
خرافة الرابح الوحيد
هل يمكن لشخص أن يقبل بأن يفقد إحدى ساقيه، مُقابل فقدان الآخرين كامل سيقانهم ليظل هو الأقوى. للأسف مع دخول العالم للعقد الثانى من القرن الحادى والعشرين تنامت أفكار اليمين المُتطرف التى تزايد تأثيرها على القرار السياسى للقوى الكبرى فى العالم، حيث لم يعد لتك القوى أن تتفهم واقع سقوط بعض ثمار العولمة على الآخرين، ليدفع الاقتصاد العالمى ثمن الانقلاب الخفى على آليات الحرية الاقتصادية، وتعمد بعض القوى فرض اضطرابات تعصف بما تحقق لغيرها من مكاسب حتى لو كان الثمن هو تعرضها لآثار سلبية.
ومع استمرار التأثيرات السلبية لجائحة كورونا، التى مازالت نشأتها وإدارتها تتسم بالغموض والانتهازية، استمرت أيضا سياسات الضغط على الاقتصاد الصيني، وإنهاك الاقتصاد الروسى بحرب استنزاف فى أوكرانيا، وانتهاز عملية حماس فى 7 أكتوبر 2023 لتأجيج الصراع فى المنطقة من أجل هدف مُستحيل، وهو الرغبة فى البقاء والاستمرار دون الآخرين.
وأخيراً أتت حرب إسرائيل ضد إيران لتصب مزيدا من الوقود على النار الملتهبة، فبعد أن شهدت نهاية عام 2024 تراجعاً ملحوظاً فى أسعار الغذاء والطاقة عالمياً، وتزايدت الآمال بأن يشهد عام 2025 مزيدا من الانخفاض يعوض الخسائر التى تحملها العالم من ارتفاع أسعار مُبالغ فيه لكل شيء، نجد أنفسنا أمام حالة اقتصادية خارج نطاق التفسير، وحرب غير تقليدية بين طرفين لا تربطهما حدود مُشتركة، وقواعد اشتباك غير مُحددة المعالم، تؤكد وجود خسائر ضخمة لطرفى النزاع، وللاقتصاد العالمي، لكن يعجز الجميع عن تحديدها بدقة، فى ظل غموض سيناريوهات المُستقبل.
وإذا كانت التقديرات تُشير إلى أن إسرائيل قد خسرت بالفعل خلال حربها فى غزة، ما يزيد على 67 مليار دولار حتى نهاية 2024 إلا أن ذلك لم يمنعها من أن تُشعل حرباً جديدة مع إيران تُكلفها ما يزيد على 725 مليون دولار يومياً، تلك الحرب التى تخسر فيها إيران أيضاً ما بين 300 إلى 600 مليون دولار يومياً، مع توقعات بخسائر أكبر للطرفين مُستقبلاً.
والأمر يتعدى ذلك، حيث نجد أن سوق البترول والغاز قد أُصيب باضطراب شديد دفعها إلى تذبذب يومى فى مسار تصاعدى مُرتبط بتطور الصراع لتسجل أسعار البترول ارتفاعاً بنحو 10%، مع توقعات بأنه فى حالة إغلاق مضيق هُرمز أن تتجاوز أسعار البترول حاجز الـ100 دولار للبرميل، وقد حذر البنك الدولى من احتمال وصولها إلى نحو 150 دولارا للبرميل.
وهو الأمر الذى سيدفع التضخم العالمى لمُستويات قياسية جديدة، لاسيما مع ارتفاع مُتوقع لأسعار الغذاء عالميا التى تتأثر تكاليف إنتاجها بأسعار الطاقة، والنقل، والخدمات اللوجستية، ويتأثر توافرها بمدى انتظام سلاسل الإمداد، وقد بدأت إرهاصات ذلك بالفعل بارتفاع أسعار القمح عالميا بنحو 2%، وزيت الصويا بنحو 11% فى ظل ترقب بورصات الغذاء لتطور الحرب، ومدى استمرارها. والأصعب فى رصد تلك الحرب هو الإجابة عن سؤال، متى ستنتهي؟
الاقتصاد العالمى قادر على امتصاص الآثار السلبية لتلك الحرب إذا انتهت خلال أيام فى مُستوى قواعد الاشتباك الحالية، أما استمرار العمليات لأسابيع وتطورها لمُستويات أكثر خطورة بما فيها التأثير على الملاحة فى مضيق هُرمز، أو مضيق باب المندب، أو كليهما فإن ذلك سوف يُشعل التضخم فى جسد الاقتصاد العالمى المُثقل بالجراح.
وإذا كان الرئيس الأمريكى ترامب قد وعد فى برنامجه الانتخابي، وفى تصريحاته مُنذ بداية ولايته أنه سيدفع نحو أسعار طاقة عادلة، إلا إنه بدا يتعامل مع الأسواق بمنطق التاجر حيث يُطلق تصريحات تهدئة تتراجع بها الأسعار فى لحظة يُحددها تستغلها بعض الكيانات للشراء، ثم يعود ويُطلق تصريحات تُحفز على الحرب فترتفع الأسعار بما يُساعد من قام بالشراء على البيع بمكاسب كبيرة. لا يُمكن أن يُدار الاقتصاد بمنطق التُجار، ومن المُستحيل أن يحصل طرف على كل الغنائم، ولا يترك شيئاً للآخرين، ربما تأثر البعض بفكر المالتوسيين الجدد الذين يرون فى الحروب إحدى وسائل ضبط التركيبة السكانية للكوكب، ولكن يبقى السؤال هو أنه إذا كان الأثر الأساسى لحالة الحروب والإفقار لدول العالم وخفض الدخول الحقيقية لمواطنيها، فمن سيقوم بشراء مُنتجات القوى الكبرى التى تُنتجها مصانعها؟.
فشلت نظرية الجيش الإسرائيلى الذى لا يُقهر وفشل بناء خط بارليف كحائط صد فى تأمين إسرائيل، وفشلت أيضاً القبة الحديدية فى حماية مُجتمعها المُغلق، ومازالت إسرائيل تبحث عن بناء أمنها القومى خصماً من حقوق الآخرين، مهما تكلف الأمر من فقدان لأرواح، وأرزاق البُسطاء فى العالم.
لن تنعم إسرائيل بالأمان، والاستقرار، والرخاء وحدها، ولن ينعم أى طرف فى العالم بذلك وحده، فالعالم أصبح قرية صغيرة تعيش مرحلة تحول، وتبحث عن مُستقبل عادل، فى عالم يتشكل مُستقبله بصورة عشوائية مُلوثة بالدماء، البقاء فيها سيكون للأكثر صموداً.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


24 القاهرة
منذ 17 دقائق
- 24 القاهرة
ترامب بعد الهجوم الأمريكي على إيران: لحظة تاريخية للولايات المتحدة وإسرائيل والعالم
قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عقب قصف الطيران الأمريكي للمنشآت النووية في نطنز وفوردو وأصفهان، أنها لحظة تاريخية للولايات المتحدة ، ولإسرائيل، وللعالم. الحرب بين إسرائيل وإيران وأضاف ترامب، حسب ما نشرته القناة 12 الإسرائيلية: على إيران أن توافق على إنهاء الحرب. وقال ترامب عبر منصته "تروث سوشيال" إن القوات الأمريكية نفذت هجومًا ناجحًا على ثلاث منشآت نووية إيرانية، مشيرًا إلى أن القاذفات الأميركية غادرت المجال الجوي الإيراني بعد تنفيذ المهمة. وأضاف أن حمولة كاملة من القنابل أُلقيت على منشأة فوردو، إحدى أكثر المواقع الإيرانية تحصينًا لتخصيب اليورانيوم، مؤكدًا أن "لا جيش آخر في العالم قادر على تنفيذ مثل هذه العملية"، وختم بالقول:الآن هو وقت السلام. وجاءت هذه الضربة بعد أن خلص ترامب وفريقه إلى أن الجهود الدبلوماسية مع إيران وصلت إلى طريق مسدود، وأن الخيار العسكري بات ضروريًا لإنهاء البرنامج النووي الإيراني. وفي حين أعلن الرئيس الأميركي يوم الخميس أنه سيتخذ قرارًا خلال أسبوعين لمنح إيران فرصة أخيرة للتفاوض، فإن التحضيرات للضربة الجوية تسارعت خلال عطلة نهاية الأسبوع. ورُصدت عدة قاذفات شبح من طراز B-2، القادرة على حمل قنابل خارقة للتحصينات تزن 30 ألف رطل، وهي تتجه غربًا عبر المحيط الهادئ يوم السبت، ما عزز التوقعات بقرب تنفيذ ضربة على منشأة فوردو. ترمب على تروث سوشال: سألقي خطابًا للأمة في الساعة 10:00 مساءً من البيت الأبيض قنابل بوزن 30 ألف رطل.. كيف استهدفت أمريكا مواقع إيران النووية؟


مصراوي
منذ 23 دقائق
- مصراوي
مصدر إسرائيلي: حالة تأهب قصوى في المنطقة بعد قصف المواقع النووية الإيرانية
وكالات أفادت هيئة البث الإسرائيلية، نقلا عن مصدر إسرائيلي، أن المنطقة في حالة تأهب قصوى بعد قصف المواقع النووية الإيرانية. كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أعلن عبر منشور على حسابه بمنصة "تروث سوشيال"، عن تنفيذ هجوم "ناجح للغاية" استهدف ثلاثة مواقع نووية داخل إيران، وهي فوردو، نطنز، وأصفهان. وقال ترامب إن "جميع الطائرات المشاركة في العملية أصبحت الآن خارج المجال الجوي الإيراني"، مشيرًا إلى أن حمولة كاملة من القنابل أُسقطت على الموقع الرئيسي في فوردو، مؤكدًا عودة جميع الطائرات بسلام. وأشاد ترامب بالقوة العسكرية الأمريكية، مضيفًا: "نُهنئ محاربينا الأمريكيين العظام على هذا الإنجاز. لا توجد قوة عسكرية أخرى في العالم كانت قادرة على تنفيذ هذا الأمر". واختتم منشوره بقوله: "الآن هو الوقت المناسب للسلام".


مصراوي
منذ 23 دقائق
- مصراوي
ترامب عن ضرب منشآت إيران النووية: هذه لحظة تاريخية لأمريكا وإسرائيل والعالم
وكالات أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أنه سيلقي خطابا وشيكا إلى الأمة عقب تنفيذ القوات الأمريكية ضربات داخل إيران. وأكد ترامب، أن ما جرى يُمثل "لحظة تاريخية" للولايات المتحدة وإسرائيل والعالم، وفقا لروسيا اليوم. وكتب ترامب في حسابه على منصته "تروث سوشيال": "سألقي خطابا للأمة في الساعة 10:00 مساء، في البيت الأبيض، فيما يتعلق بعمليتنا العسكرية الناجحة جدا في إيران". وأضاف: "هذه لحظة تاريخية للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والعالم. يجب أن توافق إيران الآن على إنهاء هذه الحرب. شكرا لكم!".