logo
أنس الشريف .. صوت غزة الذي كتب وصيته قبل أن يخمده الصمت

أنس الشريف .. صوت غزة الذي كتب وصيته قبل أن يخمده الصمت

عمونمنذ 3 أيام
أنا فلسطين… أعرف أبناءي جيداً. أعرف الذين مرّوا على ترابي عابرين، وأعرف الذين التصقوا بي كالجذور في الأرض. ومن بين كل الأسماء، يلمع اسم أنس جمال الشريف كنجمة عنيدة رفضت أن تنطفئ رغم عتمة الحصار.
في غزة، تلك البقعة الضيقة المحاصرة بين البحر والسياج والأسلاك، حيث يتقاطع الفجر مع الدخان، وحيث تلتصق أرواح الشهداء بالجدران المحترقة، وُلد أنس. جاء إلى الدنيا في مخيم جباليا، بين أزقة ضيقة كالممرات بين قبور، وحارات تحفظ قصص النكبة جيلاً بعد جيل. ومنذ أن فتح عينيه، كانت فلسطين أمامه لا على خرائط الكتب، بل في وجوه الناس، في رائحة التراب، في حكايات الجدات عن عسقلان 'المجدل' التي أُخذت منهم بالقوة.
أنس لم يعرف طفولة هادئة؛ في غزة، الأطفال يكبرون بسرعة لأن القصف يختصر العمر، ولأن الحصار يعلّمهم مبكراً أن العالم ليس عادلاً. شبَّ وهو يرى الظلم يحيط به من كل الجهات، فاختار أن يواجهه لا أن يهرب منه. حمل الكاميرا كما يحمل المقاتل بندقيته، وقرر أن يكون عيناً تنقل الحقيقة ولساناً يفضح القتلة.
لم يكن مجرد صحفي، كان شاهداً على جريمة مستمرة. في كل بثّ مباشر، كان يعلم أن عدسة الكاميرا قد تتحول فجأة إلى مرآة تعكس لحظة موته، ومع ذلك لم يتوقف. كان يقول: 'من يملك القدرة على نقل الحقيقة ثم يصمت، فهو شريك في الجريمة'.
وفي صباح العاشر من أغسطس ٢٠٢٥، سبقت الرصاصة الكلمة، وسبق الصمتُ الصوت. لكن أنس، وكأنه كان يقرأ فصول نهايته، كان قد ترك وصية كتبها في السادس من أبريل من العام نفسه، وصية ليست كأي وصية. لم تكن تقسم الميراث، بل وزّعت أمانةً على الأمة بأكملها: فلسطين أولاً، أطفالها المذبوحون، نساؤها الثكالى، شيوخها الصابرون.
كتب:
'إن وصلَتكم كلماتي هذه، فاعلموا أن إسرائيل قد نجحت في قتلي وإسكات صوتي… أوصيكم بفلسطين، درةَ تاج المسلمين… أوصيكم بأهلي، بابنتي شام، بابني صلاح، بوالدتي، بزوجتي أم صلاح، كونوا لهم سنداً بعد الله.'
وصيته ليست نصاً عادياً، إنها صفعة أخلاقية للعالم. كل جملة فيها حجر، وكل كلمة سكين في خاصرة الصمت. كيف يقرأها العالم ولا يشعر بالخجل؟ كيف يواصل حياته وكأن غزة لم تُحاصر، وأطفالها لم يُقتلوا، وبيوتها لم تُسحق تحت آلاف الأطنان من القنابل؟
أنس لم يكتب فقط عن نفسه، كتب عن كل طفل فقد أمه، عن كل أم احتضنت جثة ابنها، عن كل شاب أُخرج من تحت الركام وعيناه معلقتان بالسماء وكأنهما تسألان: لماذا؟
رحل أنس، لكن روحه بقيت بيننا. في المخيمات، في أصوات الأذان المخلوطة بأصوات الانفجارات، في كل صورة طفل يبتسم رغم الخراب. وصيته الآن تتناقلها الألسن والقلوب، ليس لتكون ذكرى باهتة، بل لتكون عهداً.
ربما لم يتحقق حلمه بالعودة إلى عسقلان
لكن في موته، صنع أنس عودته الخاصة. عاد في قلوب كل من قرأ كلماته، في دمعة كل أم فلسطينية، في قَسم كل مقاوم على أن يبقى الطريق مفتوحاً نحو الحرية. لقد عاد إلى عسقلان بطريقته؛ لا جسداً يسير على الأرض، بل روحاً تعانق سماءها.
وصيته، تلك التي خطّها قبل أن تبلل دماؤه الرمال، تحوّلت إلى منارة، وإلى مرآة تكشف وجوه المتفرجين، وإلى جرس إنذار في أذن الأمة: إما أن تكونوا على العهد، أو تكونوا على هامش التاريخ.
أنس كان يعرف أن الشهادة ليست موتاً، بل انتقال من موقع الكلمة إلى موقع الأسطورة. كان يدرك أن الدم أبلغ من كل بيان، وأن الصورة الأخيرة قد تصبح شعلة تضئ دروب المقاومين لعشرات السنين.
واليوم، حين نقرأ كلماته، نشعر وكأنه يطل علينا من خلف الركام، مبتسماً ابتسامة الواثق بأن دمه لن يضيع هدراً، وأن الكاميرا التي حملها لم تسقط، بل انتقلت من يده إلى يد كل حر في هذا العالم.
أنا فلسطين… أكتب عنك يا أنس كما تكتب الأم عن ابنها. أحتضنك في ترابي كما تحتضن الأرض المطر بعد جفاف. دمك صار نهراً في عروقي، وكلماتك جمرات في قلبي، وصورتك ستبقى على جدراني ما بقي فيّ نفس.
سلام عليك يوم ولدت في المخيم، ويوم خرجت بالكاميرا في وجه القتلة، ويوم ارتقيت شهيداً وأنت ثابت على المبدأ. سلام على كل خطوة خطوتها، وعلى كل كلمة قلتها، وعلى كل دمعة خبأتها عن الكاميرا كي تظل صلباً.
نم قرير العين يا أنس، فثمة من قرأ وصيتك وأقسم أن لا يتركها تموت، وثمة من سيسير على الدرب حتى تشرق شمس الحرية من عسقلان إلى غزة، ومن النهر إلى البحر.
وهنا، بين دخان الحرب وضوء الفجر، أعرف أن الحجر قد انشق لسماعك، وأن الشجر قد بكى على فراقك… لكنك يا أنس لم تفارقنا، بل صرت جزءاً من هواء هذه الأرض… وأنت، كفلسطين، باقٍ ما بقي الليل والنهار.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

القاضي العوامرة يبارك لزميله مشتهى
القاضي العوامرة يبارك لزميله مشتهى

الانباط اليومية

timeمنذ 24 دقائق

  • الانباط اليومية

القاضي العوامرة يبارك لزميله مشتهى

يتقدم سعادة القاضي محمود العوامرة العبادي بخالص التهاني وأصدق التبريكات من الزميل الفاضل أحمد أسامه مشتهى، بمناسبة حصوله على درجة الماجستير من الجامعة الأردنية – كلية الشريعة، تخصص القضاء الشرعي، وذلك بعد مناقشة رسالته الموسومة: "الأحكام الفقهية المتعلقة بالمكان وتطبيقاتها لدى المحاكم الشرعية الأردنية – دراسة فقهية" وقدّم الباحث مشتهى من خلالها جهدًا علميًا متميزًا، يُعبّر عن مستوى رفيع من الفهم والتحليل في ميدان الفقه والقضاء الشرعي. كما يتوجه القاضي العوامرة بجزيل الشكر والتقدير إلى أعضاء لجنة المناقشة الموقرين ، لما بذلوه من وقت وجهد، وما قدّموه من ملاحظات علمية وتوجيهات قيّمة أسهمت في إثراء هذا العمل. وتكونت لجنة المناقشة من كل وزير الأوقاف السابق والمدرس في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية الدكتور وائل عربيات مشرفا و الدكتور محمد الشكر مناقشا داخليا والدكتور محمد بني سلامة مناقشا خارجيا. سائلًا الله تعالى أن يبارك له هذا الإنجاز، وأن يوفقه لما فيه الخير، ومزيدًا من التألق في حياته العلمية والعملية.

مواجهة استراتيجية.. للاحلام التلمودية … لا فزعات عرمرمية….!
مواجهة استراتيجية.. للاحلام التلمودية … لا فزعات عرمرمية….!

سواليف احمد الزعبي

timeمنذ 25 دقائق

  • سواليف احمد الزعبي

مواجهة استراتيجية.. للاحلام التلمودية … لا فزعات عرمرمية….!

#مواجهة_استراتيجية.. للاحلام #التلمودية … لا فزعات عرمرمية….!2024/8/14د. #مفضي_المومني. لا اعرف.. متى سنتعلم… ونحفظ الدرس…! من الامس وبعد تصريحات النتن… القديمة الجديدة.. المرتبطة بخرافات واحلام تلمودية… انتفض الربع… واغرقوا وسائل الاعلام والتواصل بوابل من بيانات الشجب والاستنكار… من العشائر والشخصيات والاحزاب… المفرزة وغير المفرزة… ومن هب ودب… وكالعادة طبل عند طرمان… !وبالجانب الرسمي شجب باشد العبارات…واستنكارات لا تسمن ولا تغني عن وطن..!الاوطان بحاجة لافعال… وليس فزعات وهوبرات وشتم وكلام فارغ… !اسرائيل الكبرى ليست طرحاً جديدا… فذات الخارطة اعلنها النتن من باريس ومن منبر الامم المتحدة… ومن أسس اعلان الكيان وعلمه ذو الخطين اللذان لا يلتقيان..!ما المطلوب استراتيجياً للمواجهة المعلنة… المنتظرة:1- فعل عربي وتنسيق مباشر بين الدول العربية المعنية والدول الصديقة( سياسات، تغيير مناهج، بناء قوة مواجهة غير تقليدية وليكن نموذج الحروب الاخيرة اقليمياً وعالمياً حاضراً، تكامل اقتصادي، إعادة خدمة العلم والتسليح الشعبي).فنحن امام عدو محمي ومغطى من قوى الاستعمار ولا تردعه ضوابط، ولا يفهم سوا لغة القوة والقتل. 2- داخلياً: فعل حكومي تشريعي حزبي شعبي(اعادة خدمة العلم، بناء قوة عسكرية غير تقليدية، وكما ذكرت اخذ العبر من الحروب الاخيرة، اقتصاد حرب ومخزون استراتيجي موزع غير قابل للاستهداف نفط او مواد غذائية… مولدات كهرباء لكل حي…وتدريب وتسليح شعبي… ولمن يعتقد انني اتوهم او اتهور..! الدور قادم للدول المجاورة بعد فراغهم من فلسطين… وهذا ما اعلنه غلاتهم..أو معاتيههم لا فرق..!.هذا بعض مما يجب فعله… وهنالك الكثير… ولدينا عقول وطنية وازنة تستطيع عمل ما يلزم إذا اتيح لها ذلك..!.البلدان تبنى بالعقول لا بالطبول… وعلينا أن نجهز بلدنا بعقول ابنائها…لتصبح قوية اقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً… نوايا الغرب الاستعماري والصهيونية … واضحة لا يتجاهلها إلا غبي.. ومخططاتهم علنيةوقحة وفجة… بعد أن كانت مخفية لكنها معلومة في كل الحالات.نحن بحاجة إلى ترتيب بيتنا الداخلي.. التهديدات القادمة لا تحتمل التأجيل… الولاء والانتماء للبلد لم يكن يوما حكراً على فئة دون أخرى… يجب أن يكون في جينات الجميع… دون مزاودة… الأوطان بحاجة للجهد المخلص منا جميعاً… نختلف.. نتناقش… نتحاور لكن يبقى الاردن الهدف.. ولنا في تصريحات النتن والسيد جحيم الأخيرة العبرة… . التهديد لنا جميعاً…وسيحاولون فرض كل المخططات اللعينة علينا… وفوق هذا وذاك… فالحسنة الوحيدة لتصريحات النتن والسيد جحيم… قد تفرض علينا كعرب وقيادات عربية وحدة القرار… (فالنتن يطلق خياله العبثي التلمودي في كل اتجاه… ومش مستحي من حدا..!)…فلا سبيل إلا لوحدة القرار… لإن القادة مهددين قبل الشعوب… وليس في الأفق غير الوحدة… ومحاولة عدم اتاحة الفرصة للنتن وترامب للإستفراد بدول الطوق.. وتمرير ما يريدون..! المواجهة قادمة… والنتن وسيده كشروا عن أنيابهم… ويتعاملون مع امتنا والعالم من منطق القوة الغاشمة…فهل نفهم ونعمل… ونبتعد عن استجرار الفزعات الفارغة… وضرب الطبول…! لنواجه المجهول المعلوم… ام نبقى ندفن الرؤوس في الرمال…!.حمى الله الاردن. هذا المحتوى مواجهة استراتيجية.. للاحلام التلمودية … لا فزعات عرمرمية….! ظهر أولاً في سواليف.

بيان صادر عن الإتحاد العام للجمعيات الخيرية في محافظة البلقاء
بيان صادر عن الإتحاد العام للجمعيات الخيرية في محافظة البلقاء

جهينة نيوز

timeمنذ 44 دقائق

  • جهينة نيوز

بيان صادر عن الإتحاد العام للجمعيات الخيرية في محافظة البلقاء

تاريخ النشر : 2025-08-14 - 12:33 pm يدين السيد رعد عبدالحافظ أبو حمور رئيس الإتحاد العام للجمعيات الخيرية في محافظة البلقاء ، وأعضاء مجلس الإتحاد ، وكافة الجمعيات الخيرية ومنتسبيها بأشد عبارات الاستنكار تصريحات رئيس وزراء الكيان الصهيوني " بنيامين نتنياهو " حول ارتباطة تاريخياً وروحانياً برؤية إسرائيل الكبرى ، وهذا يبرهن على الأطماع التوسعية لحكومة الكيان بعدما مارست وتُمارس يومياً كل أشكال حرب الإبادة في قطاع غزة والضفة الغربية ، وتستبيح الأراضي العربية في لبنان وسوريا واليمن . كما وأننا نويد موقف الحكومة الأردنية باعتبار تصريحات نتنياهو " تصعيداً استفزازياً خطيراً وتهديداً لسيادة الدول ومخالفة للقانون الدولي " ، إن الأوهام والادعاءات التي يُروج لها متطرفوا دولة الإحتلال عن إسرائيل الكبرى ما هو إلا إعلان حرب يهدد أمن واستقرار المنطقة ويفضح نهج دولة الكيان القائم على الغطرسة والقتل والتشريد والتوسع . جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين أعلنها مراراً وتكراراً أن أمن واستقرار الأردن خط أحمر لن نسمح لكائن من كان تهديد أمنه واستقراره ، وأن الأردن مع حل الدولتين بما يضمن دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها في القدس ، وأن الأردن قيادة وحكومة وشعب يقف دائماً إلى جانب شقيقه الشعب الفلسطيني في نيل حريته ورفع الإحتلال عن كاهلة . أننا في الإتحاد العام للجمعيات الخيرية في محافظة البلقاء نعلن وقوفنا خلف قيادة جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين في تصديه لكافة أشكال الغطرسة الإسرائيلية ومحاولة النيل من الأردن ، ونؤيد كافة الخطوات التي يقوم بها في الحفاظ على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس والضفة الغربية من منطلق الرعاية الهاشمية ، كما أننا نقف خلف قيادته الحكيمة ومواقفه الشجاعة في كافة المحافل الدولية للدفاع عن الشعب الفلسطيني ، وإيقاف حرب الإبادة في قطاع غزة والضفة الغربية ، كما ونقف أيضاً بكل فخر أمام جهود جلالة الملك المتكررة بكسر الحصار على قطاع غزة براً وجواَ ، وفي عملة السياسي الدئوب لتحريك الرأي العام الدولي ضد حرب الإبادة . حفظ الله الأردن آمناً مستقراً ، حراً عزيزاً ، تحت ظل الراية الهاشمية المظفرة بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين و ولي عهده الأمين سمو الأمير الحسين بن عبدالله حفظهما الله ورعاهم . رعد عبدالحافظ أبو حمور رئيس الإتحاد العام للجمعيات الخيرية في محافظة البلقاء تابعو جهينة نيوز على

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store