logo
خطورة خطاب الازدراء والتحريض الطائفي المتصاعد ضد شيعة العراق

خطورة خطاب الازدراء والتحريض الطائفي المتصاعد ضد شيعة العراق

موقع كتابات١٠-٠٥-٢٠٢٥

تطوَّر بعض الخطاب السُّني العراقي الطائفي بشكل كبير نحو مزيد من التطرّف بعد سيطرة عصابات الجولاني على سوريا، وبدأ يتحوّل من شعورٍ بالنشوة والثقة بالنفس إلى تهديدٍ علني للشيعة، واستعدادٍ ميداني لمهاجمة النظام السياسي العراقي، والدعوة إلى العودة بالقوة لاحتكار السلطة في العراق، والانتقام من الشيعة.
هذا الخطاب يقوم على وهمٍ كبيرٍ ينتجه عقلٌ أخرق، يشبه البناء على أرض طينية مشبعة بمياه آسنة، مما سيؤدي إلى غرق أصحابه ومروِّجيه وهلاك أتباعه. فهؤلاء الطائفيون الحالمون قد لا يدركون أن أمنهم واستقرارهم وثقتهم الحقيقية بأنفسهم لا تتحقق إلّا من خلال تعايشٍ إيجابي مع أهلهم الشيعة، في العراق والمنطقة، ومن خلال الكفّ عن التحريض ضدهم والتآمر عليهم، والقبول بالواقع الديموغرافي والسياسي العراقي.
وخلاصة هذا الواقع هي أن العرب السنّة أقلية مذهبية وقومية (16% فقط من عدد سكان العراق)، في حين أن الشيعة يشكّلون الأغلبية الساحقة (65% من سكان العراق)، وأن السنة العرب لن يعودوا إلى احتكار السلطة في العراق، بل لن يتقاسموا قرار الدولة والحكم مع الشيعة مناصفةً، لا اليوم ولا غداً، ولا في المستقبل البعيد، حتى لو استعانوا بكل دول العالم، وليس فقط بعصابات الجولاني أو إرهابيي داعش والقاعدة، أو فلول البعث، أو حكّام تركيا والسعودية وقطر والأردن. فهذه الأوهام ينبغي أن تتلاشى إلى غير رجعة. أما المكابرة والاستغراق في الأحلام والاتكال على الخارج فلن تجديهم نفعاً، بل ستدخلهم في أنفاق مظلمة ومتاهات لا نهاية لها.
ومن بديهيات مخرجات النظام الديمقراطي أن تكون مفاصل الدولة العراقية وقراراتها التشريعية والتنفيذية والقضائية والأمنية بيد الشيعة، كما هو الحال في معظم دول العالم، حيث تتولى الأكثرية القومية أو المذهبية أو الدينية قيادة الدولة وإدارة الحكم. وقد بدأ الشيعة في العراق، منذ عام 2003، يتدرجون في امتلاك عناصر القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية والدينية والاجتماعية، حتى بلغوا مستويات غير مسبوقة منذ قرون طويلة. ولا يعلم كثير من العراقيين، سنة وشيعة، أن 20% فقط من عديد القوات المسلحة العراقية وعدتها، قادرة ــ بحسب المعطيات العسكرية ــ على الاستيلاء على دمشق خلال شهر واحد، وهو ما يجعل الاستقواء النفسي والدعائي بعصابات الجولاني لا يعدوا أن يكون عبثاً أخرق.
ولعل من الواجب أن يسجد سنّة العراق لله شكراً كل يوم، على ما يتمتعون به من امتيازات كبيرة لا تحلم بها أي أقلية أخرى في العالم، بل لم يكونوا يتمتعون بها حتى في عهد النظام البعثي، وخاصة على مستوى أوضاعهم المعيشية والمالية والاقتصادية والدينية. كما ينبغي لهم أن يشكروا أهلهم الشيعة الذين لم يعاملوهم كما عاملهم نظام البعث السني، ولم يحمِّلوهم وزر طائفية ذلك النظام وعنصريته وظلمه وقمعه وتهميشه للشيعة، بل جعلوهم شركاء أساسيين في الحكم، ومنحوهم رئاسة أعلى سلطة تشريعية في الدولة، إلى جانب العديد من المناصب العليا التي يُحرم منها الشيعة في البلدان الأخرى التي يشكّلون فيها نسبًا تفوق نسبة السنة العرب في العراق بكثير.
ويتزامن خطاب التحريض الطائفي المتصاعد ضد الشيعة مع خطاب الازدراء؛ فمفردات مثل 'الشروگ'، 'الصفويين'، 'العتاگه'، 'العجم'، 'الذيول' وغيرها، هي مصطلحات يستخدمها الطائفي العراقي للتعبير عن ازدرائه للشيعة والتحريض عليهم، دون أن يذكر كلمة 'الشيعة' مباشرة، مراوغةً وتجنّباً للمواجهة المباشرة. ويستهدف بهذا الأسلوب خداع بعض الشيعة المغفّلين أو المنسلخين عن هويتهم، لإيهامهم بأنه لا يقصدهم، بل يقصد فئات معينة. وهذا الأسلوب ليس جديداً؛ فقد كان يستخدمه النواصب والطائفيون سابقاً عندما كانوا يصفون الشيعة بالرافضة والغلاة والمشركين، لتجنّب المواجهة المباشرة معهم. وكان ابن تيمية التكفيري من أبرز من مارس هذه المخاتلات.
وكان هناك من الشيعة من يبرّر صمته آنذاك، بزعم أنه ليس مقصوداً بتلك الأوصاف. وهو ما يحدث اليوم أيضاً؛ حيث يُقنع بعض الشيعة أنفسهم بأن مصطلحات مثل 'الشروگي'، أو 'الصفوي'، أو 'العجمي'، أو 'الذيل'، أو 'العتاگ' لا تستهدفهم، وإنما تستهدف مناطق أو وظائف أو تيارات سياسية ودينية بعينها. لكن الحقيقة أن الطائفي يقصد بهذه المصطلحات جميع الشيعة دون استثناء: إسلاميين أو علمانيين، مؤمنين أو ملحدين، متمسكين بهويتهم أو منسلخين عنها، حكّاماً أو معارضين، سياسيين أو دينيين. ومن أراد خداع نفسه والتهرّب من واجب الدفاع عن النفس، فذلك شأنه.
ولا شك أن الاستمرار في التصعيد العدواني والتحريضي ضد الشيعة، والدفع بالبعثيين والتكفيريين نحو مزيد من التغلغل في مفاصل الدولة، والعمل على تخريبها من الداخل، واستخدام المصطلحات الطائفية والعنصرية بهدف الازدراء، والاستعانة بالأنظمة السنية الطائفية، يؤدي تلقائياً إلى ردود أفعال تصعيدية مقابلة من القواعد الشعبية والنخب الشيعية. لذلك، ينبغي مواجهة هذه الموجة المرَضيّة الجديدة المتصاعدة، ومنع انتشار عدواها وتحولها إلى وباء، وتنفيس احتقان الشارع الشيعي للحيلولة دون تفجّره، كما حدث في عامي 2006 و2014.
ولعل الوسائل الآتية كفيلة بذلك:
قيام المواطنين وممثليهم في مجلس النواب بمقاضاة كل مَن يستخدم هذا الخطاب وتلك المصطلحات الطائفية ويروج لها، بغض النظر عن صفته أو موقعه.
مبادرة الادعاء العام بمقاضاتهم أيضاً استناداً إلى الحق العام، تمهيداً لاتخاذ قرارات قضائية صارمة وفرض عقوبات رادعة.
التحضير لتنظيم احتجاجات شعبية مدنية.
فرض العزلة السياسية على الأفراد والمجموعات الداعمة لهذا الخطاب.
التفكير الجاد في تقنين شيعية الدولة العراقية، ثقافياً وقانونياً وسياسياً.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أوربا والعرب وإسرائيل
أوربا والعرب وإسرائيل

الزمان

timeمنذ 5 ساعات

  • الزمان

أوربا والعرب وإسرائيل

أوربا والعرب وإسرائيل – جاسم مراد الوضع العربي الرسمي يعيش مفارقة ، أسست لفردانيتها في التاريخ ، ففي الوقت الذي تنهض فيه أوروبا أو بعض من الدول الأوروبية لمعاقبة إسرائيل لجرائم الإبادة الجماعية التي تمارسها ضد أطفال ونساء غزة ، يسكت العرب حتى عن تجميد الاتفاقيات مع هذا الكيان بسبب جرائمه ضد الشعب الفلسطيني ، وفي الوقت ذاته تعلن بريطانيا عن تجميد بيع الأسلحة لإسرائيل واستدعاء سفيرة هذا الكيان لدى بريطانيا ابلاغها ادانة بريطانيا للحرب في قطاع غزة والضفة الغربية ، تشعر الدول العربية وجامعتها بالتيه والحيرة بما تريد ان تفعله . أوروبا بدأت بإدانة إسرائيل والعمل على فرض عقوبات على بعض الوزراء الإسرائيليين العنصريين الداعين لتدمير غزة وقتل وتهجير شعبها ، والعرب ارسلوا لقمة بغداد ادنى المشاركات لكي لا تتخذ مواقفً قيادية رسمية عربية ضد إسرائيل ومن يدعمها في حربها الجنونية على شعب غزة ، شعوب أوروبا واحزابها ومنظماتها ، تثأر لغزة ، والشعوب والأحزاب والمنظمات والمشايخ والشخصيات والكيانات الإسلامية والأحزاب العربية تلوي اعناقها وتستعجل الذهاب الى النوم لكي لا تسمع صراخ أطفال غزة وبكاء الأمهات ، أي أمة نحن صحيح انها احسن أمة ..؟ ، أم إن هذه الامة بكل مؤسساتها تم تدجينها وسلخ جلدها بحيث لا تقوى حتى لكلمة حق في زمن الباطل . في هذا الزمن العربي الرديء ، الذي بات فيه الأطفال العرب والنساء الثكالى يلوون رقابهم بغية الحصول على كسرة خبز وحفنة ماء من الاوربيين شعوبا ودول ، في حين نسوا أو بالأحرى اجبروا على النسيان إن في هذه الأرض التي تسمى لغة الضاد ترليونات من الأموال ولم يحصلوا منها ليس الخبز والماء وإنما على موقف جمعي شجاع ، يقول لإسرائيل كل اتفاقياتنا وعلاقاتنا وتواصلنا مجمد ،( لا نقول ملغية) بل مجمدة حتى توقف حرب الإبادة ويصل الماء والغذاء والدواء لشعب غزة . نحن الان في مرحلة مفصلية ، ومن يتصور بأنه بمأمن بما يجري في غزة ، فهو واهم ، إذ كان ذلك من غضب الله ، أو من عسكري شجاع ، أو من شعب طفح كيله ولم يعد امامة سوى النهوض والخروج الى الشوارع لرسم خارطة جديدة لأمة نهشت جسمها الضباع قبل الذئاب . اين رجال الامة راحوا وأين رجال الدين من نساء تغتصب وأطفال تقطع وشيوخ وقت فجر الصلاة يذبحون، دعوني احلفكم ب لله لو تحدثنا بكلمة لخطاب غير متوازن لرجل دين ، الا ينتشر المسلحون وتصرخ المآذن ويحكي انصاف السياسة والحكم ، اقتلوه أنه زنديق ، فلماذا إذن تخرس الافواه ويلوي خطباء المساجد السنتهم ، حتى لا يدعون الى موقف ينتصر للمذبوحين من المسلمين في غزة . شكراً لبريطانيا بوقف بيع الأسلحة لإسرائيل ، والعمل على الاعتراف بالدولة الفلسطينية ، لكن على بريطانيا اكثر من غيرها من الدول الأوروبية فهي التي جاءت بإسرائيل الى فلسطين وهي التي أرغمتهم للخروج من البلاد العربية والذهاب الى فلسطين ، فعليها إذن ان تتخذ خطوات اكثر فعالية على مستوى بريطانيا ذاتها وفي المجال الأوربي لمقاطعة إسرائيل وادانتها ونصرة الشعب الفلسطيني المظلوم . الفلسطينيون لا يريدون رثائهم ولا هم يقبلون بالبكاء عليهم ، كما لا يريدون المواقف الذليلة من العرب وجامعتهم ، فهم ابطال بواسل ، وإنما كل ما يريدونه ، أن يكون الموقف العربي بمستوى موقف الطفل الغزاوي ، الذي يقول نحن ابطال غزة رغم الجراح والموت لانهزم . أوروبا التي تتغني بالإنسانية وحقوق الانسان والطفل ، هي امام امتحان حقيقي لما يجري في غزة ، والعرب الذي يصلّون ويزعمون أنهم على طريق النبي ماشين ، عليهم ان يثبتوا انتمائهم لهذه الامة ومركز اشعاعها النبي محمد .

في ذكرى رحيله الأولى.. عراقجي ينفي ضلوع إسرائيل بمصرع رئيسي: الحمد لله
في ذكرى رحيله الأولى.. عراقجي ينفي ضلوع إسرائيل بمصرع رئيسي: الحمد لله

شفق نيوز

timeمنذ 2 أيام

  • شفق نيوز

في ذكرى رحيله الأولى.. عراقجي ينفي ضلوع إسرائيل بمصرع رئيسي: الحمد لله

شفق نيوز/ نفى وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، يوم الاثنين، الاتهامات التي وُجهت لإسرائيل بالضلوع في حادثة سقوط المروحية التي أودت بحياة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي، تزامناً مع الذكرى الأولى لوفاته. وقال عراقجي في مقابلة مع التلفزيون الإيراني: "المعطيات الحالية لا تشير إلى أي دور خارجي ولم يكن نتيجة عمل عدائي إسرائيلي"، مضيفاً: "الحمد لله تبيّن أن ما حدث للرئيس إبراهيم رئيسي ليس من تدبير إسرائيل". وأضاف "في تلك الأيام راودتنا أفكار من قبيل أن قتل رئيسي قد يكون نتيجة مخطط من العدو أو النظام (الإسرائيلي)، لكن تبيّن لاحقاً أن الأمر لم يكن كذلك". وجاءت تصريحات عراقجي عشية الذكرى السنوية الأولى لمصرع رئيسي ومرافقيه من بينهم وزير الخارجية الأسبق حسين أمير عبد اللهيان، في حادثة سُجّلت كواحدة من أكثر الكوارث الجوية مأساوية في إيران الحديثة في 19 أيار/مايو 2024. وفي 31 تموز/يوليو الماضي، ألمح محمد مهدي إسماعيلي وزير الثقافة في حكومة رئيسي إلى تورط إسرائيل في قتل رئيسي.

في ذكرى رحيله الأولى.. عراقجي ينفي ضلوع إسرائيل بوفاة رئيسي: الحمد لله
في ذكرى رحيله الأولى.. عراقجي ينفي ضلوع إسرائيل بوفاة رئيسي: الحمد لله

شفق نيوز

timeمنذ 2 أيام

  • شفق نيوز

في ذكرى رحيله الأولى.. عراقجي ينفي ضلوع إسرائيل بوفاة رئيسي: الحمد لله

شفق نيوز/ نفى وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، يوم الاثنين، الاتهامات التي وُجهت لإسرائيل بالضلوع في حادثة سقوط المروحية التي أودت بحياة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي، تزامناً مع الذكرى الأولى لوفاته. وقال عراقجي في مقابلة مع التلفزيون الإيراني: "المعطيات الحالية لا تشير إلى أي دور خارجي ولم يكن نتيجة عمل عدائي إسرائيلي"، مضيفاً: "الحمد لله تبيّن أن ما حدث للرئيس إبراهيم رئيسي ليس من تدبير إسرائيل". وأضاف "في تلك الأيام راودتنا أفكار من قبيل أن قتل رئيسي قد يكون نتيجة مخطط من العدو أو النظام (الإسرائيلي)، لكن تبيّن لاحقاً أن الأمر لم يكن كذلك". وجاءت تصريحات عراقجي عشية الذكرى السنوية الأولى لمصرع رئيسي ومرافقيه من بينهم وزير الخارجية الأسبق حسين أمير عبد اللهيان، في حادثة سُجّلت كواحدة من أكثر الكوارث الجوية مأساوية في إيران الحديثة في 19 أيار/مايو 2024. وفي 31 تموز/يوليو الماضي، ألمح محمد مهدي إسماعيلي وزير الثقافة في حكومة رئيسي إلى تورط إسرائيل في قتل رئيسي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store