logo
غزة تودّع شهودها والعالم يطالب بالعدالة

غزة تودّع شهودها والعالم يطالب بالعدالة

العربي الجديدمنذ 2 أيام
تتواصل الإدانات العربية والدولية والأممية والحقوقية
لاغتيال قوات الاحتلال مجموعة من الصحافيين الفلسطينيين
، الأحد الماضي، باستهداف خيمتهم أمام مستشفى الشهداء في مدينة غزة، بينهم مراسل "الجزيرة" أنس الشريف الذي وُصف بـ"عين" القطاع، حيث
ترتكب إسرائيل إبادة جماعية
منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
كانت حشود من الفلسطينيين قد شيعت الصحافيين الستة، وهم أنس الشريف ومحمد قريقع وإبراهيم ظاهر ومحمد نوفل ومؤمن عليوة ومحمد الخالدي، صباح أمس الاثنين، في أجواء مشحونة بالغضب والحزن والهتافات. وحمل المشيعون، وبينهم من كان يرتدي سترات الصحافيين الزرقاء، الجثامين الملفوفة بالأكفان ووجوهها مكشوفة عبر الأزقة الضيقة إلى مقبرة الشيخ رضوان.
ونظّم طاقم "الجزيرة" في مقر القناة في الدوحة، الاثنين، وقفة تكريمية للزملاء الخمسة الذين قتلتهم قوات الاحتلال (الشريف، وقريقع، وظاهر، ونوفل، وعليوة). تجمع العشرات في استديو وغرفة تحرير قناة الجزيرة في العاصمة القطرية، للتنديد بمقتل زملائهم، وتعهّدوا بمواصلة إعداد تقارير عن العدوان المستمر منذ 22 شهراً، ورفع بعضهم صور الصحافيين. بين الحاضرين في الدوحة مدير مكتب "الجزيرة" في غزة وائل الدحدوح الذي استشهدت زوجته وابنه وابنته وحفيده بضربات إسرائيلية، والمصوّر فادي الوحيدي الذي أصيب بالشلل بعد إصابته برصاصة في العنق خلال تغطيته الحرب في غزة. وقال الدحدوح بعد التجمّع: "كلما فقدنا عزيزاً وزميلاً، فقدنا جزءاً من هذا الجسد وهذه الأسرة الصحافية، وهذا شيء في غاية الصعوبة وفي غاية الإيلام". وأضاف: "نتضامن ونتفاعل ونتخذ ما نستطيع أن نتخذه، لكن هناك اعتداءات سافرة ضد القانون الدولي وضد كل شيء ما زالت مستمرة".
وفي رام الله، شارك عشرات الفلسطينيين، مساء الاثنين، في وقفة تلتها مسيرة، تنديداً باستهداف إسرائيل الصحافيين واستمرار الإبادة الجماعية في قطاع غزة. وجاءت الوقفة بدعوة من فعاليات شعبية وحركات وقوى سياسية ونقابة الصحافيين الفلسطينيين، رفضاً لسياسة الإبادة واستهداف الصحافيين الفلسطينيين في غزة. وردد المشاركون هتافات تشيد بالصحافيين وتندد باستهدافهم، وتطالب برفع الحصار عن غزة. وعلى هامش الوقفة، قال أمين عام المبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي إن هؤلاء الصحافيين "قدموا حياتهم من أجل شعبهم ودفاعاً عن الحقيقة"، وأكد أن إسرائيل "اغتالت صوت الحقيقة، لكنها لم تفلح في ذلك، ويستمر الصحافيون الفلسطينيون في إرسال رسائلهم"، مشيراً إلى أن "238 صحافياً باسلاً شجاعاً تم اغتيالهم حتى اللحظة خلال حرب الإبادة". وأضاف: "رسالتنا للعالم ووكالات الأنباء بعد اعتراف إسرائيل بمسؤوليتها المباشرة عن الاغتيال الذي جرى، أنهم مطالبون بقطع كل أشكال العلاقات مع الإعلام الإسرائيلي والناطق الرسمي باسم الحكومة والحكومة وممثليها"، وأكد أن "فرض العقوبات بات ضرورة بعد تجاوز إسرائيل لكل القوانين بارتكابها الإبادة الجماعية في غزة".
كما نظم ناشطون، مساء الاثنين، في العاصمة الأميركية واشنطن، تأبيناً رمزياً حداداً على أرواح صحافيي غزة، وذلك أمام مبنى يضم قنوات "فوكس نيوز" و"سي أن أن" و"إن بي سي" و"إم إس إن بي سي" وغيرها. أشعل المشاركون في التأبين الشموع حداداً على أرواح الصحافيين الذين اغتيلوا الأحد، وأكثر من 200 صحافي قتلتهم إسرائيل على مدار أكثر من عام ونصف، ووضعوا صوراً لأنس الشريف والصحافيين الآخرين عليها لون أحمر يرمز للدماء، مع خوذات كتب عليها "صحافة" وشاشة كاميرا محطمة، في إشارة إلى استهداف الصحافيين وكاميراتهم وأقلامهم من أجل قتل الحقيقة. وانتقد المحتجون الصمت الإعلامي الأميركي على مقتل الصحافيين في غزة، فضلاً عن قتل الفلسطينيين وسياسة التجويع التي تنتهجها إسرائيل، وقالوا إن هذا الهجوم المدروس على الصحافة يهدف إلى إسكات صوت الناس في غزة من خلال استهداف الصحافيين، منددين بما وصفوه بـ"نفاق الإعلام الأميركي". وأحضر المحتجون معهم مكبرات صوت وأدوات أخرى لإزعاج العاملين داخل المبنى، ورفعوا صوراً للأطفال الذين تبرز عظامهم من الجوع وتظهر على وجوههم وأجسادهم آثار المرض وسوء التغذية، ولافتات كتب عليها "إسرائيل فعلت هذا"، و"صمت وسائل الإعلام الأميركية وتزييف الحقيقة يساهم في قتل الأطفال والإبادة الجماعية".
ونددت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بـ"خرق صارخ للقانون الإنساني الدولي". وقال المفوض فولكر تورك على "إكس" إن "على إسرائيل احترام وحماية جميع المدنيين بمن فيهم الصحافيون". ونددت منظمة مراسلون بلا حدود "بشدة وغضب بالاغتيال الذي أقرت به" إسرائيل لأنس الشريف الذي وصفته المنظمة بأنه كان "صوت المعاناة التي فرضتها إسرائيل على الفلسطينيين في غزة"، داعية "الأسرة الدولية إلى تحرك قوي لوقف الجيش الإسرائيلي". وأكدت المنظمة أن "على مجلس الأمن أن يجتمع بصورة عاجلة بناء على القرار 2222 الصادر في 2015 والمتعلق بحماية الصحافيين في زمن النزاعات المسلحة" لتفادي "جرائم القتل المماثلة خارج إطار القانون للعاملين في مجال الإعلام".
بدورها، دانت منظمة العفو الدولية "القتل المتعمد للصحافيين"، واصفة الشريف وزملاؤه بأنهم "عيون وأصوات غزة". وأنهم "ورغم الجوع والإرهاق، واصلوا التغطية بشجاعة من الخطوط الأمامية، رغم التهديدات بالقتل". واعتبرت منظمة العفو الدولية أنه "لم يشهد أي نزاع في التاريخ الحديث مقتل عدد أكبر من الصحافيين كما هو الحال في إبادة إسرائيل للفلسطينيين في قطاع غزة".
وعقب استشهاد الشريف، نُشِرت عبر صفحاته على منصات التواصل الاجتماعي رسالة تحمل تاريخ السادس من إبريل/ نيسان 2025، مع تعليق "هذا ما أوصى بنشره الحبيب الغالي أنس عند استشهاده/ إدارة الصفحة". وجاء فيها "إن وصلَتكم كلماتي هذه، فاعلموا أن إسرائيل قد نجحت في قتلي وإسكات صوتي (...) عشتُ الألم بكل تفاصيله، وذُقت الوجع والفقد مراراً، ورغم ذلك لم أتوانَ يوماً عن نقل الحقيقة كما هي، بلا تزوير أو تحريف، عسى أن يكون الله شاهداً على من سكتوا ومن قبلوا بقتلنا، ومن حاصروا أنفاسنا ولم تُحرّك أشلاء أطفالنا ونسائنا في قلوبهم ساكناً ولم يُوقِفوا المذبحة التي يتعرّض لها شعبنا منذ أكثر من عام ونصف". تناقل المتابعون هذه الرسالة على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي، كما ترجمتها صحيفة ذا غارديان البريطانية، ونشرتها على موقعها الإلكتروني أمس الاثنين.
عرض هذا المنشور على Instagram
‏‎
تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎أنس جمال الشريف‎‏ (@‏‎anasjamal44‎‏)
‎‏
في يوليو/ تموز الماضي، انهار أنس الشريف على الهواء أثناء تغطيته للتجويع الإسرائيلي للفلسطينيين في القطاع. بعد ذلك بوقت قصير، أعاد متحدث باسم جيش الاحتلال تداول مزاعم، نشرت للمرة الأولى عام 2024، بأن الشريف "مقاتل"، وبأن تغطيته حول التجويع مفبركة ضمن "حملة حماس الزائفة حول الجوع". حينها أصدرت لجنة حماية الصحافيين تحذيراً شديد اللهجة، معتبرة أن تلك الادعاءات الإسرائيلية تمثّل تهديداً مباشراً بالقتل. وقالت آنذاك المديرة الإقليمية للجنة سارة قداح إن "هذه الاتهامات التي لا أساس لها تمثّل محاولة لصياغة موافقة على قتل الشريف. هذه ليست المرة الأولى التي يُستهدف فيها الشريف من قبل الجيش الإسرائيلي، لكن الخطر على حياته أصبح الآن بالغاً".
المزاعم غير المدعمة بأي دلائل والمتناقضة كانت قد وجهتها إسرائيل ضد عدد من الصحافيين قبل اغتيالهم، وبينهم إسماعيل الغول. ورغم الضغط الدولي، لم تقدّم إسرائيل أي تفسير لقتل زملاء الشريف، وقالت الرئيسة التنفيذية للجنة حماية الصحافيين جودي غينسبرغ، لـ"ذا غارديان"، إنها تخشى أن يكون ذلك بمثابة تحذير من أن المخاطر – التي لا يمكن تخيلها أصلاً – قد تصاعدت أكثر. وأضافت: "ما يثير دهشتي هو أنهم لم يحاولوا حتى تبرير عمليات القتل الأخرى. لذا فهم يعترفون بقتل هؤلاء الصحافيين، مع علمهم بأنهم صحافيون. أعتقد أن هذا مقصود تماماً لإحداث أثر ردعي يُظهر أن إسرائيل يمكنها فعل ما تشاء، ولن يتخذ أحد أي إجراء. إذا وصلنا الآن إلى مرحلة تستطيع فيها إسرائيل استهداف طاقم إخباري كامل بهذه الصفاقة، فماذا يعني ذلك بالنسبة لسلامة أي من الصحافيين الآخرين الذين يعملون هناك؟ من التالي؟".
وقال المؤرخ الفرنسي جان-بيير فيليو، الذي مُنح إذناً نادراً لدخول غزة لإجراء بحث أكاديمي خلال الإبادة، إن شهراً من البحث هناك أقنعه بأن إسرائيل تحاول إسكات التغطية من غزة. وأضاف في مقابلة مع صحيفة هآرتس بعد الرحلة: "الآن أفهم لماذا تمنع إسرائيل وصول الصحافة الدولية إلى مشهد مروّع كهذا. على الرغم من وجودي في عدد من مناطق الحروب في الماضي، من أوكرانيا إلى أفغانستان، مروراً بسورية والعراق والصومال، لم أختبر إطلاقاً، إطلاقاً، شيئاً كهذا".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الحوثيون بعد استهداف مطار بن غوريون بصاروخ: سنصعد عملياتنا
الحوثيون بعد استهداف مطار بن غوريون بصاروخ: سنصعد عملياتنا

العربي الجديد

timeمنذ 2 ساعات

  • العربي الجديد

الحوثيون بعد استهداف مطار بن غوريون بصاروخ: سنصعد عملياتنا

أعلن الحوثيون، صباح الخميس، عن استهدافهم مطار بن غوريون في تل أبيب بصاروخ فرط صوتي، متوعدين بتصعيد عملياتهم حتى وقف العدوان على قطاع غزة ورفع الحصار عنه. وجاء هذا الإعلان بعد ساعات من قول جيش الاحتلال إنه اعترض صاروخاً أطلق من اليمن. وفي بيان مصور بثته قناة المسيرة، أفاد المتحدث العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، بتنفيذ "عملية عسكرية نوعية استهدفت مطار اللد في منطقة يافا المحتلة بصاروخ باليستي فرط صوتي نوع فلسطين2"، مؤكداً أن "العملة حققت هدفها بنجاح وتسببت في هروب الملايين من الصهاينة الغاصبين إلى الملاجئ وتعليق حركة المطار". وعلى غرار العمليات السابقة للحوثيين، أكد يحيى سريع أن استهداف مطار بن غوريون مجدداً يأتي "انتصاراً لمظلومية الشعب الفلسطيني ومجاهديه وردا على جرائم الإبادة الجماعية والتجويع التي يقترفها العدو الصهيوني في قطاع غزة"، قاطعا وعدا للفلسطينيين بأن "نبقى معكم وإلى جانبكم بعون الله حتى النصر بكل إمكاناتنا المتاحة". وفي حين عبر الحوثيون عن ثقتهم في أن "الفصائل الفلسطينية ستحبط خطة العدو باحتلال غزة وتهجير أهلها بإذن الله تماما كما أفشلوا بحجارة داوود عمليته العسكرية العدوانية"، تعهد للفلسطينيين بتصعيد "عملياتنا الإسنادية حتى وقف العدوان عليكم ورفع الحصار عنكم". وكان الحوثيون أعلنوا، أول أمس الثلاثاء، تنفيذ أربع عمليات عسكرية ضد أهداف حيوية إسرائيلية في حيفا والنقب وأم الرشراش وبئر السبع. وقال المتحدث العسكري باسم الحوثيين في بيان، إن سلاح الجو المسيّر نفذ أربع عمليات عسكرية بست طائرات مسيّرة على أربعة أهداف حيوية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، مؤكداً أن العمليات حققت أهدافها بنجاح في مناطق حيفا والنقب وأم الرشراش وبئر السبع في فلسطين المحتلة. أخبار التحديثات الحية غروندبرغ: الاضطرابات الإقليمية تُقوّض السلام في اليمن وأضاف البيان أن "استمرار العدو في تنفيذ مخططه لتصفية القضية الفلسطينية بالإبادة والتجويع والتهجير ستكون له تداعيات خطيرة على البلدان العربية والإسلامية"، مجدداً التأكيد على الاستمرار في العمليات الإسنادية حتى وقف العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة. وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن، في وقت سابق من الثلاثاء، أن طائراته الحربية اعترضت طائرة مسيّرة قادمة من اليمن أثناء تحليقها فوق البحر الأحمر بالقرب من سواحل مدينة إيلات، موضحاً أن عملية الاعتراض جرت دون إطلاق صفارات الإنذار التزاماً بالإجراءات المتبعة، وأن الطائرة لم تُشكل تهديداً مباشراً للسكان المدنيين. وتشن جماعة الحوثيين، منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، هجمات منتظمة بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة والزوارق البحرية ضد سفن إسرائيلية وأخرى مرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، كما تستهدف مواقع إسرائيلية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، في إطار ما تصفه بـ"الرد على حرب الإبادة المستمرة ضد غزة". وتتعرّض مواقع في اليمن بين الحين والآخر لغارات إسرائيلية، كان آخرها في 21 يوليو/تموز الماضي، حين شن جيش الاحتلال غارات على ميناء الحُديدة بزعم استهداف مواقع تابعة لجماعة الحوثيين.

العدالة الانتقالية في سورية من بوابة السويداء
العدالة الانتقالية في سورية من بوابة السويداء

العربي الجديد

timeمنذ 9 ساعات

  • العربي الجديد

العدالة الانتقالية في سورية من بوابة السويداء

لعل عقدة السويداء (في جنوب سورية) التي لم تحل بعد، ولا يبدو أنها تمتلك (في المنظور القريب) بوادر جدّية عملانية لحلها، حيث ما زالت المسائل تتعقّد قضية إثر قضية، وتتلاطم الأمواج وتتوسّع، كما تتّسع الشقوق بشكل كبير، التي اقتربت (حسب بعض المتابعين) من أن تكون شاقولية، وصعبة الحل أو المراس أو البلسمة على الأقل بوجود جراح مفتوحة وغير مندملة. ولكن أيضاً لا بد من السؤال: هل يمكن لمسار العدالة الانتقالية في سورية أن يتحرّك ويمضي بشكل حقيقي وجدّي، ضمن أنساقه المطلوبة من دون المرور والتوقف طويلا مع مشكلات السويداء التي باتت مستعصية، والتي تتصاعد يوميّاً من دون هوادة، وتتعقد أكثر وأكثر، ثم تلعب بها قوى خارجية، ليس آخرها إسرائيل، التي لا تريد بالضرورة لسورية إلا أن تكون دولة ضعيفة مهلهلة مفتّتة، قابلة للانقسام والتشظي، إنفاذًا للرؤيا الإسرائيلية التي تقول: لا يمكن لإسرائيل أن تستمر بالوجود والعيش إلا بالتساوق مع وجود محيط إقليمي عربي ضعيف قابل في كل لحظة للتشظي والانشقاق. ما زال مسار العدالة الانتقالية الذي بدأ في سورية أخيراً على استحياء يعثر في الأكم وفي الوهد محتملاً المزيد من الأعباء والأثقال، التي تساهم في إعاقة تقدّمه أو مضيه في مساراته التي أضحت ضرورية جدّاً لإنجاز وحدة السوريين، ومحاسبة الجاني، وجبر الضرر الكبير جدّاً، الذي وقع فوق رؤوس البلاد والعباد في سورية منعاً لأية احتمالات جديدة للاحتراب البيني، وهي التي قد لا تغلق فيما لو فُتحت لا قدّر الله. أما عن السويداء التي لم تعد مستريحة البال، كما كان سابقاً، على سفح جبل العرب الذي يحضنها بعطفٍ وحنان، فهي ما زالت محتاجة إلى الكثير جدّاً، وكذلك للاشتغال حثيثاً على مسألة إنفاذ كل مسارات العدالة الانتقالية، لأنها كانت وما زالت ولا يمكن إلا أن تكون المدخل الأكيد الضروري واللازم، للسلم الأهلي في سورية والمنشود من الجميع، عدا التدخّلات الإسرائيلية العدوانية، التي لا تريد لسورية استقراراً ولا خيراً بكل تأكيد. محاسبة الجناة وجبر الضرر باتا ضرورتيْن ملحّتين كل الإلحاح، ولا خروج من ماهية الانقسام الذي حصل، من دون العودة ومن ثم الدخول في أتون عمل يومي حقيقي وقانوني وعادل لا يمكن أن يُنجز السلم الأهلي في السويداء وجبل العرب بدون عملية البدء في سياقات جدّية لانبثاقات الاشتغال في أتون مسألة العدالة الانتقالية في سورية، التي هي وحدها ومع وجود مساراتٍ حقيقيةٍ لحوار جدّي يوازيها ويتساوق معها، يمكنها بذلك أن تعبر بسلاسة وهدوء عنق الزجاجة، خروجاً نحو فضاءات أرحب لإنجاز مهام الدولة الوطنية السورية المبتغاة، وتعيد بالضرورة إنتاج الوطن السوري الواحد الموحّد، عالي الأسوار، توطئةً لصياغة الدستور الوطني الدائم للبلاد، وكذلك العقد الاجتماعي السوري، الذي يجمع ولا يفرّق ولا يستثني أحداً على المستوى الإثني أو الطائفي أو الأيديولوجي... ثم إقامة دولة المواطنة التي يحلم بها كل السوريين، بعد أن حرموا منها 54 عاماً خلت من حكم حافظ الأسد وابنه الوريث غير الشرعي بشّار الأسد، قبل أن يفرّ إلى موسكو. ارتكاباتٌ كثيرة تتكشف وتتمظهر إلى السطح، قضية إثر أخرى في السويداء، وهذه القضايا كانت وما زالت ويجب أن تكون في صلب اشتغال هيئة العدالة الانتقالية، وضمن مهامّها، ولعل العمل عليها سريعاً في جبل العرب والسويداء، بات أكثر ضرورة وحاجة، حيث ستساعد العدالة الانتقالية والبدء في مساراتها كذلك، على رأب الصدع وعودة السويداء إلى أهلها السوريين، فمحاسبة الجناة وجبر الضرر باتا ضرورتيْن ملحّتين كل الإلحاح، ولا خروج من ماهية الانقسام الذي حصل، من دون العودة ومن ثم الدخول في أتون عمل يومي حقيقي وقانوني وعادل، يبلسم الجراح، ويحاسب كل المرتكبين، من كل الأطراف، بلا مهادنة، ولا تسويفات، إذ لا بدّ من أن يُعاقَب كل من ارتكب فعلاً يُحاسِب عليه القانون، لابد من أن يعاقب قانونيّاً من دون رحمة وضمن سياقات القانون السوري الوضعي. تحتاج السويداء جميع السوريين لمنع كل التحرّكات والأدوات التي تفعل لجرّها إلى مآلاتٍ لا يريدونها تحتاج السويداء الآن جميع السوريين من كل ألوان الطيف السياسي، والأيديولوجي، لمنع كل التحرّكات والأدوات التي تفعل يوميّاً وبشكل دؤوب لجرّها إلى مآلاتٍ لا يريدونها، وارتماءات في أحضان إسرائيل، العدو الرئيسي للأمة وللوطن، كما لا يريدها أهل السويداء الوطنيون العروبيون، وهم أغلبية مطلقة في جبل العرب، حيث لا يشكّل هؤلاء الذين يستقوون بالإسرائيلي إلا قلة قليلة لا تعبّر، ويجب ألا تعبّر، عن جموع السوريين في السويداء وخارجها. نعود إلى القول إن الدفع الجدي بمسار العدالة الانتقالية، ومن ثم المضي به مباشرة في السويداء خاصة، وبعدها في كل أصقاع الجغرافيا السورية، بات ضرورة ملحّة ومهمّة أيما إلحاح، ولوجاً بمسألة السلم الأهلي المبتغى. وبغير ذلك، حسب رؤية الكاتب، قد يكون الاستقرار السوري برمته، ليس فقط في السويداء، صعباً وخطراً، لأن من السهل العمل عليها خارجيّاً من إسرائيل وسواها، إن لم يسارع السوريون إلى كبح جماحها وعرقلتها كليّاً عبر الإصرار المباشر على المضي في مسار العدالة الانتقالية في السويداء وخارجها. وهذا عمل سياسي وطني مطلوب من الحكومة السورية الحالية التي عليها حقّاً الاشتغال عليه ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً. وبشكل سريع، قبل أن تكون هناك انزياحات كبرى قد تؤدّي إلى تفتّت الوضع السوري وتشظّيه. فهل من مستمع لذلك ضمن الفاعلين الأساسيين من أهل الحكم في دمشق؟ كما أن الأمل ما زال قائماً والتعويل عليه ممكناً، في مقبل الأيام، من أجل سورية ديمقراطية تعدّدية، تعمل على إقامة دولة المواطنة المطلوبة شعبيًاً.

منير القادري يتنحى لأخيه عن 'مشيخة' أشهر زاوية صوفية في المغرب- (تدوينات)
منير القادري يتنحى لأخيه عن 'مشيخة' أشهر زاوية صوفية في المغرب- (تدوينات)

القدس العربي

timeمنذ 12 ساعات

  • القدس العربي

منير القادري يتنحى لأخيه عن 'مشيخة' أشهر زاوية صوفية في المغرب- (تدوينات)

الرباط- 'القدس العربي': تجسدت السماحة الروحية لإحدى الزوايا المغربية الأكثر انتشارًا وتأثيرًا، وهي الزاوية البودشيشية، في تنازل أخٍ لأخيه عن المشيخة بعد وفاة والدهما جمال الدين القادري بودشيش عن عمر ناهز 83 سنة، قضاه كله في خدمة التصوف السني والتربية الروحية. وبعد جدل الأحقية الذي لم يدم طويلًا، أعلن منير القادري بودشيش، شيخ الزاوية القادرية البودشيشية، عن تنازله وتسليم المشيخة لأخيه معاذ، داعيًا المريدين والمريدات إلى الالتفاف حول الشيخ الجديد للزاوية الدينية، مؤكدًا أن قراره جاء بعد استخارة وتقدير للمصلحة العامة للطريقة، وأن المشيخة تكليف وليست تشريفًا، وأن حفظ وحدة الأسرة الروحية للطريقة أوجب من أي اعتبار آخر. البيان الذي أصدره منير واطلعت 'القدس العربي' عليه، أوصى 'فقيرات وفقراء' الزاوية (صفة المريد لدى أتباع الطريقة الصوفية) بكف 'الألسن عن الجدال'، وإغلاق أبواب التأويلات والظنون، 'فطريقنا أدب وستر ووفاء'، يقول بودشيش مستشهدًا بالآية الكريمة: ﴿واعتصِموا بحبلِ الله جميعًا ولا تفرّقوا﴾. وما زاد من مفاجأة تنحي منير القادري، كون والده جمال الدين أوصى بنقل المشيخة إليه بعد وفاته، كما نال هو شرف قيادة الزاوية بوصية من والده التي تعود إلى عام 1990، ولم يُعلن عن فحواها سوى في عام 2017. وتحولت قرية مداغ الواقعة في ضواحي مدينة بركان (شرق البلاد)، منذ وفاة شيخ الطريقة البودشيشية، يوم الجمعة الماضي، إلى عاصمة المتصوفة الذين حجّوا من كل بقاع العالم لوداع جمال الدين القادري بودشيش. وكانت جنازته مهيبة حضرتها شخصيات وازنة في السياسة والثقافة والفكر والدين، وشكلت وفاته خبرًا حزينًا تناقلته مختلف المنابر الإعلامية المحلية ومعها الصحافة العربية. ويُعتبر الراحل الشيخ جمال الدين أحد رموز التصوف المغربي المعاصر، وُلد سنة 1942 بقرية مداغ (إقليم بركان)، وتلقى تعليمه الأولي في الزاوية، قبل أن يُكمل دراسته بثانوية مولاي إدريس بفاس، ومنها إلى كلية الشريعة، ثم دار الحديث الحسنية في الرباط، حيث حصل على دبلوم الدراسات العليا في العلوم الإسلامية، قبل أن يناقش سنة 2001 أطروحة دكتوراه بعنوان 'مؤسسة الزاوية في المغرب بين الأصالة والمعاصرة'. وكان الراحل قليل الظهور إعلاميًا، في مناسبات معدودة مثل عيد المولد النبوي الشريف، وخصص وقته للتفرغ الكامل للزاوية والتربية الصوفية الروحية. وقبيل مرضه، حرص في كانون الثاني/يناير المنصرم على إعلان وصيته بنقل الأمانة الروحية إلى ابنه منير القادري بودشيش. وتحتل الزاوية القادرية البودشيشية مكانة مميزة وبارزة جدًا في المشهد الصوفي المحلي والعالمي، وتُعتبر من الطرق الروحية الأكثر انتشارًا وتأثيرًا، ويعود أصل تسميتها بالقادرية إلى الشيخ مولاي عبد القادر الجيلالي الشهير، وترجع إلى القرن الخامس الهجري، أما تسمية البودشيشية فقول بعض الرواة ومعهم مراجع تاريخية إنها ظهرت مع الشيخ سيدي علي بن محمد، الذي لُقِّب به لكونه كان يطعم الناس بزاويته 'الدشيشة'، وهي وجبة قريبة من الكسكس، وذلك سنوات المجاعة، والتصق به هذا اللقب حتى صارت 'الزاوية البودشيشية'. وتشير تقديرات إلى أن قرية مداغ تستقبل نحو 250 ألف متصوف في المناسبات الكبرى، خاصة في ذكرى المولد النبوي، حيث تُقام ليالٍ من المديح والذكر والصلاة، وفق الطريقة المتبعة في الزاوية، التي تعدّت حدود شهرتها إلى خارج الوطن. ويجد الزائر نفسه أمام عدد كبير من السيارات والحافلات المركونة بجانب مقر الزاوية، التي حملت المريدين من جنسيات مختلفة وأعراق عديدة، وكلهم يتوحدون في الذكر ومحبة الله ورسوله، كما يرتدي عدد كبير منهم الجلباب المغربي بكل لوازمه من بلغة وطربوش أو رزة. وعرفت الزاوية عهدًا جديدًا جاء على إثر وفاة شيخ الطريقة آنذاك أبو مدين القادري، الذي خلفه الشيخ العباس القادري البودشيشي، وكان ذلك عام 1955، حيث بدأ امتداد الطريقة الصوفية واشتهارها بشكل متزايد. وفي عام 1972، بعد وفاة الشيخ العباس، نال المشيخة ابنه حمزة، وفي عهده زادت شهرة الطريقة بشكل غير مسبوق، وتحولت القرية الصغيرة إلى قبلة عالمية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store