logo
غضب مكبوت.. قنابل في داخل الشعوب

غضب مكبوت.. قنابل في داخل الشعوب

جريدة الرؤية٢٧-٠٧-٢٠٢٥
د. عبدالله باحجاج
تعتمد الحكومات في المنطقة على مبدأ كسب الشعوب كشرعية وجودية لها ومن ثم ديمومتها في السلطة، مما يجعل هذا المبدأ سياسيًا يقابل مبدأ التمثيل السياسي في حكومات أخرى حول العالم.
والفرق بين الشرعيتين كبير -شكلًا وجوهرًا- وهو يعكس طبيعة الأشكال السياسية للدول، وهي ليست موضوع حديثنا هنا.. الأهم أن هناك شرعية قد بُنيت عليها أساس العلاقة الجوهرية-الوجودية- بين الأنظمة وشعوبها في المنطقة، استطاعت من خلالها الأنظمة الإقليمية تحقيق الاستقرار والسلم الأهلي.
وهنا نتساءل: لو تغيّر هذا المبدأ (كسب الشعوب)، فما هي نتائجه أو تداعياته؟
تساؤل ستكون الإجابة عليه متعددة وعميقة، ولن نتناول منها سوى مفهوم واحد مفترض بفرضية الوجوب الزمني الراهن، وهو: أن تظل الحكومات ممثلًا لشعوبها ومعبّرًا ومدافعًا عن هويتها، وإلا ستظهر مؤسسات وقوى أفقية تنافسها بقوة على الشرعية، ولديها مداخلها المفتوحة القديمة/الجديدة، مما قد يؤدي إلى ممارسات يتم من خلالها تجاوز الحدود من تحت الحكومات، وقد تتحول إلى وقود عنف.
وهذا الطرح عام، ويمكن إسقاطه على كل مجالات التدبير والتسيير العمومي في أي بلد لرؤية تطبيقاته. لكننا هنا سنركّز على مدى تماهي مواقف الحكومات الإسلامية والعربية مع مواقف شعوبها تجاه ما يجري لإخوة الإسلام في غزة من إبادة وحشية، تستخدم فيها قوات الكيان الصهيوني ترسانة عسكرية مدمّرة ومدعومة من الأمريكان والغرب عامة، على بقعة لا تتجاوز مساحتها 365 كيلومترًا مربعًا، مستهدفة ما يزيد على مليونين من الفلسطينيين المحاصرين فيها، في صمت أنظمة وتواطؤ أخرى، لقرابة سنتين متواصلتين.
وكل يوم يمرّ تحترق فيه شعوب المنطقة من الداخل، وقد وصل الحريق الآن إلى مستويات لا يمكن التنبؤ بانفجارها. وقد اعتبر أبو عبيدة، المتحدث الرسمي باسم الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية، قادة ونخب الأمة الإسلامية والعربية خصومًا أمام الله عز وجل، في ظل مشاهد استشهاد كبار السن والأطفال من الجنسين بسبب التجويع، مما حرّك علماء الأمة، وتعالت صرخات ودعوات الشعوب، بين من يطالب بفتح الحدود أو بمواقف سياسية بحجم الإبادة، أو فتح باب التبرعات... وحتى هذا الأخير -وهو أضعف الإيمان- تُحرم منه أغلب الشعوب، وبالتالي يزداد غضبها المكبوت داخل الصدور، رغم ما يظهر على السطح... ولا نظن أنه سيظل طويلًا هناك.
لن يستمر ذلك إلى ما لا نهاية، لأنه ليس هناك أفق لنهاية التجويع كوسيلة للإبادة الجماعية. ولأن المحتلين الصهاينة يتفنّنون في الإبادات، وآخرها -ولن تكون الأخيرة- مصائد المساعدات التي أُعدم فيها العشرات إن لم يكن المئات رميًا بالرصاص أمام عدسات الكاميرات. وعند الاستشهاديين، لا فرق: فالموت واحد، جوعًا أو رصاصًا. ومن فنونهم أيضًا رشّ رذاذ الفلفل في العيون، وتشاركهم في ذلك قوات أمريكية، كشف عن ذلك أحد جنودها بعد أن فرّ تائبًا أمام فظاعة المشهد الإنساني، وقد اعترف بذلك على الهواء.
تأتي حروب التجويع بعد أن انتشرت القبور في كل مكان بغزة، وتحولت المباني إلى أكوام من الركام فوق الجثث المتحللة.. ويأتي قرار ما يسمى بـ "الكنيست الصهيوني" سحب السيادة الفلسطينية من الضفة الغربية، ليُسقط كل الأقنعة المزيفة عن مسرحيات التطبيع ووقف إطلاق النار، ويضع العرب المطبعين -والسائرين نحوه- أمام انكشافات الشعوب.
لن نصدق المناشدات الأوروبية، وخاصة الفرنسية والبريطانية، بوقف هذه الإبادات أو بالتعبير عن الاستعداد للاعتراف بالدولة الفلسطينية كما فعل ماكرون، فهذه مجرد فصل من فصول مسرحية التهجير.
لن نصدق الإرهابي الصهيوني نتنياهو في نواياه بوقف إطلاق النار، فهو يتبادل الأدوار مع جناح الإرهاب المتشدد بن غفير وسموتريتش، الذين يرفضون مطلقًا أي انسحاب من أي منطقة في غزة... لن يتنازل الإرهابي نتنياهو عن ترك السلطة بسهولة، ولا عن طموحه في العودة لها خلال الانتخابات المقبلة.
واشنطن تكذب، وأوروبا تكذب، وللأسف بيننا من يتماهى معهم في الكذب.. كلهم يمهّدون لتهجير غزة من سكانها.
وما سياسة التجويع، التي تمس الوجود البشري في غزة، إلا نوع من حروب تفريغ الديموغرافيا من جغرافيتها، وهذا قد أصبح معلومًا، ولم يعد محل شك... والرئيس ترامب نفسه سبق أن اقترح التهجير. إذًا، التهجير هو الهدف الواضح الآن، وهو ما يسحب من الأنظمة الإسلامية والعربية كل حجج التطبيع واستمراريته.
ورغم ذلك، هناك كثير من الأدلة العقلية الأخرى التي نعتمدها في كشف المزاعم الكاذبة لمسرحيات وقف إطلاق النار والتطبيع، الهادفة إلى كسب الوقت حتى يتم دفع أهالي غزة إلى طلب التهجير طوعًا، هربًا من مشانق التجويع أو الموت رميًا بالرصاص.
وفي وقت حروب التهجير، يجري الموساد الصهيوني محادثات مع عدة دول عربية وإفريقية، حددتها مواقع صهيونية وأمريكية مثل وكالة "أسوشيتد برس" وموقع "أكسيوس"، وكشفت عن موافقات مبدئية من بعض تلك الدول.
من هنا، يستوجب التحذير من الغضب المكبوت داخل الشعوب، ولا يمكن التقليل من شأنه، فكيف إذا ما التقى مع الإحباطات الداخلية وما أكثرها؟ المطلوب الآن، على الأقل، الحد الأدنى من الوعي السياسي، قبل أن تتحول بوصلة الغضب من مساراتها الطبيعية إلى مسارات داخلية وخارجية، قد تتقاطع مع أجندات متربصة.
وهناك دول -للأسف- تمنع شعوبها حتى من التبرع بالمساعدات المالية لإخوانهم في الدين.
ولله الحمد والمنة، فإن حكومتنا تستوعب معاني وغايات هذه الأخوة الوجودية، وتفتح باب التبرعات عن طريق الهيئة العُمانية للأعمال الخيرية، وشهادة المسن الفلسطيني من أهل غزة لدور أهل عُمان -حكومة وشعبًا- التي تناقلتها وسائل الإعلام والتواصل، شهادة تجعلنا نشعر -على الأقل- بالحد الأدنى من التضامن مع الأشقاء، رغم أننا نتطلع إلى أكثر من ذلك.
وندعو مؤسسات مجتمعنا المدني إلى إصدار بيان عاجل مشترك للوقوف مع الأشقاء في محنتهم الوجودية، تعزيزًا لمستوى الحد الأدنى، في ظل الواقع وإمكاناته.
لا فقدان للأمل، ولا يأس
، بعدما انكشف حجم الخطط وما وراء الإبادة الوجودية لأهلنا في غزة.
إنهم يخططون لما يسمى بـ "شرق أوسط جديد"....
ونحن نؤمن أن شيئًا لن يتحرك، ولن يسكن، إلا بإذن الله تعالى ومشيئته. فكل ما يحدث في غزة بمشيئة الله وإرادته الكونية، وذلك حتى تنكشف دول الظلم وتسارع في السقوط.
ومن يقرأ تاريخ انهيار الأفراد والأنظمة والدول والإمبراطوريات الظالمة، سيتساءل الآن:
متى يسقط الكيان الصهيوني ودولة الظلم الكبرى "أمريكا" وكل من يتواطأ معها؟.. إنها مسألة وقت فقط... ترقّبوها.
فمظاهر الانهيار الحتمي تظهر على السطح. فبحجم الظلم الوجودي الهائل على غزة -وهو متعدد المصادر- ستسقط السُّلط والدول التي تقف وراءه، يقينًا.
فإيماننا بالله، واطلاعنا على سننه من خلال أحداث التاريخ، يقودنا إلى القول باستحالة أن تعيش دول الظلم طويلًا بعد جرائمها الكبرى في غزة..
هذه سنة كونية تجري على الجميع، سواء أكانت دولًا، أو جماعات، مسلمة أو كافرة.
دورنا الآن الإخلاص في الدعاء باستعجال السقوط.
وقد ينبثق دورٌ ما ضمن صيرورة هذا السقوط، فهي -أي الصيرورة- لا تستأذن ولا تستشير، وإنما تحمل كل أداة: من حجر، وشجر، وبشر، لتحقيق نتائجها..
هي آتية... آتية... لا محالة، بحجم إبادة غزة، والتواطؤ فيها.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ليل طويل
ليل طويل

جريدة الرؤية

timeمنذ 6 ساعات

  • جريدة الرؤية

ليل طويل

سارة البريكي Sara_albriki@ نستذكر الماضي الجميل ونُحلّق في سماء الذكريات، إلا أننا عندما نعود من حلقة الزمن، نجد أننا نعيش حياة مختلفة بصحبة ناس طيبين، أراد الله لنا ذلك، وأراد الله لنا الأفضل. عند إمعان النظر في أحوال الشعب الفلسطيني، الذي يعاني كثيرًا من جراء الحرب والظلم والألم، نجد أنهم في كوكب صغير مختلف، وما المواقف التي يعيشونها إلا دليل على قوة إيمانهم، وقوة إرادتهم، وقوة عظمتهم، فهم شعب عظيم لا تضاهيه الشعوب. إننا، وإذ نرى ما يحدث في غزة، لا نقف مكتوفي الأيدي، بل نُسهم بكل ما أوتينا من قوة وعزم لنصرتهم، سواء بجمع التبرعات المالية أو الغذائية، أو بعمل حملات تبرع لهم، والمشهد الحقيقي الذي نراه غاب عن وجدان العالم كله، إذ ما مرّ بهم لا يُحتمل ولا يُطاق. في الجانب الآخر من الليل، هناك آلاف المواطنين العمانيين الذين يبحثون عن وظيفة، ليحاولوا -ولو بالشيء اليسير- التبرع لإخوتهم في غزة وفي بلاد المسلمين المستضعفين، فالشباب متعبون مرّت أعمارهم وهم يحملون أملًا بأن يتم توظيفهم ليعيشوا حياة كريمة، ويساهموا في نهضة بلادهم. رأينا قبل أيام أن هناك وظيفة تبحث عن شاغر، تقدّم لها الآلاف في وقت الصيف والطقس الحار، مع هتافات بالرجاء والتمني بالنيل والحصول عليها، ولكن الحق المشروع أصبح من الصعب أن يكون متاحًا. تهافُت الآلاف على تلك الوظيفة، فهم يريدون أن يكونوا أشخاصا طبيعيين مثل الآخرين، كل فرد منهم يريد أن يمارس حقوقه الطبيعية في امتلاك مسكن، وفي الزواج، وفي الترفيه، إلا أن أوقاته ذهبت في مهب الريح باحثًا عن عمل. ليست كل الأصابع واحدة، وليس كل مسؤول يستحق الاستمرار في عمله ما دام لا يخدم المواطنين، وما دام يرى أن مصلحته هي الأهم، فهنا يجب أن نقف وقفة جادة، ووقفة مشرفة، حتى نُسهم في انقراض هذه الفئة التي تخدم نفسها فقط، والحديث طويل جدًا، والمقال لا يكفي للحديث.

جلالة السُّلطان المعظم يهنئ رئيس جمهورية كوت ديفوار
جلالة السُّلطان المعظم يهنئ رئيس جمهورية كوت ديفوار

عمان اليومية

timeمنذ 6 ساعات

  • عمان اليومية

جلالة السُّلطان المعظم يهنئ رئيس جمهورية كوت ديفوار

جلالة السُّلطان المعظم يهنئ رئيس جمهورية كوت ديفوار العُمانية: بعث حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه - برقية تهنئة إلى فخامة الرئيس الدكتور الحسن عبدالرحمن واتارا رئيس جمهورية كوت ديفوار، بمناسبة العيد الوطني لبلاده. تضمّنت تهاني جلالة السُّلطان الطيبة وأمنياته الخالصة لفخامة الرئيس بدوام التوفيق والسداد في قيادة شعب بلاده الصديق، وتحقيق المزيد من التطلعات والإنجازات.

البندقية سلاح حق ونزعها تسليم للطغيان
البندقية سلاح حق ونزعها تسليم للطغيان

جريدة الرؤية

timeمنذ 7 ساعات

  • جريدة الرؤية

البندقية سلاح حق ونزعها تسليم للطغيان

خالد بن سالم الغساني دعوات نزع سلاح المُقاومة ليست جديدة، إنِّها جزء من سرديات ومحاولات قديمة تهدف إلى إخضاع الشعوب وتجريدها من قدرتها على الدفاع عن نفسها، دعوات تُغلّف باستمرار بلافتات السلام والاستقرار، بينما تعمل على تكريس الهيمنة وإدامة الاحتلال. المقاومة ليست مجموعة من الأفراد يحملون السلاح ويناوشون العدو بين الحين والآخر ليوقعوا به أو يوقع بهم بعض الخسائر تتداولها وسائل الإعلام، ويقوم الخبراء والمحللون بتفسير أبعادها وما يترتب عليها، ويتناولها الطابور الخامس للنيل من عزيمة المقاومة وتهويل خسائرها وضعفها أمام عدو لا تمتلك قدراته ومقدراته، وبالتالي فإنها تسجل على أساس أنها مغامرات لا توصل سوى إلى مزيد من القتل والدمار، تليها دعوات إلى الاستسلام والإقرار بالهزيمة والتخلي عن أي شكل من أشكال الخروج على طاعة الاحتلال والعيش تحت ظله وسلطاته بعد نزع ما تبقى من كرامة وإرادة وشرف، إنها في المحصلة إرادة شعب يرفض الخضوع ويتمسك بحقه في الحياة الكريمة، وتمثل البندقية رمزاً لتلك الكرامة والصمود، لتقف فاصلاً في قلب الصراع بين الحق والطغيان. المطالبات بتسليم سلاح المقاومة دائماً ما تأتي من تلك القوى التي تحاول فرض رؤيتها السياسية، سواء كانت قوى خارجية تسعى للسيطرة أو أطراف داخلية تخدم أجندات ومصالح شخصية ولا تقترب بالمطلق مما يُمكن أن يكون في خدمة الشعب، أو تلامس مصالحه ووحدة وطنه وأراضيه. إنها تتجاهل السياق التاريخي والواقع الميداني والحياتي الذي أوجد المقاومة أصلاً. فالسلاح هنا لا يُمكن أن يكون غاية أو هدفاً لامتلاك أداة قمع لتحقيق مآرب ومبتغيات شخصية آنية وضيقة، إنه وسيلة حيوية وضرورية في غاية الأهمية لمواجهة الاحتلال والاستبداد أو أي شكل من أشكال الاستعمار. وعندما يُطالب المُقاوم بتسليم سلاحه، فإنَّ ذلك لا يعني سوى مطالبته بالتَّخلي عن قدرته على حماية نفسه وأرضه وعرضه، وهويته. إنها دعوة صريحة للاستسلام والخنوع، مُغلفة بوعود وهمية بالأمان والاستقرار، فأيُّ أمن بالله عليكم وأيُّ كرامة يمكن أن ينالها الفرد تحت حكم كيانٍ طاغٍ، قائم على النهب والتنكيل والقتل والتشريد؟! إن المقاومة الحقة، المؤمنة بوعد الله، والتي قدمت في طوال مسيرتها النضالية، الآلاف من الشهداء، والقائمة على الحق والإيمان بقدراتها ومشروعية نضالها، هذه المقاومة، أينما وجدت وعلى اختلاف أشكالها، لابد أنها تدرك جيداً أنَّ السلاح هو خط الدفاع الأمثل، الأول والأخير ضد الطغيان، وهو الضمانة الحقيقية لصنع النصر أمام عدوٍ لا يعرف سوى لغة القتل سبيلاً لبقائه. التاريخ يروي وبوضوح حكايا وقصص كثيرة عن ما يمكن أن يحدث حين تسلم الشعوب أسلحتها وما تواجهه بعد ذلك من الاضطهاد والتهميش والخسران. تجارب عديدة وغنية بالعبر، من فلسطين إلى غيرها من الأمم والشعوب التي قاومت، تؤكد أنَّ نزع السلاح لا يمكن أن يكون سوى مقدمة لتكريس السيطرة وإسكات صوت الحق وتسليم بالظلم والهوان. لذلك تمسك المقاومة الحقيقية، المؤمنة بقضيتها والمدركة لمعاني وتبعات اختياراتها؛ بسلاحها، ليس تعنتًا أو تهديدا لأحد، بل تعبير واعٍ عن إيمان راسخ لا يُمكن أن يتزعزع، بأن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع، والانتزاع لا يتم سوى بالقوة. رفض المقاومة تسليم سلاحها ينبع من وعي عميق بالمسؤولية التي تحملها، والتي سقط من أجلها آلاف الشهداء، وضحى من أجلها وعانى ولا يزال شعبٌ كامل، فالسلاح في أيديها لا يمثل أداة للعنف العشوائي أو التهديد لأي طرف، إنه رمزٌ حقيقي للكرامة والعزةِ والإرادة، إنه الضمانة الوحيدة للحفاظ على توازن القوى في مواجهة عدو يمتلك كل إمكانيات التفوق العسكري والسياسي والإعلامي، لكنه لا يملك الإيمان بالعقيدة والحق اللذين يمتلكهما المقاوم ويقاتل حتى الموت من أجلهما. تدرك المقاومة بعد كل هذا الصراع الدامي والمدمر والمرير، أن تسليم السلاح يعني تسليم المستقبل، وأن الوعود بالسلام دون ضمانات حقيقية للعدالة، ليست سوى سراب قد خبرته في سياق نضالها الطويل وتضحياتها الجسيمة، فكيف يمكن لشعب يواجه الاحتلال وأقذر أنواع الظلم من كيان مغتصب وغاشم، أن يثق بدعوات نزع السلاح من أولئك الذين يدعمون الطغاة أو يستفيدون من استمرار الصراع؟!! أو من مجتمع دولي لم يستطع الحفاظ على وعوده أو الدفاع عن قراراته وجعلها أمرا واقعا لابد من التسليم به والخضوع لأجله؟!! وفي المقابل فإنَّ التمسك بالسلاح لا يعني رفض الحوار أو السعي للسلام، بل إنه شرط لسلام لا يُمكن أن يتم حين يكون الطرف الآخر ضعيفاً ومجرداً من كل وسائل مقاومته، وأبسطها سلاحه، فالمقاومة الحقيقية هي تلك التي تجمع بين امتلاكها لأدوات القوة وأدوات السلام، قدرتها على الجمع بين البندقية والكلمة. لأن السلام الذي يُبنى على الإذعان ليس سلامًا، إنه استسلام، والمقاومة لا يمكنها إلا أن ترفض هذا النوع من السلام المزيف، وتختار طريق الكرامة حتى لو كان صعباً وشاقًا، فالبندقية في يدها صوت للحق في وجه الطغيان، ورسالة للعالم بأنَّ الشعوب الحرة لا تقبل أن تُسلب إرادتها، إن سلبت أراضيها. إننا نؤمن بأن دعوات نزع سلاح المقاومة، مهما تعالت أصوات من ينادون بها أو يتبنونها، -مع حسن الظن بالبعض منهم- لا يمكن أن تنجح ما دام الظلم والقتل والتجويع والدمار والتشريد والاحتلال والاستيطان قائم. سيظل سلاح المقاوم تعبير عن إرادة لا تلين، وهو يدرك أنَّ التخلي عنه يعني التخلي عن الحلم بالحرية والعدالة. ولذلك ستبقى البندقية رمزًا للصمود، وستظل المقاومة متمسكة بها، لأنها تعلم أن الحق لا يُنتزع إلا بالقوة، وأن الطغيان لا يتراجع إلا أمام إرادة شعب مقاوم ويرفض الخضوع والخنوع.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store