجرد إعادة تنظيم للقوات أو المؤسسات، بل هو إعادة كتابة لهوية الدولة نفسها، وحين يفهم الدمج على أنه شراكة صادقة فإنه يفتح باب الاستقرار والتنمية، أما حين يُختزل في كونه ذوباناً قسرياً في سلطة الطرف الذي أمسك بالحكم بعد الفراغ؛ فإنه لا يعدو أن يكون هدنة قصيرة تسبق جولة جديدة من الصراع، هذا هو الدرس الذي تثبته تجارب العالم والتي ما زالت منطقتنا تدفع ثمن تجاهله.
إن الدمج في جوهره ليس مسألة توحيد قوات أو دمج مؤسسات فحسب، بل هو إعادة تعريف لمعنى الوطن ولطبيعة العلاقة بين مكوناته، التجارب التي نجحت في العالم لم تنجح لأنها امتلكت جيوشا أقوى، بل لأنها فهمت أن الدمج هو لحظة اعتراف متبادل، وأنه دون شراكة حقيقية يصبح الدمج مجرد قيد جديد فوق جراح قديمة، أما التجارب التي فشلت فهي تلك التي ظنت أن السيطرة تعني الاستقرار وأن فرض أمر واقع يمكن أن يصنع دولة.
وفي حالتنا السورية والشرق أوسطية ما زال الغموض يكتنف معنى الدمج، وما زلنا نراوح بين رؤيته جسراً نحو الوحدة أو أداة لإعادة إنتاج الانقسام، والحقيقة أن لا مستقبل لدولة ما بعد الصراع إلا حين يتحول الدمج من عملية قسرية إلى عقد طوعي، ومن أداة سلطة إلى أساس شراكة، وإلا فإن لحظة الفراغ التي منحت طرفاً الحكم قد تتحول غداً إلى فراغ أكبر يبتلع الجميع.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مظلوم عبدي: نور الدين صوفي كان أيقونة الدفاع في مقاومة العصر وصاحب مسيرة نضالية عظيمة
مظلوم عبدي: نور الدين صوفي كان أيقونة الدفاع في مقاومة العصر وصاحب مسيرة نضالية عظيمة

حزب الإتحاد الديمقراطي

timeمنذ 11 ساعات

  • حزب الإتحاد الديمقراطي

مظلوم عبدي: نور الدين صوفي كان أيقونة الدفاع في مقاومة العصر وصاحب مسيرة نضالية عظيمة

أشاد القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، خلال مراسم تشييع القائد والقيادي في ثورة روج آفا وشمال وشرق سوريا نور الدين صوفي، بمسيرته النضالية الممتدة لعقود، مؤكداً انه كان ركيزة أساسية في مقاومة العصر وحاضراً في جميع مراحلها. خلال مراسم تشييع القائد والقيادي في ثورة روج آفا وشمال وشرق سوريا نورالدين صوفي، التي أقيمت اليوم في مزار شهداء 12 آذار بمدينة قامشلو بمقاطعة الجزيرة، ألقى القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، كلمةً استذكر فيها مسيرة الشهيد النضالية. وأكد عبدي أن الشهيد نور الدين صوفي كان من أوائل المشاركين في العمل الثوري منذ تسعينيات القرن الماضي، حيث انخرط في النضال قبل 35 عاماً، وواصل عمله على هذا النهج حتى استشهاده. وقال: 'الرفيق نور الدين ناضل في جميع أجزاء كردستان، وعلى مدى 24 عاماً جاب الجبال والمناطق الكردية، وبلغ أعلى المراتب في صفوف الكريلا، وعُرف كشجاع وقائد ميداني بارز. بعد 24 عاماً من الكفاح في جبال كردستان، التحق بثورة روج آفا عام 2013 بناءً على رغبة رفاقه ورغبتنا جميعاً، حتى نال شرف الشهادة. بصمته النضالية كانت حاضرة في جميع مؤسسات الثورة، وعُرف بيننا بالاسم الحركي (عادل).' وأضاف عبدي أن أثر الشهيد صوفي باقٍ في جميع المؤسسات، وفي وعي الشعب وأواصر الأخوة بين المكونات. وأشار إلى دوره البارز في مقاومة مرتزقة داعش منذ عام 2017، حيث شارك في المعارك من الرقة حتى دير الزور، وكان القائد الميداني في معركة الباغوز. وتابع: 'كان نور الدين ركيزة أساسية في مقاومة العصر، وحاضراً في جميع مراحلها. نستطيع القول إن ثورة شمال وشرق سوريا شهدت حضوره في جميع ساحاتها وميادينها. نقدّر إسهاماته في تعزيز الوحدة بين الشعوب، فقد كان مع العرب عربياً، ومع الكرد كردياً، ومع السريان سريانياً، وهذا أحد أسباب نجاح الثورة.' وشدد عبدي على استمرار العمل والنضال وفاءً لدماء الشهداء، مؤكداً أن قوات سوريا الديمقراطية والمؤسسات التي كان الشهيد جزءاً منها ستواصل دورها في بناء سوريا جديدة. كما توجه عبدي باللغة العربية برسالة خاصة للعرب المشاركين في المراسم، قائلاً: 'الرفيق نور الدين كان يؤمن بوحدة الشعوب، وكانت علاقته مع العرب قوية، وقد وثق به المقاتلون العرب كثيراً. كان من أوائل القادة الذين ساهموا في تأسيس الإدارة الذاتية. نحن فخورون به كرفيق درب.' واختتم كلمته قائلاً: 'في حضرة الشهداء، نقول لقائدنا الكبير ورفيقنا الغالي عادل، نور الدين صوفي: نحن فخورون بك، ورفاقك وشعبك فخورون بك. رحلت جسداً، لكن رايتك ستظل مرفوعة، ونعاهدك على النصر. وداعاً أيها الرفيق العزيز نور الدين، وداعاً أيها الشهيد'.

قرارات حكومية لمعالجة أزمات السكن والمياه في العراق
قرارات حكومية لمعالجة أزمات السكن والمياه في العراق

شفق نيوز

timeمنذ 3 أيام

  • شفق نيوز

قرارات حكومية لمعالجة أزمات السكن والمياه في العراق

شفق نيوزجاء- بغداد أصدر مجلس الوزراء، يوم الأحد، قرارات عدة لمعالجة أزمات السكن والمياه، فضلا عن أخرى تخص المناصب العليا من ضمنها صرف مكافأة لهم ومنحهم صلاحيات وزير. وقال المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، في بيان ورد لوكالة شفق نيوز، إن "السوداني، ترأس الجلسة الاعتيادية الثانية والثلاثين لمجلس الوزراء، وفيها صوت على تعديل قراره رقم (20 لسنة 2025)، الخاص ببيع الأراضي السكنية المفرزة أصولياً المملوكة للبلديات المتجاوزين عليها ممن شيدوا دوراً سكنية قبل تاريخ 10/ 12/ 2024 ليتضمن الموافقة على: تقسيط بدل البيع لمدة (20) سنة، للعقارات المشمولة بهذا القرار ضمن الأراضي السكنية المملوكة للبلدية، والمفرزة أصولياً، إلغاء شرط الاستفادة السابقة عند البيع للمستفيد من القرار، إطفاء مبلغ أجر المثل في حال المطالبة به باعتباره ديناً حكومياً". وجاء في البيان: في اطار إجراءات الحكومة لمواجهة أزمة شح المياه، جرى التصويت بالموافقة على إحالة مناقصة محطة معالجة ماء البحر المشترك (CSSP-ITT-05) على شركة (HDEC) الهندسية والتوريد والتجهيز والإنشاء والتشغيل (EPSCC) لمحطة معالجة ماء البحر في حقل ارطاوي، وإقرار التوصيات الخاصة بشأن المصادقة على نتائج التفاوض السعري، وإحالة المناقصة على شركة (HYUNDAI ENGINEERING & CONSTRUCTION CO. LTD. (HDEC)) الكورية الجنوبية، استثناءً من تعليمات تنفيذ العقود الحكومية لسد الإجراءات المأخوذة خلال المدة من عام 2018 إلى 2021 بحسب الصلاحيات المالية. وبين أنه "تمت الموافقة على زيادة كلفة مشروع (تأهيل وحدة ماء مجمعة في قرية بيت عطية/ ميسان)، وصوت المجلس بالموافقة على إدراج مشروع (تبطين جداول الري بتقنية اللحاف الخرساني) ضمن الموازنة الاستثمارية للهيأة العامة لصيانة مشاريع الري، واستثناء المشروع من قرار مجلس الوزراء (107 لسنة 2025)". ووافق المجلس على مشروع قانون التعديل الأول لقانون الري رقم (83 لسنة 2017) الذي دققه مجلس الدولة وإحالته إلى مجلس النواب استنادًا إلى أحكام الدستور، بحسب البيان. وبناءً على مقتضيات المصلحة العامة، وتنفيذاً لقراري المحكمة الاتحادية العليا المرقمين (153/ اتحادية/ 202) و (223/ اتحادية (2023)، ولضمان دوام استمرار سير المؤسسات العامة بانتظام، قرر مجلس الوزراء، تخويل المكلّفين سابقاً من قبل رئيس مجلس الوزراء أو مجلس الوزراء بإدارة المناصب العليا (مدير عام) صعوداً في الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة، صلاحيات الوزير المختص أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة، وتقاضيهم مكافأة تعادل راتب ومخصصات المعينين أصالةً، استثناءً من تعليمات تنفيذ الموازنة رقم (1) لسنة 2023. كما منح رئيس مجلس الوزراء صلاحية تخويل مَن يراه مناسباً لإشغال أحد المناصب العليا (أعلى من مدير عام)، وكلف الوزير المختص عند شغور منصب المدير العام، معاون مدير عام الدائرة، أو أكفأ أو أقدم موظفيها بإدارتها بشكل مؤقت لمدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر لحين تعيين البديل. وصوت مجلس الوزراء بالموافقة على إقرار التوصية الخاصة بشأن شطب الموجودات التي سرقتها عصابات داعش الإرهابية، بحسب ما ورد عن فرعي المركز الوطني للمختبرات الإنشائية في محافظتي نينوى وصلاح الدين.

نفط فنزويلا، لا رأس مادورو:الرئيس التشافيزي في مرمى قضاء الهيمنة!سعيد محمد
نفط فنزويلا، لا رأس مادورو:الرئيس التشافيزي في مرمى قضاء الهيمنة!سعيد محمد

ساحة التحرير

timeمنذ 3 أيام

  • ساحة التحرير

نفط فنزويلا، لا رأس مادورو:الرئيس التشافيزي في مرمى قضاء الهيمنة!سعيد محمد

نفط فنزويلا، لا رأس مادورو:الرئيس التشافيزي في مرمى قضاء الهيمنة بينما يعزّز التشافيزيون قبضتهم على البرلمان، يتصلّب الخطاب الأميركي عشية استحقاقاته الداخلية الانتخابية في كونغرس 2026 ويطلق سيركاً دعائياً ضد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بتهم تتعلق بتجارة المخدرات. سعيد محمد* في تصعيد أمريكي كان متوقعاً، أعلنت واشنطن عن مضاعفة المكافأة المخصّصة لمن يقدّم معلوماتٍ تؤدي إلى اعتقال الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو من 25 إلى 50 مليون دولار، ما يجعلها أكبر جائزة على رأس زعيم أجنبي منذ أسامة بن لادن. المدعي العام الأمريكية، بام بوندي، وفي تسجيل مصوَّر بثّته على منصة إكس، قالت إن تحقيقات وزارة العدل ودائرة مكافحة المخدرات ربطت مادورو بعصابات 'ترين دي أراگوا' الفنزويلية و'سينالوا' المكسيكية، مشيرةً إلى ضبط 30 طناً من الكوكايين المطعّم بالفنتانيل قالت إنها 'ذات صلة مباشرة بشبكات يشرف عليها الرئيس الفنزويلي شخصياً'. كما كشفت عن مصادرة أصول تجاوزت قيمتها 700 مليون دولار، بينها طائرتان حكوميتان مسجَّلتان باسم الدولة الفنزويلية.ووصفت وزارة العدل الأمريكية الخطوة ب'التاريخية'، مؤكّدة أنّ مادورو 'أحد أهم بارونات الكوكايين في العالم'، وأنّ توقيت القرار يأتي انسجاماً مع 'مقتضيات الأمن القومي الأميركي'.ويعود استهداف مادورو في المسار القضائي إلى مارس/آذار 2020 عندما وجّه الادعاء الفيدرالي في نيويورك اتهامات له ولقيادات فنزويلية عسكرية بإدارة 'كارتل دي لوس سوليس' بالتعاون مع حركة فارك اليسارية الكولومبيّة واستخدام طرق التهريب البحرية والجوية عبر شمال فنزويلا وجنوب كولومبيا لتصدير الكوكايين نحو أميركا الوسطى فالولايات المتحدة. وحينها رُصدت مكافأة 15 مليون دولار فقط، لكنّ إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الثانية رفعتها إلى 25 مليوناً في يناير/كانون الثاني 2025 مع تنصيب مادورو لولاية ثالثة طعنت في شرعيتها المعارضة المدعومة من واشنطن، قبل أن تتضاعف اليوم إلى 50 مليوناً مع إدراج عصابتي 'ترين دي أراگوا' و'كارتل دي لوس سوليس' الفنزويليتان على لوائح الإرهاب.وزير الخارجية الفنزويلي إيفان خيل وصف القرار الأمريكيّ بـ'الرصاصة الفارغة' و'سيركاً دعائياً بائساً'، متّهماً واشنطن بمحاولة صرف الانتباه عن 'أزماتها الداخلية' عبر ابتزاز سياسي مفضوح، ومؤكّداً أن 'كرامة الوطن ليست للبيع'. التصعيد الإعلامي للنظام التشافيزي ضد الولايات المتحدة رافقته اتهامات للمعارضة بـ'التواطؤ مع العدوان' في ظل حملة اعتقالات شملت اقتصاديين مستقلّين وصحافيين بتهم تتعلق بزعزعة الثقة في الاقتصاد المحلي والتنسيق مع عدوان اقتصادي خارجيّ تُتهم بإدارته المخابرات المركزيّة الأمريكيّة.ويقول خبراء بالشأن الفنزويلي إن القرار كان تشكلاً لتصعيد أمريكيّ متوقع بعد أقلّ من ثلاثة أشهر على فوز تحالف التجمع الوطني البوليفاري بقيادة الحزب الاشتراكي الموحد (PSUV) بـ 82,6 % من مقاعد الجمعية الوطنية في انتخابات 25 مايو/ أيّار الماضي، مع انتزاعه منصب الحاكم ل 23 من أصل 24 ولاية في الاقتراع الإقليمي المتزامن، ما يفسح المجال أمام تشافيزيي البرلمان للمضي في التشريع لخطط النظام بلا معارضة تُذكر، أقله حتى العام 2031.فقدان نافذة البرلمان، التي كانت المعارضة المتأمركة تسيطر عليها في دورة 2016–2021، أطفأ آخر رهان أميركي على إزاحة التشافيزيين عبر انقلاب مؤسساتي، ما يفسّر توقيت مضاعفة الجائزة بعد أيام من افتتاح الدورة التشريعية الجديدة. واعتبر دبلوماسيون في منظمة الدول الأميركية أنّ واشنطن من خلال مضاعفتها قيمة المكافأة للقبض على مادورو تبعث رسالة بأنّ صندوق الاقتراع الفنزويلي لم يعد معياراً مقبولاً لشرعية النظام.سعي واشنطن لإزاحة اليسار من السلطة في كراكاس لا يتعلق بالطبع بشخص الرئيس مادورو بل تعود جذوره إلى تولي هوغو تشافيز الحكم هناك عام 1998، وذلك بعدما اصطدمت فلسفة التحرر البوليفارية التي تبناها النظام بخطوط حمراء أميركية: أولها تأميم النفط وحصر الامتيازات بشركة النفط الفنزويلية الوطنية، مع فتح الحقول للاستثمار أمام الصينيين والروس على حساب الشركات الأميركية الكبرى – التي سيطرت تاريخياً على ثروة البلاد قبل التشافيزيين -، وثانيها التموضعات الجيوسياسية المناهضة للهيمنة الغربيّة عبر التحالف مع طهران وموسكو وهافانا، وتوقيع اتفاقيات دفاعية مع بكين، وثالثها يتعلق بالنموذج الاجتماعي الاشتراكي القائم على إنفاق عوائد النفط على برامج التعليم والصحةٍ والإسكان والتشغيل ما خفّض الفقر بين الفنزويليين إلى النصف في العقد الأول للألفية، مقدّماً بديلاً يسارياً عملياً للنيوليبرالية المتوحشة التي تفشت في أمريكا اللاتينية.تنوّعت أساليب الحرب الأميركية على كاراكاس بين دعمٍ غير مباشر لانقلاب نيسان/أبريل 2002، إلى عقوبات نوعية على مسؤولين بعد احتجاجات 2014، ثمّ منعت وصول كراكاس إلى أسواق المال في 2017 وحظرت صادرات النفط الخام في يناير 2019 مفاقمةً انكماش الاقتصاد بنسبة %86 بين 2014 و 2021، ثم رفعت مؤقتاً وبشكل جزئي الحظر على تصدير النفط في 2023 في ظل حاجة الأسواق نتيجة الحصار على روسيا، قبل أن يُعاد تشديده هذا العام ترافقاً مع تهديد بفرض تعرفة 25 % على الدول التي تستورد نفطاً فنزويلياً ابتداءً من نيسان/أبريل 2025.ويستعد الجمهوريون الآن لخوض انتخابات الكونغرس الأمريكي 2026 بخطابٍ متشدد ضد ما تبقى من (ديكتاتوريات يسارية) أملاً في اجتذاب أصوات الأميركيين الفنزويليين والكوبيين في لا سيما في ولاية فلوريدا. ولم يخف السيناتور الطامح للرئاسة ووزير الخارجية ماركو روبيو الأمر، متبجحاً بالقول: 'رفع قيمة المكافأة يذكّر الناخب بأنّ الحدود الجنوبية ليست مجرد أزمة هجرة، بل تهديد أمني مصدره مادورو.'وفي مواجهة حرب الخنق المالي الأميركي، لجأت كاركاس إلى بيع النفط المخفّف بخصومات تصل إلى 40 % للصين والهند عبر شبكات وسطاء، وإلى برنامج مقايضة الذهب بالوقود الإيراني. كما انضمّت فنزويلا رسمياً في يونيو 2025 إلى مبادرة 'الحزام والطريق' الصينية على أمل استقطاب استثمارات بنية تحتية لا تمرّ عبر النظام المالي الغربي. إلى جانب ذلك، مُنحت قيادة الجيش حصصاً في مشاريع تعدين الذهب لضمان ولائها، ما يقلّل احتمال حدوث انشقاق قد تراهن عليه واشنطن من خلال الرشاوى وفق النموذج السوري.إن المقامرة الانتخابيّة الأمريكية بوضع مكافأة للمساعدة على اعتقال رئيس منتخب يُحيل دون شك إلى ما هو أعمق من مجرّد تهم تهريب مخدّرات: صراعٍ على نموذج تنموي مناهض للنيوليبرالية، وعلى موقع فنزويلا في خارطة الطاقة والموارد في العالم. ومع ذلك يرى مراقبون أن الخطوة، على أهميّتها الرمزية، لن تترجم عملياً ما لم تُرفَق بحظر ثانوي على وسطاء الذهب وتجار النفط، والذي من شأنه أن يدفع بفنزويلا إلى أحضان حلفاءها في طهران وموسكو وبكين أبعد فأبعد، أو يسرّع بيع أصولها لشركات صينية بأسعار منخفضة، ما يفقد واشنطن أي نفوذ تفاوضي مستقبلي. في المقابل، يظل الخوف من انفجارٍ اجتماعي داخلي – أو صدامٍ إقليمي مع كولومبيا – رادعاً للأمريكيين من تشديدٍ مفرط في العداء، إذ أن هكذا سيناريوهات قد تزعزع أسواق الطاقة عبر خروج الدولة صاحبة أكبر رصيد نفطي في العالم من معادلة تريد الولايات المتحدة أن تبقى تحت سيطرتها المطلقة.– لندن ‎2025-‎08-‎09 The post نفط فنزويلا، لا رأس مادورو:الرئيس التشافيزي في مرمى قضاء الهيمنة!سعيد محمد first appeared on ساحة التحرير.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store