logo
تعدين أعماق البحار.. "إبادة بيئية" قد يحفزها الصراع على المعادن

تعدين أعماق البحار.. "إبادة بيئية" قد يحفزها الصراع على المعادن

الجزيرةمنذ 2 أيام
منذ أن قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أبريل/نيسان فتح باب التعدين في أعماق المحيطات، بما فيها المياه الدولية، دق دعاة حماية البيئة ناقوس الخطر بشأن الآثار البيئية الخطيرة لذلك. واستجابت العديد من التحالفات العابرة للحدود لتحذيرات الخبراء من "إبادة بيئية" يتم التحضير لها في خضم صراع دولي على المعادن النادرة.
وفي سياق توجهاتها للتخلص من السياسات البيئية والمناخية وزيادة الاعتماد على الوقود الأحفوري، قدّر ت إدارة الرئيس ترامب أن التعدين في أعماق البحار قد يضيف 300 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، ويستحدث 100 ألف وظيفة جديدة، على مدى 10 سنوات.
ورغم أن الصين والاتحاد الأوروبي، ومنظمات، ومؤسسات دولية، وجمعيات غير حكومية رفضت التوجه الأميركي، يتخوف العلماء من خفوت الأصوات المعارضة، وبدء صراع دولي على معادن قاع البحار والمحيطات قد لا تحمد عقباه.
وتتعلق عمليات الاستخراج أساسا بما يسمى العقيدات المتعددة المعادن، وهي نوع من الحصى بحجم حبات البطاطا تشكلت عادة عبر مئات آلاف أو ملايين السنين تكون غنية بالمعادن مثل المنغنيز والنيكل والكوبالت والنحاس والمعادن النادرة، وهي مواطن أساسية لكائنات البحر العميق.
وباتت هذه المعادن، ذات أهمية بالغة في صناعة المركبات الكهربائية والألواح الشمسية، وفي الهواتف الذكية وأجهزة الكومبيوتر المحمولة، وغيرها من الصناعات الدقيقة.
ويتطلب استخراج تلك العقيدات تعدينا في قاع البحار العميقة بواسطة الحفر أو الجرف أو التفجيرات، أو وسائل أخرى، وغالبا ما تتم في مناطق عميقة ومجهولة، ولا تمتلك إلا بعض الدول والشركات الكبرى القدرة على تعدينها، ما سيجعلها احتكارا لتلك القوى الدولية.
مناطق مجهولة
حتى الآن لم يستكشف البشر سوى أقل من 0.001% من قاع البحار العميقة، أي ما يعادل عُشر مساحة بلجيكا تقريبا. ولذلك، يفتقر العلماء إلى فهم كاف لهذه النظم البيئية الغامضة.
ويضم قاع البحر العميق براكين تحت الماء وسلاسل جبلية وسهولا سحيقة. وتحتضن تلك المنطقة مجموعة متنوعة من الأنواع الفريدة التي تتكيف مع الظروف القاسية، مثل قلة ضوء الشمس والضغط العالي.
ويحذر العلماء من أن بعض كائنات المحيط العميق قديمة للغاية، فبعض الأسماك فيها تعيش مئات السنين، وتعيش الشعاب المرجانية آلاف السنين، بينما يصل عمر الإسفنج البحري أحيانا إلى 11 ألف سنة.
وقد تكون آلاف الكائنات فيها غير مكتشفة بعد، وهي كلها "أنظمة بيئية لا تتجدد ضمن مقاييس الزمن البشري. وإذا فُقدت، فيكون ذلك إلى الأبد"، حسب فرح عبيد الله الناشطة البيئية، ومؤسسة ومديرة منظمة "نحن والمحيط" في إسبانيا.
وفي غياب المعرفة الكاملة عن النظم البحرية في تلك الأعماق السحيقة، من غير المعروف كيف ستكون آثار التعدين على وظائفها البيئية بشكل كامل، لكن الأبحاث تظهر حتى الآن أن تعدين أعماق المحيطات قد يُخلف آثارا بيئية كارثية، ومن بينها:
-تدمير الموائل: يمكن أن تؤدي أنشطة التعدين إلى تدمير موائل قاع البحر إلى ما هو أبعد من نقطة التعافي، مما يؤثر على الأنواع القاعية مثل الديدان والمحار والإسفنج ونجم البحر وكائنات أخرى غير مكتشفة بعد.
-أعمدة الرواسب: يُؤدي التعدين في قاع البحار العميقة إلى رفع الرواسب، مما يؤثر على الأنواع المهاجرة مثل أسماك القرش والسلاحف. ويمكن أن يلحق ضررا أكبر بمصايد الأسماك العالمية، وقد وصلت 57.3% من المخزونات السمكية بالفعل إلى الحد الأقصى للصيد، بينما تعاني 35.4% منها من الصيد الجائر.
-تعطيل شبكة الغذاء: إن استهداف العقيدات المتعددة المعادن من شأنه أن يؤدي إلى تغيير شبكات الغذاء الغذائية وغير الغذائية مثل الإسفنج الزجاجي الذي يدعم الحياة البحرية.
– التلوث الضوئي والضوضائي: تؤدي عمليات مركبات التعدين في قاع البحر، والحفر والتجريف، والمتفجرات، والاهتزازات إلى تلوث ضوئي وضوضائي يتجاوز الحدود المسموح بها للعديد من أنواع الحيتان.
– تفريغ السموم واحتياطيات الكربون: يمكن أن يؤدي التعدين وأدواته إلى نشر النفايات وإثارة مخزونات الكربون في أعماق المحيطات، مما يؤثر بشكل كبير على تنظيم المناخ في المحيطات والكوكب ككل.
مخاطر حمّى التعدين
يشير الخبراء إلى أن بدء التعدين في أعماق البحار دون تقييمات بيئية واضحة قد يسفر عن عواقب طويلة الأمد على الكوكب والمجتمعات ومصادر العيش. وفي أسوأ الأحوال، قد يسبب انهيارا بيئيا واسع النطاق لن يتعافى منه الكوكب.
ويدعو ائتلاف الحفاظ على أعماق البحار السلطة الدولية لقاع البحار إلى التفاوض بشأن الشروط التنظيمية للتعدين في قاع البحار. وأيدت حتى الآن 37 دولة حظرا مؤقتا على أنشطة التعدين في قاع المحيط.
وتتماشى هذه المعارضة العابرة للحدود مع معارضة من مجتمعات السكان الأصليين والمنظمات البيئية، وأكثر من 930 عالما ومشرعا من أكثر من 70 دولة.
وتقول فرح عبيد الله "إن التعدين لم يبدأ بعد، لكن إذا سُمح له بالانطلاق، فلن يحدث فقط دمارا بيئيا هائلا، بل سيطلق عصرا جديدا من الاستعمار."
إعلان
وتضيف "نحن نتحدث عن المحيط الدولي، أي الأعماق التي تنتمي للجميع، لا لأي دولة بعينها. إذا سُمح لبضع دول بالسيطرة عليه، فسيبدأ سباق جديد شبيه بحمى الذهب، تستعمر فيه الدول الغنية هذا الفضاء المشترك من جديد".
وبموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، أمضت السلطة الدولية لقاع البحار أكثر من 10 سنوات في وضع لوائح للإشراف على استغلال معادن قاع البحار في المياه الدولية.
وبعد فشلها في وضع معايير للتعدين التجاري في أعماق البحار في يوليو/تموز 2023، خططت لمناقشة المبادئ التوجيهية المستقبلية ووضع اللمسات الأخيرة على القواعد بحلول دورتها في يوليو/تموز 2025. و رغم المفاوضات المكثفة، لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن اللائحة، ولم تُمنح أي تراخيص للتعدين.
ومن شأن ذلك أن يوقف حتى الآن جميع أنشطة التعدين التجارية في المياه الدولية، إلى أن يتمكن العلماء من إجراء تقييمات شاملة للأثر ووضع لوائح بيئية صارمة. ويتطلب ذلك إعداد تقارير ومراقبة شفافة للتغلب على المشكلات العالقة وضمان الامتثال لاتفاقية التنوع البيولوجي.
وفي حين يجادل مؤيدو التعدين في قاع البحار العميقة بأن استخراج المعادن من أعماق المحيطات أمر بالغ الأهمية للتحول نحو الطاقة الخضراء، يرى العلماء بأن هناك بدائل أكثر استدامة وسهولة يمكن النظر فيها، دون اللجوء إلى تدمير أحد أكثر النظم البيئية حساسية وأهمية في استقرار الكوكب.
وتشكل المحيطات 70% من سطح الكوكب، ولها تأثير عميق على الحياة بأسرها، إذ تنظم المناخ العالمي، وتنتج غالبية الأكسجين الذي نتنفسه، وتمتص ثاني أكسيد الكربون، وتحتضن شبكة بيئية معقدة تحافظ على دورة الحياة على الأرض. وتعد أيضا أكبر "بالوعة كربون"، مما يجعلها عنصرا حاسما في مواجهة تغير المناخ.
ومع أن العالم سيظل بحاجة دائمة للمعادن، لا سيما مع توجهه نحو مستقبل طاقة أكثر خضرة. فإن وسائل الحصول عليها يجب أن تكون مستدامة لما فيه مصلحة الكوكب، حسب الخبراء.
وسيمنح وقف التعدين في أعماق البحار المجتمع العلمي وقتا أكثر للدراسة والفهم، واكتشاف بدائل أكثر أمانا، وإعادة صياغة سياسات المحيطات لحماية النظام البيئي البحري الواسع من أضرار لا يمكن إصلاحها.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

يدًا بيد لجعل الذكاء الاصطناعي أداة لنفع الإنسانية
يدًا بيد لجعل الذكاء الاصطناعي أداة لنفع الإنسانية

الجزيرة

timeمنذ 14 ساعات

  • الجزيرة

يدًا بيد لجعل الذكاء الاصطناعي أداة لنفع الإنسانية

يمثل الذكاء الاصطناعي مجالا جديدا للتنمية البشرية، وقوة دافعة مهمة لجولة جديدة من الثورة التكنولوجية والتحول الصناعي، كما يمكن أن يصبح منتجا عاما دوليا يعود بالخير على البشرية. وفي نفس الوقت، تثير التحديات والمخاطر التي يجلبها الذكاء الاصطناعي اهتماما واسعا، حيث أصبحت كيفية إيجاد التوازن بين التنمية والأمن معضلة مشتركة تواجه المجتمع الدولي. مؤخرا، أطلق مؤتمر الذكاء الاصطناعي العالمي 2025 والاجتماع رفيع المستوى بشأن الحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعي "خطة عمل للحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعي"، وقد طُرحت ستة مبادئ أساسية هي: التوجه نحو الخير وخدمة الشعوب. احترام السيادة. التوجه نحو التنمية. التحكم الآمن. الإنصاف والشمول. إلى جانب ثلاثة عشر عملا فعليا تشمل تعزيز التعاون الدولي في بناء قدرات الذكاء الاصطناعي وبناء نموذج الحوكمة الشاملة بمشاركة الأطراف المتعددة، بما يحشد التوافق الدولي لتطوير وحوكمة الذكاء الاصطناعي عالميا ويضخ زخما قويا فيها. في الوقت الراهن، تواجه الحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعي تحديات بالغة الخطورة: أولا، مشكلة الفجوة الرقمية. تعاني بعض الدول والمناطق من عدم تكامل البنية التحتية الرقمية، وعدم كفاية التدريب على المهارات، ونقص الموارد الرقمية. حتى نهاية 2024، لا يزال هناك 2.6 مليار شخص في العالم غير متصلين بالإنترنت. وإن لم تُسد هذه الفجوة الرقمية بشكل عاجل، فستتعمق الفجوة التنموية بين الشمال والجنوب في العالم، مما يقيد بشدة إمكانية النمو الاقتصادي العالمي. ثانيا، غياب حق الكلام للجنوب العالمي. وفقا لأحدث تقرير الأمم المتحدة، يوجد حاليا أكثر من 60 إطارا عالميا لحوكمة الذكاء الاصطناعي، لكن أقل من خُمسها صادر عن دول الجنوب العالمي. كما أن الأنظمة والقواعد الحالية تعكس دائما التفوق التقني وسعي المصالح للدول المتقدمة، دون الاستجابة الكافية لاهتمامات دول الجنوب العالمي، مما يجعلها تفقد تمثيلا كافيا. في ظل ذلك، أطلق الجانب الصيني "خطة عمل للحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعي"، ودعا إلى إنشاء منظمة عالمية للتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي، هذا هو الإجراء المهم لتنفيذ التعددية ودفع الحوكمة العالمية بالتشاور والتشارك والتنافع، كما هو العمل الفعلي للاستجابة لأصوات دول الجنوب العالمي والمساعدة على سد الفجوة الرقمية والذكائية. بخلاف المبادرات الانعزالية والإقصائية التي طرحتها بعض الدول، فإن "خطة عمل للحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعي" تقوم على الأركان الجوهرية: التنمية العادلة، التعاون المنفتح، الحوكمة الفعالة، وتدعو إلى بناء نظام الحوكمة الشامل والمنفتح للذكاء الاصطناعي، وستقدم منصة رحبة لتعميق التعاون الدولي في الذكاء الاصطناعي، ودفع تطوير الذكاء الاصطناعي نحو الخير والمنفعة الشاملة للجميع بشكل مشترك. في السنوات الأخيرة، حققت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الصينية اختراقات متلاحقة وجديدة، وساهمت بقوة كبيرة في نمو الاقتصاد الذكي العالمي. وفقا لإحصاءات المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO)، خلال الفترة من 2014 إلى 2023، سجلت الصين أكثر من 38 ألف براءة اختراع للذكاء الاصطناعي التوليدي، وتصدرت العالم. من صعود تقنية "هواوي أسيند" (Huawei Ascend) متحدية الصعاب، إلى الاختراق المبهر لـ"ديب سيك" (DeepSeek)، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي على طول "الحزام والطريق"، أصبحت الصين بفضل القدرة التكنولوجية المتطورة وسيناريوهات التطبيق الواسعة محركا مهما لتطوير الذكاء الاصطناعي العالمي. في عصر الذكاء، تتقدم دول العالم في قارب واحد. كما أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ في مراسم افتتاح الاجتماع الوزاري العاشر لمنتدى التعاون العربي الصيني، أن الجانب الصيني يحرص على تعزيز التعاون مع الدول العربية في مجال الذكاء الاصطناعي، للعمل سويا على تعزيز دور الذكاء الاصطناعي في تمكين الاقتصاد الحقيقي، والدفع بتكوين نظام الحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعي والذي يقوم على توافقات واسعة النطاق. أمام تيار التحول الرقمي العالمي، يحرص الجانب الصيني على تقاسم الفرص والتشاور حول التعاون مع دولة قطر وغيرها من الدول، للتقدم يدا بيد نحو المستقبل المشرق في عصر الذكاء الاصطناعي.

تعدين أعماق البحار.. "إبادة بيئية" قد يحفزها الصراع على المعادن
تعدين أعماق البحار.. "إبادة بيئية" قد يحفزها الصراع على المعادن

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

تعدين أعماق البحار.. "إبادة بيئية" قد يحفزها الصراع على المعادن

منذ أن قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أبريل/نيسان فتح باب التعدين في أعماق المحيطات، بما فيها المياه الدولية، دق دعاة حماية البيئة ناقوس الخطر بشأن الآثار البيئية الخطيرة لذلك. واستجابت العديد من التحالفات العابرة للحدود لتحذيرات الخبراء من "إبادة بيئية" يتم التحضير لها في خضم صراع دولي على المعادن النادرة. وفي سياق توجهاتها للتخلص من السياسات البيئية والمناخية وزيادة الاعتماد على الوقود الأحفوري، قدّر ت إدارة الرئيس ترامب أن التعدين في أعماق البحار قد يضيف 300 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، ويستحدث 100 ألف وظيفة جديدة، على مدى 10 سنوات. ورغم أن الصين والاتحاد الأوروبي، ومنظمات، ومؤسسات دولية، وجمعيات غير حكومية رفضت التوجه الأميركي، يتخوف العلماء من خفوت الأصوات المعارضة، وبدء صراع دولي على معادن قاع البحار والمحيطات قد لا تحمد عقباه. وتتعلق عمليات الاستخراج أساسا بما يسمى العقيدات المتعددة المعادن، وهي نوع من الحصى بحجم حبات البطاطا تشكلت عادة عبر مئات آلاف أو ملايين السنين تكون غنية بالمعادن مثل المنغنيز والنيكل والكوبالت والنحاس والمعادن النادرة، وهي مواطن أساسية لكائنات البحر العميق. وباتت هذه المعادن، ذات أهمية بالغة في صناعة المركبات الكهربائية والألواح الشمسية، وفي الهواتف الذكية وأجهزة الكومبيوتر المحمولة، وغيرها من الصناعات الدقيقة. ويتطلب استخراج تلك العقيدات تعدينا في قاع البحار العميقة بواسطة الحفر أو الجرف أو التفجيرات، أو وسائل أخرى، وغالبا ما تتم في مناطق عميقة ومجهولة، ولا تمتلك إلا بعض الدول والشركات الكبرى القدرة على تعدينها، ما سيجعلها احتكارا لتلك القوى الدولية. مناطق مجهولة حتى الآن لم يستكشف البشر سوى أقل من 0.001% من قاع البحار العميقة، أي ما يعادل عُشر مساحة بلجيكا تقريبا. ولذلك، يفتقر العلماء إلى فهم كاف لهذه النظم البيئية الغامضة. ويضم قاع البحر العميق براكين تحت الماء وسلاسل جبلية وسهولا سحيقة. وتحتضن تلك المنطقة مجموعة متنوعة من الأنواع الفريدة التي تتكيف مع الظروف القاسية، مثل قلة ضوء الشمس والضغط العالي. ويحذر العلماء من أن بعض كائنات المحيط العميق قديمة للغاية، فبعض الأسماك فيها تعيش مئات السنين، وتعيش الشعاب المرجانية آلاف السنين، بينما يصل عمر الإسفنج البحري أحيانا إلى 11 ألف سنة. وقد تكون آلاف الكائنات فيها غير مكتشفة بعد، وهي كلها "أنظمة بيئية لا تتجدد ضمن مقاييس الزمن البشري. وإذا فُقدت، فيكون ذلك إلى الأبد"، حسب فرح عبيد الله الناشطة البيئية، ومؤسسة ومديرة منظمة "نحن والمحيط" في إسبانيا. وفي غياب المعرفة الكاملة عن النظم البحرية في تلك الأعماق السحيقة، من غير المعروف كيف ستكون آثار التعدين على وظائفها البيئية بشكل كامل، لكن الأبحاث تظهر حتى الآن أن تعدين أعماق المحيطات قد يُخلف آثارا بيئية كارثية، ومن بينها: -تدمير الموائل: يمكن أن تؤدي أنشطة التعدين إلى تدمير موائل قاع البحر إلى ما هو أبعد من نقطة التعافي، مما يؤثر على الأنواع القاعية مثل الديدان والمحار والإسفنج ونجم البحر وكائنات أخرى غير مكتشفة بعد. -أعمدة الرواسب: يُؤدي التعدين في قاع البحار العميقة إلى رفع الرواسب، مما يؤثر على الأنواع المهاجرة مثل أسماك القرش والسلاحف. ويمكن أن يلحق ضررا أكبر بمصايد الأسماك العالمية، وقد وصلت 57.3% من المخزونات السمكية بالفعل إلى الحد الأقصى للصيد، بينما تعاني 35.4% منها من الصيد الجائر. -تعطيل شبكة الغذاء: إن استهداف العقيدات المتعددة المعادن من شأنه أن يؤدي إلى تغيير شبكات الغذاء الغذائية وغير الغذائية مثل الإسفنج الزجاجي الذي يدعم الحياة البحرية. – التلوث الضوئي والضوضائي: تؤدي عمليات مركبات التعدين في قاع البحر، والحفر والتجريف، والمتفجرات، والاهتزازات إلى تلوث ضوئي وضوضائي يتجاوز الحدود المسموح بها للعديد من أنواع الحيتان. – تفريغ السموم واحتياطيات الكربون: يمكن أن يؤدي التعدين وأدواته إلى نشر النفايات وإثارة مخزونات الكربون في أعماق المحيطات، مما يؤثر بشكل كبير على تنظيم المناخ في المحيطات والكوكب ككل. مخاطر حمّى التعدين يشير الخبراء إلى أن بدء التعدين في أعماق البحار دون تقييمات بيئية واضحة قد يسفر عن عواقب طويلة الأمد على الكوكب والمجتمعات ومصادر العيش. وفي أسوأ الأحوال، قد يسبب انهيارا بيئيا واسع النطاق لن يتعافى منه الكوكب. ويدعو ائتلاف الحفاظ على أعماق البحار السلطة الدولية لقاع البحار إلى التفاوض بشأن الشروط التنظيمية للتعدين في قاع البحار. وأيدت حتى الآن 37 دولة حظرا مؤقتا على أنشطة التعدين في قاع المحيط. وتتماشى هذه المعارضة العابرة للحدود مع معارضة من مجتمعات السكان الأصليين والمنظمات البيئية، وأكثر من 930 عالما ومشرعا من أكثر من 70 دولة. وتقول فرح عبيد الله "إن التعدين لم يبدأ بعد، لكن إذا سُمح له بالانطلاق، فلن يحدث فقط دمارا بيئيا هائلا، بل سيطلق عصرا جديدا من الاستعمار." إعلان وتضيف "نحن نتحدث عن المحيط الدولي، أي الأعماق التي تنتمي للجميع، لا لأي دولة بعينها. إذا سُمح لبضع دول بالسيطرة عليه، فسيبدأ سباق جديد شبيه بحمى الذهب، تستعمر فيه الدول الغنية هذا الفضاء المشترك من جديد". وبموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، أمضت السلطة الدولية لقاع البحار أكثر من 10 سنوات في وضع لوائح للإشراف على استغلال معادن قاع البحار في المياه الدولية. وبعد فشلها في وضع معايير للتعدين التجاري في أعماق البحار في يوليو/تموز 2023، خططت لمناقشة المبادئ التوجيهية المستقبلية ووضع اللمسات الأخيرة على القواعد بحلول دورتها في يوليو/تموز 2025. و رغم المفاوضات المكثفة، لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن اللائحة، ولم تُمنح أي تراخيص للتعدين. ومن شأن ذلك أن يوقف حتى الآن جميع أنشطة التعدين التجارية في المياه الدولية، إلى أن يتمكن العلماء من إجراء تقييمات شاملة للأثر ووضع لوائح بيئية صارمة. ويتطلب ذلك إعداد تقارير ومراقبة شفافة للتغلب على المشكلات العالقة وضمان الامتثال لاتفاقية التنوع البيولوجي. وفي حين يجادل مؤيدو التعدين في قاع البحار العميقة بأن استخراج المعادن من أعماق المحيطات أمر بالغ الأهمية للتحول نحو الطاقة الخضراء، يرى العلماء بأن هناك بدائل أكثر استدامة وسهولة يمكن النظر فيها، دون اللجوء إلى تدمير أحد أكثر النظم البيئية حساسية وأهمية في استقرار الكوكب. وتشكل المحيطات 70% من سطح الكوكب، ولها تأثير عميق على الحياة بأسرها، إذ تنظم المناخ العالمي، وتنتج غالبية الأكسجين الذي نتنفسه، وتمتص ثاني أكسيد الكربون، وتحتضن شبكة بيئية معقدة تحافظ على دورة الحياة على الأرض. وتعد أيضا أكبر "بالوعة كربون"، مما يجعلها عنصرا حاسما في مواجهة تغير المناخ. ومع أن العالم سيظل بحاجة دائمة للمعادن، لا سيما مع توجهه نحو مستقبل طاقة أكثر خضرة. فإن وسائل الحصول عليها يجب أن تكون مستدامة لما فيه مصلحة الكوكب، حسب الخبراء. وسيمنح وقف التعدين في أعماق البحار المجتمع العلمي وقتا أكثر للدراسة والفهم، واكتشاف بدائل أكثر أمانا، وإعادة صياغة سياسات المحيطات لحماية النظام البيئي البحري الواسع من أضرار لا يمكن إصلاحها.

"شعاب مرجانية" على المريخ.. ما قصة الصورة المثيرة للمسبار "كيريوسيتي"؟
"شعاب مرجانية" على المريخ.. ما قصة الصورة المثيرة للمسبار "كيريوسيتي"؟

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

"شعاب مرجانية" على المريخ.. ما قصة الصورة المثيرة للمسبار "كيريوسيتي"؟

قدمت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) دليلا جديدا يثبت أن المريخ كان بيئة صالحة لوجود الحياة، قبل مليارات السنين، وكان الدليل هذه المرة وجود جسم غريب يشبه الشعاب المرجانية، وقد تم التقاط صور له داخل فوهة "غيل" بالكوكب. وأرسل مسبار "كيوريوسيتي" التابع للوكالة صورا لهذا الجسم الغريب، والذي بدا للوهلة الأولى وكأنه قطعة من الشعاب المرجانية القادمة مباشرة من أعماق البحار. لكن التفسير المصاحب لهذا الاكتشاف -والذي ذكره بيان صحفي لناسا- أزال الغموض، وكشف أن هذه "الشعاب" لم تنشأ في محيط، بل هي صخرة صغيرة على الكوكب الأحمر، نحتتها الرياح وكشفت عن ماضيه المائي المثير. عروق المعادن والصخرة التي تم اكتشافها في 24 يوليو/تموز الماضي لا يتجاوز عرضها 2.5 سنتيمتر، وعثر عليها داخل فوهة "غيل" الضخمة وقطرها 154 كيلومترا وقد تشكلت بفعل ارتطام نيزكي. والتقطت هذه الصورة باستخدام كاميرا التصوير الدقيق البعيدة المدى المثبتة على المسبار، والتي أظهرت تفاصيل دقيقة لفروع صخرية تشبه الشعاب المرجانية على الأرض. ووفق بيان ناسا، فإن هذه الفروع الصخرية بدأت بالتشكل قبل مليارات السنين، حين كان المريخ لا يزال يحتفظ بمسطحات مائية غنية بالمعادن، حيث تسللت المياه عبر شقوق الصخور، حاملة معها المعادن المذابة التي ترسبت تدريجيا، مكونة "عروقا " معدنية داخل الصخور. ومع مرور الزمن وجفاف الكوكب، قامت الرياح المحملة بالرمال بتعرية الطبقات المحيطة، لتظهر هذه العروق المعدنية على شكل فروع تشبه المرجان البحري. اكتشافات غير مألوفة وهذه ليست المرة الأولى التي يعثر فيها " كيوريوسيتي" على صخور غريبة الشكل في فوهة "غيل". ففي نفس يوم اكتشاف الصخور الشبيهة بالشعاب المرجانية، رصد المسبار صخرة أخرى غير مألوفة أطلق عليها اسم " بابوسو" بعرض 5 سنتيمترات، وعام 2022 التقط صورة لجسم صغير على شكل زهرة مما أثار اهتمام العلماء أيضا. إعلان ومنذ هبوطه على المريخ عام 2012، قطع المسبار نحو 35 كيلومترا فقط داخل الفوهة، إذ يتوقف باستمرار لحفر الصخور، وجمع العينات، وتحليل البيانات، وقد ساعدت مهمته في كشف أدلة قوية على أن المريخ كان في الماضي بيئة صالحة للحياة، منها اكتشاف سلاسل كربونية عمرها 3.7 مليارات سنة، ومؤشرات على وجود دورة كربونية مشابهة لتلك التي عرفتها الأرض. والاكتشاف الجديد، وإن لم يكن دليلا مباشرا على وجود حياة بحرية على المريخ، فإنه يمثل "بصمة" جيولوجية تثبت أن الماء لعب دورا رئيسيا في تشكيل تضاريس الكوكب، وأن الماضي المريخي قد يكون أكثر تشابها مع الأرض مما نتخيل.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store