
بعد 9 سنوات على بريكست... اتفاق بريطانيا والاتحاد الأوروبي بخصوص ملفات السياحة والأغذية والصيد البحري
بعد نحو تسع سنوات من تصويت بريطانيا على الانفصال عن
الاتحاد الأوروبي
، اتفق الجانبان، اليوم الاثنين، على تسهيل وصول الأغذية والسياح البريطانيين إلى الاتحاد الأوروبي عبر تيسير إجراءات التفتيش على الحدود، بما يشمل تقديم مزايا ملموسة
للبريطانيين
مثل استخدام بوابات إلكترونية أسرع في
مطارات
الاتحاد، كما وقعا اتفاقاً جديداً للصيد، وذلك بعدما أجبرت قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجانبين على تجاوز آثار انفصالهما.
وهذه هي الصفقة الثالثة التي تبرمها بريطانيا هذا الشهر، بعد الاتفاق مع الهند والولايات المتحدة، ورغم أنه من غير المرجح أن تؤدي إلى دفعة اقتصادية ذات مغزى على الفور، فهي قد تزيد ثقة
الشركات
وتجذب الاستثمارات التي تشتد الحاجة إليها، بحسب تحليل لوكالة رويترز.
وقد أجبرت رسوم ترامب الجمركية، إلى جانب التحذيرات بضرورة بذل أوروبا المزيد من الجهد لحماية نفسها، الحكومات في جميع أنحاء العالم على إعادة التفكير في العلاقات التجارية والدفاعية والأمنية، ما قرّب المسافات بين ستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وغيره من القادة الأوروبيين، بحسب رويترز.
وقالت الحكومة إن الاتفاق مع أكبر شركائها التجاريين من شأنه أن يقلل من الروتين بالنسبة لمنتجي الأغذية والمنتجين الزراعيين، ما يجعل الغذاء أرخص ويحسن أمن الطاقة ويضيف ما يقرب من تسعة مليارات جنيه إسترليني (12.1 مليار دولار) إلى الاقتصاد بحلول عام 2040. (الدولار = 0.8958 يورو = 0.7464 جنيه إسترليني).
اقتصاد دولي
التحديثات الحية
الاتفاق التجاري الأميركي مع بريطانيا يكشف أسلوب ترامب في التفاوض
وفي هذا الصدد، قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، اليوم الاثنين، إن الاتفاق الجديد الذي تم التوصل إليه مع الاتحاد الأوروبي يمثل حقبة جديدة في العلاقات بين الجانبين بعد خروج بريطانيا من التكتل. وأضاف في تصريحات للصحافيين أن "هذه أول قمة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي... إنها تمثل حقبة جديدة في علاقتنا، وهذا الاتفاق يعود بالنفع على الطرفين".
من ناحيتها، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين إن الاتفاق يبعث برسالة مفادها أن الدول الأوروبية متحدة. وأضافت في تصريحاتها للصحافيين: "الرسالة التي نوجهها للعالم اليوم هي أنه... في وقت يسود فيه عدم الاستقرار العالم وتواجه قارتنا أكبر تهديد لها منذ أجيال، فإننا في أوروبا متحدون".
الاتفاق يجعل الغذاء أرخص ويحسن أمن الطاقة ويضيف نحو 9 مليارات جنيه إسترليني (12.1 مليار دولار) إلى الاقتصاد الريطاني بحلول عام 2040
وأوضح ستارمر أن هذه الاتفاقيات ستساهم في تخفيف الإجراءات البيروقراطية وتنمية الاقتصاد البريطاني، وإعادة ضبط العلاقات مع التكتل التجاري المكون من 27 دولة منذ خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في عام 2020، علماً أن ستارمر استضاف، إضافة إلى فون ديرلاين، مسؤولين كبارا آخرين من الاتحاد في لندن، في أول قمة رسمية بين الجانبين منذ بريكست.
وإلى جانب الدفاع، تنص بقية الاتفاقيات على إزالة بعض الضوابط على المنتجات الحيوانية والنباتية لتسهيل تجارة الأغذية عبر الحدود، من خلال رفع القيود المفروضة على الصادرات البريطانية إلى دول الاتحاد الأوروبي الـ27، مقابل تمديد بريطانيا حقوق الصيد للاتحاد في مياهها الإقليمية لمدة 12 عاما إضافية.
سيارات
التحديثات الحية
خيبة أمل أميركية.. الاتفاق التجاري مع بريطانيا يضر بصناعة السيارات
ورغم أن الاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري للمملكة المتحدة، فقد تراجعت صادرات المملكة المتحدة بنسبة 21% منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي بسبب تشديد إجراءات التفتيش الحدودية، والأعمال الورقية المعقدة وحواجز أخرى.
وأضاف ستارمر أن المملكة المتحدة ستجني "فوائد حقيقية وملموسة" في مجالات مثل "الأمن والهجرة غير النظامية وأسعار الطاقة والمنتجات الزراعية والغذائية والتجارة"، بالإضافة إلى "خفض الفواتير وتوفير فرص العمل وحماية حدودنا".
من جهتها، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية: "هذا يوم مهم لأننا نطوي الصفحة ونفتح فصلا جديدا. هذا أمر بالغ الأهمية في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية، لأننا نتشارك في الرؤية والقيم نفسها". وقالت المملكة المتحدة إن الاتفاق الاقتصادي الجديد مع الاتحاد الأوروبي يخفف من إجراءات التفتيش الجمركي على المنتجات الغذائية والنباتية، ما يسمح "من جديد بحرية تدفق السلع".
ينص الاتفاق على رفع القيود المفروضة على الصادرات البريطانية إلى دول الاتحاد الأوروبي الـ27، مقابل تمديد بريطانيا حقوق الصيد للاتحاد في مياهها الإقليمية لمدة 12 عاماً إضافياً
ورأت حكومة العمال بزعامة ستارمر أن الاتفاق الذي أبرمته حكومة المحافظين السابقة "لا يخدم مصالح أي طرف". لكن ستارمر، الذي تولى رئاسة الوزراء عقب انتخابات يوليو/تموز الماضي، رسم عدة خطوط حمراء قال إنه لن يتجاوزها. ومن شأن الاتفاق "أن يؤدي إلى تنفيذ الغالبية العظمى من عمليات نقل الحيوانات ومنتجاتها والنباتات ومنتجاتها بين بريطانيا العظمى والاتحاد الأوروبي من دون الحاجة إلى الشهادات أو إجراءات الرقابة المعمول بها حاليا"، وفقاً لما نقلت فرانس برس.
موقف
التحديثات الحية
صدمة خفض "موديز" و"لخبطة" حسابات ترامب
وفي ما يتعلق بمسألة تنقل الشباب، اتفق المفاوضون على صياغة عامة تُؤجل المساومة إلى وقت لاحق. وتخشى لندن أن يُؤدي أي برنامج لتنقل الشباب إلى عودة حرية التنقل بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. ورفض ستارمر العودة إلى حرية الحركة الكاملة، لكنه منفتح على برنامج تنقل يتيح لبعض الشباب البريطانيين والأوروبيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاما الدراسة والعمل في المملكة المتحدة وبالعكس.
ريفولت بريطانيا تستثمر 1.1 مليار دولار في فرنسا
على صعيد متصل، أعلنت شركة التكنولوجيا المالية البريطانية ريفولوت عن عزمها استثمار أكثر من مليار يورو (1.1 مليار دولار) في فرنسا خلال السنوات الثلاث المقبلة، ضمن سعيها لتعزيز وجودها في القارة الأوروبية.
وأعلنت شركة ريفولوت، التي تتخذ من لندن مقرا لها وتقدم خدمات مصرفية رقمية عبر التطبيقات مثل المدفوعات والاستثمار وتبادل العملات، اليوم الاثنين، عن خطط لفتح مقر لها في غرب أوروبا في باريس، وهو ما سيكون مكملا لمركزها الحالي في ليتوانيا.
ووُصف هذا الاستثمار بأنه أكبر التزام أجنبي يشهده القطاع المالي في فرنسا منذ عقد، وقد كُشف عنه خلال قمة "اختر فرنسا"، وهي فعالية سنوية تهدف إلى جذب الاستثمارات الدولية. وقالت شركة ريفولوت إن هذه الخطوة ستوفر أكثر من 200 فرصة عمل، وستدعم طلبها للحصول على ترخيص مصرفي في فرنسا.
وقال بيير ديكوتيه، المسؤول عن المخاطر والامتثال في شركة ريفولوت: "إننا نسعى، من خلال مقرنا الجديد في باريس، إلى بناء علاقات أوثق مع الجهات التنظيمية ومع عملائنا، وتعزيز الثقة في السوق". وبرزت فرنسا باعتبارها أسرع الأسواق نموا بالنسبة لشركة ريفولوت داخل الاتحاد الأوروبي، حيث يتجاوز عدد مستخدميها هناك 5 ملايين شخص. وعلى المستوى العالمي، تخدم الشركة أكثر من 55 مليون شخص، من بينهم أكثر من 40 مليونا في أنحاء أوروبا.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


BBC عربية
منذ ساعة واحدة
- BBC عربية
هل استفادت الصين من الصراع بين الهند وباكستان في رسم ملامح قوتها العسكرية؟
انتهى الصراع الذي استمر أربعة أيام بين الخصمين التقليديين، الهند وباكستان، الشهر الجاري بوقف إطلاق النار، مع إعلان كل منهما تحقيق النصر، بيد أن التطورات الأخيرة سلطت الضوء على قطاع صناعة الدفاع في الصين، التي قد تكون الرابح الحقيقي في هذا الصراع بطريقة غير مباشرة. انطلقت أحدث موجة من التوترات بين الهند وباكستان في السابع من مايو/أيار، عندما شنت الهند هجمات استهدفت ما أطلقت عليه اسم "البنية التحتية للإرهابيين" داخل الأراضي الباكستانية، في رد على هجوم مسلح راح ضحيته 26 شخصاً، أغلبهم من السائحين، في بلدية باهلغام في كشمير الخاضعة للإدارة الهندية في الثاني والعشرين من أبريل/نيسان. وقُتل كثيرون في الوادي ذي الطبيعة الخلابة في كشمير، الأمر الذي دفع نيودلهي إلى اتهام إسلام آباد بدعم الجماعات المسلحة المتورطة في هذا الهجوم، وهو اتهام نفته باكستان. وعقب رد الهند، الذي أطلقت عليه اسم "عملية سندور"، وتوجيه ضربة في أعقاب الهجوم الذي نفذته الجماعات المسلحة، دخل الطرفان في سلسلة من التحركات العسكرية المتبادلة، تضمنت شن هجمات بمسيّرات، وصواريخ، ومقاتلات حربية. وأشارت تقارير إلى أن الهند استخدمت في شن الهجمات مقاتلات فرنسية وروسية الصنع، بينما استخدمت باكستان طائرات، من طراز" جيه-10" و"جيه-17"، التي تشترك في تصنيعها مع الصين، وأكد الجانبان أن المقاتلات لم تتجاوز الحدود، وأن تبادل إطلاق الصواريخ جرى عن بُعد. وادّعت إسلام آباد أن مقاتلاتها الجوية أسقطت نحو ست طائرات تابعة للهند، بما في ذلك طائرات من طراز "رافال" الفرنسية الصنع، التي حصلت عليها الهند مؤخراً، لكن من جانبها لم تصدر دلهي أي رد رسمي على هذه الادعاءات. وقال المارشال الجوي، إيه كيه بهارتي، أحد القادة البارزين في سلاح الجو الهندي، في تصريح له الأسبوع الماضي، رداً على سؤال من أحد الصحفيين بشأن تلك الادعاءات: "الخسائر جزء من المعارك"، وامتنع بهارتي عن التعليق على الادعاء المباشر بشأن إسقاط باكستان طائرات هندية. وأضاف: "حققنا الأهداف التي حددناها، وعاد جميع طيارينا بسلام". وأعلنت الهند أنها قتلت نحو "100 إرهابي"، خلال هجماتها التي استهدفت مقرّات تابعة لتنظيمي "عسكر طيبة" و"جيش محمد" المحظورين، والمتمركزين داخل الأراضي الباكستانية. ولا تزال الرواية الحاسمة لما جرى بالفعل خلال المعارك الجوية بين الطرفين غير واضحة حتى الآن، إذ تحدثت بعض وسائل الإعلام عن وقوع حوادث سقوط لطائرات في ولاية البنجاب وكشمير الخاضعة للإدارة الهندية في الفترة نفسها، بيد أن الحكومة الهندية لم تصدر أي تعليق رسمي على تلك التقارير. وذكر تقرير نشرته وكالة رويترز للأنباء، نقلاً عن مسؤولين أمريكيين، أن باكستان ربما استخدمت طائرات من طراز "جيه-10" صينية الصنع لإطلاق صواريخ جو-جو على مقاتلات هندية، ويرى بعض الخبراء أن إعلان باكستان تحقيق النصر، بعد اعتمادها الكبير على أنظمة الأسلحة الصينية في قتال نشط، يمثل دفعة قوية لصناعة الدفاع الصينية، بينما يعارض آخرون هذا الرأي. ويرى بعض الخبراء أن ما حدث يعد لحظة فارقة لصناعة الأسلحة في الصين، أشبه بـ "لحظة ديب سيك"، في إشارة إلى ما حدث في يناير/كانون الثاني الماضي عندما أزعجت شركة الذكاء الاصطناعي الصينية الناشئة عمالقة التكنولوجيا الأمريكية من خلال تقنيتها التي اتسمت بانخفاض التكلفة والكفاءة العالية. وقال الكولونيل المتقاعد في جيش تحرير الشعب الصيني، تشو بو، لبي بي سي: "كانت المعركة الجوية بمثابة إعلان هائل عن صناعة الأسلحة الصينية. حتى الآن، لم تتح للصين فرصة لاختبار أنظمتها في ظروف قتالية فعلية". وأضاف المحلل، الذي يقيم في بكين، أن المواجهة الجوية أظهرت أن "الصين تمتلك أنظمة تتفوق على نظيراتها"، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسهم شركة "أفيك تشنغدو" الصينية المتخصصة في صناعة الطائرات المقاتلة، مثل الطائرة "جيه-10"، بنسبة تصل إلى 40 في المئة خلال الأسبوع الماضي عقب الأداء المعلن عنه لهذه الطائرة في الصراع بين الهند-باكستان. وعلى الرغم من ذلك يرى بعض الخبراء أن الوقت لا يزال مبكراً لإعلان تفوق أنظمة الأسلحة الصينية. ويقول والتر لادفيغ، من كينغز كوليدج في لندن، إن الأمر لم يُحسم حتى الآن إذا كانت الطائرات الصينية استطاعت بالفعل التفوق على طائرات سلاح الجو الهندي، وخصوصاً طائرات "رافال" الفرنسية الصنع. ويضيف: "وفقاً للعقيدة العسكرية التقليدية، يجب التصدي لدفاعات العدو الجوية وتحقيق التفوق الجوي قبل استهداف الأهداف الأرضية، وعلى الرغم من ذلك يبدو أن مهمة سلاح الجو الهندي لم تكن تهدف إلى استثارة أي رد فعل عسكري من الجانب الباكستاني". ويعتقد لادفيغ أن الطيارين الهنود ربما تلقوا أوامر بالتحليق على الرغم من حالة التأهب القصوى التي كانت عليها الدفاعات الجوية الباكستانية، ووجود طائراتها بالفعل في السماء، ولم تكشف القوات الجوية الهندية عن تفاصيل المهمة أو استراتيجيتها في العمليات الجوية. كما لم تدل بكين بأي تصريح بشأن تقارير أفادت بإسقاط طائرات مقاتلة هندية، بما فيها طائرات "رافال"، بواسطة طائرات "جيه-10"، بيد أن التقارير غير المؤكدة بشأن إسقاط طائرة "جيه-10" لنظام سلاح غربي أثارت موجة من الفرح والشعور بنشوة الانتصار على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية. وقالت كارلوتا ريناودو، الباحثة في الشؤون الصينية في الفريق الدولي لدراسة الأمن في فيرونا، إن وسائل التواصل الاجتماعي في الصين فاضت بالرسائل الوطنية، على الرغم من صعوبة التوصل إلى نتائج حاسمة اعتماداً على المعلومات المتاحة. وأضافت: "يكتسب الانطباع عن الناس، في الوقت الراهن، أهمية تفوق الواقع بكثير. وإذا أخذنا الأمر من هذا المنظور، فإن الرابح الحقيقي هو الصين". وتعد باكستان حليفاً استراتيجياً واقتصادياً للصين، التي تستثمر ما يزيد عن 50 مليار دولار في إنشاء البنية التحتية في باكستان ضمن مشروع الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني، لذا لا يصب ضعف باكستان في مصلحة الصين. ويقول المحلل الأمني الباكستاني، إمتيار غول: "لعبت الصين دوراً حاسماً في النزاع الأخير بين الهند وباكستان، وفاجأت المخططين الهنود بشكل كبير، إذ ربما لم يكن في تصورهم مدى عمق التعاون في مجال الحرب الحديثة بين باكستان والصين". ويرى خبراء أن أداء الطائرات الصينية في ظروف قتال فعلية قد خضع لتحليل دقيق في العواصم الغربية، إذ من المتوقع أن يكون لذلك أثر بالغ على سوق الأسلحة العالمية، لاسيما وأن الولايات المتحدة تعد أكبر مصدر للأسلحة على مستوى العالم، تليها الصين في المركز الرابع. وتصدّر الصين أسلحتها في الغالب إلى دول نامية مثل ميانمار وباكستان، وكانت أنظمة الأسلحة الصينية تتعرض في السابق لانتقادات بسبب ضعف جودتها ورصد مشكلات تقنية تواجهها. وكانت أنباء قد تحدثت عن تعليق القوات المسلحة البورمية استخدام عدد من طائراتها المقاتلة من طراز "جيه إف-17"، التي جرى تصنيعها بالشراكة بين الصين وباكستان عام 2022، بسبب وجود مشكلات تقنية. كما أفاد الجيش النيجيري بوجود عدة مشكلات تقنية في طائراته المقاتلة من طراز "إف-7" صينية الصنع. وهذه ليست المرة الأولى التي تفقد فيها الهند طائرة في مواجهة مع باكستان. ففي عام 2019، وخلال معركة جوية وجيزة بين الطرفين، عقب تنفيذ ضربات جوية هندية مماثلة على مواقع وُصفت بأنها تابعة لإرهابيين مشتبه بهم في باكستان، أُسقطت طائرة من طراز "ميغ-21" روسية الصنع داخل الأراضي الباكستانية، وأُسر قائدها الذي أُفرج عنه بعد أيام. لكن الهند أعلنت أن الطيار قفز من طائرته بمظلة عقب نجاحه في إسقاط طائرات مقاتلة باكستانية، منها طائرة طراز "إف-16" الأمريكية الصنع، وهو ادعاء نفته باكستان. وعلى الرغم من التقارير التي تحدثت عن إسقاط طائرات هندية الأسبوع الماضي، يرى خبراء مثل لادفيغ أن الهند نجحت في ضرب "نطاق واسع من الأهداف" داخل باكستان في صباح العاشر من مايو/أيار، الأمر الذي لم يحظ باهتمام كبير من وسائل الإعلام الدولية. وأعلن الجيش الهندي أنه نفذ هجوماً منسقاً أطلق خلاله صواريخ على 11 قاعدة جوية باكستانية في مختلف أنحاء البلاد، من بينها قاعدة نور خان الجوية الاستراتيجية الواقعة خارج روالبندي، القريبة من مقر القيادة العسكرية الباكستانية، ويُعد هذا الهدف حساساً ومفاجئاً للسلطات في إسلام أباد. وكان أحد أبعد الأهداف في بولاري، التي تقع على مسافة 140 كيلومتراً من مدينة كراتشي الجنوبية. ويقول لادفيغ إن سلاح الجو الهندي نفذ في هذه المرة عمليات وفق إجراءات متبعة، بداية بشن هجوم على أنظمة الدفاع الجوي والرادارات الباكستانية، ثم توجيه ضربات هجومية على أهداف أرضية. كما استعانت الطائرات الهندية بتشكيل من الصواريخ والذخائر والطائرات المسيّرة، على الرغم من تفعيل باكستان نظام الدفاع الجوي "إتش كيو-9" المزود من الصين. ويقول لادفيغ: "يبدو أن الهجمات كانت دقيقة وتحققت أهدافها إلى حد كبير، إذ كانت الحفرات في منتصف مدارج الطائرات، وهي مواقع مثالية تماماً. أما لو كان الصراع طال أمده، فلا أستطيع تحديد المدة التي ستحتاجها القوات الجوية الباكستانية لإعادة تشغيل هذه المنشآت". وعلى الرغم من ذلك، أشار إلى أن الجيش الهندي "فقد زمام السيطرة على سرد الأحداث" بسبب رفضه الخوض في تفاصيل بالغة الأهمية. ورداً على الغارات الهندية، أعلنت باكستان أنها نفذت هجمات صاروخية وجوية على عدد من القواعد الجوية الهندية في الخطوط الأمامية، إلا أن نيودلهي أكدت أن الهجمات لم تُسفر عن أي أضرار في المعدات أو الأفراد. وبناء على ذلك تدخلت الولايات المتحدة وحلفاؤها، إدراكاً منهم بأن الوضع يتفاقم، وفرضوا ضغوطاً على البلدين لوقف المعارك بينهما. ويجد خبراء أن هذا النزاع برمته يمثل إنذاراً مهماً للهند ودعوة للاستيقاظ. وإن كانت الصين لا تُعلّق على تفاصيل الصراع الأخير بين الهند وباكستان، إلا أنها حريصة على إبراز تقدم أنظمة أسلحتها التي تواكب بسرعة تطور الأسلحة الغربية. وتُدرك نيودلهي أن الطائرات التي زودت بها الصين باكستان هي طُرز أوّلية، إذ استطاعت بكين بالفعل صناعة طائرات مقاتلة متقدمة من طراز "جيه-20" الشبحية التي تتمتع بتقنية التخفي وتجنب رصد الرادارات. وتخوض الهند والصين نزاعاً حدودياً طويل الأمد على طول سلسلة جبال الهيمالايا، تسبب في حرب قصيرة في عام 1962 مما أسفر عن هزيمة الهند، كما حدثت اشتباكات حدودية قصيرة في لاداخ في يونيو/حزيران 2020. ويرى خبراء أن الهند تعي تماماً أهمية تعزيز استثماراتها في صناعة الدفاع المحلي وزيادة معدلات الشراء من السوق الدولية. وحتى هذه اللحظة، يبدو أن صناعة الدفاع الصينية لفتت الانتباه على نحو كبير عقب الادعاء بنجاح طائراتها في الصراع الهندي-الباكستاني الأخير.


منذ ساعة واحدة
الولايات المتحدة تُسيّر أول رحلة 'مغادرة طوعية' للمهاجرين بمكافأة ألف دولار
واشنطن- 'القدس العربي': أعلنت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية، الإثنين، عن تنظيم أول رحلة طيران مستأجرة ضمن برنامج 'الترحيل الذاتي' الجديد، والذي يتيح للمهاجرين غير النظاميين مغادرة البلاد طواعية مقابل منحة مالية قدرها 1000 دولار. وأفادت الوزارة في بيان صحافي أن الرحلة شملت 64 مهاجرًا من كولومبيا وهندوراس، عادوا إلى بلدانهم بموجب البرنامج، مشيرة إلى أن 'الرحلة كانت طوعية بالكامل، وليست جزءًا من عمليات الترحيل القسري التي تنفذها هيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك'. وحصل المشاركون في البرنامج على المزايا الكاملة، بما في ذلك مساعدة لوجستية في ترتيبات السفر، ومنحة مالية، بالإضافة إلى احتفاظهم بإمكانية العودة المستقبلية إلى الولايات المتحدة بصورة قانونية. وكانت إدارة الرئيس دونالد ترامب قد أعلنت مطلع مايو/ أيار الجاري إطلاق البرنامج عبر تطبيق إلكتروني جديد يُعرف باسم CBP Home، وهو نسخة مطورة من تطبيق CBP One الذي أطلقته إدارة بايدن، وكان يتيح حجز مواعيد لتقديم طلبات اللجوء. ويمنح البرنامج المهاجرين مهلة تقارب ثلاثة أسابيع لترتيب أوضاعهم قبل المغادرة، مع وعد بالمساعدة في تكاليف العودة، ومنحة مالية تُحوّل لهم بعد التأكد من مغادرتهم البلاد. ولكن في المقابل، حذّرت رابطة محامي الهجرة الأمريكية (AILA) من أن الإعلان الحكومي قد يكون مضلّلًا، مشيرة إلى أن بعض المشاركين قد يواجهون عواقب قانونية، من بينها منع دخول الولايات المتحدة لعدة سنوات، خاصة إذا كانوا قد أقاموا فيها بصورة غير قانونية لفترة طويلة. وقالت الرابطة في بيان سابق: 'من غير الأخلاقي أن توحي الحكومة بأن الترحيل الذاتي آمن وخالٍ من العواقب دون توضيح التبعات القانونية، خصوصًا لمن لا يملكون تمثيلًا قانونيًا ولا يدركون حقوقهم.' وأظهرت صور نشرتها وزارة الأمن الداخلي مهاجرين مبتسمين لدى وصولهم إلى بلدانهم، حيث كان في استقبالهم ممثلون عن حكوماتهم، وقدّموا للأطفال دمى محشوة. وأشارت الوزارة إلى أن العائدين إلى هندوراس، على وجه الخصوص، كانوا مؤهلين للحصول على مساعدات حكومية إضافية بقيمة 100 دولار وقسائم غذائية.


العربي الجديد
منذ 2 ساعات
- العربي الجديد
رجال تحت النار... تقويض إسرائيلي ممنهج للدفاع المدني في غزة
يتلقى رجال الدفاع المدني الفلسطيني تهديدات إسرائيلية لمنعهم من القيام بواجبهم في إنقاذ ضحايا الحرب على غزة، ومع ذلك يُصرون على العمل رغم استشهاد رفاقهم والتدمير الممنهج لمعداتهم، حتى أصبحوا يحفرون الركام بأياديهم. - مهرولاً لتلبية نداء الواجب، أسرع ضابط الدفاع المدني الفلسطيني رائد عاشور برفقة زملائه من عناصر الإنقاذ لدى توجّههم إلى حي الزهور بمدينة رفح جنوب قطاع غزة، بعد ورود بلاغ من جيران منزل تعرض للقصف في نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، وما إن وصل الفريق إلى الموقع، حتى فوجئوا بعاشور يخرُّ مغشياً عليه، فقد كان البيت المستهدَف يخصُّ شقيقه موسى، وتحولت طوابقه الثلاثة إلى ركام . "كانت الصدمة أكبر من أن أتحملها"، يروي عاشور النازح وعائلته من رفح ما جرى يومها، مضيفاً لـ"العربي الجديد"، بثبات يحسد عليه: "انتشل زملائي سبعة شهداء من تحت الركام، من بينهم موسى وأبناؤه وأحفاده". وبالرغم من الفاجعة، لم يتوقف عاشور عن أداء واجبه الإنساني والمهني، إذ يواصل عمله في الدفاع المدني جنوب القطاع منذ 19 شهراً دون انقطاع، وإن كان تقريباً بلا راتب مثل بقية رفاقه، إذ لا يُصرف له سوى أقل من نصف المبلغ كل شهرَين. ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فبعد شهر فحسب من الكارثة الأولى، خرج عاشور في مهمة جديدة، وعقب الوصول تبيّن أن القصف طاول منزل شقيقه الثاني إسماعيل، إلّا أن رد فعله اختلف هذه المرة، وبدلاً من الانهيار، اندفع نحو أنقاض المبنى، بكل قوة وانتابته حالة غريبة، يصفها قائلاً: "كنت أحفر بيدي، حتى إنّني أصبت بثلاثة جروح كبيرة بسبب الخرسانة، إلّا أنني لم أشعر بالألم، وكلّما انتشل زملائي جثماناً، كنت أتقدم للتعرف عليه، أبكي بصمت ثم أواصل الحفر، لربما أعثر على ناجين". وبالفعل بعد ساعات طويلة أنقذ اثنين من أبناء شقيقه كانا لا يزالان على قيد الحياة تحت الأنقاض ، وتمكن بمفرده من انتشال ثمانية شهداء. تحقيق مذبحة جباليا... جريمة حرب في سوق المخيم تحدي المستحيل منذ بداية الحرب قبل عشرين شهراً، ينام عاشور وزملاؤه داخل المركبات أو بجانبها، وتمرّ أيام طويلة لا يرون أفراد عائلاتهم، إذ يعملون بين 10 و18 ساعة يومياً، وكلّها مليئة بالدم والدموع، حتّى غدا إخراج الأشلاء والشهداء مشهداً اعتيادياً، ليس على مستوى عائلاتهم ورفاقهم فحسب، بل كثيراً ما كان أحدُهم هو الضّحية، إذ وضع الاحتلال طواقم الإنقاذ والإسعاف ضمن بنك أهدافه، لشلّ قدرة القطاع على مواجهة الكوارث الإنسانية الناجمة عن القصف المستمر، كما يقول إسماعيل الثوابتة، المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة. لذا؛ يحصي الدكتور محمد المغير، مدير الإمداد والتجهيز في الدفاع المدني، حصيلة ثقيلة لشهداء الجهاز، فقد قتلت إسرائيل 111 عنصراً وضابط إنقاذ وإسعاف، من كوادر الدفاع المدني، وأصابت 329 آخرين، واعتقلت 30 عنصراً، ودمرت 54 مركبة إسعاف وتدخل سريع، واستهدفت 14 مقراً ومركزاً من أصل 17 تتبع المديرية العامة للدفاع المدني بالقطاع، وذلك حتى نهاية إبريل/نيسان الماضي، كما دُمّرت مبانٍ ومعدات تُقدّر قيمتها بـ 30 مليون دولار، بعد أن طاولت الضربات الجرافات التابعة للبلديات، ولم تسلم حتى تلك المملوكة للقطاع الخاص، بعد ما اعتمد عليها الدفاع المدني في مهام الإنقاذ، يؤكد الثوابتة. و"قطعاً لن ولم يتوقف عمل الجهاز بعد كل ما سبق سرده، إذ تبنى استراتيجية العمل بالمتاح، في كل مناطق القطاع عبر 13 نقطة ميدانية، هي في حقيقتها أراضٍ خالية أو شوارع يتمركز فيها ما تبقى من طواقم ومعدات، لا تتجاوز ثلث ما كان متاحاً قبل الحرب"، يقول المغير وأربعة من عناصر الدفاع المدني تحدثوا لـ"العربي الجديد"، من أبرزهم الشهيد زهير الفرا، الذي التقاه مُعِدّ التحقيق قبل أن يقتله الاحتلال برفقة 14 من زملائه في جريمة إعدام جماعي تعرض لها طاقم الدفاع المدني والهلال الأحمر الفلسطيني أثناء تأديتهم مهامّهم الإنسانية عبر استهدافهم مباشرةً في حي تل السلطان برفح بتاريخ 23 مارس/آذار الماضي. /* ><!*/ "هنا بالفعل لا نبالغ إذا قلنا إنّنا اضطررنا للعمل بأدوات بدائية مثل المطرقة والفأس للوصول إلى العالقين، وكثير من عناصرنا أصيبوا بجروح وكسور، وهم يرفعون الركام بأياديهم العارية، دون حماية أو دعم لوجيستي" يقول المغير. ومن بين هؤلاء، ضابط الإنقاذ معتصم خريس، الذي شارك في مهمة انتشال ناجين من تحت أنقاض منزل تعرض للقصف في محافظة خانيونس خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ويروي مشهداً مؤثراً واجهه، إذ عثر على سيدة تحاصِرُ قدميها كتلةٌ خرسانية ضخمة، ما أعاق حركتها بالكامل، فقد "كان الركام بمثابة حزام يطوّق قدميها"، مشيراً إلى أنه استخدم مطرقة يدوية لتحطيم الكتلة الكبيرة وحمل القطع المتفتتة بيديه، ولم يتوقف عن العمل لأكثر من ساعتين، حتى بعد إصابته بجرح عميق في يده، تطلب تدخلاً طبياً فورياً، لكنه اكتفى بلفها بقطعة شاش لإيقاف النزيف، رافضاً المغادرة إلى أن تمكّن من إنقاذ السيدة، وهو ما تكرر مع خمسة من زملائه أكّدوا لـ"العربي الجديد" أن طبيعة القصف وفقدان المعدات فرضت عليهم العمل بأياديهم في محاولة للحفاظ على أرواح تتشبث بالأمل في الحياة. تحقيق متعدّد الوسائط تدمير بيئة غزة... من ينجُ من قنابل الاحتلال تصبه الأوبئة إرهاب طواقم الدفاع المدني يتعمد الاحتلال خلق بيئة من الرعب والضغط على طواقم الدفاع المدني بأساليب ترهيب ممنهجة، في محاولة لمنعهم من القيام بواجبهم في اللحظات الحرجة، وتعطيل مهام الإنقاذ، وعلى رأس تلك الممارسات، اتصالات هاتفية يتلقاها قادة فرق الإنقاذ الفلسطينية من جيش الاحتلال عقب تنفيذ القصف مباشرة، ليحذرهم الاحتلال من التوجّه إلى الموقع المستهدَف، ويُطلَب منهم صراحة وقف أي تحرك لإنقاذ الضحايا، بزعم أن "القصف سيُستأنف خلال لحظات"، بحسب المغير. تتصل قوات الاحتلال بالعاملين في الدفاع المدني لترهيبهم "هذا غيض من فيض"، يقول خريس، فقد سبق وأن نجا من قصف مباشر خلال تنفيذ مهمة في منطقة المواصي بخانيونس في نوفمبر الماضي، بعد استهداف منزل يعود لعائلة أبو شمّالة عبر قصف جوي نفذته طائرات الاحتلال، فانطلق فريق الدفاع المدني إلى الموقع، وفوجئ خريس بورود مكالمة من رقم خاص، لم تتعدّ 15 ثانية، أنذرهم فيها ضابط من الاحتلال صراحةً بأن فريق الإنقاذ سيكون الهدف، لكنّهم أصروا على تأدية واجبهم وبمجرد وصولهم، تكرر القصف إلّا أنهم نجوا بأعجوبة. يقول خريس لـ"العربي الجديد": "لم نفكر لحظة في العودة، ورغم القصف الذي كاد أن يودي بحياتنا، واصلنا التقدم ونحن نردد الأذكار ونتلو القرآن وهذا ما يُقوّينا ويمنحنا الثبات". قصص كهذه تكشف عمق الخطر الذي يواجهه الطاقم الطبي والإنساني في غزة، ودرجة الاستهداف المنهجي الذي يتعرضون له، رغم الحصانة المفترضة بموجب القانون الدولي، إذ يخالف استهداف طواقم الدفاع المدني، وتقييد عملها، المواد 61، 62، 63، 64، و65 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات "جنيف الرابعة" لعام 1977، بحسب المغير، وتنص المادة الـ 62 من البروتوكول على أنه: "يجب احترام وحماية تشكيلات ووحدات الدفاع المدني، وأفرادها، والمباني التي يشغلونها، والمعدات ووسائل النقل التي يستخدمونها، أثناء قيامهم بمهام الدفاع المدني، ما دامت لا تقوم في نفس الوقت بأعمال تُخل بطبيعتها المدنية". أما المادة الـ 63، نصت على ضرورة تلقي الأجهزة المدنية للدفاع المدني في الأراضي المحتلة التسهيلات اللازمة من السلطات لأداء مهامها، ولا يعيق الاحتلال التنفيذ السليم لمهامهم. وبسبب سياسة الاحتلال أصبحت كل مهمة مجازفةً مميتة، خاصة لدى وقوع الغارات الإسرائيلية داخل مناطق تُصنَّف عسكرياً باعتبارها "عازلة" أو "حمراء" يُمنع على الطواقم الاقتراب منها ميدانياً، ما يعيق الوصول إلى الضحايا ليُتركوا لمصيرهم المحتوم، خاصة أن سلطات الاحتلال ترفض التنسيق مع الجهات الإنسانية الدولية كالصليب الأحمر، وبلغ مستوى الخطر أنها تدمر الطرق المؤدية إلى المواقع المستهدفة، فضلاً عن نقص حاد في الوقود، وأعطال متكرّرة تضرب المركبات الميدانية المهترئة، التي يتعذر إصلاحها أو استبدالها بسبب الحصار، كما تقول مصادر التحقيق ومن بينهم المغير، مضيفاً: "بالرغم من كل هذا، لا نملُّ من استجداء وساطات مؤسسات دولية في سبيل تأمين ممرات آمنة للوصول إلى المناطق عالية الخطورة، غير أن معظم هذه المحاولات تُقابل برفض إسرائيلي قاطع". وبحسب المغير، فإنه قبل تجدد العدوان، كان هناك 10 آلاف جثمان تحت الأنقاض، أضيف إليها 3 آلاف أخرى، ليصبح هناك 13 ألف جثمان لم تتمكن فرقهم من انتشالها، بسبب وجودها تحت ركام كثيف، تتطلب إزالته معدات ثقيلة، وما زال الاحتلال يمنع وصولها، ولأن طواقم الإنقاذ تولي الأحياء أهمية أكبر في عمليات الإنقاذ، لذلك ينصبّ الاهتمام على المنازل التي تُقصف حديثاً. الصورة ترفض سلطات الاحتلال التنسيق مع الجهات الإنسانية الدولية لتسهيل مهام الإنقاذ (Getty) معجزات في قلب النار في الثالث من إبريل الماضي، تحوّلت مدرسة دار الأرقم شرقي مدينة غزة إلى هدف مباشر للقصف، وعندما وصل ضابط الإنقاذ نوح الشغنوبي إلى الموقع لتفقد الأضرار، فوجئ بشاب محاصر تحت الركام، وقد علقت قدمه بين كتلتين خرسانيتين ضخمتين، كان المشهد يوحي بأن الإنقاذ مستحيل، لكن التهديد الأكبر جاء بعد لحظات، حين أبلغت قوات الاحتلال بوجود قصف جديد وشيك يستهدف الموقع نفسه، وانسحب الجميع حفاظًا على أرواحهم، إلا الشغنوبي، قائلًا: "طلب مني الشاب أن أغادر، وقلت له: لن أتركك"، وحاول إقناعه ببتر قدمه لتسهيل الخروج، لكن الشاب رفض، وبينما كان الوقت يمضي، واصل الشغنوبي محاولاته إلى أن نجح في تحرير المصاب وحمله بعيدًا، مستذكرًا بقوله: "بعد لحظات فقط من ابتعادنا، سقط صاروخ ودمر المكان بالكامل، كنت مستعدًا للموت، لكني اخترت أن أنقذه ونعيش معًا". هذه المشاهد، على قسوتها، ليست استثناءات، بل تُمثل نماذج يومية من مئات عمليات الإنقاذ التي تنفَّذ وسط غيابٍ شبه كامل للمقومات الأساسية للعمل الإنساني، ويحيى سالم، أحد الناجين الذين التقاهم معد التحقيق بفضل تلك المهمات البطولية، يروي ما عاشه تحت أنقاض منزل عائلته، الذي استُهدف في قصفٍ جوي أدى إلى استشهاد ستة من أقاربه، بينما نجا هو وشقيقته بأعجوبة، كما يقول: "كانت لحظات ضبابية، رأيت وميضًا أحمر، شعرت بدوار، ثم فقدت الوعي واستيقظت لاحقًا على صوت رجل ينادي: "في حدا عايش؟"، بالكاد همست: "أنا هان"، واقترب المنقذ ومعه زملاؤه، كانوا يحفرون بأيديهم، أذكر أنني شعرت بعرقهم يتساقط على وجهي، وبعد دقائق من الجهد الخارق، أزالوا عني الركام وأنقذوني". الصورة يعمل عناصر الدفاع المدني بأدوات بدائية مثل المطرقة والفأس بعد تدمير الاحتلال لآلياتهم (Getty) صراع يومي مع الموت يتذكر كل من ضابطي الإنقاذ معاذ المصري ومعتصم خريس، طبيعة عملهما قبل اندلاع العدوان، حين كانت المهمات نادرة ومقرات العمل مجهزة، ويتبعان جداول دوام منتظمة تتيح لهما فترات راحة طويلة، ووقتًا عائليًا طبيعيًا، وكانت الحوادث عبارة عن حريق هنا أو حادث سير هناك وتلبية النداء كانت تحصل بهدوء وعلى فترات متباعدة، لكن كل شيء تغيّر منذ بدء العدوان، إذ باتا ينفذان ما يصل إلى عشر مهمات إنقاذ في اليوم الواحد، دون توقف، وفي ظل فقدان عدد كبير من زملائهما الذين قضوا خلال عمليات الإنقاذ، فتحولت حياتهما إلى مزيج من الخطر المستمر، والإنهاك النفسي. وحتى المصاب من ضباط الإنقاذ لا يتأخر عن واجبه الإنساني، إذ استأنف صالح معمر عمله عقب إصابته في كتفه وصدره في فبراير/شباط الماضي خلال مهمة لإنقاذ الجرحى في منطقة تل السلطان، بعد أن فتحت قوات الاحتلال النار عليه وعلى طاقمه، رغم تنسيق مسبق بوجودهم في الموقع، وخضع لعملية جراحية دقيقة، ومع ذلك لم ينتظر طويلا ليعود إلى عمله، مؤمنًا كما يقول شقيقه حسين بأن ما يفعله أعظم من أن يتوقف لأجل سلامته الشخصية، وفعلاً، ظل في الميدان حتى اللحظة الأخيرة، حين استُشهد بينما كان يحاول إنقاذ آخرين في مجزرة تل السلطان. أما من نجا منها فلا يزال يعاني من آثار نفسية عميقة بعد أن شاهد رفاقه يُقضى عليهم أمام عينيه، وهذا هو حال ضابط الإنقاذ منذر عابد، الذي يصف ما جرى بقوله: "وردنا بلاغ عن إصابات غربي رفح، تحركنا فورًا، وكانت سيارات الإسعاف مضاءة بالكامل كما يقتضي التنسيق، لكن فور وصولنا، انهال علينا وابل من الرصاص فاختبأت في الجزء الخلفي من السيارة، لم أسمع صوتًا من زملائي، فقط أنفاسهم الأخيرة، بعدها وصلت وحدة إسرائيلية خاصة، فتحت باب السيارة، واعتقلوني ونكلوا بي، وحققوا معي خمس عشرة ساعة ثم أطلقوا سراحي، لقد قتلوهم بدمٍ بارد".