
عالمة بريطانية تكشف للجزيرة نت أسرار انقسام أفريقيا وميلاد محيط جديد
هذا ما كشفت عنه دراسة علمية حديثة قادتها الدكتورة إيما واتس من كلية علوم المحيطات والأرض بجامعة ساوثهامبتون البريطانية، حيث توصلت الدراسة المنشورة في دورية"نيتشر جيوساينس"، إلى أدلة قوية تشير إلى أن شرق أفريقيا قد بدأ بالفعل في الانفصال الجيولوجي عن باقي القارة، ضمن عملية طويلة الأمد يتوقع أن تفضي، بعد ملايين السنين، إلى تشكل محيط جديد.
وتصف واتس في حوار خاص مع "الجزيرة نت"، ما يحدث في منطقة "عفار" شمال إثيوبيا، حيث أجريت الدراسة، بأنه "نبض جيولوجي" ينبثق من أعماق الأرض، مشيرة أن مادة الوشاح الأرضي تحت هذه المنطقة لا تتدفق بشكل مستقر، كما كان يعتقد، بل تصعد على شكل نبضات دورية تحتوي على تركيبات كيميائية مختلفة قليلا.
والأهم من ذلك، أن سرعة هذه النبضات تختلف من منطقة لأخرى تبعا لسرعة تباعد الصفائح التكتونية فوقها، مما يشير إلى علاقة تفاعلية حيوية بين سطح الأرض وأعماقها.
لو تخيلنا أن كوكب الأرض هو ثمرة تفاح، فإن طبقة القشرة الصخرية للأرض هي ببساطة قشرة التفاحة الرقيقة، لكن هذه القشرة على الأرض تبلغ من السماكة من 30 إلى 70 كيلومترًا في القارات ومن 4 إلى 12 كيلومترًا في المحيطات، وهي تختلف في شيء آخر عن قشرة التفاحة وهو أنها ليست قطعة واحدة تغطي الأرض بل تتكون من عدد من القطع التي تسمى بالصفائح التكتونية، والتي تتداخل، بعضها مع بعض بشكل يشبه الأحجيات الورقية، تلك الصفائح تتحرك ببطء، أو قل إنها تسبح لمسافة عدة سنتيمترات كل عام على طبقة أخرى للأرض تقع أسفلها وتسمى الوشاح.
وتقول واتس"اقترحت الأبحاث السابقة وجود ريشة وشاحية (تيار صاعد من الصخور الساخنة والمنصهرة في طبقة الوشاح تحت القشرة الأرضية)، لكن لم يكن معروفا كيف تتصرف هذه الريشة بالضبط، أما في هذه الدراسة، فقد تمكنا من اكتشاف أن هذه الريشة ليست ثابتة أو مستمرة بشكل متساو، بل تحتوي على نبضات أو دفعات صاعدة متقطعة، أي أنها ترتفع على شكل موجات أو نبضات تتغير شدتها وتركيبتها مع الوقت".
إعلان
وتضيف "الأهم من ذلك، أن هذه النبضات المرتبطة بالوشاح الأرضي لها علاقة مباشرة مع سرعة انفصال الصفائح التكتونية فوقها، مما يعني أن حركة الصفائح لا تؤثر فقط على السطح، بل تتحكم أيضا بطريقة تدفق المادة الساخنة في أعماق الأرض، وهذا الربط بين نبضات الريشة وسرعة التمزق القاري هو جديد ولم يسبق أن تم إثباته في الدراسات السابقة".
تمزق بطىء… ولكن بثبات
وتشير نتائج الدراسة إلى أن عملية الانفصال القاري في شرق أفريقيا بدأت قبل نحو 30 مليون سنة، مع بداية التمزق الأولي في منطقة عفار، ومنذ ذلك الحين، تتباعد الصفائح التكتونية في هذه المنطقة بمعدل يتراوح بين 5 و16 ملم سنويا، وهو ما يعادل تقريبا معدل نمو أظافر الإنسان.
وبينما تبدو هذه السرعة ضئيلة، فإنها عبر الزمن تحدث فروقا هائلة في شكل القارات، فهذه العملية، المعروفة علميا بـ"التمدد القاري" تسبب تمزقا بطيئا في قشرة الأرض، حيث تتكون الشقوق، وتغزوها لاحقا المادة المنصهرة من باطن الأرض، ومع تراكم هذه المادة وتصلبها، تبدأ أولى مراحل تشكل قاع محيط جديد.
وتقول واتس "هذه العملية الجيولوجية ليست حبيسة الأعماق، بل يمكن رؤية آثارها على السطح بوضوح، فـوادي الصدع الأفريقي الكبير، الممتد من البحر الأحمر إلى موزمبيق، ليس إلا نتاجا مباشرا لهذا الانفصال القاري، كما تنتشر في المنطقة أكثر من 50 فوهة بركانية نشطة، إلى جانب زلازل مستمرة، وكلها إشارات إلى تمزق القشرة الأرضية وتمددها".
وتضيف "رؤية هذا العدد الكبير من البراكين والزلازل على امتداد الصدع ليس صدفة، إنها من العلامات الواضحة على أن الانقسام القاري بدأ فعليا، ومع ذلك، أؤكد أن دراستنا لا تشير إلى أن الخطر على السكان في تزايد، بل إن هذه العمليات تسير بوتيرة طبيعية وبطيئة للغاية".
متى ينفصل الشرق عن الغرب؟
ووفقا للبيانات المتوفرة، فإن انقسام أفريقيا ليس أمرا وشيكا، بل عملية تتطلب ملايين السنين لتكتمل، وتقدر الدراسة أن تشكل المحيط الجديد قد يستغرق من 5 إلى 10 ملايين سنة على الأقل، وهو الزمن اللازم لانفصال شرق أفريقيا تماما، وبدء تكون قاع المحيط بين الكتلتين.
وبمجرد اكتمال هذه العملية، ستتشكل قارة جديدة تضم الصومال، كينيا، تنزانيا، موزمبيق، وأجزاء من إثيوبيا، بينما تبقى الكتلة الكبرى من القارة في الغرب، بما فيها مصر والجزائر ونيجيريا وبقية الدول.
وكانت واحدة من الأسئلة المهمة التي تثيرها الدراسة، هي ما إذا كان من الممكن استخدام النبضات الصاعدة من الوشاح في التنبؤ بالنشاط البركاني، لكن واتس توضح أن "العلاقة الوحيدة المؤكدة حتى الآن بين هذه النبضات والبراكين هي في التركيب الجيوكيميائي للحمم البركانية الناتجة عنها، أما التنبؤ بمواعيد أو طبيعة الانفجارات فلا يزال بعيدا".
وتقول "لا نستطيع حتى الآن ربط النبضات مباشرة بتوقيت الثورانات البركانية، لكنها تعطينا فكرة أدق عن مصدر هذه البراكين ومكوناتها".
حالة متكررة في مناطق أخرى
وما يجري في أفريقيا ليس حالة فريدة من نوعها، فعمليات الانقسام القاري وتشكل المحيطات تحدث باستمرار، وإن كانت ببطء شديد، في مناطق مختلفة من الأرض، فالمحيط الأطلسي، على سبيل المثال، لا يزال يتسع في منتصفه حتى اليوم. وهناك صدوع قارية أخرى مثل منطقة بايكال في سيبيريا، لكنها لا ترتبط دائما بنفس القدر من النشاط البركاني.
وتختم واتس بالقول: "القشرة القارية أكثر سمكا من القشرة المحيطية، لكن عندما تبدأ في التمزق، تتولد شقوق وزلازل، وفي بعض الأحيان بركان، حسب طبيعة الوشاح تحتها، وما يحدث الآن في شرق أفريقيا هو نموذج حي لتحول الأرض، ومختبر طبيعي يمكننا من خلاله فهم آلية تشكل القارات والمحيطات".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الوطن
منذ 2 أيام
- جريدة الوطن
ســـــر انقســام إفريقــيا
رغم ما يبدو من استقرار ظاهر على سطحها، تشهد القارة الإفريقية في أعماقها تحركات تكتونية بطيئة ومستمرة منذ ملايين السنين، قد تعيد تشكيل خريطتها الجغرافية بالكامل في المستقبل البعيد. هذا ما كشفت عنه دراسة علمية حديثة قادتها الدكتورة إيما واتس من كلية علوم المحيطات والأرض بجامعة ساوثهامبتون البريطانية، حيث توصلت الدراسة المنشورة في دورية «نيتشر جيوساينس»، إلى أدلة قوية تشير إلى أن شرق إفريقيا قد بدأ بالفعل في الانفصال الجيولوجي عن باقي القارة، ضمن عملية طويلة الأمد يتوقع أن تفضي، بعد ملايين السنين، إلى تشكل محيط جديد. وتصف واتس ما يحدث في منطقة «عفار» شمال إثيوبيا، حيث أجريت الدراسة، بأنه «نبض جيولوجي» ينبثق من أعماق الأرض، مشيرة أن مادة الوشاح الأرضي تحت هذه المنطقة لا تتدفق بشكل مستقر، كما كان يعتقد، بل تصعد على شكل نبضات دورية تحتوي على تركيبات كيميائية مختلفة قليلا. والأهم من ذلك، أن سرعة هذه النبضات تختلف من منطقة لأخرى تبعا لسرعة تباعد الصفائح التكتونية فوقها، مما يشير إلى علاقة تفاعلية حيوية بين سطح الأرض وأعماقها. لو تخيلنا أن كوكب الأرض هو ثمرة تفاح، فإن طبقة القشرة الصخرية للأرض هي ببساطة قشرة التفاحة الرقيقة، لكن هذه القشرة على الأرض تبلغ من السماكة من 30 إلى 70 كيلومترا في القارات ومن 4 إلى 12 كيلومترا في المحيطات، وهي تختلف في شيء آخر عن قشرة التفاحة وهو أنها ليست قطعة واحدة تغطي الأرض بل تتكون من عدد من القطع التي تسمى بالصفائح التكتونية، والتي تتداخل، بعضها مع بعض بشكل يشبه الأحجيات الورقية، تلك الصفائح تتحرك ببطء، أو قل إنها تسبح لمسافة عدة سنتيمترات كل عام على طبقة أخرى للأرض تقع أسفلها وتسمى الوشاح. وتقول واتس «اقترحت الأبحاث السابقة وجود ريشة وشاحية (تيار صاعد من الصخور الساخنة والمنصهرة في طبقة الوشاح تحت القشرة الأرضية)، لكن لم يكن معروفا كيف تتصرف هذه الريشة بالضبط، أما في هذه الدراسة، فقد تمكنا من اكتشاف أن هذه الريشة ليست ثابتة أو مستمرة بشكل متساو، بل تحتوي على نبضات أو دفعات صاعدة متقطعة، أي أنها ترتفع على شكل موجات أو نبضات تتغير شدتها وتركيبتها مع الوقت». وتضيف «الأهم من ذلك، أن هذه النبضات المرتبطة بالوشاح الأرضي لها علاقة مباشرة مع سرعة انفصال الصفائح التكتونية فوقها، مما يعني أن حركة الصفائح لا تؤثر فقط على السطح، بل تتحكم أيضا بطريقة تدفق المادة الساخنة في أعماق الأرض، وهذا الربط بين نبضات الريشة وسرعة التمزق القاري هو جديد ولم يسبق أن تم إثباته في الدراسات السابقة». تمزق بطيء.. ولكن بثبات وتشير نتائج الدراسة إلى أن عملية الانفصال القاري في شرق إفريقيا بدأت قبل نحو 30 مليون سنة، مع بداية التمزق الأولي في منطقة عفار، ومنذ ذلك الحين، تتباعد الصفائح التكتونية في هذه المنطقة بمعدل يتراوح بين 5 و16 ملم سنويا، وهو ما يعادل تقريبا معدل نمو أظافر الإنسان. وبينما تبدو هذه السرعة ضئيلة، فإنها عبر الزمن تحدث فروقا هائلة في شكل القارات، فهذه العملية، المعروفة علميا بـ«التمدد القاري» تسبب تمزقا بطيئا في قشرة الأرض، حيث تتكون الشقوق، وتغزوها لاحقا المادة المنصهرة من باطن الأرض، ومع تراكم هذه المادة وتصلبها، تبدأ أولى مراحل تشكل قاع محيط جديد. وتقول واتس «هذه العملية الجيولوجية ليست حبيسة الأعماق، بل يمكن رؤية آثارها على السطح بوضوح، فـوادي الصدع الإفريقي الكبير، الممتد من البحر الأحمر إلى موزمبيق، ليس إلا نتاجا مباشرا لهذا الانفصال القاري، كما تنتشر في المنطقة أكثر من 50 فوهة بركانية نشطة، إلى جانب زلازل مستمرة، وكلها إشارات إلى تمزق القشرة الأرضية وتمددها». وتضيف «رؤية هذا العدد الكبير من البراكين والزلازل على امتداد الصدع ليس صدفة، إنها من العلامات الواضحة على أن الانقسام القاري بدأ فعليا، ومع ذلك، أؤكد أن دراستنا لا تشير إلى أن الخطر على السكان في تزايد، بل إن هذه العمليات تسير بوتيرة طبيعية وبطيئة للغاية». متى ينفصل الشرق عن الغرب؟ ووفقا للبيانات المتوفرة، فإن انقسام إفريقيا ليس أمرا وشيكا، بل عملية تتطلب ملايين السنين لتكتمل، وتقدر الدراسة أن تشكل المحيط الجديد قد يستغرق من 5 إلى 10 ملايين سنة على الأقل، وهو الزمن اللازم لانفصال شرق إفريقيا تماما، وبدء تكون قاع المحيط بين الكتلتين. وبمجرد اكتمال هذه العملية، ستتشكل قارة جديدة تضم الصومال، كينيا، تنزانيا، موزمبيق، وأجزاء من إثيوبيا، بينما تبقى الكتلة الكبرى من القارة في الغرب، بما فيها مصر والجزائر ونيجيريا وبقية الدول. وكانت واحدة من الأسئلة المهمة التي تثيرها الدراسة، هي ما إذا كان من الممكن استخدام النبضات الصاعدة من الوشاح في التنبؤ بالنشاط البركاني، لكن واتس توضح أن «العلاقة الوحيدة المؤكدة حتى الآن بين هذه النبضات والبراكين هي في التركيب الجيوكيميائي للحمم البركانية الناتجة عنها، أما التنبؤ بمواعيد أو طبيعة الانفجارات فلا يزال بعيدا». وتقول «لا نستطيع حتى الآن ربط النبضات مباشرة بتوقيت الثورانات البركانية، لكنها تعطينا فكرة أدق عن مصدر هذه البراكين ومكوناتها». حالة متكررة في مناطق أخرى وما يجري في إفريقيا ليس حالة فريدة من نوعها، فعمليات الانقسام القاري وتشكل المحيطات تحدث باستمرار، وإن كانت ببطء شديد، في مناطق مختلفة من الأرض، فالمحيط الأطلسي، على سبيل المثال، لا يزال يتسع في منتصفه حتى اليوم. وهناك صدوع قارية أخرى مثل منطقة بايكال في سيبيريا، لكنها لا ترتبط دائما بنفس القدر من النشاط البركاني. وتختم واتس بالقول: «القشرة القارية أكثر سمكا من القشرة المحيطية، لكن عندما تبدأ في التمزق، تتولد شقوق وزلازل، وفي بعض الأحيان بركان، حسب طبيعة الوشاح تحتها، وما يحدث الآن في شرق إفريقيا هو نموذج حي لتحول الأرض، ومختبر طبيعي يمكننا من خلاله فهم آلية تشكل القارات والمحيطات».


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
كيف تكون الطاقة المتجددة نظيفة وموثوقة في نفس الوقت؟
تعدّ الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أساسيتين لمستقبل منخفض الكربون، إلا أن إنتاجهما لا يتوفر دائما عند الحاجة الماسة إليه. ومع تزايد اعتماد أنظمة الطاقة على مصادر متجددة، فإن إدارة تقلباتها تمثل تحديا لضمان شبكة كهرباء مستقرة وموثوقة. وعلى الرغم من الانخفاضات الكبيرة في التكاليف وانتشارها على نطاق واسع، تواجه مصادر الطاقة المتجددة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، تحديا جوهريا، فهي لا تُنتج الطاقة إلا عند سطوع الشمس أو هبوب الرياح. وما لم نُعِد النظر في كيفية إدارة أنظمة الكهرباء، فإن انقطاع هذه المصادر للطاقة يُهدد بعرقلة التقدم في مجال إزالة الكربون. وضمن مصطلحات الطاقة، يشير التقطع إلى العرض المتغير من مصادر معينة. أو بعبارة أخرى، الطاقة التي لا تتوفر عند الطلب ولكن فقط عندما تسمح الظروف بذلك. وبخلاف محطات توليد الطاقة التي تعمل بالغاز أو الفحم، والتي يمكن تشغيلها أو خفضها بما يتناسب مع الاستهلاك، لا تنتج مزرعة الطاقة الشمسية الكهرباء إلا عند سطوع الشمس، بينما لا تنتج توربينات الرياح الكهرباء إلا عند حركة الهواء. وتتبع الطاقة الشمسية دورة يومية واضحة، إذ يرتفع الإنتاج صباحا، ويبلغ ذروته عند الظهيرة، وينخفض إلى الصفر ليلا. وحتى منتصف النهار، يمكن لسحابة عابرة أن تُخفّض إنتاج الطاقة الشمسية لفترة وجيزة. وقد تُخفّض السحب الخفيفة الإنتاج بنحو 24%، بينما يُمكن لطبقات السحب الكثيفة أن تُخفّضه بنسبة تصل إلى 67% حسب الدراسات. وتخضع طاقة الرياح أيضا لتغيرات في أنماط الغلاف الجوي. وتكون بعض الفصول والمناطق أكثر رياحا من غيرها (في العديد من المناطق، تهب الرياح بقوة أكبر خلال ليالي الشتاء مقارنةً بأيام الصيف) مما قد يُعوّض أنماط الطاقة الشمسية إلى حد ما. وهذا يعني أن طاقة الرياح والطاقة الشمسية تُكمّلان بعضهما البعض بشكل طبيعي إلى حد ما، فغالبا ما تنشط الرياح عند انحسار الطاقة الشمسية، والعكس صحيح. ومع ذلك، يمكن أن تفشلا في توفير الطاقة في نفس الوقت. تحدي الموثوقية يُغيّر دمج كميات كبيرة من الطاقة المُرتبطة بالطقس في شبكة الكهرباء آلية عمل الشبكة، وتتطلب شبكات الطاقة توازنا ثابتا بين العرض والطلب في الوقت الفعلي. إعلان وتقليديا، كان يُحافظ على هذا التوازن باستخدام مولدات قابلة للتحكم، فإذا ارتفع الطلب كان بإمكان مشغلي الشبكة ببساطة توزيع المزيد من الطاقة من محطة تعمل بالفحم أو الغاز أو الطاقة الكهرومائية. أما مع انقطاع مصادر الطاقة المتجددة، فإن تحكم المشغلين المباشر أقل بكثير. ولا يمكن توزيع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح حسب الرغبة، لذلك عندما لا توفر الطبيعة الطاقة، يجب على الشبكة إيجاد طاقة بديلة بسرعة أو خفض الطلب. وهذا يُشكل تحديات جديدة للموثوقية ولطريقة تصميم أنظمة الطاقة على مدى عقود. ومن التحديات الرئيسية أيضا التعامل مع التقلبات السريعة في العرض والطلب. فمع ارتفاع وانخفاض إنتاج الطاقة الشمسية، يتعين على محطات توليد الطاقة الأخرى زيادة أو خفض إنتاجها بسرعة فائقة لسد الفجوات، وهو ما قد لا يتوفر دائما. وقد يؤدي سوء التقدير أو النقص الطفيف في الطاقة إلى انخفاض الجهد أو انقطاعه عند غروب الشمس. كما يُمكن أن تكون طاقة الرياح غير مُستقرة بالقدر نفسه مع هبات أو فترات هدوء مفاجئة تتطلب موارد أخرى للاستجابة الفورية. وهناك مشكلة فنية أخرى تتمثل في الحفاظ على استقرار الشبكة (التردد والجهد) عند الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة. فمحطات الطاقة التقليدية ذات التوربينات الدوارة الكبيرة تُوفر بطبيعتها القصور الذاتي، وهو زخم استقرار يُحافظ على ثبات تردد الشبكة في مواجهة الاضطرابات الطفيفة. وتتصل الألواح الشمسية والعديد من توربينات الرياح الحديثة عبر محولات كهربائية، ولا تُساهم في القصور الذاتي. ونتيجة لذلك، تكون الشبكة التي تُهيمن عليها مصادر الطاقة المتجددة أكثر حساسية للاختلالات، نظرًا لانخفاض المقاومة الفيزيائية للتغيرات المفاجئة في التردد. ومع ارتفاع نسبة العرض المتغير، قد ينحرف تردد النظام بسرعة في حال مرور سحابة أو انخفاض سرعة الرياح، ما لم تُفعّل مصادر أخرى فورا. وتُظهر الدراسات أن زيادة نسبة توليد طاقة الرياح والطاقة الشمسية تُقلل من قصور النظام الذاتي، وتتطلب إستراتيجيات استجابة أسرع للحفاظ على استقرار التردد والجهد. ويعتمد مشغلو الشبكات بشكل متزايد على احتياطيات الاستجابة السريعة، مثل البطاريات، لإدارة هذه التقلبات لحظة بلحظة. كما يستثمرون في دراسة التقلبات للتنبؤ بانخفاضات وذروات إنتاج الطاقة المتجددة والاستعداد وفقا لذلك. حلول الاستدامة يمكن لمجموعة متنوعة من الحلول، بعضها قيد الاستخدام بالفعل والبعض الآخر لا يزال ناشئا، أن تخفف من عدم موثوقية مصادر الطاقة المتجددة وتعزز استقرار الشبكة. ومن بين الحلول المطروحة عملية التخزين، إذ تُستخدم البطاريات (عادةً بطاريات ليثيوم أيون) على نطاق الشبكة لامتصاص فائض الكهرباء عند ارتفاع إنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وإطلاقها عند انخفاض الإنتاج. ويمكن لمزارع البطاريات الكبيرة تخزين فائض الطاقة الشمسية عند الظهيرة، ثم إعادة ضخه إلى الشبكة بعد غروب الشمس. إعلان ومع انخفاض تكاليف البطاريات بشكل كبير، يمكن أن تكون حلا جيدا لتحقيق التوازن على المدى القصير (كل ساعة). وتعتمد خرائط طريق الطاقة -لتحقيق صافي انبعاثات صفري- على التوسع الهائل في تخزين البطاريات لإدارة التقلبات الساعية واليومية لمصادر الطاقة المتجددة، مع الحفاظ على استقرار الشبكات. كما تُشجّع برامج الاستجابة للطلب المستهلكين -من الصناعات الثقيلة إلى المنازل- على تحويل استهلاكهم للكهرباء إلى أوقات توفر الطاقة المتجددة أو تقليله خلال فترات الذروة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال حوافز سعرية أو إشارات آلية، مثل خصومات على تشغيل الأجهزة أو شحن السيارات الكهربائية منتصف النهار بدلا من المساء. وتُساعد هذه الإستراتيجيات على استقرار مستويات الطلب بين فترات الذروة والانخفاض، مما يُسهّل توفير الكهرباء بإمدادات متغيرة. وهناك أيضا طريقة أخرى لمواجهة الانقطاع المحلي وهي ربط الشبكات عبر مناطق جغرافية أكبر، حيث يتم تقاسم الطاقة. فإذا كانت منطقة ما هادئة أو غارقة في الظلام، فيمكنها استيراد الطاقة من أماكن أخرى لديها فائض. وتربط خطوط نقل الجهد العالي الآن العديد من البلدان والمناطق. ويعمل الباحثون والمهندسون أيضا على تطوير طرق لمعالجة مشكلة التقطع طويل الأمد الذي يستمر لأيام أو أسابيع، وأحد الأساليب هو تخزين فائض الطاقة المتجددة على شكل وقود كيميائي لاستخدامه لاحقا. وعلى سبيل المثال، يمكن تشغيل فائض الكهرباء في أسبوع عاصف باستخدام أجهزة التحليل الكهربائي لإنتاج الهيدروجين الأخضر من الماء. ويتم تخزين هذا الهيدروجين تحت الأرض أو في خزانات، لاستخدامه لاحقا في توليد الكهرباء (عبر خلايا الوقود أو التوربينات) خلال فترات انقطاع الطاقة الشمسية أو الرياح لفترات طويلة. ولا يمكن حتى الآن استبدال جميع محطات الوقود الأحفوري بمصادر الطاقة المتجددة دون تغيير الشبكة نفسها. ويُشكّل تنوع طاقة الرياح والطاقة الشمسية تحديا للتصميم التقليدي لأنظمة الكهرباء التي اعتمدت طويلا على إمداد ثابت وقابل للتحكم.


الجزيرة
منذ 3 أيام
- الجزيرة
إمكانات واعدة لطاقة الرياح بأفريقيا ودول عربية في المقدمة
أشار تقرير صادر عن مؤسسة "باور شيفت أفريكا" المعنية بالمناخ، إلى أن إمكانات طاقة الرياح في أفريقيا تفوق احتياجات القارة بأضعاف، وتأتي أقطار عربية ضمن الدول ذات الإمكانيات الواعدة بالقارة. وأكد التقرير أن القارة تمتلك موارد هائلة وواعدة في الطاقة النظيفة على رأسها الطاقة الشمسية بإمكانات تقدر بنحو 482 تيراوات، وطاقة الرياح البرية تقدر بنحو 71.78 تيراوات. ورغم أن استثمارات القارة السمراء تميل حاليا نحو الطاقة الشمسية؛ فإن الرياح تُعد ركيزة أساسية لا غنى عنها في تحول الطاقة، وقد زادت إضافات طاقة الرياح البرية في أفريقيا والشرق الأوسط خلال العام الماضي لتصل إلى 2 غيغاوات، مقارنة بـ959 ميغاوات في عام 2023. وخلال العام الجاري، من المتوقع أن تضيف منطقتا أفريقيا والشرق الأوسط ما مجموعه 2.9 غيغاوات من طاقة الرياح البرية، وستستأثر أفريقيا بالحصة الكبرى، بإضافة 1.6 غيغاوات، حسب التقرير الذي نشره موقع الطاقة. كما من المتوقع أن ترتفع قدرة توليد الكهرباء من طاقة الرياح في أفريقيا إلى 45 غيغاوات بحلول 2030، ثم ستتضاعف أكثر من 4 مرات لتبلغ 192 غيغاوات في 2040. وبحلول 2050، ستصل قدرة طاقة الرياح بدول المنطقة إلى 625 غيغاوات. وحسب التقرير، يتطلب تحقيق سيناريو التحول الكامل إلى الطاقة المتجددة بحلول عام 2050 رفع القدرة المركبة إلى 3.5 تيراوات ، بنسبة 2.6 تيراوات للطاقة الشمسية و625 غيغاوات لطاقة الرياح. ولا يمثل ذلك سوى أقل من 1% من إمكانات القارة، بحسب التقرير. ووفقًا لأطلس الرياح العالمي، تتراوح سرعة الرياح في أفريقيا بين 0.5 و21 مترًا في الثانية على ارتفاع 100 متر، لكن تحليل المؤسسة اقتصر على المناطق التي يتجاوز فيها متوسط السرعة السنوية 5 أمتار في الثانية، مما أسفر عن إمكانات نظرية تصل إلى 71.778 تيراوات تمتد على مساحة 14.4 مليون كيلومتر مربع. وعند حصر إمكانات طاقة الرياح في أفريقيا على المناطق القريبة من شبكات نقل الكهرباء، أي ضمن 10 كيلومترات من البنية التحتية القائمة، كشف التقرير عن أن إمكانات طاقة الرياح البرية على نطاق المرافق تصل إلى 8.738 تيراوات تغطي مساحة 1.7 مليون كيلومتر مربع. وتعادل هذه القدرة 14 مرة ما تحتاج إليه القارة ضمن سيناريو تحقيق الطاقة المتجددة بنسبة 100%، الذي يتطلب 625 غيغاوات بحلول 2050. كما تكشف إمكانات طاقة الرياح في أفريقيا عن فرص استثنائية لدول القارة، لا سيما تلك التي تمتلك مساحات شاسعة وإمكانات ضخمة. وبحسب بيانات إمكانات طاقة الرياح في أفريقيا، تتصدّر ناميبيا القائمة بمساحة تبلغ 272.5 ألف كيلومتر مربع، وإمكانات توليد تقدر بـ1.362 تيراوات، وتأتي جنوب أفريقيا في المرتبة الثانية بإمكانات تقارب 1.313 تيراوات على مساحة 262.6 ألف كيلومتر مربع. كما تمتلك نيجيريا إمكانات تقدر بـ613 غيغاوات على مساحة تفوق 122 ألف كيلومتر مربع، وتتمتع موريتانيا والسودان بإمكانات تبلغ 532 و459 غيغاوات على التوالي. أما ليبيا، فتتمتع بمساحة مناسبة لطاقة الرياح تقدر بـ72 ألف كيلومتر مربع، وإمكانات توليد تبلغ 361 غيغاوات. كما تمتلك تونس حسب التقرير إمكانات في طاقة الرياح تصل إلى 133 غيغاوات، رغم صغر المساحة نسبيا البالغة 26.5 ألف كيلومتر مربع.