
رغم وقف النار.. إيران وإسرائيل تواصلان الحرب في الفضاء السيبراني
وتراوحت الهجمات الأخيرة بين سرقة منصة تداول عملات رقمية إيرانية وتصاعد رسائل التصيد الإلكتروني الموجهة التي تستهدف شخصيات إسرائيلية بارزة، والتي اتهمت شركة الأمن السيبراني "تشيك بوينت" دبلوماسيين إيرانيين بـ"تنفيذها"، وفق ما نقلت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية.
وقالت الشركة إنه منذ انتهاء الحرب بين إيران وإسرائيل، حاولت جماعات متحالفة مع طهران استغلال ثغرة أمنية تم اكتشافها مؤخراً في اختراق عالمي لبرنامج خادم "مايكروسوفت" لمهاجمة شركات إسرائيلية.
وقال بوعز دوليف، الرئيس التنفيذي لشركة استخبارات التهديدات الإلكترونية الإسرائيلية "كلير سكاي": "رغم وقف الحرب في العالم المادي، إلا أن الهجمات لم تتوقف في الساحة السيبرانية".
وأضاف دوليف أن "جماعات مرتبطة بإيران نفذت بدورها هجمات اختراق ضد حوالي 50 شركة إسرائيلية، بالإضافة إلى نشر برمجيات خبيثة في محاولة لتدمير أنظمة الكمبيوتر الإسرائيلية"، وفق قوله.
وذكر دوليف أن الدفاعات السيبرانية للجيش الإسرائيلي "لم تُخترق"، لكن الشركات الصغيرة في سلاسل التوريد الخاصة بها، "كانت أهدافاً أسهل". وشملت هذه الشركات مجموعات الخدمات اللوجستية والوقود، بالإضافة إلى شركات الموارد البشرية، حيث سرب المتسللون لاحقاً السير الذاتية لآلاف الإسرائيليين الذين عملوا في مجال الدفاع والأمن.
عمليات تجسس وحرق منصة تداول رقمية
وقالت الصحيفة إن الهجمات السيبرانية بين البلدين ليست أمراً جديداً، إذ يُعتقد على نطاق واسع أن إسرائيل تقف وراء فيروس "ستوكسنت" الذي دمر أجهزة الطرد المركزي في محطة "نطنز" الإيرانية للتخصيب عام 2010، ويُعتقد أن إيران، من جانبها، مسؤولة عن سلسلة من الهجمات التي استهدفت البنى التحتية للمياه في إسرائيل عام 2020.
وفي الإطار، قال ستار هاشمي، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الإيراني، مؤخراً أن إيران "تعرضت لأكثر من 20 ألف هجوم سيبراني خلال الحرب"، وهي أوسع حملة من هذا النوع في تاريخ البلد.
ومن بين الهجمات، تلك التي عطّلت أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية، عندما بدأت الطائرات الإسرائيلية غاراتها الجوية في 13 يونيو، لكن الدور الأهم الذي لعبه العالم الرقمي في تحديد مسار الحرب، كما يقول محللون ومسؤولون إسرائيليون سابقون، كان حملة التجسس الإلكتروني التي سبقتها.
وقالت "فاينانشيال تايمز"، إن هذه الهجمات ساعدت إسرائيل على بناء ملف تعريفي مُفصّل للغاية لعلماء النوويين والمسؤولين العسكريين الإيرانيين، ما مكّنها من تحديد موقع أكثر من 12 منهم واغتيالهم في بداية هجومها.
بدوره، قال ميني بارزيلاي، خبير الأمن السيبراني، الذي شغل منصب كبير مسؤولي أمن المعلومات في أجهزة استخبارات الجيش الإسرائيلي، إن الهجوم على الدفاعات الجوية الإيرانية "كان تكتيكياً".
وأضاف: "كان الهجوم محدداً للغاية، للسماح لإسرائيل بالمبادرة. كان جمع المعلومات الاستخباراتية هو العامل الأكبر الذي غيّر قواعد اللعبة".
وفي الأيام الأولى للحرب، قامت مجموعة Gonjeshke Darande "جونجيشكي داراندي"، وهي مجموعة قرصنة تُعتبر على نطاق واسع متحالفة مع إسرائيل، بحرق 90 مليون دولار من منصة تداول العملات المشفرة الإيرانية "نوبيتكس" عن طريق إيداعها في محافظ رقمية دون مفاتيح وصول خاصة، متهمةً المنصة بأنها "أداة" للنظام.
كما هاجمت المجموعة بنكين إيرانييْن رئيسييْن، ما أدى إلى تعطيل مجموعة واسعة من الخدمات في بنك "سيباه" المملوك للدولة، والتابع للقوات المسلحة، وبنك "باسارجاد" الخاص.
وصرحت شركة "دوتين"، لخدمات التكنولوجيا التي تُقدم برمجيات لكلا البنكين، بأن الهجوم ألحق أضراراً بالأجهزة، ونجح في تعطيل مراكز البيانات الرئيسية والاحتياطية ومراكز الكوارث في البنكين.
اختراق نظام القيادة الإسرائيلي
وفي الوقت نفسه، أرسل المتسللون الإيرانيون، آلاف الرسائل المزيفة التي بدت وكأنها صادرة عن نظام القيادة الداخلية الإسرائيلي، الذي يصدر أوامر السلامة العامة في حالات الطوارئ، والتي تأمر الناس بتجنب ملاجئ الغارات الجوية.
كما سعوا إلى اختراق كاميرات المراقبة في إسرائيل، وهو تكتيك قال أحد المطلعين على الوضع إنه "يمكن استخدامه للتحقق من أماكن سقوط الصواريخ".
وفي إيران، على النقيض من ذلك، أثار خرق دفاعاتها السيبرانية حالة من القلق، حيث أعلن النائب الأول للرئيس محمد خاتمي أن طهران "لن تقبل أي هجوم من هذا النوع".
وقال محمد جواد آذري جهرمي، المدير الفني السابق بوزارة الاستخبارات الإيرانية: "أحد نقاط الضعف هو مركزية تخزين البيانات في طهران".
وأضاف: "القادة المستهدفين في الغارات الإسرائيلية سجلوا أرقام هواتف ورموزاً بريدية لحساباتهم المصرفية، بينما احتفظت منظمة الدعم المستهدف الحكومية ببيانات شخصية مفصلة عن جميع السكان".
ومع ذلك، قال خبير الأمن السيبراني بارزيلاي إنه "لا يتوقع أن تتوقف الجماعات الموالية لإيران عن شن المزيد من الهجمات الإلكترونية على إسرائيل، لأسباب ليس أقلها أنها وسيلة أسهل بكثير للرد من المزيد من العمل العسكري بعد الأضرار الجسيمة التي لحقت بطهران في الحرب الفعلية"، وفق قوله.
وأضاف أن "الإنكار المعقول الذي تتيحه الهجمات الإلكترونية يعني أن كلا الجانبين يمكن أن يستمرا في تبادل الضربات، رغم الضغوط من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي توسط في وقف إطلاق النار، لعدم استئناف الأعمال العدائية".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق السعودية
منذ 6 دقائق
- الشرق السعودية
إدارة ترمب تخفف انتقاداتها لإسرائيل والسلفادور في تقرير حقوق الإنسان
أجرت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تغييرات كبيرة على تقرير رئيسي للحكومة الأميركية عن حقوق الإنسان في أنحاء العالم، إذ خففت بشكل ملحوظ انتقاداتها لبعض الدول التي ترتبط بشراكة قوية مع الرئيس الجمهوري، مثل السلفادور وإسرائيل، والتي تقول جماعات حقوقية إن لديها سجلات حافلة في انتهاك حقوق الإنسان. وبدلاً من ذلك، أطلقت وزارة الخارجية الأميركية في تقريرها االسنوي لحقوق الإنسان لعام 2024، تحذيراً بشأن تراجع حرية التعبير في أوروبا وصعّدت انتقاداتها للبرازيل وجنوب إفريقيا اللتين تصادمت واشنطن معهما حول مجموعة من القضايا. وأشارت واشنطن إلى غزو روسيا لأوكرانيا بشكل رئيسي باسم "الحرب الروسية الأوكرانية". وكان الجزء المخصص لإسرائيل في التقرير أقصر بكثير من إصدار العام الماضي، ولم يتضمن أي ذكر للأزمة الإنسانية الحادة في غزة أو عدد الضحايا هناك. وتقول وزارة الصحة في غزة إن نحو 61 ألف شخص سقطوا ضحايا نتيجة الحملة العسكرية الإسرائيلية على القطاع منذ 7 أكتوبر 2023. وقال مسؤولون حكوميون رفضوا الكشف عن هويتهم، إن صدور التقرير تأخر لأشهر، حيث أجرى مسؤولون معينون من قبل ترمب تعديلات جوهرية على مسودة سابقة لوزارة الخارجية لتتماشى بشكل كبير مع قيم "أميركا أولاً"، وفق رويترز. وأضاف التقرير فئات جديدة مثل "الحياة" و"الحرية" و"الأمن الشخصي". الأوضاع في السلفادور وفي ما يتعلق بالسلفادور، ذكر التقرير أنه "لم ترد تقارير موثوقة عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان"، وذلك في تناقض صارخ مع تقرير عام 2023 الذي أشار إلى "مشكلات كبيرة في مجال حقوق الإنسان" وسرد تقارير موثوقة عن عمليات قتل غير قانونية أو تعسفية وتعذيب وظروف قاسية في السجون تشكل تهديداً للحياة. وتعززت العلاقات الثنائية بين واشنطن والسلفادور منذ تولي ترمب منصبه، حيث رحّلت الإدارة الأميركية أشخاصاً إلى السلفادور بمساعدة الرئيس السلفادوري نجيب أبو كيلة الذي تتلقى بلاده ستة ملايين دولار من الولايات المتحدة لإيواء المهاجرين في سجن ضخم شديد الحراسة. انتقائية أميركية وتخلت إدارة ترمب عن النهج الأميركي التقليدي في الترويج للديمقراطية وحقوق الإنسان، معتبرة ذلك تدخلاً في شؤون الدول الأخرى، لكنها في الوقت نفسه تنتقد الدول بشكل انتقائي بما يتماشى مع سياستها الأشمل تجاه كل دولة بعينها. وجرى إعداد تقرير هذا العام بعد عملية تجديد شاملة للوزارة، شملت فصل مئات الأشخاص، كثير منهم من مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل التابع للوزارة، والذي يتولى زمام المبادرة في كتابة التقرير. وفي أبريل، كتب وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، مقال رأي قال فيه إن المكتب أصبح منبراً "للنشطاء اليساريين"، مشيراً إلى أن إدارة ترمب ستعيد توجيه المكتب للتركيز على "القيم الغربية".


الشرق الأوسط
منذ 6 دقائق
- الشرق الأوسط
فشل يقود إلى فشل
الأرجح أن ليس من جديد في القول إن رئيس وزراء حكومة الحرب الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، يخوض عدداً من الحروب على جبهات عدة، وفي أكثر من أرض، وبالتالي تتنوع مسارح المعارك بين قتال بأحدث أنواع السلاح، وأشدها فتكاً وتدميراً، كما الحاصل في الحرب الهمجية على شعب قطاع غزة، وبين تسارع المواجهات السياسية ذات الصلة بها، على صعيد عالمي. نعم، صحيح أن ما سبق قوله ليس جديداً، إنما التذكير به مطلوب في ضوء تصاعد إيقاع الرفض الدولي لخطط نتنياهو بشأن توسيع رقعة الحرب، بحيث تشمل إحكام السيطرة عسكرياً على مدينة غزة ذاتها، عاصمة القطاع ومركز الثقل فيه. القول إن المجلس الوزاري المصغر، المعروف في تل أبيب باسم «الكابينت»، أقر الأحد الماضي مخطط «الاحتلال الكامل» لغزة، يتجاهل أن الاحتلال الكامل قائم أساساً، ورغم أن مظهره العسكري غير ملموس، فإن أشكالاً عدة له تؤكد وجوده. إنما، لماذا إذ تشارف الحرب على إكمال عامها الثاني، يتفتق ذهن نتنياهو عن خطته تلك بوصفها، وفق زعمه، الحل الذي سيوصل إلى وضع حد نهائي لها؟ الإجابة ليست بحاجة إلى كثير عناء، وخلاصتها أنه فشل في تحقيق كل الأهداف التي وضعها، هو وفريق المتطرفين المتحالف معهم، للحرب منذ أطلقها رداً على هجوم «طوفان الأقصى». فهو فشل في اقتلاع حركة «حماس» من جذورها خلال الأسابيع الأولى لبدء المعارك، كما ادعى آنذاك. وهو فشل في إطلاق سراح الرهائن كافة، كما زعم حينها، من دون شروط، وبلا تفاوض مع «حماس». على النقيض من ذلك، وبعد ضغوط مكثفة من عائلات الرهائن، اضطر إلى المشاركة في أكثر من جولة مفاوضات مع الحركة للحصول على حرية بعض الرهائن، مقابل الإفراج عن أعداد من الأسرى الفلسطينيين. الأسوأ، بالنسبة للرهائن وعائلاتهم، أن عدداً منهم قُتل أثناء غارات إسرائيلية. هذا الفشل الذريع واضح للجميع، فهل مخطط «الاحتلال الكامل» هو المَخْرَج؟ كلا، بل من المؤكد أن الفشل سيكون مصير مخطط نتنياهو الجديد أيضاً لأسباب عدة؛ بيْن أهمها أنه يتخبط في كيفية التعامل مع جبهات الحروب التي يخوضها في غير مكان، بدءاً من معاركه داخل إسرائيل ذاتها، حيث يزداد زخم الاعتراض على استمراره في رئاسة الحكومة، وترتفع أصوات سياسيين كثر، من كل التيارات، تطالبه بالاستقالة، وصولاً إلى ضغوط عالمية هائلة تتراكم كل يوم ضد سياساته. فها هي ألمانيا توقف تصدير أي سلاح يمكن لإسرائيل استخدامه في قطاع غزة. وهذه أستراليا تنضم إلى قائمة الدول التي عزمت على الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة خلال دورة الجمعية العامية للأمم المتحدة الشهر المقبل. نعم، من فشل إلى آخر يمضي نتنياهو، لكنه نجح في تشتيت شمل الغزيين، وتدمير بلدهم. بيد أن هذا النجاح لم يكن ليتم لولا سوء تقدير قيادة «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، لتبعات هجوم «طوفان الأقصى»، كما يراها العالم كله، حتى الآن، ولا أحد يعلم ما إذا كان المختبئ من الفظائع سيكون أفظع كثيراً، أم لا، على أكثر من صعيد.


الشرق الأوسط
منذ 6 دقائق
- الشرق الأوسط
الطريق المسدود؟
في عدد الثاني من أغسطس (آب) 2025 نشرت مجلة «ناشونال انتريست» مقالاً تحت عنوان «إسرائيل في مأزق استراتيجي» للبروفسور شاي فيلدمان، المدير السابق لمركز كراون للشرق الأوسط أستاذ العلوم السياسية في جامعة برانديز الأميركية. الفقرة الأولى من المقال على الوجه التالي: «وصلت حرب إسرائيل في غزة إلى طريق مسدود من الناحية الاستراتيجية. فعلى مدى الأشهر الأخيرة، حققت إسرائيل نجاحاً باهراً في عرقلة البرنامج النووي الإيراني لسنوات عدة على الأقل، وفي تقليص التهديد الذي يشكّله «حزب الله» بشكل كبير. وعلى النقيض من ذلك، وبالقياس إلى الأهداف المعلنة من قِبل الحكومة الإسرائيلية نفسها، فإن نتائج القتال الذي استمر 22 شهراً في غزة تُعدّ كارثية. لا توجد مؤشرات على انهيار وشيك لحركة حماس؛ بل على العكس، فرغم أن الجيش الإسرائيلي يُقال إنه سيطر على 75 في المائة من أراضي قطاع غزة، فإن تقييماً موثوقاً نُشر مؤخراً يؤكد أن نصف (!) سكان غزة يتركزون حالياً في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة «حماس». ويشير التقييم ذاته أيضاً إلى أن «حماس» تواصل الاستيلاء على معظم المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى القطاع». المقال بعد ذلك يمضي لوصف الثمن الإنساني الذي دفعته غزة في الحرب التي شنتها إسرائيل من دون نتيجة، وتدهور وضع إسرائيل على الساحة الدولية وحتى الفشل في المفاوضات التي باتت فيها «حماس» تشعر بأن الزمن يعمل لصالحها. وعندما يعرض الكاتب المقترحات المطروحة على الساحة الإسرائيلية، بدءاً من الاقتحام العميق لقطاع غزة، حتى تحقيق أحلام المتطرفين من العبور إليها بأحلامهم القديمة، فإنه لا يرى في ذلك أكثر من المأزق الذي وصلت إليه إسرائيل. المعضلة الأكبر في حرب غزة الخامسة أن الطرفين إسرائيل و«حماس» وصلا إلى طريق مسدود بالفعل، ومع ذلك فإنهما مستمران في الحرب ويتملصان من كل هدنة بوضع مقترحات يعرف كل منهما أن الطرف الآخر لن يقبلها؛ وعلى حساب شعب غزة والرهائن والمتظاهرين من أهلهم. «حماس» بدأت الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لكنها لم يكن لديها أي تقديرات لما سوف تفعله في 8 أكتوبر أكثر من تصور انهيار الحكومة الإسرائيلية، وقيام «وحدة الساحات» التي تضم ميليشيات المنطقة. وبينما لم يحدث التوقع الأول، فإن الثاني وإن حدث فإنه قاد إلى سلسلة من الهزائم الإقليمية لمحور «المقاومة والممانعة» أعطت للقيادة الإسرائيلية مدداً للنصر لم يكن متوقعاً وأعطى اليمين الإسرائيلي كله ما يكفي للاستمرار والتعنت. داخل جبهة «حماس» ذاتها، فإن غزة خسرت 60 ألفاً من الضحايا وضعف ذلك من الجرحى، وخسران كل ما له علاقة بالحضارة من مدارس وجامعات ومؤسسات صحية. وبعد أن كان مطلب الفلسطينيين هو تحرير الأراضي الفلسطينية، فإن مطلبهم الرئيسي بات وجبة من الطعام. الخسائر الفلسطينية في الضفة الغربية تشي بخسارة الحلم الفلسطيني في الدولة مع استئناف اليمين الإسرائيلي بكل عنفوانه إقامة المستوطنات من جديد مع دفع الفلسطينيين إلى خارج وطن أجدادهم. «حماس» هكذا وصلت إلى الطريق المسدود، فاندفعت إلى إلقاء اللوم على الدول العربية. لأنها لم تقدم «النجدة» تارة، ولا المساعدات. حركة «الإخوان المسلمين» ذات الانتشار العالمي وراعية «حماس» شنت حملة على مصر متهمة إياها - وهي التي قدمت 70 في المائة من المساعدات إلى غزة - بأنها هي التي أغلقت معبر رفح في وجه شاحنات الإنقاذ! إزاء هذه الطرق المسدودة، فإن البروفسور شاي فيلدمان اقترح أن ترعى الولايات المتحدة مفاوضات بين إسرائيل وبعض الدول العربية؛ للتوصل إلى شروط واستحقاقات استبدال قوات أمن ومؤسسات حكم تابعة لسلطة فلسطينية مُعاد تشكيلها ومُعززة الصلاحيات بـ«حماس». وينص الاتفاق المقترح على فترة انتقالية تتولى خلالها الدول العربية المشاركة في الدخول إلى قطاع غزة، وإجبار حركة «حماس» على الإفراج الفوري عن جميع الرهائن الإسرائيليين، واستبدالها بوصفها سلطة حاكمة مؤقتة في القطاع. ويغطي الاتفاق المُتفاوض عليه مدة الفترة انتقالية، والخطوات المطلوبة نحو تحقيق تقرير المصير الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية التي سيكون على إسرائيل القبول به، بالإضافة إلى التدابير الأمنية التي ستُتّخذ لضمان سلامة الإسرائيليين، عندما يتم تدريجياً استبدال سلطة فلسطينية «جديدة ومحسّنة» بالوجود العربي. كثير من هذه الأفكار وردت من دول عربية إبان مؤتمر «حل الدولتين» حينما اقترحت سلطة فلسطينية إدارية بديلة مصدق عليها من السلطة الوطنية في رام الله؛ وهي ذات السلطة التي سوف يكون عليها استلام سلاح «حماس» وعقد الانتخابات التي سوف تأتي بسلطة جديدة. الحقيقة هي أنه لا يوجد حل آخر.