logo
شوارع طهران يلفها الخوف: متاجر فارغة وأمان مفقود

شوارع طهران يلفها الخوف: متاجر فارغة وأمان مفقود

Independent عربيةمنذ 4 ساعات

في وقت يواصل فيه مسؤولو النظام الإيراني إطلاق تصريحات مثل الجاهزية الكاملة والرد الانتقامي وإدارة الأزمة، يواجه الإيرانيون في اليوم الرابع من الهجوم الإسرائيلي واقعاً مرعباً. الشوارع يلفها الخوف ومتاجر فارغة الرفوف وطوابير الخبز والبنزين طويلة، والملاجئ لا وجود لها سوى في الوعود الرسمية، كل هذا في بلد لا يسمع فيه حتى صوت صافرات الإنذار خلال الغارات الجوية، إذ يشعر الناس بكل حواسهم بانهيار متسارع للأمن والأمل، وإن نجوا من الصواريخ فسيبقى هذا الجرح في الذاكرة محفوراً لأعوام طويلة مقبلة.
قلوب يعتصرها القلق
تفيد التقارير الميدانية الواردة من طهران وعدد من المدن الإيرانية، بأن النظام على رغم تهديداته المتكررة على مدى أكثر من أربعة عقود بمحو إسرائيل وإزالتها من الوجود، لم يضع أية آلية واضحة لحماية المدنيين في حال اندلاع حرب. والنتيجة أن المواطنين الذين كانوا يعانون أصلاً أزمات اقتصادية خانقة بسبب سوء إدارة النظام، باتوا الآن يرزحون تحت وطأة معاناة مضاعفة نتيجة الحرب وتبعاتها.
"القلق باد على وجوه الناس، والآباء والأمهات في حالة من الذعر على أطفالهم. أما من لا يملكون أوضاعاً مالية جيدة، فقد شاخت أرواحهم خلال هذه الأيام الأربعة كما لو أنها أربعة أعوام"، هذه الرواية المؤلمة جاءت على لسان صاحب محل أغذية في شمال شرقي طهران، إذ شهد رجل بعينيه اندفاع الناس لشراء الحاجات الأساسية، ويروي كيف بدأت ملامح الانهيار التدريجي للنظام اليومي تظهر جلياً.
وبحسب قوله، فقد نفدت خلال هذه الأيام القليلة الماضية جميع عبوات المياه المعدنية والمواد الغذائية الجاهزة، وفي ظل هذا الوضع وجد الزبائن من ذوي الدخل المحدود، الذين لم يتمكنوا من شراء مؤن احتياطية، أنفسهم تحت ضغط نفسي ومعيشي هائل.
وقال هذا التاجر لصحيفة "اندبندنت فارسية" إن "الحرب لا تهاجم الناس فقط بالصواريخ والطائرات المسيرة، بل تدمر نفوسهم أيضاً. الله وحده يعلم كم من شخص يصاب بأزمات قلبية أو عصبية مع كل دوي انفجار، وكم منهم يتعرض لأذى نفسي بالغ. هؤلاء (المسؤولون) لا يعترفون بهذه الأمور، لكننا نراها بأعيننا".
في اليومين الأخيرين، تداول عدد من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي روايات تظهر فراغ رفوف المتاجر حتى من المواد الغذائية العادية مثل الكعك والبسكويت. وقال رجل في منتصف العمر من سكان جنوب العاصمة طهران إنه اضطر إلى زيارة ما لا يقل عن ستة متاجر لشراء دجاجتين أو ثلاث فقط، وبحسب قوله، فإن المواد الغذائية، بخاصة تلك التي تتمتع بفترة صلاحية طويلة، اختفت بسرعة من الأسواق، مؤكداً أن الناس باتوا يشعرون بالحرب بكل جوارحهم.
هذا الرجل، الذي عايش الحرب الإيرانية - العراقية في طفولته، لا يزال يتذكر طوابير الخبز الطويلة في ثمانينيات القرن الماضي. واليوم، وبعد أن اضطر إلى الوقوف ثلاث ساعات في طابور لشراء بضعة أرغفة خبز "سنكك"، يقول بغضب إن "هذا النظام دمر حياتنا. الجميع مرهق ومتوتر وقلق ويائس، والكل يحمل المرشد علي خامنئي مسؤولية ما وصلنا إليه".
نفدت خلال الأيام الماضية جميع عبوات المياه المعدنية والمواد الغذائية الجاهزة (أ ف ب)
المؤسسات الاقتصادية مغلقة والأسواق مضطربة
وفي أيام يغمر فيها سماء طهران القلق وأصوات الانفجارات، يسود صمت ثقيل خلف الأبواب الزجاجية لمراكز التسوق، صمت نابع من اليأس وانعدام الثقة. الصور التي نشرت يوم أمس الأحد من سوق "علاء الدین" التجاري في طهران، كانت خير شاهد على عمق الأزمة، وأن أصحاب المحال يجمعون بضائعهم ويغلقون الأبواب بالأقفال ويرحلون، وكأن لا أمل لهم في العودة قريباً.
لكن هذه الصورة لا تقتصر على مجمع تجاري واحد. هذه الأيام، مراكز التسوق من شرق العاصمة إلى غربها، وفي مدن أخرى أيضاً، باتت متشابهة. المحال مغلقة والممرات خالية، والزبائن يمرون بنظرات سريعة من دون أن يشتروا شيئاً. صاحب محل لبيع الملابس في مركز تجاري قرب شارع فرجام في طهران يقول "الجميع تقريباً أغلقوا، القلائل الذين يفتحون يفعلون ذلك على أمل بيع شيء لهذا اليوم، لأنهم إن لم يبيعوا اليوم، فلن يكون لديهم خبز هذه الليلة".
في اقتصاد لا أفق له ولا يؤمن سوى لقمة العيش اليومية، تحول مفهوم الادخار لدى معظم أصحاب الأعمال الصغيرة إلى مجرد ذكرى بعيدة. فالباعة ومقدمو الخدمات وأصحاب المحال التجارية كانوا يعانون حتى قبل اندلاع هذه الحرب موجات التضخم والركود والضرائب المتزايدة، لكن اليوم جاءت ظلال الحرب لتوجه إليهم الضربة القاضية.
ويشير هذا البائع إلى حال جاره الذي اضطر إلى الاستدانة من أشخاص عدة لتأمين مبلغ 10 ملايين تومان (110 دولارات) نقداً، فقط ليتمكن من تخزين بعض المواد الغذائية في منزله، وهو بالكاد يملك أملاً في سداد هذه الديون لاحقاً. وتزداد فداحة الكارثة عندما ندرك أن هذه الروايات لا تأتي من أحياء فقيرة أو مهمشة وحسب، بل من مناطق تعد متوسطة الحال في المدينة، فما بالك بأولئك الذين كانوا غارقين في الفقر حتى قبل اندلاع الحرب.
لم يعد الأمر مجرد "اضطراب في قطاع الأعمال"، بل أصبح انهياراً تدريجياً في البنية الاقتصادية لعائلات المدن، فالناس الذين نهضوا من تحت أنقاض الاضطراب، يجدون أنفسهم اليوم مضطرين لإغلاق محالهم تحت تهديد المسيرات والصواريخ.
رعب وغضب
وبعد مرور أربعة أيام على الهجوم الإسرائيلي على إيران، يطغى شعور يشوبه مزيج من الغضب والرعب العميق والمستمر على المشهد العام. في الشوارع وخلف النوافذ وحتى داخل المنازل، يبدو أن ظل القلق أثقل من دوي الانفجارات، لكن الجزء الأكثر مرارة في القصة هو أن لا ملاذ آمناً حتى الآن لهذا الخوف الجماعي لدى المواطنين.
في حين أعلنت المتحدثة باسم الحكومة فاطمة مهاجراني يوم الأحد أن محطات المترو والمساجد ستكون مفتوحة على مدار الساعة لاستخدامها كملاجئ، كشفت الوقائع صباح الإثنين عن وضع مختلف تماماً، إذ أظهرت الصور المنتشرة من محطات مترو طهران أبواباً مغلقة خلفها مواطنون مذعورون تكوا في العراء. هؤلاء الذين قصدوا المترو بحثاً عن ملاذ آمن وجدوا أنفسهم أمام أبواب مغلقة، ليكتشفوا من جديد أن وعود المسؤولين ليست سوى كلمات خاوية، لا تخطيط فيها ولا تنفيذ.
ولا يقتصر هذا الوضع على طهران فقط، إذ أعلن مجلس الإعلام في محافظة أصفهان رسمياً أن محطات مترو المدينة ليست مفعلة كملاجئ طارئة. وهكذا فإن المواطنين في المدن الكبرى الأخرى أيضاً، وليس في العاصمة وحدها، يواجهون التهديدات المباشرة من دون توفر أي مكان آمن يلوذون به.
تفيد التقارير الميدانية الواردة من طهران بأن النظام لم يضع أية آلية واضحة لحماية المدنيين في حال اندلاع حرب (أ ف ب)
أما السؤال الذي يطرح الآن بين الناس وهو محق وفي محله: ألم تكن لإيران تجربة مريرة في قصف المدن بالصواريخ قبل أكثر من أربعة عقود خلال حربها مع العراق؟ ولماذا، بعد كل هذه الأعوام، لم تنشئ أية بنية تحتية حقيقية وفق معايير سليمة لحماية أرواح المدنيين؟
هذا وفي تصريح يشبه الاعتراف المتأخر، قال رئيس مجلس بلدية طهران مهدي تشمران، إنه "ما زلنا لا نمتلك بنية تحتية مناسبة لمواجهة التهديدات، وحتى في زمن الحرب لم تكن لدينا خبرة كافية لإنشاء الملاجئ". واقترح تشمران الاستفادة من محطات المترو ومستودعات الطوارئ بنظرة هندسية، لكن هذه المقترحات تأتي في وقت يعيش فيه الناس فعلياً تحت سماء تمطر شظايا بلا أي ملجأ يحتمون فيه.
وفي ظل غياب حلول حقيقية، تتكرر من جديد مشاهد مألوفة من ثمانينيات القرن الماضي، إذ يضع المواطنون شرائط لاصقة بصورة متقاطعة على نوافذ منازلهم، أملاً في تقليل خطر تحطم الزجاج.
هذا الإجراء الرمزي لا يظهر إلا حالة العجز الكامل لشعب أقحم في حرب لم يخترها، في ظل سلطة لم توفر له حتى أبسط مقومات الأمان.
تقول امرأة ستينية تعيش مع والدها البالغ من العمر 87 سنة في منزل قديم بحي نظام‌ آباد في طهران، إنه "حتى في الظروف العادية حالتي ليست جيدة، أتناول أدوية مهدئة. مع كل صوت انفجار، أشعر وكأن روحي تنقسم إلى نصفين. والدي يحاول إخفاء خوفه حتى لا أشعر بالرعب، لكنني أقرأ في ملامحه أنه منهار من الداخل".
منزلهم قديم ومتهالك، ويتصدع أمام أية هزة، وقد ينهار كلياً إذا وقع انفجار قريب. الخوف من الموت هنا امتزج بالخوف من التشرد، فهؤلاء الناس لم يختاروا الحرب ولا يملكون وسيلة للدفاع عن أنفسهم، ومع ذلك وجدوا أنفسهم وسط معركة لم يجهزوا لها بأي صورة من الصور.
تقييد شبكة الإنترنت
وفي خضم الأزمة، حين يكون الناس بأمس الحاجة إلى التواصل مع أحبائهم والحصول على معلومات موثوقة، لجأت الحكومة مرة أخرى إلى الأداة نفسها التي استخدمتها في جميع اللحظات السياسية والأمنية الحساسة، وهي تقييد الإنترنت، إذ استهدفت هذه المرة قطع اتصال الناس بالعالم الخارجي عقب الهجمات الإسرائيلية.
أعلنت وزارة الاتصالات رسمياً تقييد خدمة الإنترنت، وقالت إنه بسبب "الظروف الخاصة". بيان الوزارة لا يتضمن تفسيراً واضحاً ولا ضماناً لتحسن الوضع، لكن ما يعيشه الناس على أرض الواقع يتجاوز مجرد التقييد ليصل إلى بطء شديد وانقطاع مستمر وغير متوقف لشبكات(VPN) ، واضطرابات في تطبيقات المراسلة مثل "واتساب"، وفي بعض الحالات انقطاع كامل للاتصال.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كتب نائب وزير الاتصالات في الحكومة الإيرانية إحسان جیت ‌ساز، في رد أشبه بالتنصل من المسؤولية، على شبكة "إكس" قائلاً "كنا نتمنى أن يبقى الإنترنت متاحاً، لكن الأمر ليس بيد الوزارة". هذه العبارة البسيطة في ظاهرها تمثل اعترافاً صريحاً بأن قرار قطع اتصال الناس بالعالم قرار يتجاوز إرادة الأجهزة التنفيذية، وينبع من هياكل الأمن في النظام الإيراني.
لا تقتصر تداعيات هذه الانقطاعات على تفاصيل الحياة اليومية فحسب، بل تتجاوزها إلى ما هو أعمق. يقول أحد المقيمين خارج إيران "اكتشفت الليلة الماضية أن قصفاً وقع قرب منزل والدي، وحاولت إرسال رسالة في مجموعة العائلة، لكنها لم ترسل. بقيت ثلاث ساعات في توتر نفسي شديد، حتى تلقيت رداً أخيراً". إنها تجربة مشتركة لآلاف الإيرانيين داخل البلاد وخارجها، ممن لا يستطيعون إيصال أخبارهم ولا الاطمئنان على ذويهم.
وفي ظل غياب حرية تدفق المعلومات، تبقى الرواية الرسمية للحكومة هي الرواية الوحيدة المتاحة كما هو الحال دائماً. وأيضاً في ظل غياب وسائل الإعلام الحرة، تواصل وسائل الإعلام الحكومية (الإذاعة والتلفزيون) الحديث عن رد مدمر على إسرائيل، بينما يظل الناس، المحرومون من الوصول إلى مصادر إخبارية مستقلة، محتارين بين الخوف والشك والروايات الأحادية الجانب. هذا التقييد المتعمد لا يشكل مجرد انتهاك واضح لحق الاتصال والوصول إلى المعلومات فحسب، بل يعد أيضاً أداة لهندسة الرأي العام وسط الأزمة.
القيود الحكومية: من التزود بالوقود إلى سحب الأموال النقدية
ما يحدث هذه الأيام في إيران هو نوع من الانهيار التدريجي، والشهود على ذلك هم الناس أنفسهم. من بين أبرز المشاهد المتكررة هذه الأيام، الطوابير الطويلة أمام محطات الوقود، إذ يقف الناس لساعات تحت وطأة حرارة شديدة، وفي النهاية يسمح لهم فقط بـ15 ليتراً من البنزين من دون إمكان الحصول على مزيد.
ويقول شاب يبلغ من العمر 32 سنة من جنوب شرقي طهران، الذي يعمل كسائق في تطبيق "أسنب" لكسب لقمة العيش، "أغلقت محلي بسبب ارتفاع الأسعار وانقطاع الكهرباء. الآن علي دفع إيجار المنزل ونفقات طفلي الذي لا يتجاوز عمره الشهرين، لكن لا يوجد وقود ولا حليب أطفال". صوته يعج بالغضب المكبوت والعجز، وحاله حال كثير من المواطنين في إيران، يضطر إلى الوقوف في طوابير الوقود لمدة تصل إلى ثلاث ساعات، وبعدها يستطيع العمل فقط لعدد محدود من الرحلات بسبب ندرة البنزين.
هذا الخلل لا يقتصر فقط على قطاع النقل، بل أصبح الوصول إلى النقود النقدية تحدياً كبيراً للمواطنين أيضاً. فآلات الصراف الآلي، إما توقفت عن العمل بسبب خلل في النظام المصرفي، أو لم تعد تملك أوراقاً نقدية لتسليمها. يقضي الناس ساعات طويلة في الشوارع يتنقلون من آلة إلى أخرى ليتمكنوا من سحب بضع مئات آلاف من التومانات فقط، مما قد يساعد خلال فترة الأزمات في تأمين الاحتياجات الأساسية من خبز ودواء، أو حتى للفرار المحتمل من المدينة.
تواجه البنوك، على رغم أنها تفتح أبوابها، نقصاً حاداً في السيولة النقدية. في ظل تصاعد حالة القلق داخل المجتمع يوماً بعد يوم، أدى نقص السيولة وقيود الوقود ونفاد السلع الأساسية مثل حليب الأطفال، إلى وضع المواطنين في حالة تشبه الحصار، أي حصار داخلي ناتج من عجز مزمن للحكومة في التنبؤ بالأزمات وتأمين أدنى الاحتياجات الأساسية للمواطنين.
العاصمة خالية من الناس
لم تعد طهران في هذه الأيام العاصمة الصاخبة التي عهدناها، أصبحت الشوارع أكثر خلواً، لكن هذا الصمت لا يعني هدوءاً، بل يعكس محاولة الناس للنجاة بأرواحهم. كثير من السكان، بخاصة في العاصمة والمدن الكبرى، قرروا مغادرة منازلهم. أما الذين هموا بالرحيل، فيقضون ساعات طويلة عالقين في زحام مروري خانق على طريق "طهران - شمال" أو في طرق الخروج الأخرى.
وأظهرت مقاطع فيديو نشرت يوم الأحد، ازدحاماً كثيفاً عند مداخل العاصمة، حيث تتكدس السيارات التي يرافق ركابها شعور بالقلق والضياع وعدم اليقين، في بحث مستمر عن الأمان، لكن وسط هذه المحاولات، يظل سؤال بسيط بلا إجابة: يا ترى إلى أين يذهبون؟ أو بعبارة أخرى، أين الأمان؟ هذا السؤال يتكرر باستمرار بين كثيرين ممن لا يزالون في منازلهم، أولئك الذين لا يملكون وجهة واضحة، ولا وسيلة للتنقل، ولا ضماناً أن الانتقال سيحسن من وضعهم.
وأظهرت مشاهد أخرى من الحدود البرية، بخاصة عند معبر بازركان الحدودي، واقعاً مختلفاً: طوابير طويلة من المسافرين يسعون إلى الخروج من إيران والوصول إلى تركيا أو دول الجوار الأخرى. مع إغلاق الرحلات الجوية، علقت آمال كثير من الناس على الطرق البرية، لكن حتى هذه الطرق لا تملك القدرة الكافية لاستيعاب الجميع، أولئك الذين لا يمتلكون سيارات خاصة يجدون أنفسهم في حيرة تامة بسبب غياب نظام نقل طارئ أو أية خطة بديلة.
حالة حرب شاملة
إن الأوضاع التي يشهدها الناس اليوم في مختلف أرجاء إيران هي حالة حرب شاملة، ترفض الحكومة الاعتراف بها. لا يملك الناس أفقاً واضحاً لانتهاء هذه الحالة، إذ يخيم عليهم الخوف والقلق والضعف وانعدام الثقة، وحتى إذا ما نجوا من تحت أنقاض الصواريخ والقنابل، فإن شبح هذه الحرب سيظل يلاحقهم لأعوام طويلة. هؤلاء هم نفسهم الذين كانوا يعانون سابقاً وطأة الفقر والتضخم والقمع والرقابة، يعيشون الآن في مأزق أعمق وأشد قسوة من ذي قبل.
هذه الحرب التي لم يخترها الإيرانيون، بل فرضت عليهم. حرب لم تدمر المدن فقط، بل تستهدف أيضاً نفسية الشعب بأكمله، بما يطلق عليها في علم النفس بـ"الصدمة الجماعية". جرح لا يصيب الجسد وحسب، بل يلحق الأذى بالنفس الجمعية للشعب، وإذا لم يعترف به ويعالج، فإنه يؤدي إلى الكراهية وانعدام الثقة وانهيار النسيج الاجتماعي.
تداعيات هذا الأزمة لا تقتصر على الحالة النفسية للناس فقط، إذ تضرر الاقتصادي الجزئي وأغلق عدد من الأعمال التجارية أيضاً، مما أدى إلى موجة جديدة من البطالة ونقص في السلع الأساسية وإيقاف الخدمات المصرفية والإنترنت واضطرابات في قطاع التعليم وهرب رؤوس الأموال، وهذه فقط بداية الطريق نحو أزمة أعمق وأطول أمداً في إيران.
وفي النهاية، هذه الحرب سواء استمرت أم توقفت، ليست مجرد صراع عسكري بالنسبة إلى الإيرانيين، بل هي تجربة من العجز الكامل، والعجز ليس شيئاً ينتهي بانتهاء الهجمات، ما يبقى هو جيل لم يعد يخاف، لكنه فقد الأمل أيضاً، جيل لا صرخة له ولا ملجأ ولا مستقبل مشرق ينتظره.
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

اجتماع لجنة الحج المركزية ليوم الثلاثاء 21 ذي الحجة 1446هـ
اجتماع لجنة الحج المركزية ليوم الثلاثاء 21 ذي الحجة 1446هـ

المناطق السعودية

timeمنذ 24 دقائق

  • المناطق السعودية

اجتماع لجنة الحج المركزية ليوم الثلاثاء 21 ذي الحجة 1446هـ

المناطق_متابعات بتوجيه مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة رئيس اللجنة الدائمة للحج والعمرة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، رأس صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن مشعل بن عبدالعزيز نائب أمير المنطقة نائب رئيس اللجنة، اجتماع اللجنة، الذي تخلله مناقشة خطوات التحضير المبكر لحج 1447هـــ. ونقل الأمير سعود بن مشعل شكر وتقدير أمير منطقة مكة للجهات أعضاء اللجنة نظير ما بذلوه من جهود وأعمال خلال حج عام 1446 هـــ والتي أسهمت بتوفيق الله ثم بما وفرته القيادة الرشيدة – أيدها الله – من إمكانات مادية وبشرية لخدمة ضيوف الرحمن في تسهيل أدائهم للشعيرة في أمن ويسر وطمأنينة ، حاثاً الجميع على مضاعفة الجهود والعمل التكاملي والتخطيط المُبكر لحج العام المقبل بما يحقق الآمال والتطلعات. واستعرضت اللجنة سُبل تعزيز الايجابيات التي تحققت في حج هذا العام، وخطوات التطوير المستمر لمنظومة الحج بما يسهم في تحسين تجربة ضيوف الرحمن وتوفير الخدمات الأفضل لهم خلال حج العام المقبل بإذن الله. وتطرق الاجتماع إلى ما تحقق من أعمال في مرحلة مغادرة الحجاج عبر المنافذ المختلفة بعد أدائهم للفريضة، كما تمت مناقشة عددٍ من الموضوعات المدرجة على جدول الأعمال واتخذت حيالها التوصيات اللازمة.

محافظ الخرج يستقبل أعضاء المجلس المحلي بالمحافظة
محافظ الخرج يستقبل أعضاء المجلس المحلي بالمحافظة

المناطق السعودية

timeمنذ ساعة واحدة

  • المناطق السعودية

محافظ الخرج يستقبل أعضاء المجلس المحلي بالمحافظة

المناطق_واس استقبل صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن محمد بن سعد بن عبدالعزيز محافظ الخرج, بمكتبه في المحافظة اليوم, أعضاء المجلس المحلي من أهالي بالمحافظة، الذين قدموا للسلام على سموه وتهنئته بعيد الأضحى. وبادلهم سموه التهنئة، سائلًا الله العلي القدير أن يعيده على الجميع بالخير واليمن والبركات.

قادتنا.. عزوتنا سندنا وذخرنا وفخرنا
قادتنا.. عزوتنا سندنا وذخرنا وفخرنا

الوئام

timeمنذ 2 ساعات

  • الوئام

قادتنا.. عزوتنا سندنا وذخرنا وفخرنا

الدكتور عيسى محمد العميري كاتب كويتي في ظل الأوضاع المتوترة في منطقة الشرق الأوسط الحالية والتي نسأل الله عزوجل أن يحفظ البلاد والعباد في هذه المنطقة منها، تبرز في وسط تلك الأحداث حكمة وحنكة قادة دول مجلس التعاون الخليجي في التعامل مع الأحداث الجارية وحرصهم اللامتناهي في المحافظة على شعوبهم وتوفير أفضل سبل العيش الكريم لهم وتوفير كل سبل الرفاهية، بالإضافة إلى تأمين مستقبلهم ومستقبل أجيالهم القادمة وفق أحدث سبل الأمان واستدامة العيش الكريم كما أسلفنا. هذه الرؤية أو التوجه لقادة دول مجلس التعاون الخليجي ليس جديداً فهو يأتي استدامة لإرث تاريخي للقادة الراحلين والذين ضربوا أروع الأمثلة في التعاون فيما بينهم منذ زمن بعيد ومن قبل إنشاء مجلس التعاون الخليجي، حيث تمثل سياسة دول مجلس التعاون الخليجي نموذجًا فريدًا في العالم العربي من حيث الاستقرار السياسي، والنمو الاقتصادي، والاهتمام المتواصل برفاه المواطنين، واعتماد سياسات تعزز الأمن والتنمية الشاملة، وتحافظ على مصالح وحقوق شعوبهم في ظل التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة، والتركيز على التنمية المستدامة. ويضاف إلى ذلك كله أن دول الخليج العرب لطالما تبنت استراتيجيات طموحة تهدف إلى تنويع الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد على النفط، وتشمل هذه الخطط استثمارات ضخمة في قطاعات التعليم، والصحة، والطاقة المتجددة، والتكنولوجيا، والبنية التحتية، مما يعزز من جودة حياة المواطنين ويؤمن مستقبلًا مستدامًا للأجيال القادمة وتعزيز الاستقرار الاجتماعي والأمني. كما أن الاستقرار الشامل والكامل هو أحد أولويات القادة الخليجيين، ويُترجم ذلك في الحفاظ على أمن المجتمعات من خلال دعم الأجهزة الأمنية، ومكافحة التطرف والإرهاب، والعمل على تعزيز الانتماء الوطني. كما أن الحكومات الخليجية تحرص على وجود أنظمة عدالة فعالة، ومؤسسات تضمن الحقوق والحريات في إطار احترام العادات والقيم المجتمعية. كما أن سياسة الاستثمار في الإنسان هو أمر غاية في الأهمية لقادة دول مجلس التعاون الخليجي حيث أدركت القيادة الخليجية أن الإنسان هو محور التنمية، لذلك تم التركيز على التعليم والتدريب والتأهيل لسوق العمل. ووفرت الدول برامج مبتكرة للابتعاث والدراسة في الخارج، إلى جانب إنشاء جامعات ومعاهد متقدمة داخل الدولة. كما تم إطلاق برامج تمكين المرأة والشباب، لتعزيز دورهم في التنمية الوطنية. ومن ناحية أخرى نقول بأن الدبلوماسية الحكيمة والتعاون الإقليمي يسير القادة الخليجيون بسياسة خارجية متزنة تهدف إلى تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة ككل، والتنسيق بين دول المجلس في مجالات الدفاع المشترك، والأمن الغذائي، والسياسات الاقتصادية، بما يحقق وحدة الموقف ويزيد من القدرة على التصدي للتحديات المشتركة. وفي الختام نقول بأن السياسات التي ينتهجها قادة دول مجلس التعاون الخليجي تعكس حرصهم العميق على حماية شعوبهم وتحقيق تطلعاتهم. فالمعادلة الناجحة التي تجمع بين التنمية الاقتصادية، والرعاية الاجتماعية، والاستقرار الأمني، تعد نموذجًا يحتذى به في المنطقة. ومع استمرار هذه السياسات الطموحة، فإن شعوب الخليج تقف على أعتاب مستقبل واعد يقوم على الازدهار والتقدم والكرامة الإنسانية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store