logo
مؤسسة التعليم فوق الجميع تغير حياة آلاف اللاجئين بكينيا

مؤسسة التعليم فوق الجميع تغير حياة آلاف اللاجئين بكينيا

الجزيرةمنذ 12 ساعات

كاكوما ـ قبل 10 أعوام، أجبرت الظروف الأمنية والمعيشية الصعبة في جنوب السودان الطفل جوزيف أكارو وأسرته على مغادرة قريتهم، بل ومغادرة بلدهم بالكامل صوب أحد مخيمات اللاجئين في كينيا القريبة، ليستقر بهم الحال في مخيم كاكوما الواقع شمال غربي كينيا.
المخيم الذي يعد من أكبر مخيمات اللاجئين في العالم، كان المقر الجديد لجوزيف وأسرته ومعهم أكثر من 300 ألف لاجئ من جنسيات مختلفة، ولكن هذا المخيم لم يكن أفضل حالا له ولأسرته من بلدهم الأصلي بسبب التكدس الكبير الذي يعيشه أهل المخيم وعدم وجود مصدر رزق لهم.
جوزيف الذي جاء إلى المخيم، وهو في عمر 8 أعوام ظل فيه دون أن يتلقى حظه التعليمي طيلة 8 أعوام أخرى لتأتي له بارقة أمل جديدة بدخول مؤسسة التعليم فوق الجميع، واحدة من أكبر المؤسسات العالمية في مجال التنمية والتعليم، إلى هذا المخيم بمبادرة تعليمية وتنموية جديدة.
المبادرة تهدف إلى دعم 120 مدرسة في كل مخيم من مخيمي كاكوما وداداب بالشراكة مع مؤسسة شبكة الفتاة الطفلة، لدمج الطلاب في برامج التعليم من أجل المناخ، ما ساعد في دخول آلاف الطلاب إلى هذه المدارس وتعلم العديد من الحرف التي ساهمت في تخفيف الأعباء عن الأسر وتقليل تكلفة الدراسة والحفاظ على البيئة المحلية ودعم الاستدامة.
ركائز متعددة
المبادرة التي أطلقتها مؤسسة التعليم فوق الجميع ركزت على عدد من النشاطات داخل المدارس والمجتمعات المحلية من خلال:
إعلان
تعليم الأطفال إعادة تدوير الفحم من خلال مواد تستخدم في حياتهم اليومية.
صناعة المقاعد التي تستخدم داخل المدارس وخارجها باستخدام مواد معاد تدويرها.
إقامة مناحل مغلقة داخل المدارس تساهم في رفع الدخل.
صناعة مواقد للطهي من مواد معاد تدويرها.
صناعة أواني طهي مستدامة.
الزراعة العضوية وإقامة المشاتل وزراعة الأشجار في المدارس والمجتمعات المحلية.
ويؤكد مختص البرنامج في أيادي الخير نحو الجميع، البرنامج التابع لمؤسسة التعليم فوق الجميع في كاكوما الدكتور طارق البكري، أن المبادرة ساهمت في إحداث تغيير حقيقي في حياة الطلبة، ليس فقط على مستوى التعلّم، وإنما على مستوى المهارات والسلوك والبيئة الاجتماعية والاقتصادية المحيطة بهم.
وقال البكري، في حديث خاص للجزيرة نت، إن "المبادرة وجدت قبولا واسعًا لأنها لامست احتياجات الطلبة اليومية، ومنحتهم مهارات عملية انعكست إيجابًا على حياتهم.
أثر إيجابي
وأضاف أن المبادرة رسّخت لدى الطلبة شعورا بالمسؤولية والانتماء، إذ باتوا يعتبرون أن الأشجار المزروعة في المدرسة هي جزء من إنجازهم الشخصي، ويتولون العناية بها بأنفسهم. وأوضح أن "الطلبة لمسوا الأثر الإيجابي مباشرة، وهو ما دفع أعدادًا كبيرة منهم إلى الانخراط في المشروع بجدية".
وعن سير المشروع، أشار البكري إلى أن المبادرة، التي تمتد على مدار 3 سنوات، "تسير في عامها الثاني ضمن منحنى إنجاز متقدم، وقد تجاوزنا التوقعات في جوانب عديدة من التنفيذ، سواء من حيث عدد الأنشطة أو مستوى التفاعل داخل المدارس والمجتمعات المحلية".
وأشار البكري إلى أن المشروع يركز خاصة على التعليم لأجل المناخ، وليس على التعليم الأكاديمي التقليدي، حيث طور المنهج أساتذة جامعة جنوب شرقي الكينية، وقال: "نحن معنيون بتزويد الطلبة بالمعرفة والمهارات التي تؤهلهم للانخراط في سوق العمل الأخضر، وتمكنهم من المساهمة في تقليل آثار التغير المناخي ضمن مجتمعاتهم".
إعلان
وكشف البكري، أن مشروع كينيا انطلق قبل نحو عامين، وكان من أوائل المشاريع المنفذة ضمن البرنامج، وتبلغ ميزانيته نحو 7.1 ملايين دولار موزعة على 3 سنوات، بتمويل مشترك مع الشريك المحلي.
وأوضح أن المشروع يشمل 120 مدرسة في كينيا، وهو جزء من 11 مشروعًا نفذتها المؤسسة في البلاد، واستفاد منها حتى الآن نحو 635 ألف طفل، معظمهم من برامج إعادة دمج الأطفال المتسربين في المدارس. أما المشروع البيئي، فيستهدف 76 ألفا و800 طفل وشاب على مدى 3 سنوات.
وأضاف أن ما تحقق على الأرض هو "دعوة مفتوحة لكل من يملك القدرة على الدعم من حكومات ومؤسسات وشركات خاصة لاحتضان مثل هذه المبادرات وتوسيعها. إن لدينا تجربة ناجحة تستحق أن تتبناها جهات متعددة".
شراكة طويلة الأمد
وبدروه، أكد دينس موتيسو نائب المدير العام لشبكة الفتاة الطفلة الشريك، المنفذ لمؤسسة التعليم فوق الجميع بمشروع مخيمي كاكوما وداداب، أن الشراكة بين الشبكة والمؤسسة تعود إلى عام 2012، حين أطلقت المؤسستان أول مشروع تعليمي مشترك استمر 4 سنوات، ثم توسعت التجربة لاحقا إلى فيتنام في عام 2016.
وأضاف موتيسو، في حديث للجزيرة نت، أن هذه الشراكة طويلة الأمد، شهدت نقلة نوعية في عام 2022، حيث بدأت مناقشات جادة لدمج قضايا التغير المناخي في الأنشطة التعليمية والمجتمعية.
وأوضح موتيسو، أن منطقة توركانا شمال غربي كينيا التي يقع فيها المخيم تُعد من أكثر المناطق تأثرًا بالتغيرات المناخية، حيث يمكن أن تمر سنوات دون هطول أمطار، مما يؤدي إلى أزمات بيئية حادة، ولفت إلى أن المشروع المشترك يهدف إلى تمكين المجتمعات المحلية من التكيف مع آثار التغير المناخي، مع التركيز على إدارة النفايات وتطوير المهارات البيئية لدى الشباب.
وأشاد بحجم الجهد الذي بذلته مؤسسة التعليم فوق الجميع، حتى يتم تطوير هذا المشروع الكبير، وخلق أمل جديد لشباب وأطفال المخيم الذين تقطعت بهم السبل، لافتا إلى أن هذه المبادرة سيكون لها أثر كبير في المستقبل ليس على مخيم كاكوما فقط بل على كينيا كلها.
إجراءات فعالة
وقال إن أول خطوة كانت تدريب الشباب من خلال مشروع بـ"الشباب الأخضر 360″، والتي تشمل المعارف والقدرات العملية اللازمة لاتخاذ إجراءات بيئية فعالة. وبيّن أن الهدف الأولي كان تدريب 45 ألف شاب، لكن المشروع تجاوز هذا الهدف بنجاح، حيث تلقى التدريب عدد أكبر من الشباب المتوقع.
وأكد موتيسو، أن النفايات لم تعد عبئًا كما كانت، بل أصبحت موردا اقتصاديا يستخدم لدعم زراعة الأشجار والخضروات داخل المدارس، مما خلق بيئة مدرسية نظيفة ومنتجة في آن واحد.
ومن جهته، دعا مدير المخيم بقسم خدمات اللاجئين في مخيم كاكوما السيد أدوين شاباري في حديث للجزيرة نت، المنظمات الدولية المختلفة إلى العمل على مساعدة الحكومة الكينية في تحمل أعباء اللاجئين خاصة في منطقة كاكوما الذي تشهد ازديادا يوميا في عدد اللاجئين.
نجاح كبير
وأضاف أن المشروع الذي ساهمت فيه مؤسسة التعليم فوق الجميع مع عدد من الشركاء المحليين، حقق نجاحا كبيرا في مخيمات اللاجئين بالعمل على معالجة قضايا المناخ، خاصة بعد تدهور الغطاء النباتي بسبب الاكتظاظ.
وأوضح أن هذه المبادرة ساهمت أيضا في تشجير المخيم والمؤسسات التعليمية ودعم الزراعة والطاقة المتجددة وتمكين الشباب عبر مشاريع مثل "إنتاج العسل"، مضيفا، أن هذه الجهود تؤدي إلى تخفيف التوترات بين اللاجئين والمجتمعات المضيفة، والتي كانت تندلع أحيانا بسبب الصراع على الموارد الطبيعية.
وعن دور الحكومة في مواجهة التحديات التي تعصف بالمخيم، قال إن دوره يقوم على تنسيق الخدمات مع المفوضية السامية للاجئين وبرنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة و53 منظمة أخرى تعمل في المخيم، وإصدار بطاقات هوية وتصاريح حركة للاجئين لتتبعهم خارج المخيمات مع التركيز على المياه والصرف الصحي والتعليم.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مؤسسة التعليم فوق الجميع تغير حياة آلاف اللاجئين بكينيا
مؤسسة التعليم فوق الجميع تغير حياة آلاف اللاجئين بكينيا

الجزيرة

timeمنذ 12 ساعات

  • الجزيرة

مؤسسة التعليم فوق الجميع تغير حياة آلاف اللاجئين بكينيا

كاكوما ـ قبل 10 أعوام، أجبرت الظروف الأمنية والمعيشية الصعبة في جنوب السودان الطفل جوزيف أكارو وأسرته على مغادرة قريتهم، بل ومغادرة بلدهم بالكامل صوب أحد مخيمات اللاجئين في كينيا القريبة، ليستقر بهم الحال في مخيم كاكوما الواقع شمال غربي كينيا. المخيم الذي يعد من أكبر مخيمات اللاجئين في العالم، كان المقر الجديد لجوزيف وأسرته ومعهم أكثر من 300 ألف لاجئ من جنسيات مختلفة، ولكن هذا المخيم لم يكن أفضل حالا له ولأسرته من بلدهم الأصلي بسبب التكدس الكبير الذي يعيشه أهل المخيم وعدم وجود مصدر رزق لهم. جوزيف الذي جاء إلى المخيم، وهو في عمر 8 أعوام ظل فيه دون أن يتلقى حظه التعليمي طيلة 8 أعوام أخرى لتأتي له بارقة أمل جديدة بدخول مؤسسة التعليم فوق الجميع، واحدة من أكبر المؤسسات العالمية في مجال التنمية والتعليم، إلى هذا المخيم بمبادرة تعليمية وتنموية جديدة. المبادرة تهدف إلى دعم 120 مدرسة في كل مخيم من مخيمي كاكوما وداداب بالشراكة مع مؤسسة شبكة الفتاة الطفلة، لدمج الطلاب في برامج التعليم من أجل المناخ، ما ساعد في دخول آلاف الطلاب إلى هذه المدارس وتعلم العديد من الحرف التي ساهمت في تخفيف الأعباء عن الأسر وتقليل تكلفة الدراسة والحفاظ على البيئة المحلية ودعم الاستدامة. ركائز متعددة المبادرة التي أطلقتها مؤسسة التعليم فوق الجميع ركزت على عدد من النشاطات داخل المدارس والمجتمعات المحلية من خلال: إعلان تعليم الأطفال إعادة تدوير الفحم من خلال مواد تستخدم في حياتهم اليومية. صناعة المقاعد التي تستخدم داخل المدارس وخارجها باستخدام مواد معاد تدويرها. إقامة مناحل مغلقة داخل المدارس تساهم في رفع الدخل. صناعة مواقد للطهي من مواد معاد تدويرها. صناعة أواني طهي مستدامة. الزراعة العضوية وإقامة المشاتل وزراعة الأشجار في المدارس والمجتمعات المحلية. ويؤكد مختص البرنامج في أيادي الخير نحو الجميع، البرنامج التابع لمؤسسة التعليم فوق الجميع في كاكوما الدكتور طارق البكري، أن المبادرة ساهمت في إحداث تغيير حقيقي في حياة الطلبة، ليس فقط على مستوى التعلّم، وإنما على مستوى المهارات والسلوك والبيئة الاجتماعية والاقتصادية المحيطة بهم. وقال البكري، في حديث خاص للجزيرة نت، إن "المبادرة وجدت قبولا واسعًا لأنها لامست احتياجات الطلبة اليومية، ومنحتهم مهارات عملية انعكست إيجابًا على حياتهم. أثر إيجابي وأضاف أن المبادرة رسّخت لدى الطلبة شعورا بالمسؤولية والانتماء، إذ باتوا يعتبرون أن الأشجار المزروعة في المدرسة هي جزء من إنجازهم الشخصي، ويتولون العناية بها بأنفسهم. وأوضح أن "الطلبة لمسوا الأثر الإيجابي مباشرة، وهو ما دفع أعدادًا كبيرة منهم إلى الانخراط في المشروع بجدية". وعن سير المشروع، أشار البكري إلى أن المبادرة، التي تمتد على مدار 3 سنوات، "تسير في عامها الثاني ضمن منحنى إنجاز متقدم، وقد تجاوزنا التوقعات في جوانب عديدة من التنفيذ، سواء من حيث عدد الأنشطة أو مستوى التفاعل داخل المدارس والمجتمعات المحلية". وأشار البكري إلى أن المشروع يركز خاصة على التعليم لأجل المناخ، وليس على التعليم الأكاديمي التقليدي، حيث طور المنهج أساتذة جامعة جنوب شرقي الكينية، وقال: "نحن معنيون بتزويد الطلبة بالمعرفة والمهارات التي تؤهلهم للانخراط في سوق العمل الأخضر، وتمكنهم من المساهمة في تقليل آثار التغير المناخي ضمن مجتمعاتهم". إعلان وكشف البكري، أن مشروع كينيا انطلق قبل نحو عامين، وكان من أوائل المشاريع المنفذة ضمن البرنامج، وتبلغ ميزانيته نحو 7.1 ملايين دولار موزعة على 3 سنوات، بتمويل مشترك مع الشريك المحلي. وأوضح أن المشروع يشمل 120 مدرسة في كينيا، وهو جزء من 11 مشروعًا نفذتها المؤسسة في البلاد، واستفاد منها حتى الآن نحو 635 ألف طفل، معظمهم من برامج إعادة دمج الأطفال المتسربين في المدارس. أما المشروع البيئي، فيستهدف 76 ألفا و800 طفل وشاب على مدى 3 سنوات. وأضاف أن ما تحقق على الأرض هو "دعوة مفتوحة لكل من يملك القدرة على الدعم من حكومات ومؤسسات وشركات خاصة لاحتضان مثل هذه المبادرات وتوسيعها. إن لدينا تجربة ناجحة تستحق أن تتبناها جهات متعددة". شراكة طويلة الأمد وبدروه، أكد دينس موتيسو نائب المدير العام لشبكة الفتاة الطفلة الشريك، المنفذ لمؤسسة التعليم فوق الجميع بمشروع مخيمي كاكوما وداداب، أن الشراكة بين الشبكة والمؤسسة تعود إلى عام 2012، حين أطلقت المؤسستان أول مشروع تعليمي مشترك استمر 4 سنوات، ثم توسعت التجربة لاحقا إلى فيتنام في عام 2016. وأضاف موتيسو، في حديث للجزيرة نت، أن هذه الشراكة طويلة الأمد، شهدت نقلة نوعية في عام 2022، حيث بدأت مناقشات جادة لدمج قضايا التغير المناخي في الأنشطة التعليمية والمجتمعية. وأوضح موتيسو، أن منطقة توركانا شمال غربي كينيا التي يقع فيها المخيم تُعد من أكثر المناطق تأثرًا بالتغيرات المناخية، حيث يمكن أن تمر سنوات دون هطول أمطار، مما يؤدي إلى أزمات بيئية حادة، ولفت إلى أن المشروع المشترك يهدف إلى تمكين المجتمعات المحلية من التكيف مع آثار التغير المناخي، مع التركيز على إدارة النفايات وتطوير المهارات البيئية لدى الشباب. وأشاد بحجم الجهد الذي بذلته مؤسسة التعليم فوق الجميع، حتى يتم تطوير هذا المشروع الكبير، وخلق أمل جديد لشباب وأطفال المخيم الذين تقطعت بهم السبل، لافتا إلى أن هذه المبادرة سيكون لها أثر كبير في المستقبل ليس على مخيم كاكوما فقط بل على كينيا كلها. إجراءات فعالة وقال إن أول خطوة كانت تدريب الشباب من خلال مشروع بـ"الشباب الأخضر 360″، والتي تشمل المعارف والقدرات العملية اللازمة لاتخاذ إجراءات بيئية فعالة. وبيّن أن الهدف الأولي كان تدريب 45 ألف شاب، لكن المشروع تجاوز هذا الهدف بنجاح، حيث تلقى التدريب عدد أكبر من الشباب المتوقع. وأكد موتيسو، أن النفايات لم تعد عبئًا كما كانت، بل أصبحت موردا اقتصاديا يستخدم لدعم زراعة الأشجار والخضروات داخل المدارس، مما خلق بيئة مدرسية نظيفة ومنتجة في آن واحد. ومن جهته، دعا مدير المخيم بقسم خدمات اللاجئين في مخيم كاكوما السيد أدوين شاباري في حديث للجزيرة نت، المنظمات الدولية المختلفة إلى العمل على مساعدة الحكومة الكينية في تحمل أعباء اللاجئين خاصة في منطقة كاكوما الذي تشهد ازديادا يوميا في عدد اللاجئين. نجاح كبير وأضاف أن المشروع الذي ساهمت فيه مؤسسة التعليم فوق الجميع مع عدد من الشركاء المحليين، حقق نجاحا كبيرا في مخيمات اللاجئين بالعمل على معالجة قضايا المناخ، خاصة بعد تدهور الغطاء النباتي بسبب الاكتظاظ. وأوضح أن هذه المبادرة ساهمت أيضا في تشجير المخيم والمؤسسات التعليمية ودعم الزراعة والطاقة المتجددة وتمكين الشباب عبر مشاريع مثل "إنتاج العسل"، مضيفا، أن هذه الجهود تؤدي إلى تخفيف التوترات بين اللاجئين والمجتمعات المضيفة، والتي كانت تندلع أحيانا بسبب الصراع على الموارد الطبيعية. وعن دور الحكومة في مواجهة التحديات التي تعصف بالمخيم، قال إن دوره يقوم على تنسيق الخدمات مع المفوضية السامية للاجئين وبرنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة و53 منظمة أخرى تعمل في المخيم، وإصدار بطاقات هوية وتصاريح حركة للاجئين لتتبعهم خارج المخيمات مع التركيز على المياه والصرف الصحي والتعليم.

عن قلوب الشعوب وأرواحها.. حديث في الثقافة واللغة وارتباطهما بتعليم اللغة لغير الناطقين بها
عن قلوب الشعوب وأرواحها.. حديث في الثقافة واللغة وارتباطهما بتعليم اللغة لغير الناطقين بها

الجزيرة

time٠٩-٠٥-٢٠٢٥

  • الجزيرة

عن قلوب الشعوب وأرواحها.. حديث في الثقافة واللغة وارتباطهما بتعليم اللغة لغير الناطقين بها

"الثقافة ذاكرة الشعوب وعنوان حضارتها"، ما زالت هذه العبارة التي سمعتها من أحد الأساتذة الفضلاء في إحدى المحاضرات في الزمن الغابر ترنّ في أذني كلما طرق حديث الثقافة أبواب المجالس والحوارات، وأذكر جيدًا كيف شرح لنا آنذاك كيفية تشكيل الثقافة في المجتمعات، واكتسابها لدى الأفراد، فقال إن ثقافة كل منكم تعتمد على ما سيبقى في ذاكرته من الكتب التي طالعها والمعلومات التي سمعها، والمعارف التي عاينها، والحكايات التي كان من شأنها أن تبقى راسخة في نفسه وذاكرته من دون وعي منه أو إدراك. ويتسق هذا الحديث مع ما قاله المهاتما غاندي من أن "ثقافة الأمة تكمن في قلوب شعبها وأرواحهم". مما لا شك فيه أن الثقافة مرتبطة ببُنية الشعوب وهيكلها الأساسي، ويذهب بعض علماء الاجتماع إلى ربطها بالديمقراطية بوصفها نتيجة حتمية تعيشها الشعوب المثقفة بأشكالها كافة. وقبل الحديث عن ارتباط الثقافة بتعليم اللغة لا بد أن نعرج قليلا على علاقة الثقافة بالمجتمعات. ما العلاقة بين الثقافة والمجتمعات وكيف تتشكل؟ إذا اتفقنا على أن الثقافة أسلوب حياة، فلا بد أن ننتبه إلى أن لكل أمة من الأمم ثقافتها الخاصة بها، ولكل شعب من الشعوب طقوسه الثقافية المختلفة التي يتميز بها، ولأن اللغة وعاء الثقافة وحاملها وناقلها لا بد أن نرى انعكاسات الثقافة في اللغة نفسها، فهي أداة التواصل الأساسية بين أبناء المجتمع الواحد، وبينه وبين المجتمعات الأخرى، لتبادل أي نشاط معرفي أو فكري. إعلان ولكل مجتمع قواعده الخاصة التي تنظمه، وله معاييره في الحكم على السلوك وتقييم المعرفة. ولأن الثقافة تُكتَسب من المحيط نجد أن المرء يتشرب ثقافة مجتمعه الذي نشأ فيه، ومجتمعه الذي يعيش فيه، شاء أو أبى. المثقفون عناصر أساسية وفعالة في بناء المجتمعات، وهذا ما يجعل الثقافة بحد ذاتها ظاهرة إنسانية فحسب، تعتمد على الاجتهاد في تحصيل المعارف، والسعي إلى توسيع دائرة المدارك، وخلق أجواء إبداعية تقوم على تراكم التحصيل المعرفي بشتى مجالاته العلمية والفنية والأدبية. ولأن الثقافة مكتسب تراكمي، لا بد أن يحافظ المثقفون على ما جاء في تراثهم الثقافي، ليبنوا ويزيدوا عليه بالقدر الذي ينسجم مع ما جاء فيه انسجاما منطقيا يقوم على تفنيد الأفكار ومحاورة العقول وتصفية المعارف مما علق فيها من الشوائب، مع العمل على دعمها بالقيم الروحية إن أراد أو استطاع! وعند الحديث عن ثقافة الشعوب فإننا نقصد كل ما يتعلق بهم من عادات وتقاليد مجتمعية، وقيم أخلاقية وأخرى معيارية جمالية ذوقية، إذ تتجلى مظاهر ثقافة الشعوب في المأكل والمشرب والملبس والزينة، وكل ما له صلة بالحياة وأساليب المعيشة، وتظهر في احتفالاتهم وأعيادهم، لا سيما القومية والدينية منها، كما تبدو في أنواع الفنون التي يفضلونها ويهتمون بها، كالفنون الشعبية والرسم والموسيقا، وغير ذلك من الفنون التي وصف الكاتب الأميركي توماس وولف تحولها في تعريف الثقافة وارتباطها بالمجتمعات إلى معتقدات فقال إن "الثقافة هي الفنون التي ترقى إلى مستوى مجموعة من المعتقدات". وكلما كانت الشعوب أكثر انفتاحًا على ثقافات الآخرين تحلّت بقدرات عالية على الاتصال والتواصل، في حالات السلم والحرب على حد سواء. كذلك فإن الاختلافات الجوهرية بين الشعوب، وفقًا لعالمة الاجتماع الأميركية روث بندكت، ليست بيولوجية، بل ثقافية بحتة. وهذا التنوع الثقافي يُعدّ ثراء مجتمعيا وقوة جماعية. إعلان هل الثقافة نشاط مجتمعي مقصود لذاته؟ يمكن للإنسان أن يصنع ثقافته الشخصية، ويغذي مراجعه المعرفية، ويطور من علومه المكتسبة ومعارفه التي يطلع عليها بعمق أو بسطحية، غير أن ثقافة الشعوب ليست فعلًا واعيًا كبناء الثقافة الشخصية، إذ تتكون ثقافة الشعوب والمجتمعات بالزمن والتجارب والتراكم المعرفي لدى الشعوب، وبالتفاعل مع البيئة الحاضنة وما تفرضه من شروط، وما تجلبه بطبيعتها من انفتاح على الآخر أو انغلاق. كيف نميز المثقف من غيره؟ يعتمد معيار الحكم بالثقافة لشخص ما على كثرة معارفه واطلاعه، وقدرته على استحضارها واستعمالها في حديثه ومواقفه، ولكي يكون المرء مثقفًا راقيًا يجب أن يكون متنوع المشارب منفتحًا على ما لا يوافق هواه وأفكاره ومعتقداته، متفهمًا لطبيعة الاختلاف البشري، قادرًا على إظهار الموضوعية في تناول الأفكار ومعالجتها، وإلا فإنه سيكون أشبه بالبحار الذي يصر على بلوغ وجهته على الشاطئ الأبعد وقد ترامت به الأطراف وبدت له السواحل الأقرب. يقال إن دور المثقفين يقتصر على حل المشكلات بعد وقوعها، في حين تعتمد المجتمعات على العباقرة لمنع حدوث المشكلات من أصلها، فما رأيك؟ إن هذا الاعتقاد يؤطر دور المثقفين في المجتمعات ويجعلهم أشبه بالأدوات الإسعافية التي يلجأ إليها لحل المسائل العالقة والخلافات الشائكة، وحقيقة الثقافة وأهمية المثقفين في المجتمعات تتجاوز هذه المعاني إلى مساحات أوسع وأعمق بكثير. فالمثقفون هم واجهة المجتمعات ومرايا ها التي تعكس مدى رقيّها وثبات أعمدتها في بنيان الحضارة الإنسانية، إنهم أشبه بالأنوار التي تدور في أفلاك المجتمعات فتنير السبل وتهتدي بها الخُطا وتسمق القامات. كذلك فإن للثقافة ارتباطًا وثيقًا بالأخلاق في عموم المجتمعات، تتفاوت أهميته وفقًا للمعتقدات الدينية والقوانين المجتمعية الناظمة. إعلان ما بين الثقافة والهوية وتعليم اللغة لغير الناطقين بها ترتبط الهوية بالسمات والخصائص والمقومات الجوهرية التي تجعل أي شعب مطابقًا لذاته، مميزًا من غيره من الشعوب والأمم، فالهوية ثقافة، والهوية لغة، والهوية دين ومعتقد، وبهذا المعنى فإن الهوية ليست محض فسيفساء جمالية خارجية، بل هي أساس جوهري في وجود الفرد والمجتمع، فالوجود الحضاري للإنسان في هذا الكون مرتبط بهويته ارتباطًا جذريا. وقد يتساءل القارئ: وما علاقة الثقافة بتعليم اللغة؟ علاقتهما وطيدة جدا! ويمكننا أن نقول إن العلاقة بينهما علاقة تكاملية. فحين تحاول تعلم لغة ما أو تعليم لغة ما ستكتشف مدى حضور ثقافة الشعوب وأهميتها في تعلّم اللغات، فالثقافة الشعبية حاضرة في تفاصيل اللغة حضورًا بارزًا، فهل يمكن لمن يتعلم اللغة العربية أن يغفل عن جدية حضور الثقافة الإسلامية لدى الشعوب العربية؟ حاول أن تتذكر معي كثيرًا من العبارات التي ترددها كل يوم للرد على الآخرين في مفاصل كثيرة من حياتك اليومية، ستدرك أن الدعاء -على سبيل المثال- حاضر في تفاصيل أحاديثنا حضورًا متسقًا وكثيفًا، حتى بات المتحدث لا يدرك اتصال هذه العبارات بالثقافة الدينية، وصار غير المتدينين يرددونها، بل حتى العرب من أصحاب الديانات الأخرى صاروا يرددونها بسبب هيمنة الثقافة المجتمعية والبيئة الحاضنة عليهم، كقولنا: ما شاء الله! وإن شاء الله. وسأزيدك من الشعر بيتًا، بعض المسلمين من غير العرب يستعملون هذه القوالب من دون إدراك تامّ لمعانيها! ولعلك عزيزي القارئ تتذكر حين حاولت تعلم لغة أجنبية أنك صادفت تفاصيل ومواقف لا تتناسب مع ثقافتك وعقيدتك، فحين نطالع كتابًا من كتب تعليم اللغات كتعليم الإنجليزية أو غيرها، سنجد بعض النصوص المعدّة للتعليم تتحدث عن ثقافات بعيدة عن معتقداتنا كلّ البعد، وسنجد بعض الحوارات التي تدور بين الأصدقاء وهم يحتسون أنواعًا مختلفة من الشراب في نادٍ أو مقهى ليلي، فتتعلم بذلك بعض الكلمات والمصطلحات التي لم ولن تستخدمها في حياتك بوصفك مسلمًا ملتزمًا. إعلان في حين نجد في كتب تعلم العربية حوارات تدور في المساجد، ونصوصًا أخرى تتحدث عن التاريخ الإسلامي، وتبث عبارات إيمانية تحمل معاني الاعتقاد الإسلامي بوصفه أمرا بدهيا، كالحديث عن الجهاد في سبيل الله ومكانة الشهداء مثلا. لذلك لا يمكن أن تنفصل لغة الشعوب عن أنماطها الثقافية وعاداتها وتقاليدها. إن تعلم لغة أي شعب من الشعوب يتصل اتصالا وثيقًا بالاطلاع على ثقافتها، فتعلم اللغات يعتمد على قراءة النصوص والمقالات وسماع الحوارات المختلفة في مواقف متنوعة من الحياة، وستدرك في رحلة تعلم لغة ما أنك في نهاية المشوار حصّلت معارف ثقافية حول أصحاب اللغة، واكتشفت أساليبهم في المعيشة ومنهجهم في التفكير ومعالجة الأمور ومحاكمتها، وستدرك أنك كوّنت فكرة واسعة عن الشعب نفسه وثقافته بمحض تعلّمك للغته، فاللغة في الحقيقة مرآة الشعوب التي تعكس ثقافاتها. وفي مجال تعليم اللغات يعمد مبرمجو المناهج التعليمية إلى بث ثقافات الشعوب في موادهم التعليمية، إذ يرون أن ذلك يبعث في نفوس الطلاب رغبة في اكتشاف الجديد ومعرفة ما يجهلونه من طبائع الشعوب وعاداتها، ويعد محفزًا على تعلم اللغة والإحاطة بها، فيغدو اكتساب اللغة حينذاك تحصيلًا تلقائيا، إذ يرغب الطالب بفهم أهل اللغة ومعرفة أهوائهم فيجد نفسه منكبًّا على تعلم لغتهم والاطلاع على ثقافتهم. ومن تجربتي الشخصية وجدت أن الطلاب ينكبّون على دروس القراءة والمحادثة بشوق مختلف عن دروس القواعد والإملاء، ففيها حكايات مسلّية وأفكار مختلفة عما ألفوه، كأنها نوافذ مغلقة تنفتح أمامهم على مغاليق الشعوب الأخرى، لا سيما إذا ما كان الموضوع يعكس أساليب المعيشة في المأكل والمشرب والملبس والاحتفالات، إذ تغدو مثل هذه الدروس أكثر جاذبية لدى الطلاب، بدافع الفضول أكثر من دافع الرغبة بتعلم اللغة. هل تعكس تعابيرنا اللغوية اليومية ثقافتنا؟ تشكل اللغة أرضًا خصبة لإظهار ثقافة الإنسان وسعة اطلاعه، ويقال في ما أُثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه "إن الإنسان مخبوء تحت لسانه". والإنسان في الحقيقة نتاج أفكاره وخطراته، ولغته التي يلتزمها في كلامه ترسم صورته الذهنية لدى الآخرين، وأساليبه في الحديث والتعبير تبني لدى الآخرين انطباعًا عامًّا عن شخصيته وأدبه وثقافته، وتعكس خلفيته الثقافية ومشاربه الفكرية واعتقاداته الدينية أيضًا. إعلان فالكلمة مرآة العقل، وهي معيار السامع في الحكم على عقل المتحدِّث ومكانته، ويشهد لذلك قول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أظلُّ أهاب الرجل حتى يتكلَّم، فإن تكلَّم سقط من عيني، أو رفع نفسه عندي"، ومثل ذلك العبارة الشهيرة التي تُنسب إلى الفيلسوف اليوناني سقراط: "تكلَّمْ حتى أراك". لذا يجب أن نكون على حذر عند التصدر للحديث، فكلماتنا ترسم وجوهنا وتحدد معالم شخصياتنا وتبني مكانتنا في المجتمع ولدى الآخرين.

حديقة نيروبي.. مغامرة سفاري فريدة في قلب العاصمة الكينية
حديقة نيروبي.. مغامرة سفاري فريدة في قلب العاصمة الكينية

الجزيرة

time٠٥-٠٥-٢٠٢٥

  • الجزيرة

حديقة نيروبي.. مغامرة سفاري فريدة في قلب العاصمة الكينية

على بوابة حديدية وسياج من الصلب، اصطفت عشرات سيارات السفاري بانتظار اكتمال إجراءات الدخول إلى حديقة نيروبي الوطنية، في مشهد يبدو أقرب إلى معبر بري نحو عالم بدائي، لكنه لا يبعد سوى دقائق معدودة عن وسط العاصمة الكينية. نعم، إنها الحديقة الوحيدة في العالم التي يمكن فيها خوض مغامرة سفاري حقيقية داخل حدود عاصمة. تمتد هذه الجوهرة البيئية على مساحة تقارب 117 كيلومترًا مربعًا، وتُعد أقدم محمية وطنية في كينيا منذ إنشائها عام 1946، لتكون شاهدة على تاريخ طويل من التعايش بين المدينة والطبيعة البرية. حديقة على أطراف الحضارة من موقعها الذي لا يبعد أكثر من 10 كيلومترات عن قلب نيروبي، تُقدم الحديقة مشهدًا فريدًا لا يمكن مشاهدته في أي مكان آخر؛ زرافة تتمايل بخفة أمام ناطحات السحاب، ووحيد قرن يعبر الطريق بينما تلمع خلفه أبراج العاصمة الزجاجية. هذه المفارقة المذهلة هي ما يجعل من حديقة نيروبي ظاهرة بيئية وسياحية نادرة، حيث تلتقي الحياة البرية بكل جبروتها مع تخوم المدينة الحديثة. وتضم الحديقة أكثر من 400 نوع من الطيور وأكثر من 100 نوع من الثدييات، بينها الأسود، والجاموس، والزرافات، والتماسيح، والغزلان، وواحد من آخر معاقل وحيد القرن الأسود المهدد بالانقراض. إعلان الدخول بشروط صارمة لا يمكنك أن تدخل الحديقة ببساطة. فالدفع يتم مسبقًا عبر الإنترنت، مع وجوب إدخال بيانات دقيقة، لأن التحقق الأمني عند البوابة لا يترك مجالًا للخطأ. التمييز في الأسعار واضح، فالمواطنون والمقيمون لا يدفعون أكثر من 2.5 دولار للدخول، بينما تبلغ تكلفة تذكرة السائح غير المقيم نحو 44.5 دولارًا. يفتح الباب مع بزوغ الفجر في السادسة صباحًا، حين يكون النشاط الحيواني في أوجه. تستغل الحيوانات المفترسة والعاشبة على حد سواء برودة الصباح بحثًا عن الطعام والماء، قبل أن تختبئ من حرارة النهار في ظلال الأشجار أو الكهوف. تجربة برية بأمن محسوب الهدف الأساسي من إدارة الحياة البرية الكينية هو إبقاء الحياة البرية على طبيعتها، لذلك يُمنع النزول من السيارات، ولا يُسمح بإطعام الحيوانات أو حتى محاولة جذبها بأي شكل، كما أن أقصى سرعة للسيارات داخل الحديقة لا تتجاوز 30 كيلومترًا في الساعة، حرصًا على سلامة الجميع. ومع ذلك، توجد مناطق محددة يُسمح فيها بالمشي على الأقدام، مثل ضفاف نهر "فرس النهر" في الجزء الجنوبي من الحديقة. هنا، يمكن رؤية فرس النهر مستلقيًا بجوار تمساح، بينما تسبح سلحفاة بينهما في مشهد لا يمكن تصوره إلا في الوثائقيات. لكن التجول مشيًا يستوجب مرافقة حارس مسلح، تحسبًا لأي طارئ، إذ لا تزال الحيوانات هنا في بيئتها البرية الخالصة. وإذا صادف أن هاجمك أحد الحيوانات، فإن الحارس يطلق الرصاص في الهواء لإخافة الحيوان، ولا يقوم بالقنص إلا مضطرا كآخر حل إذا قدّر أن الحيوان مصر على مهاجمة الزوار. سباق نحو ملك الغابة رغم وفرة الحيوانات، فإن ملك الغابة يسرق الأضواء. تُقدّر أعداد الأسود بنحو 50 فقط، مما يجعل رؤيتها فرصة نادرة تثير حماسة الزوار. أغلب سيارات السفاري مزوّدة بأجهزة لاسلكية، وتنتقل الإشارات بسرعة حين يُرصد أسد في مكان ما، فتبدأ السيارات في التزاحم، متجاوزة السرعة المسموحة أحيانًا، لأجل لحظة واحدة مع الأسد. عند الوصول، تبدأ منافسة صامتة على أفضل زاوية تصوير. تتراصّ السيارات حول الأسد الذي يبدو أحيانًا متثائبًا أو متمددًا بنوع من اللامبالاة الملكية، كأنه يعرف أنه محور هذا الاحتفاء المصوّر. الأولوية دائمًا للحيوان المفارقة أن الزائر، رغم دفعه التذاكر، لا يمتلك أولوية الطريق داخل الحديقة. عليك الانتظار، ومحاولة تجاوز الزرافة أو تجاوز وحيد القرن أو الجاموس قد تكلفك الكثير، لأن هذه الحيوانات لا تتردد في الركل أو النطح إن شعرت بالتهديد. لص محترف بين السياح ورغم السيطرة الواضحة على الحيوانات الكبيرة، فإن البابون يبقى سيد المفاجآت. أثناء توقفنا لتناول وجبة خفيفة في إحدى محطات الاستراحة التي يُفترض أن تكون آمنة، هجم قرد بابون على كيس طعامي في لحظة خاطفة لا تُنسى، خطفه بقوة ثم انطلق نحو الأدغال. ضحك السياح والتقطوا الصور، كأنهم أمام عرض مسرحي نادر، بينما القرد يفتح علبة البسكويت ويقتسمها مع أنثاه، في مشهد ساخر عن العدالة القردية في توزيع الغنائم. ولحسن الحظ، استعدنا زجاجة الماء التي لم يعرف كيف يفتحها، واحتفظنا بصورة لا تُقدّر بثمن. مغامرة سفاري داخل العاصمة بعد 6 ساعات من التفاعل مع الطبيعة البرية، كانت رحلة العودة محملة بمزيج من الانطباعات المتباينة. فعلى الرغم من العناء الذي صاحبنا في البداية من أجل اللحاق بأفضل اللحظات لرؤية الأسود أو التقاط الصور لظواهر أخرى، فإن العودة كانت مزدحمة بالتفكير العميق في كيفية الاندماج بين المدينة والحياة البرية. ومع مرور الساعات، قررنا الخروج من الحديقة في منتصف النهار. كانت الشمس قد بدأت في الارتفاع، مما جعلنا نلاحظ تغيرًا كبيرًا في سلوك الحيوانات. بدأ معظمها في البحث عن أماكن للراحة أو الحماية من الحرارة المرتفعة، في حين أن الطيور استمرت في نشاطها، إلا أن الحركة بشكل عام كانت قد خفّت بصورة ملحوظة. كانت مشاهد العودة إلى بوابة الحديقة تحمل لنا شعورًا مميزًا، حيث تتراجع الحياة البرية وتختفي تدريجيا، كأنها تعود إلى عالمها الخفي. إعلان اللحظات التي عشناها كانت مفعمة بالتأمل في التنوع البيئي والتحديات التي تواجهها الحيوانات في بيئتها الطبيعية. تأملنا في التوازن الطبيعي الذي يتعين علينا جميعًا احترامه إذا أردنا الحفاظ على هذه النظم البيئية الحيوية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store